الصفحات

الثلاثاء، 1 يونيو 2010

ورقة عمل أولية لتأسيس هيئة إسلامية عربية للحوار والعدالة والديمقراطية

( هيئة إسلامية عربية للحوار والعدالة والديمقراطية)

تنطلق هذه الورقة من الإعتقاد الراسخ بأن المطلوب اليوم في بلادنا العربية هو صياغة مشروع عام يسمح بتجاوز التفكير المذهبي والطائفي والعشائري والمناطقي الضيق الأفق، وبإعادة الاعتبار للعلم والمعرفة ، للفكر والوعي النقدي ، للجد والجهد والاجتهاد ، للحوار وللممارسة النظيفة ، للتضامن وللمشاركة ، فنعيد الاعتبار بذلك للسياسة كعلم وفن، كممارسة نظرية وكفاعلية اجتماعية ، لمصلحة الناس ، وبواسطة الناس ، أي لنعيد موضعة السياسة في سياق تجربة الحق والعدل والتقوى في حياة البشر وتاريخهم ، وذلك عملاً بقول الإمام علي: "إعرف الحق تعرف أهله"...و "يُعرف الرجال بالحق لا الحق بالرجال".
إن هذا يتطلب صياغة تفكير إسلامي أصيل ومجدد ، منفتح ومتجذر، تقدمي تضامني ، يُعيد إدراج الناس في التاريخ وفي صنع المستقبل.
إن صياغة تفكير إسلامي جديد وأصيل ومجدد هو المهمة المركزية المطروحة علينا لبلورة تيار تاريخي وبناء كتلة تاريخية تكون قادرة على تلبية متطلبات النهوض والتقدم لبلادنا العربية ولأوطاننا. ان التفكير الإسلامي الجديد هو اليوم حاجة وضرورة:
I- وطنياً (قطرياًً) : لتمكين المواطنين (أو الناس بحسب المصطلح القرآني) في كل بلد عربي من وضع حد نهائي للحروب الأهلية وللتمزقات المختلفة ، ومن إعادة بناء بلدهم ، مجتمعاً ودولة ومؤسسات ، على قاعدة العدالة والكرامة والمساواة ، للجميع وبين الجميع.
II- عربياً: لإقتراح مشروع طريق عربية إسلامية نحو الحداثة والمعاصرة ، نابعة من الهوية العربية – الإسلامية ، مرتكزة على القيم الروحية والأصالة الذاتية لمجتمعاتنا، تكون أكثر روحانية وأكثر انفتاحاً على التراثات الأخرى ، وأكثر تفاعلاً مع المصير الإنساني.
III- دولياً: كإسهام حضاري إنساني في بناء نموذج قابل للحياة ، متجدد ومتطور، في عالم مضطرب ممزق بالصراعات الدينية والمذهبية والعرقية ، وكدعامة للمجتمع الدولي في سعيه إلى بناء عالم جديد قائم على العدالة والاحترام المتبادل والتعاون لما فيه خير وسعادة الناس والبشرية جمعاء.

