الصفحات

الأربعاء، 15 أبريل 2009

الحالة السلفية في الكويت.. البدايات والمآلات

الحالة السلفية في الكويت.. البدايات والمآلات

رجب الدمنهوري / 07-04-2009



يتميز المشهد السلفي الكويتي بالتنوعالمتابع للساحة الكويتية يجد أنها تمور بالعديد من الحركات والتجمعات الإسلامية على اختلاف مواقفها الفكرية والسياسية، وتباين رؤاها وأفكارها واجتهاداتها الشرعية، ويعد التيار السلفي بجميع مدارسه التقليدية والانفتاحية من أبرز هذه القوى بعد أن دشن ثقلا كبيرا وحضورا فاعلا في المشهد الإسلامي الكويتي اجتماعيا وسياسيا، مستفيدا من هامش الحرية الواسع نسبيا في الكويت، وتغاضي الحكومة عن تشكيل التيارات السياسية ونشاطاتها التي يحظرها القانون الكويتي.
بدايات التيار السلفي في الكويت تعود إلى أوائل القرن الرابع عشر الهجري وعشرينيات القرن الميلادي الماضي؛ حيث ظهر عدد من دعاة السلف وشيوخهم الذين نهلوا العلم الشرعي من علماء السعودية، وارتبطوا معهم بعلاقات وطيدة، ومنهم الشيخ عبد الله خلف الدحيان (1292 - 1349 هـ) والشيخ عبد العزيز الرشيد (1301 – 1327 هـ) والشيخ محمد بن سليمان الجراح (1322- 1417 هـ) والشيخ يوسف العيسى القناعي وغيرهم، وظلت دعوة هؤلاء مجرد جهود فردية إلى وقت طويل، كما تعد الحركة السلفية في الكويت امتدادا للفكر نفسه الذي حمل رايته في السعودية وأسسه الشيخ محمد بن عبد الوهاب (1703 - 1792 م).

وفي أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات قدم إلى الكويت السلفي البارز الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق، وإليه يرجع الفضل في انتشار الفكر السلفي والعمل على ترشيد انكفائيته وانغلاقه من خلال تأليف الكتب ودروس العلم والفتاوى وأشرطة الكاسيت، وعزز مسيرة التيار السلفي عودة الطلبة الكويتيين إلى بلدهم في أواخر السبعينيات بعد دراستهم العلم الشرعي السلفي على كبار العلماء في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، إذ مع رجوعهم ترعرع الفكر السلفي في ما يعرف بالمناطق الخارجية في الكويت؛ أي المناطق غير الحضرية وكثر رواده ومريدوه، وقد كان للخصائص البيئية المشتركة والثقافات المتقاربة لهذه المناطق مع البيئة السعودية عامل إضافي أشاع هذا الفكر ونشر أدبياته، بينما بقيت المناطق الداخلية "الحضر" إلى يومنا هذا لا تشكل ثقلا للتيار السلفي.

ومما شكل -أيضا- أساسا كبيرا في انخراط العديد من الكويتيين في النشاط الدعوي والخيري والإقبال على تعلم العلم الشرعي السلفي تركيز السلفيين في بداية النشأة على الدعوة للعقيدة الصافية ومحاربة "البدع والخرافات والشركيات" بعيدا عن السياسة ودهاليزها، في وقت كان الكويتيون يعزفون فيه عن المشاركة في التيارات والتجمعات السياسية أو الانتماء إليها.

القوى والتيارات السلفية



الاستعانة بالأجانب لتحرير الكويت أدى إلى شق الصف السلفي الخليجي

ولأن النوازل والكوارث والمصائب غالبا ما تلعب دورها في إعادة تقييم المناهج والفرز على أساس المواقف وإنتاج طروحات وأفكار جديدة، فقد أدت قضية الاستعانة بالقوات الأجنبية لتحرير الكويت عام 1991 م إلى شق الصف السلفي الخليجي وبروز آراء معارضة للنهج السلفي التقليدي، إذ انقسم سلفيو السعودية إلى تيارات عدة، تيار رأى عدم جواز الاستعانة بالقوات الأجنبية، ومن رموزه الشيخ سفر الحوالي والشيخ سلمان العودة والشيخ ناصر العمر والشيخ عائض القرني وآخرون، وتيار آخر أجاز الاستعانة، وكان على رأسه الشيخان عبد العزيز بن باز ومحمد بن عثيمين رحمهما الله، وظهر تيار ثالث تصدى لنظيره الأول بخطاب حاد ولغة مفرطة في النقد والهجوم على الآخرين وتزعمه الشيخ ربيع بن هادي المدخلي، وكانت هذه الانقسامات بمثابة الشرارة التي قادت إلى الانقلاب على الأفكار التقليدية ونقدها والتجرؤ على النظر في الموروث السلفي.

