العقل "الاسير" يقول بأن الثورات العربية مؤامرة أميركية
الاثنين 27 حزيران (يونيو) 2011
أقامت جمعية متخرجي الجامعة الاميركية في بيروت حفلها السنوي التقليدي الرابع عشر لتكريم المتخرجين في بيروت مساء اليوم في فندق البريستول، كرمت خلاله رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط ووزعت ميداليات على متخرجي اليوبيل الماسي والذهبي والفضي لمتخرجي دفعات اعوام 1936 و1961 و1986.
وقد ألقى السيد جنبلاط الخطاب التالي:
تحدث النائب جنبلاط فقال"اثناء وجودي في الجامعة الاميركية في بيروت بين سنوات 69 و 71 و72 صودف ان تتلمذت على ايدي اساتذة ومفكرين كبار امثال يوسف ابش وزين زين ووليد خالدي وابراهيم وكمال صليبي وغيرهم، وبعد 40 عاما تعود بي الذاكرة وان اصابها بعض الصدأ اذكر مثلا ان يوسف ابش الى جانب تركيزه على مفهوم الامة الاسلامية الجامعة بشتى انواع الاعراق والشعوب، كان يكره ما يسمى بالاحزاب التقدمية والقومية العربية وادعاءاتها الوحدوية، كان يوسف ابش سياسيا محنكا من بلاد الشام يكره ما يسمى بالاحزاب التقدمية والقومية العربية مفضلا ابن رشد وابن خلدون على ابن تيمية، كان يوسف ابش انسانا كبيرا وريثا للأمير عبدالقادر الجزائري، ومع زين زين كاد التاريخ ان يلفظ انفاسه وتسقط البيزنطية وينتصر العثمانيون على المماليك في مرج دابق، وتكاد ان تسقط فيينا فيهتز العالم، ولكن مالطا عطلت على سليمان كما رومل.وكم من سلطان قضى مسموما بكيد احداهن وما اجمل الاستانة على البوسفور يرقد في مائها من عصى او تآمر على السلطان، ونعود مع كمال صليبي في تاريخ لبنان الحديث الذي برهن اننا كنا ادوات صغيرة من حروب 1860 فتاريخنا هو حكايات وسوالف متنوعة لشيخ من هنا وشيخ من هناك وبيت طبعا وحديثي النعمة وما اكثرهم اليوم، ولكن هذه الفسيفساء الجامعة للاضداد خرج منها كبار كجبران خليل جبران وميخائيل نعيمة واليوم نفتخر بأمين معلوف الذي التحق بالخالدين.
واعترف انني سقطت في علم النفس مع ندى تقي الدين ونديم خلف في الاقتصاد ولم افهم حتى هذه اللحظة لماذا كان يجب علينا ان نعود للقواعد العربية مع سامي مكارم. هذا هو الجو الذي كان سائدا في الجامعة الاميركية في قاعاتها او خارجها في الدردشة في مطعم فيصل.
سمح لي هذا الجو ولو لبرهة من الزمن لأن اطل على عالم بتعقيداته وتشعباته وتراثه الانساني فوق كل حدود، ان اتثقف واصقل شخصيتي".
الطريق إلى القدس لا تمرّ في جونيه!
اضاف "تعلمت ان التاريخ لا ينتهي فلا حقيقة مطلقة، بل كل شيء نسبي، لكن المحيط في تلك الايام، معطوفا على عنفوان الشباب، وكل هذا على وقع خطابات جمال عبد الناصر وصوت الجماهير والشباب الهادر وبداية التلاحم اللبناني الفلسطيني، الذي من خلاله التحم البلد ببعضه البعض ولا يزال والانقسام الحاد بين كميل شمعون وكمال جنبلاط واليمين واليسار والحركة الوطنية والانعزال واستباحة فلسطين والجنوب، ومعسكر السلام السوفياتي تقابله الامبريالية الاميركية المتوحشة، كل هذه العوامل قضت على امكانية الانفتاح وارست الحواجز واصبح العقل فيها لاحقا اسيرا وهذا المصطلح ليس لي بل لمفكر اوروبي، وما يصح في الستالينية يصح في الفاشية وورثنا في العالم العربي الكثير من هنا وهناك.وكيف اضيع واضيع، العقل الاسير جعلنا نؤمن ان الطريق الى القدس تمر بجونية والعقل الاسير كائن من كان جعلنا ندخل في حافلة عين الرمانة، في الاغتيال تلو الاغتيال. بالامس كنا يمينا ويسارا وصرنا اليوم 14 و 8 والجواب بسيط سهل جدا حيث لم يعد من قادة تاريخيين يفكرون عنا وصار العالم بقبضتنا بالفايسبوك".
وتابع "خرج اليوم مواطن عربي فقير بسيط ومتواضع ومهمش ولكن بارادة لا تتزعزع ليقول اريد كرامتي وحريتي، لا حزب قائد فيها ولا سلطان معصوم، انزلوا عن عروشكم، انصفوا او ارحلوا، لماذا اليوم هذه الثورة وهذه الانتفاضة، فجوابا على العقل الاسير او العقول الاسيرة بأن الثورات العربية مؤامرة اميركية او ما شابه. يقول لينين " تمر عقود ولا شيء، يحدث وتمر اسابيع وكأن عقودا تحدث".
وختم "سيثبت لنا هذا المواطن العربي البسيط والحر بأن الشعوب الحرة هي وحدها التي تحرر المقموعة منها او الاسيرة في فلسطين وغيرها، وتكون هذه المرحلة ومضة للانعتاق من عقلنا الاسير.
الصفحات
▼
الأربعاء، 29 يونيو 2011
الأزهر: لا دولـة ديـنـيـة فـي الإســلام
أطلق شيخ الأزهر أحمد الطيب «وثيقة الأزهر» بشأن مستقبل مصر في الفترة المقبلة، وتضمنت التوافق على مبادئ عدة، من بينها «قيام دولة وطنية ديموقراطية على أساس دستور يرتضيه جميع المصريين، والتمسك بالثقافة الإسلامية والعربية والاحترام الكامل لدور العبادة ومناصرة حقوق الفلسطينيين».
وأكد الطيب في مؤتمر صحافي عقده مع مجموعة من الأدباء والكتاب في مشيخة الأزهر في القاهرة «أهمية اعتماد النظام الديموقراطي القائم على الانتخاب الحر المباشر». واعتبر أن «ذلك الإجراء يدعم تأسيس الدولة الوطنية الدستورية الديموقراطية الحديثة التي تعتمد على دستور ترتضيه الأمة ويفصل بين سلطات الدولة ومؤسساتها القانونية الحاكمة، ويحدد إطار الحكم ويضمن الحقوق والواجبات لكل أفرادها على قدم المساواة بحيث تكون سلطة التشريع فيها لنواب الشعب بما يتوافق مع المفهوم الإسلامي الصحيح». وأوضح ان «الإسلام لم يعرف في حضارته ولا تشريعاته ولا تاريخه ما يُعرف بالثقافات الأخرى بالدولة الدينية الكهنوتية التي تسلطت على الناس وعانت منها البشرية في بعض مراحل التاريخ». الا ان شيخ الازهر شدد على ضرورة ان «تكون المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع وبما يضمن لاتباع الديانات السماوية الأخرى الاحتكام إلى شرائعهم الدينية في قضايا الأحوال الشخصية».
وأكد الطيب على «ضرورة الالتزام بمنظومة الحريات الأساسية في الفكر والرأي مع الاحترام الكامل لحقوق الإنسان والمرأة والطفل، واعتبار المواطنة وعدم التمييز على أساس من الدين أو النوع أو الجنس أو غير ذلك مناط التكليف والمسؤولية، وتأكيد مبدأ التعددية، واحترام جميع العقائد الدينية السماوية الثلاث».
وقدمت مجموعة من الأدباء والمفكرين والعلماء قبيل المؤتمر الصحافي لشيخ الأزهر ورقة حول «رؤية الازهر والمثقفين لمستقبل مصر»، شارك في وضعها الرئيس السابق للجامعة الإسلامية بباكستان حسن الشافعي، والمفكر الإسلامي وعضو مجمع البحوث الإسلامية أحمد كمال أبو المجد، ومصطفى الفقي، والمفكرون سمير مرقص وليلى تكلا وجلال أحمد أمين وجابر أحمد عصفور والروائيون جمال الغيطاني ويوسف القعيد وبهاء طاهر والمخرج محمد فاضل.
وأضاف الطيب أن الوثيقة تهدف الى «تحديد المبادئ الحاكمة لفهم علاقة الاسلام بالدولة في المرحلة الدقيقة الراهنة ودعم تأسيس الدولة الوطنية الدستورية الديموقراطية»، وتشدد على «الالتزام بمنظومة الحريات الأساسية في الفكر والرأي، مع الاحترام الكامل لحقوق الإنسان والمرأة والطفل، والتأكيد على مبدأ التعددية واحترام الأديان السماوية، واعتبار المواطنة مناط المسؤولية في المجتمع» ، وعلى ضرورة «الاحترام التام لآداب الاختلاف وأخلاقيات الحوار، وضرورة اجتناب التكفير والتخوين واستغلال الدين واستخدامه لبعث الفرقة والتنابذ والعداء بين المواطنين، مع اعتبار الحث على الفتنة الطائفية والدعوات العنصرية جريمة في حق الوطن». كما تؤكد الوثيقة على «وجوب اعتماد الحوار المتكافئ والاحترام المتبادل والتعويل عليهما في التعامل بين فئات الشعب المختلفة، من دون أي تفرقة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين».
ودعا علماء الأزهر والمثقفون في الوثيقة إلى «تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية، ومواجهة الاستبداد ومكافحة الفساد والقضاء على البطالة، بما يفجر طاقات المجتمع وابداعاته في الجوانب الاقتصادية والبرامج الاجتماعية والثقافية والإعلامية على أن يأتي ذلك على رأس الأوليات التي يتبناها شعبنا في نهضته الراهنة، مع اعتبار الرعاية الصحية الحقيقية والجدية واجب الدولة تجاه كل المواطنين جميعاً
وأكد الطيب في مؤتمر صحافي عقده مع مجموعة من الأدباء والكتاب في مشيخة الأزهر في القاهرة «أهمية اعتماد النظام الديموقراطي القائم على الانتخاب الحر المباشر». واعتبر أن «ذلك الإجراء يدعم تأسيس الدولة الوطنية الدستورية الديموقراطية الحديثة التي تعتمد على دستور ترتضيه الأمة ويفصل بين سلطات الدولة ومؤسساتها القانونية الحاكمة، ويحدد إطار الحكم ويضمن الحقوق والواجبات لكل أفرادها على قدم المساواة بحيث تكون سلطة التشريع فيها لنواب الشعب بما يتوافق مع المفهوم الإسلامي الصحيح». وأوضح ان «الإسلام لم يعرف في حضارته ولا تشريعاته ولا تاريخه ما يُعرف بالثقافات الأخرى بالدولة الدينية الكهنوتية التي تسلطت على الناس وعانت منها البشرية في بعض مراحل التاريخ». الا ان شيخ الازهر شدد على ضرورة ان «تكون المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع وبما يضمن لاتباع الديانات السماوية الأخرى الاحتكام إلى شرائعهم الدينية في قضايا الأحوال الشخصية».
وأكد الطيب على «ضرورة الالتزام بمنظومة الحريات الأساسية في الفكر والرأي مع الاحترام الكامل لحقوق الإنسان والمرأة والطفل، واعتبار المواطنة وعدم التمييز على أساس من الدين أو النوع أو الجنس أو غير ذلك مناط التكليف والمسؤولية، وتأكيد مبدأ التعددية، واحترام جميع العقائد الدينية السماوية الثلاث».
وقدمت مجموعة من الأدباء والمفكرين والعلماء قبيل المؤتمر الصحافي لشيخ الأزهر ورقة حول «رؤية الازهر والمثقفين لمستقبل مصر»، شارك في وضعها الرئيس السابق للجامعة الإسلامية بباكستان حسن الشافعي، والمفكر الإسلامي وعضو مجمع البحوث الإسلامية أحمد كمال أبو المجد، ومصطفى الفقي، والمفكرون سمير مرقص وليلى تكلا وجلال أحمد أمين وجابر أحمد عصفور والروائيون جمال الغيطاني ويوسف القعيد وبهاء طاهر والمخرج محمد فاضل.
وأضاف الطيب أن الوثيقة تهدف الى «تحديد المبادئ الحاكمة لفهم علاقة الاسلام بالدولة في المرحلة الدقيقة الراهنة ودعم تأسيس الدولة الوطنية الدستورية الديموقراطية»، وتشدد على «الالتزام بمنظومة الحريات الأساسية في الفكر والرأي، مع الاحترام الكامل لحقوق الإنسان والمرأة والطفل، والتأكيد على مبدأ التعددية واحترام الأديان السماوية، واعتبار المواطنة مناط المسؤولية في المجتمع» ، وعلى ضرورة «الاحترام التام لآداب الاختلاف وأخلاقيات الحوار، وضرورة اجتناب التكفير والتخوين واستغلال الدين واستخدامه لبعث الفرقة والتنابذ والعداء بين المواطنين، مع اعتبار الحث على الفتنة الطائفية والدعوات العنصرية جريمة في حق الوطن». كما تؤكد الوثيقة على «وجوب اعتماد الحوار المتكافئ والاحترام المتبادل والتعويل عليهما في التعامل بين فئات الشعب المختلفة، من دون أي تفرقة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين».
ودعا علماء الأزهر والمثقفون في الوثيقة إلى «تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية، ومواجهة الاستبداد ومكافحة الفساد والقضاء على البطالة، بما يفجر طاقات المجتمع وابداعاته في الجوانب الاقتصادية والبرامج الاجتماعية والثقافية والإعلامية على أن يأتي ذلك على رأس الأوليات التي يتبناها شعبنا في نهضته الراهنة، مع اعتبار الرعاية الصحية الحقيقية والجدية واجب الدولة تجاه كل المواطنين جميعاً
رؤية لجان التنسيق المحلية في سوريا لمطالب الثورة الشعبية ومستقبل سوريا
انقضت ثلاثة أشهر على تفجر الثورة السورية الكبرى، أظهر خلالها الشعب السوري شجاعة استثنائية، وكافح من أجل حريته مقدما أكثر من ألف وأربعمئة من أبنائه شهداء، وفوق عشرة آلاف من المعتقلين. لقد واجه النظام الاستبدادي الفاسد احتجاجات الشعب بالنهج الدكتاتوري نفسه الذي أدى إلى تفجرها. فأطلق يد أجهزته الأمنية الإجرامية تغتال المواطنين وتعتقلهم وتعذبهم، وزج الجيش الوطني في مواجهة مع شعبه، كأنه ليس لسورية أرض محتلة، وعمل على إثارة المخاوف الطائفية بين السكان والعبث غير المسؤول بالنسيج الوطني، وسخر أجهزة الإعلام العامة لتجريم الثورة والتحريض على قتل المحتجين السلميين.