إن كل ذلك يتطلب صياغة مشروع فكري – سياسي- ثقافي إسلامي جديد انطلاقاً من تجارب المرحلة التاريخية للقرن العشرين ودروسها ، واستناداً إلى فكر إسلامي أصيل ومجدد نجد منابعه وتصوراته لدى الكبار من مجتهدي ومجددي القرن العشرين.
ان هذا المشروع يجد له أيضاً سنداً في خبرات عديدة على المستوى العربي أبرزها تيار الوسط والمراجعات الجهادية في مصر، وحزب النهضة في تونس ، وحزب العدالة والتنمية وحركة البديل الحضاري وحزب الأمة في المغرب ، والجبهة الإسلامية القومية في السودان ، وحزب العدالة والتنمية في تركيا ، والتجربتين اللبنانية والعراقية.
إننا نرى أنه من غير الممكن صياغة تفكير إسلامي جديد وأصيل، وبلورة تيار نهوض وطني حقيقي في كل بلد ، دون إجراء تصفية حساب مع الأفكار والمفاهيم والممارسات التي أعاقت وتعيق استكمال مهمات السلم الأهلي والوحدة الوطنية والإنماء المتوازن والإعمار والازدهار في ظل الكرامة والعدالة والمساواة.
ان بلورة النقد الجذري للثقافة السياسية السائدة وتأسيس ثقافة نقدية حقيقية هو الخطوة الاولى المطلوبة .
إن تجربة العرب مع الحروب الأهلية ، وخبرتهم الطويلة مع الإيديولوجيات (القومية والماركسية كما الأصوليات العلمانية والدينية) ورفضهم للحلول التمامية – الكلية ، قد دفعت بهم إلى وعي الإطار الوطني الخاص لكل بلد وإلى التمسك به بعد أن كانوا أسيري المطالب المافوق وطنية أو المافوق قومية. كما دفعت بهم إلى اكتشاف خصوصية كل تجربة على مدى حوالي قرن كامل من الزمن (اي منذ سقوط الدولة العثمانية). إن الخبرة الطويلة المتولدة عن العيش المشترك الطويل الأمد بين المسلمين والمسيحيين ، وبين السنة والشيعة ، وبين العرب والكورد ، وبين العرب والبربر والأفارقة ، وتجارب الحروب الأهلية والصراعات التي مزقت مجتمعاتنا واغتالت تاريخنا وحاضرنا وتكاد تجهض مستقبلنا ، تؤهلنا اليوم أكثر من أي يوم مضى لإطلاق تفكير إسلامي جديد وأصي، ولإطلاق الصيغة الوطنية على أسس جديدة ، ولرفض استئثار قوى الحرب والتطرف ، وقوى الوصولية والفساد ، وقوى التكفير والهجرة ، في تحديد ورسم دور الإسلام في بناء أوطاننا ودولنا وفي مواجهة تحديات الحداثة والعولمة.
IV- لقد حافظ المسلمون والعرب إلى حد ما على مرجعية أخلاقية معنوية تسمح لهم على الدوام بتجديد هويتهم وتحديد اتجاه حركتهم. مما يؤهلهم اليوم للمبادرة إلى استعادة وحدة الذات ووضع حد للتمزق وللتقصف النفسي الناجم عن تعايش عوالم مختلفة في داخل الإنسان المسلم والعربي ، ادعت الإيديولوجيا حتى الآن توحيدها ، في ما هي فاقمت من تناقضها وتنابذها إلى حدود حرب الأنا مع الآخر وحرب الكل ضد الكل.
V- إن الوحدة العربية الإتحادية (الفدرالية) هي الإطار الأنسب والأعدل لمعالجة كل مخلفات الاستعمار والتجزئة والتخلف ، ولحل قضية التحرر والاستقلال والتنمية والعدالة والديمقراطية في بلادنا.. إن مشروعنا هو للأمل وللحياة وللمستقبل.

