الصفحات

الجمعة، 6 مارس 2009

نحن وسوريا : لا عودة الى الوراء ولا مراهنة على تغيير سريع

نحن وسوريا : لا عودة الى الوراء ولا مراهنة على تغيير سريع ! السبت 27 ايلول 2003 -النهار
سعود المولى
• 1 -
ينتظر اللبنانيون، بكثير من الريبة والترقب، مثلهم في ذلك مثل إخوانهم السوريين، أية اشارة ولو بسيطة تسمح لهم بفهم حقيقة الاصلاح والتغيير الذي كثر الحديث عنه اخيراً. ذلك ان الامر يعنيهم جداً وهم يعرفون من خبرتهم المديدة في هذا المجال ان الكلام شيء والواقع شيء آخر. ومن هنا فانهم يحاولون جاهدين التعرّف ولو من بعد على ملامح المشروع الاصلاحي العتيد في سوريا علهم يتأكدون او يعرفون حقيقته ومآله. وخبرتهم وتجاربهم في هذا الميدان تملي عليهم موقف التريث والترقب وعدم استعجال إطلاق الاحكام. فالامر يتعلق بسوريا وهم ما تعودوا، ولا تجرأوا، ومنذ سنين طويلة، على مجرد الاشارة اليها تصريحاً او تلميحاً في حواراتهم او مداولاتهم او حتى توقعاتهم السياسية. فكيف اذا كان المطروح شعارات إصلاح وتغيير قد يفهم منها البعض انقلاباً او ثورة او تمرداً على الواقع القائم؟ وكيف اذا كان الحديث عن الاصلاح والتغيير يتم في ظروف اشتداد الضغوط الاميركية على سوريا؟ (...).
الحديث اذن عن الاصلاح ومشروعه في سوريا هو حديث خطير (وفي لبنان بالذات). ومن هنا استنكافنا جميعاً عن طرح هذا الملف ضاربين عرض الحائط بتاريخنا وتراثنا في ممارسة النقد السياسي والنقد الذاتي والمراجعات التي زخرت بها أدبياتنا الحزبية والنضالية في مرحلة الستينات والسبعينات من القرن العشرين.
ولكن الزلزال العراقي، واستمرار المأساة الفلسطينية وسط تمادي العجز العربي على مختلف الصعد، حافز اساسي وواضح لقيامنا بدورنا اللبناني والعربي والانساني لا بل بواجبنا القومي والديني والاخلاقي في مواجهة الانهيار الكبير في بنيان مجتمعاتنا وبلادنا (...).
ان النخب الحاكمة في بلادنا العربية وقد همشت، وضربت، المجتمع الاهلي والمجتمع المدني وأفقدت الانسان العربي حريته وكرامته وحتى لقمة عيشه ومأواه وصولاً الى احتقار وجوده وانسانيته. هذه النخب الحاكمة، وقد استولت على مقدرات البلاد وتحكمت بالعباد، لن تخلي الطريق امام دواعي الاصلاح والتغيير والحرية والديموقراطية (...). ولكن هذه النخب هي في الآن نفسه أسيرة خيوط العنكبوت التي نسجتها لحماية نفسها والمتمثلة بالارتباطات والتوازنات الخارجية، ومن هنا مسارعتها الى اطاعة الاوامر الاميركية وتنفيذها.
وهنا مأزق رهيب تعاظم واشتد بعد سقوط نظام صدام حسين في العراق، وهو يُنذر بأشد المخاطر على مشروع الاصلاح والتغيير في سوريا كما في لبنان وبقية البلدان العربية طالما انه يرهن ارادة التغيير والتحرر والاصلاح لمتغيرات الظروف الخارجية ولتوترات العلاقات مع الغرب واميركا.
• 2 -
كنت قد كتبت قبل 3 سنوات بالضبط، وإبان معمعة النداء الاول للمطارنة الموارنة وحملات التخوين والتكفير التي رافقته بانه ينبغي مصارحة سوريا حرصاً عليها اولاً وعلى جماعتها في لبنان ثانياً، قبل الحرص على لبنان وشعبه ومستقبله. فالمطلوب إقامة حوار سوري - لبناني حقيقي حول النهوض معاً في مواجهة التحديات (...). ومن اجل تطور ديموقراطي سليم وسلمي لتوازنات المجتمع الاهلي وللعلاقات بين المجتمع والدولة (في لبنان وسوريا) وللتكامل والتعاون بين البلدين، وصولاً الى مساهمتهما معاً في صوغ نظام اقليمي عربي جديد يقوم على سوق عربية مشتركة وعلى اتحاد عربي لدول ديموقراطية حرة مستقلة متطورة.
