الصفحات

الاثنين، 25 أكتوبر 2010

مبادرة بيروت: من أجل "شرعة وطنية لحقوق اللبنانيين الأساسية"

ينتاب اللبنانيين اليوم خوف كبير على السلم الأهلي والميثاق الوطني جراء عودة فريق منهم الى التهديد بالاحتكام الى السلاح، واضعاً البلاد أمام معادلة ظالمة ومستحيلة: التنكر للحقيقة والعدالة والقانون الدولي... وإلا فالحرب الأهلية!
هذه في ظل عجز السلطة عن القيام بواجباتها في حماية المجتمع، وفشل "هيئة الحوار الوطني" – نتيجة الانقسام السياسي الحاد – في اقناع بعض الأطراف الأساسيين بالعودة الى كنف الدولة في ما يخص الأمن الوطني والاستقرار العام، وذلك رغم التعهدات الموثقة من طاولة الحوار وصولاً الى بيان الحكومة الحالية. وما يضاعف خطورة هذه الأزمة الداخلية ارتباطها الوثيق بأزمة السلام في المنطقة حيث يصر بعض القوى الاقليمية على استرهان لبنان لمآربه الخاصة واستخدامه ورقة وساحة.
إزاء هذا الوضع، تداعى عدد من العاملين في الشأن العام وتباحثوا في سبل مواجهة الأزمة ، رافضين فكرة الاستسلام للأمر الواقع وانتظار ما سيكون للتكيف مع نتائجه. وقد رأى المجتمعون أن مواجهة الأخطار المحدقة بلبنان- في ظلّ الإستعصاءات التي أدت وما تزال إلى تراجع مشروع الدولة - تقتضي عملاً عاجلاً لاطلاق "تعبئة مدنية" واسعة من شأنها أن تشكّل شبكة أمان مجتمعية لحماية اللبنانيين من تكرار التجارب المأساوية التي عاشوها على مدى أكثر من ثلاثة عقود، واستعادة حقهم بحياة آمنة وكريمة.
وفي هذا السبيل قرّر المجتمعون إطلاق "مبادرة بيروت"، إطاراً مفتوحاً للتواصل والحوار وتنسيق الجهود في الوطن والمهجر، يتخطّى الحواجز الفئوية على اختلاف مسمّياتها، وذلك بغية التوصل الى اتفاق حول "شرعة وطنية لحقوق اللبنانيين الأساسية"، وهي حقوق يجري استباحتها منذ عقود بحجج طائفية وعقائدية مختلفة. وتشكل هذه الشرعة منطلقاً لتوحيد طاقات المجتمع واستعادة فاعليته في هذا الظرف الخطير الذي يجتازه لبنان.
وسوف يتولى الموقعون على هذه المبادرة القيام بالاتصالات مع كل المعنيين والتحضير للقاء موسع يناقش ويقّر "الشرعة " ويضع خطة للتحرك من أجل تشكيل كتلة ضغط مجتمعية تستطيع – بالوسائل الشرعية - أن تفرض على الدولة التزام هذه الحقوق الأساسية التي من دونها لا مستقبل للبنانيين في وطنهم.
تتضمن "الشرعة الوطنية لحقوق اللبنانيين الأساسية" المقترحة البنود التالية:
أولاً حقُّ اللبنانيين في وطنٍ لا يكون ساحةً دائمة للحرب من أجل مصالح خارجية أو حزبية، وطنٍ تحتكر فيه الدولةُ القوةَ المسلحة، من دون شريك، وحيث سيادتُها مبسوطةٌ على جميع أراضيها والمقيمين، لا تحدُّها إعتبارات طائفية أو عشائرية. ذلك أن الدولة هي وحدها المخوَّلة عبر مؤسساتها الدستورية إتخاذ قرارات مُلزمة لجميع المواطنين.
ثانياً حقُّهم بالإنصاف، في إطار المواجهة العربية مع إسرائيل. فلا يُرغمون على تحمّل أعباء الصراع المسلح وحدهم، كما حدث في العقود الأربعة الماضية، حيث عقدت مصر والأردن معاهدتي سلامٍ مع اسرائيل، فيما حافظت سوريا على حدودٍ هادئة في الجولان منذ عام 1973، وهي تفاوض منذ سنوات من أجل معاهدةٍ مشابهة.
ثالثاً حقهم في أن يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته في الدفاع عن لبنان تطبيقاً للقرارات التي اتخذها، وفي أن يضع حداً لسياسة الكيل بمكيالين التي اعتمدها إزاء الصراع العربي الاسرائيلي على مدى عقود والتي غذّت حروباً متواصلة أدمت لبنان والمنطقة كما تسببت بتأزيم العلاقات بين المسلمين والغرب، الأمر الذي بدأ ينعكس سلباً داخل المجتمعات الغربية نفسها.
رابعاً حقُّهم بالعيش في بلدٍ لا يُختزل المواطنُ فيه بالبُعد الطائفي، مستوعَباً في جماعة تُعيِّنُ خياراتِها ومصالحَها أحزابٌ سياسية تدّعي احتكار تمثيلها من دون استشارته، وحقهم في أن يؤسسوا عيشهم المشترك على شروط الدولة التي ينتمون اليها لا على شروط طائفة بعينها.
خامساً حقٌّهم في العيش معاً بسلام، مستخلصين دروس الحرب، وداعمين عمل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، لئلا يتأسس سلمهم الأهلي على التنكُّر للحقيقة والعدالة. فالعدالة هي ضمانة السلم الدائم، والتنكُّر لها يضرب نظام القيم الذي يقوم عليه مجتمعنا ويؤسس لحروب جديدة.
سادساً حقًّهم بالعيش تحت جناح دولة الحق، حيث يتساوى المواطنون في الخضوع لسلطة القانون وليس لسلطة الحكام؛ وحيث العدالة تشمل كل فئات المجتمع بما في ذلك اصحاب السلطة؛ وحيث لا يُمكِّن أهل السياسة من توظيف الموارد العامة في معاركهم السياسية؛ وحيث لا تشكّل الإدارة العامة مرتعاً للزبائنية والمحسوبية، وحيث مشاركة المواطن في الحياة العامة مكفولةٌ بقانون انتخاب حديث، ولا مركزية إدارية...
سابعاً حقُّهم بالعيش في مجتمع حديث ومنفتح، يحترم نفسه، حيث مردود النمو الاقتصادي لا يتعارض والعدالة الاجتماعية، وحيث يستطيع الفرد أن يختار نظاماً مدنياً لأحواله الشخصية، وحيث لا تتعرض المرأة لأي شكل من أشكال التمييز، وحيث احترام الشخص الإنساني هو ذاته للميسورين كما للمعوزين، للعمال اللبنانيين كما للأجانب، وحيث تُصان حقوق الأطفال والعجزة والمعوَّقين، وحيث يَفرض القانون احترام الطبيعة ويمنع الإعتداء على البيئة ويحمي التراث الوطني مثلما يحمي صحَّة المستهلك.
ثامناً حقُّهم بالعيش في ظل دولة تحترم نظام قيمهم، وفي مجتمع لا يُستخدَم فيه الدين لتحقيق مآرب سياسية حزبية، ولرسم هويات مغلقة تبرّر استخدام العنف باسم "المقدَّس" – وهو عنفٌ لا يلبث أن يحوّلها إلى "هويات قاتلة"؛ مجتمع يدين الفساد، من دون تمييز بين فاسدٍ وآخر؛ مجتمع يؤمن بقيمة الحوار واحترام الرأي الآخر؛ مجتمع يسود فيه التضامن والشعور بالمسؤولية العامة، على حساب الأنانيات المفرطة، فرديّة أو فئوية؛ مجتمع يُدرك أنه مؤتمن على وطنٍ هو ملكٌ للأجيال الآتية.
تاسعاً حقُّهم في توحيد إنجازي الإستقلال والتحرير، بدلاً من وضعهما، كما هي الحالُ اليوم، في مواجهة بعضهما بعضاً. وهو ذاته حقُّهم في إجراء مصالحة طبيعية وضرورية بين من يعطون الأولوية المطلقة للحرية ولو على حساب العدالة وبين من يعطونها للعدالة ولو على حساب الاستقلال. إن هذا الأمر لا يتِمّ على قاعدة المبادلة بين فريقين، بل في إطار الدولة وبشروطها ، بوصفها (أي الدولة) التعبير الأرقى عن وحدة المجتمع.