والقضية المطروحة اليوم على السوريين جميعا هي كيفية الخروج من الأزمة الوطنية التي ترتبت على مواجهة الثورة الشعبية العادلة بالعنف القاتل. ولا نرى غير واحد من مخرجين:
إما ترتيب تفاوضي سلمي للتحول نحو نظام ديمقراطي تعددي قائم على الانتخابات الحرة، يطوي صفحة نظام الحزب الواحد، والرئيس الذي تتجدد ولايته إلى الأبد، والحكم الوراثي، وحصانة الأجهزة الأمنية، واستخدام الدولة لحماية سارقي الشعب، والإعلام التحريضي الكاذب؛ أو دفع البلاد في نفق المجهول عبر المضي في خيار العنف ضد الاحتجاجات الشعبية السلمية، والتضحية بسورية من أجل بقاء نظام غير أخلاقي، لا يحترم نفسه ولا شعبه. ويحمل هذا الخيار الأخير مخاطر التدويل والنزاعات الأهلية، مما يتحمل النظام وحده المسؤولية الكاملة عنه. إننا لا نقبل بحال من الأحوال وضع الكرة في ملعب الثورة الشعبية السلمية، ومطالبتها بالتوقف، بذريعة أن النظام لن يتوقف عن القتل والتخريب. لا يجوز أن يُكافأ المجنون على جنونه، وليس مقبولا أن تبقى سورية رهينة بيد خاطفين غير مسؤولين إلى هذا الحد.
إننا نخاطب هنا الشعب السوري بمختلف أطيافه، ومن يحتمل أن لديهم شيئا من الغيرة على وطنهم من القريبين من النظام، ليساهموا في تجنيب البلاد المصير الذي تقودها إليه الطغمة الحاكمة، وندعو إلى وقفة ضميرية تصون سورية وشعبها، وتفتح لهما أبواب المستقبل. نقول للجميع بكل وضوح إن القضية المركزية والهدف الأول للثورة هو تغيير النظام السياسي، متمثلا كنقطة انطلاق من إنهاء ولاية الرئيس الحالي، المسؤول سياسيا وقانونيا عما ارتكبه نظامه بحق سورية والشعب السوري. هنا نقطة البداية للخروج من الأزمة، وغير ذلك هو التفاف على تضحيات الشعب السوري وتمديد للأزمة الوطنية التي تهدد مستقبل المجتمع السوري وكيان البلاد.
لتجنب هذه الآفاق القاتمة، هذه عناصر رؤيتنا لإنقاذ البلاد:
أولا: وكما أكدت لجان التنسيق المحلية في بيانيها السابقين، لا بد فورا من:
1. وقف القتل والعنف واستهداف المظاهرات من قبل أجهزة الأمن والميلشيات والشبيحة المرتبطين بهم.
2. الإفراج الفوري عن المعتقلين السياسيين جميعا، القدامى والجدد، ووقف الاعتقال والملاحقة بحق ناشطي الثورة والمعارضة.
3. وقف التجييش الإعلامي ضد المتظاهرين، والسماح لوسائل الإعلام العربية والدولية بدخول البلاد للاطلاع على الحقيقة على الأرض.
4. إن الثورة ستستمر، ولن يتوقف التظاهر السلمي ودون ترخيص مسبق، لأنه سلاح الشعب للدفاع عن حقوقه.
ثانيا: نؤيد فكرة الدعوة إلى مؤتمر وطني له موضوع واحد، هو التحول نحو نظام ديمقراطي تعددي، قائم على الحريات العامة والمساواة الحقوقية والسياسية بين السوريين.
1. مهمة المؤتمر هي ضمان تنحٍ سلمي وآمن للنظام القائم، وذلك بغرض تجنيب البلد مخاطر الانهيار العنيف. وهي أيضا التأسيس التوافقي لنظام جديد قائم على الحرية والمساواة وحكم القانون، يقطع الطريق على احتمالات الفوضى والأعمال الانتقامية.
2. يحدد المؤتمر فترة انتقالية لا تتجاوز ستة أشهر، يتولى الحكم خلالها مجلس انتقالي مكون من مدنيين وعسكريين، ويجري خلالها فتح وسائل الإعلام العامة للمجتمع وحراكه السياسي، وحل الأجهزة الأمنية وتولي الجيش مؤقتا أمن البلاد، وفصل الحزب عن الدولة، وحل "المنظمات الشعبية"، وإطلاق حرية العمل السياسي والنقابي، وضمان حق التظاهر السلمي.
3. وفي خلالها يجري انتخاب جمعية تأسيسية تضع دستورا جديدا للبلاد، يتضمن تحديد سلطات رئيس الجمهورية، وقصر ولايته على مدتين، كل منهما أربع سنوات فقط, وينهي إقصاء الإيديولوجيات والأحزاب الأخرى المكونة لنسيج الشعب السوري.
4. يشارك في المؤتمر سياسيون من طرف النظام، لم تتلوث أيديهم مباشرة بدماء السوريين ولا بسرقة أموالهم. ويشارك فيه ممثلون عن المعارضة في الداخل والخارج، وممثلون لناشطي الثورة الميدانيين وغير الميدانيين. ويراقبه الإعلام المستقل وممثلو المجتمع المدني في العالم.
ثالثا: إن المبادئ التي نتطلع إلى أن تضبط حياتنا العامة في سورية الجديدة، هي:
1. سورية جمهورية ودولة مدنية يملكها السوريون، وليس فردا أو أسرة أو حزبا. وهي لا تورث من آباء لأبناء.
2. السوريون شعب واحد، أفراده متساوون في الحقوق والواجبات، لا ينال أحد منهم امتيازا أو ينتقص من حقوقه بسبب أصله الديني أو المذهبي أو الإثني.
3. ستنال كل المجموعات القومية الثقافية والدينية المكونة للمجتمع السوري الاحترام في سورية الجديدة،على أساس المواطنة ولن تحظى أي منها بامتياز خاص في الدولة. ولكل منها حقوق وواجبات على قدم المساواة مع الجميع. وعليه يبدو ضرورياً وأمراً ملحاً أن تتجاوز تماماً الدولة السورية مستقبلاً, ماضيها الاستبدادي, وتتخلص من ميراث التعسف بحق الكورد أو المجموعات الأخرى, عبر مجموعة من التدابير السياسية والتشريعية, وحتى الرمزية, التي تؤهلها لأن تكون دولة عموم مواطنيها
4. العدالة والتسامح، لا الثأر ولا الانتقام، هما المبدآن الناظمان لمعالجة أية خصومات بين السوريين.و إزالة آثار الغبن القومي والاضطهاد الذي تراكم خلال عقود من سياسات البعث.
5. لا حصانة لأحد فوق القانون،والمحاسبة مبدأ شامل لا استثناء لأحد منه.
6. إن الموارد الوطنية ملك للسوريين جميعا، وإن ثمار التنمية ينبغي أن توجه نحو رفع مقدرات ومستوى حياة الشرائح والفئات الأكثر حرمانا.
7. ان سورية الجديدة حرة ومستقلة الإرادة, وملتزمة مع المجتمع الدولي باتفاقياتها التي تضمن حقوقها الوطنية والقومية.
8. إن أية مصالح مشروعة قائمة اليوم لن يلحق بها الضرر، لكن ليس مقبولا أن تحمي الدولة أوضاعا سياسية واقتصادية تمييزية وغير عادلة.
رابعا: إن الثورة الشعبية هي مصدر الشرعية السياسية في البلاد، وإنها مستمرة إلى حين تحقيق أهداف الشعب السوري في الحرية والمساواة والكرامة.
الرحمة لشهدائنا الأبرار والنصر لثورتنا من أجل سورية حرة ديمقراطية
لجان التنسيق المحلية في سوريا
11-6-2011
والقضية المطروحة اليوم على السوريين جميعا هي كيفية الخروج من الأزمة الوطنية التي ترتبت على مواجهة الثورة الشعبية العادلة بالعنف القاتل. ولا نرى غير واحد من مخرجين:
إما ترتيب تفاوضي سلمي للتحول نحو نظام ديمقراطي تعددي قائم على الانتخابات الحرة، يطوي صفحة نظام الحزب الواحد، والرئيس الذي تتجدد ولايته إلى الأبد، والحكم الوراثي، وحصانة الأجهزة الأمنية، واستخدام الدولة لحماية سارقي الشعب، والإعلام التحريضي الكاذب؛ أو دفع البلاد في نفق المجهول عبر المضي في خيار العنف ضد الاحتجاجات الشعبية السلمية، والتضحية بسورية من أجل بقاء نظام غير أخلاقي، لا يحترم نفسه ولا شعبه. ويحمل هذا الخيار الأخير مخاطر التدويل والنزاعات الأهلية، مما يتحمل النظام وحده المسؤولية الكاملة عنه. إننا لا نقبل بحال من الأحوال وضع الكرة في ملعب الثورة الشعبية السلمية، ومطالبتها بالتوقف، بذريعة أن النظام لن يتوقف عن القتل والتخريب. لا يجوز أن يُكافأ المجنون على جنونه، وليس مقبولا أن تبقى سورية رهينة بيد خاطفين غير مسؤولين إلى هذا الحد.
إننا نخاطب هنا الشعب السوري بمختلف أطيافه، ومن يحتمل أن لديهم شيئا من الغيرة على وطنهم من القريبين من النظام، ليساهموا في تجنيب البلاد المصير الذي تقودها إليه الطغمة الحاكمة، وندعو إلى وقفة ضميرية تصون سورية وشعبها، وتفتح لهما أبواب المستقبل. نقول للجميع بكل وضوح إن القضية المركزية والهدف الأول للثورة هو تغيير النظام السياسي، متمثلا كنقطة انطلاق من إنهاء ولاية الرئيس الحالي، المسؤول سياسيا وقانونيا عما ارتكبه نظامه بحق سورية والشعب السوري. هنا نقطة البداية للخروج من الأزمة، وغير ذلك هو التفاف على تضحيات الشعب السوري وتمديد للأزمة الوطنية التي تهدد مستقبل المجتمع السوري وكيان البلاد.
لتجنب هذه الآفاق القاتمة، هذه عناصر رؤيتنا لإنقاذ البلاد:
أولا: وكما أكدت لجان التنسيق المحلية في بيانيها السابقين، لا بد فورا من:
1. وقف القتل والعنف واستهداف المظاهرات من قبل أجهزة الأمن والميلشيات والشبيحة المرتبطين بهم.
2. الإفراج الفوري عن المعتقلين السياسيين جميعا، القدامى والجدد، ووقف الاعتقال والملاحقة بحق ناشطي الثورة والمعارضة.
3. وقف التجييش الإعلامي ضد المتظاهرين، والسماح لوسائل الإعلام العربية والدولية بدخول البلاد للاطلاع على الحقيقة على الأرض.
4. إن الثورة ستستمر، ولن يتوقف التظاهر السلمي ودون ترخيص مسبق، لأنه سلاح الشعب للدفاع عن حقوقه.
ثانيا: نؤيد فكرة الدعوة إلى مؤتمر وطني له موضوع واحد، هو التحول نحو نظام ديمقراطي تعددي، قائم على الحريات العامة والمساواة الحقوقية والسياسية بين السوريين.
1. مهمة المؤتمر هي ضمان تنحٍ سلمي وآمن للنظام القائم، وذلك بغرض تجنيب البلد مخاطر الانهيار العنيف. وهي أيضا التأسيس التوافقي لنظام جديد قائم على الحرية والمساواة وحكم القانون، يقطع الطريق على احتمالات الفوضى والأعمال الانتقامية.
2. يحدد المؤتمر فترة انتقالية لا تتجاوز ستة أشهر، يتولى الحكم خلالها مجلس انتقالي مكون من مدنيين وعسكريين، ويجري خلالها فتح وسائل الإعلام العامة للمجتمع وحراكه السياسي، وحل الأجهزة الأمنية وتولي الجيش مؤقتا أمن البلاد، وفصل الحزب عن الدولة، وحل "المنظمات الشعبية"، وإطلاق حرية العمل السياسي والنقابي، وضمان حق التظاهر السلمي.
3. وفي خلالها يجري انتخاب جمعية تأسيسية تضع دستورا جديدا للبلاد، يتضمن تحديد سلطات رئيس الجمهورية، وقصر ولايته على مدتين، كل منهما أربع سنوات فقط, وينهي إقصاء الإيديولوجيات والأحزاب الأخرى المكونة لنسيج الشعب السوري.
4. يشارك في المؤتمر سياسيون من طرف النظام، لم تتلوث أيديهم مباشرة بدماء السوريين ولا بسرقة أموالهم. ويشارك فيه ممثلون عن المعارضة في الداخل والخارج، وممثلون لناشطي الثورة الميدانيين وغير الميدانيين. ويراقبه الإعلام المستقل وممثلو المجتمع المدني في العالم.
ثالثا: إن المبادئ التي نتطلع إلى أن تضبط حياتنا العامة في سورية الجديدة، هي:
1. سورية جمهورية ودولة مدنية يملكها السوريون، وليس فردا أو أسرة أو حزبا. وهي لا تورث من آباء لأبناء.
2. السوريون شعب واحد، أفراده متساوون في الحقوق والواجبات، لا ينال أحد منهم امتيازا أو ينتقص من حقوقه بسبب أصله الديني أو المذهبي أو الإثني.
3. ستنال كل المجموعات القومية الثقافية والدينية المكونة للمجتمع السوري الاحترام في سورية الجديدة،على أساس المواطنة ولن تحظى أي منها بامتياز خاص في الدولة. ولكل منها حقوق وواجبات على قدم المساواة مع الجميع. وعليه يبدو ضرورياً وأمراً ملحاً أن تتجاوز تماماً الدولة السورية مستقبلاً, ماضيها الاستبدادي, وتتخلص من ميراث التعسف بحق الكورد أو المجموعات الأخرى, عبر مجموعة من التدابير السياسية والتشريعية, وحتى الرمزية, التي تؤهلها لأن تكون دولة عموم مواطنيها
4. العدالة والتسامح، لا الثأر ولا الانتقام، هما المبدآن الناظمان لمعالجة أية خصومات بين السوريين.و إزالة آثار الغبن القومي والاضطهاد الذي تراكم خلال عقود من سياسات البعث.
5. لا حصانة لأحد فوق القانون،والمحاسبة مبدأ شامل لا استثناء لأحد منه.
6. إن الموارد الوطنية ملك للسوريين جميعا، وإن ثمار التنمية ينبغي أن توجه نحو رفع مقدرات ومستوى حياة الشرائح والفئات الأكثر حرمانا.
7. ان سورية الجديدة حرة ومستقلة الإرادة, وملتزمة مع المجتمع الدولي باتفاقياتها التي تضمن حقوقها الوطنية والقومية.
8. إن أية مصالح مشروعة قائمة اليوم لن يلحق بها الضرر، لكن ليس مقبولا أن تحمي الدولة أوضاعا سياسية واقتصادية تمييزية وغير عادلة.
رابعا: إن الثورة الشعبية هي مصدر الشرعية السياسية في البلاد، وإنها مستمرة إلى حين تحقيق أهداف الشعب السوري في الحرية والمساواة والكرامة.