وما زلت اعتقد بأنه لا تغيير حقيقياً في لبنان دون حصول تغيير حقيقي في سوريا (وأقصد بالتغيير الاصلاح السلمي الديموقراطي لا الانقلاب او الثورة). وقد ازداد اقتناعي هذا وترسخ خصوصاً بعد الزلزال العراقي. فالسلطة السورية هي المسؤولة الاولى والمباشرة عن انتاج السلطة السياسية الحالية في لبنان، وهي سلطة تم تركيبها ببطء واناة وعبر محطات دراماتيكية أهمها، وأحدثها، الانقلاب على الطائف في انتخابات .1992 وبالتالي فان آليات التغيير الديموقراطي في لبنان معطلة او "مكربجة" بفعل اليد الضابطة السورية، ولكون التغيير في لبنان سيطيح رموز الوصاية السورية ومن خلال ذلك كل المنافع والامتيازات التي حصلت عليها الطبقة الجديدة في البلدين. وبالتالي فان الكلام على "سلطة بديلة" في لبنان (موقف لقاء قرنة شهوان) او على انتاج سلطة جديدة عبر قانون انتخابي جديد (موقف الرئيس الحسيني والجبهة الوطنية الجديدة) لا يستقيم ان لم يلامس اساس المسألة: الحوار مع سوريـا حـول إنجاز تغيير حقيقي في البلدين ولمصلحة البلدين (...).
فمن المعيب لسوريا وللبنان ان نطرح شعار الاصلاح والتغيير والشفافية ومحاربة الفساد تحت الضغط الاميركي او استجابة لطلبات اميركية محددة. ومن الخطر المراهنة على التدخل الاميركي لتعجيل عملية التغيير في لبنان وسوريا. كما انه من الخطأ لا بل من "الهبل" الاعتقاد بانه يمكن المراهنة على مأزق اميركي في العراق وعلى انشغال واشنطن بالوضعين العراقي والفلسطيني لكي نؤجل الاصلاح والتغيير. ان المعادلة المطروحة اليوم هي شديدة الوضوح: لا عودة الى الوراء (أي الى ما قبل الزلزال العراقي) وفي الوقت نفسه لا مراهنة على تغيير سريع. وفي ضوء هذه المعادلة الواضحة علينا تكييف الموقف الديموقراطي الداعي الى الاصلاح والتغيير السلمي في سوريا.
• 3 -
ينبغي ان نرفض الكلام الذي يقول إنه لا توجد قوى سياسية او جماهيرية منظمة لتستفيد من الديموقراطية، وبالتالي فان الديموقراطية مستحيلة او غير ممكنة في البلاد العربية. لقد كان هذا الكلام أحد مبررات الاستعمار والانتداب في مطلع القرن العشرين. وهو استخدم من طرف الحكام لتبرير القمع والاستبداد تارة تحت اسم المستبد العادل، وطوراً تحت عنوان، او شعار "الدولة القهرية". وقد سمعت اخيراً هذا الكلام على لسان معلّق سياسي سوري كثير الظهور في الاعلام اللبناني. ان هؤلاء ينسون او يتناسون تاريخ الحركة السياسية العربية وتراثها في النصف الاول من القرن العشرين، حيث كانت مصر وسوريا والعراق زاخرة زاهرة بالليبرالية والديموقراطية والحرية قبل حلول ليل الانقلابات العسكرية الثورية. واليوم، ورغم نصف قرن من الاستبداد والقمع والتنكيل ومن ضرب المجتمع وتهميش القوى والحركات السياسية فان الديموقراطية هي الحل الوحيد وهي السلاح الوحيد (...).
والبلاد العربية، وسوريا في طليعتها، تفتخر بوجود نخب فكرية وثقافية وسياسية في الداخل والخارج. وبأن مجتمعاتها لم تستسلم ولم تسلم القياد لأنظمتها وحكامها بل هي قاومت ومانعت مما سمح لها بالصمود والاستمرار وبانتاج حركية سياسية شديدة التنوع، عميقة التجارب، غنية الخبرات، تستطيع في حال إطلاق الحرية والديموقراطية انتاج قيادات ونخب جديدة. ولنا في مثال رياض الترك وتياره في الحزب الشيوعي السوري- المكتب السياسي، وفي المثقفين الكبار امثال ميشال كيلو وعبد الرزاق عيد وغيرهما، كما في حركة "الاخوان المسلمين" التي طرحت منذ سنوات شعار، ومطلب، المصالحة الوطنية والتعددية والديموقراطية، لنا فيها الامثلة الواضحة على ان للديموقراطية قاعدة حقيقية في سوريا.