ولما كانت المتبنيات السلفية لأبناء شبه الجزيرة العربية مشتركة، فقد أدى طغيان تأثير البيئة السعودية على المنطقة وتداخل العائلات والقبائل الخليجية، إلى انتقال هذه الخلافات إلى الكويت، وهو الأمر الذي قاد إلى تشظي التيار السلفي إلى تيارات مختلفة في الفكر والرؤية، كما مثلت وفاة علماء التيار السلفي البارزين الشيخ بن باز والشيخ ناصر الدين الألباني والشيخ بن عثيمين عاملا كبيرا في تكريس الانقسامات والاختلافات في المنظومة السلفية الكويتية نظرا للدور الكبير الذي كان يقوم به هؤلاء في تجميع الشتات السلفي وتوحيد الآراء.

واختلف كثيرون حول ما إذا كانت الحالة السلفية في الكويت تعاني انشقاقا وانقساما أم مجرد تباينات في الرأي والاجتهاد والمنهج، لكن الواقع يؤكد أن هناك انقسامات حادة بلغت حد التجاذبات في وسائل الإعلام وتبادل الاتهامات، فقد وصف رموز في التيار السلفي المنشقين عنه بالخوارج والمرجئة والمروق عن منهج السلف، وهؤلاء الذين جددوا في طروحاتهم اتهموا التقليديين بالجمود والانغلاق والانسحابيين، وعلى أي حال فهناك تجمعات كثيرة متباينة الاجتهادات ترفع راية السلفية وتشكل معالمها ولكل منها تصوراته وآراؤه واجتهاداته.

السلفية الأم



طارق العيسى رئيس جمعية إحياء التراث

يعبر هذا التيار عن النسق السلفي التقليدي الذي يمارس نشاطه الدعوي والخيري من خلال جمعية إحياء التراث الإسلامي التي أسست عام 1981م كجمعية نفع عام، وتتمحور أهدافها وأنشطتها في الدعوة إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عله وسلم ومنهج السلف، والدعوة إلى عبادة الله وحده، والعمل على تعاون المسلمين على البر والتقوى، ونشر الخير والفضيلة، وإحياء التراث من خلال نشر كتب السلف، وتحذير المسلمين من البدع والمحدثات التي شوهت جمال الإسلام وحالت من دون تقدم المسلمين، وإنشاء المساجد والمؤسسات الصحية والتعليمية والمشاريع الخيرية والإنسانية في جميع أنحاء العالم عبر مجموعة من اللجان المتخصصة.

المهندس طارق العيسي رئيس الجمعية، ونائبه الدكتور وائل الحساوي والشيخ ناظم المسباح والشيخ خالد السلطان والشيخ أحمد الكوس من قيادات السلفية الذين لهم باع كبير في التنظير لمواقف الجمعية والدفاع عن أدبياتها ومنطلقاتها الفكرية، وترتبط الجمعية بعلماء السعودية ارتباطا وثيقا في مجال الفتوى وتنمية الوعي السلفي لدى أنصارها؛ إذ تستضيفهم في منتدياتها وأنشطتها ومحافلها.

ورغم بعض النداءات من داخل التيار السلفي نفسه والتيار الإسلامي بشكل عام التي تدعو إلى ضرورة أن تكون الفتوى في القضايا الشائكة والمحورية صادرة عن علماء الكويت لدرايتهم بالشأن المحلي وتفاصيله؛ فإن السلفية التراثية لم تلتفت لهذه المطالب، ومازالت ترجع إلى كتب ابن باز وابن عثيمين في بناء الثقافة الشرعية للمنتمين إليها، وإلى هيئة كبار العلماء في السعودية لاستفتائها في عظائم الأمور خاصة بعد إنكارها على الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق الذي كان بمثابة الأب الروحي لها ما قدمه من اجتهادات ورؤى متقدمة في مجموعة من الرسائل والكتب؛ إذ أصل لمشروعية العمل الجماعي في كتابيه "أصول العمل الجماعي" و"شيخ الإسلام بن تيمية والعمل الجماعي"، كما أصل الاشتغال بالعمل البرلماني والسياسي في كتبه "المسلمون والعمل السياسي" و"فصول من السياسة الشرعية في الدعوة إلى الله" و"الشورى في ظل نظام الحكم الإسلامي"، وقد رأى السلفيون أن الاجتهادات تخرج من مشكاة فكر الإخوان المسلمين ولهذا حكموا عليه بأنه سلفي العقيدة إخواني المنهج.