مبادئ عامة ناظمة للشأن الوطني
1- إن الهيئة تقوم على قاعدة توكيد التزامها المسلمين والعرب ووحدتهم وكرامتهم والعمل على توحيد الرؤية والتوجه وذلك ضمن الالتزام الأعمق بالشعب وقضاياه الوطنية في كل بلد ومجتمع ، وبين البلاد العربية ككل : مجتمعات ودولاً.
2- إن انتماء الهيئة إلى الوسط الإسلامي لا يعني اختصار الوطن في الوظيفة المذهبية أو الطائفية الخاصة بل يعني تجاوز المهمة الداخلية الخاصة لحمل هموم الوطن والشعب ومعالجة كل القضايا من منظار وطني جامع وعلى قاعدة الإسلام السمح المستنير.
3- إن المطلوب هو صياغة رؤية عربية إسلامية تنطلق من المشروع الوطني الخاص لكل بلد ومن الرؤية العربية الفدرالية الموحدة للعرب ومن القيم الإسلامية والإنسانية الجامعة لكل المواطنين: مسلمين ومسيحيين ، سنة وشيعة ، عرباً وكورداً وبربراً...
4- إن الهدف هو تحقيق الانخراط الواعي والقوي ومن موقع إسلامي في عملية بناء الوطن والدولة وفي عملية إعادة تشكيل الشخصية الثقافية والسياسية للمواطن والمجتمع .
5- إن الهيئة تنطلق من كون الطوائف والجماعات المكونّة للمجتمع ، نوافذ حضارية لا كهوفاً يحتبس فيها اتباعها ، ومن حقيقة أن تنوع المجتمع الأهلي هو ثروة لا يجوز التفريط فيها ، كما لا يجوز الإفراط في صنميتها أو تحويلها إلى "تعدد ثقافي – إثني" هو مصدر فتن وتوترات.
6- إن مسؤوليتنا ليست في الحفاظ على التنوع فهو حقيقة قائمة وثروة وطنية، بل أن المسؤولية هي في الحؤول دون تحول هذا التنوع إلى تعدد صراعي أو إلى أدوات صراع أو إلى انغلاق فوقي استعلائي. إن واجبنا هو حفظ التنوع في المجتمع الأهلي وتطويره كمصدر غنى ومعرفة وتكامل وقوة للجميع، وفي وضعه في سياق بناء العيش الواحد والدولة الواحدة والثقافة الوطنية الواحدة.
7- إن الخروج من كهوف الطائفية والمذهبية والعشائرية والمناطقية والدخول في الدين والوطن معا هو خيارنا التاريخي الذي لا رجعة عنه. وان الدعوة إلى دولة مدنية تحترم الأديان وأهلها. هو المشروع والأفق الذي نعمل عليه.
8- إن الدولة التي نريد ليست ولن تكون لطائفة دون أخرى أو مع فئة ضد أخرى ناهيك عن ان تكون دولة أشخاص. أنها دولة الجميع وللجميع، عدالة وكرامة ومساواة، للجميع، وبين الجميع.
9- إن بناء مجتمع سياسي واحد لمجتمع أهلي شديد التنوع لهو مهمة تاريخية شاقة. إن مشروع الدولة المدنية العادلة المتكاملة ومشروع المجتمع السياسي الوطني الموحد على أساس المواطنة دون توسيط لمذهب أو طائفة أو انتماء مناطقي أو عائلي في علاقة المواطن بالوطن وبالدولة، يتمثل في قيام صيغة متوازنة للعلاقة بين الدولة والمجتمع وبين الدولة والدين. إننا ندعو إلى تطوير صيغة مدنية تحفظ لكل انتماء موقعه ودوره في إطار متوازن وتحت سقف المشروع الوطني الواحد وعلى أساس الإسلام السمح المستنير المتحرك وقاعدة العيش المشترك. ولنا في تجربة صحيفة المدينة خير مثال.
10- إن قراءتنا لتجربة الجماعات المكونة للاجتماع العربي-الاسلامي تكشف لنا أن الوحدة هي استقطابها وأن الدخول في الدين والوطن معاً هو خيارها. إن أي طائفة أو جماعة لا يمكن أن تنجز مشروعاً خاصاً بها.. ولا يمكن أن يوجد وطن ودولة من خلال مشروع خاص بفئة أو طائفة أو حزب أو جماعة مهما كانت قوتها وعددها . إننا ندعو كل الفئات والجماعات إلى توكيد اندماجها في أوطانها وإلى تأكيد أصالة تكوينها لهذه الأوطان وأصالة عروبتها. وهذه الدعوة ليست تبريرية أو دفاعية بقدر ما هي مشاركة إيجابية في بناء المستقبل على ضوء الماضي القريب حيث شارك كل المواطنين ، ومن مختلف المذاهب والطوائف والأقوام ، في بناء بلادهم وإعمارها، وفي تحقيق الوحدة الوطنية والتحرر والاستقلال لأوطانهم .
11- إن الهيئة تعتبر نفسها جزءا من المجتمع الأهلي وتلتزم حمل هموم وتطلعات المحرومين والمستضعفين والكادحين على قاعدة الحق والعدل ، دون غرق في نزعات الغائية أو إقصائية أو في تطرف صبياني أحمق. إن الإطار المنوي تأسيسه ليس نقابة أو هيئة مطالب ، وليس نادياً للمثقفين أو تجمعاً للسياسيين ، ناهيك عن أن يكون مطية لأي فرد للوصول السياسي الرخيص . انه إطار حواري متحرك ومنفتح حريص على استقلاله عن الدولة ومؤسساتها وعن السلطة وأجهزتها، دون أن يعني ذلك بالضرورة تعارضاً أو تناقضاً دائماً معها، ولا تماهياً معها أو تبعية لها.
12- إن الهيئة تهدف إلى تأسيس إطار عمل شعبي ووطني واسع ، للمسلمين الملتزمين مشروع الوطن النهائي والدولة المدنية والوحدة ، المؤمنين بأن الحوار الدائم ، والعيش المشترك في إطار الحرية والديموقراطية والوحدة ، هو خيار تاريخي لا يتم من موقع الضعف أو المناورة ، ولا من موقع الاستقواء أو النفاق ، بل من موقع مبدئي فقهي إسلامي أولاً ووطني سياسي ثانياً.
13- إن إطلالتنا على الشؤون الإسلامية الخاصة ينبغي أن تتم من منظار وطني جامع يرى العام المشترك ولا يغفل الخاص المتفاعل المندمج. وإن إطلالتنا على الشؤون الوطنية من منظار إسلامي أصيل يعيد إلى العروبة وإلى الفكر الإسلامي وجهه الحقيقي وللوطنية الحقة نكهتها المميزة في إطار الانتماء العربي الإسلامي العام.
14- بهذه البساطة وعلى هذه البصيرة تقوم الهيئة الإسلامية وهي مدعوة إلى بلورة أطروحتها ومقصدها كمنهج ورسالة : في الإسلام السمح المستنير كأصالة ومعاصرة ، وفي العروبة الحضارية كمكوّن ثقافي تاريخي ، وإلى تأصيل الأطروحة الوطنية وتوطين الأطروحة الإسلامية ، وتأطير كل ذلك في مراكمة معرفية دؤوبة ومثمرة.
15- وعليه فأنه للقيام بهذه المهام لا بد من إطار للفكر وللمارسة، يغتني بالآراء ويتفاعل مع الواقع، ويندرج في سياق حواري نهضوي حقيقي.


