الصفحات

الاثنين، 23 أغسطس 2010

عناصر من أجل تجديد الوعي الإسلامي المغربي

في حرية الاعتقاد
مساهمة في النقاش من وراء القضبان
بقلم: المصطفى المعتصم- السجن المحلي بسلا-المغرب
31-07-2010
قضية الحرية عموما والحرية الشخصية خصوصا وقضية حرية الاعتقاد والتدين بالتحديد من القضايا التي شغلت الفكر الإنساني منذ القدم...تناولها الفلاسفة وعلماء الكلام والمناطقة والمفكرون وغيرهم..
هذه القضية لا تزال تثير النقاش اليوم حتى في العالم الذي يسمي نفسه بالحرأو الليبرالي...عاد الحديث عن موضوع الحرية الشخصية:تعريفها وحدودها في الولايات المتحدة الأمريكية بعد اعتداءات 11شتنبر 2001..ويثار اليوم في فرنسا واسبانيا وبلجيكا نقاش وجدال بل مراء حول هذه القضية وسببه ارتداء بعض الفتيات المسلمات للحجاب في المدارس،وأنا هنا لاأتحدث عن الضجة التي يثيرها البرقع أو النقاب حاليا.
نحن أيضا في المغرب في بدايات التأسيس لنقاش حقيقي حول العديد من القضايا ومن بينها أو في مقدمتها قضية الحريات الشخصية بعنوانها البارز حرية التدين والتمذهب وحرية ممارسة الشعائر التعبدية.
إن النقاش حول مفردات المشروع الحداثي الديمقراطي (الحداثة بمفهومها الابداعي وليس التقليد)نقاش مطلوب وواجب،إن نحن أردنا تجنب المآزق التي سقطت فيها بعض النخب الحاكمة في محاولتها محاكاة حداثة الأنواروفرضها على شعوبها فكانت الكوارث والمشاكل التي عصفت بدولها جراء الرفض الكبيرمن الجماهير الواسعة وبعض القوى المحافظة أو المتحفظة على الكثيرمن تفاصيل الحداثة خصوصا في علاقتها بالدين والأسرة (الحديث دائما عن حداثة الأنوار).
حدث هذا الرفض الكبيرفي بلاد كانط -ألمانيا-وحدث في روسيا القيصرية وحدث في اليابان وحدث في إيران الشاه وحدث في أندونيسيا سوكارنو وفي تركيا اتاتورك.
إننا اليوم في المغرب قد أصبحنا - مجتمعا ونخبا- تتقاسمنا وتتجاذبنا المرجعيات المتباينة،والمهم ونحن نسعى إلى تحديد مفردات ومضامين مشروعنا المجتمعي-مشروع الأمة المغربية-أن نسعى إلى إيجاد الآلية الناجعة لتدبير الخلاف والاختلاف خصوصا في القضايا الكبرى..والأكيد ان مشروعنا المجتمعي لن يكون إلا توافقيا ومبنيا على الاتفاق وهو أمر لن يكون سهلا وهينا وبدون آلام ومخاض عسير.
بداية لا بد من إزالة عائق خطير يهدد العلاقة بين أصحاب المرجعيات المختلفة ببلادنا..عائق الخوف والتوجس من الآخر المختلف والشك في نواياه والريبة مما يسعى إليه مستقبلا.
لابد أن يلتقي أصحاب المرجعيات المختلفة ليتعارفوا ويلقوا السمع ويجيدوا الانصات لبعضهم البعض بعيدا عن الأحكام الجاهزة والتمثلات المبنية على الشائعات.
والأكيد أن مسالة الحرية وحرية الاعتقاد والتدين واحدة من القضايا التي ستثير الكثير من الخلافات حولها ولكن لا أتصور أننا باستطاعتنا الالتفاف أو الهروب من طرح هذه المشاكل بداية في إطار نخبوي ثم بعد ذلك في إطارعام.
في العدد 198 من جريد "أخباراليوم" وجه مؤسس مجموعة:"واكل رمضان..صايم رمضان..كلنا مغاربة"دعوة للحوار يقول فيها:"إن هذه المجموعة تسعى إلى خلق نقاش هادئ قبل رمضان،وكذا من أجل التواصل حول موضوع إفطاررمضان وحرية الأفراد في ممارسة العقيدة...".
