هل ستنجح إيران في ما فشل فيه غيرها؟
راشد الغنوشي
المتابع لمسيرة تاريخ الإسلام لا يمضي بعيدا حتى يكتشف ما أثله الإسلام في الأمم التي دانت به من منجزات حضارية باهرة على كل صعيد، إن في المجال العلمي أو الأدبي والفلسفي أو القانوني، كما لن تعزب عنه منجزات قرنين على صعيد الإصلاح الشامل الذي ظلت مشاريعه من أجل النهوض اكتسابا لناصية البحث العلمي والتقدم الصناعي واستقلال القرار السياسي، تتعرض بشكل دوري ثابت لعمليات إجهاض تتولى كبرها القوى الغربية المتغلبة؟ .
فهل ستتبع التجربة الإيرانية نفس مسار التجارب السابقة منذ محاولة محمد علي، لتقف حسيرة أسيفة أمام واقع الهزيمة المر؟ أم سيكون حظها أسعد وكسبها أرشد؟
1- لقد قدمت سابقة الخلافة الراشدة ريادة عظيمة في مجال إدارة الشأن العام إدارة شورية تحل فيها السياسة محل القوة ويحل فيها العدل محل الرهبة مصدرا لشرعية السلطة، حتى أمكن في وقت مبكر أن يتحقق تداول سلمي للسلطة عبر عملية سياسية شورية راقية، كانت استثناء في السياق العالمي السائد حيث تسود أنظمة الملوك المتألّهة.
إلا أن التجربة لم تعمر أكثر من أربعين سنة، بدأ انخرامها بمقتل الخليفة الثالث المنتخب.. وانتهت بمعركة صفين حيث تولى السيف حسم الصراع داخل المعسكر الإسلامي، في نوع من العودة للنظام القديم. ورغم المحاولات المتكررة عبر تاريخ الإسلام الممتد لاستعادة النموذج الراشدي فإن السيف ظل حتى يومنا هذا العامل الحاسم في المعركة على السلطة ومصدر شرعيتها.
2- وبسبب ما آلت إليه المحاولات المتكررة من فشل وما جلبته معها من فتن وكوارث مثلت تهديدا لوحدة الأمة، فقد مال جل الفقهاء -وهم أهل الرأي في الأمة، وأصحاب السلطة الفكرية والتشريعية- إلى إيلاء الأولوية للوحدة على العدل والشورى، فاعترفوا -مخطئين- بحكم المتغلب باعتباره أمرا واقعا تضفى عليه الشرعية، فيبايع، شريطة التزامه بالشريعة حسبما يستنبطها العلماء من الوحي، منفذا ما يقضون به -فيما لا علاقة له بالسياسة- وحاميا بيضة الأمة.
وقد أشبه ذلك الصفقة التاريخية، صفقة شراكة بين العلماء والحكام، صفقة أفرزت المعادلة التاريخية التي استمرت حاكمة عالم الإسلام ما بعد الراشدين، ولم يبطل مفعولها ويجهز عليها غير مدافع الفرنجة تدك حصون المسلمين منذ بدايات القرن التاسع عشر، وتدك معها معادلة الحكم تلك، وتفكك بنية المجتمع الإسلامي التي يحتل فيها العلماء قلب مركز الدائرة، دافعة بهم إلى الهامش من خلال تجريدهم من مصادر قوتهم، بدءا بمصادرة الوقف، العمود الفقري لقوتهم وقوة المجتمع الأهلي، بتخليق نخب، بقيم ورؤى، هي امتداد للنفوذ الاستعماري، وإرساء قيم ونظم، لا مكان فيها للدين وعلمائه في غير الهامش، بما نقل هؤلاء من كونهم مصدرا لشرعية الحاكم والحكم ومدرسة لتصنيع النخب وتثقيف الأمة والوسيط بينها وبين الحاكم، إلى كونهم مجرد هامش في الدولة الحديثة وموظفين صغارا.
3- قامت على امتداد عالم الإسلام منذ قرنين حركات إحيائية تنفض عن الإسلام غبار الانحطاط، من بدع وخرافات، وتعيد من خلال فكر التجديد الفعالية للمسلم، قوة فعل في التاريخ، وتستأنف الحوار المقطوع بين الإسلام وبين ضروب التطور ومنتجات الحضارة الحديثة العلمية والتقنية والفكرية السياسية، وذلك عن طريق إخضاع الوافد الغربي للنقد وتمحيصه لاقتباس ما هو نافع متساوق مع الإسلام وطرح ما هو مرذول.
وكان من نتائج هذه الحركة الإحيائية أن دبت الحياة في الجسم الإسلامي المخدر، فكانت حركات الجهاد التي ما عتمت أن طهّرت أو كادت عالم الإسلام من الوجود العسكري الأجنبي، وعزمات المجاهدين تطارد فلول ما تبقى.
كما كان من ثمارها تفعيل آليات الاجتهاد، تفعيلا للعلاقة بين الدين والواقع، بما أنتج فكرا إسلاميا معاصرا، تفاعل مع الحداثة واستوعبها ووظفها في خدمته، والعملية لا تزال جارية.
كما كان من نتائجها نشوء حركات إسلامية على امتداد عالم الإسلام تجاهد من أجل إعادة بناء مجتمعات الإسلام على أساس الإسلام مستوعبا للعصر، أفادت من المستويات الدراسية الحديثة لأبنائها، كما استفادت من الفشل المتكرر المتفاقم لمشاريع النهوض التي تأسست على محاولات المحاكاة الفجة للغرب.
4- لقد فشلت التجارب التنموية التي قامت على فكرة المحاكاة للتجارب التنموية الغربية والشرقية، فشلت على صعيدين مهمين: داخليا فشلت في تحقيق مستوى معقول من التنمية الاقتصادية والاجتماعية -وبالأخص التنمية السياسية المتمثلة في بناء سياسي شوري ديمقراطي، على أساس ولاية الأمة على حكامها- يحترم الحقوق والحريات ويحفظ مقومات العيش الكريم للمواطن، وينقل الصراعات داخل المجتمع -ومنها الصراع على السلطة- من سبيل التعانف والحسم بالقوة، إلى المستوى السياسي، وهو ما نجح فيه الغرب عبر الالتزام بآليات الديمقراطية سبيلا وحيدا لحسم كل الصراعات الفكرية والسياسية ومنها الصراع على السلطة.
الفشل في ذلك انتهى بالأنظمة السائدة في الأمة إلى العزلة عن شعوبها، بما أعاد للأذهان صورة الاحتلال بل أسوأ، وكان ذلك مصدر الكوارث التي حلت بالأمة.
لقد فشلت هذه الأنظمة في إدارة الشأن العام ديمقراطيا، فساد الاستبداد والفساد، وقاد ذلك إلى فشل جملة المشاريع التنموية، كتطوير بنية علمية وصناعية قوية تكفل استقلال البلاد، بمعنى استقلال قرارها.
وكان من الطبيعي أن يقود الفشل التنموي الداخلي إلى فشل خارجي شنيع في رد العدوان على الأمة، والذود عن حماها. وكارثة فلسطين شاهد.
وبلغ التناقض والتكايد بين الشعوب والحكام درجة التنافس على الاستظهار بالأجنبي، حتى رفض معتقلون تونسيون في غوانتانامو أن يسلموا إلى بلادهم. أما الأزمة مكثفة فيلخصها استدراج المعارضة للاحتلال سبيلا للخلاص.
6- وكان من أولى تلك التجارب النهضوية تجربة محمد علي في النصف الأول من القرن التاسع عشر حيث تمكن من تعبئة موارد مصر وموقعها لبناء قاعدة صناعية وعسكرية قوية مستفيدا من التناقضات الأوروبية ومن خبرة بعض دولها، إلا أنه ما إن قطع شوطا على طريق بناء قاعدة صناعية قوية وجيش حديث شرع في توحيد المنطقة وتجديد نظام الخلافة المهترئ، حتى تصدت له الأساطيل الأوروبية مجتمعة وكسرته وردّته على أعقابه، بل حتى فككت قاعدته الصناعية وحجمت قوته العسكرية، فارضة على خلفائه الاستلحاق بل الاحتلال.
ورغم أن التجربة انطلقت مشروعا مشتركا بين حاكم ومؤسسة دينية هي الأزهر فإن شهوة الملك وحب الانفراد قاد الحاكم ذا التقاليد السلطوية العريقة إلى الانفراد بالأمر وتهميش العلماء، شركاء المشروع، مما آل به إلى مشروع سلطوي وحرمه من العمق الشعبي والمخزون الديني، المفجّر الأعظم للطاقات في أمتنا.
7- وبعد زهاء قرن أعاد التاريخ نفسه مع الضباط الأحرار في علاقتهم بالمخزن الديني ممثلا بالإخوان المسلمين الذين كانوا الرحم الثقافي الذي تخلّقت فيه فكرة الثورة والتغيير، إلا أن موروث الانفراد بالسلطة سرعان ما انتصر وكأن الثورة تنشر الغصن الذي يحملها، فرغم ما حملته من آمال للأمة وما فجرته من طاقات وما أنجزته من مشاريع نهضوية اجتماعية وصناعية، فإنها يوم استهدِفت بما كان محتما من عدوان لإجهاضها، انهارت بسبب بنيتها السلطوية المخابراتية التي خنقت كل صوت حر وصادرت مبادرات المجتمع وحولت الإعلام والفكر نفاقا ومدائح سلاطين، عابثة بالقضاء، مسرفة في القمع والتنكيل وخصوصا بالمكون الشعبي الأكثر انغرازا في المجتمع، مما حرمها من توظيف المخزون العقدي في الأمة لأنها اصطدمت معه وعملت على الإجهاز عليه.
وهكذا انتهى الأمر مرة أخرى بأن يتولى العدوان الدولي على أمتنا تفكيك مشروع نهضوي واعد، بسبب فشل قادة المشروع في بناء علاقات صحية شورية أساسا لحكمهم قمينة بمواجهة العدوان الأجنبي، فلا عجب أن ينهار المشروع في ساعات وقيل في أيام، بينما صمدت القوى الشعبية للعدوان وارتد عنها حسيرا في فلسطين ولبنان.
لقد كان الخلاف المدمر بين الثورة والإخوان خلافا داخل نفس الفريق، خلافا لم تتبع في إدارته -كما هو ديدنا وإعاقتنا المزمنة- الأساليب السياسية الشورية وإنما أدوات الدولة العنيفة.
8- وكادت الصورة نفسها تتكرر في السودان، إذ علقت آمال كبيرة على الحركة الإسلامية التي عرفت بمبادراتها وتطلعاتها التجديدية في إرساء وتطوير مشروع نهضوي إسلامي، إلا أنها رغم بعض المنجزات التي حققتها في مستوى نشر التعليم وتطوير البنى التحتية، لم تمض بعيدا حتى اصطدمت بنفس الإعاقتين: الإعاقة الخارجية ممثلة بالكيد الدولي والإعاقة الداخلية ممثلة في العجز عن إدارة شورية للخلاف داخل نفس المعسكر الإسلامي، فكما انقلبوا على غيرهم واستبدوا دونهم بالحكم، انقلب بعضهم على بعض للانفراد بالأمر. إنها السنن، بما لم يتردد معه د. الأفندي -أحد أبناء المشروع- في إعلان نعيه.
9- أما التجربة النهضوية العراقية البعثية بقيادة صدام حسين فقد كانت أوضح التجارب في الدلالة على المطلوب: إرادة نهضوية تراهن على الانطلاق والتحليق بجناح واحد هو قوة الدولة وأدواتها، فكانت إنجازاتها الصناعية باهرة، ولكنها كانت أعجز من أن تصمد في مواجهة عدوان دولي، قدم هذه المرة بدعوة ملحة من ممثلي القطاعات الأوسع من الشعب، ممن لم يحاول النظام أصلا حتى الاعتراف بهم، بله التفاوض معهم على معادلة حكم، وهو ما لم يفعله حاكم عربي حتى الآن، مما جعلهم بين تابع ذليل للقوى الأجنبية وبين خائف يترقب.
لقد كشفت تجربة العراق مدى هشاشة النظام العربي في أي مواجهة مع الخارج، مقابل ما تتوفر عليه الشعوب من مخزون مقاومة إذا هي تخففت من وطأته.
10- التجربة الإيرانية: تتعرض الجمهورية الإسلامية لنفس التحدي الذي واجهته التجارب التنموية التي ذكرناها، فما حظوظ نجاحها في الإفلات من مصير مماثل للتجارب السابقة؟
أ- لقد نجح نظام الجمهورية الإسلامية حتى الآن في امتحان البقاء ملتزما بمشروعه لا يتنازل عنه، ذلك المشروع المتمثل في بناء دولة إقليمية عظمى ذات قرار مستقل وما يستلزمه ذلك، سواء أكان من بناء قاعدة صناعية وعسكرية واقتصادية تسند هذا الطموح، أم من إدارة سياسية رشيدة للاختلاف داخل النخبة الحاكمة ومع مختلف القوى الشعبية.
لقد كانت منجزات الثورة على هذه الصُّعُد بين جيدة جدا في مجالات، وبين متوسطة في مجالات، وبين ضعيفة وحتى فاشلة في مجالات أخرى.
لقد كانت منجزاتها باهرة في التصدي للحصار الدولي ومحافظتها على استقلال قرارها وإدارتها الذكية لملفها النووي حتى الآن، وتوفيقها لإقامة أحلاف وصداقات منعت إحكام الحصار عليها، موظفة مواردها الضخمة وموقعها الإستراتيجي المتميز.
وكان من بين هذه الأحلاف الناجحة تحالفها مع قوى المقاومة والممانعة على صعيد المنطقة والعالم، هذا التحالف الذي أوقف الاجتياح الأميركي الصهيوني للمنطقة سبيلا للسيطرة العالمية، ومكن قوى المقاومة من الصمود وحتى تحقيق الانتصارات، وهو كسب جدير بالتنويه.
أما على صعيد التحدي السياسي الداخلي الذي فشلت فيه التجارب النهضوية السابقة فقد حققت الثورة الإسلامية حتى الآن نجاحا نسبيا معقولا، إذ نهض نظام الجمهورية على جملة من الوثائق الدستورية التي خضعت للاستفتاء الشعبي وأسست لمؤسسات تنتخب دوريا دون طعن من أحد، وهي سابقة متفردة في المنطقة رغم حصر العملية الشورية في نطاق محدد، ووجود مؤسسة عليا هي الولي الفقيه يعلو سلطانه كل المؤسسات، وذلك في سياق عملية توفيقية بين سلطة الشعب وسلطة الغائب، أي بين فكرة الجمهورية وعقيدة الإمام الغائب، وهو خلل تكويني.
أما المنجز الضعيف إلى حد الفشل أحيانا فيتمثل في البعد الطائفي للنظام الذي أثار مشكلات إقصاء داخل المجتمع الإيراني المتعدد المذاهب والقوميات، وأثار مشكلات أعظم على صعيد الإقليم والأمة، ظهر ذلك أجلى ما يكون في العراق حيث فشل النظام الإيراني فشلا كاملا في كسب السنة، بما ظهر منه من تحيز سافر للجماعات الشيعية.
ب- غير أن التحدي الأعظم الذي اندلع الأسابيع الأخيرة وغدا يمثل نوعا من التهديد للبناء من أساسه حسب البعض، يتمثل في موضوع إدارة الاختلاف، لا بين العلمانيين والإسلاميين ولا بين الشيعة وبقية الطوائف، وإنما إدارة الاختلاف بين أبناء الثورة أنفسهم، المتنافسين على الرئاسة، مرشحوهم أربعتهم من أقطاب في الثورة ومروا على الغربال الدقيق.
لأول مرة في انتخابات إيرانية يتم الطعن في نزاهة العملية الانتخابية، مما أفسح المجال أمام المتربصين بالثورة الذين انحازوا -عربهم وعجمهم- إلى الفريق الخاسر، ليس بالضرورة حبا فيه وإنما مدخلا لنقض البناء من أساسه وضربا لبعضه ببعض، بما جعل النظام كله مستهدفا في أساسياته، ألا وهي سياساته التنموية المستقلة والخارجية المتمثلة في استقلال قراره وما يقتضيه ذلك من محافظته على مشروعه النووي ودعمه للمقاومة في المنطقة.
التحدي هنا، هل سيوفق القائد ومن حوله من نخبة الحكم الحاكمة والمعارضة في الصدور جميعهم عن مسلّمة فحواها أن المستهدف هو المشروع ذاته وليس هذا الفريق أو ذاك، فلا يستظهر طرف على أخيه بقوة الدولة، ولا يرد الآخر بالاستظهار بقوة الخارج، الذي لم يعد قادرا على كتم فرحته والإسفار عن تأييده الفج للإصلاحيين في إساءة بالغة لهم؟
إن التحدي من النوع الوجودي. إن الانقسام عميق داخل النخبة الإيرانية نخبة الثورة، ومثل هذه الانقسامات لا تحل بما هو معتاد من خضوع الأقلية للأغلبية وهو منطق لصالح نجاد، وإنما بمنطق البحث عن وفاق وتسويات يؤخذ فيها بعين الاعتبار لا الكم وحده وهو لصالح نجاد وإنما الكيف أيضا وهو لصالح منافسه.
إن لحظة ضعف تعتري القائد يجيز فيها استخدام أدوات الدولة لحسم الخلاف ستكون بمثابة إعلان عن وفاة المشروع، ولن تختلف في كارثيتها عن ابتهاج الطرف الآخر بعواء الذئاب الدولية المتلمظة للانقضاض على الفريسة، أو استدعائها بدل انتهارها.
الثابت أن مشروعا آخر من مشاريع نهوض الأمة يقف هذه الأيام وتقف معه المنطقة في لحظات تاريخية فارقة، غير أنه مما يشد النظر في المشهد التلمظ العجيب على الفريسة الإيرانية الجامع بين أقطاب النظام الدولي والصهيوني وبين عرب الاعتدال، فهل فينا حقا من تصهين أو مضى أبعد من ذلك حتى غدا فرحه وحزنه ليكوديا؟ اسألوا الله حسن الخاتمة
الصفحات
▼
الاثنين، 6 يوليو 2009
تحية مصرية إلى الشعب الإيرانى
تحية مصرية إلى الشعب الإيرانى
عمرو الشوبكي
تعتبر إيران واحدة من أعرق دول المنطقة، ذات حضارة ثرية أثرت فى مسار الإنسانية، وهى أمة كبرى وشعب حى امتلك تاريخا ثوريا بامتياز منذ ثورة مصدق الليبرالية فى الخمسينيات، مرورا بثورة الخمينى الإسلامية فى نهاية السبعينيات، وانتهاء باحتجاجات موسوى والإصلاحيين فى يونيو ٢٠٠٩، لتظل الأمة الإيرانية نموذجا يحتذى فى الحيوية والفاعلية ورفض القمع ودفع ثمن الحرية.
والمؤكد أن الثورة الإيرانية كانت حدثا تاريخيا فريدا عاشها جيلى عند بداية دخوله الجامعة، وألهمت الراغبين فى الحرية من كل الاتجاهات السياسية، وصار الخمينى رمزا غنى له الشيخ إمام «لو كان الخمينى عندنا والمعارضة يد واحدة» حالما بثورة مماثلة فى مصر، إلى أن تأكد لنا جميعا أن هذا حلم بعيد المنال، لأن واقع إيران ليس واقع مصر، ولأن كثيرا من دول العالم تحول نحو الديمقراطية دون ثورة، إنما بقدر من الاحتجاجات الاجتماعية والضغوط السياسية من داخل النظام وخارجه دفعته إلى الإصلاح والتغيير.
وفى حين اتجه العالم كله نحو الاعتراف بالثورة الإيرانية اتخذ الرئيس السادات فى ذلك الوقت موقفا وصفه «بالإنسانى» تجاه شاه إيران السابق، حين استقبله فى مصر بعد أن رفضت أمريكا حليفته الأولى استقباله، ومنذ ذلك الوقت قطعت علاقة مصر بإيران وضاعت على الشعبين فرصة تاريخية للتفاعل الحضارى والثقافى حتى لو اختلف الحكام فى السياسة، وظلت مصر «مخلصة» لركودها، فما ورثه الرئيس مبارك من عصر الرئيس السادات لم يغيره ومنه بالطبع العلاقة الدبلوماسية الحميمة مع إسرائيل والعلاقات المقطوعة مع إيران، لتظل مصر ثالث دولة فى العالم ليس لها علاقات مع إيران بجانب أمريكا وإسرائيل، وإن كانت الأولى فتحت خطوط اتصال جديدة مع إيران.
والمؤكد أن توجهات مصر السياسية تختلف عن توجهات إيران تماما مثلما أن تركيا تختلف عن إيران ليس فقط فى توجهاتها السياسية، إنما أيضا فى نموذجها السياسى الذى هو تقريبا نقيض النموذج الإيرانى، ومع ذلك ظلت هناك علاقات دبلوماسية طيبة بين البلدين وتبادل تجارى وحوار سياسى لا ينقطع، والفارق بين تركيا ومصر أن الأولى دولة اعتدال حقيقية يحكمها نظام ديمقراطى يتسم بالكفاءة الاقتصادية والسياسية، والثانية دولة اعتدال اسما فشلت فى إصلاحاتها السياسية والاقتصادية وتجمدت فى مكانها على مدار ٣٠ عاما.
وقد زرت إيران مرة واحدة منذ حوالى ٦ سنوات، بمبادرة من مؤسسة «فردريش إيبرت» الألمانية فى رحلة ضمت بعض أساتذة الجامعات ومثقفين وممثلين عن بعض منظمات المجتمع المدنى، للتحاور مع نظراء لهم فى إيران، وقضينا ٨ أيام بين طهران وأصفهان، فزرت «طهران الشمالية» بأحيائها الراقية و«طهران الجنوبية» بأحيائها الشعبية، ورأيت كرم الإيرانيين وحفاوتهم البالغة وحبهم لمصر خاصة أن من كان فى الحكم فى ذلك الوقت هو الرئيس الإصلاحى محمد خاتمى.