الرحمة لشهدائنا الأبرار والنصر لثورتنا من أجل سورية حرة ديمقراطية
لجان التنسيق المحلية في سوريا
11-6-2011
رؤية لجان التنسيق المحلية في سوريا لمطالب الثورة الشعبية ومستقبل سوريا
انقضت ثلاثة أشهر على تفجر الثورة السورية الكبرى، أظهر خلالها الشعب السوري شجاعة استثنائية، وكافح من أجل حريته مقدما أكثر من ألف وأربعمئة من أبنائه شهداء، وفوق عشرة آلاف من المعتقلين. لقد واجه النظام الاستبدادي الفاسد احتجاجات الشعب بالنهج الدكتاتوري نفسه الذي أدى إلى تفجرها. فأطلق يد أجهزته الأمنية الإجرامية تغتال المواطنين وتعتقلهم وتعذبهم، وزج الجيش الوطني في مواجهة مع شعبه، كأنه ليس لسورية أرض محتلة، وعمل على إثارة المخاوف الطائفية بين السكان والعبث غير المسؤول بالنسيج الوطني، وسخر أجهزة الإعلام العامة لتجريم الثورة والتحريض على قتل المحتجين السلميين.
والقضية المطروحة اليوم على السوريين جميعا هي كيفية الخروج من الأزمة الوطنية التي ترتبت على مواجهة الثورة الشعبية العادلة بالعنف القاتل. ولا نرى غير واحد من مخرجين:
إما ترتيب تفاوضي سلمي للتحول نحو نظام ديمقراطي تعددي قائم على الانتخابات الحرة، يطوي صفحة نظام الحزب الواحد، والرئيس الذي تتجدد ولايته إلى الأبد، والحكم الوراثي، وحصانة الأجهزة الأمنية، واستخدام الدولة لحماية سارقي الشعب، والإعلام التحريضي الكاذب؛ أو دفع البلاد في نفق المجهول عبر المضي في خيار العنف ضد الاحتجاجات الشعبية السلمية، والتضحية بسورية من أجل بقاء نظام غير أخلاقي، لا يحترم نفسه ولا شعبه. ويحمل هذا الخيار الأخير مخاطر التدويل والنزاعات الأهلية، مما يتحمل النظام وحده المسؤولية الكاملة عنه. إننا لا نقبل بحال من الأحوال وضع الكرة في ملعب الثورة الشعبية السلمية، ومطالبتها بالتوقف، بذريعة أن النظام لن يتوقف عن القتل والتخريب. لا يجوز أن يُكافأ المجنون على جنونه، وليس مقبولا أن تبقى سورية رهينة بيد خاطفين غير مسؤولين إلى هذا الحد.
إننا نخاطب هنا الشعب السوري بمختلف أطيافه، ومن يحتمل أن لديهم شيئا من الغيرة على وطنهم من القريبين من النظام، ليساهموا في تجنيب البلاد المصير الذي تقودها إليه الطغمة الحاكمة، وندعو إلى وقفة ضميرية تصون سورية وشعبها، وتفتح لهما أبواب المستقبل. نقول للجميع بكل وضوح إن القضية المركزية والهدف الأول للثورة هو تغيير النظام السياسي، متمثلا كنقطة انطلاق من إنهاء ولاية الرئيس الحالي، المسؤول سياسيا وقانونيا عما ارتكبه نظامه بحق سورية والشعب السوري. هنا نقطة البداية للخروج من الأزمة، وغير ذلك هو التفاف على تضحيات الشعب السوري وتمديد للأزمة الوطنية التي تهدد مستقبل المجتمع السوري وكيان البلاد.
لتجنب هذه الآفاق القاتمة، هذه عناصر رؤيتنا لإنقاذ البلاد:
أولا: وكما أكدت لجان التنسيق المحلية في بيانيها السابقين، لا بد فورا من:
1. وقف القتل والعنف واستهداف المظاهرات من قبل أجهزة الأمن والميلشيات والشبيحة المرتبطين بهم.
2. الإفراج الفوري عن المعتقلين السياسيين جميعا، القدامى والجدد، ووقف الاعتقال والملاحقة بحق ناشطي الثورة والمعارضة.
3. وقف التجييش الإعلامي ضد المتظاهرين، والسماح لوسائل الإعلام العربية والدولية بدخول البلاد للاطلاع على الحقيقة على الأرض.
4. إن الثورة ستستمر، ولن يتوقف التظاهر السلمي ودون ترخيص مسبق، لأنه سلاح الشعب للدفاع عن حقوقه.
ثانيا: نؤيد فكرة الدعوة إلى مؤتمر وطني له موضوع واحد، هو التحول نحو نظام ديمقراطي تعددي، قائم على الحريات العامة والمساواة الحقوقية والسياسية بين السوريين.
1. مهمة المؤتمر هي ضمان تنحٍ سلمي وآمن للنظام القائم، وذلك بغرض تجنيب البلد مخاطر الانهيار العنيف. وهي أيضا التأسيس التوافقي لنظام جديد قائم على الحرية والمساواة وحكم القانون، يقطع الطريق على احتمالات الفوضى والأعمال الانتقامية.
2. يحدد المؤتمر فترة انتقالية لا تتجاوز ستة أشهر، يتولى الحكم خلالها مجلس انتقالي مكون من مدنيين وعسكريين، ويجري خلالها فتح وسائل الإعلام العامة للمجتمع وحراكه السياسي، وحل الأجهزة الأمنية وتولي الجيش مؤقتا أمن البلاد، وفصل الحزب عن الدولة، وحل "المنظمات الشعبية"، وإطلاق حرية العمل السياسي والنقابي، وضمان حق التظاهر السلمي.
3. وفي خلالها يجري انتخاب جمعية تأسيسية تضع دستورا جديدا للبلاد، يتضمن تحديد سلطات رئيس الجمهورية، وقصر ولايته على مدتين، كل منهما أربع سنوات فقط, وينهي إقصاء الإيديولوجيات والأحزاب الأخرى المكونة لنسيج الشعب السوري.
4. يشارك في المؤتمر سياسيون من طرف النظام، لم تتلوث أيديهم مباشرة بدماء السوريين ولا بسرقة أموالهم. ويشارك فيه ممثلون عن المعارضة في الداخل والخارج، وممثلون لناشطي الثورة الميدانيين وغير الميدانيين. ويراقبه الإعلام المستقل وممثلو المجتمع المدني في العالم.
ثالثا: إن المبادئ التي نتطلع إلى أن تضبط حياتنا العامة في سورية الجديدة، هي:
1. سورية جمهورية ودولة مدنية يملكها السوريون، وليس فردا أو أسرة أو حزبا. وهي لا تورث من آباء لأبناء.
2. السوريون شعب واحد، أفراده متساوون في الحقوق والواجبات، لا ينال أحد منهم امتيازا أو ينتقص من حقوقه بسبب أصله الديني أو المذهبي أو الإثني.
3. ستنال كل المجموعات القومية الثقافية والدينية المكونة للمجتمع السوري الاحترام في سورية الجديدة،على أساس المواطنة ولن تحظى أي منها بامتياز خاص في الدولة. ولكل منها حقوق وواجبات على قدم المساواة مع الجميع. وعليه يبدو ضرورياً وأمراً ملحاً أن تتجاوز تماماً الدولة السورية مستقبلاً, ماضيها الاستبدادي, وتتخلص من ميراث التعسف بحق الكورد أو المجموعات الأخرى, عبر مجموعة من التدابير السياسية والتشريعية, وحتى الرمزية, التي تؤهلها لأن تكون دولة عموم مواطنيها
4. العدالة والتسامح، لا الثأر ولا الانتقام، هما المبدآن الناظمان لمعالجة أية خصومات بين السوريين.و إزالة آثار الغبن القومي والاضطهاد الذي تراكم خلال عقود من سياسات البعث.
5. لا حصانة لأحد فوق القانون،والمحاسبة مبدأ شامل لا استثناء لأحد منه.
6. إن الموارد الوطنية ملك للسوريين جميعا، وإن ثمار التنمية ينبغي أن توجه نحو رفع مقدرات ومستوى حياة الشرائح والفئات الأكثر حرمانا.
7. ان سورية الجديدة حرة ومستقلة الإرادة, وملتزمة مع المجتمع الدولي باتفاقياتها التي تضمن حقوقها الوطنية والقومية.
8. إن أية مصالح مشروعة قائمة اليوم لن يلحق بها الضرر، لكن ليس مقبولا أن تحمي الدولة أوضاعا سياسية واقتصادية تمييزية وغير عادلة.
رابعا: إن الثورة الشعبية هي مصدر الشرعية السياسية في البلاد، وإنها مستمرة إلى حين تحقيق أهداف الشعب السوري في الحرية والمساواة والكرامة.
الرحمة لشهدائنا الأبرار والنصر لثورتنا من أجل سورية حرة ديمقراطية
لجان التنسيق المحلية في سوريا
11-6-2011
والقضية المطروحة اليوم على السوريين جميعا هي كيفية الخروج من الأزمة الوطنية التي ترتبت على مواجهة الثورة الشعبية العادلة بالعنف القاتل. ولا نرى غير واحد من مخرجين:
إما ترتيب تفاوضي سلمي للتحول نحو نظام ديمقراطي تعددي قائم على الانتخابات الحرة، يطوي صفحة نظام الحزب الواحد، والرئيس الذي تتجدد ولايته إلى الأبد، والحكم الوراثي، وحصانة الأجهزة الأمنية، واستخدام الدولة لحماية سارقي الشعب، والإعلام التحريضي الكاذب؛ أو دفع البلاد في نفق المجهول عبر المضي في خيار العنف ضد الاحتجاجات الشعبية السلمية، والتضحية بسورية من أجل بقاء نظام غير أخلاقي، لا يحترم نفسه ولا شعبه. ويحمل هذا الخيار الأخير مخاطر التدويل والنزاعات الأهلية، مما يتحمل النظام وحده المسؤولية الكاملة عنه. إننا لا نقبل بحال من الأحوال وضع الكرة في ملعب الثورة الشعبية السلمية، ومطالبتها بالتوقف، بذريعة أن النظام لن يتوقف عن القتل والتخريب. لا يجوز أن يُكافأ المجنون على جنونه، وليس مقبولا أن تبقى سورية رهينة بيد خاطفين غير مسؤولين إلى هذا الحد.
إننا نخاطب هنا الشعب السوري بمختلف أطيافه، ومن يحتمل أن لديهم شيئا من الغيرة على وطنهم من القريبين من النظام، ليساهموا في تجنيب البلاد المصير الذي تقودها إليه الطغمة الحاكمة، وندعو إلى وقفة ضميرية تصون سورية وشعبها، وتفتح لهما أبواب المستقبل. نقول للجميع بكل وضوح إن القضية المركزية والهدف الأول للثورة هو تغيير النظام السياسي، متمثلا كنقطة انطلاق من إنهاء ولاية الرئيس الحالي، المسؤول سياسيا وقانونيا عما ارتكبه نظامه بحق سورية والشعب السوري. هنا نقطة البداية للخروج من الأزمة، وغير ذلك هو التفاف على تضحيات الشعب السوري وتمديد للأزمة الوطنية التي تهدد مستقبل المجتمع السوري وكيان البلاد.
لتجنب هذه الآفاق القاتمة، هذه عناصر رؤيتنا لإنقاذ البلاد:
أولا: وكما أكدت لجان التنسيق المحلية في بيانيها السابقين، لا بد فورا من:
1. وقف القتل والعنف واستهداف المظاهرات من قبل أجهزة الأمن والميلشيات والشبيحة المرتبطين بهم.
2. الإفراج الفوري عن المعتقلين السياسيين جميعا، القدامى والجدد، ووقف الاعتقال والملاحقة بحق ناشطي الثورة والمعارضة.
3. وقف التجييش الإعلامي ضد المتظاهرين، والسماح لوسائل الإعلام العربية والدولية بدخول البلاد للاطلاع على الحقيقة على الأرض.
4. إن الثورة ستستمر، ولن يتوقف التظاهر السلمي ودون ترخيص مسبق، لأنه سلاح الشعب للدفاع عن حقوقه.
ثانيا: نؤيد فكرة الدعوة إلى مؤتمر وطني له موضوع واحد، هو التحول نحو نظام ديمقراطي تعددي، قائم على الحريات العامة والمساواة الحقوقية والسياسية بين السوريين.
1. مهمة المؤتمر هي ضمان تنحٍ سلمي وآمن للنظام القائم، وذلك بغرض تجنيب البلد مخاطر الانهيار العنيف. وهي أيضا التأسيس التوافقي لنظام جديد قائم على الحرية والمساواة وحكم القانون، يقطع الطريق على احتمالات الفوضى والأعمال الانتقامية.
2. يحدد المؤتمر فترة انتقالية لا تتجاوز ستة أشهر، يتولى الحكم خلالها مجلس انتقالي مكون من مدنيين وعسكريين، ويجري خلالها فتح وسائل الإعلام العامة للمجتمع وحراكه السياسي، وحل الأجهزة الأمنية وتولي الجيش مؤقتا أمن البلاد، وفصل الحزب عن الدولة، وحل "المنظمات الشعبية"، وإطلاق حرية العمل السياسي والنقابي، وضمان حق التظاهر السلمي.
3. وفي خلالها يجري انتخاب جمعية تأسيسية تضع دستورا جديدا للبلاد، يتضمن تحديد سلطات رئيس الجمهورية، وقصر ولايته على مدتين، كل منهما أربع سنوات فقط, وينهي إقصاء الإيديولوجيات والأحزاب الأخرى المكونة لنسيج الشعب السوري.
4. يشارك في المؤتمر سياسيون من طرف النظام، لم تتلوث أيديهم مباشرة بدماء السوريين ولا بسرقة أموالهم. ويشارك فيه ممثلون عن المعارضة في الداخل والخارج، وممثلون لناشطي الثورة الميدانيين وغير الميدانيين. ويراقبه الإعلام المستقل وممثلو المجتمع المدني في العالم.
ثالثا: إن المبادئ التي نتطلع إلى أن تضبط حياتنا العامة في سورية الجديدة، هي:
1. سورية جمهورية ودولة مدنية يملكها السوريون، وليس فردا أو أسرة أو حزبا. وهي لا تورث من آباء لأبناء.
2. السوريون شعب واحد، أفراده متساوون في الحقوق والواجبات، لا ينال أحد منهم امتيازا أو ينتقص من حقوقه بسبب أصله الديني أو المذهبي أو الإثني.
3. ستنال كل المجموعات القومية الثقافية والدينية المكونة للمجتمع السوري الاحترام في سورية الجديدة،على أساس المواطنة ولن تحظى أي منها بامتياز خاص في الدولة. ولكل منها حقوق وواجبات على قدم المساواة مع الجميع. وعليه يبدو ضرورياً وأمراً ملحاً أن تتجاوز تماماً الدولة السورية مستقبلاً, ماضيها الاستبدادي, وتتخلص من ميراث التعسف بحق الكورد أو المجموعات الأخرى, عبر مجموعة من التدابير السياسية والتشريعية, وحتى الرمزية, التي تؤهلها لأن تكون دولة عموم مواطنيها
4. العدالة والتسامح، لا الثأر ولا الانتقام، هما المبدآن الناظمان لمعالجة أية خصومات بين السوريين.و إزالة آثار الغبن القومي والاضطهاد الذي تراكم خلال عقود من سياسات البعث.
5. لا حصانة لأحد فوق القانون،والمحاسبة مبدأ شامل لا استثناء لأحد منه.