التجمع السلفي



خالد سلطان بن عيسى الأمين العام للتجمع السلفي

التجمع السلفي يتبع جمعية إحياء التراث، وتنفي الجمعية ارتباطها بالتجمع إعلاميا، حتى لا تقع تحت طائلة القانون الكويتي الذي يحظر على جمعيات النفع العام التدخل في السياسة أو المشاركة في الانتخابات، وقد أسسه السلفيون بعد تحرير الكويت في 1992 م ليكون الواجهة السياسية للجمعية، كما أن الحركة الدستورية الإسلامية الواجهة السياسية لجمعية الإصلاح الاجتماعي "الإخوان المسلمون"، ويتولى الأمانة العامة للتجمع رجل الأعمال الشهير والبرلماني السابق خالد سلطان بن عيسى منذ تأسيسه وحتى الآن، ومن أبرز قياداته وزير التجارة الحالي أحمد باقر والدكتور على العمير وعبد اللطيف العميري والدكتور محمد الكندري والناشط سالم الناشي.

وبهذا التطور لم يعد سلفيو الكويت يعتبرون السياسة رجسا من عمل الشيطان كما يذهب نظراؤهم في دول أخرى، فقد انخرطوا في مسالكها ودروبها الوعرة ودهاليزها المتعرجة غير مبالين بتحذيرات بعض علمائهم الذين قالوا: "من السياسة ترك السياسة"، وأصبح منهم الوزير والنائب في البرلمان والناشط السياسي والحقوقي والقيادي الطلابي.

ويسعى التجمع -كما تقول أوراق تأسيسه- إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في حياة الأمة بعيدا عن الإفراط والتفريط، وذلك من خلال النظام السياسي الذي ارتضاه مؤسسوه على قاعدة أن الشريعة منهاج رباني ودستور حياة وأنها سبيل العز والتمكين واستتباب الأمن والاستقرار للفرد والمجتمع ولا سبيل لتطبيقها إلا بالحكمة والموعظة الحسنة.

الحقيقة أن إنشاء هذا التجمع لم يكن نتاج تطور في فكر ورؤية التيار السلفي بقدر ما جاء استجابة لمتطلبات الواقع السياسي في ظل مسارعة كل القوى الإسلامية والليبرالية والوطنية لتشكيل تيارات وحركات سياسية بعد تحرير الكويت؛ خاصة أن مؤسسيه مازالوا يرون أن الأحزاب من المفاسد التي ترسخ الطائفية وتذكي نيران الصراع الطائفي والحزبي في المجتمعات.

وكبديل للأحزاب ينادي التجمع بإطلاق نظام معتدل ومتكامل يكون لمجلس الأمة الرأي فيه لمنح الثقة المسبقة لتكليف رئيس الوزراء واختيار أعضاء الحكومة، غير أنه لم يحدد ماهية هذا النظام ومحاوره وآليات تنفيذه واختصاصاته.

ورغم مشاركة السلفيين في الحياة السياسة وانتخابات مجلس الأمة عام 1981م وفوزهم بمقعدين ونجاحهم في إحراز مواقع متقدمة على مستوى السلطتين التشريعية والتنفيذية -وهذا يعتبر تطورا مبكرا في موقف السلفيين مقارنة بذات التوجه في دول أخرى- فإن كثيرا من الإشكاليات والقضايا مازالت عالقة ولم يحسمها التيار السلفي بالنظر إلى هذه خبرته البرلمانية والسياسية الكبيرة نسبيا.

ولا يرى السلفيون -بمشاركتهم في الحياة السياسية- أنهم قد استحدثوا شيئا جديدا، فهم يرون أن العمل السياسي وخاصة البرلماني بمثابة دعوة إلى الله، وسياج لحماية الدعوة ومنبر لسن التشريعات والقوانين الإسلامية ومحاسبة المسئولين، ورغم أن السلفيين التراثيين قد سبقوا جميع التجمعات السلفية في العالم وشاركوا في الحياة السياسية فإنهم اعتمدوا في مسيرتهم على مقولات غير محددة وفتاوى لكبار العلماء ولم ينتجوا رؤى وطروحات إصلاحية تعكس منهجيتهم في التغيير وعلاقتهم بالآخر.