ودعانى إعلامى إيرانى شاب إلى عشاء فى منزله وعرفنى بزوجته وأطفاله بحفاوة وكرم بالغين، وكان يعمل فى إذاعة إيرانية ناطقة بالفرنسية، واعتاد أن يتصل بى لكى أعلق على بعض الأحداث السياسية، وأخذنى بسيارته لجولة فى أحياء طهران المختلفة قبل أن أجد نفسى على مائدة عشاء اتسم بالحفاوة والحميمية والبساطة فى نفس الوقت.
وإيران بها فقر ولكنه أقل بكثير من الفقر فى مصر، والشعب مثقف وحى والمرأة ساحرة وفاعلة، وشاركت بحيوية مذهلة فى كل المناقشات واللقاءات التى حضرناها دون ادعاء أو تصنع، وأذكر أنى قابلت امرأة إيرانية شديدة الجمال عاشت فترة من حياتها فى فرنسا للدراسة، ولأن من يتحدثون بالفرنسية يشعرون دائما فى أى محفل دولى بأنهم أقلية أمام هيمنة اللغة الإنجليزية، فقد دار حديث طويل بيننا أثناء الندوة وبعدها وفى العشاء الذى نظمه لنا الجانب الإيرانى فى أحد مطاعم العاصمة المسموح فيه بالغناء.
وقد ارتدت هذه السيدة حجابا يغطى معظم شعرها، وحين خرجنا من قاعة المؤتمر فى الجلسة الأخيرة وكان عدد الحاضرين محدودا نزل الحجاب بالكامل عن شعرها وما كان منها إلا أن رفعته بسرعة كأن جزءا من ملابسها قد سقط، وقالت بعد ذلك أنها رغم عدم اقتناعها تماما بارتداء الحجاب، فإنها تتعامل معه باعتباره قانونا يجب أن يحترم، وأن احترام القانون حتى لو اختلف معه البعض أمر مقدس لدى معظم الإيرانيين.
والشىء المدهش أن إيران الإسلامية أكثر انفتاحا من مصر المدنية، فالحجاب كان وراءه ثورة كبرى، وترتديه الفتيات إما عن قناعة أو احتراما للقانون، ولكن ليس لنفاق اجتماعى كما جرى فى كثير من الأحيان فى مصر، حين انتشر غطاء الرأس وانهارت القيم والأخلاق وتبلد المجتمع وغابت السياسة.
وحين تدخل محلا لبيع السجاد الإيرانى الشهير يستطيع صاحب أو مدير أو عامل فى المحل أن يشرح لك تاريخ السجاد فى إيران وقصة السجادة التى ترغب فى رؤيتها، والفنان الذى صممها، سواء اشتريت أم لم تشتر، وأذكر أنه كانت معنا أستاذة جامعية مصرية أبدت أكثر من مرة استياءها من هذا الشرح ورغبت أن يقول لنا السعر و«نخلص» رغم أنها مثلنا لم تشتر سجادة واحدة. إيران أيضا دولة إبداع فنى عظيم والسينما الإيرانية التى أحرص على متابعتها حين أسافر إلى باريس هى واحدة من أجمل «سينمات» العالم، وهناك إبداع فى الفن التشكيلى وفى الأدب بارز.
لقد زرت بلادا كثيرة فى العالم وعشت فى الخارج لسنوات ولكن هناك بلدانا «تعلم فيك»، وإيران- والإيرانيون- واحدة من هذه الدول، فنحن أمام شعب مثقف مبدع مرهف الحس، المرأة فيه حاضرة فى الشأن العام بصورة أكبر من مصر، والمجتمع شديد الحيوية وفيه جدل سياسى وفكرى حقيقى، ومع ذلك يصر البعض أن يختزله فى «ولاية الفقيه»، فى حين أن إيران أكبر بكثير من المرشد، ومن نظام الثورة الإسلامية، وقادرة بفضل حيوية شعبها أن تصحح أخطاء نظامها بل وربما تعيد بناءه على أسس جديدة.
عمرو الشوبكي
تعتبر إيران واحدة من أعرق دول المنطقة، ذات حضارة ثرية أثرت فى مسار الإنسانية، وهى أمة كبرى وشعب حى امتلك تاريخا ثوريا بامتياز منذ ثورة مصدق الليبرالية فى الخمسينيات، مرورا بثورة الخمينى الإسلامية فى نهاية السبعينيات، وانتهاء باحتجاجات موسوى والإصلاحيين فى يونيو ٢٠٠٩، لتظل الأمة الإيرانية نموذجا يحتذى فى الحيوية والفاعلية ورفض القمع ودفع ثمن الحرية.
والمؤكد أن الثورة الإيرانية كانت حدثا تاريخيا فريدا عاشها جيلى عند بداية دخوله الجامعة، وألهمت الراغبين فى الحرية من كل الاتجاهات السياسية، وصار الخمينى رمزا غنى له الشيخ إمام «لو كان الخمينى عندنا والمعارضة يد واحدة» حالما بثورة مماثلة فى مصر، إلى أن تأكد لنا جميعا أن هذا حلم بعيد المنال، لأن واقع إيران ليس واقع مصر، ولأن كثيرا من دول العالم تحول نحو الديمقراطية دون ثورة، إنما بقدر من الاحتجاجات الاجتماعية والضغوط السياسية من داخل النظام وخارجه دفعته إلى الإصلاح والتغيير.
وفى حين اتجه العالم كله نحو الاعتراف بالثورة الإيرانية اتخذ الرئيس السادات فى ذلك الوقت موقفا وصفه «بالإنسانى» تجاه شاه إيران السابق، حين استقبله فى مصر بعد أن رفضت أمريكا حليفته الأولى استقباله، ومنذ ذلك الوقت قطعت علاقة مصر بإيران وضاعت على الشعبين فرصة تاريخية للتفاعل الحضارى والثقافى حتى لو اختلف الحكام فى السياسة، وظلت مصر «مخلصة» لركودها، فما ورثه الرئيس مبارك من عصر الرئيس السادات لم يغيره ومنه بالطبع العلاقة الدبلوماسية الحميمة مع إسرائيل والعلاقات المقطوعة مع إيران، لتظل مصر ثالث دولة فى العالم ليس لها علاقات مع إيران بجانب أمريكا وإسرائيل، وإن كانت الأولى فتحت خطوط اتصال جديدة مع إيران.
والمؤكد أن توجهات مصر السياسية تختلف عن توجهات إيران تماما مثلما أن تركيا تختلف عن إيران ليس فقط فى توجهاتها السياسية، إنما أيضا فى نموذجها السياسى الذى هو تقريبا نقيض النموذج الإيرانى، ومع ذلك ظلت هناك علاقات دبلوماسية طيبة بين البلدين وتبادل تجارى وحوار سياسى لا ينقطع، والفارق بين تركيا ومصر أن الأولى دولة اعتدال حقيقية يحكمها نظام ديمقراطى يتسم بالكفاءة الاقتصادية والسياسية، والثانية دولة اعتدال اسما فشلت فى إصلاحاتها السياسية والاقتصادية وتجمدت فى مكانها على مدار ٣٠ عاما.
وقد زرت إيران مرة واحدة منذ حوالى ٦ سنوات، بمبادرة من مؤسسة «فردريش إيبرت» الألمانية فى رحلة ضمت بعض أساتذة الجامعات ومثقفين وممثلين عن بعض منظمات المجتمع المدنى، للتحاور مع نظراء لهم فى إيران، وقضينا ٨ أيام بين طهران وأصفهان، فزرت «طهران الشمالية» بأحيائها الراقية و«طهران الجنوبية» بأحيائها الشعبية، ورأيت كرم الإيرانيين وحفاوتهم البالغة وحبهم لمصر خاصة أن من كان فى الحكم فى ذلك الوقت هو الرئيس الإصلاحى محمد خاتمى.
ودعانى إعلامى إيرانى شاب إلى عشاء فى منزله وعرفنى بزوجته وأطفاله بحفاوة وكرم بالغين، وكان يعمل فى إذاعة إيرانية ناطقة بالفرنسية، واعتاد أن يتصل بى لكى أعلق على بعض الأحداث السياسية، وأخذنى بسيارته لجولة فى أحياء طهران المختلفة قبل أن أجد نفسى على مائدة عشاء اتسم بالحفاوة والحميمية والبساطة فى نفس الوقت.
وإيران بها فقر ولكنه أقل بكثير من الفقر فى مصر، والشعب مثقف وحى والمرأة ساحرة وفاعلة، وشاركت بحيوية مذهلة فى كل المناقشات واللقاءات التى حضرناها دون ادعاء أو تصنع، وأذكر أنى قابلت امرأة إيرانية شديدة الجمال عاشت فترة من حياتها فى فرنسا للدراسة، ولأن من يتحدثون بالفرنسية يشعرون دائما فى أى محفل دولى بأنهم أقلية أمام هيمنة اللغة الإنجليزية، فقد دار حديث طويل بيننا أثناء الندوة وبعدها وفى العشاء الذى نظمه لنا الجانب الإيرانى فى أحد مطاعم العاصمة المسموح فيه بالغناء.
وقد ارتدت هذه السيدة حجابا يغطى معظم شعرها، وحين خرجنا من قاعة المؤتمر فى الجلسة الأخيرة وكان عدد الحاضرين محدودا نزل الحجاب بالكامل عن شعرها وما كان منها إلا أن رفعته بسرعة كأن جزءا من ملابسها قد سقط، وقالت بعد ذلك أنها رغم عدم اقتناعها تماما بارتداء الحجاب، فإنها تتعامل معه باعتباره قانونا يجب أن يحترم، وأن احترام القانون حتى لو اختلف معه البعض أمر مقدس لدى معظم الإيرانيين.
والشىء المدهش أن إيران الإسلامية أكثر انفتاحا من مصر المدنية، فالحجاب كان وراءه ثورة كبرى، وترتديه الفتيات إما عن قناعة أو احتراما للقانون، ولكن ليس لنفاق اجتماعى كما جرى فى كثير من الأحيان فى مصر، حين انتشر غطاء الرأس وانهارت القيم والأخلاق وتبلد المجتمع وغابت السياسة.
وحين تدخل محلا لبيع السجاد الإيرانى الشهير يستطيع صاحب أو مدير أو عامل فى المحل أن يشرح لك تاريخ السجاد فى إيران وقصة السجادة التى ترغب فى رؤيتها، والفنان الذى صممها، سواء اشتريت أم لم تشتر، وأذكر أنه كانت معنا أستاذة جامعية مصرية أبدت أكثر من مرة استياءها من هذا الشرح ورغبت أن يقول لنا السعر و«نخلص» رغم أنها مثلنا لم تشتر سجادة واحدة. إيران أيضا دولة إبداع فنى عظيم والسينما الإيرانية التى أحرص على متابعتها حين أسافر إلى باريس هى واحدة من أجمل «سينمات» العالم، وهناك إبداع فى الفن التشكيلى وفى الأدب بارز.
لقد زرت بلادا كثيرة فى العالم وعشت فى الخارج لسنوات ولكن هناك بلدانا «تعلم فيك»، وإيران- والإيرانيون- واحدة من هذه الدول، فنحن أمام شعب مثقف مبدع مرهف الحس، المرأة فيه حاضرة فى الشأن العام بصورة أكبر من مصر، والمجتمع شديد الحيوية وفيه جدل سياسى وفكرى حقيقى، ومع ذلك يصر البعض أن يختزله فى «ولاية الفقيه»، فى حين أن إيران أكبر بكثير من المرشد، ومن نظام الثورة الإسلامية، وقادرة بفضل حيوية شعبها أن تصحح أخطاء نظامها بل وربما تعيد بناءه على أسس جديدة.
النظام والإخوان ومصر
النظام والإخوان ومصر
د. عصام العريان
د. عصام العريان (المصريون) : بتاريخ 5 - 7 - 2009
جاءت الهجمة الأمنية الأخيرة على الإخوان المسلمين لتطول أحد أهم رموزهم الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح الأمين العام لاتحاد الأطباء العرب لتعيد السؤال من جديد حول سياسات النظام المصرى نحو الإخوان المسلمين وهذه الهجمات المتتالية التى لم تنجح قط فى الحد من قوة الإخوان ونفوذهم السياسى وإن كانت تربك خططهم ونشاطهم وتعرقل تقدمهم ونموهم المجتمعى والاجتماعى .
ارتبطت الهجمات الأمنية على الإخوان المسلمين منذ بدأت قبل أكثر من ستين عاما بعدة ظواهر تلفت الانتباه أركز منها على ظاهرتين :
الأولى : أنها تتم دائما بقرار سياسى لخدمة أهداف سياسية، ودور الجهاز الأمنى هو التنفيذ فقط، وأن كل محاولات إلصاق تهم وجرائم بالإخوان فشلت تماما ولم تصمد أمام أى جهة قضائية محايدة طبيعية، ويكفى أن يقول القاضى الذى حاكم الإخوان فى قضية السيارة الجيب بعد انتهاء المحاكمة وعند بلوغه سن المعاش "بالأمس حاكمتهم واليوم أنضم إلى صفوفهم"
وعندما تمت محاكمتنا عسكريا عام 1995 وتطرق أحد المحامين إلى مسألة العنف والإرهاب إذا بالضابط العسكرى اللواء الذى يحاكمنا يقول له : إن الإخوان ليسوا إرهابيين ولا يمارسون العنف .
وعندما قدمت النيابة العامة والعسكرية الإخوان فى آخر قضية عسكرية بتهمة غسيل وتبييض الأموال أسقطت الهيئة العسكرية التهمة كذلك ولم تعاقب المتهمين عليها .
يأتى القرار السياسى عندما يفشل النظام الحاكم فى مواجهة الإخوان سياسيا واجتماعيا ولا يحترم قواعد المنافسة الشريفة على حب الشعب والجماهير .. يلجأ إلى العصا الأمنية الغليظة ليحسم بها الصراع السياسى فى تصوره ولو إلى حين ليكسب مزيدا من الوقت إذ يدرك فى قرارة نفسه أن القضاء على الإخوان أو استئصالهم من المجتمع مستحيل، وليحرم الإخوان من العمل وسط الناس إلى حين .
ويكفى للتدليل على ذلك أن نظام عبدالناصر بكل شعبيته وقوته وسيطرته اكتشف بعد عشر سنوات قضاها الإخوان فى الليمانات والمنافى والتشريد والتعذيب أن هناك تنظيما جديدا للإخوان ظهر إلى الوجود عام 1965 بعد 11 سنة فى السجون وبعد تعليق قادتهم على أعواد المشانق ومنع أى كلمة عن الإخوان فى المجتمع ولو همسا .. إلا أخبار التعذيب البشع الذى قتل العشرات تحت السياط وفى الجبل .
وعندما عاد الإخوان إلى الحياة من جديد بعد عشرين سنة وخروج آخر أخ عام 1975 فى عهد السادات لم تمضى سنوات قليلة حتى كان الإخوان على مانشيتات الأهرام عام 1984 عندما نسقوا لخوض الانتخابات مع حزب الوفد الجديد .
وعندما غاب الإخوان قسرا أو طوعا عن مجلس الشعب من عام 1990 إلى عام 2000 وتم منع النواب السابقين وقيادات الإخوان من خوض الانتخابات عاد الإخوان بقوة ليشكلوا أكبر كتلة برلمانية فى برلمان 2000 – 2005 ويمثلهم 17 نائبا كانوا أكثر بـ 3 نواب من كل نواب أحزاب المعارضة، وزاد تمثيلهم 5 مرات فى الانتخابات التالية عام 2005م إلى 88 نائبا.
الثانية : أن هذه الهجمات تأتى فى سياق سياسى إقليمى أيضا وليست انعكاسا لصراع وطنى فقط، والسبب هو أن النفوذ الاستعمارى لم يرحل عن بلادنا قط وأن الهيمنة الغربية مازالت صاحبة الكلمة والنفوذ فى كل القضايا الإقليمية، خاصة القضية الفلسطينية وقد ترجم ذلك الرئيس السادات عندما أكد أكثر من مرة أن 99% من أوراق اللعبة فى يد أمريكا وبرر بذلك انحيازه التام إلى معسكر أمريكا وخروجه من دائرة النفوذ السوفيتى الذى كانت بدايات أفوله ظهرت للعيان فعندما ظهر أداء كتائب الفدائيين من الإخوان المسلمين وغيرهم فى ساحات القتال على أرض فلسطين عام 1948م أعادهم النقراشى باشا إلى مصر مكبلين بالأغلال مجردين من السلاح إلى معتقلات الطور وهايكستب وأصدر قراره المشئوم بحل جماعة الإخوان متذرعا بأسباب وأحداث مضى عليها سنوات وليتم بعد ذلك رد الفعل المتوقع فى الأجواء المشحونة باغتيال النقراشى ليتم بعدها اغتيال الإمام المؤسس حسن البنا رحمه الله وهو فى ريعان الشباب ولم يتجاوز الـ 42 عاما ليذهب إلى ربه شهيدا إن شاء الله .
وقد أصدر القضاء المصرى قراره بعد سنتين بإلغاء قرار الحل العسكرى وعاد الإخوان لدورهم ونشاطهم وليشاركوا بعد ذلك فى التخلص من كل النظام الملكى فى خطوة كان لها بعد ذلك أبعد الأثر فى تاريخ مصر كلها وانعكست سلبا على الإخوان أنفسهم .
وجاء الصدام مع عبدالناصر بعد انحياز الإخوان إلى محمد نجيب وإصرارهم على عودة الحياة النيابية وإصدار دستور جديد قدموا اقتراحهم بشأنه وكان الإخوان وقتها قوة إقليمية فى مصر وسوريا والأردن والسودان والعراق، وعلاقتهم طيبة بالسعودية وملكها .
كانت الأجواء الإقليمية تمهد لصدامات وحروب فاشلة مع العدو الصهيونى وقد أنتجت تلك الحروب منذ 1956 مرورا بـ 1967 وانتهاء بـ 1973 تمددا ونفوذا صهيونيا واضحا على حساب مصر والعرب وقد غاب الإخوان المسلمون فى غياهب السجون طوال هذه الحروب وعادوا ليجدوا وضعا إقليميا مختلفا تماما، إلا أن ذلك لم يجعلهم يفقدوا بوصلة الاتجاه السليم فى الصراع مع العدو الصهيونى والقوة الدولية الداعمة له فسرعان ما أصبح الإخوان من جديد فى قلب الصراع مع العدو ولم تمضى إلا سنوات قليلة لا تزيد على العقدين ليصبح مقر الإخوان قبلة لأطراف فلسطينية ودولية تريد منهم القبول بما قبلت به النظم العربية من اعتراف بالكيان الدخيل والإقرار بالحلول الاستسلامية .
اليوم يضيف النظام المصرى وأجهزته الأمنية القمعية بعدا جديدا على الصدام مع الإخوان وهو البعد الدولى .
ولا يدرى النظام أو هو يدرى أنه بتلك الإضافة يجعل الإخوان قوة دولية بعد أن اقتصر وصفهم من قبل على أنهم قوة وطنية مصرية لها نفوذ إقليمى وامتدادات عربية، وأن تلك القضية ستضفى على الإخوان مهابة كبيرة ونفوذا أشد خاصة أن القضاء على الإخوان واستئصالهم ثبت فشله على مدار 80 سنة من البقاء بفعالية وأن الإخوان يخرجون من كل محنة أو قضية أصلب عودا وأمضى عزيمة وأقوى نفوذا .
إن الحكومات المصرية المتعاقبة منذ ستين عاما مطالبة باعتذار واضح ليس للإخوان المسلمين ولكن للشعب المصرى عن حرمان هذا المجتمع وذلك الشعب من الجهود الدعوية والتنموية والاجتماعية والثقافية لنخبة من أشرف وأخلص من عرفت مصر وطنية صادقة وإيمان قوى وعزم فتى غيبتهم خلف الأسوار وحاصرت نشاطهم وجهودهم ومنعت مصر من قطف ثمار ذلك الجهد الدعوى الذى ينطلق من فهم معتدل ووسطى للإسلام العظيم .
وحرمت مصر من أعظم مصادر قوتها الناعمة وهى أن كبرى الحركات الإسلامية نبتت فى مصر وانتشرت منها إلى آفاق الأرض الواسعة .
إلى أخى عبدالمنعم أبو الفتوح
عرفتك منذ سنوات قاربت الـ 40 شاباً مجاهداً لا يخشى فى الله لومة لائم .. رجلاً بطلاً لا يهاب السجون والمعتقلات وكهلاً نبيلاً لم تثقله السنون ولا الأمراض .
وقضيت معك قرابة السنوات الست داخل السجون والمعتقلات فكنت نعم الأخ والصديق والمؤنس والمعين .
لا تجزع فهى أيام سرعان ما تنقضى وتخرج إلينا من جديد فى صفوف الإخوان المجاهدين.
د. عصام العريان
د. عصام العريان (المصريون) : بتاريخ 5 - 7 - 2009
جاءت الهجمة الأمنية الأخيرة على الإخوان المسلمين لتطول أحد أهم رموزهم الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح الأمين العام لاتحاد الأطباء العرب لتعيد السؤال من جديد حول سياسات النظام المصرى نحو الإخوان المسلمين وهذه الهجمات المتتالية التى لم تنجح قط فى الحد من قوة الإخوان ونفوذهم السياسى وإن كانت تربك خططهم ونشاطهم وتعرقل تقدمهم ونموهم المجتمعى والاجتماعى .
ارتبطت الهجمات الأمنية على الإخوان المسلمين منذ بدأت قبل أكثر من ستين عاما بعدة ظواهر تلفت الانتباه أركز منها على ظاهرتين :
الأولى : أنها تتم دائما بقرار سياسى لخدمة أهداف سياسية، ودور الجهاز الأمنى هو التنفيذ فقط، وأن كل محاولات إلصاق تهم وجرائم بالإخوان فشلت تماما ولم تصمد أمام أى جهة قضائية محايدة طبيعية، ويكفى أن يقول القاضى الذى حاكم الإخوان فى قضية السيارة الجيب بعد انتهاء المحاكمة وعند بلوغه سن المعاش "بالأمس حاكمتهم واليوم أنضم إلى صفوفهم"
وعندما تمت محاكمتنا عسكريا عام 1995 وتطرق أحد المحامين إلى مسألة العنف والإرهاب إذا بالضابط العسكرى اللواء الذى يحاكمنا يقول له : إن الإخوان ليسوا إرهابيين ولا يمارسون العنف .