عاشراً حقُّهم بأن تكون العلاقة مع سوريا علاقةً طبيعية بين دولتين سيّدتين، من دون أن تتدخّل إحداهما في الشؤون الداخلية للدولة الأخرى، مع احترامٍ كامل لعمل المؤسسات الدستورية في البلدين، وهو ما يمثّل شرطاً ضرورياً للأرتقاء بالعلاقة إلى مستوى التفكير المشترك في مشرقٍ عربي محرّر من عبوديات القرن الماضي وصراعاته التناحرية، ومن عنفٍ يسكن حاضره ويصادر مستقبله، مشرقٍ قادر على إستعادة دوره الريادي الذي لعبه أبّان عصر النهضة، ليشكل قطب تجدّد لمجمل العالم العربي.
حادي عشر حقُّهم بطيّ صفحة الماضي الأليم مع إخوتهم اللاجئين الفلسطينيين في لبنان من خلال مراجعة مسؤولة للتجربة المشتركة، وعلى قاعدة حقّ الدولة اللبنانية بممارسة سيادتها على المخيمات والتجمعات الفلسطينية، وواجبها في توفير الحقوق الإنسانية والإجتماعية للاجئين، من دون أي نوع من المقايضة أو الموازنة بين حق سيادي وحق إنساني.
ثاني عشر ثاني عشر حقُّهم – استناداً إلى كونهم "خبراء بالعيش المشترك" – بأن يساهموا في صَوغ رؤية جديدة إلى العروبة، مُبَرَّأة من أي محتوى يرمي إلى توظيفها في خدمة دين أو دولة أو حزب، عروبةٍ معاصرة تتّسع لمفاهيم التنوّع والتجدُّد والإنفتاح على الثقافات الأخرى، وتحتضن قيم الديمقراطية والإعتدال والتسامح والحوار وحقوق الانسان، عروبةٍ تعطي الأولوية لحل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً ولمشروع السلام في المنطقة على قاعدة أن لا بديل من السلام الّا السلام.
ثالث عشر حقُّهم، مسلمين ومسيحيين، وانطلاقاً من تجربتهم الانسانية المشتركة، بالمساهمة في تعزيز خط الإعتدال الإسلامي مقابل أصوليات عُنفيّة تقود العالم العربي اليوم إلى حروب أهلية. وهو حقُّهم، مسلمين ومسيحيين، بالمشاركة في النقاش الجاري حول مسببات الهجرة الآيلة الى ضمور الحضور المسيحي في الشرق واستعادة دور المسيحيين الأصيل في بناء عالم عربي جديد.
رابع عشر أخيراً حقّ اللبنانيين في أن يعتزّوا بتجربتهم الغنية في ممارسة الحرية والديموقراطية والعيش المشترك، وأن لا يخضعوا لابتزاز الديماغوجيات العالية النبرة التي تحطُّ من شأن تلك التجربة بدعوى الأزمات المتلاحقة التي رافقتها. فتجربتهم تلك، بما لها وما عليها، هي التي جعلت من لبنان محطّ أنظار التوّاقين في العالم العربي إلى عيش الحرية والتنوع والإنفتاح، كما شكّلت إسهاماً حقيقياً في تحديث مفهوم العروبة، وقدّمت نموذجاً نقيضاً لكلّ الأصوليات في المنطقة، بما فيها وعلى رأسها الأصولية الصهيونية العنصرية.

الشيعة والسنة ما بين النجف والأزهر

(تعقيباً على المبادرة الرائعة للصديق جهاد الزين في حواره مع المرجع الأعلى للشيعة الإمام علي السيستاني ومع شيخ الأزهر الإمام الدكتور أحمد الطيّب).

سعود المولى-النهار-السبت23 تشرين الأول 2010
خلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين، كنا نزور القاهرة برفقة الإمام الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين ، مرة على الأقل سنوياً لحضور المؤتمر العالمي للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية (وهو ينعقد سنوياً قبيل عيد المولد النبوي الشريف ويختتم أعماله باحتفالية كبرى يشارك فيها الرئيس بكلمة عادة ما تكون شاملة ووافية حول موقف مصر في العالم الإسلامي)... وكنا نزور القاهرة مرات ومرات للقاءات ممتعة ومفيدة مع أهل الرأي والعلم والفكر ممن صاروا حلقة أصدقاء وحورايي الشيخ الراحل.. أذكر منهم المرحوم الشيخ محمد الغزالي، والشيخ يوسف القرضاوي، ود. محمد سليم العوا، والمرحومين د.عادل حسين ود.عبد الوهاب المسيري، والسادة الدكاترة طارق البشري وأحمد كمال أبو المجد ومحمد عمارة ومصطفى الشكعة وفريد عبد الخالق وإبراهيم المعلم ونبيل عبد الفتاح وأبو العلا ماضي وهبة رؤوف عزت، وكل شباب وشابات حزب الوسط (قيد التأسيس).وصار هذا اللقاء تقليداً ثابتاً ينعقد في منزل الدكتور العوا كلما زرنا القاهرة، إلى جانب لقاءات أخرى مع البابا شنودة ومثقفي الأقباط الكبار مثل المرحوم د. وليم سليمان قلادة، والأنبا موسى، والدكاترة الأعزاء سمير مرقس ونبيل مرقس وسمير غطاس ومنير عياد وحنا جريس وجورج إسحق وسامح فوزي...والمرحوم القس د. صموئيل حبيب الخ.. ناهيك عن اللقاء بأعلام مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، وخصوصاً رئيسه د. عبد المنعم سعيد، والمرحوم د. محمد السيد سعيد، والدكتور وحيد عبد المجيد.. وصولاً إلى الجهات الرسمية وعلى رأسها وزير الأوقاف د. حمدي زقزوق، وشيخ الأزهر ومفتي الديار المصرية..
وفي كل هذه اللقاءات كان الامام شمس الدين يستعيد سيرة الكبار من أعلام الشيعة في النجف وقم وجبل عامل في الوصل والتواصل مع مصر أم الدنيا والدين، منذ السيد جمال الدين الافغاني، وحتى الشيخ محمد جواد مغنية والسيد نواب صفي والسيد محمد تقي القمي وآية الله الكاشاني وآية الله البروجردي، وصولاً إلى الإمام السيد موسى الصدر..
في القاهرة 1996 ضجت الصحافة والناس بأخبار " القبض على تنظيم شيعي"، وخرجت أقلام سطحية موتورة تصف الشيعة بالخوارج وبأنهم أعداء مصر والعروبة والإسلام.. يومها طرق شمس الدين باب القاهرة وسمع الجواب الايجابي مباشرة في الافراج عن المعتقلين، ووقف الهذيان والسخف الإعلامي.. كما جرى إرساء ثوابت العلاقة بين الطرفين وصولاً إلى توقيع اتفاقية تعاون بين الجامعة الإسلامية (أنشأها شمس الدين في خلدة 1996) وكل من جامعة الأزهر ووزارتي التعليم العالي والأوقاف.
في القاهرة العام 2000 منح الرئيس مبارك وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى للإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين "تقديراً لخدماته ولجهوده في الدعوة الاسلامية"، وذلك خلال حفل المولد النبوي الشريف في ختام أعمال المؤتمر العالمي للفقه والبحوث الإسلامية لذلك العام..
وخلال الأعوام 1996 ( تاريخ قضية التنظيم الشيعي) ومطلع العام 2001 (تاريخ وفاة الامام شمس الدين) حمل الشيخ هّم ومسؤولية تنظيم وتطوير علاقة الشيعة العرب بأوطانهم وكياناتهم وتحقيق المساواة المواطنية لهم ومشاركتهم السياسية الوطنية الكاملة فكانت جولاته ما بين مصر والسعودية والبحرين والكويت والإمارات بداية طرح مشروعه في اندماج الشيعة العرب بأوطانهم ومشاركتهم الكاملة في المواطنة والكرامة والمساواة تحت سقف العدالة والقانون والمؤسسات.. كما حمل الشيخ همّ ومسؤولية تطبيع وتحسين العلاقات الإيرانية – المصرية والإيرانية- العربية على العموم، وأيضاً على أسس العدالة والكرامة والمساواة والمنفعة المتبادلة..
أثمرت جهود الامام الراحل انفتاحاً مصرياً كبيراً على الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ لحظة انتخاب الرئيس خاتمي (1997).. إلا أن مسار العلاقات الايجابية هذا شابه الكثير من العراقيل والمؤامرات والانتكاسات كان البعض في إيران يشارك في إنجازها منعاً لتحقيق السيد خاتمي أية نجاحات أو إنفراجات في سياسة إيران الخارجية (كما الداخلية).
