الصفحات

السبت، 20 مارس 2010

عن السودان وشجونه

عن السودان وشجونه

في مؤتمر الفريق العربي للحوار الاسلامي المسيحي في القاهرة (مطلع آذار) حدثنا الدكتور حسن مكي (رئيس جامعة افريقيا في السودان ومن مؤسسي الفريق)والقس الانجيلي الدكتور اسماعيل كناني، عن الوضع السوداني.. السودان دولة فريدة تحتل قلب أفريقيا وهي كانت بوابة المسيحية وبوابة الاسلام أيضاً الى افريقيا..السودان مطل على 7 دول وبينه وبينها قبائل مشتركة وصراعات قبلية وتداخل عجيب.. في مصر شعب واحد ولغة واحدة (أو قل قبيلة واحدة كبيرة)..أما السودان فقبائله الحدودية وحدها عددها 126 (اي أنها مشتركة مع جيرانه)، وعدد أفرادها 10 مليون....وكل دولة من الجوار تسعى للتأثير من خلال قبائلها.. كما أن هناك جنسيات مشتركة مع دول الجوار كلها..فجيش الرب مثلاً ،الذي يقاتل في أوغندا ضد نظام الحكم، فيه سودانيون..والمجموعات المهاجرة الى السودان لا يقل عدد افرادها عن 10 مليون..(عدد سكان السودان 41 مليون)... طبعاً السودان يمتلك امكانيات كبيرة ولكنه أيضاً معرض لصراعات عنيفة.. التنوع الشديد والتشابك مع الجيران يجعل ان البلد سيظل مازوماً .. ونسبة المسلمين والمسيحيين أقل من أتباع الديانات الافريقية التقليدية من قبائل الجنوب والنوبة والنيل الازرق (ما عدا دارفور والوسط)..وليس هناك احصائية دقيقة للأديان والغالب الأعم في السودان هو الديانات الافريقية...في السودان تجد في البيت الواحد مسلم ومسيحي ووثني..وقد قال لنا الدكتور اسماعيل كناني ان أعمامه وأخواله مسلمون...
اليوم القضية الأولى في السودان هي الانتخابات التي ستجري بين 11 و18 نيسان.. وفي حين نغرق نحن في شبر ماء ولا نعرف كيف نتوصل الى قانون انتخابي منذ 90 سنة، أو كيف نتعامل مع النسبية في البلديات، نسمع أن عدد الناخبين المسجلين يبلغ في السودان 16 مليون وعدد المرشحين 14 الف..وأن الانتخابات معقدة مركبة اذ أن الناخب سيقترع 7 مرات : لرئيس البلاد ، للوالي في الإقليم ، للنائب في المجلس التشريعي الوطني، للنائب في مجلس التشريعي على مستوى الولاية، للتمثيل النسبي للاحزاب ، وللنقابات والمهن الحرة، ولدوائر المرأة 124، وهي مقاعد مخصصة لها، وهناك 14 الف مركز تصويت..واذا لم يتم انتخاب رئيس الجمهورية من المرة الاولى تجري اعادة في دورة ثانية.. وهذا صعب أن يحصل قبل أيار الذي هو بداية الخريف حيث يتوقف كل شيء في السودان..واذا سارت الامور على ما يرام فالأغلب ان تتشكل حكومة اقليات سياسية اذ لا يوجد حزب قادر وحده على حصد الاغلبية المطلقة..
اذن هي ستكون حكومة ضعيفة لأنها ستقوم بمعزل عن الجيش لأول مرة في تاريخ السودان .. فالجيش قوة أساسية في السودان وذلك يعود الى قوة القبائل المسلحة وصراعاتها التي تحتم أن يصبح الجيش هو القوة الكبرى والأساسية..وهذا عام في معظم البلاد العربية..باستثناء لبنان حيث لا يبدو أننا نقدّر هذا الأمر جيداً..
هذا وكان تقرر في اتفاقية السلام التي وضعت حداً للحرب الأهلية في الجنوب (والتي استمرت منذ العام 1958 )، إعطاء الجنوب حق تقرير المصير في كانون الثاني 2011 ، اي أن الجنوبيين سيكون بامكانهم الانفصال إذا قرروا ذلك في العام القادم..وقد نصت الاتفاقية أيضاً على انه على حكومة السودان وجنوبه أن يجعلا الوحدة جاذبة.. وبناء عليه تم تقاسم السلطة (الرئيس الى جانبه نائب رئيس جنوبي، ووزير خارجية جنوبي).. لكن المزاج الانفصالي هو السائد اليوم في نخب الجنوب..علماً بأن كلفة الانفصال ستكون كبيرة على الجنوبيين لأن الجنوب مغلق وبتروله يمر بالشمال، والخرطوم هي أقرب للبعض من جوبا ..واذا اردت الذهاب بالباخرة من مالاكال الى جوبا فستستغرق الرحلة 3 اسابيع في حين انها 7 ساعات الى الخرطوم..الخ.. كما أن مصالح قبائل الجنوب هي مع الشمال.. ويبدو أن العامل الحاسم يعود الى أن فكرة الدولة غريبة عن الجنوب، والجنوب هو مسرح لصراع القبائل الكثيرة والمختلفة...واذا حصل انفصال الجنوب فقد يحصل ما حصل في رواندا من مذابح قبلية ..

سعود المولى