هذا ناهيك عن ان الاصلاح السلمي الديموقراطي المنشود لن يستثني التيارات الاخرى المشاركة في الحكم، ومنها حزب البعث نفسه. فالمطلوب ان يبادر بعض من هم في السلطة الى اعادة تأهيل أنفسهم وتأهيل قواهم للمشاركة في المصالحة الوطنية وفي التغيير الحقيقي (...).
• 4 -
ان عناوين الاصلاح في سوريا تتركز على ضرب الفساد المستشري في السلطة على المستويات الاقتصادية والسياسية والادارية. وان نجاح ذلك مرهون بفك الاشتباك مع لبنان. ذلك ان ضرب الفساد والمفسدين في السلطة يعني ضرب مصدر الفساد والافساد وهو الطبقة الطفيلية اللبنانية - السورية، الامنية - العسكرية - المالية، المستفيدة من الوجود السوري في لبنان. ومن هنا فان شعار انجاز تسوية داخلية لبنانية - لبنانية، وسورية - سورية، ثم تسوية لبنانية - سورية، هو الشعار الصحيح اليوم ومعناه بالتحديد انجاز مصالحة وطنية حقيقية، وعفو عام حقيقي، واطلاق المعتقلين وللحريات في البلدين، الامر الذي يسمح بانتاج دولة ديموقراطية فاعلة تستند الى قوى مجتمعها، وتتصالح مع المجتمع اولاً. ومن ثم ايجاد تسوية تاريخية للعلاقات اللبنانية - السورية تسمح بان نتقدم ونتطور معاً (...).
• 5 -
صحيح القول بأن الظروف في لبنان مختلفة عن ظروف سوريا. فسوريا لم تعرف نظام التوافق الديموقراطي بين الطوائف ولا الحريات الناتجة عنه. ولكن الصحيح ايضاً ان لبنان عرف حرباً أهلية دمرت مجتمعه طوال ربع قرن. وان العلاقات بين لبنان وسوريا هي اكثر من ممتازة او مميزة. انها علاقات تقوم على استراتيجيا ورؤية ومصالح مشتركة وعلى ثوابت الهوية والانتماء والتاريخ والجغرافيا. وهذه العلاقات ليست خطاباً او شعاراً يستخدمه البعض لمصلحة مشروع سلطوي دفع ثمنه المجتمع الاهلي في لبنان وسوريا، والعلاقات الطبيعية بين لبنان وسوريا.
ان الخطاب القومجي القائم على التملق لسوريا لا ينتج او يولد سوى وعي وممارسة سياسية - امنية مفارقة للمجتمع، متغلبة عليه، قاهرة له، مفككة لمرجعياته الرمزية، تضرب ذاكرته وتهمش قواه وتصادر حقوقه. لذا فان المطلوب سورياً ولبنانياً هو توليد نص او خطاب سياسي - ثقافي - اجتماعي - اقتصادي متصالح مع المجتمع الاهلي، مع ذاكرته ومرجعياته الرمزية اولاً، ومفتوح على آفاق التطور الديموقراطي في لبنان وسوريا ثانياً، وعلى تشكيل نظام اقليمي عربي جديد ثالثاً (...). وهنا بالذات تكمن مسؤولية اللبنانيين والسوريين في الحوار الجاد الصريح حول آفاق المستقبل ومن اجل انتاج تسوية ذات أبعاد ثلاثة:
1- تسوية داخلية في لبنان وسوريا على قاعدة المصالحة الوطنية والعفو والمساواة والعدالة والحرية والديموقراطية.
2- تسوية تاريخية في العلاقات اللبنانية - السورية على قاعدة الاعتماد المتبادل والتعاون والاخوة والتنسيق، وضمن اطر وهياكل تنظيمية مشتركة واضحة وشفافة.
3- تسوية خارجية حول دورنا في الوطن العربي وفي العالم تنطلق من الالتزام بالشرعية الدولية وبالعلاقات مع الدول الصديقة (...) تحت عنوان: نحو نظام عالمي جديد اكثر عدلاً وتوازناً.
هذه هي معركتنا نحن والاخوة السوريون وفي هذا فليتنافس المتنافسون.
-------------------------