أذكر من زياراتنا إلى القاهرة في تلك الأيام عتب المسؤولين المصريين والشارع المصري العفوي على إيران لأنها لم تذهب خطوات أقوى وأكبر في اتجاه ملاقاة التقارب المصري....في تلك الزيارات سمع الشيخ شمس الدين من الرئيس مبارك قوله إن مصر تريد تضامناً إسلامياً فاعلاً تحت سقف منظمة المؤتمر الإسلامي ( وكان يومذاك مقرها طهران ورئيسها هو الرئيس الإيراني خاتمي الداعي إلى حوار الحضارات) لتحقيق تعاون مثمر ولقيام منظومة فاعلة في العلاقات الدولية تسمح بتحقيق مصالح العرب وخدمة قضاياهم الكبرى وأولها فلسطين..... وعلى سيرة دعوة الرئيس خاتمي إلى حوارالحضارات ، فقد حصل أيضاً ما أساء إلى هذه الدعوة حين قام الإيرانيون بتوجيه دعوات إلى مؤتمر لحوار الحضارات وجاء في نص الدعوة "إن الحضارات المدعوة للحوار وللتفاعل هي الفرعونية والفارسية واليونانية والرومانية".. يومها سألهم الشيخ شمس الدين: "وهل في إحياء حضارات بائدة أية فائدة لحوار انساني تاريخي يهدف إلى التأثير في مستقبل البشرية ؟ ولماذا الفرعونية والفارسية وليس العربية الإسلامية في وقت تواجه فيه إيران حملة تعمل على إظهارها بمظهر المتعصبة فارسياً ضد العرب والعروبة؟"..(نتذكر اليوم تلك الدعوة مع عودة السيد مشائي، كبير مستشاري الرئيس نجاد ، إلى طرح القومية الفارسية على حساب الإسلامية وطرحه العلاقة مع الغرب واسرائيل على حساب العرب).. وقد لاقت مساعي الامام شمس الدين وجهود الرئيس خاتمي أذناً صاغية لدى المسؤولين المصريين فشهدت العلاقات المصرية- الإيرانية تحسناً كبيراً خلال عهد الرئيس خاتمي، رغم استمرار المنكدات والمنغصات.. وأتذكر هنا أيضاً قضية شارع خالد الإسلامبولي أو فيلم اغتيال فرعون.. وقد رحبت القاهرة بالشيخ محمد علي التسخيري ( أقرب معاوني السيد خامنئي) في مؤتمر البحوث الاسلامية (عام 2000) وحظي الشيخ التسخيري بحفاوة بالغة حيث أخذ الكلام عدة مرات على منصة المؤتمر كما شارك في حفل تكريم الشيخ شمس الدين..ويومها نقل لي الشيخ التسخيري تقديره الكبير لخطوة الرئيس مبارك في تكريم شمس الدين واعتبرها موقفاً سياسياً بالغ الخطورة تجاه الجهود الإسلامية للتقريب وللوحدة، الأمر الذي يستحق الثناء والتقدير كما التجاوب والتعاون...والتسخيري هو صاحب مبادرات التقريب الإسلامية في إيران..
سنوات عشر مرت على هذه الأحداث التي رويت بعض مجرياتها..سنوات حملت انقطاعاً في التواصل الشيعي- المصري والإيراني- المصري، وتوتراً في العلاقات أعاد مرة أخرى إنتاج أفلام وروايات "المؤامرات الشيعية المجوسية الفارسية".. والقبض على "تنظيمات وهمية" أو على "متسللين شيعة"..وفي تلك السنوات شهد العالم أحداث 11 أيلول ثم غزو واحتلال أفغانستان فالعراق..نعم: تأزمت العلاقات السنية-الشيعية منذ سقوط بغداد (نيسان 2003) وقد عاشها السنة العرب كصدمة شبيهة بسقوطها على يد المغول العام 1258 أو بسقوط الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى... غير أنه كان لأحداث لبنان منذ إغتيال الرئيس الحريري 2005 وحرب تموز 2006 الدور الأساس في انهيار العلاقات الصريحة الشفافة التي عمل الإمام شمس الدين على تطويرها ورعايتها بحدقات العيون.. وليس المقام هنا لفتح سجال حول المسؤول والمسؤوليات إنما خلاصة القول أن إيران مطالبة اليوم أكثر من غيرها بفتح آفاق إعادة بناء علاقاتها مع العالم العربي والإسلامي وخصوصاً مع مصر والسعودية.. كما أن مصر والسعودية مطالبتان أيضاً بفتح آفاق واضحة لهذه العلاقة من أجل مصلحة العرب وإيران ، ومصلحة الإسلام والمسلمين..
إن تدهور العلاقات السنية – الشيعية في العالم العربي ينذر بشر مستطير..ما لم تبادر المرجعيات الحاضنة للعقل والوجدان وللفكر والرأي، في الأزهر والنجف خصوصاً،إلى وقفة حق ووقفة ضمير تعيد الصفاء والنقاء إلى العلاقات الشيعية – السنية (والشيعية- المصرية تحديداً) وتعيد وصل ما انقطع وترميم ما انكسر.. قبل أن يجرفنا طوفان العصبيات الجاهلية...وفي هذا السياق فإن المبادرات الحوارية الجريئة والتاريخية التي بدأها الصديق جهاد الزين ما بين أسطنبول والنجف والأزهر تفتح أفقاً لحوار راشد عاقل موزون حول كيفية استعادة المبادرة والنهوض.
إن العالم العربي يتمزق داخلياً بين فئات تعيش هواجس الماضي وآلامه وترفض عودته وبين فئات اخرى تعيش قلق المستقبل وأخطاره وتريد إعادة الماضي.. وعلى المستوى الإقليمي يتمزق العالم العربي بين وجود صهيوني توسعي استيطاني واحتلال أميركي ودولي يهدد الأمن القومي للمنطقة وبلدانها ولاستقرارها وازدهارها، وبين صراع عربي- عربي، وعربي- إيراني وعربي- تركي، يلقي بظلاله القاسية والمدمّرة على أمن العرب ووحدتهم كما على أمن المنطقة واستقرارها وازدهارها.والى هذه الهواجس العربية المشروعة هناك هاجس الصعود الشيعي الذي يقلق دول المنطقة حيث للشيعة وزن وإن لم يكن لهم دور في الحكم والسلطة (السعودية، الكويت، البحرين، الامارات ،واليمن مؤخراً)، وهاجس الصعود الكردي أيضاً والذي يقلق دول المنطقة حيث للأكراد وزن ولا دور (تركيا، سوريا، إيران) .. فضلاً عن الخوف من المارد الشيعي في لبنان والعراق (وقنبلته النووية الإيرانية) وهو خرج من القمقم محدثاً زلزالاً في الواقع الجيو-استراتيجي الإقليمي كما في التوازنات الداخلية لكل بلد حيث يتواجد الشيعة العرب..
إلا أن كل هذه الهواجس والأخطار ليست ولا يجوز أن تكون من النوع الذي يهدد استقرار وأمن وأمان المنطقة العربية-الاسلامية الشرق أوسطية وإنما ينبغي أن تكون من نوع التحديات التي يتوجب أن نعمل جميعاً وكل من موقعه على وضعها في سياقاتها الفعلية وطرحها ضمن أطرها وإيجاد حلول لها تكون واقعية وعملية ولمصلحة العرب ودول الجوار أولاً ثم لمصلحة كل العرب والمسلمين ثانياً، ناهيك عن مصالح المجتمع الدولي والسلم العالمي..
إن على العرب والمسلمين اليوم المبادرة إلى العمل على تحييد وشل الصراعات الخارجية وضرب معادلة الغلبة والاستقواء التي أضعفت العرب كما أضعفت وأضرت دول الجوار، واستشراف مستقبل العرب من خلال صياغة خلاقة لدورهم في المنطقة وعلاقاتهم بدول الجوار والأخذ بالمثال التركي في هذا المجال.إن الحرص على العلاقات الاخوية والمميزة مع الجيران وفي طليعتهم الأخوة في الإسلام (تركيا-إيران) يتطلب أن يتم توضيح جملة حقائق أولها أن بلداناً مثل لبنان والعراق لا يجوز أن تبقى مسرحاً لتضارب السياسات الدولية والعربية وإنما يتوجب أن تكون ملتقى العرب والمسلمين لصياغة دور حضاري يليق بهم في عالم اليوم.. إن المطلوب اليوم هو الدعوة الى صياغة شراكة إقليمية استراتيجية حقيقية بين الدول العربية-الإسلامية الشرق أوسطية تشمل الأمن والاقتصاد والسياحة والزراعة والصناعة والخدمات وتضمن دوراً محدداً لكل دولة وحدوداً منطقية معقولة ومقبولة ومتعاهد عليها لكل دور، دون افتئات ولا طغيان، وعلى أسس الحوار الدائم، وحل المنازعات بالوسائل السلمية، والتحكيم في النزاعات، والاحترام المتبادل لمصالح الجميع، والتعاون والتضامن على البر والتقوى ورد الإثم والعدوان، وحسن الجوار، وعدم الاعتداء، وعدم التدخل..وبإمكان لبنان والعراق أن تلعب دور المحرّض والمحفّز لإقامة شرق أوسط جديد فعلاً هو شرق أوسط الشعوب والدول العربية-الاسلامية المتعايشة لا المتحاربة، المتعاونة لا المتضاربة...شرق أوسط تتحقق فيه وبواسطة شعوبه ودوله الحرية والكرامة والعدالة والمساواة والديمقراطية والتنمية والاستقرار والإزدهار لكل العرب والمسلمين...