ويركز السلفيون الذين خاضوا انتخابات 2005م و2008م ويستعدون لخوض انتخابات 2009م في طروحاتهم على منطلقات عامة تتمثل في المطالبة ببناء المواطن الصالح وتشكيل الحكومة وفق إفرازات انتخابات مجلس الأمة، وفيما يرى هؤلاء ضرورة معالجة العديد من القضايا المحلية من وجهة نظر شرعية لم يقدموا منهجا واضحا وبرنامجا تفصيليا لهذه القضايا المتمثلة في التعليم المميز والخدمات الصحية والبيئة الاستثمارية العادلة وتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة وخلق فرص عمل جديدة ومواجهة غلاء الأسعار وحلحلة القضية الإسكانية وتعزيز الأمن الوطني عبر تحكيم الشريعة وتبني برنامج واضح لإعداد أمن وطني متكامل.

ومع اتساع مساحة الديمقراطية التي تشهدها الكويت يصر السلفيون على اجتهاداتهم القائلة بوجوب طاعة الحاكم ومبدأ المناصحة السرية لولي الأمر، كما يتمسكون برؤاهم الرافضة لكل مظاهر الاحتجاج والتظاهر السلمي للتعبير عن الحقوق خشية إثارة الاضطرابات والفوضى، وهذه مواقف لم تعد تنسجم مع ضرورات العمل السياسي ومتطلباته التي تقوم على المكاشفة والشفافية، والتعاطي مع جميع القضايا بالوسائل السلمية والديمقراطية المنصوص عليها والمتعارف عليها.

ومازال الموقف السلفي من قضية المرأة كما هو لم يتغير، ففي الوقت الذي حصلت فيه المرأة الكويتية على حقوقها السياسية عام 2005م لم يتعاط السلفيون مع هذا التطور إلا من زاوية الاستفادة منه عبر حشد النساء للتصويت لمرشحيهم باعتبار ذلك أمرا واقعا، فهم ما زالوا يعتبرون مشاركة المرأة في المعترك السياسي ولاية عامة، ويكتفون فقط بالقول إنهم يؤيدون حقوق المرأة وفق الشريعة، وإن الشرع أعطى المرأة حقوقا لا مثيل لها بين الأمم قديما وحديثا وحث على صونها ورعايتها وحفظها من موبقات الاستغلال والظلم، ولكي يضفي السلفيون على طرحهم بخصوص المرأة مسحة من الواقعية راحوا يطالبون برعاية أولاد الكويتية المتزوجة من غير كويتي، وإعمال مبدأ تكافؤ الفرص في العمل والأجر للرجل والمرأة على السواء، وتوفير العلاوة الاجتماعية والسكنية للكويتية التي تتولى أمر أولادها في حالة وفاة الزوج أو إذا كانت متزوجة من غير كويتي، والإسراع في إجراءات التقاضي في قضايا الأحوال الشخصية.

وأمام التيار السلفي تحديات كثيرة أبرزها ضرورة التحول من الجهود الفردية المتناثرة إلى عمل منظم ومنهجي ومؤسسي له هياكله وأطره التنظيمية ولجانه النوعية، يمارس الشورى ويتجاوز الخطوط الحمراء المتمثلة في الهالات المقدسة التي يضفيها على شيوخه وطريقة تعامله مع التراث، وإلا ظلت جهوده مبعثرة ومفككة ومرشحة لمزيد من التصدع.

الأمر الثاني أنه يجب على التيار السلفي أن يقيم مراجعات نقدية لفكره بهدف الانفتاح على جميع التيارات في الساحة والانخراط في القضايا المصيرية للأمة وطرح القضايا التي تشغل هموم الناس، وإلا فسيظل أسير حالة التقوقع والانكفاء التي يعيشها.

الحركة السلفية



حاكم المطيري أمين عام الحركة السلفية

تأسست الحركة السلفية العلمية عام1996م على خلفية اختلاف علماء السلف بشأن الاستعانة بالقوات الأجنبية في تحرير الكويت وقد مثل ذلك نقطة تحول كبيرة على صعيد تجديد الفكر السلفي واختراق المحرمات السلفية التاريخية في مراجعة العلماء وانتقاد تصوراتهم ومناقشة الإشكالات العلمية الشرعية في الدعوة السلفية، وقد نجحت نخبة من الأكاديميين والمثقفين الذين خرجوا من معطف السلفية التراثية وعارضوا التدخل الأجنبي في المنطقة في قيادة هذا المسعى نحو توجيه المزاج السلفي لجهة الاهتمام بالقضايا الكبرى.