وعندما قدمت النيابة العامة والعسكرية الإخوان فى آخر قضية عسكرية بتهمة غسيل وتبييض الأموال أسقطت الهيئة العسكرية التهمة كذلك ولم تعاقب المتهمين عليها .
يأتى القرار السياسى عندما يفشل النظام الحاكم فى مواجهة الإخوان سياسيا واجتماعيا ولا يحترم قواعد المنافسة الشريفة على حب الشعب والجماهير .. يلجأ إلى العصا الأمنية الغليظة ليحسم بها الصراع السياسى فى تصوره ولو إلى حين ليكسب مزيدا من الوقت إذ يدرك فى قرارة نفسه أن القضاء على الإخوان أو استئصالهم من المجتمع مستحيل، وليحرم الإخوان من العمل وسط الناس إلى حين .
ويكفى للتدليل على ذلك أن نظام عبدالناصر بكل شعبيته وقوته وسيطرته اكتشف بعد عشر سنوات قضاها الإخوان فى الليمانات والمنافى والتشريد والتعذيب أن هناك تنظيما جديدا للإخوان ظهر إلى الوجود عام 1965 بعد 11 سنة فى السجون وبعد تعليق قادتهم على أعواد المشانق ومنع أى كلمة عن الإخوان فى المجتمع ولو همسا .. إلا أخبار التعذيب البشع الذى قتل العشرات تحت السياط وفى الجبل .
وعندما عاد الإخوان إلى الحياة من جديد بعد عشرين سنة وخروج آخر أخ عام 1975 فى عهد السادات لم تمضى سنوات قليلة حتى كان الإخوان على مانشيتات الأهرام عام 1984 عندما نسقوا لخوض الانتخابات مع حزب الوفد الجديد .
وعندما غاب الإخوان قسرا أو طوعا عن مجلس الشعب من عام 1990 إلى عام 2000 وتم منع النواب السابقين وقيادات الإخوان من خوض الانتخابات عاد الإخوان بقوة ليشكلوا أكبر كتلة برلمانية فى برلمان 2000 – 2005 ويمثلهم 17 نائبا كانوا أكثر بـ 3 نواب من كل نواب أحزاب المعارضة، وزاد تمثيلهم 5 مرات فى الانتخابات التالية عام 2005م إلى 88 نائبا.
الثانية : أن هذه الهجمات تأتى فى سياق سياسى إقليمى أيضا وليست انعكاسا لصراع وطنى فقط، والسبب هو أن النفوذ الاستعمارى لم يرحل عن بلادنا قط وأن الهيمنة الغربية مازالت صاحبة الكلمة والنفوذ فى كل القضايا الإقليمية، خاصة القضية الفلسطينية وقد ترجم ذلك الرئيس السادات عندما أكد أكثر من مرة أن 99% من أوراق اللعبة فى يد أمريكا وبرر بذلك انحيازه التام إلى معسكر أمريكا وخروجه من دائرة النفوذ السوفيتى الذى كانت بدايات أفوله ظهرت للعيان فعندما ظهر أداء كتائب الفدائيين من الإخوان المسلمين وغيرهم فى ساحات القتال على أرض فلسطين عام 1948م أعادهم النقراشى باشا إلى مصر مكبلين بالأغلال مجردين من السلاح إلى معتقلات الطور وهايكستب وأصدر قراره المشئوم بحل جماعة الإخوان متذرعا بأسباب وأحداث مضى عليها سنوات وليتم بعد ذلك رد الفعل المتوقع فى الأجواء المشحونة باغتيال النقراشى ليتم بعدها اغتيال الإمام المؤسس حسن البنا رحمه الله وهو فى ريعان الشباب ولم يتجاوز الـ 42 عاما ليذهب إلى ربه شهيدا إن شاء الله .
وقد أصدر القضاء المصرى قراره بعد سنتين بإلغاء قرار الحل العسكرى وعاد الإخوان لدورهم ونشاطهم وليشاركوا بعد ذلك فى التخلص من كل النظام الملكى فى خطوة كان لها بعد ذلك أبعد الأثر فى تاريخ مصر كلها وانعكست سلبا على الإخوان أنفسهم .
وجاء الصدام مع عبدالناصر بعد انحياز الإخوان إلى محمد نجيب وإصرارهم على عودة الحياة النيابية وإصدار دستور جديد قدموا اقتراحهم بشأنه وكان الإخوان وقتها قوة إقليمية فى مصر وسوريا والأردن والسودان والعراق، وعلاقتهم طيبة بالسعودية وملكها .
كانت الأجواء الإقليمية تمهد لصدامات وحروب فاشلة مع العدو الصهيونى وقد أنتجت تلك الحروب منذ 1956 مرورا بـ 1967 وانتهاء بـ 1973 تمددا ونفوذا صهيونيا واضحا على حساب مصر والعرب وقد غاب الإخوان المسلمون فى غياهب السجون طوال هذه الحروب وعادوا ليجدوا وضعا إقليميا مختلفا تماما، إلا أن ذلك لم يجعلهم يفقدوا بوصلة الاتجاه السليم فى الصراع مع العدو الصهيونى والقوة الدولية الداعمة له فسرعان ما أصبح الإخوان من جديد فى قلب الصراع مع العدو ولم تمضى إلا سنوات قليلة لا تزيد على العقدين ليصبح مقر الإخوان قبلة لأطراف فلسطينية ودولية تريد منهم القبول بما قبلت به النظم العربية من اعتراف بالكيان الدخيل والإقرار بالحلول الاستسلامية .
اليوم يضيف النظام المصرى وأجهزته الأمنية القمعية بعدا جديدا على الصدام مع الإخوان وهو البعد الدولى .
ولا يدرى النظام أو هو يدرى أنه بتلك الإضافة يجعل الإخوان قوة دولية بعد أن اقتصر وصفهم من قبل على أنهم قوة وطنية مصرية لها نفوذ إقليمى وامتدادات عربية، وأن تلك القضية ستضفى على الإخوان مهابة كبيرة ونفوذا أشد خاصة أن القضاء على الإخوان واستئصالهم ثبت فشله على مدار 80 سنة من البقاء بفعالية وأن الإخوان يخرجون من كل محنة أو قضية أصلب عودا وأمضى عزيمة وأقوى نفوذا .
إن الحكومات المصرية المتعاقبة منذ ستين عاما مطالبة باعتذار واضح ليس للإخوان المسلمين ولكن للشعب المصرى عن حرمان هذا المجتمع وذلك الشعب من الجهود الدعوية والتنموية والاجتماعية والثقافية لنخبة من أشرف وأخلص من عرفت مصر وطنية صادقة وإيمان قوى وعزم فتى غيبتهم خلف الأسوار وحاصرت نشاطهم وجهودهم ومنعت مصر من قطف ثمار ذلك الجهد الدعوى الذى ينطلق من فهم معتدل ووسطى للإسلام العظيم .
وحرمت مصر من أعظم مصادر قوتها الناعمة وهى أن كبرى الحركات الإسلامية نبتت فى مصر وانتشرت منها إلى آفاق الأرض الواسعة .
إلى أخى عبدالمنعم أبو الفتوح
عرفتك منذ سنوات قاربت الـ 40 شاباً مجاهداً لا يخشى فى الله لومة لائم .. رجلاً بطلاً لا يهاب السجون والمعتقلات وكهلاً نبيلاً لم تثقله السنون ولا الأمراض .
وقضيت معك قرابة السنوات الست داخل السجون والمعتقلات فكنت نعم الأخ والصديق والمؤنس والمعين .
لا تجزع فهى أيام سرعان ما تنقضى وتخرج إلينا من جديد فى صفوف الإخوان المجاهدين.
Insurgent Iran and Leftist Confusion
Insurgent Iran and Leftist Confusion
By Reese Erlich
http://www.commondreams.org/view/2009/06/28-10
June 29, 2009 - When I returned from covering the
Iranian elections recently, I was surprised to find my
email box filled with progressive authors, academics
and bloggers bending themselves into knots about the
current crisis in Iran. They cite the long history of
U.S. interference in Iran and conclude that the current
unrest there must be sponsored or manipulated by the
Empire.
That comes as quite a shock to those risking their
lives daily on the streets of major Iranian cities
fighting for political, social and economic justice.
Some of these authors have even cited my book, The Iran
Agenda, as a source to prove U.S. meddling. Whoa there,
pardner. Now we're getting personal.
The large majority of American people, particularly
leftists and progressives, are sympathetic to the
demonstrators in Iran, oppose Iranian government
repression and also oppose any U.S. military or
political interference in that country. But a small and
vocal number of progressives are questioning that view,
including authors writing for Monthly Review online,
Foreign Policy Journal, and prominent academics such as
retired professor James Petras.
They mostly argue by analogy. They correctly cite
numerous examples of CIA efforts to overthrow
governments, sometimes by manipulating mass
demonstrations. But past practice is no proof that it's
happening in this particular case. Frankly, the multi-
class character of the most recent demonstrations,
which arose quickly and spontaneously, were beyond the
control of the reformist leaders in Iran, let alone the
CIA.
Let's assume for the moment that the U.S. was trying to
secretly manipulate the demonstrations for its own
purposes. Did it succeed? Or were the protests
reflecting 30 years of cumulative anger at a
reactionary system that oppresses workers, women, and
ethnic minorities, indeed the vast majority of
Iranians? Is President Mahmood Ahmadinejad a
"nationalist-populist," as claimed by some, and
therefore an ally against U.S. domination around the
world? Or is he a repressive, authoritarian leader who
actually hurts the struggle against U.S. hegemony?
Let's take a look. But first a quick note.
As far as I can tell none of these leftist critics have
actually visited Iran, at least not to report on the
recent uprisings. Of course, one can have an opinion
about a country without first-hand experience there.
But in the case of recent events in Iran, it helps to
have met people. It helps a lot.
The left-wing Doubting Thomas arguments fall into three
broad categories.
1. Assertion: President Mahmood Ahmadinejad won the
election, or at a minimum, the opposition hasn't proved
otherwise.
Michael Veiluva, Counsel at the Western States Legal
Foundation (representing his own views) wrote on the
Monthly Review website:
"[U.S. peace groups] are quick to denounce the
elections as ?€?massively fraudulent' and generally
subscribe to the ?€?mad mullah' stereotype of the current
political system in Iran. There is a remarkable
convergence between the tone of these statements and
the American right who are hypocritically beating their
chests over Iran's ?€?stolen' election."
Bartle Professor (Emeritus) of Sociology at Binghamton
University, New York, James Petras wrote:
"[N]ot a single shred of evidence in either written or
observational form has been presented either before or
a week after the vote count. During the entire
electoral campaign, no credible (or even dubious)
charge of voter tampering was raised."
Actually, Iranians themselves were very worried about
election fraud prior to the vote count. When I covered
the 2005 elections, Ahmadinejad barely edged out Mehdi
Karoubi in the first round of elections. Karoubi raised
substantive arguments that he was robbed of his place
in the runoff due to vote fraud. But under Iran's
clerical system, there's no meaningful appeal. So, as
he put it, he took his case to God.
On the day of the 2009 election, election officials
illegally barred many opposition observers from the
polls. The opposition had planned to use text messaging
to communicate local vote tallies to a central
location. The government shut down SMS messaging! So
the vote count was entirely dependent on a government
tally by officials sympathetic to the incumbent.
I heard many anecdotal accounts of voting boxes
arriving pre-stuffed and of more ballots being printed
than are accounted for in the official registration
numbers. It seems unlikely that the Iranian government
will allow meaningful appeals or investigations into
the various allegations about vote rigging.
A study by two professors at Chatham House and the
Institute of Iranian Studies at University of St.
Andrews, Scotland, took a close look at the official
election results and found some major discrepancies.
For Ahmadinejad to have sustained his massive victory
in one third of Iran's provinces, he would have had to
carry all his supporters, all new voters, all voters
previously voting centrist and about 44% of previous
reformist voters.
Keep in mind that Ahmadinejad's victory takes place in
the context of a highly rigged system. The Guardian
Council determines which candidates may run based on
their Islamic qualifications. As a result, no woman has
ever been allowed to campaign for president and sitting
members of parliament were disqualified because they
had somehow become un-Islamic.
The constitution of Iran created an authoritarian
theocracy in which various elements of the ruling elite
could fight out their differences, sometimes through
elections and parliamentary debate, sometimes through
violent repression. Iran is a classic example of how a
country can have competitive elections without being
democratic.
2. Assertion: The U.S. has a long history of meddling
in Iran, so it must be behind the current unrest.
Jeremy R. Hammond writes in the progressive website
Foreign Policy Journal:
"[G]iven the record of U.S. interference in the state
affairs of Iran and clear policy of regime change, it
certainly seems possible, even likely, that the U.S.
had a significant role to play in helping to bring
about the recent turmoil in an effort to undermine the
government of the Islamic Republic.
Eric Margolis, a columnist for Quebecor Media Company
in Canada and a contributor to The Huffington Post,
wrote:
"While the majority of protests we see in Tehran are
genuine and spontaneous, Western intelligence agencies
and media are playing a key role in sustaining the
uprising and providing communications, including the
newest electronic method, via Twitter. These are covert
techniques developed by the US during recent
revolutions in Ukraine and Georgia that brought pro-US
governments to power."
Both authors cite numerous cases of the U.S. using
covert means to overthrow legitimate governments. The
CIA engineered large demonstrations, along with
assassinations and terrorist bombings, to cause
confusion and overthrow the parliamentary government of
Iran' Prime Minister Mohammad Mossadegh in 1953. The
U.S. used similar methods in an effort to overthrow
Hugo Chavez in Venezuela in 2002.
(For more details, see my book, Dateline Havana: The
Real Story of US Policy and the Future of Cuba.)
Hammond cites my book The Iran Agenda and my interview
on Democracy Now to show that the Bush Administration
was training and funding ethnic minorities in an effort
to overthrow the Iranian government in 2007.
All the arguments are by analogy and implication.
Neither the above two authors, nor anyone else of whom
I am aware, offers one shred of evidence that the Obama
Administration has engineered, or even significantly
influenced, the current demonstrations.
Let's look at what actually happened on the ground.
Tens of millions of Iranians went to bed on Friday,
June 12, convinced that either Mousavi had won the
election outright or that there would be runoff between
him and Ahmadinejad. They woke up Saturday morning and
were stunned. "It was a coup d'etat," several friends
told me. The anger cut across class lines and went well
beyond Mousavi's core base of students, intellectuals
and the well-to-do.
Within two days hundreds of thousands of people were
demonstrating peacefully in the streets of Tehran and
other major cities. Could the CIA have anticipated the
vote count, and on two days notice, mobilized its
nefarious networks? Does the CIA even have the kind of
extensive networks that would be necessary to control
or even influence such a movement? That simultaneously
gives the CIA too much credit and underestimates the
independence of the mass movement.
As for the charge that the CIA is providing advanced
technology like Twitter, pleaaaaaase. In my commentary
carried on Reuters, I point out that the vast majority
of Iranians have no access to Twitter and that the
demonstrations were mostly organized by cell phone and
word of mouth.
Many Iranians do watch foreign TV channels via
satellite. A sat dish costs only about $100 with no
monthly fees, so they are affordable even to the
working class. Iranians watched BBC, VOA and other
foreign channels in Farsi, leading to government
assertions of foreign instigation of the
demonstrations. By that logic, Ayatollah Khomeini
received support from Britain in the 1979 revolution
because of BBC radio's critical coverage of the
despotic Shah.
Frankly, based on my observations, no one was leading
the demonstrations. During the course of the week after
the elections, the mass movement evolved from one
protesting vote fraud into one calling for much broader
freedoms. You could see it in the changing composition
of the marches. There were not only upper middle class
kids in tight jeans and designer sun glasses. There
were growing numbers of workers and women in very
conservative chadors.
Iranian youth particularly resented President
Ahmadinejad's support for religious militia attacks on
unmarried young men and women walking together and
against women not covering enough hair with their
hijab. Workers resented the 24 percent annual inflation
that robbed them of real wage increases. Independent
trade unionists were fighting for decent wages and for
the right to organize.
Some demonstrators wanted a more moderate Islamic
government. Others advocated a separation of mosque and
state, and a return to parliamentary democracy they had
before the 1953 coup. But virtually everyone believes
that Iran has the right to develop nuclear power,
including enriching uranium. Iranians support the
Palestinians in their fight against Israeli occupation,
and they want to see the U.S. get out of Iraq.
So if they CIA was manipulating the demonstrators, it
was doing a piss poor job.
Of course, the CIA would like to have influence in
Iran. But that's a far cry from saying it does have
influence. By proclaiming the omnipotence of U.S.
power, the leftist critics ironically join hands with
Ahmadinejad and the reactionary clerics who blame all
unrest on the British and U.S.
3. Assertion: Ahmadinejad is a nationalist-populist who
opposes U.S. imperialism. Efforts to overthrow him only
help the U.S.
James Petras wrote: "Ahmadinejad's strong position on
defense matters contrasted with the pro-Western and
weak defense posture of many of the campaign
propagandists of the opposition...."
"Ahmadinejad's electoral success, seen in historical
comparative perspective should not be a surprise. In
similar electoral contests between nationalist-
populists against pro-Western liberals, the populists
have won. Past examples include Peron in Argentina and,
most recently, Chavez of Venezuela, [and] Evo Morales
in Bolivia."
Venezuela's Foreign Ministry wrote on its website:
"The Bolivarian Government of Venezuela expresses its
firm opposition to the vicious and unfounded campaign
to discredit the institutions of the Islamic Republic
of Iran, unleashed from outside, designed to roil the
political climate of our brother country. From
Venezuela, we denounce these acts of interference in
the internal affairs of the Islamic Republic of Iran,
while demanding an immediate halt to the maneuvers to
threaten and destabilize the Islamic Revolution."
From 1953-1979, the Shah of Iran brutally repressed his
own people and aligned himself with the U.S. and
Israel. After the 1979 Islamic Revolution, Iran
brutally repressed its own people and broke its
alliance with the U.S. and Israel. That apparently
causes confusion for some on the left.
I have written numerous articles and books criticizing
U.S. policy on Iran, including Bush administration
efforts to overthrow the Islamic government. The U.S.
raises a series of phony issues, or exaggerates
problems, in an effort to impose its domination on
Iran. (Examples include Iran's nuclear power program,
support for Hamas and Hezbollah, and support for Shiite
groups in Iraq.)
During his past four years in office, Ahmadinejad has
ramped up Iran's anti-imperialist rhetoric and posed
himself as a leader of the Islamic world. That accounts
for his fiery rhetoric against Israel and his denial of
the Holocaust. (Officially, Ahmadinejad "questions" the
Holocaust and says "more study is necessary." That
reminds me of the creationists who say there needs to
be more study because evolution is only a theory.) As
pointed out by the opposition candidates, Ahmadinejad's
rhetoric about Israel and Jews has only alienated
people around the world and made it more difficult for
the Palestinians.
But in the real world, Ahmadinejad has done nothing to
support the Palestinians other than sending some funds
to Hamas. Despite rhetoric from the U.S. and Israel,
Iran has little impact on a struggle that must be
resolved by Palestinians and Israelis themselves.
So comparing Ahmadinejad with Chavez or Evo Morales is
absurd. I have reported from both Venezuela and Bolivia
numerous times. Those countries have genuine mass
movements that elected and kept those leaders in power.
They have implemented significant reforms that
benefitted workers and farmers. Ahmadinejad has
introduced 24% annual inflation and high unemployment.
As for the position of Venezuela and President Hugo
Chavez, they are simply wrong. On a diplomatic level,
Venezuela and Iran share some things in common. Both
are under attack from the U.S., including past efforts
at "regime change."
Venezuela and other governments around the world will
have to deal with Ahmadinejad as the de facto
president, so questioning the election could cause
diplomatic problems.
But that's no excuse. Chavez has got it exactly
backward. The popular movement in the streets will make
Iran stronger as it rejects outside interference from
the U.S. or anyone else. This is no academic debate or
simply fodder for bored bloggers. Real lives are at
stake. A repressive government has killed at least 17
Iranians and injured hundreds. The mass movement may
not be strong enough to topple the system today but is
sowing the seeds for future struggles.
The leftist critics must answer the question: Whose
side are you on?
By Reese Erlich
http://www.commondreams.org/view/2009/06/28-10
June 29, 2009 - When I returned from covering the
Iranian elections recently, I was surprised to find my
email box filled with progressive authors, academics
and bloggers bending themselves into knots about the
current crisis in Iran. They cite the long history of
U.S. interference in Iran and conclude that the current
unrest there must be sponsored or manipulated by the
Empire.
That comes as quite a shock to those risking their
lives daily on the streets of major Iranian cities
fighting for political, social and economic justice.
Some of these authors have even cited my book, The Iran
Agenda, as a source to prove U.S. meddling. Whoa there,
pardner. Now we're getting personal.
The large majority of American people, particularly
leftists and progressives, are sympathetic to the
demonstrators in Iran, oppose Iranian government
repression and also oppose any U.S. military or
political interference in that country. But a small and
vocal number of progressives are questioning that view,
including authors writing for Monthly Review online,
Foreign Policy Journal, and prominent academics such as
retired professor James Petras.
They mostly argue by analogy. They correctly cite
numerous examples of CIA efforts to overthrow
governments, sometimes by manipulating mass
demonstrations. But past practice is no proof that it's
happening in this particular case. Frankly, the multi-
class character of the most recent demonstrations,
which arose quickly and spontaneously, were beyond the
control of the reformist leaders in Iran, let alone the
CIA.