6. إن الموارد الوطنية ملك للسوريين جميعا، وإن ثمار التنمية ينبغي أن توجه نحو رفع مقدرات ومستوى حياة الشرائح والفئات الأكثر حرمانا.
7. ان سورية الجديدة حرة ومستقلة الإرادة, وملتزمة مع المجتمع الدولي باتفاقياتها التي تضمن حقوقها الوطنية والقومية.
8. إن أية مصالح مشروعة قائمة اليوم لن يلحق بها الضرر، لكن ليس مقبولا أن تحمي الدولة أوضاعا سياسية واقتصادية تمييزية وغير عادلة.
رابعا: إن الثورة الشعبية هي مصدر الشرعية السياسية في البلاد، وإنها مستمرة إلى حين تحقيق أهداف الشعب السوري في الحرية والمساواة والكرامة.
الرحمة لشهدائنا الأبرار والنصر لثورتنا من أجل سورية حرة ديمقراطية
لجان التنسيق المحلية في سوريا
11-6-2011
الجمعة، 17 يونيو 2011
تعقيب على رسالة أدونيس.. "عن أمل لا شفاء منه"
عباس بيضون
كان ينبغي أن تكون لأدونيس كلمة. انه أكبر مثقف سوري حي وعليه واجب الشهادة على الأقل فيما بلاده تغرق وتتداعى. لكن شهادة أدونيس، ولنسمها وساطته تأخرت كثيراً عن الأحداث حتى باتت متخلفة عنها وتأخرت بوجه خاص عن مراسَلِها الرئيس السوري الذي منذ ذلك الحين اختار الطريق الذي لا عودة عنه. لقد صار وسط النهر ولم يعد أمامه إلا ان يتقدم فيه إلى الامام. وليست مناشدته الرجوع او التحول سوى ضرب من التنكر للواقع والغياب عنه. وساطة أدونيس إذا في غير وقتها. غير ان التأخر ليس مجرد خطأ في الحساب. انه تقريباً موقف. إذ ان أمل أدونيس في الرئيس وفي النظام ليس مرهوناً بوقت ولا بظرف ولا بمرحلة، انه أمل دائم، فأدونيس لا يزال ينتظر الحل من الرئيس ونظامه، ومهما كان مسار الأحداث وتطوراتها فإنه لا يتوب عن هذا الأمل. وإذا كان جواب النظام على رسالة أدونيس قائما في سلسلة أحداث لا تدحض فإن أدونيس المرتاع يزداد إصراراً على ان ينتظر ويزيده الهول اصراراً. الجواب بالنسبة له من فوق وكلما اشتدت الضائقة وأزداد إلحاح الظرف كلما استعجل صدوره من فوق وكلما زاده ذلك ايماناً بأن لا حل إلا من هنا، لا يثنيه عن ذلك ان النظام اختار وانه سار قدما في اختياره. اختار ما سماه أدونيس الطريق «العنفي الأمني» وسار شوطاً فيه.
أمل أدونيس في النظام مأزقي. ليس من ثقة في النظام ولا هو تزكية له، فرسالة أدونيس إلى الرئيس ان انتظمها شيء فهو هذه الخيبة في النظام «القومي العلماني» الذي تنكر لمبادئه ولأسسه واستحال «رجعياً ودينياً» وحمل بالتالي «بذرة سقوطه». يمنح أدونيس النظام والرئيس املا مجانياً لا يجتهد ليجد حجة واحدة على إمكانه. غير ان منطق رسالة أدونيس هو ان «الأمل» في النظام غير المبرر هو الجواب البديهي عن اليأس من المعارضة. إذا اتهم أدونيس حزب البعث بأنه استحال رجعياً ودينياً فلأنه، بحسب أدونيس، تدهور إلى حالة معارضيه. لا يشك أدونيس ولو انه يضمن ذلك ثنايا السطور في أن معارضة النظام سلفية دينية عشائرية طائفية، فمأساة الحزب هي في ان خصومه يحاربونه «هو الوحدوي العلماني في الأصل» تحت رايات بينها راية الطائفية او جمعة العشائر...». لا يشك أدونيس في ان الحزب في أسوأ ما يتردى إليه يغدو شبيهاً بمعارضيه، ذلك يعني أن المعارضة ليست فقط من جنس خصمها وليست فقط شبيهة به تشاركه في «انهيار سوريا وتشويه صورتها الحضارية بوحل «الطائفية» و«العشائرية» و«المذهبية» ووحل التدخل الخارجي ووحل التعذيب والقتل والتمثيل بجثث القتلى»، أما الشبه البعيد بين الحزب ومعارضته فناتج عن ان الحزب انقلب على نفسه وتنكر لمبادئه، أما المعارضة فلم تنقلب على نفسها ولم تتنكر لمبادئها. انها هكذا في الأصل وهذه هي مبادؤها. وهذه هي، لا تملك المعارضة وعياً شقيا ولا أزمة ضميرية كما يملك النظام وحزبه. فهذا هو وعيها وهذا هو ضميرها. أمل أدونيس في الرئيس وفي النظام ليس من لا شيء. ان له مرجعاً في ماضي الحزب وأصله وضميره الداخلي. وليس للمعارضة بالطبع شيء من ذلك فلا أمل فيها البتة. انها تنسجم مع نفسها حين تكون عشائرية طائفية. ألسنا نشعر هنا بأن أدونيس يلقي بتبعة تردي الحزب على عاتق المعارضة. ألسنا نرى ان انحرافه إلى الرجعية والدين والعشائرية وربما القتل كان تحت ضغط المعارضة التي اضطرته إلى محاكاتها. المعارضة نعم، فخطأ السلطات اليوم كما يقرر أدونيس انها «تبنت السياق التقليدي القديم وأكدت منطقه وأساليبه». اما هذا السياق التقليدي القديم، أي السابق على البعث، فهو بدون شك حال المجتمع ما قبل البعث، المجتمع الذي تتمرغ فيه المعارضة اليوم. المعارضة إذن هي ناتج العلاقات التقليدية التي تردى إليها الحزب الحاكم، يمكن القول إذن إن للنظام (وأدونيس في رسالته يفضل ان يتهم الحزب) أفضليه على المعارضة فهو ليس مثلها ناتج العلاقات التقليدية لكنه تردى إليها تحت ضغط ظروف قاهرة، أما المعارضة فهي بنت ووريثة هذه العلاقات وليس لها في هذا المجال سابقة اختلاف تتذكرها ولا أصل آخر تعود إليه ولا ماض يضغط على ضميرها وعلى وعيها. للحزب، بحسب أدونيس، بدون شك سابقة من هذا النوع يجوز تذكيره بها ومناشدته العودة إليها. هذا بالتأكيد ما يبرر وساطة أدونيس او رسالته إلى الرئيس التي لم تكن لولا انه يعوّل على الرئيس ويأمل فيه. هذا ما يفسر عودة أدونيس إلى طفولة الحزب و«براءته» الاولى رغم ان بينه وبين هذه البداية أكثر من نصف قرن حافل بالتقلبات والانقلابات على النفس وعلى الأصل وعلى البدايات. انه نصف قرن لا ينفع التذكير به في اعادة الروح إلى الحزب او النظام لكنه يقيم فاصلاً خيالياً بين النظام والمعارضة لمصلحة النظام وقيادته. أي ان الفارق هنا هو بين نسب النظام ونسب المعارضة، فنسب النظام خير من نسب المعارضة ولنا أمل في هذا النسب في حين ان نسب المعارضة صريح في تخلفه وفي تقليديته وفي رجعيته وفي سلفيته. انه حكم مبرم على المعارضة ليس له ما يماثله في الحكم على النظام الذي يبرر الأمل فيه براءته الأولى وماضيه «الخيالي». ماضيه الخيالي، اقول، لأن كل عودة إلى الماضي خيالية ولأن ماضي النظام الراهن ليس بهذه البراءة الأولى ولا ماضي الحزب الذي يتموه به. لكن أدونيس لا يفتأ يدفع الصراع الحالي إلى ثنائيات بسيطة. انه ليس فقط صراع العلمانيين المنقلبين على أنفسهم مع الطائفيين بالولادة. بل صراع عقليتين مغلقتين «السلفية الدينية والحزبية البعثية»، بين ثقافتين أحاديتين ومتدينتين. لكن الصراع في حقيقته وواقعه ليس ثقافياً، انه صراع أداته القتل، القتل الذي يرد في مقالة أدونيس مرة واحدة وما عداها يبدو صراعاً عقلياً وفكرياً وثقافياً، ما جرى في درعا وحماه وحمص وجسر الشغور لم يكن بحال حرب أفكار، بل حرب إزهاق الأرواح والقتل بدم بارد، والقتل الأعمى مادتها ووسائلها. الدم في الشوارع كان نيرودا يقول وليس معقولاً ان نجد مكان الدم أفكاراً ومكان الجثث تجريدات. ان حق الحياة هو ما ينبغي ان نعيره التفاتنا عندئذ والدفاع عن هذا الحق ضد إغراقه في الدم هو ما يجب ان نقف عنده. ليس الصراع الفكري هو ما يستفزنا ولكن خنقه بالاغتيال والإعدام والتعذيب. ليس الفكر المنغلق عدونا الرئيس ولكن تحوله إلى سلاح تصفية جسدية واستحلاله لنفسه إبادة الآخر وإلغاءه جسدياً.
ثم ماذا يعني هذا الإلحاح على اتهام حزب البعث وجلده، وكلنا نعلم ان الحزب تحول من عقود إلى سلطان وإلى ملك عضوض وإلى حكم. أليس يعني ذلك اتهام الثوب والعفو عن الرجل، ألا يعني اتهام القناع بدلاً من تعرية الوجه. ألا يعني تقريباً أمثلة الخصم وسحقه فكرياً فيما يبقى الخصم الحقيقي، بعيداً عن السمع، مستريحاً على رأس جهازه الأمني والبوليسي وعلى سلاحه الفعلي.
إن تبسيط الصراع بين سلفية وبعثية يغيب الصراع نفسه ويجعله بلا قضية، فيما ان الديموقراطية والحرية ليستا غائبتين عنه. إن الحراك العربي الحالي يطرح الحرية كقضية ولأول مرة في عصرنا الحديث، فيما انقضى الوقت السابق في مديح القوة حتى الاستبداد وحتى الهيمنة العسكرية. إن ما جرى في مصر مثل رائع على تبلور هذه القضية وما لحق مصر وتونس من انتفاضات ليس بعيداً عنها. لا يكفي القول ان الديموقراطية من خارج التراث الثقافي العربي فالأدب الحديث هو أيضاً كذلك ولا يعني هذا براءتنا منه، لا شك في ان الحرية هي قضية المتظاهرين العرب الأولى الآن، لا يعيب ذلك ان الإسلاميين جزء من هذا الحراك، فالاستبداد الذي خنق كل حراك مسؤول عن ذلك وبدلاً من ان نعينه عليهم علينا ان نتمسك بالقضاء الديموقراطي كساحة للجميع وكحد للجميع.
نص أدونيس عامر بنقد الحزب والنظام، لكن ما جرى وما يجري يومياً تجاوز ذلك بكثير. تجاوزت الأحداث أمل أدونيس وأكثر ما نخشاه ان لا يشفى منه.
كان ينبغي أن تكون لأدونيس كلمة. انه أكبر مثقف سوري حي وعليه واجب الشهادة على الأقل فيما بلاده تغرق وتتداعى. لكن شهادة أدونيس، ولنسمها وساطته تأخرت كثيراً عن الأحداث حتى باتت متخلفة عنها وتأخرت بوجه خاص عن مراسَلِها الرئيس السوري الذي منذ ذلك الحين اختار الطريق الذي لا عودة عنه. لقد صار وسط النهر ولم يعد أمامه إلا ان يتقدم فيه إلى الامام. وليست مناشدته الرجوع او التحول سوى ضرب من التنكر للواقع والغياب عنه. وساطة أدونيس إذا في غير وقتها. غير ان التأخر ليس مجرد خطأ في الحساب. انه تقريباً موقف. إذ ان أمل أدونيس في الرئيس وفي النظام ليس مرهوناً بوقت ولا بظرف ولا بمرحلة، انه أمل دائم، فأدونيس لا يزال ينتظر الحل من الرئيس ونظامه، ومهما كان مسار الأحداث وتطوراتها فإنه لا يتوب عن هذا الأمل. وإذا كان جواب النظام على رسالة أدونيس قائما في سلسلة أحداث لا تدحض فإن أدونيس المرتاع يزداد إصراراً على ان ينتظر ويزيده الهول اصراراً. الجواب بالنسبة له من فوق وكلما اشتدت الضائقة وأزداد إلحاح الظرف كلما استعجل صدوره من فوق وكلما زاده ذلك ايماناً بأن لا حل إلا من هنا، لا يثنيه عن ذلك ان النظام اختار وانه سار قدما في اختياره. اختار ما سماه أدونيس الطريق «العنفي الأمني» وسار شوطاً فيه.