نعم الوطن للجميع..وكلنا مغاربة مسلمين وغير مسلمين مؤمنين وملاحدة ولا يجوز المس بمواطنة أي كان بسبب أفكاره أو مرجعيته..وأظيف أن الدين أيضا للجميع والله للجميع فمن شاء أن يؤمن فليؤمن ومن شاء أن يكفر فليكفر وليس لأحد أن يحتكر الدين أو يتكلم باسمه،كما أن الملك للجميع وليس لأحد أن يحتكر العلاقة به،والسياسة والسلطة والثروة دولة ومتداولين بين الجميع وليس لأحد أن يحتكرهم.
إنني إذ أثمن دعوة السيد نجيب شوقي إلى حوار هادئ حول مسألة حرية التدين والعقيدة أتساءل هل اللجوء إلى محاولة الافطارالجماعي العلني أو التهديد بإعادة المحاولة من مستلزمات الحوار الهادئ؟
لاأعتقد بل أكاد أجزم أن السيد نجيب شوقي ومن معه قد جانبوا الصواب وأخطؤوا الوسيلة..وقد تكون خلفيتهم الثقافية والفكرية واستحضارهم للتجارب التي تغيت إحداث صدمة لدى الرأي العام في المجتمعات الأخرى من وراء اختيارالافطارفي رمضان كوسيلة لاثارة الانتباه إلى مسألة حرية العقيدة.
والحق يقال أنهم صدموا الرأي العام ولكن رد الفعل الانعكاسي feed back لم يكن إيجابيا بل جاء عكس المنتظر.
صحيح أثير نقاش لكن كان لغطا شعبويا وتأليبا للرأي العام وتاجيجا لمشاعر العامة.
وأؤكد للسيد نجيب شوقي ومن معه أن موضوع الحريات العامة وحرية الاعتقاد والتدين لايمكن أن يتحول إلى موضوع نقاش عمومي إلا بعد أن يستوفي البحث والنظر بين النخب المنتمية إلى المرجعيات المختلفة ويكون قد قطع أشواطا في أفق الاتفاق والتوافق بين هذه المكونات النخبوية المؤثرة في المجتمع.لقد جرنا النقاش العمومي في قضية إدماج المرأة في التنمية ،وهي قضية لا تقل أهمية وتناولها لا يقل خطورة عن قضية الحريات الشخصية، وكاد هذا النقاش العمومي الشعبوي أن يؤدي بالمغرب إلى المهالك ويرديه في صراعات نحن في غنى عنها،ويقسم مجتمعه إلى متدينين في مواجهة علمانيين..والحال أن المسار الصحيح كان هو تشكيل لجنة وطنية بمباركة ملكية،لجنة متخصصة روعي فيها تمثيلية الجميع فوصلنا إلى الاتفاق والتوافق على مدونة الأسرة الجديدة.
إن للمغاربة احترام خاص وينظرون إلى شعيرة الصيام بقدسية خاصة، والافطار عنوة وبشكل جماعي لن يعتبروه إلا استفزازا لمشاعرهم الدينية واعتداء على مقدساتهم.
إن السيد شوقي نجيب ومن معه أرادوا طرح قضية مشروعة (حرية الاعتقاد)لكنهم أخطؤوا الوسيلة(إفطاررمضان) في المقابل نجح بعض أعداء الديمقراطية وحقوق الانسان والمحافظين الذين يخشون من الحرية والأجواء التي تنجم عنها في تحوير النقاش.
هذا من جهة ،ومن جهة اخرى،ومساهمة مني في النقاش الهادئ الذي دعت إليه مجموعة "صايم رمضان..واكل رمضان..كلنا مغاربة.."فاقول وبالله التوفيق: أنني أعلن بداية أني اتكلم من داخل الدائرة والمرجعية الاسلامية ولكن أؤكد أني لاأمثل الدين ولا أتكلم باسمه.رأيي نسبي قد يصيب وأكيد قد يخطئ.