إن دخولنا عالم الغد باعتبارنا شركاء ومسؤولين لا عملاء وتابعين مرهون بتنظيم شروط ذلك أي أن نغيّر ما بنا ليمكننا الله من تغيير وضعنا وما حولنا.
إن الشرط الداخلي للنهضة هو نحن: وحدتنا الداخلية وسلامنا الأهلي وديموقراطيتنا وحرياتنا.
وإن الشرط الخارجي للنهضة هو التوازن والعدل في السياسة الدولية. غير إن عدم تأمين الشرط الخارجي لا ينبغي أن يؤدي بنا إلى التضحية بالشرط الداخلي.
إن علينا المساهمة في إنخراط الأمة من خلال قياداتها كلها في مجال الفكر والمعرفة والسياسة والتنظيم لمواجهة التحديات، وإلى دمج القوى الكامنة في أمتنا عبر المصالحة والحوار الحي المفتوح بين مجموعاتنا دولاً وموارد وقوى سياسية وفئات ثقافية وإجتماعية؛ وعبر إطلاق طاقات الخير والبركة والحب والتضامن، وإعادة ترميم ذاكرة العيش المشترك وثقافة الوحدة، أي إعادة بناء الشخصية الحضارية السوية للفرد وللمجتمع.

شيخ الأزهـر يجـيب عـلى أسئلة آتية مـن بلد الفتنتين لبنان

أجرى الحوار في القاهرة جهاد الزين- النهار- الجمعة 15 تشرين الأول 2010.
استقبل شيخ الأزهر الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب يوم الاحد المنصرم الزميل جهاد الزين في مكتبه في مشيخة الأزهر في القاهرة. هنا النص الكامل لأجوبة الدكتور الطيب على أسئلة الزين. مع الاشارة الى انها المقابلة الاولى لشيخ الأزهر الجديد مع الصحافة اللبنانية.
• سأبدأ فضيلة الإمام من النقطة التي لفتت انتباهي في عدد من المقابلات التي جرت معك في "قناة دريم" و"الاهرام" و"الشرق الاوسط"، وأسعدني جداً فيها تركيزك على مستوى التعليم في "الأزهر". وأنت عبر هذا الموضوع لمست مباشرة قضية خطيرة تتجاوز المستوى التعليمي في العلوم الدينية في "الأزهر" والحواضر الدينية الاخرى. أنت يا صاحب الفضيلة تطرح مسألة تردي مستوى التعليم في الجامعات العربية الرسمية أو الوطنية كلها. فأين أصبحت مستويات التعليم في جامعة القاهرة التي كان رائدها أحمد لطفي السيد أو الجامعة السورية التي ترأسها الدكتور قسطنطين زريق والجامعة اللبنانية التي أطلقها الدكتور فؤاد أفرام البستاني والدكتور أحمد مكي والدكتور حسن مشرفيه وقلة غيرهم من الرواد؟ ألا تعتقد، وأنا أعتذر عن الإطالة في السؤال، انك عملياً تطرح الموضوع نفسه: تردي مستويات التعليم العربية في الجامعات الوطنية؟
- أولاً نرحب بسيادتك وسعدنا وشرفنا بسيادتك في مشيخة الأزهر صحافياً كبيراً ومخضرماً ولامعاً، وكثيراً ما نقرأ لك في الصحف ورغم امتناعي عن اللقاءات الصحافية في الفترة الاخيرة الا انني رحبت بالالتقاء بسيادتك.
ثانياً هذا اللقاء للحوار والحديث في بعض القضايا المطروحة على الساحة العربية، وهي ساحة ملبدة بغيوم كثيرة ومصابة بانهيارات وتشققات عديدة.
أما السؤال عن التعليم في الأزهر ربما أنا من القلائل الذين اتيح لهم حسن الحظ بأن أتعلم في الأزهر وكذلك سوء الحظ بأن أُعلّم بالأزهر.
المرحلة الاولى التي طلبنا فيها العلم كانت عام 1956 وهو تاريخ التحاقي بالأزهر وكان عمري وقتها عشر سنوات ونصف السنة بعد أن مررنا في التعليم بمرحلة ما يسمى بالكتاب، وحفظنا القرآن حفظاً جيداً وتعلمنا فيه قواعد الاملاء وقواعد الحساب الاربع الجمع والضرب والقسمة والطرح والأوليات والمعارف الاخرى، ودخلنا بعد ذلك الأزهر الذي كان وقتها تتكون مراحله التعليمية من الابتدائية 4 سنوات والثانوية 5 سنوات ثم مرحلة الجامعة قبل أن تتغير الامور بعد ذلك عام 1963م، فنزل التخفيض على سنوات الدراسة الثانوي (4 سنوات) ثم بعد ذلك الاعدادي (3 سنوات) والثانوي (3 سنوات) ليوازي التعليم العام. في ذلك الوقت كنا ندرس كتب التراث القديم مباشرة فكان يقرر علينا في اللغة العربية كتب قديمة بها المتون والحواشي ولك ان تتخيل ذلك، طالب ليس في جعبته إلا القرآن الكريم، ويتعرض لدراسة أمهات الكتب مباشرة. لكن حفظ القرآن الكريم وتلاوته وقدسيته في نفوسنا أضاء لنا هذه العلوم التي كان من المستحيل أن يفهمها طالب في هذه السن (10 سنوات)، وكذلك الامور في كتب النحو ثم درسنا الفقه المالكي.
• هل اخترت التخصص في الفقه المالكي بحكم اختيارك أم بحكم انتمائك الى المذهب المالكي؟
- التخصص في الفقه المالكي كان بحكم انتمائي الى أبي وجدي، ولدينا مكتبة في البيت بها جميع الكتب، فوالدي رفض ان أدرس المذهب الحنفي وأصر على ذلك حتى لا تختلف الفتوى بيننا بعد أن أكبر وحتى لا أفتي برأي وهو يفتي بآخر، فكان هناك حرص على وحدة الكلمة ووحدة الفتوى ووحدة الناس، وأذكر انه كان من المقرر علينا في الصف الرابع الابتدائي كتاب "شذور الذهب" والآن هذا الكتاب ينصح به كمرجع لطلاب كلية الآداب في أقسام اللغة العربية لطلاب الدراسات العليا والماجستير.
بعد ذلك انتقلنا الى المرحلة الثانوية وكان نظام الأزهر في ذلك الوقت ان تدرس في المرحلة الابتدائية أوائل العلوم وأوائل النصوص ثم بعد ذلك في المرحلة الثانوية ندرس المواد نفسها، ولكن بتعمق أكثر وبعد هذا يزداد التعمق في المرحلة الجامعية، وكنا نسمي الطالب في المرحلة الاولى بالشاي أو المبتدئ.
• هذه التعديلات الاخيرة جاءت بعد القانون المسمى "اصلاح الأزهر" عام 1960؟
- هذه التعديلات جاءت بعد القانون الجديد وجعلت الاعتماد على مذكرات تكتب بدلاً من النصوص القديمة، والحقيقة في هذا الموضوع أن العقلية الأزهرية في المقام الاول عقلية تراثية وما زلت أقول ان العلوم القديمة مكتوبة بنمط غير متكرر واستشهد بأصدقائي الفرنسيين الذين يدرسون في معهد الآباء الدومينيكان ويقومون بتحضير الماجستير والدكتوراه في علومنا مثل البلاغة، كنت أسألهم هل عندكم في تراثكم اذا أردتم أن ترجعوا الى اللغة الفرنسية في نحوها وصرفها هل ستجدون الشرح والمتون والتعاليق؟ وعرضت لهم كتب ابن سينا وما فيه من شروح.