أمل أدونيس في النظام مأزقي. ليس من ثقة في النظام ولا هو تزكية له، فرسالة أدونيس إلى الرئيس ان انتظمها شيء فهو هذه الخيبة في النظام «القومي العلماني» الذي تنكر لمبادئه ولأسسه واستحال «رجعياً ودينياً» وحمل بالتالي «بذرة سقوطه». يمنح أدونيس النظام والرئيس املا مجانياً لا يجتهد ليجد حجة واحدة على إمكانه. غير ان منطق رسالة أدونيس هو ان «الأمل» في النظام غير المبرر هو الجواب البديهي عن اليأس من المعارضة. إذا اتهم أدونيس حزب البعث بأنه استحال رجعياً ودينياً فلأنه، بحسب أدونيس، تدهور إلى حالة معارضيه. لا يشك أدونيس ولو انه يضمن ذلك ثنايا السطور في أن معارضة النظام سلفية دينية عشائرية طائفية، فمأساة الحزب هي في ان خصومه يحاربونه «هو الوحدوي العلماني في الأصل» تحت رايات بينها راية الطائفية او جمعة العشائر...». لا يشك أدونيس في ان الحزب في أسوأ ما يتردى إليه يغدو شبيهاً بمعارضيه، ذلك يعني أن المعارضة ليست فقط من جنس خصمها وليست فقط شبيهة به تشاركه في «انهيار سوريا وتشويه صورتها الحضارية بوحل «الطائفية» و«العشائرية» و«المذهبية» ووحل التدخل الخارجي ووحل التعذيب والقتل والتمثيل بجثث القتلى»، أما الشبه البعيد بين الحزب ومعارضته فناتج عن ان الحزب انقلب على نفسه وتنكر لمبادئه، أما المعارضة فلم تنقلب على نفسها ولم تتنكر لمبادئها. انها هكذا في الأصل وهذه هي مبادؤها. وهذه هي، لا تملك المعارضة وعياً شقيا ولا أزمة ضميرية كما يملك النظام وحزبه. فهذا هو وعيها وهذا هو ضميرها. أمل أدونيس في الرئيس وفي النظام ليس من لا شيء. ان له مرجعاً في ماضي الحزب وأصله وضميره الداخلي. وليس للمعارضة بالطبع شيء من ذلك فلا أمل فيها البتة. انها تنسجم مع نفسها حين تكون عشائرية طائفية. ألسنا نشعر هنا بأن أدونيس يلقي بتبعة تردي الحزب على عاتق المعارضة. ألسنا نرى ان انحرافه إلى الرجعية والدين والعشائرية وربما القتل كان تحت ضغط المعارضة التي اضطرته إلى محاكاتها. المعارضة نعم، فخطأ السلطات اليوم كما يقرر أدونيس انها «تبنت السياق التقليدي القديم وأكدت منطقه وأساليبه». اما هذا السياق التقليدي القديم، أي السابق على البعث، فهو بدون شك حال المجتمع ما قبل البعث، المجتمع الذي تتمرغ فيه المعارضة اليوم. المعارضة إذن هي ناتج العلاقات التقليدية التي تردى إليها الحزب الحاكم، يمكن القول إذن إن للنظام (وأدونيس في رسالته يفضل ان يتهم الحزب) أفضليه على المعارضة فهو ليس مثلها ناتج العلاقات التقليدية لكنه تردى إليها تحت ضغط ظروف قاهرة، أما المعارضة فهي بنت ووريثة هذه العلاقات وليس لها في هذا المجال سابقة اختلاف تتذكرها ولا أصل آخر تعود إليه ولا ماض يضغط على ضميرها وعلى وعيها. للحزب، بحسب أدونيس، بدون شك سابقة من هذا النوع يجوز تذكيره بها ومناشدته العودة إليها. هذا بالتأكيد ما يبرر وساطة أدونيس او رسالته إلى الرئيس التي لم تكن لولا انه يعوّل على الرئيس ويأمل فيه. هذا ما يفسر عودة أدونيس إلى طفولة الحزب و«براءته» الاولى رغم ان بينه وبين هذه البداية أكثر من نصف قرن حافل بالتقلبات والانقلابات على النفس وعلى الأصل وعلى البدايات. انه نصف قرن لا ينفع التذكير به في اعادة الروح إلى الحزب او النظام لكنه يقيم فاصلاً خيالياً بين النظام والمعارضة لمصلحة النظام وقيادته. أي ان الفارق هنا هو بين نسب النظام ونسب المعارضة، فنسب النظام خير من نسب المعارضة ولنا أمل في هذا النسب في حين ان نسب المعارضة صريح في تخلفه وفي تقليديته وفي رجعيته وفي سلفيته. انه حكم مبرم على المعارضة ليس له ما يماثله في الحكم على النظام الذي يبرر الأمل فيه براءته الأولى وماضيه «الخيالي». ماضيه الخيالي، اقول، لأن كل عودة إلى الماضي خيالية ولأن ماضي النظام الراهن ليس بهذه البراءة الأولى ولا ماضي الحزب الذي يتموه به. لكن أدونيس لا يفتأ يدفع الصراع الحالي إلى ثنائيات بسيطة. انه ليس فقط صراع العلمانيين المنقلبين على أنفسهم مع الطائفيين بالولادة. بل صراع عقليتين مغلقتين «السلفية الدينية والحزبية البعثية»، بين ثقافتين أحاديتين ومتدينتين. لكن الصراع في حقيقته وواقعه ليس ثقافياً، انه صراع أداته القتل، القتل الذي يرد في مقالة أدونيس مرة واحدة وما عداها يبدو صراعاً عقلياً وفكرياً وثقافياً، ما جرى في درعا وحماه وحمص وجسر الشغور لم يكن بحال حرب أفكار، بل حرب إزهاق الأرواح والقتل بدم بارد، والقتل الأعمى مادتها ووسائلها. الدم في الشوارع كان نيرودا يقول وليس معقولاً ان نجد مكان الدم أفكاراً ومكان الجثث تجريدات. ان حق الحياة هو ما ينبغي ان نعيره التفاتنا عندئذ والدفاع عن هذا الحق ضد إغراقه في الدم هو ما يجب ان نقف عنده. ليس الصراع الفكري هو ما يستفزنا ولكن خنقه بالاغتيال والإعدام والتعذيب. ليس الفكر المنغلق عدونا الرئيس ولكن تحوله إلى سلاح تصفية جسدية واستحلاله لنفسه إبادة الآخر وإلغاءه جسدياً.
ثم ماذا يعني هذا الإلحاح على اتهام حزب البعث وجلده، وكلنا نعلم ان الحزب تحول من عقود إلى سلطان وإلى ملك عضوض وإلى حكم. أليس يعني ذلك اتهام الثوب والعفو عن الرجل، ألا يعني اتهام القناع بدلاً من تعرية الوجه. ألا يعني تقريباً أمثلة الخصم وسحقه فكرياً فيما يبقى الخصم الحقيقي، بعيداً عن السمع، مستريحاً على رأس جهازه الأمني والبوليسي وعلى سلاحه الفعلي.
إن تبسيط الصراع بين سلفية وبعثية يغيب الصراع نفسه ويجعله بلا قضية، فيما ان الديموقراطية والحرية ليستا غائبتين عنه. إن الحراك العربي الحالي يطرح الحرية كقضية ولأول مرة في عصرنا الحديث، فيما انقضى الوقت السابق في مديح القوة حتى الاستبداد وحتى الهيمنة العسكرية. إن ما جرى في مصر مثل رائع على تبلور هذه القضية وما لحق مصر وتونس من انتفاضات ليس بعيداً عنها. لا يكفي القول ان الديموقراطية من خارج التراث الثقافي العربي فالأدب الحديث هو أيضاً كذلك ولا يعني هذا براءتنا منه، لا شك في ان الحرية هي قضية المتظاهرين العرب الأولى الآن، لا يعيب ذلك ان الإسلاميين جزء من هذا الحراك، فالاستبداد الذي خنق كل حراك مسؤول عن ذلك وبدلاً من ان نعينه عليهم علينا ان نتمسك بالقضاء الديموقراطي كساحة للجميع وكحد للجميع.
نص أدونيس عامر بنقد الحزب والنظام، لكن ما جرى وما يجري يومياً تجاوز ذلك بكثير. تجاوزت الأحداث أمل أدونيس وأكثر ما نخشاه ان لا يشفى منه.
الأربعاء، 15 يونيو 2011
بساطة أدونيس ومرجعية "السيد الرئيس"
أحمد بيضون
لا يملك أدونيس أن يسمي مدينة أو قرية مشّطتها المدافع أو ديس أهلها بالنعال. لا يملك أن يقول: درعا، بانياس، حماه، جسر الشغور، إلخ. لا يجد سبيلاً إلى ذكر ضحية بالاسم أو تعيين حادثة جرت في الشهور الثلاثة المنصرمة، وهي عمر الحركة الديمقراطية الجارية في سوريا، ولا في الأعوام الأربعين الماضية وهي عمر استبداد آل الأسد ورهطهم بالبلاد والعباد... ليس في هذه الرسالة غير الاسم النظيف الأنيق لما يجري: "الحل الأمني" وليس فيها فاعلون غير الحزب والعشائر والدين... وهذه كلها مثل أفلاطونية تنتهي إلى الاندراج في جهة واحدة. في الجهة الأخرى، يظهر مثقفون وشبان وشابات وتسمع "أصوات" تستحق ثناء أدونيس لتمثيلها "المواطنة" ولكن هذه الجماعة ضعيفة الحول، موعودة بالسحق على أيدي العتاة المنظمين...
يبقى "السيد الرئيس" الذي يبدو وكأنه جهة ثالثة يسعها الخروج من الجهة الأولى وعليها، وتسعها الاستجابة الحرّة لمطالب الجهة الأخرى: لا لأن في هذه الجهة تصميماً أو عزماً يملي الاستجابة ولكن لأن "السيد الرئيس" معني (من تلقاء ضميره، على ما يتراءى من منطق الرسالة) بمصير البلاد ولا يهون عليه أن يراها تتمزّق. الرئيس، على ما يبدو، هو القادر على تحييد ما يبدو أن أدونيس يخشاه في الحركة الشعبية: أي غلبة المتدينين والطائفيين والعشائر. والرئيس قادر على ذلك بعد أن ينحّي الحزب الذي فات أوان إصلاحه وبعد أن يسمو فوق العشائر والطوائف التي يبدو هذا الرئيس، عند أدونيس، بريئاً منها جميعاً. يصبح الرئيس كلي القدرة إذن حالما يتخفف من كل ما جعله رئيساً وأدامه وأدام أباه قبله في دست الحكم. وهو يصبح فارس الديمقراطية ينشرها على سوريا من هذه السماء السابعة وفي مواجهة لغليان في البلاد كنا قد علمنا من أدونيس أن الظلاميين والطائفيين والعشائر أقوى أطرافه وأوثقها إمساكاً بزمام المستقبل.ا
ينكر أدونيس أن تكون للحركة الجارية مطالب متوافق عليها. وحجته أن الحركة لم تنشر وثيقة وقّعها جميع أطرافها. لا صحّة لهذا فالحركة قالت الكلام السياسي نفسه، من حيث الأساس، بمائة لسان. وأدونيس لا يعدو أن يكرر هذا الكلام نفسه تقريبا، بلغته المعلومة، حالما يصل من رسالته إلى باب الاقتراحات. هذه واحدة. الثانية أن أدونيس يغلق الأفق كليا، في واقع أمره، أمام فرسيه المدللين: المواطنة المقرونة بالفردية والديمقراطية المتولدة منها أو المبنية عليها. هو يغلق هذا الباب لا في وجه السوريين وحدهم بل في وجه العرب والمسلمين أجمعين، على الظاهر. يغلق هذا الباب حين يأبى أن يرى في الحركة الجارية، على اتساعها، طورا مفتوحا على الاحتمال الديمقراطي، أي على احتمال الالتحاق بالعالم المعاصر، لا أكثر ولا أقل. وهذا التحاق لا حظ له في التحقق إلا في مساق متعدد الأطراف ومتناقض: مساق لا يملك أدونيس ولا غيره أن يجزم بمصيره بجرة قلم. ولا كان المثال الديمقراطي يجيز لأدونيس أن يستجير من حركة شعبية لها هذه السعة وهذا البأس برئيس كامل المسؤولية، لا عن القمع الجاري اليوم وحسب، بل عن كل ما نهضت هذه الحركة في وجهه، أصلاً. بل أيضاً عن جانب من عورات هذه الحركة نفسها أي عن بعض عشائريتها السياسية وعن بعض طائفيتها السياسية أيضاً
في المنطق العميق لرسالة أدونيس أنه كان على الحركة الجارية أن تقودها جهة واحدة تقول كلاماً واحداً: تقوله وتفرضه حالما تقوله. فلا يكون طمس لملامح الديمقراطية (وهي المفترضة جلية سلفاً) في لغو الأفرقاء المتداخل. ولا يكون رهن للديمقراطية بصراع ومخاض يستغرقان زمناً ويحتملان التردد والتقدّم والنكوص. وذاك أن أدونيس لا يقرّ بأهمّية الزمن إلا بعد أن يفترض للثقافة حدوداً مغلقة، غير مميّز في ذلك بين حال وحال ولا بين زمن وزمن. وهو لا يبقي للتغيير من مناط يعتدّ به، من بعد، غير القبول والرضى من جانب "السيد الرئيس": الرئيس الذي يزيد طينه وطين السوريين قبله بلة أنه "رئيس منتخب".
الطوائف والعشائر غالبة في المجتمع، والدين والعصبية مستوليان على العقول ولا أمل والحالة هذه في حركة أية كانت. إذ كيف ترانا نخرج، وبفعل أية استحالة داروينية من هذه الاستحالة التاريخية؟ أم ترانا، بخلاف ذلك، محتاجين إلى قرون من التربية الديمقراطية ونحن من لم تنفع في تربيتنا قرون تصرّمت؟ ومن يدخلنا في الزمن الجديد ومن يربي لنا من يجب عليهم تربيتنا ومن يجزم في يوم مشهود أننا بلغنا من التطور المنشود الغاية؟ وما دام أدونيس لم يفلح في ذلك ولا أفلح أضرابه من أضرابنا أفيبقى من يعوّل عليه، في هذه الأمة المنكودة الطالع، غير "سيد رئيس" ما؟
تحتاج الديمقراطية إلى تجريد. تحتاج إلى حديث الفرد المواطن وهذا كائن مجرّد وإلى حديث "سلطة الشعب" و"الفضاء العامّ" و"المصلحة العامّة"، إلخ. وهذه كلها مجرّدات. تحتاج الديمقراطية إلى ما سمّيناه، قبل سنين: "عمل التجريد السياسي". ولكن هذا العمل الذي يمنح النظرية الديمقراطية لغتها، يفتح على الفور أفقا مقابلاً له يتسع للأسماء الشخصية ولأشياء العالم ولتفاصيل الحياة وعلاقاتها ولوجوه السلوك بما فيها تلك الحسيّة والمفردة للغاية. عليه كان العالم الديمقراطي هو العالم الذي تزدهر فيه، لا النظرية السياسية وحدها، بل الرواية أيضاً وخصوصاً. أو أن هذه الأخيرة تبشر بولادته وتسهم في حدوثها إن هي لم تجده قائماً لتزدهر فيه.
ليس أدونيس روائياً. هو، من حيث الأساس، شاعر العناصر الأربعة. قدرته على توليد الشعر من أسماء هذه العناصر قدرة معجزة. ولكن عالمه مردود، في مبدإ مطافه ومنتهاه، إلى بساطة مبالغ فيها جدّاً. والمبالغة هذه (وهي قد تكون لازمته من مصادر شبابه الفكرية ) تظهر حين يخوض في حديث السياسة، شأنه في رسالته اليوم إلى "السيد الرئيس". ولأن هذه البساطة لا ترى المجتمع أهلاً لتولي أموره وللسير في مجرى تاريخه وتاريخ العالم المعاصر بإسهامٍ مختلف المشارب والمجالي من سائر مكوّناته وقواه، فهي ليست، على ما تزين لنا قراءتنا لـ"سياسة" أدونيس، بساطة ديمقراطية.ا
لا يملك أدونيس أن يسمي مدينة أو قرية مشّطتها المدافع أو ديس أهلها بالنعال. لا يملك أن يقول: درعا، بانياس، حماه، جسر الشغور، إلخ. لا يجد سبيلاً إلى ذكر ضحية بالاسم أو تعيين حادثة جرت في الشهور الثلاثة المنصرمة، وهي عمر الحركة الديمقراطية الجارية في سوريا، ولا في الأعوام الأربعين الماضية وهي عمر استبداد آل الأسد ورهطهم بالبلاد والعباد... ليس في هذه الرسالة غير الاسم النظيف الأنيق لما يجري: "الحل الأمني" وليس فيها فاعلون غير الحزب والعشائر والدين... وهذه كلها مثل أفلاطونية تنتهي إلى الاندراج في جهة واحدة. في الجهة الأخرى، يظهر مثقفون وشبان وشابات وتسمع "أصوات" تستحق ثناء أدونيس لتمثيلها "المواطنة" ولكن هذه الجماعة ضعيفة الحول، موعودة بالسحق على أيدي العتاة المنظمين...