Let's assume for the moment that the U.S. was trying to
secretly manipulate the demonstrations for its own
purposes. Did it succeed? Or were the protests
reflecting 30 years of cumulative anger at a
reactionary system that oppresses workers, women, and
ethnic minorities, indeed the vast majority of
Iranians? Is President Mahmood Ahmadinejad a
"nationalist-populist," as claimed by some, and
therefore an ally against U.S. domination around the
world? Or is he a repressive, authoritarian leader who
actually hurts the struggle against U.S. hegemony?
Let's take a look. But first a quick note.
As far as I can tell none of these leftist critics have
actually visited Iran, at least not to report on the
recent uprisings. Of course, one can have an opinion
about a country without first-hand experience there.
But in the case of recent events in Iran, it helps to
have met people. It helps a lot.
The left-wing Doubting Thomas arguments fall into three
broad categories.
1. Assertion: President Mahmood Ahmadinejad won the
election, or at a minimum, the opposition hasn't proved
otherwise.
Michael Veiluva, Counsel at the Western States Legal
Foundation (representing his own views) wrote on the
Monthly Review website:
"[U.S. peace groups] are quick to denounce the
elections as ?€?massively fraudulent' and generally
subscribe to the ?€?mad mullah' stereotype of the current
political system in Iran. There is a remarkable
convergence between the tone of these statements and
the American right who are hypocritically beating their
chests over Iran's ?€?stolen' election."
Bartle Professor (Emeritus) of Sociology at Binghamton
University, New York, James Petras wrote:
"[N]ot a single shred of evidence in either written or
observational form has been presented either before or
a week after the vote count. During the entire
electoral campaign, no credible (or even dubious)
charge of voter tampering was raised."
Actually, Iranians themselves were very worried about
election fraud prior to the vote count. When I covered
the 2005 elections, Ahmadinejad barely edged out Mehdi
Karoubi in the first round of elections. Karoubi raised
substantive arguments that he was robbed of his place
in the runoff due to vote fraud. But under Iran's
clerical system, there's no meaningful appeal. So, as
he put it, he took his case to God.
On the day of the 2009 election, election officials
illegally barred many opposition observers from the
polls. The opposition had planned to use text messaging
to communicate local vote tallies to a central
location. The government shut down SMS messaging! So
the vote count was entirely dependent on a government
tally by officials sympathetic to the incumbent.
I heard many anecdotal accounts of voting boxes
arriving pre-stuffed and of more ballots being printed
than are accounted for in the official registration
numbers. It seems unlikely that the Iranian government
will allow meaningful appeals or investigations into
the various allegations about vote rigging.
A study by two professors at Chatham House and the
Institute of Iranian Studies at University of St.
Andrews, Scotland, took a close look at the official
election results and found some major discrepancies.
For Ahmadinejad to have sustained his massive victory
in one third of Iran's provinces, he would have had to
carry all his supporters, all new voters, all voters
previously voting centrist and about 44% of previous
reformist voters.
Keep in mind that Ahmadinejad's victory takes place in
the context of a highly rigged system. The Guardian
Council determines which candidates may run based on
their Islamic qualifications. As a result, no woman has
ever been allowed to campaign for president and sitting
members of parliament were disqualified because they
had somehow become un-Islamic.
The constitution of Iran created an authoritarian
theocracy in which various elements of the ruling elite
could fight out their differences, sometimes through
elections and parliamentary debate, sometimes through
violent repression. Iran is a classic example of how a
country can have competitive elections without being
democratic.
2. Assertion: The U.S. has a long history of meddling
in Iran, so it must be behind the current unrest.
Jeremy R. Hammond writes in the progressive website
Foreign Policy Journal:
"[G]iven the record of U.S. interference in the state
affairs of Iran and clear policy of regime change, it
certainly seems possible, even likely, that the U.S.
had a significant role to play in helping to bring
about the recent turmoil in an effort to undermine the
government of the Islamic Republic.
Eric Margolis, a columnist for Quebecor Media Company
in Canada and a contributor to The Huffington Post,
wrote:
"While the majority of protests we see in Tehran are
genuine and spontaneous, Western intelligence agencies
and media are playing a key role in sustaining the
uprising and providing communications, including the
newest electronic method, via Twitter. These are covert
techniques developed by the US during recent
revolutions in Ukraine and Georgia that brought pro-US
governments to power."
Both authors cite numerous cases of the U.S. using
covert means to overthrow legitimate governments. The
CIA engineered large demonstrations, along with
assassinations and terrorist bombings, to cause
confusion and overthrow the parliamentary government of
Iran' Prime Minister Mohammad Mossadegh in 1953. The
U.S. used similar methods in an effort to overthrow
Hugo Chavez in Venezuela in 2002.
(For more details, see my book, Dateline Havana: The
Real Story of US Policy and the Future of Cuba.)
Hammond cites my book The Iran Agenda and my interview
on Democracy Now to show that the Bush Administration
was training and funding ethnic minorities in an effort
to overthrow the Iranian government in 2007.
All the arguments are by analogy and implication.
Neither the above two authors, nor anyone else of whom
I am aware, offers one shred of evidence that the Obama
Administration has engineered, or even significantly
influenced, the current demonstrations.
Let's look at what actually happened on the ground.
Tens of millions of Iranians went to bed on Friday,
June 12, convinced that either Mousavi had won the
election outright or that there would be runoff between
him and Ahmadinejad. They woke up Saturday morning and
were stunned. "It was a coup d'etat," several friends
told me. The anger cut across class lines and went well
beyond Mousavi's core base of students, intellectuals
and the well-to-do.
Within two days hundreds of thousands of people were
demonstrating peacefully in the streets of Tehran and
other major cities. Could the CIA have anticipated the
vote count, and on two days notice, mobilized its
nefarious networks? Does the CIA even have the kind of
extensive networks that would be necessary to control
or even influence such a movement? That simultaneously
gives the CIA too much credit and underestimates the
independence of the mass movement.
As for the charge that the CIA is providing advanced
technology like Twitter, pleaaaaaase. In my commentary
carried on Reuters, I point out that the vast majority
of Iranians have no access to Twitter and that the
demonstrations were mostly organized by cell phone and
word of mouth.
Many Iranians do watch foreign TV channels via
satellite. A sat dish costs only about $100 with no
monthly fees, so they are affordable even to the
working class. Iranians watched BBC, VOA and other
foreign channels in Farsi, leading to government
assertions of foreign instigation of the
demonstrations. By that logic, Ayatollah Khomeini
received support from Britain in the 1979 revolution
because of BBC radio's critical coverage of the
despotic Shah.
Frankly, based on my observations, no one was leading
the demonstrations. During the course of the week after
the elections, the mass movement evolved from one
protesting vote fraud into one calling for much broader
freedoms. You could see it in the changing composition
of the marches. There were not only upper middle class
kids in tight jeans and designer sun glasses. There
were growing numbers of workers and women in very
conservative chadors.
Iranian youth particularly resented President
Ahmadinejad's support for religious militia attacks on
unmarried young men and women walking together and
against women not covering enough hair with their
hijab. Workers resented the 24 percent annual inflation
that robbed them of real wage increases. Independent
trade unionists were fighting for decent wages and for
the right to organize.
Some demonstrators wanted a more moderate Islamic
government. Others advocated a separation of mosque and
state, and a return to parliamentary democracy they had
before the 1953 coup. But virtually everyone believes
that Iran has the right to develop nuclear power,
including enriching uranium. Iranians support the
Palestinians in their fight against Israeli occupation,
and they want to see the U.S. get out of Iraq.
So if they CIA was manipulating the demonstrators, it
was doing a piss poor job.
Of course, the CIA would like to have influence in
Iran. But that's a far cry from saying it does have
influence. By proclaiming the omnipotence of U.S.
power, the leftist critics ironically join hands with
Ahmadinejad and the reactionary clerics who blame all
unrest on the British and U.S.
3. Assertion: Ahmadinejad is a nationalist-populist who
opposes U.S. imperialism. Efforts to overthrow him only
help the U.S.
James Petras wrote: "Ahmadinejad's strong position on
defense matters contrasted with the pro-Western and
weak defense posture of many of the campaign
propagandists of the opposition...."
"Ahmadinejad's electoral success, seen in historical
comparative perspective should not be a surprise. In
similar electoral contests between nationalist-
populists against pro-Western liberals, the populists
have won. Past examples include Peron in Argentina and,
most recently, Chavez of Venezuela, [and] Evo Morales
in Bolivia."
Venezuela's Foreign Ministry wrote on its website:
"The Bolivarian Government of Venezuela expresses its
firm opposition to the vicious and unfounded campaign
to discredit the institutions of the Islamic Republic
of Iran, unleashed from outside, designed to roil the
political climate of our brother country. From
Venezuela, we denounce these acts of interference in
the internal affairs of the Islamic Republic of Iran,
while demanding an immediate halt to the maneuvers to
threaten and destabilize the Islamic Revolution."
From 1953-1979, the Shah of Iran brutally repressed his
own people and aligned himself with the U.S. and
Israel. After the 1979 Islamic Revolution, Iran
brutally repressed its own people and broke its
alliance with the U.S. and Israel. That apparently
causes confusion for some on the left.
I have written numerous articles and books criticizing
U.S. policy on Iran, including Bush administration
efforts to overthrow the Islamic government. The U.S.
raises a series of phony issues, or exaggerates
problems, in an effort to impose its domination on
Iran. (Examples include Iran's nuclear power program,
support for Hamas and Hezbollah, and support for Shiite
groups in Iraq.)
During his past four years in office, Ahmadinejad has
ramped up Iran's anti-imperialist rhetoric and posed
himself as a leader of the Islamic world. That accounts
for his fiery rhetoric against Israel and his denial of
the Holocaust. (Officially, Ahmadinejad "questions" the
Holocaust and says "more study is necessary." That
reminds me of the creationists who say there needs to
be more study because evolution is only a theory.) As
pointed out by the opposition candidates, Ahmadinejad's
rhetoric about Israel and Jews has only alienated
people around the world and made it more difficult for
the Palestinians.
But in the real world, Ahmadinejad has done nothing to
support the Palestinians other than sending some funds
to Hamas. Despite rhetoric from the U.S. and Israel,
Iran has little impact on a struggle that must be
resolved by Palestinians and Israelis themselves.
So comparing Ahmadinejad with Chavez or Evo Morales is
absurd. I have reported from both Venezuela and Bolivia
numerous times. Those countries have genuine mass
movements that elected and kept those leaders in power.
They have implemented significant reforms that
benefitted workers and farmers. Ahmadinejad has
introduced 24% annual inflation and high unemployment.
As for the position of Venezuela and President Hugo
Chavez, they are simply wrong. On a diplomatic level,
Venezuela and Iran share some things in common. Both
are under attack from the U.S., including past efforts
at "regime change."
Venezuela and other governments around the world will
have to deal with Ahmadinejad as the de facto
president, so questioning the election could cause
diplomatic problems.
But that's no excuse. Chavez has got it exactly
backward. The popular movement in the streets will make
Iran stronger as it rejects outside interference from
the U.S. or anyone else. This is no academic debate or
simply fodder for bored bloggers. Real lives are at
stake. A repressive government has killed at least 17
Iranians and injured hundreds. The mass movement may
not be strong enough to topple the system today but is
sowing the seeds for future struggles.
The leftist critics must answer the question: Whose
side are you on?
استاذنا عبد الوهاب المسيري
استاذنا عبد الوهاب المسيري
في 3 تموز-يوليو من العام الماضي 2008 توفي الصديق والرفيق الحبيب والكبير الدكتور عبد
الوهاب المسيري وهو في قمة عطائه الفكري والسياسي..هذه تحية له....
الأستاذ الدكتور عبد الوهاب المسيري، مفكر عربي إسلامي. وُلد في دمنهور في اكتوبر 1938 وتلقى فيها تعليمه الابتدائي والثانوي (مرحلة التكوين أو البذور). التحق عام 1955 بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة الإسكندرية وعُين معيدًا فيها عند تخرجه، وسافر إلى الولايات المتحدة عام 1963 حيث حصل على درجة الماجستير عام 1964 (من جامعة كولومبيا) ثم على درجة الدكتوراه عام 1969 من جامعة رَتْجَرز Rutgers (مرحلة الجذور). وعند عودته إلى مصر قام بالتدريس في جامعة عين شمس وفي عدة جامعات عربية من أهمها جامعة الملك سعود (1983 – 1988(، كما عمل أستاذا زائرًا في أكاديمية ناصر العسكرية، وجامعة ماليزيا الإسلامية، وعضو مجلس الخبراء بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام (1970-1975) ومستشارًا ثقافيًا للوفد الدائم لجامعة الدول العربية لدى هيئة الأمم المتحدة بنيويورك (1975 – 1979). و عضو مجلس الأمناء لجامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية بليسبرج، بولاية فرجينيا بالولايات المتحدة الأمريكية، ومستشار التحرير في عدد من الحوليات التي تصدر في ماليزيا وإيران والولايات المتحدة وانجلترا وفرنسا (مرحلة الثمر).
كان الدكتور عبد الوهاب المسيري يمتلك شخصية هادئة، وكان يتقبل أي نقد يوجه إليه مهما بلغت حدته، ولم يشاهد قط في حياته منفعلا أو عصبيا. و كانت الإبتسامة الهادئة الواثقة لا تفارق وجهه الذى كان يتسم بالبراءة.
الأعمال المنشورة بالعربية
نهاية التاريخ: مقدمة لدراسة بنية الفـكر الصهيوني (مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، القـاهرة 1972؛ المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1979). في عام 1972 جاء هذا الكتاب قبل 28 عاما من تأليف المفكر الأميركي فرانسيس فوكوياما لكتاب يحمل نفس العنوان. لكن الفرق بين النظرتين أن رؤية فوكوياما تعتبر أن نهاية التاريخ تعني انتصار الولايات المتحدة على الاتحاد السوفياتي، بينما يرى المسيري أن نهاية التاريخ فاشية اخترعتها الدول الغربية للسيطرة على العالم.
موسوعة المفاهيم والمصطلحات الصهيونية: رؤية نقدية (مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، القـاهرة 1975).
العنصرية الصهيونية (سلسلة الموسوعة الصغيرة، بغداد 1975).
اليهودية والصهيونية وإسرائيل : دراسة في انتشار وانحسار الرؤية الصهيونية للواقع (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1975).
مختارات من الشعر الرومانتيكي الإنجليزي: النصوص الأساسية وبعض الدراسات التاريخية والنقدية (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1979).
الفردوس الأرضي : دراسات وانطباعات عن الحضارة الأمريكية (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1979).
الأيديولوجية الصهيونية : دراسة حالة في علم اجتماع المعرفة (جزءان، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، عالم المعرفة، الكويت 1981 ـ طبعة ثانية في جزء واحد 1988).
الغرب والعالم: تأليف كيفين رايلي (ترجمة بالاشتراك) (جزءان، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، عالم المعرفة، الكويت 1985).
الانتفاضة الفلسطينية والأزمة الصهيونية : دراسة في الإدراك والكرامة (منظمة التحرير الفلسطينية، تونس 1987؛ المطبعة الفنية، القاهرة 1988؛ الهيئة العامة للكتاب، القاهرة 2000).
افتتاحيات الهادئ: تأليف ستيفن سوندايم وجون ويدمان (ترجمة بالاشتراك) (وزارة الإعلام، سلسلة المسرح العالمي، الكويت 1988).
الاستعمار الصهيوني وتطبيع الشخصية اليهودية : دراسات في بعض المفاهيم الصهيونية والممارسات الإسرائيلية (مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت 1990).
هجرة اليهود السوفييت : منهج في الرصد وتحليل المعلومات (دار الهلال، كتاب الهلال، القاهرة 1990).
الأميرة والشاعر : قصة للأطفال (الفتى العربي، القاهرة 1993).
الجمعيات السرية في العالم : (دار الهلال، كتاب الهلال، القاهرة 1993).
إشكالية التحيز : رؤية معرفية ودعوة للاجتهاد (تأليف وتحرير) (جزءان، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، القاهرة 1993؛ جزءان، واشنطن 1996؛ سبعة أجزاء؛ القاهرة 1998).
أسرار العقل الصهيوني : (دار الحسام، القاهرة 1996).
الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ : رؤية حضارية جديدة (دار الشروق، القاهرة 1997 ـ 1998 ـ 2001).
من هو اليهودي؟ : (دار الشروق، القاهرة 1997 ـ 2001).
موسوعة تاريخ الصهيونية : (ثلاثة أجزاء، دار الحسام، القاهرة 1997).
اليهود في عقل هؤلاء : (دار المعارف، سلسلة اقرأ، القاهرة 1998).
اليد الخفية : دراسة في الحركات اليهودية، الهدامة والسرية (دار الشروق، القاهرة 1998؛ الهيئة العامة للكتاب، القاهرة 2000؛ دار الشروق 2001).
موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية : نموذج تفسيري جديد (ثمانية مجلدات، دار الشروق، القاهرة 1999).
فكر حركة الاستنارة وتناقضاته : (دار نهضة مصر، القاهرة 1999).
قضية المرأة بين التحرر والتمركز حول الأنثى : (دار نهضة مصر، القاهرة 1999).
نور والذئب الشهير بالمكار : قصة للأطفال (دار الشروق، القاهرة 1999).
سندريلا وزينب هانم خاتون : قصة للأطفال (دار الشروق، القاهرة 1999).
رحلة إلى جزيرة الدويشة : قصة للأطفال (دار الشروق، القاهرة 2000).
معركة كبيرة صغيرة : قصة للأطفال (دار الشروق، القاهرة 2000).
سر اختفاء الذئب الشهير بالمحتار : قصة للأطفال (دار الشروق، القاهرة 2000).
العلمانية تحت المجهر : بالاشتراك مع الدكتور عزيز العظمة (دار الفكر، دمشق 2000).
رحلتي الفكرية ـ في البذور والجذور والثمار : سيرة غير ذاتية غير موضوعية (الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة 2001).
الأكاذيب الصهيونية من بداية الاستيطان حتى انتفاضة الأقصى : (دار المعارف، سلسلة اقرأ، القاهرة 2001).
الصهيونية والعنف من بداية الاستيطان إلى انتفاضة الأقصى : (دار الشروق، القاهرة 2001).
فلسطينيةً كانت ولم تَزَلِ : الموضوعات الكامنة المتواترة في شعر المقاومة الفلسطيني (نشر خاص، القاهرة 2001).
قصة خيالية جداً : قصة للأطفال (دار الشروق، القاهرة 2001).
العالم من منظور غربي : (دار الهلال، كتاب الهلال، القاهرة 2001).
الجماعات الوظيفية اليهودية: نموذج تفسيري جديد (دار الشروق، القاهرة 2001).
ما هي النهاية؟ : قصة للأطفال - بالاشتراك مع الدكتوره جيهان فاروق (دار الشروق، القاهرة 2001).
قصص سريعة جداً : قصة للأطفال (دار الشروق، القاهرة 2001).
من الانتفاضة إلي حرب التحرير الفلسطينية : أثر الانتفاضة على الكيان الإسرائيلي (عدة طبعات: القاهرة ـ دمشق ـ برلين ـ نيويورك ـ نشر إلكتروني، 2002م).
أغنيات إلى الأشياء الجميلة : ديوان شعر للأطفال (دار الشروق، القاهرة 2002).
انهيار إسرائيل من الداخل : (دار المعارف، القاهرة 2002).
الإنسان والحضارة والنماذج المركبة : دراسات نظرية وتطبيقية (دار الهلال، كتاب الهلال، القاهرة 2002).
مقدمة لدراسة الصراع العربي ـ الإسرائيلي : جذوره ومساره ومستقبله (دار الفكر، دمشق 2002).
الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان : (دار الفكر، دمشق 2002).
اللغة والمجاز : بين التوحيد ووحدة الوجود (دار الشروق، القاهرة 2002).
العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة : (جزءان، دار الشروق، القاهرة 2002).
أغاني الخبرة والحيرة والبراءة : سيرة شعرية، شبه ذاتية شبه موضوعية (دار الشروق، القاهرة 2003).
الحداثة وما بعد الحداثة : بالاشتراك مع الدكتور فتحي التريكي (دار الفكر، دمشق 2003).
البروتوكولات واليهودية والصهيونية : (دار الشروق، القاهرة 2003).
الموسوعة الموجزة : (مجلدان، دار الشروق، القاهرة 2003).
الأعمال المنشورة باللغة الإنجليزية
A Lover from Palestine and Other Poems (Palestine Information Office, Washington D.C., 1972
Israel and South Africa: The Progression of a Relationship (North American, New Brunswick, N.J., 1976;
Second Edition 1977; Third Edition, 1980; Arabic Translation, 1980).
The Land of Promise: A Critique of Political Zionism (North American, New Brunswick, N.J., 1977(.
Three Studies in English Literature: (North American, New Brunswick, N.J., 1979(.
The Palestinian Wedding: A Bilingual Anthology of Contemporary Palestinian Resistance Poetry (Three Continents Press, Washington D.C., 1983).
A Land of Stone and Thyme: Palestinian Short Stories (Co-editor) (Quartet, London, 1996).
الأعمال المترجمة :
صهيونيسم: ترجمة لواء رودباري، ترجمة إلى الفارسية لكتاب موسوعة تاريخ الصهيونية (طهران، مؤسسة جاب وانتشارات، جمهورية إيران الإسلامية، 1994).
Israel-Africa Do Sul: A Marcha Deum Relacionamento ترجمة إلى اللغة البرتغالية لكتاب إسرائيل وجنوب أفريقيا: تطور العلاقة بينهما (ريو دي جانيرو، البرازيل، 1978).
Daha kapsamli ve aciklazici bir sekularizm paradigmasina dogru: Modernite, ickinlik ve cozulme iliskisi uzerine bir calisma ترجمة إلى اللغة التركية لدراسة طويلة باللغة الإنجليزية بعنوان «نحو نموذج أكثر شمولية وتركيباً للعلمانية»، نُشرت موجزة في كتاب عن العلمانية في الشرق الأوسط Secularism in the Middle East, ed. John Esposito and Azzam al-Tamimi, (Hurst, London, 2000. (استانبول، تركيا، 1997).