ومن أبرز مؤسسي الحركة التي حذف لاحقا من اسمها كلمة "العلمية" الدكتور حامد العلي أمينها العام السابق والدكتور عبد الرزاق الشايجي المتحدث السابق باسمها، وأمينها الحالي الدكتور حاكم المطيري وتركي الظفيري وبدر الشبيب والدكتور ساجد العبدلي، غير أن الحركة ما لبثت أن شهدت استقالة العديد من كوادرها بسبب الخلافات الداخلية وتباين التوجهات كالشيخ حامد العلي الذي تفرغ للعمل الدعوي والدكتور الشايجي الذي انشغل بأعماله الخاصة وكذلك الدكتور ساجد العبدلي وآخرين.

وتتنوع مواقف السلفيين التقليديين إزاء نظرائهم الجدد، فهناك فريق يخفف من حدة الانقسام فيقول إنها مجرد اجتهادات ضمن الإطار العام للفكر السلفي، ويذهب آخرون إلى أنهم خرجوا عن منهج السلف وارتموا في عباءة الإخوان المسلمين فكرا ومنهجا، ويرى تيار ثالث أن الحركة السلفية تتشابه في منطلقاتها مع منهج السروريين نسبة إلى محمد بن سرور السوري الأصل الذي جاء إلى السعودية وأسس منهجا يجمع بين الفكر الحركي الإخواني والأفكار السلفية، وحقيقة الأمر أن السلفيين العلميين مازالوا يكنون الاحترام لكبار علماء السلفية غير أنهم لا يجدون حرجا في نقد آرائهم ومخالفتهم خاصة في المسائل السياسية المتعلقة بإشهار الأحزاب والحريات وتداول السلطة ومعارضة الحاكم.

حزب الأمة

تأسس هذا الحزب في 2005م كذراع سياسية للحركة السلفية وهو أول حزب سياسي في الكويت ومنطقة الخليج، وقد جاء إشهاره بالمخالفة للقانون الكويتي خطوة مفاجئة للمراقبين والمشتغلين بالعمل السياسي، وقوبل من جانب البعض بالإشادة والاستحسان لجرأته في الطرح وانفتاحه على الآخر بغض النظر عن انتمائه، أما البعض الآخر فقد انتقد هذا المسلك واعتبر مؤسسيه خارجين على القانون وهو الموقف نفسه الذي انتهجته الحكومة إذ لم يرقها هذا التطور حيث تصدت له وأحالت مؤسسيه إلى المدعي العام بتهمة السعي لتغيير نظام الحكم.

وبحضوره الإعلامي اللافت، يهدف الحزب -حسب أوراق تأسيسه- إلى تشجيع التعددية والتداول السلمي للسلطة والسعي إلى تعديل الدستور بحيث يسمح صراحة بتشكيل الأحزاب، ويقدم الحزب طرحا جديدا ومتقدما لقضايا الحريات العامة ومجمل القضايا السياسية والتنموية، وأثار تأييد الحزب لحقوق المرأة السياسية ثائرة السلفيين إذ سرعان ما تبارت الأصوات الناقدة لهذا الموقف واتهامه بأنه لا يستند إلى دليل شرعي، مؤكدة الموقف التقليدي بأنه لا يجوز إعطاء المرأة المسلمة هذه الحقوق لما يترتب عليها من مفاسد عظيمة، وقد تناول أمين عام الحزب السابق حاكم المطيري العديد من هذه القضايا بالتفصيل في كتابه "الحرية أو الطوفان"، وهذا الكتاب يعد وثيقة مهمة لبيان مسار المآلات التي وصل إليها الفكر السلفي.

ومن التحديات التي تواجه الحركة السلفية أنها تيار نخبوي قبلي اعتمد في تشكيله على حملة الدكتوراه والمثقفين والخطباء والكتاب، فضلا عن أن مؤسسيها يمثلون القبائل، وليس للحركة وجود يذكر في المناطق الحضرية مما يحول دون انتشار فكرها واجتهاداتها الجديدة في أوساط المجتمع، ولعل هذا ما يفسر فشل أعضاء حزب الأمة في الفوز بأي مقعد في برلمان 2008 م أو إحراز أي مواقع سياسية متقدمة.