بالعودة إلى مسألة حرية الاعتقاد والتدين أرى أنها مكفولة بالنص القرآني الصريح..بل بالعديد من النصوص القرآنية.يقول الله –سبحانه وتعالى- في سورة البقرة ومباشرة بعد آية الكرسي:"..لاإكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي.."ويقول سبحانه أيضا:"أنلزمكموها وأنتم لها كارهون""وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد".
وبعد الايمان يكون المسلم ملزما باداء الشعائر الاسلامية والائتمار باوامرالدين والانتهاء بنواهيه واجتناب محرماته.
واختيارالاسلام يكون عن وعي ورشد إذ إن من شروطه البلوغ والعقل أي لامعنى للاسلام بالوراثةعن أبوين مسلمين بل إن الاسلام ناهض منطق التقليد في اختيارالدين وذمه واستهجن منطق أولئك الذين يلجؤون إلى منطق "بل نعبد ما وجدنا عليه آباأنا".
نعم الانتماء لهذا الدين لا يتأتى بالتمثلات والتقاليد والأعراف والعادات والتصورات الموروثة،بل من خلال الاطلاع والتمحيص والاقتناع بقيم وتعاليم الدين الاسلامي ومبادئه ومقاصده.
ولقد تبنى بعض العلماء قديما وكثيرمنهم حديثا المذهب الذي يقول أنه إذا كان لاإكراه في الايمان بالدين فلا إكراه على الابقاء على الايمان بالدين أي أن للمرء كل الحق في أن يتراجع عن الايمان بالاسلام ويرتد عن هذا الدين وأمره موكول إلى الله –سبحانه وتعالى- إن شاء عجل له بالعذاب والجزاء وإن شاء اجله ليوم الحساب.
لقد اخبرالوحي الرسول - صلى الله عليه وسلم-عن أناس كانوا يظهرون الايمان وهم يستبطنون الكفر:" وإذا لقوا اللذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤون،الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون".
نعم هناك من يعارض هذا المذهب ويحتج بالحديث الشريف "من بدل دينه فاقتلوه".وهو حديث غريب في متنه إذ لايقبل عقلا ولا منطقا أن يأمر الرسول –صلى الله عليه وسلم- بقتل من بدل دينه من اليهودية أو النصرانية نحو الاسلام..ومع ذلك اقول أن هذا الحديث يتممه ويفسره حديث آخر يعدد ثلاث حالات يحل فيها دم المسلم ومن بينها"...المبدل لدينه المفارق للجماعة"،أي أن الاسلام أجاز مقاتلة ومحاربة المرتد حينما يفارق الصف المسلم ويلجأ للصف المعادي ويصبح مقاتلا فيه محاربا بسلاحه.
بعض العلماء الذين يرون بضرورة معاقبة المرتد يجيبون إذا واجهتهم بالآية الكريمة "لاإكراه في الدين"بأن هذا الأمر يكون من حق المرئ قبل أن يسلم..لكنه إن أعلن إسلامه فلا حق له في الردة تحت طائلة الحد،حتى لا يصبح الدين لعبة في نظرهم مما سيمس من هيبته.والعجيب أن القرآن الكريم قد تناول هذه النازلة بالضبط في سورة النساء الآية 136،يقول عز وجل:"إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا".
إن هيبة الدين لاتكون بالاكراه أو بإرغام الناس أن يكونوا منافقين يكتمون كفرهم بالدين في العلن ويمارسونه سرا..ولن يضير الاسلام ولا المجتمع الاسلامي من اختار أن يدين بغير دين الاسلام.إن الاسلام لا يخشى من يكفر به،فحتى في أشد حالات الحصار والتشويه الممنهج الذي يتعرض له ديننا السمح في أوروبا وأمريكا اليوم،نجده الدين الأكثر انتشارا في هذه البلاد ليس فقط بين النساء والمثقفين،بل حتى بين رواد السجون.
