الصفحات

الأحد، 15 مايو 2011

القمة الروحية الاسلامية-المسيحية

البيان الختامي للقمة الروحية التي عقدت في بكركي يوم الخميس 12 ايار 2011

في الوقت الذي تجري في العديد من الدول العربية احداث مصيرية كبرى، تبدو اكثر من اي وقت مضى أهمية الصيغة اللبنانية في احترام قيم الحريات الفردية والعامة، الدينية منها والسياسية، واهمية التزامنا نحن اللبنانيين أسس النظام الديموقراطي البرلماني الذي ارتضيناه نظاما يحفظ لنا عيشنا المشترك ويصون وحدتنا الوطنية.
ولقد تنادى اصحاب الغبطة والسماحة والسيادة وعقدوا قمة في الصرح البطريركي في بكركي صباح الخميس 12 ايار 2011، لتأكيد المبادىء الكيانية التي تؤهل لبنان ليكون جديرا بحمل رسالة احترام التنوع الديني والتعدد المذهبي في اطار الالتزام الوطني. استهل المجتمعون لقاءهم بالصلاة والدعاء الى الله العلي القدير ليحفظ لبنان وشعبه ويصون وحدة ابنائه المسيحيين والمسلمين.
حرص المجتمعون على عقد اجتماعهم الاخوي في الصرح البطريركي في بكركي لمناسبة تولي غبطة البطريرك مار بشاره بطرس الراعي السدة البطريركية، وتقديرا منهم لتوجيهاته الروحية والوطنية التي تتلاقى مع توجيهاتهم المشتركة لخير لبنان وخير العلاقات الاسلامية- المسيحية، مثمنين شعار شركة ومحبة الذي اتخذه غبطته، ومتمنين له كل النجاح في تأدية مهمته، كما اعربوا عن عميق تقديرهم لغبطة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير على مجمل عطاءاته، داعين له بالصحة وطول العمر.
وقد ناشدوا بادىء ذي بدء المسؤولين السياسيين المعنيين، تأليف الحكومة اليوم قبل الغد، على الاسس والقواعد الميثاقية والدستورية بما يمكنها من اداء دورها في هذه المرحلة الدقيقة والصعبة التي يمر بها لبنان والمنطقة العربية.
وبعد تداول الاوضاع أكدوا الثوابت الوطنية الآتية:
1- الوحدة الوطنية بين اللبنانيين جميعا، والتحذير من حال التشرذم الداخلي التي يضعف استمرارها مناعة لبنان ويطعن في صدقية رسالته، وفي قدرته على مواجهة تحديات التطورات التي تشهدها المنطقة العربية، الامر الذي قد يعرضه لا سمح الله الى ان يدفع مرة جديدة الثمن الباهظ من امنه وسلامته واستقراره.
2- اعتبار الدولة اللبنانية مصدر قوة للبنانيين جميعا والحاضنة لهم، مما يفرض على المواطنين توطيد ثقتهم بها، ودعم مؤسساتها، ومن القيادات السياسية الارتفاع في اختلافاتها وفي تباين وجهات نظرها، لغة ومضمونا، وسيلة وهدفا، الى المستوى الذي يمكن لبنان من مواجهة الصعوبات السياسية والاقتصادية التي يواجهها، ومن الاستجابة لمقتضيات العيش الوطني الذي من دونه يفقد لبنان جوهر كيانه.
3- التزام ثقافة الحوار الذي يحترم وجهات النظر المختلفة مهما تباعدت، ويرمي الى تحقيق الوفاق والخير العام، والاعتماد على هذا الحوار أساسا لبت القضايا اللبنانية الكبرى، وفي طليعتها:
- التزام لبنان ميثاقه الوطني ووثيقة الوفاق في الطائف والمواثيق العربية والدولية في اطار جامعة الدول العربية ومنظمة الامم المتحدة، مما يجنبه الدخول في الخلافات والصراعات والمحاور الاقليمية والخارجية بصورة مباشرة وغير مباشرة.
- البحث في استراتيجية وطنية تمكن الدولة اللبنانية من الدفاع عن سيادتها وحقوقها وعن مصادر ثروتها الطبيعية في ارضها وفي مياهها الاقليمية، وهو حق مطلق لها.
4- تعزيز الانتماء الوطني ثقافيا وتربويا واجتماعيا وسياسيا، وتثبيت اركان الدولة واحترام دستورها وقوانينها، تمكينا لها من اداء دورها في معالجة الشأن المعيشي والاجتماعي المتسبب بالهجرة واستنزاف قوى البلاد الحية، وفي تحقيق المساواة والعدالة للمواطنين جميعا. فالعدالة قيمة مطلقة وهي صفة من صفات الله تعالى لا يمكن أي مجتمع أن يستمر ويزدهر من دونها، وتأكيد احترام القيم الأخلاقية والروحية، وناشدوا وسائل الإعلام القيام بدورها في صون هذه القيم.