وقد تُرجمت العديد من المقالات التي كتبها الدكتور المسيري إلى لغات أخرى مثل الفرنسية والبهاسا.
دراسات عن أعمال المؤلف
ندوة عن الكتابات الفكرية: (أي التي لا تتناول موضوع الصهيونية) في لندن (12 يناير 1998).
مجلة الجديد (عمان، ملف خاص، شتاء عام 1998 ـ العدد العشرين).
ندوة في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة عن موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية (29 ـ 31 مارس 2000).
في عالم عبد الوهاب المسيرى كتاب حواري، قام بتحريره د. أحمد عبد الحليم عطية (أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة) حول أعمال المؤلف، اشترك فيه عدة مفكرين من بينهم: محمد حسنين هيكل ـ محمود أمين العالم ـ محمد سيد أحمد ـ جلال أمين (يناير 2004).
شهادات تقدير وجوائز محلية ودولية
شهادة تقدير من رابطة المفكرين الإندونسيين (1994).
شهادة تقدير من جامعة القدس بفلسطين المحتلة (1995).
شهادة تقدير من الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا (1996) .
(1996)(بالإنجليزية: International Educators' Hall of Fame).
شهادة تقدير من نقابة أطباء القاهرة (1997).
شهادة تقدير من محافظة البحيرة (1998).
شهادة تقدير من اتحاد الطلبة الإندونسيين (1999).
شهادة تقدير من كلية الشريعة والقانون، جامعة الإمارات عن موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية (1999).
شهادة تقدير من جريدة آفاق عربية بالقاهرة (1999).
شهادة تقدير من مؤتمر أدباء البحيرة (1999).
جائزة سوزان مبارك لأحسن كاتب لأدب الطفل (2000).
جائزة أحسن كتاب، معرض القاهرة الدولي للكتاب: عن كتاب رحلتي الفكرية (2001).
شهادة تقدير من منظمة فتح الفلسطينية (2001).
جائزة سلطان العويس بالإمارات العربية المتحدة عن مجمل الإنتاج الفكري (2002).
شهادة تقدير من مؤتمر أدباء مصر السابع عشر في الإسكندرية (2002).
شهادة تقدير من نقابة الأطباء العرب (2003).
جائزة سوزان مبارك أحسن كاتب لأدب الطفل (2003)
جائزة أستاذ الجيل من جائزة الشباب العالمية لخدمة العمل الإسلامي الخامسة بمملكة البحرين (2007)
مقالات في الجرائد والمجلات والحوليات
كتب الدكتور المسيري شتى المقالات باللغتين العربية والإنجليزية : الأهرام ـ الحياة ـ الشرق الأوسط ـ الشعب ـ منبر الشرق ـ الإنسان ـ قراءات سياسية ـ شئون فلسطينية ـ العربي .
New York Times - Journal of Arabic Studies - Journal of Palestine Studies - Al-Ahram Weekly, etc. وفي جرائد ومجلات وحوليات عربية وبريطانية وأمريكية أخرى.
من أقواله
««إنّ الايمان لم يولد داخلي إلا من خلال رحلة طويلة وعميقة، إنه إيمان يستند إلى رحلة عقلية طويلة ولذا فانه إيمان عقلي لم تدخل فيه عناصر روحية فهو يستند إلى عجز المقولات المادية عن تفسير الإنسان وإلى ضرورة اللجوء إلى مقولات فلسفية أكثر تركيبية»»
««إن الطبيعة الوظيفية لاسرائيل تعني أن الاستعمار اصطنعها لتقوم بوظيفة معينة فهي مشروع استعماري لا علاقة له باليهودية»»
الجملتان من تقرير نشر بوكالة أنباء الشرق الأوسط بعد وفاة المسيري[1]
««كما أن أي إنسان ثوري لا يمكن إلا أن يؤمن بالعقل التوليدي القادر على تجاوز الواقع المادي القائم» (من كتاب رحلتي الفكرية)»
"المثقف .. لابد ان يكون في الشارع" في أحد المقابلات الصحفية
وفاته
توفي فجر يوم الخميس 29 جمادى الآخرة 1429 هـ الموافق 3 يوليو/تموز 2008 بمستشفى فلسطين بالقاهرة عن عمر يناهز السبعين عاما بعد صراع طويل مع مرض السرطان، وشيعت جنازته ظهرا من مسجد رابعة العدوية بمدينة نصر بالقاهرة. وشارك في صلاة الجنازة آلاف المصريين، إضافة إلى عشرات العلماء والمفكرين، وعلى رأسهم الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي والمفكر المصري المعروف فهمي هويدي والدكتور محمد سليم العوا والداعية عمرو خالد.
كان الدكتور عبد الوهاب المسيري في مقدمة المفكرين العرب والمسلمين الذين عملوا على إنجاز مشروعهم الثقافي والفكري. والمتتبع لكتابات المسيري المختلفة يجد هذا المشروع متميزا، ويعبر عن اتجاه جديد في الفكر العربي والإسلامي المعاصرين.
وما يميز أطروحات المسيري هو زعزعتها للمعتاد من الأفكار، والتزامها منهجا جديدا في مقاربة مختلف الإشكالات التي تؤرق الفكر العربي والإسلامي، يضاف إلى ذلك الاستقلال الذي يتميز به جهازه المفاهيمي، والجدة الذي تطبع معجمه المصطلحاتي.
ولا شك أن العمل الإسلامي أثناء نقده للنموذج الغربي كان يعتمد بدرجة كبيرة على ما يكتبه في إطار هذه المدرسة أو تلك؛ وهي كتابات في معظمها لم تستطع نقد هذا النموذج من الداخل وبشكل عميق. وقد احتاج الأمر إلى انتقال مجموعة من الفعاليات الفكرية إلى أرضية الإسلام كي تستثمر تجربتها الطويلة مع المرجعيات الغربية بشقيها الاشتراكي والرأسمالي، من أجل توظيفها في عملية تطوير الخطاب الإسلامي.
ومن أبرز هؤلاء الفلسطيني منير شفيق والعراقيين عادل عبد المهدي وفاضل رسول والمصريين عادل حسين وعبد الوهاب المسيري واللبنانيين حسن الضيقة وسعود المولى ووجيه كوثراني..
وانتقال المسيري من المرجعية المادية إلى المرجعية الإسلامية قد منح الخطاب الإسلامي المعاصر أدوات ومناهج جديدة في نقد النموذج الغربي. ويمكن اعتبار المسيري مكسبا من مكاسب العمل الإسلامي بشكل عام؛ لأن نقد المفكر الموسوعي يتميز بالعمق والدقة؛ فهو صادر من رجل اختبر أبرز الأرضيات الفكرية قبل أن ينتقل إلى أرضية الفكر الإسلامي.
وكان المسيري يرفض أن يصنف كمتخصص في الدراسات الصهيونية؛ لأن المشكلة في العالم العربي، كما صرح بذلك، أن التصنيف لا يتم حسب المنهج والاتجاه الفكري، وإنما حسب الموضوع الذي يكتب فيه.
في ذي الحجة 1427هـ/يناير 2007م تولى الدكتور عبد الوهاب المسيري منصب المنسق العام للحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية)، وهي الحركة المعارضة لحكم الرئيس حسني مبارك، والساعية لإسقاطه من الحكم بالطرق السلمية ومعارضة تولي ابنه جمال مبارك منصب رئيس الجمهورية من بعده.
التحول الفكري
يمكن القول إن تجربة عبد الوهاب المسيري واحدة من أهم تجارب التحول الفكري في النصف الأخير من القرن الماضي. ويمكن استيعاب ذلك مع الإشارة إلى الحجم الفكري للمسيري، وطبيعة الاتجاهات الواقعية التي يعبر عنها. فالمسيري صاحب إنتاج فكري متنوع وغزير، وهو مساهم أساسي في ابتكار المنظومات والمفهومات الفكرية في الوقت الراهن، كما أنه يمثل ظاهرة احتجاجية فريدة من نوعها على المستوى السياسي والثقافي.
ومن أهم الملامح التي تمثلها شخصية المسيري الفكرية عشرة ملامح، منها الأصالة التي تستصحب ممارسة حداثية فاعلة، تؤمن بأن القديم لا يموت كله. وهناك النقد الذاتي المتجدد وديمومة التفاعل والتجلي؛ وهو ما يعبر عنه التحول الفكري الذي قطعه المسيري نحو الإيمان. وكذلك أبعاد الموسوعية والإحاطة العلمية عند المسيري، حيث أسهم في النقد الأدبي والفلسفة وتحليل الخطابات، وبحث في مختلف القضايا المعاصرة، وسيرته الفكرية تختلط فيها الاجتماع بالاقتصاد والفلسفة والفن وغير ذلك.
موسوعة اليهود واليهودية
هي عمل موسوعي ضخم قام على إعداده وتقديمه الدكتور عبد الوهاب المسيري وذلك في 8 مجلدات كبيرة الحجم. والموسوعة عن الأحوال الاجتماعية والسياسية التي صاحبت الجماعات اليهودية منبداية التاريخوحتى العصر الحديث. وتناول الدكتور عبد الوهاب المسيري كافة الشئون الحياتية لهذه الجماعات منذ العبرانيين وانتهاء بدولة إسرائيل، وذلك بالتركيز على أحوال هذه الجماعات في البلدان التي تواجدوا فيها ودراسة الظروف المحيطة بهم، كما تضمنت الموسوعة دراسة الشخصيات التي أثرت في التاريخ اليهودي من غير اليهود من أمثال نابليون بونابرت وهتلر، وتطرقت أيضا إلى شعائر الديانة اليهودية وتأثرها بالديانات المختلفة.
ويهدف هذا العمل الموسوعي إلى وجود دراسة ورؤية تاريخية واضحة تقوم على أسس علمية سليمة وصحيحة تقوم على الحياد لمعرفة التاريخ اليهودي بشتى أنحاء العالم في إطار التاريخ الإنساني، ووضع تعريف دقيق لكافة المصطلحات والمفاهيم والأعراف السائدة والتأريخ لها من وجهة نظر جديدة مختلفة عما طرح في الماضي وكذلك النظر من مداخل أكثر مما يساعد على تقريب وتوضيح الصورة حول الجماعات اليهودية أكثر من ذي قبل.
وتتكون الموسوعة من 7 مجلدات متوسط صفحات المجلد الواحد منها نحو 450 صفحة، كل مجلد يتناول موضوعا منفردا. المجلد الأول يضم الإطار النظري الخاص بالموسوعة وقضايا المنهج، والمجلدات من الثاني إلى الرابع تتناول موضوع الجماعات اليهودية، ويتناول المجلد السادس الصهيونية، والمجلد السابع يتناول إسرائيل.
يضم كل مجلد عدة أجزاء في حين يحتوي الجزء على أكثر من باب وللباب عدة مداخل. ويبلغ عدد مداخل الموسوعة قرابة 2300 مدخل.
مواقف للمسيري من قضية بروتوكولات حكماء صهيونية ونظرية المؤامرة اليهودية
أكد المفكر الإسلامي د. عبد الوهاب المسيري مؤلف موسوعة "اليهود واليهودية والصهيونية" أن كتاب "برتوكولات حكماء صهيون" الذي يثبت أن اليهود خططوا للهيمنة على العالم وثيقة مزيفة ليست يهودية، موضحاً أن إصرارنا على نسبتها لليهود يأتي في إطار "فكر المؤامرة" التي تسيطر علينا وتفسر الواقع من خلال حقيقة أن هناك مؤامرة تُحاك ضدنا، وأن اليهود وراء كل ما يحدث لنا من مشاكل.
وقال المسيري في ندوة عقدت بمقر شبكة "إسلام أون لاين.نت" بالعاصمة المصرية القاهرة السبت 11-1-2003 حول كتابه الصادر مؤخراً "البرتوكولات واليهودية والصهيونية": "أي قراءة لنصوص البرتوكولات تبين على الفور أنها ليست يهودية، وأن كاتبها غير يهودي".
وأكد المسيري أن الإيمان بالبرتوكولات شرك بالله؛ لأنها تعطي لليهود صفة الآلهة وأنهم قادرون على فعل كل شيء. وأشار المسيري إلى أن من بين ما جاء في البرتوكولات ويضفي على اليهود صفة الإله المتحكم والمسيطر في كل شيء النص التالي: "نحن أقوياء جداً، فعلى العالم أن يعتمد علينا وينيب إلينا، والحكومات لا يمكنها أن تبرم أية معاهدة ولو صغيرة دون أن نتدخل فيها سراً".
ويقول المسيري: إن الإيمان بما جاء في البرتوكولات عملياً مضرٌّ وغير مفيد لنا، موضحاً أن الإيمان بصحة ما جاء في البرتوكولات يقود مجتمعاتنا وشعوبها إلى الكسل الفكري، ويجعلنا غير قادرين على رؤية الواقع والآخر ورؤية مشاكلنا نحن بصورة صحيحة؛ "فالبرتوكولات توحي لنا أن اليهود وراء كل شيء يحدث لنا".
ويضيف أن ذلك يجعلنا نغفل عن حقيقة أن الولايات المتحدة هي الداعم الأكبر لإسرائيل "فمنذ عام 1973 حتى الآن قدمت واشنطن لإسرائيل مبالغ تصل قيمتها إلى حوالي 1600 مليار دولار أمريكي".
ويرى المسيري أن الإيمان بالبرتوكولات يبث الرعب في قلوبنا؛ فيجعلنا نخسر أي مواجهة حربية مع "اليهود" قبل أن تقوم؛ لأن البرتوكولات تصف اليهود بقدرات خرافية لا أمل لنا في مواجهتها، وأعطى مثالا على ذلك قائلاً: "تخيلوا أن استشهاديا فلسطينيا يتوجه إلى مستوطنة يهودية لتنفيذ عملية فدائية وتذكّر القدرات الخرافية التي تدّعي البرتوكولات أنها موجودة في اليهود فهل سينفذ العملية؟؟.. سيعود ولن ينفذ العملية بالطبع… الإيمان بالبرتوكولات يصب في مصلحة إسرائيل".
وأشار المسيري إلى أن الإيمان بالبرتوكولات يجعلنا نؤسس عقيدة الجهاد على أساس كره اليهود، ويرى أن الواجب أن نؤسس عقيدة الجهاد على أساس مواجهة الظلم "فمن يظلمنا نجاهده"، موضحاً أن تأسيس الجهاد على أساس الكره "سيجعلنا نكرة اليهود اليوم والمسيحيين غدًا ونكره من لا يتفق معنا بعد غد".
ويرى أن تأسيس جهادنا ضد اليهود على أساس دفع الظلم أفضل لنا من تأسيسه على أساس الكره؛ فـ"نحن بهذا التوجه نستطيع أن نتحد مع الأطراف العلمانية والقومية التي تحارب ظلم اليهود لا أن نجاهدهم وحدنا".
ويشير المسيري إلى أن كره اليهود يصب في إطار مصلحة الصهيونية التي اعتبر أنها حركة معادية لليهود أرادت تخليص أوروبا منهم ودفعهم إلى فلسطين.
وأوضح المسيري أن البرتوكولات كتبت باللغة الروسية، موضحاً أن يهود روسيا كانوا لا يعرفون الروسية، وأنهم كانوا يتحدثون اللغة "الليدشية"، وقال: "أي جماعة سرية تريد أن تكتب أسرارا فليس من المعقول أن تكتبها بلغة يعرفها الكثير من البشر مثل الروسية فلماذا لم تكتبها بلغتها الليدشية؟".
ويشير المسيري إلى أن الرأي السائد في الأوساط العلمية الآن أثبت أن البرتوكولات أُخذت من كتيب فرنسي لا علاقة له باليهود كتبه صحفي يدعى "موريس جولي" يسخر فيه من نابليون الثالث بعنوان "حوار في الجحيم بين ميكافيللي ومونتسيكو أو السياسة" في القرن التاسع عشر.
وأكد المسيري أن ما جاء في وثيقة برتوكولات صهيون شيء مضحك، مشيراً إلى أن من بين ما جاء فيها ما يزعم أن اليهود هم الذين قاموا بكل الثورات، ومن ضمنها الثورة الفرنسية، وما يزعم أن اليهود هم مؤسسو الرأسمالية والاشتراكية "فهل هذا يعقل؟".
ويرى المسيري أن نبرة وأسلوب كتابة البرتوكولات يدلان على أن هناك جهة ما كتبتها وأرادت أن تنسبها لليهود، وقال: "من أسلوب كتابتها التأكيد على تعبير (نحن اليهود) فعلنا كذا وكذا".
رفض الكاتب المصري الدكتور عبد الوهاب المسيري فكرة "المؤامرة الصهيونية على العالم"؛ إذ ينطلق في دراساته لما يصفه بالظاهرة الصهيونية من قراءة أبعادها المتعددة، ويسعى إلى إضفاء الصفة البشرية على أعضاء الجماعات اليهودية وفقا لوكالة "رويترز" للأنباء.
وفي مقابلة مع "رويترز" نفى المسيري مقولة "المؤامرة اليهودية العالمية" قائلا إنها أكذوبة "تلائم معظم الأطراف فإسرائيل تستفيد كثيرا من هذا الفكر التآمري؛ لأنه يضفي عليها من القوة ما ليس لها، ويجعلها تكسب معارك لم تخضها، كما تفسر الحكومات الأمريكية المختلفة للزعماء العرب عجزها عن مساعدة الحق العربي بتعاظم النفوذ الصهيوني في الكونجرس".
وتابع "كما تفسر الحكومات العربية تخاذلها وهزيمتها على أساس (هذه) الأسطورة المريحة، وبالتالي يجد كل أطراف الصراع تفسيرا يبدو معقولا ومقبولا لوضعه أمام نفسه وأمام جماهيره".
وأصدر المسيري عددا من الدراسات عن إسرائيل خلال 30 عاما، وصدرت له مؤخرا موسوعة (اليهود واليهودية والصهيونية) عن (دار الشروق) بالقاهرة و(مركز زايد للتنسيق والمتابعة) بدولة الإمارات العربية ويضمها مجلدان في نحو 1055 صفحة. وكان المسيري أصدر موسوعة بالعنوان نفسه عام 1999 في 8 أجزاء.
مخطط وليس مؤامرة
وقال المسيري: "إنه حتى ممارسات إسرائيل في فلسطين والاحتلال الأمريكي للعراق ليس مؤامرة ولكنه مخطط يستخدم القابلية للمؤامرة في تنفيذ إستراتيجياته". وتابع "هذا النمط متكرر داخل الفكر العنصري الغربي"، وشدد على ضرورة التعامل مع الجماعات اليهودية كبشر لا شياطين حتى يمكن "دراستهم وفهمهم والتمييز بين الخير والشر فيهم".
وأضاف أنه من السذاجة افتراض وحدة وتجانس أعضاء الجماعات اليهودية "وأنهم يتسمون بالشر والرغبة في التدمير، وأن سلوكهم تعبير عن مخطط جبار وضعه العقل اليهودي الذي يخطط ويدبر منذ بداية التاريخ لتخريب النفوس حتى تزداد الشعوب ضعفا بينما يزدادون قوة".
وتابع "هذه النظرة القاصرة تحملهم (اليهود) المسؤولية في كل الأزمنة عن كل الشرور من إراقة دم المسيح إلى الضغط على الإمبراطورية البريطانية لتصدر وعد بلفور وضرب المفاعل الذري العراقي وغزو لبنان وقمع الانتفاضة".
وقال: "إن الإيمان بأن اليهود وحدة صلبة متماسكة لا تقهر أو بأن إلحاق الهزيمة بهم في حكم المستحيل فكرة تروج لها الدعاية الصهيونية الواعية والدعاية المعادية لليهود غير الواعية".
مثل الشيطان
ونقلت "رويترز" السبت 22-5-2004 عن المسيري أن "الوثيقة المسماة (بروتوكولات حكماء صهيون) يكمن وراءها مفهوم يصور اليهود على أنهم شياطين"، وتابع "هذه فكرة تفترض وحدة اليهود عبر التاريخ وأنهم يمتلكون قوة سحرية تماما مثل الشيطان؛ ولذا فهم لا يقهرون أو لا يمكن قهرهم إلا باللجوء إلى الحلول السحرية؛ إذ لا يهزم السحر إلا السحر كما لا يمكن هزيمة الشياطين بالجهد البشري العادي.. جهادا كان أو اجتهادا".
وأوضح أن معظم المتدينين في إسرائيل "ليسوا متدينين ومعظم العلمانيين ليسوا علمانيين وأن هناك فريقا صغيرا من اليهود يرفضون الدين اليهودي ولا يقبلون الصهيونية، أو يقبلون صيغة صهيونية يمكن تصنيفها على أنها صيغة علمانية وهم يمثلون جماعات صغيرة مثل حركة حقوق المواطن و(الناشط من أجل السلام) أوري أفنيري".
وقال: إنه لا يمكن الرهان على هؤلاء في الصراع العربي الإسرائيلي، مشددا على أن يكون الرهان "على الولايات المتحدة بأن نرهقها باستنزاف إسرائيل حتى تسحب تأييدها لها". وتابع: "إسرائيل مثل كل المجتمعات الاستيطانية في التاريخ تكتسب أسباب بقائها من خارجها".
وأشار إلى أن "صيغة الانتفاضة تحقق هذا الاستنزاف (لإسرائيل) حيث اعترف (المحلل العسكري الإسرائيلي مارتن) فان كريفلد بوجود مأزق إسرائيلي في حالة نجاح المقاومة الفلسطينية أو فشلها".
في 3 تموز-يوليو من العام الماضي 2008 توفي الصديق والرفيق الحبيب والكبير الدكتور عبد
الوهاب المسيري وهو في قمة عطائه الفكري والسياسي..هذه تحية له....