يبقى "السيد الرئيس" الذي يبدو وكأنه جهة ثالثة يسعها الخروج من الجهة الأولى وعليها، وتسعها الاستجابة الحرّة لمطالب الجهة الأخرى: لا لأن في هذه الجهة تصميماً أو عزماً يملي الاستجابة ولكن لأن "السيد الرئيس" معني (من تلقاء ضميره، على ما يتراءى من منطق الرسالة) بمصير البلاد ولا يهون عليه أن يراها تتمزّق. الرئيس، على ما يبدو، هو القادر على تحييد ما يبدو أن أدونيس يخشاه في الحركة الشعبية: أي غلبة المتدينين والطائفيين والعشائر. والرئيس قادر على ذلك بعد أن ينحّي الحزب الذي فات أوان إصلاحه وبعد أن يسمو فوق العشائر والطوائف التي يبدو هذا الرئيس، عند أدونيس، بريئاً منها جميعاً. يصبح الرئيس كلي القدرة إذن حالما يتخفف من كل ما جعله رئيساً وأدامه وأدام أباه قبله في دست الحكم. وهو يصبح فارس الديمقراطية ينشرها على سوريا من هذه السماء السابعة وفي مواجهة لغليان في البلاد كنا قد علمنا من أدونيس أن الظلاميين والطائفيين والعشائر أقوى أطرافه وأوثقها إمساكاً بزمام المستقبل.ا
ينكر أدونيس أن تكون للحركة الجارية مطالب متوافق عليها. وحجته أن الحركة لم تنشر وثيقة وقّعها جميع أطرافها. لا صحّة لهذا فالحركة قالت الكلام السياسي نفسه، من حيث الأساس، بمائة لسان. وأدونيس لا يعدو أن يكرر هذا الكلام نفسه تقريبا، بلغته المعلومة، حالما يصل من رسالته إلى باب الاقتراحات. هذه واحدة. الثانية أن أدونيس يغلق الأفق كليا، في واقع أمره، أمام فرسيه المدللين: المواطنة المقرونة بالفردية والديمقراطية المتولدة منها أو المبنية عليها. هو يغلق هذا الباب لا في وجه السوريين وحدهم بل في وجه العرب والمسلمين أجمعين، على الظاهر. يغلق هذا الباب حين يأبى أن يرى في الحركة الجارية، على اتساعها، طورا مفتوحا على الاحتمال الديمقراطي، أي على احتمال الالتحاق بالعالم المعاصر، لا أكثر ولا أقل. وهذا التحاق لا حظ له في التحقق إلا في مساق متعدد الأطراف ومتناقض: مساق لا يملك أدونيس ولا غيره أن يجزم بمصيره بجرة قلم. ولا كان المثال الديمقراطي يجيز لأدونيس أن يستجير من حركة شعبية لها هذه السعة وهذا البأس برئيس كامل المسؤولية، لا عن القمع الجاري اليوم وحسب، بل عن كل ما نهضت هذه الحركة في وجهه، أصلاً. بل أيضاً عن جانب من عورات هذه الحركة نفسها أي عن بعض عشائريتها السياسية وعن بعض طائفيتها السياسية أيضاً
في المنطق العميق لرسالة أدونيس أنه كان على الحركة الجارية أن تقودها جهة واحدة تقول كلاماً واحداً: تقوله وتفرضه حالما تقوله. فلا يكون طمس لملامح الديمقراطية (وهي المفترضة جلية سلفاً) في لغو الأفرقاء المتداخل. ولا يكون رهن للديمقراطية بصراع ومخاض يستغرقان زمناً ويحتملان التردد والتقدّم والنكوص. وذاك أن أدونيس لا يقرّ بأهمّية الزمن إلا بعد أن يفترض للثقافة حدوداً مغلقة، غير مميّز في ذلك بين حال وحال ولا بين زمن وزمن. وهو لا يبقي للتغيير من مناط يعتدّ به، من بعد، غير القبول والرضى من جانب "السيد الرئيس": الرئيس الذي يزيد طينه وطين السوريين قبله بلة أنه "رئيس منتخب".
الطوائف والعشائر غالبة في المجتمع، والدين والعصبية مستوليان على العقول ولا أمل والحالة هذه في حركة أية كانت. إذ كيف ترانا نخرج، وبفعل أية استحالة داروينية من هذه الاستحالة التاريخية؟ أم ترانا، بخلاف ذلك، محتاجين إلى قرون من التربية الديمقراطية ونحن من لم تنفع في تربيتنا قرون تصرّمت؟ ومن يدخلنا في الزمن الجديد ومن يربي لنا من يجب عليهم تربيتنا ومن يجزم في يوم مشهود أننا بلغنا من التطور المنشود الغاية؟ وما دام أدونيس لم يفلح في ذلك ولا أفلح أضرابه من أضرابنا أفيبقى من يعوّل عليه، في هذه الأمة المنكودة الطالع، غير "سيد رئيس" ما؟
تحتاج الديمقراطية إلى تجريد. تحتاج إلى حديث الفرد المواطن وهذا كائن مجرّد وإلى حديث "سلطة الشعب" و"الفضاء العامّ" و"المصلحة العامّة"، إلخ. وهذه كلها مجرّدات. تحتاج الديمقراطية إلى ما سمّيناه، قبل سنين: "عمل التجريد السياسي". ولكن هذا العمل الذي يمنح النظرية الديمقراطية لغتها، يفتح على الفور أفقا مقابلاً له يتسع للأسماء الشخصية ولأشياء العالم ولتفاصيل الحياة وعلاقاتها ولوجوه السلوك بما فيها تلك الحسيّة والمفردة للغاية. عليه كان العالم الديمقراطي هو العالم الذي تزدهر فيه، لا النظرية السياسية وحدها، بل الرواية أيضاً وخصوصاً. أو أن هذه الأخيرة تبشر بولادته وتسهم في حدوثها إن هي لم تجده قائماً لتزدهر فيه.
ليس أدونيس روائياً. هو، من حيث الأساس، شاعر العناصر الأربعة. قدرته على توليد الشعر من أسماء هذه العناصر قدرة معجزة. ولكن عالمه مردود، في مبدإ مطافه ومنتهاه، إلى بساطة مبالغ فيها جدّاً. والمبالغة هذه (وهي قد تكون لازمته من مصادر شبابه الفكرية ) تظهر حين يخوض في حديث السياسة، شأنه في رسالته اليوم إلى "السيد الرئيس". ولأن هذه البساطة لا ترى المجتمع أهلاً لتولي أموره وللسير في مجرى تاريخه وتاريخ العالم المعاصر بإسهامٍ مختلف المشارب والمجالي من سائر مكوّناته وقواه، فهي ليست، على ما تزين لنا قراءتنا لـ"سياسة" أدونيس، بساطة ديمقراطية.ا
الجمعة، 10 يونيو 2011
المعارضة السورية أمام تحدي إسقاط النظام
برهان غليون
صدق من قال إن سوريا نموذج قائم بذاته لا يشبه أي نموذج عربي آخر. وما ميز هذا النموذج بالمقارنة مع النماذج العربية الأخرى، بما في ذلك ليبيا واليمن، هو طبيعة النظام القائم، ومنطق ممارسته السلطة، والعلاقة التي تحكم ردوده تجاه قوى الاحتجاج الشبابية التي تعرفها سوريا منذ الخامس عشر من مارس/آذار الماضي.
وقد لفت نظر الرأي العام العربي والعالمي السهولة التي يظهرها أصحاب النظام في استخدام القوة وإطلاق النار على المتظاهرين، كما لو كنا في فيلم رعاة بقر هوليودي، والجرأة التي تميز بها النظام في إرسال الدبابات والمدرعات والحوامات للقضاء على بؤر الثورة، وممارسة العقاب الجماعي، وتلقين السكان المدنيين العزل دروسا في الهزيمة والإذلال والقهر لم يحصل إلا تجاه شعوب محتلة وفي إطار الاحتلالات القاسية التقليدية.
أن تتصرف تجاه شعبك كما لو لم يكن هناك قانون أو رادع وطني أو أخلاقي غير العنف والقوة، بصرف النظر عن عدد الخسائر في الأرواح والممتلكات، وعن عواقب ذلك على مستقبل الدولة والأمة، ومن دون أن تحسب حسابا للرأي العام العربي والعالمي، وأن تكابر أكثر، وتصر على أن القاتل هو الشعب نفسه أو جزء منه، وأنك أنت الضحية والشعب هو المذنب، هذا هو التميز الأكبر للنظام السوري بالمقارنة مع الأنظمة العربية الأخرى.
في جميع النماذج التي عرفناها، باستثناء ليبيا التي دفعها ملوك أفريقيا إلى دائرة التدخلات العسكرية الأجنبية، حصل إطلاق نار بالتأكيد ولا يزال يحصل، لكن ضمن نطاق محدود، وفي إطار الاعتراف بالشعب والتلويح بإمكانية النقاش حول حقوقه أو الالتزام بتحقيقها أو تحقيق جزء منها.
لكن لم يطلب نظام آخر من شعبه الاستسلام من دون قيد أو شرط، والعودة إلى تقبيل موطئ قدم الرئيس، الذي هو شعار أنصار الأسد وجنوده المخلصين، والقبول بالعقاب الجماعي كتطبيق للقانون، كما يحصل في سوريا.
بعد شهرين ونصف الشهر من التضحيات الهائلة، قدم فيها السوريون آلاف الشهداء والجرحى والمعتقلين، وتعرض فيها الألوف أيضا للتعذيب المر ولممارسات حاطة بالكرامة الإنسانية والسلامة البدنية، ومثل فيها بجثث أطفال، وأهين شيوخ، وقتلت نساء، من دون أي سبب سوى إرادة الترويع والإرهاب التي جعلت منها السلطة السورية سلاحها الأمضى لثني الشعب عن مطالبه وإجباره على الركوع، لا يزال النظام متمترسا وراء خندق المؤامرة الخارجية ليبرر جميع الأعمال والانتهاكات الصارخة لحقوق الفرد والمجتمع.
ولا يزال الرأي العام العربي صامتا بصورة مريبة. فلم يصدر عن أي دولة عربية ولو نداء للنظام السوري بوقف المجازر والأعمال العسكرية تجاه شعب يعتبر رسميا شعبا مستقلا وذا سيادة. كما فشل مجلس الأمن في إصدار بيان يدين فيه أعمال العنف التي يمارسها النظام ضد شعب أعزل بسبب معارضة موسكو والصين وحمايتهما للنظام لغايات إستراتيجية ومصالح قومية.
أمام هذه التحديات الكبرى التي تواجه الثورة السورية، والصعوبة المتزايدة لتسجيل نتائج سياسية على الأرض مقابل آلاف الضحايا، تبدو المخاطر التي كنا نحذر منها في السابق أكثر احتمالا اليوم من أي وقت آخر.
ومن هذه المخاطر الاحتمال المتزايد لانزلاق قطاعات من الرأي العام المروع والملوع بعد شهور من القتل والملاحقة والعنف، نحو الطائفية. ووقوعها، في موازاة ذلك، تحت إغراء المراهنة على القوة والعنف المضاد بدل التمسك بالوسائل السلمية.
وإذا كانت هذه القطاعات لا تزال محدودة حتى الآن فليس من المستبعد أن يتفاقم الأمر، إذا استمر انسداد أفق الحل السياسي، وتصاعد التوتر والشعور بالاختناق داخل صفوف الشرائح الشعبية. وسيصبح من الصعب أكثر فأكثر على القوى الديمقراطية الحفاظ على موقف الحركة السلمية والمدنية الوطنية، بينما سيزداد خطر تطلع بعض الشرائح إلى التدخلات الأجنبية على سنة المستجير من الرمضاء بالنار، وكذلك إثارة شهية بعض الأطراف الخارجية الانتقامية أو ذات المصالح الخاصة والاستفادة من هذه الانزلاقات من أجل الدخول على الخط والسعي إلى تحقيق غايات ليس لها علاقة من قريب أو بعيد بأهداف الثورة الديمقراطية ومطالبها.
بالتأكيد، إن الذي يتحمل المسؤولية عن هذه الانزلاقات هو النظام والسلطة التي سدت على الشعب السوري جميع أبواب الرحمة وحكمت عليه بالعبودية الأبدية أو الصراع حتى الموت، للتخلص من أصفاده وكسر قيوده وتحرير نفسه من شروط حياة لا أخلاقية ولا إنسانية. لكن رجال السلطة الذين سعوا ولا يزالون يسعون، بكل ما أوتوا من قوة ووسائل، لإفساد الثورة ودفعها نحو منزلقات الطائفية والعنف، حتى يبرروا كما يعتقدون القضاء عليها واستعادة السيطرة على المجتمع والبلاد بشروط العبودية التقليدية، قد تخلوا تماما عن أي مسؤولية من تلقاء أنفسهم، ولا تبدو عليهم المقدرة على الالتزام بأي مبدأ أخلاقي أو إنساني أو وطني يمكن المراهنة على تفعيله أو العزف عليه لثنيهم عن خططهم الجنونية في الإبقاء بأي ثمن على نظام العسف والإذلال والقهر والفساد.
من هنا تقع مسؤولية الإنقاذ الوطني وتجنيب البلاد الانزلاق نحو الفوضى والدمار والعنف والنزاعات الداخلية اليوم بالدرجة الأولى على قوى الثورة الديمقراطية، وفي مقدمها قوى الشباب الاحتجاجية التي تشكل المحرك الرئيسي لها، كما تقع على المعارضات السياسية وقطاعات الرأي العام السوري المستنيرة والمستعدة للعمل من أجل المحافظة على مستقبل سوريا، وعلى فرص الانتقال نحو حياة مدنية وديمقراطية سليمة، وتجنيبها أي انزلاقات خطيرة محتملة.وهذا ما يرتب على الجميع عبئا إضافيا ويهيب بجميع القوى إلى الارتفاع إلى مستوى اللحظة التاريخية، والعمل من دون تأخير على بناء الإطار السياسي الضروري لتوحيد جهد القوى الداعمة للمشروع الديمقراطي المدني وتقديم رؤية واضحة عن سوريا المستقبل، ووضع عنوان واضح ومرجعية ذات مصداقية للثورة، يمكن من خلالها التواصل مع جميع القوى المحلية والعربية والدولية. وكل ذلك من شروط تسريع وتيرة عزل النظام وانحلال عصبيته وتعميق تفككه السياسي، وكذلك من شروط إعادة الأمل إلى الشعب بالخلاص القريب وإغلاق سبل اليأس والمغامرة والاستسلام للعنف.
في اعتقادي هناك ثلاث قوى رئيسية تشكل جسم المعارضة السورية، ويتوقف على توحيدها أو التلاقي في ما بينها مستقبل المعارضة الديمقراطية وقدرتها على وضع حد لعسف النظام الراهن وطغيانه وتحكمه في الداخل، كما يتوقف نجاحنا في أن نكسر حاجز الخوف من المجهول والفوضى الذي يبقي جزءا من مواطنينا مترددين في الانخراط في ثورة الحرية، ويسمح للأطراف الدولية بالتهرب من مسؤولياتهم والاستمرار في التساهل مع النظام، بل والتواطؤ معه كما هو حال دولتي روسيا والصين.