أنا شخصيا لاأخاف على الاسلام من المعارضين والمخالفين أو من الذين لايعرفونه معرفة صحيحة نظرا لظروف ارتبطت بنشأتهم وبيأتهم الاجتماعية أو بتعليمهم.فأنا مؤمن بأن الاسلام يعلو ولايعلى عليه، ولكن خوفي من غياب الحرية ومن الاستبداد وقمع أنفاس الدعاة والمصلحين.ألم يكن الرسول- صلى الله عليه وسلم- يطلب من أعداء الاسلام طلبا واحدا:"خلوا بيني وبين الناس".خوفي أيضا من تحجر علمائه ودعاته ومفكريه ووعاضه وخطباء المساجد واعتمادهم التقليد وسدهم باب الاجتهاد و عدم استيعابهم لمقاصد هذا الدين وتعاليمه السمحة.الخوف من الشموليين الذين يعتقدون- مخطئين- أنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة ويحتكرون العلاقة بالله سبحانه وتعالى.الخوف من أولئك الذين يشدوننا بقوة إلى الماضي ويأسروننا فيه،ولا يرون المستقبل إلا من خلال ذلك الماضي.أنا لست من دعاة القطيعة مع الماضي ولكن دعوتي تتلخص في التعامل النقدي الايجابي والعقلاني مع هذا الماضي، نثمن الايجابي فيه ونتجاوز سلبياته ومعيقاته.خوفي ممن يحرصون على التقليد ويرفضون التجديد والاجتهاد.
ليس لنا أن نخاف من المخالفين والمعارضين لديننا من المواطنين المغاربة الذين لا يشاطروننا الاقتناع والايمان بهذا الدين ولا يحق لنا أن نتهددهم أو نتوعدهم فالفكرة تواجه بالفكرة والرأي بالرأي المضاد.
أجدادنا هم من أبدع في المناظرات الفكرية والفلسفية التي طرح فيها أتباع الديانات والمذاهب الأخرى تحديات لاهوتية ومن طينة علم الكلام.أعملوا الفكر وتوسلوا بالعقل والمنطق وقدموا للعالم مقدمات حقوق الانسان عبر نظرية المقاصد التي يعد الامام الشاطبي إمام الغرب الاسلامي والأندلس أحد روادها.
ولا اظن أن أهل الاسلام من علماء ومفكرين ودعاة ستعوزهم قوة المنطق والدليل العقلي المستمد من المنهج الاسلامي في التصدي للاشكاليات والتحديات التي يطرحها علم الكلام الجديد ومفرداته:قضية المرأة – قضية حقوق الانسان – قضية حريات التدين – قضية حقوق الأقليات – قضية المواطنة – قضية الديمقراطية – قضية الأعراف والمواثيق والاتفاقيات الدولية الخ....
ما أبدع وأجمل تلك الخلاصة التي خلص إليها الدكتور والمفكر محمد خاتمي في كتابه "بيم موج" (بين الأمواج) عندما يقول أن الاسلام اليوم بين موجتين عاتيتين موجة التقليد والجمود وموجة التغريب والالحاق..إن أطبقت علينا إحداهما أو كلاهما هلكنا.
وبالتأكيد لن نفلح إن نحن رهنا مستقبلنا بهؤلاء الغلاة المتطرفين.
عود على بدء لأقول أني من داخل الدائرة الاسلامية أومن أن الانسان حر في اختيار الدين الذي يريد وحر في التراجع عن هذا الدين وقت ما شاء وأمره موكول إلى الله.وليس على الذي لايدين بدين الاسلام أن يؤدي شعائره أو يعاقب على تركها.
بقي أن أشير إلى أن في البلاد قوانين يجب احترامها ولو في حالة عدم الاقتناع بها..واحترام القانون لايعني السكوت والاطمئنان إلى استمرارية ما نعارضه فيه..بل نسعى إلى تغييره بالوسائل النضالية المناسبة والمشروعة.
هناك اليوم دستور يحتكم إليه كل المغاربة وهذا لايعني أن هناك إجماع على كل مواده التي يطالب البعض بإصلاحها..وحتى تتم الاستجابة لمطلب إصلاح الدستور إنه يبقى ساري المفعول في كل بنوده ومواده.
بالحوار الهادئ وبالقنوات المناسبة للحوار وبالكفاءات المناسبة والقادرة على قيادة هذا الحوار يمكن أن نحقق الكثير من الانجازات في أفق صياغة مشروعنا الوطني وفي أفق صياغة مواطنة مستوعبة للجميع وبالحوار نجعل حدا لمعضلة أساسية تعيق تطورنا..معضلة الاحتكار.احتكار الدين والوطنية والملك والسياسة والثروة والسلطة..