الأستاذ الدكتور عبد الوهاب المسيري، مفكر عربي إسلامي. وُلد في دمنهور في اكتوبر 1938 وتلقى فيها تعليمه الابتدائي والثانوي (مرحلة التكوين أو البذور). التحق عام 1955 بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة الإسكندرية وعُين معيدًا فيها عند تخرجه، وسافر إلى الولايات المتحدة عام 1963 حيث حصل على درجة الماجستير عام 1964 (من جامعة كولومبيا) ثم على درجة الدكتوراه عام 1969 من جامعة رَتْجَرز Rutgers (مرحلة الجذور). وعند عودته إلى مصر قام بالتدريس في جامعة عين شمس وفي عدة جامعات عربية من أهمها جامعة الملك سعود (1983 – 1988(، كما عمل أستاذا زائرًا في أكاديمية ناصر العسكرية، وجامعة ماليزيا الإسلامية، وعضو مجلس الخبراء بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام (1970-1975) ومستشارًا ثقافيًا للوفد الدائم لجامعة الدول العربية لدى هيئة الأمم المتحدة بنيويورك (1975 – 1979). و عضو مجلس الأمناء لجامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية بليسبرج، بولاية فرجينيا بالولايات المتحدة الأمريكية، ومستشار التحرير في عدد من الحوليات التي تصدر في ماليزيا وإيران والولايات المتحدة وانجلترا وفرنسا (مرحلة الثمر).
كان الدكتور عبد الوهاب المسيري يمتلك شخصية هادئة، وكان يتقبل أي نقد يوجه إليه مهما بلغت حدته، ولم يشاهد قط في حياته منفعلا أو عصبيا. و كانت الإبتسامة الهادئة الواثقة لا تفارق وجهه الذى كان يتسم بالبراءة.
الأعمال المنشورة بالعربية
نهاية التاريخ: مقدمة لدراسة بنية الفـكر الصهيوني (مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، القـاهرة 1972؛ المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1979). في عام 1972 جاء هذا الكتاب قبل 28 عاما من تأليف المفكر الأميركي فرانسيس فوكوياما لكتاب يحمل نفس العنوان. لكن الفرق بين النظرتين أن رؤية فوكوياما تعتبر أن نهاية التاريخ تعني انتصار الولايات المتحدة على الاتحاد السوفياتي، بينما يرى المسيري أن نهاية التاريخ فاشية اخترعتها الدول الغربية للسيطرة على العالم.
موسوعة المفاهيم والمصطلحات الصهيونية: رؤية نقدية (مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، القـاهرة 1975).
العنصرية الصهيونية (سلسلة الموسوعة الصغيرة، بغداد 1975).
اليهودية والصهيونية وإسرائيل : دراسة في انتشار وانحسار الرؤية الصهيونية للواقع (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1975).
مختارات من الشعر الرومانتيكي الإنجليزي: النصوص الأساسية وبعض الدراسات التاريخية والنقدية (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1979).
الفردوس الأرضي : دراسات وانطباعات عن الحضارة الأمريكية (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1979).
الأيديولوجية الصهيونية : دراسة حالة في علم اجتماع المعرفة (جزءان، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، عالم المعرفة، الكويت 1981 ـ طبعة ثانية في جزء واحد 1988).
الغرب والعالم: تأليف كيفين رايلي (ترجمة بالاشتراك) (جزءان، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، عالم المعرفة، الكويت 1985).
الانتفاضة الفلسطينية والأزمة الصهيونية : دراسة في الإدراك والكرامة (منظمة التحرير الفلسطينية، تونس 1987؛ المطبعة الفنية، القاهرة 1988؛ الهيئة العامة للكتاب، القاهرة 2000).
افتتاحيات الهادئ: تأليف ستيفن سوندايم وجون ويدمان (ترجمة بالاشتراك) (وزارة الإعلام، سلسلة المسرح العالمي، الكويت 1988).
الاستعمار الصهيوني وتطبيع الشخصية اليهودية : دراسات في بعض المفاهيم الصهيونية والممارسات الإسرائيلية (مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت 1990).
هجرة اليهود السوفييت : منهج في الرصد وتحليل المعلومات (دار الهلال، كتاب الهلال، القاهرة 1990).
الأميرة والشاعر : قصة للأطفال (الفتى العربي، القاهرة 1993).
الجمعيات السرية في العالم : (دار الهلال، كتاب الهلال، القاهرة 1993).
إشكالية التحيز : رؤية معرفية ودعوة للاجتهاد (تأليف وتحرير) (جزءان، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، القاهرة 1993؛ جزءان، واشنطن 1996؛ سبعة أجزاء؛ القاهرة 1998).
أسرار العقل الصهيوني : (دار الحسام، القاهرة 1996).
الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ : رؤية حضارية جديدة (دار الشروق، القاهرة 1997 ـ 1998 ـ 2001).
من هو اليهودي؟ : (دار الشروق، القاهرة 1997 ـ 2001).
موسوعة تاريخ الصهيونية : (ثلاثة أجزاء، دار الحسام، القاهرة 1997).
اليهود في عقل هؤلاء : (دار المعارف، سلسلة اقرأ، القاهرة 1998).
اليد الخفية : دراسة في الحركات اليهودية، الهدامة والسرية (دار الشروق، القاهرة 1998؛ الهيئة العامة للكتاب، القاهرة 2000؛ دار الشروق 2001).
موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية : نموذج تفسيري جديد (ثمانية مجلدات، دار الشروق، القاهرة 1999).
فكر حركة الاستنارة وتناقضاته : (دار نهضة مصر، القاهرة 1999).
قضية المرأة بين التحرر والتمركز حول الأنثى : (دار نهضة مصر، القاهرة 1999).
نور والذئب الشهير بالمكار : قصة للأطفال (دار الشروق، القاهرة 1999).
سندريلا وزينب هانم خاتون : قصة للأطفال (دار الشروق، القاهرة 1999).
رحلة إلى جزيرة الدويشة : قصة للأطفال (دار الشروق، القاهرة 2000).
معركة كبيرة صغيرة : قصة للأطفال (دار الشروق، القاهرة 2000).
سر اختفاء الذئب الشهير بالمحتار : قصة للأطفال (دار الشروق، القاهرة 2000).
العلمانية تحت المجهر : بالاشتراك مع الدكتور عزيز العظمة (دار الفكر، دمشق 2000).
رحلتي الفكرية ـ في البذور والجذور والثمار : سيرة غير ذاتية غير موضوعية (الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة 2001).
الأكاذيب الصهيونية من بداية الاستيطان حتى انتفاضة الأقصى : (دار المعارف، سلسلة اقرأ، القاهرة 2001).
الصهيونية والعنف من بداية الاستيطان إلى انتفاضة الأقصى : (دار الشروق، القاهرة 2001).
فلسطينيةً كانت ولم تَزَلِ : الموضوعات الكامنة المتواترة في شعر المقاومة الفلسطيني (نشر خاص، القاهرة 2001).
قصة خيالية جداً : قصة للأطفال (دار الشروق، القاهرة 2001).
العالم من منظور غربي : (دار الهلال، كتاب الهلال، القاهرة 2001).
الجماعات الوظيفية اليهودية: نموذج تفسيري جديد (دار الشروق، القاهرة 2001).
ما هي النهاية؟ : قصة للأطفال - بالاشتراك مع الدكتوره جيهان فاروق (دار الشروق، القاهرة 2001).
قصص سريعة جداً : قصة للأطفال (دار الشروق، القاهرة 2001).
من الانتفاضة إلي حرب التحرير الفلسطينية : أثر الانتفاضة على الكيان الإسرائيلي (عدة طبعات: القاهرة ـ دمشق ـ برلين ـ نيويورك ـ نشر إلكتروني، 2002م).
أغنيات إلى الأشياء الجميلة : ديوان شعر للأطفال (دار الشروق، القاهرة 2002).
انهيار إسرائيل من الداخل : (دار المعارف، القاهرة 2002).
الإنسان والحضارة والنماذج المركبة : دراسات نظرية وتطبيقية (دار الهلال، كتاب الهلال، القاهرة 2002).
مقدمة لدراسة الصراع العربي ـ الإسرائيلي : جذوره ومساره ومستقبله (دار الفكر، دمشق 2002).
الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان : (دار الفكر، دمشق 2002).
اللغة والمجاز : بين التوحيد ووحدة الوجود (دار الشروق، القاهرة 2002).
العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة : (جزءان، دار الشروق، القاهرة 2002).
أغاني الخبرة والحيرة والبراءة : سيرة شعرية، شبه ذاتية شبه موضوعية (دار الشروق، القاهرة 2003).
الحداثة وما بعد الحداثة : بالاشتراك مع الدكتور فتحي التريكي (دار الفكر، دمشق 2003).
البروتوكولات واليهودية والصهيونية : (دار الشروق، القاهرة 2003).
الموسوعة الموجزة : (مجلدان، دار الشروق، القاهرة 2003).
الأعمال المنشورة باللغة الإنجليزية
A Lover from Palestine and Other Poems (Palestine Information Office, Washington D.C., 1972
Israel and South Africa: The Progression of a Relationship (North American, New Brunswick, N.J., 1976;
Second Edition 1977; Third Edition, 1980; Arabic Translation, 1980).
The Land of Promise: A Critique of Political Zionism (North American, New Brunswick, N.J., 1977(.
Three Studies in English Literature: (North American, New Brunswick, N.J., 1979(.
The Palestinian Wedding: A Bilingual Anthology of Contemporary Palestinian Resistance Poetry (Three Continents Press, Washington D.C., 1983).
A Land of Stone and Thyme: Palestinian Short Stories (Co-editor) (Quartet, London, 1996).
الأعمال المترجمة :
صهيونيسم: ترجمة لواء رودباري، ترجمة إلى الفارسية لكتاب موسوعة تاريخ الصهيونية (طهران، مؤسسة جاب وانتشارات، جمهورية إيران الإسلامية، 1994).
Israel-Africa Do Sul: A Marcha Deum Relacionamento ترجمة إلى اللغة البرتغالية لكتاب إسرائيل وجنوب أفريقيا: تطور العلاقة بينهما (ريو دي جانيرو، البرازيل، 1978).
Daha kapsamli ve aciklazici bir sekularizm paradigmasina dogru: Modernite, ickinlik ve cozulme iliskisi uzerine bir calisma ترجمة إلى اللغة التركية لدراسة طويلة باللغة الإنجليزية بعنوان «نحو نموذج أكثر شمولية وتركيباً للعلمانية»، نُشرت موجزة في كتاب عن العلمانية في الشرق الأوسط Secularism in the Middle East, ed. John Esposito and Azzam al-Tamimi, (Hurst, London, 2000. (استانبول، تركيا، 1997).
وقد تُرجمت العديد من المقالات التي كتبها الدكتور المسيري إلى لغات أخرى مثل الفرنسية والبهاسا.
دراسات عن أعمال المؤلف
ندوة عن الكتابات الفكرية: (أي التي لا تتناول موضوع الصهيونية) في لندن (12 يناير 1998).
مجلة الجديد (عمان، ملف خاص، شتاء عام 1998 ـ العدد العشرين).
ندوة في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة عن موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية (29 ـ 31 مارس 2000).
في عالم عبد الوهاب المسيرى كتاب حواري، قام بتحريره د. أحمد عبد الحليم عطية (أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة) حول أعمال المؤلف، اشترك فيه عدة مفكرين من بينهم: محمد حسنين هيكل ـ محمود أمين العالم ـ محمد سيد أحمد ـ جلال أمين (يناير 2004).
شهادات تقدير وجوائز محلية ودولية
شهادة تقدير من رابطة المفكرين الإندونسيين (1994).
شهادة تقدير من جامعة القدس بفلسطين المحتلة (1995).
شهادة تقدير من الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا (1996) .
(1996)(بالإنجليزية: International Educators' Hall of Fame).
شهادة تقدير من نقابة أطباء القاهرة (1997).
شهادة تقدير من محافظة البحيرة (1998).
شهادة تقدير من اتحاد الطلبة الإندونسيين (1999).
شهادة تقدير من كلية الشريعة والقانون، جامعة الإمارات عن موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية (1999).
شهادة تقدير من جريدة آفاق عربية بالقاهرة (1999).
شهادة تقدير من مؤتمر أدباء البحيرة (1999).
جائزة سوزان مبارك لأحسن كاتب لأدب الطفل (2000).
جائزة أحسن كتاب، معرض القاهرة الدولي للكتاب: عن كتاب رحلتي الفكرية (2001).
شهادة تقدير من منظمة فتح الفلسطينية (2001).
جائزة سلطان العويس بالإمارات العربية المتحدة عن مجمل الإنتاج الفكري (2002).
شهادة تقدير من مؤتمر أدباء مصر السابع عشر في الإسكندرية (2002).
شهادة تقدير من نقابة الأطباء العرب (2003).
جائزة سوزان مبارك أحسن كاتب لأدب الطفل (2003)
جائزة أستاذ الجيل من جائزة الشباب العالمية لخدمة العمل الإسلامي الخامسة بمملكة البحرين (2007)
مقالات في الجرائد والمجلات والحوليات
كتب الدكتور المسيري شتى المقالات باللغتين العربية والإنجليزية : الأهرام ـ الحياة ـ الشرق الأوسط ـ الشعب ـ منبر الشرق ـ الإنسان ـ قراءات سياسية ـ شئون فلسطينية ـ العربي .
New York Times - Journal of Arabic Studies - Journal of Palestine Studies - Al-Ahram Weekly, etc. وفي جرائد ومجلات وحوليات عربية وبريطانية وأمريكية أخرى.
من أقواله
««إنّ الايمان لم يولد داخلي إلا من خلال رحلة طويلة وعميقة، إنه إيمان يستند إلى رحلة عقلية طويلة ولذا فانه إيمان عقلي لم تدخل فيه عناصر روحية فهو يستند إلى عجز المقولات المادية عن تفسير الإنسان وإلى ضرورة اللجوء إلى مقولات فلسفية أكثر تركيبية»»
««إن الطبيعة الوظيفية لاسرائيل تعني أن الاستعمار اصطنعها لتقوم بوظيفة معينة فهي مشروع استعماري لا علاقة له باليهودية»»
الجملتان من تقرير نشر بوكالة أنباء الشرق الأوسط بعد وفاة المسيري[1]
««كما أن أي إنسان ثوري لا يمكن إلا أن يؤمن بالعقل التوليدي القادر على تجاوز الواقع المادي القائم» (من كتاب رحلتي الفكرية)»
"المثقف .. لابد ان يكون في الشارع" في أحد المقابلات الصحفية
وفاته
توفي فجر يوم الخميس 29 جمادى الآخرة 1429 هـ الموافق 3 يوليو/تموز 2008 بمستشفى فلسطين بالقاهرة عن عمر يناهز السبعين عاما بعد صراع طويل مع مرض السرطان، وشيعت جنازته ظهرا من مسجد رابعة العدوية بمدينة نصر بالقاهرة. وشارك في صلاة الجنازة آلاف المصريين، إضافة إلى عشرات العلماء والمفكرين، وعلى رأسهم الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي والمفكر المصري المعروف فهمي هويدي والدكتور محمد سليم العوا والداعية عمرو خالد.
كان الدكتور عبد الوهاب المسيري في مقدمة المفكرين العرب والمسلمين الذين عملوا على إنجاز مشروعهم الثقافي والفكري. والمتتبع لكتابات المسيري المختلفة يجد هذا المشروع متميزا، ويعبر عن اتجاه جديد في الفكر العربي والإسلامي المعاصرين.
وما يميز أطروحات المسيري هو زعزعتها للمعتاد من الأفكار، والتزامها منهجا جديدا في مقاربة مختلف الإشكالات التي تؤرق الفكر العربي والإسلامي، يضاف إلى ذلك الاستقلال الذي يتميز به جهازه المفاهيمي، والجدة الذي تطبع معجمه المصطلحاتي.
ولا شك أن العمل الإسلامي أثناء نقده للنموذج الغربي كان يعتمد بدرجة كبيرة على ما يكتبه في إطار هذه المدرسة أو تلك؛ وهي كتابات في معظمها لم تستطع نقد هذا النموذج من الداخل وبشكل عميق. وقد احتاج الأمر إلى انتقال مجموعة من الفعاليات الفكرية إلى أرضية الإسلام كي تستثمر تجربتها الطويلة مع المرجعيات الغربية بشقيها الاشتراكي والرأسمالي، من أجل توظيفها في عملية تطوير الخطاب الإسلامي.
ومن أبرز هؤلاء الفلسطيني منير شفيق والعراقيين عادل عبد المهدي وفاضل رسول والمصريين عادل حسين وعبد الوهاب المسيري واللبنانيين حسن الضيقة وسعود المولى ووجيه كوثراني..
وانتقال المسيري من المرجعية المادية إلى المرجعية الإسلامية قد منح الخطاب الإسلامي المعاصر أدوات ومناهج جديدة في نقد النموذج الغربي. ويمكن اعتبار المسيري مكسبا من مكاسب العمل الإسلامي بشكل عام؛ لأن نقد المفكر الموسوعي يتميز بالعمق والدقة؛ فهو صادر من رجل اختبر أبرز الأرضيات الفكرية قبل أن ينتقل إلى أرضية الفكر الإسلامي.
وكان المسيري يرفض أن يصنف كمتخصص في الدراسات الصهيونية؛ لأن المشكلة في العالم العربي، كما صرح بذلك، أن التصنيف لا يتم حسب المنهج والاتجاه الفكري، وإنما حسب الموضوع الذي يكتب فيه.
في ذي الحجة 1427هـ/يناير 2007م تولى الدكتور عبد الوهاب المسيري منصب المنسق العام للحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية)، وهي الحركة المعارضة لحكم الرئيس حسني مبارك، والساعية لإسقاطه من الحكم بالطرق السلمية ومعارضة تولي ابنه جمال مبارك منصب رئيس الجمهورية من بعده.
التحول الفكري
يمكن القول إن تجربة عبد الوهاب المسيري واحدة من أهم تجارب التحول الفكري في النصف الأخير من القرن الماضي. ويمكن استيعاب ذلك مع الإشارة إلى الحجم الفكري للمسيري، وطبيعة الاتجاهات الواقعية التي يعبر عنها. فالمسيري صاحب إنتاج فكري متنوع وغزير، وهو مساهم أساسي في ابتكار المنظومات والمفهومات الفكرية في الوقت الراهن، كما أنه يمثل ظاهرة احتجاجية فريدة من نوعها على المستوى السياسي والثقافي.
ومن أهم الملامح التي تمثلها شخصية المسيري الفكرية عشرة ملامح، منها الأصالة التي تستصحب ممارسة حداثية فاعلة، تؤمن بأن القديم لا يموت كله. وهناك النقد الذاتي المتجدد وديمومة التفاعل والتجلي؛ وهو ما يعبر عنه التحول الفكري الذي قطعه المسيري نحو الإيمان. وكذلك أبعاد الموسوعية والإحاطة العلمية عند المسيري، حيث أسهم في النقد الأدبي والفلسفة وتحليل الخطابات، وبحث في مختلف القضايا المعاصرة، وسيرته الفكرية تختلط فيها الاجتماع بالاقتصاد والفلسفة والفن وغير ذلك.
موسوعة اليهود واليهودية
هي عمل موسوعي ضخم قام على إعداده وتقديمه الدكتور عبد الوهاب المسيري وذلك في 8 مجلدات كبيرة الحجم. والموسوعة عن الأحوال الاجتماعية والسياسية التي صاحبت الجماعات اليهودية منبداية التاريخوحتى العصر الحديث. وتناول الدكتور عبد الوهاب المسيري كافة الشئون الحياتية لهذه الجماعات منذ العبرانيين وانتهاء بدولة إسرائيل، وذلك بالتركيز على أحوال هذه الجماعات في البلدان التي تواجدوا فيها ودراسة الظروف المحيطة بهم، كما تضمنت الموسوعة دراسة الشخصيات التي أثرت في التاريخ اليهودي من غير اليهود من أمثال نابليون بونابرت وهتلر، وتطرقت أيضا إلى شعائر الديانة اليهودية وتأثرها بالديانات المختلفة.
ويهدف هذا العمل الموسوعي إلى وجود دراسة ورؤية تاريخية واضحة تقوم على أسس علمية سليمة وصحيحة تقوم على الحياد لمعرفة التاريخ اليهودي بشتى أنحاء العالم في إطار التاريخ الإنساني، ووضع تعريف دقيق لكافة المصطلحات والمفاهيم والأعراف السائدة والتأريخ لها من وجهة نظر جديدة مختلفة عما طرح في الماضي وكذلك النظر من مداخل أكثر مما يساعد على تقريب وتوضيح الصورة حول الجماعات اليهودية أكثر من ذي قبل.
وتتكون الموسوعة من 7 مجلدات متوسط صفحات المجلد الواحد منها نحو 450 صفحة، كل مجلد يتناول موضوعا منفردا. المجلد الأول يضم الإطار النظري الخاص بالموسوعة وقضايا المنهج، والمجلدات من الثاني إلى الرابع تتناول موضوع الجماعات اليهودية، ويتناول المجلد السادس الصهيونية، والمجلد السابع يتناول إسرائيل.
يضم كل مجلد عدة أجزاء في حين يحتوي الجزء على أكثر من باب وللباب عدة مداخل. ويبلغ عدد مداخل الموسوعة قرابة 2300 مدخل.
مواقف للمسيري من قضية بروتوكولات حكماء صهيونية ونظرية المؤامرة اليهودية
أكد المفكر الإسلامي د. عبد الوهاب المسيري مؤلف موسوعة "اليهود واليهودية والصهيونية" أن كتاب "برتوكولات حكماء صهيون" الذي يثبت أن اليهود خططوا للهيمنة على العالم وثيقة مزيفة ليست يهودية، موضحاً أن إصرارنا على نسبتها لليهود يأتي في إطار "فكر المؤامرة" التي تسيطر علينا وتفسر الواقع من خلال حقيقة أن هناك مؤامرة تُحاك ضدنا، وأن اليهود وراء كل ما يحدث لنا من مشاكل.