الأولى من بين هذه القوى هي قوى الشباب الذين يشكلون الجسم الأكبر للثورة وهم أيضا النسبة الأكبر من المجتمع. وبعكس ما كان يقال حتى الآن عن عفوية الثورة وضعف أطرها التنظيمية، أظهرت الأيام الأخيرة أن شباب الانتفاضة كانوا السباقين إلى طرح مسألة إعادة هيكلة المعارضة السورية وبنائها بما ينسجم مع حاجات تقدم الثورة وتجذيرها.
وأريد بهذه المناسبة أن أحيي هؤلاء الشباب الذين بادروا إلى تشكيل اتحاد التنسيقيات، وهم في طريقهم إلى استكمال هذه العملية على طريق تشكيل قوة واحدة قادرة على العمل الميداني والسياسي المتسق والمنظم. وهم الذين يقفون الآن أيضا في طليعة القوى الداعية إلى تحرك قوى المعارضة الأخرى وتوحيدها.
وقد أظهروا بذلك أنهم قدوة لبقية الحركات والأحزاب السياسية التي لا يزال بعضها يجد صعوبة كبيرة على ما يبدو في اللحاق سياسيا وفكريا بحركة الثورة والتفاعل معها وتقديم إضافة جديدة لها تمثل خبرة الأجيال السابقة ومعارفها.
القوى الثانية التي أظهرت نشاطا متجددا في الشهرين الماضيين هي المعارضة المستقلة التي ولدت من تجمع مواطنين سوريين في المهجر، وهم كثر، من باب الانخراط في العمل الوطني العام، وتقديم الدعم للانتفاضة.
ففي كل العواصم والمدن في العالم أجمع، حيث توجد جاليات سوريا، يكتشف السوريون هويتهم السياسية والوطنية، ويستعيدون علاقتهم مع وطنهم، ويحلمون بالمساهمة الفعالة في بناء مستقبلهم الجمعي. وفي كل يوم تتشكل مجموعات عمل جديدة وتتواصل مع الداخل أو مع بعضها. وهي تشكل بمجموعها خزانا كبيرا للكفاءات والعناصر التي تحتاج إليها الثورة اليوم من أجل كسب الرأي العام العالمي، وغدا من أجل بناء سوريا الديمقراطية الجديدة.
لكن الذي يعيق حركة توحيد هذه القوى التي ينتمي معظمها إلى أفراد مستقلين لم يمارسوا السياسة في السابق، وليس لديهم انتماءات حزبية، هو غياب قوى سياسية منظمة يمكنهم الاستناد إليها والعمل معها أو من خلالها.
أما القوى الثالثة التي كان من الضروري أن تلعب دور الدينامو في تحريك جميع هذه العناصر والجمع بينها وتوحيد رؤيتها ونهجها، فهي قوى المعارضة الحزبية المنظمة التي اكتسبت خلال كفاحها الطويل والمرير ضد الاستبداد خبرة مهمة، وتحول العديد من رموزها إلى رصيد وطني في نظر الرأي العام المحلي والعالمي معا.
للأسف بدت هذه المعارضة أو معظمها، حتى الآن، وكأنها غير قادرة على مواكبة حركة الشباب في ثورتهم، ولا تزال تضيع وقتها في مناقشات ونزاعات داخلية هي من مخلفات العقد الماضي. وبدل أن تشارك في إبداع الإطار الجديد الذي يتماشى مع وتيرة تقدم الثورة ويساهم في تغذيتها بالأفكار والرؤى والتوجهات، ويقدم لها مظلة تحمي ظهرها وتصد عنها الضربات والاتهامات، بقيت غارقة في نقاشاتها السفسطائية، باستثناء بعض البيانات التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
إلى هؤلاء أود التوجه اليوم وأقول لهم إن ما نعيشه الآن ليس حالة طبيعية أو عادية وإنما حالة استثنائية وعاجلة وتحتاج إلى عمل ذي وتيرة سريعة تلبي مطالب التحول المستمر داخل الثورة وتستجيب لديناميكيتها. ليس المطلوب منا اليوم التفاهم حول برنامج عمل لحكومة بديلة لسوريا المستقبل. لدينا الوقت الكافي لهذا العمل، وبمشاركة الشباب الذين فجروا هذه الثورة. المطلوب أن تضعوا رصيدكم السياسي والوطني في خدمة الثورة الديمقراطية وبأسرع وقت حتى تحموها وتحفظوا رهاناتها المدنية والديمقراطية من الضياع، أو من الانحراف والانزلاق.
إن ما نحتاج إليه اليوم، لكسر أوهام النظام بشأن قدرته على الاستمرار، وطمأنة الرأي العام السوري وقطاعاته المترددة على المستقبل، وترسيخ أقدام الثورة على الأرض، وتوسيع دائرة انتشارها ونسبة المشاركين فيها، هو تكوين هيئة وطنية تضم هذه القوى المعارضة جميعا، وتنسق بين نشاطاتها، وتوحدها لصالح ثورة الحرية.
فبعد برهان النظام المدوي عن استقالته الوطنية ورفضه التفاهم مع شعبه، وتصميم رجاله على سياسة القتل والقهر والاستعباد، لم يعد أمام السوريين اليوم خيار أو احتمال خيار آخر سوى التعاون من أجل الانتقال بسوريا إلى نظام ديمقراطي مدني تعددي يساوي بين كافة مواطني سوريا، أو الانزلاق الأكيد نحو العنف والفوضى والخراب.
صدق من قال إن سوريا نموذج قائم بذاته لا يشبه أي نموذج عربي آخر. وما ميز هذا النموذج بالمقارنة مع النماذج العربية الأخرى، بما في ذلك ليبيا واليمن، هو طبيعة النظام القائم، ومنطق ممارسته السلطة، والعلاقة التي تحكم ردوده تجاه قوى الاحتجاج الشبابية التي تعرفها سوريا منذ الخامس عشر من مارس/آذار الماضي.
وقد لفت نظر الرأي العام العربي والعالمي السهولة التي يظهرها أصحاب النظام في استخدام القوة وإطلاق النار على المتظاهرين، كما لو كنا في فيلم رعاة بقر هوليودي، والجرأة التي تميز بها النظام في إرسال الدبابات والمدرعات والحوامات للقضاء على بؤر الثورة، وممارسة العقاب الجماعي، وتلقين السكان المدنيين العزل دروسا في الهزيمة والإذلال والقهر لم يحصل إلا تجاه شعوب محتلة وفي إطار الاحتلالات القاسية التقليدية.
أن تتصرف تجاه شعبك كما لو لم يكن هناك قانون أو رادع وطني أو أخلاقي غير العنف والقوة، بصرف النظر عن عدد الخسائر في الأرواح والممتلكات، وعن عواقب ذلك على مستقبل الدولة والأمة، ومن دون أن تحسب حسابا للرأي العام العربي والعالمي، وأن تكابر أكثر، وتصر على أن القاتل هو الشعب نفسه أو جزء منه، وأنك أنت الضحية والشعب هو المذنب، هذا هو التميز الأكبر للنظام السوري بالمقارنة مع الأنظمة العربية الأخرى.
في جميع النماذج التي عرفناها، باستثناء ليبيا التي دفعها ملوك أفريقيا إلى دائرة التدخلات العسكرية الأجنبية، حصل إطلاق نار بالتأكيد ولا يزال يحصل، لكن ضمن نطاق محدود، وفي إطار الاعتراف بالشعب والتلويح بإمكانية النقاش حول حقوقه أو الالتزام بتحقيقها أو تحقيق جزء منها.
لكن لم يطلب نظام آخر من شعبه الاستسلام من دون قيد أو شرط، والعودة إلى تقبيل موطئ قدم الرئيس، الذي هو شعار أنصار الأسد وجنوده المخلصين، والقبول بالعقاب الجماعي كتطبيق للقانون، كما يحصل في سوريا.
بعد شهرين ونصف الشهر من التضحيات الهائلة، قدم فيها السوريون آلاف الشهداء والجرحى والمعتقلين، وتعرض فيها الألوف أيضا للتعذيب المر ولممارسات حاطة بالكرامة الإنسانية والسلامة البدنية، ومثل فيها بجثث أطفال، وأهين شيوخ، وقتلت نساء، من دون أي سبب سوى إرادة الترويع والإرهاب التي جعلت منها السلطة السورية سلاحها الأمضى لثني الشعب عن مطالبه وإجباره على الركوع، لا يزال النظام متمترسا وراء خندق المؤامرة الخارجية ليبرر جميع الأعمال والانتهاكات الصارخة لحقوق الفرد والمجتمع.
ولا يزال الرأي العام العربي صامتا بصورة مريبة. فلم يصدر عن أي دولة عربية ولو نداء للنظام السوري بوقف المجازر والأعمال العسكرية تجاه شعب يعتبر رسميا شعبا مستقلا وذا سيادة. كما فشل مجلس الأمن في إصدار بيان يدين فيه أعمال العنف التي يمارسها النظام ضد شعب أعزل بسبب معارضة موسكو والصين وحمايتهما للنظام لغايات إستراتيجية ومصالح قومية.
أمام هذه التحديات الكبرى التي تواجه الثورة السورية، والصعوبة المتزايدة لتسجيل نتائج سياسية على الأرض مقابل آلاف الضحايا، تبدو المخاطر التي كنا نحذر منها في السابق أكثر احتمالا اليوم من أي وقت آخر.
ومن هذه المخاطر الاحتمال المتزايد لانزلاق قطاعات من الرأي العام المروع والملوع بعد شهور من القتل والملاحقة والعنف، نحو الطائفية. ووقوعها، في موازاة ذلك، تحت إغراء المراهنة على القوة والعنف المضاد بدل التمسك بالوسائل السلمية.
وإذا كانت هذه القطاعات لا تزال محدودة حتى الآن فليس من المستبعد أن يتفاقم الأمر، إذا استمر انسداد أفق الحل السياسي، وتصاعد التوتر والشعور بالاختناق داخل صفوف الشرائح الشعبية. وسيصبح من الصعب أكثر فأكثر على القوى الديمقراطية الحفاظ على موقف الحركة السلمية والمدنية الوطنية، بينما سيزداد خطر تطلع بعض الشرائح إلى التدخلات الأجنبية على سنة المستجير من الرمضاء بالنار، وكذلك إثارة شهية بعض الأطراف الخارجية الانتقامية أو ذات المصالح الخاصة والاستفادة من هذه الانزلاقات من أجل الدخول على الخط والسعي إلى تحقيق غايات ليس لها علاقة من قريب أو بعيد بأهداف الثورة الديمقراطية ومطالبها.
بالتأكيد، إن الذي يتحمل المسؤولية عن هذه الانزلاقات هو النظام والسلطة التي سدت على الشعب السوري جميع أبواب الرحمة وحكمت عليه بالعبودية الأبدية أو الصراع حتى الموت، للتخلص من أصفاده وكسر قيوده وتحرير نفسه من شروط حياة لا أخلاقية ولا إنسانية. لكن رجال السلطة الذين سعوا ولا يزالون يسعون، بكل ما أوتوا من قوة ووسائل، لإفساد الثورة ودفعها نحو منزلقات الطائفية والعنف، حتى يبرروا كما يعتقدون القضاء عليها واستعادة السيطرة على المجتمع والبلاد بشروط العبودية التقليدية، قد تخلوا تماما عن أي مسؤولية من تلقاء أنفسهم، ولا تبدو عليهم المقدرة على الالتزام بأي مبدأ أخلاقي أو إنساني أو وطني يمكن المراهنة على تفعيله أو العزف عليه لثنيهم عن خططهم الجنونية في الإبقاء بأي ثمن على نظام العسف والإذلال والقهر والفساد.
من هنا تقع مسؤولية الإنقاذ الوطني وتجنيب البلاد الانزلاق نحو الفوضى والدمار والعنف والنزاعات الداخلية اليوم بالدرجة الأولى على قوى الثورة الديمقراطية، وفي مقدمها قوى الشباب الاحتجاجية التي تشكل المحرك الرئيسي لها، كما تقع على المعارضات السياسية وقطاعات الرأي العام السوري المستنيرة والمستعدة للعمل من أجل المحافظة على مستقبل سوريا، وعلى فرص الانتقال نحو حياة مدنية وديمقراطية سليمة، وتجنيبها أي انزلاقات خطيرة محتملة.وهذا ما يرتب على الجميع عبئا إضافيا ويهيب بجميع القوى إلى الارتفاع إلى مستوى اللحظة التاريخية، والعمل من دون تأخير على بناء الإطار السياسي الضروري لتوحيد جهد القوى الداعمة للمشروع الديمقراطي المدني وتقديم رؤية واضحة عن سوريا المستقبل، ووضع عنوان واضح ومرجعية ذات مصداقية للثورة، يمكن من خلالها التواصل مع جميع القوى المحلية والعربية والدولية. وكل ذلك من شروط تسريع وتيرة عزل النظام وانحلال عصبيته وتعميق تفككه السياسي، وكذلك من شروط إعادة الأمل إلى الشعب بالخلاص القريب وإغلاق سبل اليأس والمغامرة والاستسلام للعنف.
في اعتقادي هناك ثلاث قوى رئيسية تشكل جسم المعارضة السورية، ويتوقف على توحيدها أو التلاقي في ما بينها مستقبل المعارضة الديمقراطية وقدرتها على وضع حد لعسف النظام الراهن وطغيانه وتحكمه في الداخل، كما يتوقف نجاحنا في أن نكسر حاجز الخوف من المجهول والفوضى الذي يبقي جزءا من مواطنينا مترددين في الانخراط في ثورة الحرية، ويسمح للأطراف الدولية بالتهرب من مسؤولياتهم والاستمرار في التساهل مع النظام، بل والتواطؤ معه كما هو حال دولتي روسيا والصين.
الأولى من بين هذه القوى هي قوى الشباب الذين يشكلون الجسم الأكبر للثورة وهم أيضا النسبة الأكبر من المجتمع. وبعكس ما كان يقال حتى الآن عن عفوية الثورة وضعف أطرها التنظيمية، أظهرت الأيام الأخيرة أن شباب الانتفاضة كانوا السباقين إلى طرح مسألة إعادة هيكلة المعارضة السورية وبنائها بما ينسجم مع حاجات تقدم الثورة وتجذيرها.
وأريد بهذه المناسبة أن أحيي هؤلاء الشباب الذين بادروا إلى تشكيل اتحاد التنسيقيات، وهم في طريقهم إلى استكمال هذه العملية على طريق تشكيل قوة واحدة قادرة على العمل الميداني والسياسي المتسق والمنظم. وهم الذين يقفون الآن أيضا في طليعة القوى الداعية إلى تحرك قوى المعارضة الأخرى وتوحيدها.
وقد أظهروا بذلك أنهم قدوة لبقية الحركات والأحزاب السياسية التي لا يزال بعضها يجد صعوبة كبيرة على ما يبدو في اللحاق سياسيا وفكريا بحركة الثورة والتفاعل معها وتقديم إضافة جديدة لها تمثل خبرة الأجيال السابقة ومعارفها.
القوى الثانية التي أظهرت نشاطا متجددا في الشهرين الماضيين هي المعارضة المستقلة التي ولدت من تجمع مواطنين سوريين في المهجر، وهم كثر، من باب الانخراط في العمل الوطني العام، وتقديم الدعم للانتفاضة.