5- الإحتكام الى المؤسسات الدستورية دون سواها لمعالجة أي خلاف، والاعتماد على الجيش اللبناني وعلى قوى الأمن الشرعية وحدها للمحافظة على الأمن والإستقرار ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وتوفير الإمكانات اللازمة لها للقيام بهذه المهمة.
6- تأكيد سيادة لبنان وحريته واستقلاله، وحق الدولة في تحرير اراضيها التي تحتلها اسرائيل، وهم إذ يثمنون دور قوات اليونيفيل في جنوب لبنان التي تعمل وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي 1701، يهيبون بالأمم المتحدة وبالمجتمع الدولي الضغط على إسرائيل لحملها على تنفيذ القرارات الدولية التي تطالبها بالإنسحاب الفوري وغير المشروط من كل الأراضي اللبنانية، واحترام سيادة لبنان على أرضه ومياهه وفضائه.
7- التشديد على أهمية حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، الذي هو مفتاح السلام والأمن والإستقرار، بما يضمن تحرير جميع الأراضي العربية المحتلة.
كما يهيبون بالمنظمة الدولية الإستجابة لحقوق الشعب الفلسطيني وبخاصة حق العودة الى وطنه وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، المعترف بها وطنا دائما لجميع الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة وفي الشتات، وهذا ما يتلاقى مع إرادة اللبنانيين الجامعة في رفض التوطين بكل أشكاله.
8- مناشدة جميع اللبنانيين، وبخاصة الشباب، التمسك بأرضهم في الوطن، محافظين عليها من جيل الى جيل، والتشبث بقيمهم الإيمانية وبقيم وطنهم وثقافته المنفتحة على التنوع، مبتعدين عن أخطار التزمت والتطرف الديني الذي يشوه صورة الآخر ويروج للتقوقع والإنغلاق ويزعزع الثقافة الوطنية المشتركة المبنية على اعتبار العيش معا قيمة إنسانية سامية. ودعوتهم لعدم الإستسلام الى تجربة الإنطواء على الذات في مجموعات طائفية متجانسة ومنقطعة عن التواصل في ما بينها، لأن في ذلك تقطيعا لأوصال المجتمع ولجذور الوحدة الوطنية. ومطالبة الدولة اللبنانية بتحفيز النمو الإقتصادي وتأمين فرص عمل للشباب وتبديد مشاعر الخوف لديهم حول المستقبل.
أبدى أصحاب الغبطة والسماحة والسيادة قلقهم واستنكارهم الشديدين لتداعيات الاحداث التي اتخذت بعدا طائفيا في جمهورية مصر العربية الشقيقة، ومن قبلها العراق، والتي طالت العديد من المسيحيين ووصلت الى حد الاعتداء الاثم على الكنائس، واكدوا موقفهم الثابت، وهو ان اي اعتداء على اي بيت من بيوت الله او على مقدس من مقدساتنا الدينية، هو بمثابة اعتداء عليها جميعا، وهم يؤكدون ما للمسيحيين والمسلمين في هذا الشرق من دور تاريخي بناء على مختلف الاصعدة، وما يتمتعون به من ولاء واخلاص لاوطانهم، مصرين على المشاركة في صنع مستقبل مشرق لها.
كما شدد المجتمعون على تعزيز روابط الاخوة بين لبنان والدول العربية الشقيقة وعلى حرصه على ان تحقق هذه الدول الشقيقة لنفسها ما يتمنى هو ان يحققه لنفسه ايضا من استقرار وازدهار وامن وسلام.
وقد أقر المجتمعون مبدأ عقد لقاءات دورية للقمة الروحية، والتوجه بمبادرة روحية وطنية لمعالجة الخلافات السياسية الداخلية.
وهم يرفعون الدعاء الى الله العلي الضابط الكل لكي تتخطى الدول العربية الازمات العصيبة التي تمر بها، كما يتمنون ان يوفر لقاؤهم الروحي والوطني اليوم قوة دفع جديدة للحوار السياسي الوطني على النحو الذي حققه لقاؤهم السابق الذي عقد في رحاب القصر الجمهوري في عام 2008، ويبتهلون معا الى الله العلي ان يمن على لبنان وشعبه بالخير والامان، وان يصون وحدة ابنائه ويوفقهم جميعا لسلوك طريق الخير والسلام والمحبة.