• هل أنت تتكلم عن أسلوب لغوي أو عن عقلية تراثية؟ فلا أتخيل مؤسسة دينية كبيرة لا تكون عقليتها الاساسية تراثية بحكم التكوين؟
- لا أتحدث عن لغة بل عن نمط التأليف ومنهج التعلم في هذه الكتب وهذه الكتب لها مناهج يجب مراعاة التدرج فيها. التخصص له كتب والنهائيات لها كتب. هذه الامور ليست متوافرة الآن وهذا هو السبب الاساسي في تدهور التعليم. في الأزهر نحن نكاد نسابق الزمن للعودة لهذا النظام الذي تربينا عليه أو نفعل المستحيل لأننا درسنا على هذا النظام البلاغة ثلاث مرات مبسطة بأسلوب قديم ثم من كتب متوسطة ثم كتب متقدمة.
• اذاً يعتبر الإخلال بالمنهج التراثي للعلماء المسلمين هو مصدر الخلل؟
- الموضوع معقد. التراث أولاً يضمن لك الوسطية ويضمن لك تقبل الآخر. الذي لا يدرس التراث هو الذي يضيق عقله عن تقبل الآخر، لذلك عندما نقول بعودة تدريس كتب التراث يقولون هل ستعودون بنا الى العلوم التي تُكوِّن المتشددين! المسألة بالعكس تماماً: عدم التمتع بتنوع الآراء والنظريات والافكار وهذه خاصية التراث الاسلامي، وعندنا في التراث الاسلامي (اختلافهم رحمة) فالاختلاف موجود منذ عهد الصحابة وجميعهم على صواب. إذاً التراث كتراث للمسلمين داخلياً متنوع نجد فيه الرأي والرأي الآخر والثالث والرابع والا ما معنى المذاهب الاربعة مختلفة ومتعايشة في الاسلام، بل ان فقهاء المذاهب الواحد يختلفون ومع ذلك يتعايشون هذا بالنسبة للفقه وكذلك النحو: البصريون والكوفيون.
حينما ندرس في كتب التراث، فإننا أمام قال فلان وقال فلان ثم يأتي الترجيح، اذاً العقلية الاسلامية عقلية نقدية منذ البداية تنتظر الرأي والرأي الآخر، والفكرة والفكرة الأخرى وتفند النظرية وتنتقد، هذا هو عمل التراث في داخل العقلية الاسلامية، فالتراث يهيئنا عندما نتعامل مع غير المسلم على قبول الاختلاف. فالقرآن الكريم يوضح ان الاختلاف سنّة كونية، فالاختلاف في اللغة (اختلاف ألسنتكم وألوانكم) والاختلاف في الجنس والعقيدة (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً) فالقرآن يقرر حقيقة الاختلاف (ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولا يزالون مختلفين) فالاختلاف مقصد من مقاصد الخلق ودائماً نرى هذا ومتوقع ان هناك من يخالفنا في الدين ويختلف معي وانه موجود الى يوم القيامة. لذلك عندما ننظر للعولمة أو نحاول عولمة الثقافة أو عولمة الدين أو كما يقولون كثلكة العالم، فنحن لا ننكرها فقط بل نعتقد انها خرافة بنص القرآن الكريم، لأن الاختلاف في الدين سيظل لآخر لحظة في عمر الكون. في نص القرآن هذا الاختلاف دائماً موجود وايماني بأن الذي يخالفني موجود معي، جعل العلاقة بيني وبينه كما قررها القرآن هي التعارف - والعلاقات الدولية في القرآن الكريم قائمة على التعارف. اذاً التراث هو الضامن لعقلية الوسطية والحوار والرأي والرأي الآخر.
• كما عبَّرت فضيلتك بهذا المعنى فإن التعمق في التراث الاسلامي ضمانة للاستيعاب العميق لهذا التراث، ديناً وحضارة. لكن هناك سبب آخر لمعضلة تخلف التعليم الديني عند المسلمين وربما تخلف المسلمين هو نقص معرفة الآخر. سأعطي مثلاً كمراقب دون تطفل خارج اختصاصي. إذ أعرف بحكم المنشأ والتجربة معاً بيئات متعددة دينية لبنانية وعربية. أعرف عدداً من القساوسة والآباء الكاثوليك والارثوذكس والبروتستانت من دول عربية مختلفة متخصصين في الفكر الاسلامي، ناهيك عن رجال الدين المسيحيين الغربيين والمستشرقين عموماً، ولكني أكاد لا أعرف رجل دين واحداً من المسلمين، سنة وشيعة متخصصاً في اللاهوت المسيحي أو متخصصاً في التراث الديني اليهودي. ألا تعتقد ان هذه ظاهرة مقلقة وخطيرة وأنت نفسك سمعتك في إحدى المقابلات تتحدث عن ضرورة تطوير مستوى رجل الدين أو عالم الدين المسلم كأحد مشاريعك الاساسية في "الأزهر"؟
- ملاحظة صحيحة الى حد كبير، ولكن لا يعني هذا ان علماء المسلمين القدامى، حتى علماء الأزهر من جيلي انقطعوا تماماً ولا يعرفون شيئاً في هذه المقارنات بين الاديان أو علم مقارنة الاديان في اللغة الاوروبية. العلماء القدامى لهم عطاء مكتوب في هذا المجال في علوم الاديان المقارنة ونحن المسلمين أول من أنشأ علم الاديان المقارن في تراثنا. هذا موجود لدينا وبشكل معمق وفيه سبق تاريخي وسبق منهجي وفيه سبق رؤية، وربما السبب في اننا لسنا متخصصين في علوم اللاهوت في أوروبا سواء كانت مثلاً مقارنة الاديان اليهودية أو المسيحية انه ربما كثير منا يستنيم الى ما صدر أو ما كتب في هذه الاديان في التراث الاسلامي، وأنا معك في أن هذا خطأ. وأنا شخصياً تنبهت الى هذا وكنت أقول دائماً ان الذي يريد ان يكتب في المسيحية الآن يجب ان يذهب الى الغرب ويتتلمذ على أيدي اساتذة وعلماء من الغرب ثم يكتب ما يراه بعد ان يسمع ويرى. من اجل ذلك نحن حرصنا على ان ننشىء في اصول الدين والكليات الشرعية منذ كنت رئيسا للجامعة على مدى سبع سنوات قسما خاصا يعد صفوة من الطلاب اعداداً لغويا متميزا في الانكليزية وتعاقدنا مع المجلس الثقافي البريطاني والحمد لله اول ثلاثة طلاب سافروا هذا الصيف وحرصنا على ارسال ثمانية آخرين في الصيف المقبل نصفهم تم ابتعاثه ليتخصص في المسيحية والآخر في اليهودية ليرجع لنا عالما باليهودية والمسيحية من خلال الكتب والمصادر والمراجع بالمنهج اليهودي الغربي او المنهج المسيحي الغربي.
فقد وجدنا كل من يكتب في الفترة الأخيرة عن المسيحية يستند الى ما كتبه الشيخ ابو زهرة او الدكتور علي عبد الواحد وافي من المعاصرين او الامام الغزالي والشهرستاني من السلف. هناك رؤى جديدة لا نعلمها، ظهر نقد جديد للكتب المقدسة واصبح علماً واصبح له علماؤه والمتخصصون فيه، نحن نريد ان ننفتح على هذا وفي الجيل السابق كان الشيخ ابو زهرة يكتب جيدا في المسيحية والدكتور عبد الحليم محمود شيخنا رحمه الله كان يدرّس لنا مقارنة اديان في كلية اصول الدين وكان لديه نص باللغة الفرنسية يقرأ منه ويملي علينا وفي النهاية ترجم النص وكان عن المسيحية وشيخنا رحمه الله كان لا يعتبر نفسه متخصصا ولكن المتخصصين الحقيقيين سيكونون من بين الطلاب الذين يدرسون حاليا في جامعات الغرب.
