الصفحات

الاثنين، 2 مايو 2011

وماذا عن البحرين؟

حازم صاغية
لا يمكن لصاحب رأي نزيه ومتماسك أن يؤيّد الانتفاضات العربيّة جميعها ويستثني منها انتفاضة البحرين، تماماً كما لا يمكن الاقتصار في التأييد على انتفاضة البحرين والاعتراض على باقي الانتفاضات.
إمّا أن تؤيَّد كلّها أو أن تُعارَض كلّها.
وموقّع هذه الأسطر يؤيّدها كلّها، بما فيها انتفاضة البحرين، ويدين كلّ محاولات سحقها، بما فيها سحق انتفاضة البحرين. أمّا المآخذ على انتفاضة البحرين فتسري على الانتفاضات جميعاً، وإن تفاوتت النسب، من دون أن تجيز المآخذُ الانتقالَ إلى صفوف مناهضي الانتفاضات.
فأن يغلب اللون الشيعيّ على انتفاضة البحرين يندرج في نفس السياق الذي تندرج فيه غلبة اللون السنّيّ على انتفاضة سوريّا أو غلبة لون المناطق الشرقيّة على انتفاضة ليبيا. وهذا، في الحالات جميعاً، مردّه إلى أسباب تاريخيّة يقع بعضها في ثقافاتنا وتراكيبنا العصبيّة الموروثة، فيما يقع بعضها الآخر في فئويّة الأنظمة الحاكمة وقيامها على تمييز جائر ومزمن أنعش الهويّات الموضعيّة والمذهبيّة الأكثر تعرّضاً للاضطهاد.
وقد يقال إنّ ثمّة "اختراقاً إيرانيّاً" للانتفاضة البحرينيّة، وقد يكون في اتّهام كهذا الكثير من الصحّة والوجاهة. فذلك ليس غريباً عن نظام إيديولوجيّ وتوسّعيّ بدأ حياته بنظريّة "تصدير الثورة"، كما لم تحل إسلاميّته المعلنة دون احتفاظه بثلاث جزر عربيّة احتلّتها طهران في العهد الشاهنشاهي.
لكنّ التمييز والقهر والحرمان وأحكام الإعدام والتعدّي على الأملاك الخاصّة والإهانة للمعتقدات المذهبيّة، وهو ما يحصل اليوم في البحرين، ليست الأدوات المثلى لكبح التأثير الإيرانيّ، بل ليست الأدوات المثلى لأيّ عمل نبيل أصلاً. ويمكن القول، بصراحة أكبر، إنّ هذا السلوك التمييزيّ حيال شيعة البحرين هو الطريق الأقصر لوضعهم جميعاً في الجيب الإيرانيّ، ومن ثمّ خنق المواقع الوطنيّة والعاقلة والمعتدلة في صفوفهم. وهذا ما يسمح بتقدير الأسوأ، حيث البشر كالديناميت، كلّما ضُغطوا سُرّع انفجارهم.
والحقّ أنّ اتّجاهات عريضة في الثقافة السياسيّة العربيّة السائدة تعمل اليوم، بمزيج من التعصّب والتخلّف، على فرز الشيعة عن أجسامهم الوطنيّة، وإهدائهم، أفراداً وجماعات، إلى القوى الراديكاليّة المتطرّفة من أمثال "حزب الله"، ومن ثمّ إلى إيران.
لقد دلّت أحداث البحرين الأخيرة، بما فيها التمييز بين انتفاضتها وبين سائر الانتفاضات، إلى اتّساع رقعة اللا تسامح في الحياة العربيّة، وبلوغ هذا اللا تسامح حدًّا ينعدم معه كلّ حوار وتواصل، ومن ثمّ كلّ سياسة.
وهذا تطوّر مؤلم ومحزن، فضلاً عن كونه مدمّراً لنسيج الوحدة الوطنيّة البحرينيّة أو ما تبقّى منها. أمّا الصمت عن ذلك فتواطؤ مع الجريمة