أفكار في الشأن العربي – الإسلامي

1- إن السنوات والتجارب الماضية قد كشفت لنا إن الهول الذي يواجهنا عرباً ومسلمين، سنة وشيعة ، كما مسلمين ومسيحيين ، كبير جداً، ويتناول سلامتنا الجسدية المادية ، ومضموننا الثقافي والقيمي ، ومصالحنا الاقتصادية ، في أخص ما لها من خصائص وفي أشمل ما لها من أطر. كما يتناول دورنا في العالم ، إذا يراد ان نكون مجموعة من البشر تزّود العالم المتقدم إمكانات السوق وتستهلك ما ينتجه على كل الصعد ، وتبقى كماً مهملا لا دور لها ولا ريادة في صنع هذه المرحلة من التاريخ.
2- إننا في العالمين العربي والإسلامي بما نحمل من قيم الإسلام، نريد أن نتواصل مع العالم ونثريه، ونتعاطى معه على قاعدة "وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا".. فليس موقفنا من أية صيغة للنظام العالمي موقف الرفض أو التبني وإنما نريد أن نكون جزءاً من هذا النظام الجديد إذا كان عادلاً ونريد أن نتكامل معه على أساس المساهمة في صيغته لا على أساس التلقي والخضوع.
3- إن الوضع العالمي الجديد يبعث على القلق وهو يثير أسئلة قلقة حارة لا نملك أجوبة لها بعد. وعلينا أن نطرح هذه الأسئلة وأن نقترح ما ينبغي أن يكون وأن نطلق حالة حوار فكري ثقافي سياسي تتواصل مع غيرها من المؤتمرات والمنتديات العربية والإسلامية ومع حركات اليقظة والتجديد والإبداع في اجتراح الأطروحة الإسلامية المعاصرة.
4- إن العالم الثالث عموماً ، والعالم العربي والإسلامي بالتحديد ، يسير نحو أوضاع مثيرة للقلق. ولا تنفع هنا الوصفات الجاهزة من قبيل "الإسلام هو الحل" أو "الدولة الإسلامية هي البديل" ، تماماً كما لم تنجح الوصفات القومية والماركسية والليبرالية السابقة .
5- إن الحريات شرط للمعرفة وبقاء المجتمع الأهلي ، وإن الديموقراطية والشورى شرط لتطور مجتمعاتنا ونهوض أمتنا وتقدم شعوبنا. إن الدولة الحديثة في العالمين العربي والإسلامي لم تنتج نموذجاً للديموقراطية الخاص بها فلجأت إلى أشكال من الديكتاتورية الظاهرية والمقنعة. إن علينا تقديم أجوبة على التحديات التي تثيرها إشكالية بناء الدولة المدنية في عالمنا العربي والإسلامي ، وإشكاليات العلاقة بين الدولة والمجتمع ، وبين الأمة والوطن.
6- إن من همومنا أيضا أن نبحث مع غيرنا عن الشروط الضرورية لمصالحة الأمة مع ذاتها، وعن الشروط الضرورية لبناء الدولة الجامعة المتواصلة مع مجتمعها، المتكاملة معه والمعبرة عنه، الدولة المتوازنة غير المستبدة أو المتسلطة، ولا الغائبة أو المغيبة. إن إجتراح صيغ تنظيمية جديدة لفكر سياسي جديد، هو الطريق لنهضة حقيقية وتاريخية.
7- إننا ندعو إلى المهادنة والمصالحة الداخلية ووقف الاحتراب والنزيف في مجتمعاتنا العربية وذلك على قاعدة الحوار الإسلامي المسيحي ،والحوار الإسلامي العلماني ، والحوار بين الأنظمة والقوى السياسية والجماهير الشعبية . إن هذه الدعوة قد تكون مثيرة للجدل الكبير والكثير ذلك أنها تصدم نمطاً وسياقاً في العمل السياسي والديني وفي الفكر والمناهج ، حكمت أمتنا ومجتمعاتنا وحركاتنا السياسية ، وكانت برأينا المسؤولة عما نحن عليه اليوم من تخلف وهزيمة ومن انتظار وتوقع لأكبر المخاطر في المستقبل. ولقد آن الأوان لإطلاق طاقات الحوار السياسي وقبول الآخر، والسلم الأهلي، والنهضة والإنماء الإنساني الشامل ، ولقبول التعددية الحزبية والسياسية ، وتداول السلطة بالوسائل السلمية وعبر صناديق الاقتراع ، ولتوطين الديموقراطية في حياة مجتمعاتنا وصون الحريات واحترام الحقوق والواجبات.