وقال المسيري في ندوة عقدت بمقر شبكة "إسلام أون لاين.نت" بالعاصمة المصرية القاهرة السبت 11-1-2003 حول كتابه الصادر مؤخراً "البرتوكولات واليهودية والصهيونية": "أي قراءة لنصوص البرتوكولات تبين على الفور أنها ليست يهودية، وأن كاتبها غير يهودي".
وأكد المسيري أن الإيمان بالبرتوكولات شرك بالله؛ لأنها تعطي لليهود صفة الآلهة وأنهم قادرون على فعل كل شيء. وأشار المسيري إلى أن من بين ما جاء في البرتوكولات ويضفي على اليهود صفة الإله المتحكم والمسيطر في كل شيء النص التالي: "نحن أقوياء جداً، فعلى العالم أن يعتمد علينا وينيب إلينا، والحكومات لا يمكنها أن تبرم أية معاهدة ولو صغيرة دون أن نتدخل فيها سراً".
ويقول المسيري: إن الإيمان بما جاء في البرتوكولات عملياً مضرٌّ وغير مفيد لنا، موضحاً أن الإيمان بصحة ما جاء في البرتوكولات يقود مجتمعاتنا وشعوبها إلى الكسل الفكري، ويجعلنا غير قادرين على رؤية الواقع والآخر ورؤية مشاكلنا نحن بصورة صحيحة؛ "فالبرتوكولات توحي لنا أن اليهود وراء كل شيء يحدث لنا".
ويضيف أن ذلك يجعلنا نغفل عن حقيقة أن الولايات المتحدة هي الداعم الأكبر لإسرائيل "فمنذ عام 1973 حتى الآن قدمت واشنطن لإسرائيل مبالغ تصل قيمتها إلى حوالي 1600 مليار دولار أمريكي".
ويرى المسيري أن الإيمان بالبرتوكولات يبث الرعب في قلوبنا؛ فيجعلنا نخسر أي مواجهة حربية مع "اليهود" قبل أن تقوم؛ لأن البرتوكولات تصف اليهود بقدرات خرافية لا أمل لنا في مواجهتها، وأعطى مثالا على ذلك قائلاً: "تخيلوا أن استشهاديا فلسطينيا يتوجه إلى مستوطنة يهودية لتنفيذ عملية فدائية وتذكّر القدرات الخرافية التي تدّعي البرتوكولات أنها موجودة في اليهود فهل سينفذ العملية؟؟.. سيعود ولن ينفذ العملية بالطبع… الإيمان بالبرتوكولات يصب في مصلحة إسرائيل".
وأشار المسيري إلى أن الإيمان بالبرتوكولات يجعلنا نؤسس عقيدة الجهاد على أساس كره اليهود، ويرى أن الواجب أن نؤسس عقيدة الجهاد على أساس مواجهة الظلم "فمن يظلمنا نجاهده"، موضحاً أن تأسيس الجهاد على أساس الكره "سيجعلنا نكرة اليهود اليوم والمسيحيين غدًا ونكره من لا يتفق معنا بعد غد".
ويرى أن تأسيس جهادنا ضد اليهود على أساس دفع الظلم أفضل لنا من تأسيسه على أساس الكره؛ فـ"نحن بهذا التوجه نستطيع أن نتحد مع الأطراف العلمانية والقومية التي تحارب ظلم اليهود لا أن نجاهدهم وحدنا".
ويشير المسيري إلى أن كره اليهود يصب في إطار مصلحة الصهيونية التي اعتبر أنها حركة معادية لليهود أرادت تخليص أوروبا منهم ودفعهم إلى فلسطين.
وأوضح المسيري أن البرتوكولات كتبت باللغة الروسية، موضحاً أن يهود روسيا كانوا لا يعرفون الروسية، وأنهم كانوا يتحدثون اللغة "الليدشية"، وقال: "أي جماعة سرية تريد أن تكتب أسرارا فليس من المعقول أن تكتبها بلغة يعرفها الكثير من البشر مثل الروسية فلماذا لم تكتبها بلغتها الليدشية؟".
ويشير المسيري إلى أن الرأي السائد في الأوساط العلمية الآن أثبت أن البرتوكولات أُخذت من كتيب فرنسي لا علاقة له باليهود كتبه صحفي يدعى "موريس جولي" يسخر فيه من نابليون الثالث بعنوان "حوار في الجحيم بين ميكافيللي ومونتسيكو أو السياسة" في القرن التاسع عشر.
وأكد المسيري أن ما جاء في وثيقة برتوكولات صهيون شيء مضحك، مشيراً إلى أن من بين ما جاء فيها ما يزعم أن اليهود هم الذين قاموا بكل الثورات، ومن ضمنها الثورة الفرنسية، وما يزعم أن اليهود هم مؤسسو الرأسمالية والاشتراكية "فهل هذا يعقل؟".
ويرى المسيري أن نبرة وأسلوب كتابة البرتوكولات يدلان على أن هناك جهة ما كتبتها وأرادت أن تنسبها لليهود، وقال: "من أسلوب كتابتها التأكيد على تعبير (نحن اليهود) فعلنا كذا وكذا".
رفض الكاتب المصري الدكتور عبد الوهاب المسيري فكرة "المؤامرة الصهيونية على العالم"؛ إذ ينطلق في دراساته لما يصفه بالظاهرة الصهيونية من قراءة أبعادها المتعددة، ويسعى إلى إضفاء الصفة البشرية على أعضاء الجماعات اليهودية وفقا لوكالة "رويترز" للأنباء.
وفي مقابلة مع "رويترز" نفى المسيري مقولة "المؤامرة اليهودية العالمية" قائلا إنها أكذوبة "تلائم معظم الأطراف فإسرائيل تستفيد كثيرا من هذا الفكر التآمري؛ لأنه يضفي عليها من القوة ما ليس لها، ويجعلها تكسب معارك لم تخضها، كما تفسر الحكومات الأمريكية المختلفة للزعماء العرب عجزها عن مساعدة الحق العربي بتعاظم النفوذ الصهيوني في الكونجرس".
وتابع "كما تفسر الحكومات العربية تخاذلها وهزيمتها على أساس (هذه) الأسطورة المريحة، وبالتالي يجد كل أطراف الصراع تفسيرا يبدو معقولا ومقبولا لوضعه أمام نفسه وأمام جماهيره".
وأصدر المسيري عددا من الدراسات عن إسرائيل خلال 30 عاما، وصدرت له مؤخرا موسوعة (اليهود واليهودية والصهيونية) عن (دار الشروق) بالقاهرة و(مركز زايد للتنسيق والمتابعة) بدولة الإمارات العربية ويضمها مجلدان في نحو 1055 صفحة. وكان المسيري أصدر موسوعة بالعنوان نفسه عام 1999 في 8 أجزاء.
مخطط وليس مؤامرة
وقال المسيري: "إنه حتى ممارسات إسرائيل في فلسطين والاحتلال الأمريكي للعراق ليس مؤامرة ولكنه مخطط يستخدم القابلية للمؤامرة في تنفيذ إستراتيجياته". وتابع "هذا النمط متكرر داخل الفكر العنصري الغربي"، وشدد على ضرورة التعامل مع الجماعات اليهودية كبشر لا شياطين حتى يمكن "دراستهم وفهمهم والتمييز بين الخير والشر فيهم".
وأضاف أنه من السذاجة افتراض وحدة وتجانس أعضاء الجماعات اليهودية "وأنهم يتسمون بالشر والرغبة في التدمير، وأن سلوكهم تعبير عن مخطط جبار وضعه العقل اليهودي الذي يخطط ويدبر منذ بداية التاريخ لتخريب النفوس حتى تزداد الشعوب ضعفا بينما يزدادون قوة".
وتابع "هذه النظرة القاصرة تحملهم (اليهود) المسؤولية في كل الأزمنة عن كل الشرور من إراقة دم المسيح إلى الضغط على الإمبراطورية البريطانية لتصدر وعد بلفور وضرب المفاعل الذري العراقي وغزو لبنان وقمع الانتفاضة".
وقال: "إن الإيمان بأن اليهود وحدة صلبة متماسكة لا تقهر أو بأن إلحاق الهزيمة بهم في حكم المستحيل فكرة تروج لها الدعاية الصهيونية الواعية والدعاية المعادية لليهود غير الواعية".
مثل الشيطان
ونقلت "رويترز" السبت 22-5-2004 عن المسيري أن "الوثيقة المسماة (بروتوكولات حكماء صهيون) يكمن وراءها مفهوم يصور اليهود على أنهم شياطين"، وتابع "هذه فكرة تفترض وحدة اليهود عبر التاريخ وأنهم يمتلكون قوة سحرية تماما مثل الشيطان؛ ولذا فهم لا يقهرون أو لا يمكن قهرهم إلا باللجوء إلى الحلول السحرية؛ إذ لا يهزم السحر إلا السحر كما لا يمكن هزيمة الشياطين بالجهد البشري العادي.. جهادا كان أو اجتهادا".
وأوضح أن معظم المتدينين في إسرائيل "ليسوا متدينين ومعظم العلمانيين ليسوا علمانيين وأن هناك فريقا صغيرا من اليهود يرفضون الدين اليهودي ولا يقبلون الصهيونية، أو يقبلون صيغة صهيونية يمكن تصنيفها على أنها صيغة علمانية وهم يمثلون جماعات صغيرة مثل حركة حقوق المواطن و(الناشط من أجل السلام) أوري أفنيري".
وقال: إنه لا يمكن الرهان على هؤلاء في الصراع العربي الإسرائيلي، مشددا على أن يكون الرهان "على الولايات المتحدة بأن نرهقها باستنزاف إسرائيل حتى تسحب تأييدها لها". وتابع: "إسرائيل مثل كل المجتمعات الاستيطانية في التاريخ تكتسب أسباب بقائها من خارجها".
وأشار إلى أن "صيغة الانتفاضة تحقق هذا الاستنزاف (لإسرائيل) حيث اعترف (المحلل العسكري الإسرائيلي مارتن) فان كريفلد بوجود مأزق إسرائيلي في حالة نجاح المقاومة الفلسطينية أو فشلها".
طارق رمضان.. خطورة أن تكون مسلما إصلاحيا
طارق رمضان.. خطورة أن تكون مسلما إصلاحيا
في كتابه الجديد "الإصلاح الجذري" يقدم الدكتور طارق رمضان وعدا لقرائه بأن يضع بين أيديهم خلاصة عشرين عاما من القراءة والكتابة والزيارات الميدانية، إضافة إلى الخبرات المتراكمة الناتجة عن تصفحه الدءوب للمساحات المتعلقة بـ "العلوم الإسلامية" و"الحداثة" و"مجتمعات الأغلبية والأقلية المسلمة".
يلقى الدكتور طارق رمضان في ثنايا هذا الكتاب مزيدا من الضوء على مصادر "العلوم الإسلامية" وتصنيفها بدلا من التركيز على الأدوات المادية وطرائق الإنجاز، ولما كانت قراءة النص داخل سياقه الواقعي هي إحدى النقاط المحورية التي يعرض لها كتاب "الإصلاح الجذري"، فإن قراءة هذا الكتاب ضمن سياق أكبر من أطروحات وآراء مؤلفه، وفى إطار إسهاماته العديدة في هذه القضية تعد من قبيل الإلزامية المنهجية.
الهوية الإسلامية والأوروبية
فالكاتب -في معرض رده على سؤال مزدوج حول الهوية "الإسلامية" أو "الأوروبية" للفرد- لم يجنح إلى الإجابات المبسطة، بل حث المسلمين الأوروبيين على إيجاد المعادلة الخاصة بهم، كما قام بمواجهة تحدي الهوية الإسلامية في مجتمع علماني من خلال كتابه "أن تكون مسلمًا أوروبيًّا".
ومضى الكاتب خطوة أبعد في كتابه "مسلمو الغرب ومستقبل الإسلام"، حيث عمد إلى معالجة المناهج والنماذج، وانتقل الكاتب إلى مجتمعات الغالبية المسلمة في كتابه "الإسلام والغرب وتحديات الحداثة" لمناقشة الرؤية الحداثية التي ينبغي تبنيها.
كان الدكتور رمضان على وعي تام منذ البداية بالوضعية الفريدة للمسلمين الأوروبيين، بل أعلن في مناسبات شتى عن إمكانية الاستفادة من هذه الوضعية، ففي حوار مع "بول دونللي" عام 2002 ذكر الدكتور رمضان بيقين تام أن "المسلمين في الغرب سيمدون يد العون للمسلمين في العالم الإسلامي في المستقبل القريب؛ وذلك لأننا –أي مسلمو الغرب- نواجه هنا تحديات ونستطيع القيام بأمور محظورة فيما يسمى بالبلدان الإسلامية، إننا بحاجة إلى التفكير في سياقات فكرية وبرامج سياسية ومنتديات يمكننا من خلالها تطارح الآراء وتبادل وجهات النظر، التي يمكن أن تكون انتقادية".
ولكن يبدو أن الطريق لا تزال طويلة حتى ندرك هذه النقطة من التفاهم المتبادل بين مجتمعات الأغلبية المسلمة والأقليات، فضلا عن تبادل الخبرات، وفي هذا الصدد تبرز أهمية دراسة الدعوة التي نادى بها الدكتور رمضان لتوقيف بعض الحدود كنموذج مهم لفهم العلاقة بين مجتمعات الأغلبية المسلمة والأقليات، ووضعية قضية الاجتهاد والتجديد الفقهي في إطار هذه العلاقة.
"دعوة وقف تطبيق الحدود ـ دروس وعبر"
في الثلاثين من مارس عام 2005 أصدر الدكتور طارق رمضان دعوة عالمية طالب فيها بإيقاف العقوبات الجسدية والرجم والإعدام؛ لأن "هذه العقوبات لا تطبق غالبا إلا على النساء والفقراء، أما الأغنياء والأقوياء والظالمون فهم منها في مأمن دائم".
وقوبلت هذه الدعوة بالنقد، كما أثارت ردود أفعال غاضبة من قبل بعض العلماء المسلمين، وعبر الدكتور رمضان في مقدمة كتابه (الإصلاح الجذري) عن خيبة أمله إزاء هذه الردود و"نقص الحوار النقدي الهادئ" الذي وصفه كـ "أحد الشرور التي تقوض الفكر الإسلامي المعاصر".
وإن تعجب فعجب أن تكون أحد التأويلات التي قدمت لتسويغ ما لاقته دعوة الدكتور رمضان من نقد هو كونه أحد المفكرين المسلمين الأوروبيين، أي نفس الأمر الذي اعتبره رمضان مزية تأخذ بيد الأمة لممارسة الاجتهاد بشكل أكبر.
المسلم الأوروبي
ولإبراز أثر وضعية الدكتور رمضان كمفكر مسلم أوروبي في إصدار هذه الدعوة، أكد الدكتور عماد شاهين، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، في 29 ديسمبر 2005 "لإسلام أون لاين.نت" أن رمضان يحاول أن يبحث عن مكان للمسلمين الأوروبيين داخل أوروبا.
وأضاف أن "هذا يبرز المعضلة التي يواجهها المفكرون المسلمون، فهم بين قطبي رحى الاتهام الغربي بالإرهاب والتطرف، والاتهام الإسلامي بالاعتدال المفرط، أو الفرنجة. ومن المفارقات الغريبة أن وُجِّه إلى بعض الحالات، ومنها حالة الدكتور رمضان، الاتهامان على السواء".
إن مناقشة الأسباب الإجرائية والمنهجية والبنيوية التي دعت العلماء والباحثين المسلمين إلى توجيه النقد لدعوة وقف تطبيق الحدود Moratoriumالتي وجهها الدكتور رمضان تبرهن بجلاء على أنه لا أمل في أي شكل من أشكال الإصلاح والاجتهاد ما لم يتم التغلب على نقص التواصل وتبادل الخبرات بين مجتمعات الغالبية المسلمة من ناحية ومجتمعات الأقلية من الناحية الأخرى.
جدل جديد: جوهري ولكن هادئ
ويقرر الدكتور رمضان أن ينتقل بعيدًا عن الجدل المحموم الذي أثارته دعوة وقف تطبيق الحدود إلى دعوة شاملة وهادئة من خلال كتابه "الإصلاح الجذري"؛ إذ وجه جل جهوده إلى إشكالية تعريف "الإصلاح" وتبنى أحد نماذجه.
وميّز في مقدمة الكتاب بين "إصلاح التكيف" الذي لا يعوزه إلا بعض الأدوات لمسايرة العصور الحديثة، و"إصلاح التحول" الذي يزود نفسه بالطرائق المختلفة لإتقان جميع المجالات المعرفية وليتمكن من التعامل المسبق مع التعقيدات الناجمة عن التحديات.
ولعل آراء الدكتور رمضان في الإصلاح والتجديد ليست بدعًا في هذا المجال، وقد يكون عدم اختلافها مع الآراء الإصلاحية السابقة عليها سواء من داخل منظومة الثقافة الإسلامية أو من خارجها هو ما دفع الملاحظين، وبخاصة من الغرب، إلى عقد المقارنات بين آراء الدكتور رمضان وآراء مارتن لوثر.
ففي عام 2002 عنون بول دونلي لحواره مع الدكتور طارق رمضان بـ"مارتن لوثر الإسلام؟"، وسوَّغ الملاحظون الغربيون هذا الربط بين الدكتور رمضان ومارتن لوثر بأن "طارق رمضان يتحدى الآراء الإسلامية السائدة"، كما أنهم ربطوا بين دعوة دكتور رمضان بقراءة القرآن قراءة سياقية، وبين ما خلفه لوثر من ميراث فكري.
وقد تثير مثل هذه المقارنات بعض الهواجس بشأن "أصالة" مبادرات الدكتور رمضان، وقد تدفع بعض المسلمين إلى الاعتقاد بأن هذه الآراء الإصلاحية هي في أحسن الأحوال غريبة على دينهم.
ولكن الدكتور رمضان قد تصدى لهذه الشكوك في كتابه الأخير "الإصلاح الجذري"، إذ وجه اهتماماته إلى تعزيز مفهوم الإصلاح مشتبكا مع هذه الشكوك واصفا مفهوم "الإصلاح" بأنه "كان ينظر إليه على أنه مصدر خطورة؛ لأنه قوض مبادئ العقيدة الإسلامية أو لأنه مأخوذ عن دول ذات مرجعية مسيحية".
ويعود رمضان ليتعامل مع هذه التوجسات من خلال التراث الإسلامي نفسه؛ إذ راح يؤكد وجود الفكر النقدي في هذا التراث، وأشار إلى تبني علماء المسلمين على اختلاف مذاهبهم لهذا الفكر منذ البداية؛ وأضاف "أن الجدال الذي دار بين هؤلاء العلماء لم يكن عن شرعية هذا الفكر بقدر ما كان على قواعد وحدود صياغته في الواقع".
تأويل "النص": كيف؟ ومن؟
وفي خطوة أخرى للأمام يطأ الدكتور رمضان منطقة شائكة عندما يتحدث عن العلاقة بين النص الوحيي، وبين فهم القارئ لهذا النص "إن وضعية النص يمكن أن تكون بالفعل ذات تأثير على شكليات القراءة، ولكن تظل عقلية القارئ الذي يقوم بتفسير هذا النص هي المحدد الأساسي في طرح التصنيفات والشكليات الخاصة بهذا التفسير".
ويؤمن الدكتور رمضان بديناميكية التأويل عبر الزمان والمكان، ولكنه من الناحية الأخرى يضع ضوابط لهذه العملية، موضحا أن "القضية المحورية هي تحديد طبيعة وحدود عملية التأويل في مقابل النص الوحيي".
ويبحث الدكتور رمضان في معرض إثارته لمثل تلك القضايا الجدلية عن منهجية متوازنة مؤكدا أنه "فقط داخل هذا الإطار تستطيع عمليات التجديد والإصلاح أن تكون ذات فعالية، وأن تؤتي ثمارها".
إن الدكتور رمضان لا يكرس كتاب "الإصلاح الجذري" لمناقشة الطريقة التأويلية التي ينبغي تبنيها، ولكنه أيضا يقترح المخول شرعا للقيام بالتأويل والاجتهاد، من ثم يعود مجددا لتناول القضية المعروفة بـ "سلطة التأويل"، حيث عمد إلى الحديث عنها في العديد من المناسبات؛ ففي حواره مع دونلي يؤكد طارق أن "حقيقة عدم وجود كنيسة في الإسلام هي بكل المقاييس حقيقة إيجابية، بل هي مصدر للقوة؛ بيد أنها تتحول إلى نقطة ضعف إذا لم نحسن التعامل معها".
بالإضافة إلى ذلك، فإن كتاب الإصلاح الجذري يقترح إعادة التفكير في الأهداف الروحية والأخلاقية السامية للإسلام، أو ما يعرف "بالمقاصد" وإفساح مجال لهيئة من علماء العلوم الاجتماعية.
قابلية أكثر للمناقشة
في الواقع لم تكن الدعوة التكاملية لدور علماء الاجتماع والخبراء في كافة المجالات في عملية الاجتهاد بالأمر المحدث، فقد نادى بها العديد من العلماء المسلمين في مجتمعات الأغلبية والأقلية على حد سواء، ولكنْ ثمة عاملان يميزان دعوة الإصلاح الجذري التي ينادي بها الدكتور طارق رمضان.
أما الأول فيتمثل ـ حسبما يؤكد الكتاب ـ في وجوب تعامل كل من علماء النصوص وعلماء الواقع سويا وبنفس القدر ليشكلا معا مركز الثقل في عملية تفسير النص.
وأما العامل الثاني الذي يميز دعوة رمضان فيتمثل في القاعدة الجماهيرية العريضة التي يتمتع بها الدكتور رمضان في أوروبا سواء من المسلمين أو غير المسلمين.
ولكن من ناحية أخرى، يبقى أن بعض المسلمين وبخاصة المنتمون إلى مجتمعات الأغلبية المسلمة يجدون غضاضة في فتح باب المناقشة على مصراعيه لبعض القضايا الحساسة (مثل تأويل النص الوحيي، والنص والواقع، وطبيعة النص الديني) في المجتمعات الأوروبية غير المسلمة، معتقدين أن ثمة دعاة مناهضين للإسلام في أوروبا قد يحملون على الإسلام من هذا الباب.