• علمت ان "الجامعة الكاثوليكية" في باريس تدرّس رجال دين مسلمين وتخرّج بهذا المعنى ائمة مسلمين؟
- سأقول لسيادتك ان الذي يغري المستشرقين او الآباء بالكنيسة هو عمق تراثنا وهم يعتبرونه تراثاً انسانياً عالمياً وهذا ما اصابهم بشغف التخصص وخصصوا اعمارهم كاملة لهذا التراث سواء آمنوا بخلفياته ام لا، لكن يؤمنون بأن هذا التراث تراث عالمي ويجب ان يحافظ عليه وان يدرس لدرجة اننا للأسف نجد كثيرا من الباحثين المسلمين اذا ارادوا ان يكتبوا في موضوع اسلامي قد يولوا وجوههم شطر كتابات غربية ثم يترجمونها حتى يفهموا ماذا يقال في كثير من موارد ابحاثنا الاسلامية اضافة الى اننا كعلماء مسلمين لا نجد البعد الروحي او العمق الفلسفي الموجود في العقائد الاسلامية والتراث الاسلامي على الجانب الآخر بمعنى قد لا يكون الجانب الآخر جذاباً او مغرياً وكل ذلك حصيلة مناقشات مع كثير من المستشرقين في باريس من اليهود والكاثوليك، لكن لا اعني بالتراث الاقتصار عليه فقط بل لا بد من الحداثة ايضا فقد درست في اصول الدين علم النفس والاجتماع والفلسفة الحديثة اضافة الى التراث.
• هل تربط اذاً بين مستوى التعليم في الازهر وبين ازمة التعليم في جامعاتنا العربية؟
- نعم استطيع ان اقول هذا لأن ابنائي وابناء العائلة يدرسون في مختلف الجامعات الاخرى وانا دائم الحديث والحوار معهم واقيم المنهج الذي وراء هذا التشتت في التفكير او التبعثر. المشكلة الآن في نمط التفكير نفسه. فالطالب الآن او الذي يتخرج من الجامعة غير قادر على التفكير المنطقي، غير قادر على استنباط النتائج من القضايا وهذه مشكلة اخرى بل مشكلة اعمق. فقد اصبح العقل العربي في الشباب عقلا يحتاج الى تنظيم التفكير فكلامه يسبق تفكيره والمشكلة جاءت بسبب الاعلام، فما يربي العقل العربي الآن ليس التعليم او الجامعات على ضعفها فالجامعات على ضعفها لا تجد لها اثرا او بصمات لا في تكوين شخصية الشباب ولا في تكوين عقليته ايضا، انما الشباب الآن مرهون بدوائر اخرى تلح على ذهنه ليل نهار وللأسف نحن في واد وتاريخنا في واد واعلامنا في واد آخر.
والنتيجة اننا لم نعد عربا بثقافة عربية ولا مسلمين بثقافة اسلامية لذلك تتخطفنا بعض الافكار التافهة وتلبس معظمها عمامة الاسلام عن جهل وغرض وهذا معناه ان الساحة لا يوجد بها تأصيل على الاطلاق فلم نصبح اوروبيين كما يريدون. خسرنا على كل الجبهات فلا استطيع ان اقول من انا. الفرنسي مثلا يستطيع ان يقول من انا ضمن دائرة الاتحاد الاوروبي.
لا يوجد تعليم دقيق وحتى من يتولى مهمة التعليم قد لا يكون بينه وبين التعليم صلة قوية او هو قادر على ادارة العملية التعليمية وهذا خلق نوعا من الضياع على اكثر من مستوى وتستطيع ان تقارن بين الكتب التي كان تدرس للطلاب في سنة 1935 من القرن الماضي او حتى في الخمسينات وبين الكتب التي تدرس للطلاب الآن – اول من امس قرأت في مجلة (الكتاب) التي كانت تصدر عام 1947 مقالا لناظر مدرسة ثانوي كتب مقالا عن (السلام بين الفارابي وروسو وكانت) في حوالى 6 صفحات لا يكتبه متخصص في علوم السياسة الآن وما كتبه وكيل النيابة في محاكمة طه حسين قطعة ادبية رائعة توضح مدى ما كان عليه التعليم من عمق ورصانة.
• انا اصلي وراء فضيلتك وفي هذا المجال تحديدا. لكن الاعلام العربي على تخلفه وحتى احيانا على فساده هو جزء من حالة اكبر سياسية واجتماعية واقتصادية. وهذا ما يدفعني الى طرح موضوع آخر متصل يتعلق بالنخبة المصرية ودورها المتراجع. صحيح كما يقال ان الدولة في مصر كانت قائدة للتأثير المصري في الخارج في العصور الحديثة من محمد علي الى عبد الناصر لكن لم يكن هناك يوما دور للدولة بدون ان يكون مترافقا ومتوازيا مع دور المثقف والاستاذ والباحث والرحالة ورجل الدين والصحافي المصري في المحيط العربي والاسلامي. هؤلاء كانوا الطليعة المصرية حتى لو كان بعضهم معارضا للدولة. الآن يغيب امثال هؤلاء الرياديين رغم الازمات الوجودية التي يتعرض لها العالم العربي. الا تعتقد فضيلتك ان المشكلة تتعلق بتراجع بنيوي عربي وتحديدا مصري ولا تنحصر بالاعلام؟
- اعلم ان سيادتك من رواد الاعلام وحينما انتقد الاعلام انا لا انتقد اشخاصا وانما انقد فترة ونمطا اعلاميا سائدا – وما حدث في مصر حدث في العالم العربي.
-السؤال الذي اطرحه على سيادتك اين النخب؟ حتى وان دللتني على النخب التي تتحدث عنها، على سبيل المثال طه حسين الذي كان يضرب به المثل في التطوير وهو جدير بذلك، ونقد التراث لكنه لم يسىء الى التراث لأنه درس التراث ويعرفه ولم يشترط في نهضته ان تكون هناك قطيعة مع التراث او قطيعة مع الماضي. لكن اليوم النخب التي تتحدث عنها تبدأ من القطيعة مع التراث، هذه الهاوية وقبل ان تتحرك تهوي فيها. والمشكلة ان هذه الشعوب لها تاريخ وحضارة، هذه الارض لها حضارة وتاريخ طويل جدا في احترام الدين واحترام النبوة واحترام الوحي، عندما تستنبت فيها نباتا لا يحترم هذا، بالضرورة ان يموت هذا النبات قبل ان ينمو على وجه الارض.
ان الحقيقة، دون الرجوع لنظرية التآمر هي الغرب بحربته اسرائيل وراء كل ذلك، لدينا الآن اسلاميون ينظرون بعين واحدة الى الماضي، او مثقفون، او تنويريون بعين واحدة الى الامام لكن الرؤية الحقيقية التي تبني على الماضي غائبة، يوم ان يوجد من النخب من يتحرك من هذا المنطلق ويسند ظهره الى الماضي ويتطلع الى الامام يستطيع ان يبني وان يقود وان يتقدم.
الحقيقة ان الحروب التي توالت في فترة عمري هذا (1948 – 1956 – 1967 – 1973) 4 حروب شاهدتها في حياتي وكانت كل واحدة منها ترجع بك 50 عاما الى الوراء في الثقافة والاقتصاد، المسألة كما قلت هي ان الغرب اراد بالشرق شرا وحينما خرج من بلادنا لم يتركنا وشأننا، لا تقل ان هذه نظرية المؤامرة ان اعرف ان الغرب جرب الحروب تماما وذاق مرارتها ودفع ثمنها غالياً وهو حريص على الا تحدث بينهم حرب لا في اوروبا ولا في اميركا من القرن الماضي. هذا يلزمه ان تكون الحروب في اماكن بعيدة ولا تغلق مصانع الاسلحة. هذا هو الاشكال، انا لا الوم القادة فقط بل الوم المفكرين والعلماء واساتذة الجامعات. ذكرت اننا غير مواكبين للتقدم العلمي لمَ لا يلام اساتذة كليات الهندسة والطب والزراعة هل وجدت نقدا يوجه الى هذا الفريق المنوط به التقدم العلمي مثل ما نجد نقدا يومياً ويملأ الصحف للاسلام والمهتمين بالاديان؟ هذه هي المشكلة، المشكلة ليست في الاسلام الآن ولا الاسلام عنده مشكلة، المشكلة في التخلف العلمي ومواجهة التخلف العلمي ليست مطلوبة مني كفقيه بل مطلوبة من علماء الطب والهندسة والزراعة.