8- إن دخولنا عالم الغد باعتبارنا شركاء ومسؤولين لا عملاء وتابعين مرهون بتنظيم شروط ذلك أي أن نغير ما بنا ليمكننا الله من تغيير وضعنا وما حولنا. إن الشرط الداخلي للنهضة هو نحن: وحدتنا الداخلية وسلامنا الأهلي وديموقراطيتنا وحرياتنا. وإن الشرط الخارجي للنهضة هو التوازن والعدالة في السياسة الدولية. غير إن عدم تأمين الشرط الخارجي لا ينبغي أن يؤدي بنا إلى التضحية بالشرط الداخلي.
9- إن طموحنا هو المساهمة في أطروحة انخراط الأمة من خلال قياداتها كلها في مجال الفكر والمعرفة والسياسة والتنظيم لمواجهة التحديات، وإلى دمج القوى الكامنة في أمتنا عبر المصالحة والحوار الحي المفتوح بين مجموعاتنا دولاً وموارد وقوى سياسية وفئات ثقافية واجتماعية.
10- إن السياقين الكبيرين في صنع الحاضر والمستقبل منفصلان. فالقرار السياسي يعمل في سياق ومؤسسات الفكر والبحث تعمل في سياق آخر. صحيح أنه توجد مادة معرفية ولكنها لا تدخل في الآلية التي تحولها إلى طاقة. فآلياتنا تعمل من دون طاقة لأن طاقاتنا مبددة أو مخزونة أو مستغلة للآخرين. لن تستطيع الهيئة بالطبع حل هذه الإشكالات ولكن يكفي طرحها بوضوح وجرأة والحوار حولها وتعميم ذلك لتكوين حالة من المعرفة ومن التضامن تسمح بخطوات لاحقة.
11- إن المطلوب طرح الأسئلة بطريقة جديدة تستعيد وتستدعي وتحمل هموم مفكري النهضة الإسلامية جميعاً (السيد جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده والسيد عبد الرحمن الكواكبي والشيخ حسين النائيني والشيخ محمد رضا المظفر والسيد محمد تقي الحكيم والشيخ مرتضى مطهري والإمام روح الله الخميني، والأستاذ علال الفاسي والأمير شكيب أرسلان والأستاذ كمال جنبلاط والدكتور مالك بن نبي والدكتور الطاهر الحداد والشيخ محمد الفاضل بن عاشور والدكتور علي شريعتي والسيد موسى الصدر والشيخ محمد مهدي شمس الدين، والشيخ محمد الغزالي والشيخ راشد الغنوشي والشيخ حسن الترابي والدكتور طه جابر العلواني والدكتور طارق البشري والدكتور عبد الوهاب المسيري والدكتور محمد سليم العوا والدكتور عادل عبد المهدي ) وإعادة طرحها آخذين في الاعتبار ما استجد من معرفة ومن تجارب وتحولات واحتمالات مستقبلية وشؤون حياتية وعلاقات بين الأمم والشعوب ، تمهيداً للانشغال في الإجابة المفتوحة القابلة للاغتناء بكل ما يطرأ ويستجد بالعلاقة مع وقائع التاريخ ومعايشة الحاضر واستشراف المستقبل.
12- إن على الهيئة أن تطل عبر هذه الإشكاليات والتحديات على رحابة الفكر الإسلامي وقدرته على الإغناء والتجديد والتطوير والإنماء. وأن تطل على ضرورة تكوين مناخ نفسي وجداني عقلي يعزز ويدعم الشخصية الحضارية السوية للفرد وللمجتمع.