سلفية المداخلة

ترجع سلفية المداخلة أو ما يعرف بالجهمية في الكويت إلى أحد علماء نجران في جنوب السعودية الشيخ ربيع بن هادي المدخلي وهو أكاديمي في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وتشير المصادر إلى أن المدخلي تتلمذ على محمد بن أمان الجهمي والألباني وابن باز. وهذا الاتجاه معروف بشدته وحدته وانتقاده اللاذع في الرد على المخالفين له في الفكر والمنهج، وقد تغذى هذا التيار على وقع الخلافات والتباينات بين التيارات الإسلامية.

ولم يكن خلاف الشيخ المدخلي مع السلفيين المخالفين له في الرأي وحسب، بل كان خلافه الأكبر مع حركة الإخوان المسلمين، فهو شديد الانتقاد لكتاباتهم، وخاصة مؤلفات سيد قطب، وهو الأمر الذي أقام شبه قطيعة بين أتباع هذا التيار في الكويت وتيار الإخوان.

وأتباع هذا التيار ليسوا كثرة مؤثرة ولا يعلنون عن أنفسهم، والمصادر تشير إلى أنهم قلة محدودة تبرز في أوقات الأزمات والخلافات الفكرية، ويرفض هذا التيار إشهار الأحزاب والحركات السياسية لكونها في تقديرهم تشتت الأمة وتجرئ الشعوب على الحكام، وتسقط هيبة الحاكم.

ورغم أن هذا التيار يرفع شعار أن المتدين لا يركض وراء السياسة ولا يقيم وزنا للمشاركة في العملية السياسية فإنهم لا يمانعون من اختيار الرجل الصالح في الانتخابات بمعاييرهم، انطلاقا من أن هذا الرجل الذي يحكمون عليه بالصلاح يسعى لدرء مفسدة أو جلب مصلحة، ويعتمدون في مرجعيتهم الشرعية على كتب ابن باز وابن عثيمين وأحمد شاكر من علماء مصر وربيع المدخلي. ويتحفظ السلفيون المداخلة على مشاركة المرأة في العملية السياسية لكونها في نظرهم ولاية عامة، أما على صعيد موقفهم من الحاكم فيرون وجوب طاعته وعدم الخروج عليه حتى لو كان ظالما وأن مناصحته يجب أن تكون سرية.

تجمع ثوابت الأمة



محمد هايف المطيري الأمين العام لتجمع ثوابت الأمة

ظهر هذا التجمع ذي التوجه السلفي في أواخر عام 2003م ويتولى أمانته العامة النائب السابق محمد هايف المطيري منذ تأسيسه وحتى الآن، ويسعى التجمع إلى الدفاع عن ثوابت الأمة ومصالحها، والدعوة إلى التمسك بالكتاب والسنة وهدي سلف الأمة، والمطالبة بتحكيم وتطبيق الشريعة الإسلامية، وبيان الحق للأمة والدعوة إليه، والتحذير من الباطل والمنكر والنهي عنه، وتعظيم شعائر الله تعالى في نفوس الأمة والحض على التمسك بها، ومحاربة التغريب والغزو الفكري، وفضح الأفكار الهدامة والدخيلة على الأمة والتحذير منها، وإنكار الظواهر السلبية وبيان خطرها على الأمة والدعوة إلى الوسطية الحقيقية للإسلام ومحاربة التطرف والغلو وتفعيل القوانين الموجودة التي تخدم القضايا الإسلامية وتوافق الشريعة.

ويتخذ التجمع مواقف متشددة من حق المرأة في المشاركة السياسية إذ يرى أن جميع علماء الإسلام أفتوا بعدم جواز إعطاء هذا الحق للمرأة لأن المجال النيابي يعتبر ولاية عامة، وأن أي دعم لهذا الحق يعتبر من قبيل تغريب المرأة وطمس هويتها الإسلامية وتجاوز فتاوى العلماء وتشجيع العلمانية.

ولا يمتلك هذا التجمع قواعد جماهيرية مؤدلجة لها رؤية واضحة، وكل ما هنالك أن توجهاته تحظى بالقبول لدى قطاعات جماهيرية عريضة نظرا لغلبة القضايا ذات البعد الأخلاقي التي يتبناها، كالدعوة إلى تنقية البرامج الإذاعية والتلفزيونية من جميع البرامج التي يراها فاسدة ومحرمة، وتشدده في منع عرض الأفلام الأجنبية التي تروج للفاحشة والانحلال، وتصديه للحفلات الفنية واستضافة المطربات والمغنيات.