• فكرة عالم الدين الطبيب او عالم الدين المهندس وهذا جذوره في التراث، هل تراودك في مشاريعك الاصلاحية في الازهر؟
- والله لا تراودني كثيرا فقد عشت التجديد منذ عام 1963 والذي طرأ جديدا هو ان يتخرج الطبيب الازهري الذي يحمل رسالة الازهر والدعوة الى الاسلام ضمن مهنته لكن التجربة ليست كاملة انما استفدنا والحمد لله في ان نخرج في كلية الطب بالجامعة (الازهر) من يحمل بصمات التراث الاسلامي، ووجدنا فرقاً بين الطبيب الازهري والطبيب الذي يتخرج من الجامعات الأخرى في المجتمع. فالطبيب الازهري له رسالة وهذه الرسالة تنشر رسالة الوسطية والخوف من الحرام، لا نجد طبيباً ازهرياً يتاجر بأرواح الناس او يسرق الاعضاء أو تستقطبه التيارات الاخرى على الجانب الفكري والعقلي فهو محصن لكن الآن نعد أنفسنا بأن يكون هناك داعية متمكن من التراث ومتمكن من العلوم الحديثة وان يكون هناك طبيب مسلم ممتاز يطور مجال الطب ولا مانع أن يدرس بعض العلوم الاسلامية اذا أراد أن يزاول الدعوة.
• في الحوار المهم الدائر حول العلمانية أو فصل الدين عن الدولة ويتناول دولاً مثل تركيا وفرنسا والولايات المتحدة الاميركية، بما فيه الفارق بين النموذجين الفرنسي والاميركي. في هذا الحوار والذي تجدد مؤخراً مع القانون الفرنسي بحظر الحجاب الكامل... ربما تحتل مصر موقعاً قوياً بحكم كونها تجمع بين تقاليد الليبرالية الاجتماعية والمحافظة الاجتماعية في الوقت نفسه. فحرية ارتداء الحجاب في مصر مثل حرية عدم ارتداء الحجاب.
سؤالي هو هنا: رغم معرفتي بموقفك من عدم التدخل في شؤون الدول الاخرى ألا تعتقد ان اعتراض بل نقد علماء الدين الايرانيين وعلماء الدين السعوديين للقانون الفرنسي هذا الاعتراض لديه نقطة ضعف اساسية هي انه في السعودية وإيران مقابل تقليد ارتداء الحجاب ليست هناك حرية عدم ارتداء الحجاب لمن تريد نزعه وبالتالي في ايران والسعودية لا يستطيعون ان ينتقدوا فرنسا على الفرض الذي يمارسونه هم ايضاً في اتجاه واحد انما معاكس؟
- خلع الحجاب مخالفة لنصوص اسلامية ومعروف ان الاسلام ليس علاقة بين العبد وربه فقط فلا استطيع أن أقول حينما الزم المرأة بإرتداء الحجاب انني أصادر على حقها، هنا أخالف شعيرة من شعائر الاسلام الموجودة، لكن هل المشكلة تصل الى حد الوجوب وحد الفرض، الاجابة على هذا السؤال تتعلق بالفقه أمام مسألة الحجاب، هل خلع الحجاب مخالفة عادية أم كبيرة من الكبائر نعتبره مثل شرب الخمر والزنا؟ اذا كانت كبيرة فيجب عليّ أن أفرضه واذا كانت مخالفة عادية فهو أمر مثل الغيبة اعتبره معصية ولا يحتاج الامر الى تدخل. كل ما علينا كعلماء أن ننكر هذا وننصح بإرتداء الحجاب وننكر على المرأة المسلمة ان تخلع حجابها فقط دون فرض أو تدخل، لأن هذا لم يحدث على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فلم يحدث ان ضرب النبي امرأة كشفت عن رأسها. النقاب لا يوجد نص عليه في القرآن، أما الحجاب موجود. ومن هنا نرى ان خلعه معصية.
• آتيك، مولانا، من بلد الفتنتين لبنان. الفتنة القديمة المسيحية المسلمة والفتنة الجديدة السنية الشيعية. وهذا كثير جداً على بلد صغير مثل لبنان. تصور سيدي ان هذا اللبنان يحمل دفعة واحدة مشكلة الفتنة المسلمة المسيحية التي عادت تطل برأسها في مصر وجاء بيانك المشترك مع غبطة البابا شنودة حاسماً ضدها، ومشكلة الفتنة السنية الشيعية التي انطلقت من العراق. مصر أم الثمانين مليونا، والعراق أبو الثلاثين مليون نسمة. فكيف للبنان ذي الأربعة ملايين نسمة والرقعة الجغرافية الصغيرة ان يحمل على أكتافه ما تحمله مصر والعراق معاً.
في أوائل الصيف الماضي قال لي في النجف المرجع الشيعي الاعلى السيد علي السيستاني انه ليس قلقاً على العلاقات بين السنة والشيعة داخل العراق لو ترك الأمر للطائفتين ولكنه قلق من استمرار التوتر الايراني السعودي على المستوى الاقليمي في التأثير على تفاقم الفتنة الشيعية السنية بما يجعل السيطرة على مجرى الامور أصعب.
ما هو تعليقكم؟
- هذا الموضوع لا يحتاج لتفكير كثير أو تنظير أو متابعة لأن النذر واضحة هناك قلق يأتينا من خارج المنطقة ودعني أتحدث عن مجالي هنا فقط مثلاً حينما تجد في هذه الآونة الأخيرة بعض الشباب الذين يحاولون الدعوة للمذهب الشيعي (في مصر) ظاهرة جديدة لم تحدث من قبل بل الأمر يهولك عندما نجد بعض الشباب ينتقد السيدة عائشة أو الصحابة هذا يجعلني أقول ان فتنة يخطط لها ويراد لها ان تنبعث في بلاد أهل الاسلام. طبعاً حينما أرى ظاهرة كهذه فانني انكرها ودون الاتهام لأي دولة لأننا نحتاج الى وحدة الأمة الاسلامية لكل دولها وهذا شيء مهم وضروري ونحتاجه وبدونه لا نستطيع ان نرفع رؤوسنا في يوم من الأيام. أبحث عن المستفيد مما يحدث الآن. بعض البلدان الاسلامية، وبعض المتشددين يتحملون جزءاً من المسؤولية حول هذه الفتنة. حينما تكون هناك فضائيات تحكم بكفر الشيعة هذا شيء مرفوض وغير مقبول ولا نجد له مبرراً لا من كتاب ولا سنة ولا اسلام، نحن نصلي وراء الشيعة فلا يوجد عند الشيعة قرآن آخر كما تطلق الشائعات والا ما ترك المستشرقون هذا الأمر فهذا بالنسبة لهم صيد ثمين ولي بحث في هذا المجال وجميع مفسري أهل السنة من الطبري وحتى الآن لم يقل منهم أحد ان الشيعة لديهم قرآن آخر.
• هل هناك أخطر من موضوع "عصمة الأئمة" كخلاف عقائدي بين السنة والشيعة؟
- لا يوجد خلاف بين السني والشيعي يخرجه من الاسلام انما هي عملية استغلال السياسة لهذه الخلافات كما حدث بين المذاهب الفقهية (الأربعة) كل الفروق بيننا وبينهم هي مسألة الإمامة. فعندنا في السنة الامامة بالاختيار والرسول صلى الله عليه وسلم ترك للمسلمين اختيار ائمتهم وخلفائهم وهم يقولون ان النبي صلى الله عليه وسلم اوصى للامام علي (كرم الله وجهه) فلو اعتقدت ان سيدنا علي اولى بالخلافة ليست هناك مشكلة ولو اعتقدت ان الأمة اختارت سيدنا أبا بكر وهو أولى لا توجد مشكلة لكن المشكلة في التوظيف وهناك مشاكل عن عامتهم من سب لأبي بكر والبخاري والمشكلة هي في التوظيف المغرض للاختلاف لضرب وحدة الأمة.
• هل ستزور النجف؟
- اذا ذهبت للعراق سأزور النجف. الازهر واجبه الأول وحدة الأمة الاسلامية وكذلك تجميع المسلمين على رؤية واحدة مع اختلاف الاجتهاد ومستعد لزيارة أي مكان اجمع فيه المسلمين مع بعضهم والنجف بصفة خاصة.
وأتمنى ان تكون زيارتي بعد حسم مسألة الحكومة لأن ذلك من الأمور التي تؤذينا. قلت للوفد العراقي الذي زارني مؤخراً (وفد مشترك من الأوقاف السنية والاوقاف الشيعية) سآتيكم وأنا أب للسنة والشيعة بشرط ألا تفسر زيارتي لصالح طرف على آخر.
• قرأت ترجمتك عن الفرنسية لكتاب "الولاية والنبوة عن الشيخ الاكبر محي الدين ابن عربي" للباحث علي شوركفيتش. قرأته من الغلاف الى الغلاف بما فيه مقدمتك لما ترجمته. لقد استفدت كثيراً من هذا الكتاب لا سيما في الافق الذي يكشفه من حيث أهمية محاولات فتح المنظومة العقائدية عند السنة عبر "الولي" (كما فعل الشيعة عبر "الامام" وكما فعل المسيحيون عبر "الرسل" ثم "القديسين" ثم "الشهداء") وهذا ما استدعى حسب الكتاب هجوم الشيخ ابن تيمية العنيف على المتصوف الشيخ ابن عربي.
