الصفحات

الاثنين، 23 مايو 2011

25 أيار: يستمر التحرير ويتجدد بالعدالة والحرية والكرامة والديموقراطية

سعود المولى
في 25 أيار 2000 تحقق في جنوب لبنان ما كان العرب يحلمون بتحقيقه منذ عام 1917 (وعد بلفور المشؤوم) وما خسروه حين تم الغدر بتضحيات وبطولات أجيال وأجيال من الكادحين الفقراء ومن الجنود والثوار.. منذ ثورة 1936 وحرب 1948 وحرب العدوان الثلاثي 1956 وحتى نكسة حزيران 1967 ثم حرب تشرين الرائعة 1973 ومعركة جنوب لبنان 1978 ومعركة بيروت الخالدة 1982... لقد انهزم العدو الأسطوري الذي لا يقهر..انهزم هزيمة تامة لم يستطع معها إحداث دفرسوار ما..وكانت معركة الجنوب كرامة طويلة الأمد أكدت من جديد أن العدو قوي حين لا تقاتله وأنه أكثر من جبان حين تتوفر الإرادة والعزيمة والقيادة والوحدة والصمود وحين تتم الاستفادة من كل عناصر القوة في الأمة ومن كل نقاط الضعف عند العدو وفي النظام العالمي الجديد. نعم لم يكن الإنتصار في جنوب لبنان إنتصاراً للإيمان وللعقيدة فحسب، وهو لم يكن ثمرة للتخطيط والتدريب والتعبئة والحشد والحماس والتضحية فقط ، بل كان مع ذلك كله وفوق ذلك كله إنتصاراً للتقدير السليم للموقف وللإستراتيجية الواضحة وللتكتيكات الناجحة في إدارة الحرب، ولنوعية السياسات المتبعة من إنفتاح وتضامن وتفاعل مع المجتمع اللبناني ومع الأمة العربية، ومن حسن إستفادة من الظروف الدولية والإقليمية وحسن توظيفها لمصلحة الحرب الشعبية الطويلة الأمد ...هذا هو المعنى الأساسي للإنتصار في 25 ايار 2000..
لم يكن الإنتصار ليتحقق لولا الوحدة الوطنية اللبنانية الرائعة التي التفت حول المقاومة وتجسدت في إجماع وطني شامل عبَّر عنه إتفاق الطائف (1989) وكرسته القمة الروحية الجامعة الشاملة في بكركي (2 آب 1993) كما الموقف الرسمي للدولة اللبنانية (من خلال البيانات الوزارية منذ 1992) ما شكل الحضن الدافىء والحصن المنيع للمقاومة..إن حقيقة السلم الأهلي والوحدة الوطنية على قاعدة التعددية السياسية والتوافق الديموقراطي والحوار الدائم كانت هي أساس الصمود لتحقيق النصر...ولم يكن ذلك ممكمناً إلا في لبنان حيث الحرية والديموقراطية والتعددية ثروة حقيقية سمحت بتثمير التضحيات وهذا هو الدرس الأبلغ لكل دعاة الممانعة: لا مقاومة ولا ممانعة من غير حرية وعدالة وكرامة وديموقراطية..إن إعادة الإعتبار للكرامة الإنسانية ولقيم الحرية والعدالة ولمبادىء الديموقراطية هي كلمة السر في إنتصار 25 أيار... وهي كلمة السر في إنتفاضات الشعوب العربية اليوم التي ما كانت ممكنة لولا إنتصار الجنوب 2000...
ولم يكن الإنتصار ليتحقق لولا الإجماع الشعبي العربي ولولا الموقف العربي الرسمي الذي شكلّ غطاء ومظلة سمحت بالإستفادة من كل عناصر القوة العربية ومن عزل وتحييد عناصر الخلل والضعف ومن إستثمار ذلك كله دولياً كما ظهر بوضوح في تفاهم نيسان 1996 وفي مواقف أخرى كان عمادها التفاهم الإستراتيجي المصري-السعودي-السوري ومعه الدعم الأوروبي والعالم ثالثي لقضايانا..لقد كان ممكناً تحقيق التضامن العربي والتأييد الدولي ليس فقط بسبب عدالة القضية بل بسبب كيفية إدارة الصراع وتحقيق أوسع جبهة إستراتيجية لعزل العدو وبسبب الإستفادة من كل عناصر الوضع الدولي والاقليمي دون إنغلاق أو تحجر ودون إستعلاء أو تكبر.. وبرغم كل ما حدث منذ التحرير إلا أن هذا التضامن العربي قد صار سهل الإستعادة اليوم بعد موجة الثورات العربية التي سارت على طريق تحقيق المصالحة الحقيقية بين الشعوب وأنظمتها وإنجاز السلم الأهلي الراسخ وبناء التنمية المستدامة والتي ستعيد صياغة العلاقات الداخلية في كل بلد عربي على أساس العدالة والكرامة والحرية والديموقراطية، والعلاقات العربية-العربية والعربية-الإسلامية على أساس التضامن والتعاون والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة..
وهذا وحده هو طريق الإنتصار على الذات ثم على الظلم الدولي والعدوان الخارجي..
لا يمكن هزيمة وحش العولمة الرأسمالية وغول التجزئة والتفتيت المذهبي والقبلي بسياسات القمع والنبذ والعزل والتخوين والتكفير..لا يمكن تأمين شروط إنخراطنا السوي في مجتمع دولي أكثر عدالة ومساواة وأكثر إحتراماً لحقوقنا ومطالبنا دون بناء العدالة والحرية والكرامة لبلادنا وشعوبنا...وإلا فإن تجارب من سبقونا على طريق حرب التحرير الشعبية والنصر على الإحتلال والعدوان مليئة بالدروس والعبر.. ليس الإنتصار على العدو الخارجي المحتل منقذاً من الضلال بحد ذاته..فكم من شعب ثار وانتصر بعد قتال أسطوري وبعد ملايين الشهداء والتضحيات...ثم إنهارت التجربة وسيطر عليها الدم والمال وشهوة الجاه والسلطة وروح الإستئثار والإستحواذ.. من جزائر المليون شهيد إلى بلدان الهند الصينية..ومن روسيا إلى الصين..ومن أنغولا وكوبا إلى إيران والسودان..إنتحرت الثورات وماتت الإنتصارات تحت وطأة الإستبداد الداخلي والفساد وسياسات القمع والتخوين والتدمير...والحال أن المعيار الحاكم يكمن في الإنتصار على الذات وفي الإنتقال من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر: الجهاد السلمي في البناء والتنمية والإعمار وفي العدالة والديموقراطية والوحدة الوطنية... وقبل أي شيء: تحقيق كرامة الإنسان وحريته..