13- إن ثقافة الحرب والاحتراب ، والفتنة والجهل ، والتكفير والهجرة ، قد أكلت وتأكل عقول الناس ، وأفسدت وتفسد قلوب وأذواق الناشئة. وهي أفقدت مجتمعاتنا روحها السمحة وفرحها القرآني ، وسويتها المطمئنة . وإن من أولى واجباتنا إطلاق طاقات الخير والبركة والحب والتضامن ، وإعادة ترميم ذاكرة العيش المشترك وثقافة الوحدة ، أي إعادة بناء الشخصية الحضارية السوية للفرد وللمجتمع.
14- إن إعادة البناء هذه هي عملية ثقافية ضرورية تشمل اللغة السياسية اليومية والأفكار المسبقة الرائجة ، والمسلمات الخاطئة ، والسلوكيات الشاذة المقيمة بين ظهرانينا، والأخلاق المستوردة والمشوهة ، والانبهار السطحي بالخارج ، والامتلاء المغرور الفارغ ، وفقدان الشخصية الواثقة الناضجة الحكمية المطمئنة. إن إعادة البناء والتأهيل هذه تمر عبر تأصيل القيم والمبادئ الدينية المشتركة والأخلاق الإنسانية العالمية.
15- إن فهم الواقع واستشراف آفاق المستقبل وبالتالي رسم خطة لانتقال صحي سليم باتجاه المرتجى لا يمكن أن تتم إلا من خلال الحوار كمنهج وليس فقط كشعار. غن الحوار الساعي إلى تطوير المساحات المشتركة وتعزيز التضامن حولها ، بعيداً عن نزعات الاجتزاء أو المصادرة ، هو منهجنا.

خاتمـة
إن الهيئة الإسلامية إذ تقدم هذه الورقة الأولية للحوار، تتمنى أن تكون المبادئ الواردة فيها منطلقات لحوار حقيقي مفتوح على التطوير وعلى الاكتمال من خلال القراءات والتجارب المتعددة ومن خلال اختبار الأفكار في الواقع ، بما يؤمن للإطار صدقية حقيقية لا مدعاة ، فلا محل بيننا للكلام بالنيابة عن الآخرين ، ولا لمصادرة عقول وأفكار الناس ، ولا وجود لفئة أو جهة يمكنها اختصار الجميع أو الاستغناء عنهم. ولا محل للنظريات الجاهزة المسقطة من الخارج أو للرغبات الفئوية المتشكلة في صيغ جامدة. إننا ندعوكم إلى اكتشاف وبلورة مفاصل أساسية يمكن أن ينعقد عليها جهد وطني عربي إسلامي تاريخي يضع السكة على أرض حقيقية وفي وجهة صحيحة.

د. سعود المولى
رئيس المجلس الإسلامي للحوار والعدالة والديمقراطية
بيروت- لبنان