ما الذي أملى عليك هذه الترجمة؟
- المقصود هو انصاف الشيخ ابن عربي وتجلية البعد الفكري والفلسفي والروحي في كتاباته، والدعوة الى النظر في هذه الكتابات بعقل مفتوح وان تؤخذ في اجمالهاوكلياتها دون انتقاء او نظرة جزئية تبعدنا عن الفهم العميق والنقد الموضوعي بغير تحامل.
هذا ايضاً من الامور المحزنة، فالمؤلف الغربي تفرغ لدراسة اعمال ابن عربي لمدة خمسين عاماً بينما لدينا علماء يهاجمون ابن عربي دون قراءة كتاب واحد من كتبه ودون قراءة اسهل هذه الكتب وهو كتاب الفتوحات المكية، وكان من المفروض ان يكتب الباحث الغربي عن ابن عربي استناداً الى كتبنا نحن، ولكن المسألة قد قلبت فنحن ندرس ما يكتبه الغربيون.
• يصادف الآن على رأس الكنيسة الكاثوليكية بابا آت من عالم الأكاديميا وعلى رأس "مشيخة الازهر" رجل مثقف مثلك آت من العالم الأكاديمي. أظن هذه فرصة لحوار مهم لأن المثقفين يمكن لو جازفوا ان يحدثوا فرقاً مثيراً على المستوى الفكري؟
- ليس لدينا مانع في الحوار – كما قلت لحضرتك – الوحدة الوطنية في الداخل هدفنا وكذلك الوحدة العربية والاسلامية ثم السلام العالمي وهذه رسالة القرآن والرسول عليه الصلاة والسلام أرسل للعالمين رحمة وسلاماً حتى لغير المؤمن به ونحن نرث هذا الميراث النبوي الشريف ونعمل على حمله والالتزام به.
• الوثيقة التي أعدها الفاتيكان باشراف البابا بينيديكتوس حول كنائس الشرق الأوسط، ويجتمع حالياً اساقفة الشرق الاوسط لمناقشتها، هذه الوثيقة قالت في احدى فقراتها ان الشرق الأوسط أو ما تسميه الوثيقة "العالم العربي – التركي – الايراني" هذا العالم لا يعترف بـ"حرية الضمير" ويقصد بها حرية تغيير الدين. انه يعترف بحرية العبادة وليس "حرية الضمير" بما تعنيه من حرية تغيير الدين؟
- لقد درسنا هذه الوثيقة ونود بداية ان نقول اننا كمسلمين نحرص على بقاء المسيحيين في الشرق لأن بقاءهم وازدهارهم تعبير عن ثراء حضارة الشرق روحياً ومعنوياً وثقافياً ودليل على ان الاسلام دين التسامح والتعايش وقبول الآخر.
اما حرية العبادة فمكفولة و"حرية الضمير" يقررها الاسلام الذي يقول كتابه الكريم في محكم آياته "لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" ويقول سبحانه مخاطباً رسوله صلى الله عليه وسلم "ولو شاء ربك لآمن من في الارض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" ويقول سبحانه "فذكّر انما أنت مذكّر لست عليهم بمسيطر" واعتقد ان في هذه الآيات ابلغ رد على موقف الاسلام من حرية الضمير.
• قلت انك لا يمكن ان تصافح أي اسرائيلي رسمي طالما لم تعد اسرائيل الحقوق المشروعة للفلسطينيين، هل هذا يعبّر عن مساحتك الخاصة كشيخ للازهر أم عن تنسيق ما مع سياسة الدولة الرسمية التي لها اعتبارات مختلفة بمقتضى قواعد العلاقات الدولية؟
- الازهر الشريف جامع وجامعة، ومعبّر عن حكم الاسلام وعن ضمير المسلمين، وهو ليس سلطة سياسية وانما حامل رسالة ومكانة معنوية، ومن ثم فالاعتبارات التي تحكم الازهر الشريف ليست هي الاعتبارات التي تمليها الالتزامات الدولية على المسؤولين السياسيين، والازهر الشريف بحكم مسؤوليته الشرعية لا يستطيع الا ان يعبّر عن ضمير الجماهير الاسلامية تجاه العدوان الاسرائيلي الغاشم والاحتلال الآثم وتدنيس المقدسات، وحصار غزة الصامدة، وما يعانيه اخواننا من فلسطين في كل يوم، ومن هنا فإني أكرر موقفي بأنني لن أصافح مسؤولاً اسرائيلياً ما دامت الحقوق الشرعية للفلسطينيين مسلوبة، وهذا لا يعني موقفاً من اليهود كأصحاب ديانة نحترمها وكأهل كتاب، ويكفي ان تعرف ان رسالتي للدكتوراه كانت عن فيلسوف يهودي عاش في ظل حضارة الاسلام السمحة هو ابو البركات البغدادي.

رسالة مفتوحة إلى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله

وجه رئيس حزب "جبهة المشاركة " المنحل ، السيد محمد رضا خاتمي، رسالة مفتوحة إلى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بمناسبة زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد للبنان.
عزيزي السيد حسن نصرالله يما تستقبلون في بلدكم لبنان السيد محمود أحمدي نجاد إستقبالا حارا باعتبار أنه رئيس الجمهورية الإسلامية، ونظرا للروابط العميقة التي تجمع شعبينا، نحن شعب إيران يهمنا أن يكون استقالبكم له كممثل للجمهورية الإسلامية على أساس سياسة عدم التدخل في شؤون بلدكم الداخلية، ومن أجل المصالح الوطنية اللبنانية ودعم المقاومة. ونتمنى عليكم كما على كل خبير بالسياسة أن تعرفوا حق المعرفة إلى أين وصلت مكانته في نظر شعب إيران.
حضرة الأمين العام ما جعلني أختارك من بين جميع مستضيفيه يعود إلى إرتباطك الوثيق بالمثل العليا والشعارات الأساسية التي تبنتها الثورة الإسلامية في إيران وما تزال.أخاطبك أنت لأن مصير الجمهورية الإسلامية مهم بالنسبة إليك كما مصير المقاومة الإسلامية. ولزاما علي أن أذكرك بالواقع المر الذي وصلنا إليه هذه الأيام في إيران، هذا الواقع الذي يتحمل مسؤوليته من قاد الثورة يوما من الأيام وعاد فأفرغها اليوم من شعبويتها واحتكر إنجازاتها لنفسه.تعلمون جيدا ولا داعي لتذكيركم أن حافظي إرث الإمام الخميني قد أصبحوا قلة قليلة في إيران هذه الأيام. فالسابقون السابقون من ورثة فقيدنا الراحل الحقيقيون يتعرضون، بجرم الحفاظ على مبادئ الثورة الأساسية، لأصعب الضغوطات و وأقسى حملات التضييق. كما أن مئات الأشخاص من الرعيل الأول لثورتنا العظيمة الذين لم ينحرفوا عن خطها الأساسي وشعاراتها الأصيلة، يقبعون في السجون في أسوأ الظروف الإنسانية.وآخرها كان إعتقال أبرز الداعمين للمقاومة الإسلامية في لبنان كما تعرفون، "الدكتور علي شكوري"، والذي جرى عشية زيارة السيد أحمدي نجاد لكم في لبنان.وهنا أسألكم كيف يمكن لشخص مثله أن يتكلم عن مقاومة نظام غاصب وهو في الوقت ذاته يزج في السجون بآلاف المخلصين ممن أمضوا سحابة عمرهم يجاهدون في سبيل إعلاء كلمة الله ودعم الثورة وتأسيس الجمهورية الإسلامية. لا يمكن لأحمدي نجاد ان يدعي محاربة الكيان الصهيوني من جهة وهو يظلم ثوريين حقيقيين من جهة أخرى. هل يمكن للإثم أن يكون مرادفا للبراءة، كما أن السكوت عن الظلم هو تأييد له.ينتظر شعبنا من كل من يدعي أنه يجاهد ضد الظلم والتسلط أن يمد يده لمساعدتنا في رفع الظلم عن جميع المعتقلين في سجون أحمدي نجاد. كما كان شعب إيران داعما أساسيا للبنان وشعبه وللطائفة الشيعية على وجه الخصوص، نتمنى منكم ان تبادلونا الوفاء بالوفاء وتساعدونا في رفع الظلم عن كاهل شعبنا.