بينما يعتقد الدكتور رمضان أن العكس هو الصحيح، فالخبراء غير المسلمين قد يسهمون بفاعلية في صياغة العقلية النقدية الإسلامية وذلك "عن طريق استثارة الضمير الإسلامي المعاصر لمناقشة عدد من القضايا، أو عن طريق توظيف مهاراتهم للوصول إلى الحلول الممكنة لبعض القضايا العلمية والأخلاقية (في العلوم التجريبية أو الإنسانية)".
وفي السياق ذاته يفند رمضان ما يصفه "بالاستنتاج الساذج" والذي ينص على أنه "كلما قلت النزعة الغربية ازدادت النزعة الإسلامية"، والذي ـ كما يؤكد الدكتور رمضان ـ يرسم في القناعة الإسلامية ملامح لشخصية إسلامية ذات ممارسات خاصة بها تنبع دائما من رفضها لكل ما هو غربي، ويبحث الدكتور رمضان في أصول هذه الفكرة التي قد تعود إلى القرن الثالث عشر الميلادي عندما اتخذ المسلمون مواقف دفاعية لمواجهة الهيمنة الغربية.
ويرى الدكتور رمضان أننا بحاجة ماسة الآن أكثر من أي وقت مضى لاستخدام أدوات إسلامية لصناعة الاجتهاد الذي يعرفه على أنه الجهد العقلاني للإبداع طبقا لمصادرنا القرآنية والسنية.
جغرافية المعرفة والناس
يحاول الدكتور رمضان -عبر الإصلاح الجذري- أن يعيد تحديد جغرافيا المصادر الإسلامية؛ ولكني أرى أنه في حاجة أيضا إلى تحديد جغرافية جماهيره التي يخاطبها، وتصنيفهم.
فمثلا إذا حاول رمضان وغيره من علماء المسلمين إيجاد جسور للتواصل بين مجتمعات الأغلبية المسلمة من ناحية ومجتمعات الأقلية من ناحية أخرى، وبين الخبراء والعامة لاختلفت طريقة طرح "دعوة وقف تطبيق الحدود"، واختلف معها تلقي الناس لها، ولأصبح كتاب "الإصلاح الجذري" موضوعا للمناقشة على نحو أوسع عبر العالم الإسلامي.
وإذا كان الدكتور رمضان يرى أن المسلمين في الغرب سيكونون عونا للمسلمين في العالم الإسلامي ـ كما ذكر آنفا ـ فإن هذه الفرضية ستصير غير ذات فعالية ما لم يكن المسلمون في أوروبا والمسلمون في العالم الإسلامي على دراية كافية ببعضهم البعض.
والغالب أن المسلمين في مجتمعات الغالبية لا يتعرفون كثيرا على المسلمين الأوروبيين إلا في أوقات الأزمات مثل قضية سلمان رشدي وحظر الحجاب في فرنسا والرسوم الكاريكاتورية في الدنمارك... إلخ. إن هذا الإدراك الجزئي الكامن في وعي العالم الإسلامي للمسلمين المقهورين في أوروبا يجعلهم أكثر توجسا ودفاعية ضد كل ما هو غربي في ظل غياب حلول مناسبة وبناءة.
وعلى الجانب الآخر فإن الصورة الكامنة في الوعي الإسلامي الأوروبي عن المسلمين في مجتمعات الأغلبية وثيقة الصلة بقضايا خلافية كتلك الخاصة بالانتماء والولاء، واستيراد الإرهاب، والتدخل في شئون المسلمين الأوروبيين عن طريق الدعم المالي... إلخ.
التواصل من أجل الإصلاح
وباختصار فإن المسلمين في مجتمعات الأغلبية بحاجة إلى معرفة المزيد عن التحديات، والفرص التي يجابهها المسلمون الأوروبيون، وكيف يتأتى لهذه الوضعية الفريدة للمسلمين في أوروبا أن تكون عونا للأمة بأسرها على إعادة تقييم الأوضاع المختلفة.
كما أن المسلمين في أوروبا بحاجة إلى إلمام أشمل بنقاط القوة والضعف في العالم الإسلامي حتى يمكن لهم -في ظل استقلاليتهم الكاملة- أن يفيدوا من الخبرات ومن الميراث الثقافي لهذا العالم.
إننا بحاجة إلى أدوات بعينها لعقد الهوة السحيقة بين العالمين: عالم المسلمين الأوروبيين والعالم الإسلامي، وإذا كان المجلس الأوروبي للفتوى هو أحد النماذج الجيدة في هذا الصدد، فإنه يظل نموذجًا واحدًا غير كافٍ. كما أننا بحاجة إلى قاعدة معلوماتية نستطيع من خلالها تحديد القضايا ووضع الأولويات، إضافة إلى ما اقترحه الدكتور رمضان من شبكات تواصل وخطط سياسية وموسوعات فكرية ومؤتمرات... إلخ.
فكلما تعمق التواصل، زادت معه فعالية المبادرات على درب الإصلاح والتغيير.
في كتابه الجديد "الإصلاح الجذري" يقدم الدكتور طارق رمضان وعدا لقرائه بأن يضع بين أيديهم خلاصة عشرين عاما من القراءة والكتابة والزيارات الميدانية، إضافة إلى الخبرات المتراكمة الناتجة عن تصفحه الدءوب للمساحات المتعلقة بـ "العلوم الإسلامية" و"الحداثة" و"مجتمعات الأغلبية والأقلية المسلمة".
يلقى الدكتور طارق رمضان في ثنايا هذا الكتاب مزيدا من الضوء على مصادر "العلوم الإسلامية" وتصنيفها بدلا من التركيز على الأدوات المادية وطرائق الإنجاز، ولما كانت قراءة النص داخل سياقه الواقعي هي إحدى النقاط المحورية التي يعرض لها كتاب "الإصلاح الجذري"، فإن قراءة هذا الكتاب ضمن سياق أكبر من أطروحات وآراء مؤلفه، وفى إطار إسهاماته العديدة في هذه القضية تعد من قبيل الإلزامية المنهجية.
الهوية الإسلامية والأوروبية
فالكاتب -في معرض رده على سؤال مزدوج حول الهوية "الإسلامية" أو "الأوروبية" للفرد- لم يجنح إلى الإجابات المبسطة، بل حث المسلمين الأوروبيين على إيجاد المعادلة الخاصة بهم، كما قام بمواجهة تحدي الهوية الإسلامية في مجتمع علماني من خلال كتابه "أن تكون مسلمًا أوروبيًّا".
ومضى الكاتب خطوة أبعد في كتابه "مسلمو الغرب ومستقبل الإسلام"، حيث عمد إلى معالجة المناهج والنماذج، وانتقل الكاتب إلى مجتمعات الغالبية المسلمة في كتابه "الإسلام والغرب وتحديات الحداثة" لمناقشة الرؤية الحداثية التي ينبغي تبنيها.
كان الدكتور رمضان على وعي تام منذ البداية بالوضعية الفريدة للمسلمين الأوروبيين، بل أعلن في مناسبات شتى عن إمكانية الاستفادة من هذه الوضعية، ففي حوار مع "بول دونللي" عام 2002 ذكر الدكتور رمضان بيقين تام أن "المسلمين في الغرب سيمدون يد العون للمسلمين في العالم الإسلامي في المستقبل القريب؛ وذلك لأننا –أي مسلمو الغرب- نواجه هنا تحديات ونستطيع القيام بأمور محظورة فيما يسمى بالبلدان الإسلامية، إننا بحاجة إلى التفكير في سياقات فكرية وبرامج سياسية ومنتديات يمكننا من خلالها تطارح الآراء وتبادل وجهات النظر، التي يمكن أن تكون انتقادية".
ولكن يبدو أن الطريق لا تزال طويلة حتى ندرك هذه النقطة من التفاهم المتبادل بين مجتمعات الأغلبية المسلمة والأقليات، فضلا عن تبادل الخبرات، وفي هذا الصدد تبرز أهمية دراسة الدعوة التي نادى بها الدكتور رمضان لتوقيف بعض الحدود كنموذج مهم لفهم العلاقة بين مجتمعات الأغلبية المسلمة والأقليات، ووضعية قضية الاجتهاد والتجديد الفقهي في إطار هذه العلاقة.
"دعوة وقف تطبيق الحدود ـ دروس وعبر"
في الثلاثين من مارس عام 2005 أصدر الدكتور طارق رمضان دعوة عالمية طالب فيها بإيقاف العقوبات الجسدية والرجم والإعدام؛ لأن "هذه العقوبات لا تطبق غالبا إلا على النساء والفقراء، أما الأغنياء والأقوياء والظالمون فهم منها في مأمن دائم".
وقوبلت هذه الدعوة بالنقد، كما أثارت ردود أفعال غاضبة من قبل بعض العلماء المسلمين، وعبر الدكتور رمضان في مقدمة كتابه (الإصلاح الجذري) عن خيبة أمله إزاء هذه الردود و"نقص الحوار النقدي الهادئ" الذي وصفه كـ "أحد الشرور التي تقوض الفكر الإسلامي المعاصر".
وإن تعجب فعجب أن تكون أحد التأويلات التي قدمت لتسويغ ما لاقته دعوة الدكتور رمضان من نقد هو كونه أحد المفكرين المسلمين الأوروبيين، أي نفس الأمر الذي اعتبره رمضان مزية تأخذ بيد الأمة لممارسة الاجتهاد بشكل أكبر.
المسلم الأوروبي
ولإبراز أثر وضعية الدكتور رمضان كمفكر مسلم أوروبي في إصدار هذه الدعوة، أكد الدكتور عماد شاهين، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، في 29 ديسمبر 2005 "لإسلام أون لاين.نت" أن رمضان يحاول أن يبحث عن مكان للمسلمين الأوروبيين داخل أوروبا.
وأضاف أن "هذا يبرز المعضلة التي يواجهها المفكرون المسلمون، فهم بين قطبي رحى الاتهام الغربي بالإرهاب والتطرف، والاتهام الإسلامي بالاعتدال المفرط، أو الفرنجة. ومن المفارقات الغريبة أن وُجِّه إلى بعض الحالات، ومنها حالة الدكتور رمضان، الاتهامان على السواء".
إن مناقشة الأسباب الإجرائية والمنهجية والبنيوية التي دعت العلماء والباحثين المسلمين إلى توجيه النقد لدعوة وقف تطبيق الحدود Moratoriumالتي وجهها الدكتور رمضان تبرهن بجلاء على أنه لا أمل في أي شكل من أشكال الإصلاح والاجتهاد ما لم يتم التغلب على نقص التواصل وتبادل الخبرات بين مجتمعات الغالبية المسلمة من ناحية ومجتمعات الأقلية من الناحية الأخرى.
جدل جديد: جوهري ولكن هادئ
ويقرر الدكتور رمضان أن ينتقل بعيدًا عن الجدل المحموم الذي أثارته دعوة وقف تطبيق الحدود إلى دعوة شاملة وهادئة من خلال كتابه "الإصلاح الجذري"؛ إذ وجه جل جهوده إلى إشكالية تعريف "الإصلاح" وتبنى أحد نماذجه.
وميّز في مقدمة الكتاب بين "إصلاح التكيف" الذي لا يعوزه إلا بعض الأدوات لمسايرة العصور الحديثة، و"إصلاح التحول" الذي يزود نفسه بالطرائق المختلفة لإتقان جميع المجالات المعرفية وليتمكن من التعامل المسبق مع التعقيدات الناجمة عن التحديات.
ولعل آراء الدكتور رمضان في الإصلاح والتجديد ليست بدعًا في هذا المجال، وقد يكون عدم اختلافها مع الآراء الإصلاحية السابقة عليها سواء من داخل منظومة الثقافة الإسلامية أو من خارجها هو ما دفع الملاحظين، وبخاصة من الغرب، إلى عقد المقارنات بين آراء الدكتور رمضان وآراء مارتن لوثر.
ففي عام 2002 عنون بول دونلي لحواره مع الدكتور طارق رمضان بـ"مارتن لوثر الإسلام؟"، وسوَّغ الملاحظون الغربيون هذا الربط بين الدكتور رمضان ومارتن لوثر بأن "طارق رمضان يتحدى الآراء الإسلامية السائدة"، كما أنهم ربطوا بين دعوة دكتور رمضان بقراءة القرآن قراءة سياقية، وبين ما خلفه لوثر من ميراث فكري.
وقد تثير مثل هذه المقارنات بعض الهواجس بشأن "أصالة" مبادرات الدكتور رمضان، وقد تدفع بعض المسلمين إلى الاعتقاد بأن هذه الآراء الإصلاحية هي في أحسن الأحوال غريبة على دينهم.
ولكن الدكتور رمضان قد تصدى لهذه الشكوك في كتابه الأخير "الإصلاح الجذري"، إذ وجه اهتماماته إلى تعزيز مفهوم الإصلاح مشتبكا مع هذه الشكوك واصفا مفهوم "الإصلاح" بأنه "كان ينظر إليه على أنه مصدر خطورة؛ لأنه قوض مبادئ العقيدة الإسلامية أو لأنه مأخوذ عن دول ذات مرجعية مسيحية".
ويعود رمضان ليتعامل مع هذه التوجسات من خلال التراث الإسلامي نفسه؛ إذ راح يؤكد وجود الفكر النقدي في هذا التراث، وأشار إلى تبني علماء المسلمين على اختلاف مذاهبهم لهذا الفكر منذ البداية؛ وأضاف "أن الجدال الذي دار بين هؤلاء العلماء لم يكن عن شرعية هذا الفكر بقدر ما كان على قواعد وحدود صياغته في الواقع".
تأويل "النص": كيف؟ ومن؟
وفي خطوة أخرى للأمام يطأ الدكتور رمضان منطقة شائكة عندما يتحدث عن العلاقة بين النص الوحيي، وبين فهم القارئ لهذا النص "إن وضعية النص يمكن أن تكون بالفعل ذات تأثير على شكليات القراءة، ولكن تظل عقلية القارئ الذي يقوم بتفسير هذا النص هي المحدد الأساسي في طرح التصنيفات والشكليات الخاصة بهذا التفسير".
ويؤمن الدكتور رمضان بديناميكية التأويل عبر الزمان والمكان، ولكنه من الناحية الأخرى يضع ضوابط لهذه العملية، موضحا أن "القضية المحورية هي تحديد طبيعة وحدود عملية التأويل في مقابل النص الوحيي".
ويبحث الدكتور رمضان في معرض إثارته لمثل تلك القضايا الجدلية عن منهجية متوازنة مؤكدا أنه "فقط داخل هذا الإطار تستطيع عمليات التجديد والإصلاح أن تكون ذات فعالية، وأن تؤتي ثمارها".
إن الدكتور رمضان لا يكرس كتاب "الإصلاح الجذري" لمناقشة الطريقة التأويلية التي ينبغي تبنيها، ولكنه أيضا يقترح المخول شرعا للقيام بالتأويل والاجتهاد، من ثم يعود مجددا لتناول القضية المعروفة بـ "سلطة التأويل"، حيث عمد إلى الحديث عنها في العديد من المناسبات؛ ففي حواره مع دونلي يؤكد طارق أن "حقيقة عدم وجود كنيسة في الإسلام هي بكل المقاييس حقيقة إيجابية، بل هي مصدر للقوة؛ بيد أنها تتحول إلى نقطة ضعف إذا لم نحسن التعامل معها".
بالإضافة إلى ذلك، فإن كتاب الإصلاح الجذري يقترح إعادة التفكير في الأهداف الروحية والأخلاقية السامية للإسلام، أو ما يعرف "بالمقاصد" وإفساح مجال لهيئة من علماء العلوم الاجتماعية.
قابلية أكثر للمناقشة
في الواقع لم تكن الدعوة التكاملية لدور علماء الاجتماع والخبراء في كافة المجالات في عملية الاجتهاد بالأمر المحدث، فقد نادى بها العديد من العلماء المسلمين في مجتمعات الأغلبية والأقلية على حد سواء، ولكنْ ثمة عاملان يميزان دعوة الإصلاح الجذري التي ينادي بها الدكتور طارق رمضان.
أما الأول فيتمثل ـ حسبما يؤكد الكتاب ـ في وجوب تعامل كل من علماء النصوص وعلماء الواقع سويا وبنفس القدر ليشكلا معا مركز الثقل في عملية تفسير النص.
وأما العامل الثاني الذي يميز دعوة رمضان فيتمثل في القاعدة الجماهيرية العريضة التي يتمتع بها الدكتور رمضان في أوروبا سواء من المسلمين أو غير المسلمين.
ولكن من ناحية أخرى، يبقى أن بعض المسلمين وبخاصة المنتمون إلى مجتمعات الأغلبية المسلمة يجدون غضاضة في فتح باب المناقشة على مصراعيه لبعض القضايا الحساسة (مثل تأويل النص الوحيي، والنص والواقع، وطبيعة النص الديني) في المجتمعات الأوروبية غير المسلمة، معتقدين أن ثمة دعاة مناهضين للإسلام في أوروبا قد يحملون على الإسلام من هذا الباب.
بينما يعتقد الدكتور رمضان أن العكس هو الصحيح، فالخبراء غير المسلمين قد يسهمون بفاعلية في صياغة العقلية النقدية الإسلامية وذلك "عن طريق استثارة الضمير الإسلامي المعاصر لمناقشة عدد من القضايا، أو عن طريق توظيف مهاراتهم للوصول إلى الحلول الممكنة لبعض القضايا العلمية والأخلاقية (في العلوم التجريبية أو الإنسانية)".
وفي السياق ذاته يفند رمضان ما يصفه "بالاستنتاج الساذج" والذي ينص على أنه "كلما قلت النزعة الغربية ازدادت النزعة الإسلامية"، والذي ـ كما يؤكد الدكتور رمضان ـ يرسم في القناعة الإسلامية ملامح لشخصية إسلامية ذات ممارسات خاصة بها تنبع دائما من رفضها لكل ما هو غربي، ويبحث الدكتور رمضان في أصول هذه الفكرة التي قد تعود إلى القرن الثالث عشر الميلادي عندما اتخذ المسلمون مواقف دفاعية لمواجهة الهيمنة الغربية.
ويرى الدكتور رمضان أننا بحاجة ماسة الآن أكثر من أي وقت مضى لاستخدام أدوات إسلامية لصناعة الاجتهاد الذي يعرفه على أنه الجهد العقلاني للإبداع طبقا لمصادرنا القرآنية والسنية.
جغرافية المعرفة والناس
يحاول الدكتور رمضان -عبر الإصلاح الجذري- أن يعيد تحديد جغرافيا المصادر الإسلامية؛ ولكني أرى أنه في حاجة أيضا إلى تحديد جغرافية جماهيره التي يخاطبها، وتصنيفهم.
فمثلا إذا حاول رمضان وغيره من علماء المسلمين إيجاد جسور للتواصل بين مجتمعات الأغلبية المسلمة من ناحية ومجتمعات الأقلية من ناحية أخرى، وبين الخبراء والعامة لاختلفت طريقة طرح "دعوة وقف تطبيق الحدود"، واختلف معها تلقي الناس لها، ولأصبح كتاب "الإصلاح الجذري" موضوعا للمناقشة على نحو أوسع عبر العالم الإسلامي.
وإذا كان الدكتور رمضان يرى أن المسلمين في الغرب سيكونون عونا للمسلمين في العالم الإسلامي ـ كما ذكر آنفا ـ فإن هذه الفرضية ستصير غير ذات فعالية ما لم يكن المسلمون في أوروبا والمسلمون في العالم الإسلامي على دراية كافية ببعضهم البعض.
والغالب أن المسلمين في مجتمعات الغالبية لا يتعرفون كثيرا على المسلمين الأوروبيين إلا في أوقات الأزمات مثل قضية سلمان رشدي وحظر الحجاب في فرنسا والرسوم الكاريكاتورية في الدنمارك... إلخ. إن هذا الإدراك الجزئي الكامن في وعي العالم الإسلامي للمسلمين المقهورين في أوروبا يجعلهم أكثر توجسا ودفاعية ضد كل ما هو غربي في ظل غياب حلول مناسبة وبناءة.
وعلى الجانب الآخر فإن الصورة الكامنة في الوعي الإسلامي الأوروبي عن المسلمين في مجتمعات الأغلبية وثيقة الصلة بقضايا خلافية كتلك الخاصة بالانتماء والولاء، واستيراد الإرهاب، والتدخل في شئون المسلمين الأوروبيين عن طريق الدعم المالي... إلخ.
التواصل من أجل الإصلاح
وباختصار فإن المسلمين في مجتمعات الأغلبية بحاجة إلى معرفة المزيد عن التحديات، والفرص التي يجابهها المسلمون الأوروبيون، وكيف يتأتى لهذه الوضعية الفريدة للمسلمين في أوروبا أن تكون عونا للأمة بأسرها على إعادة تقييم الأوضاع المختلفة.
كما أن المسلمين في أوروبا بحاجة إلى إلمام أشمل بنقاط القوة والضعف في العالم الإسلامي حتى يمكن لهم -في ظل استقلاليتهم الكاملة- أن يفيدوا من الخبرات ومن الميراث الثقافي لهذا العالم.
إننا بحاجة إلى أدوات بعينها لعقد الهوة السحيقة بين العالمين: عالم المسلمين الأوروبيين والعالم الإسلامي، وإذا كان المجلس الأوروبي للفتوى هو أحد النماذج الجيدة في هذا الصدد، فإنه يظل نموذجًا واحدًا غير كافٍ. كما أننا بحاجة إلى قاعدة معلوماتية نستطيع من خلالها تحديد القضايا ووضع الأولويات، إضافة إلى ما اقترحه الدكتور رمضان من شبكات تواصل وخطط سياسية وموسوعات فكرية ومؤتمرات... إلخ.
فكلما تعمق التواصل، زادت معه فعالية المبادرات على درب الإصلاح والتغيير.