ففي كل العواصم والمدن في العالم أجمع، حيث توجد جاليات سوريا، يكتشف السوريون هويتهم السياسية والوطنية، ويستعيدون علاقتهم مع وطنهم، ويحلمون بالمساهمة الفعالة في بناء مستقبلهم الجمعي. وفي كل يوم تتشكل مجموعات عمل جديدة وتتواصل مع الداخل أو مع بعضها. وهي تشكل بمجموعها خزانا كبيرا للكفاءات والعناصر التي تحتاج إليها الثورة اليوم من أجل كسب الرأي العام العالمي، وغدا من أجل بناء سوريا الديمقراطية الجديدة.
لكن الذي يعيق حركة توحيد هذه القوى التي ينتمي معظمها إلى أفراد مستقلين لم يمارسوا السياسة في السابق، وليس لديهم انتماءات حزبية، هو غياب قوى سياسية منظمة يمكنهم الاستناد إليها والعمل معها أو من خلالها.
أما القوى الثالثة التي كان من الضروري أن تلعب دور الدينامو في تحريك جميع هذه العناصر والجمع بينها وتوحيد رؤيتها ونهجها، فهي قوى المعارضة الحزبية المنظمة التي اكتسبت خلال كفاحها الطويل والمرير ضد الاستبداد خبرة مهمة، وتحول العديد من رموزها إلى رصيد وطني في نظر الرأي العام المحلي والعالمي معا.
للأسف بدت هذه المعارضة أو معظمها، حتى الآن، وكأنها غير قادرة على مواكبة حركة الشباب في ثورتهم، ولا تزال تضيع وقتها في مناقشات ونزاعات داخلية هي من مخلفات العقد الماضي. وبدل أن تشارك في إبداع الإطار الجديد الذي يتماشى مع وتيرة تقدم الثورة ويساهم في تغذيتها بالأفكار والرؤى والتوجهات، ويقدم لها مظلة تحمي ظهرها وتصد عنها الضربات والاتهامات، بقيت غارقة في نقاشاتها السفسطائية، باستثناء بعض البيانات التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
إلى هؤلاء أود التوجه اليوم وأقول لهم إن ما نعيشه الآن ليس حالة طبيعية أو عادية وإنما حالة استثنائية وعاجلة وتحتاج إلى عمل ذي وتيرة سريعة تلبي مطالب التحول المستمر داخل الثورة وتستجيب لديناميكيتها. ليس المطلوب منا اليوم التفاهم حول برنامج عمل لحكومة بديلة لسوريا المستقبل. لدينا الوقت الكافي لهذا العمل، وبمشاركة الشباب الذين فجروا هذه الثورة. المطلوب أن تضعوا رصيدكم السياسي والوطني في خدمة الثورة الديمقراطية وبأسرع وقت حتى تحموها وتحفظوا رهاناتها المدنية والديمقراطية من الضياع، أو من الانحراف والانزلاق.
إن ما نحتاج إليه اليوم، لكسر أوهام النظام بشأن قدرته على الاستمرار، وطمأنة الرأي العام السوري وقطاعاته المترددة على المستقبل، وترسيخ أقدام الثورة على الأرض، وتوسيع دائرة انتشارها ونسبة المشاركين فيها، هو تكوين هيئة وطنية تضم هذه القوى المعارضة جميعا، وتنسق بين نشاطاتها، وتوحدها لصالح ثورة الحرية.
فبعد برهان النظام المدوي عن استقالته الوطنية ورفضه التفاهم مع شعبه، وتصميم رجاله على سياسة القتل والقهر والاستعباد، لم يعد أمام السوريين اليوم خيار أو احتمال خيار آخر سوى التعاون من أجل الانتقال بسوريا إلى نظام ديمقراطي مدني تعددي يساوي بين كافة مواطني سوريا، أو الانزلاق الأكيد نحو العنف والفوضى والخراب.
الثلاثاء، 7 يونيو 2011
الكرامة البشرية وعلاقتها بثورة الشعوب
فيما يلي قسم من محاضرة للإمام الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين حول مفهوم الكرامة البشرية في القرآن، وهو نص غير منشور، ونحن نعمل على طبع تفسير القرآن حسب ترتيب النزول للإمام الراحل في وقت قريب إن شاء الله، رأينا أنه من المفيد نشر هذا المفهوم، وقد انفرد الإمام شمس الدين من بين المفسرين في اعتبار الآية التي تدل على ثبوت الكرامة البشرية لكل البشر أصلاً تشريعياً ثابتاً في أحكام الشريعة الإسلامية. ونرى فائدة كبيرة من تعميم هذا النص لعلاقته في رأينا بالمتغيرات الحاصلة في العالم العربي وحركة الشعوب مطالبة باسترجاع كرامتها وحقوقها الأساسية.
مفهوم الكرامة البشرية في القرآن ومن ثم في الإسلام.
هذا المفهوم حصل حوله جدل كثير في مدى تاريخ الإنسانية وكان دائماً موضع بحث وجدل بين الفلاسفة وبين السياسيين وبين رجال الدين والمؤسسات الدينية. هل للإنسان كرامة متميزة أو ليست له كرامة؟ هذه الكرامة هل هي ثابتة لجميع البشر أم لصنف خاص من البشر! أو لطبقة خاصة من الناس! هذه الكرامة هل هي ثابتة للرجال دون النساء أم هي ثابتة للرجال والنساء؟ هل هي ثابتة للعبيد والأحرار أو لخصوص الأحرار؟ هذا السؤال يتردد في أبحاث الفلاسفة، منذ أقدم نصوص الفكر الفلسفي هذا السؤال مطروح، في الأبحاث الدينية القديمة أيضاً مطروح في أبحاث رجال القانون في أقدم الشرائع، منذ شريعة حمورابي وقبل حمورابي في التشريع المصري القديم أيضاً مطروح.
ما هو المقصود بالكرامة البشرية، هي أن الإنسان له موقع في الكون يجعله موضع احترام وموضع صيانة، له احترام وله حقوق، ليس مهاناً وليس مهدور الحقوق. الحقوق تتناول الأمور الأساسية في البشر، حق الحياة وحق العيش وحق الأمان حق الحرية، الحقوق الأساسية التي تتقدم بها حياة البشر مع الاحترام، هذه هي الكرامة.
هذا المبدأ، مبدأ الكرامة الانسانية، ورد في سورة مكية في آية مكية. السورة هي سورة الإسراء، توجد فيها آية هي آية فريدة من نوعها وبنصها في القرآن الكريم التي نرى أنها وضعت أساساً لأول مرة في تاريخ البشر المعروف عن كرامة الانسان وهي قوله تعالى:" وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقنَا تَفضِيلاً "(الاسراء،70)... هذه الآية هي لبيان المركز الحقوقي للإنسان، ومن ثم فإن هذا الأصل التشريعي يقاس عليه كل وضع متفرع، فكل وضع يتنافى مع مبدأ الكرامة الإنسانية يعتبر غير مشروع، وهذا أصل في باب الاستنباط قد يؤدي إلى نتائج مثيرة جداً في الفقه بالنسبة إلى المسلمين وبالنسبة إلى غير المسلمين أيضاً....وقد درج المفسرون على اعتبار أن هذه الآية هي من آيات التشريف وآيات المدح وأنها ليست من آيات الأحكام. نحن نعتبر أن هذه الآية هي آية تشريعية وهي من آيات الأحكام التي تضمنت حكماً شرعياً، وأنها من الآيات التي تتضمن أدلة الشريعة العليا.
ما يترتب على كون هذه الآية من آيات الأحكام أن كل أمر من الأمور يتنافى مع كون الإنسان مكرماً، سواء كان هذا الإنسان فرداً أو جماعة أو شعباً من الشعوب أو أمة من الأمم، كل ما يتنافى مع كونه مكرماً هو يكون غير مشروع في الشريعة، يكون محرماً، سواء كان من التصرفات أو من المواقف أو من الأحكام. وهذا ينطبق على المؤمن والكافر، وعلى العدو والصديق، وعلى القريب والبعيد، حتى غير المسلمين ينطبق عليهم هذا الحكم المبدئي الكبير إنهم مكرمون. وأن كل ما يتنافى مع كرامتهم، كل إهانة وكل افتئات هو محرم في الشريعة الإسلامية. وهذا يتناسب مع الكلية الكبيرة المذكورة في آيات الحرب وفي آيات القضاء من قبيل النهي عن العدوان، العدوان في الإسلام هو محرم إلا عندما يكون رداً للعدوان. وآيات القتال التي ورد فيها ...ولا تعتدوا... (البقرة، 190) (المائدة، 87)، تتناسب مع مبدأ الكرامة البشرية، ومن ذلك أننا استنتجنا في أبحاثنا في فقه الجهاد عدم مشروعية ما يسمى الجهاد الإبتدائي وهو إبتداء غير المسلمين بالحرب لمجرد أنهم غير مسلمين. ولا يجوز للمسلمين أن يشنوا حرباً إبتدائية، وهذا ينسجم مع مبدأ الكرامة البشرية، تحريم العدوان.
الكرامة البشرية هي كما قلنا حكم شرعي وضعي. ونحن في هذا الإستنتاج وفي هذا الاستنباط ننفرد في هذا الفهم عن غيرنا من الفقهاء ونرى أنه باب جديد من أبواب الاستنباط في الفقه الإسلامي.
التكريم البشري الثابت في هذه الآية هو أساس من أسس استنباط الأحكام الشرعية في باب الاجتماع السياسي والحرب والسلم والعلاقات الدولية في كل هذه المجالات الفقهية وكذلك في العلاقات الخاصة.
الأمر الشائع في الأذهان أن الكرامة هي فقط للمسلمين وأن غير المسلمين لا كرامة لهم ولا حرمة لهم، هذا أمر في نظرنا مخالف لهذا المبدأ التشريعي.
الكرامة البشرية ثابتة للإنسان مهما كان، مؤمناً أو كافراً، قريباً أو بعيداً ما دام يكرم نفسه. هذه الكرامة ثابتة للإنسان الذي يحترم كرامته. أما إذا أهان الإنسان كرامته حينئذ بطبيعة الحال هو يفقد هذه الكرامة. الإنسان يكون مكرماً وتكون لكرامته آثار تشريعية ما لم يهتك حرمة نفسه وما لم يرفع الستر المعطى له من الله سبحانه وتعالى. فلو فرضنا أن هذا الإنسان ظلم غيره لا تعود له كرامة، لو سرق أو كذب أو اعتدى يكون بطبيعة الحال قد عرض نفسه للعقاب لأن هذه الكرامة تثبت لأهلها ولا تثبت لغير أهلها.
الحرمات الأساسية للبشر هي: الدم والعرض والمال والسمعة، وهي مصونة لكل الناس، دم الإنسان البريء هو مصون، كونه غير مسلم لا يهدر دمه، عرضه مصون، ماله مصون. حينما نلاحظ من شواهد هذا الحكم الشرعي أنه ثابت في أصل الشرع لكل البشر حتى في حالة هزيمة غير المسلمين إذا اعتدوا نجد أن هناك حدود لرد العدوان وهو فقط إتقاء الخطر، كل شيء يزيد عن إتقاء الخطر وعن دفع الخطر يكون محرماً، كذلك حرمة العرض وحرمة الحريم، بحيث لا تجعل من عرض الأعداء من حريم الأعداء أمراًَ مستباحاً بأي وجه من الوجوه.
حرمة المال، كل إنسان يعيش في ظل القانون وفي ظل النظام ماله محرم، وما يشيع بين الناس أن غير المسلم هو مهدور المال هو أمر لا أساس له في الشرع على الإطلاق. وحرمة السمعة، إهانة غير المسلم، إهانته بأي معنى من معاني الإهانة يدخل في هذا الباب أيضاً.
الخطأ الذي يرتكبه الحاكم أو الدولة، الدولة إذا ارتكبت أي عمل من الأعمال يتنافى مع كرامة البشر فهذا العمل غير مشروع. الآن يُتداول أنه يطلب من الدول ومن السلطات العامة أن تحترم حقوق الإنسان والحريات العامة، ويُظن أن هذا المبدأ في القانون الدستوري أو في القانون الدولي هو من المبادئ المستحدثة من حين بدء الثورة الفرنسية أو الثورة البريطانية وأن هذا الأمر، هذا المفهوم كان غير معروف، كلا، هذا الأمر وُضعت أسسه في الشريعة الإسلامية. كل عمل من الأعمال يتنافى مع الكرامة البشرية تقوم به الدولة هو عمل غير مشروع وغير دستوري وتجب مقاومته. كل عمل من الأعمال تقوم به أي سلطة من السلطات تجاه أي مواطن أو أي جماعة يتنافى مع الكرامة البشرية هو غير مشروع. كل عمل من الأعمال يقوم به أي شخص تجاه أي شخص آخر ويتنافى مع الكرامة البشرية هو غير مشروع.
في هذه الحالة نحن نذكر بعض الخطوط التشريعية لهذا المبدأ التشريعي، في هذه الحالة إذا تعرض الإنسان لما ينتهك كرامته، الفرد أو الجماعة أو المجتمع، ولم تتوفر ضمانات الحماية وضمانات رد العدوان، يصبح من المشروع له أن يدافع عن كرامته، عن حقه في الكرامة وعن حقه في الاحترام وعن حقه في صون حقوقه، عندئذ يكون من حقه الدفاع عن نفسه. نتحدث هنا ليس عن الإنتهاك السياسي من قبيل أن يكون احتلال إسرائيلي وتتركب مقاومة جهادية ضد الإحتلال. هذا أمر يتعلق بالكرامة السياسية والسيادة الوطنية. نقول أنه حتى في المجالات الحقوقية داخل المجتمع حين يتعرض الإنسان أو الجماعة لأي انتهاك من انتهاكات الكرامة يكون له حق الدفاع عن نفسه. والآن المبدأ التشريعي لمشروعية المقاومة بكل ما تعنيه هو يرجع إلى هذا، إلى مبدأ الكرامة البشرية.
مفهوم الكرامة البشرية في القرآن ومن ثم في الإسلام.
هذا المفهوم حصل حوله جدل كثير في مدى تاريخ الإنسانية وكان دائماً موضع بحث وجدل بين الفلاسفة وبين السياسيين وبين رجال الدين والمؤسسات الدينية. هل للإنسان كرامة متميزة أو ليست له كرامة؟ هذه الكرامة هل هي ثابتة لجميع البشر أم لصنف خاص من البشر! أو لطبقة خاصة من الناس! هذه الكرامة هل هي ثابتة للرجال دون النساء أم هي ثابتة للرجال والنساء؟ هل هي ثابتة للعبيد والأحرار أو لخصوص الأحرار؟ هذا السؤال يتردد في أبحاث الفلاسفة، منذ أقدم نصوص الفكر الفلسفي هذا السؤال مطروح، في الأبحاث الدينية القديمة أيضاً مطروح في أبحاث رجال القانون في أقدم الشرائع، منذ شريعة حمورابي وقبل حمورابي في التشريع المصري القديم أيضاً مطروح.
ما هو المقصود بالكرامة البشرية، هي أن الإنسان له موقع في الكون يجعله موضع احترام وموضع صيانة، له احترام وله حقوق، ليس مهاناً وليس مهدور الحقوق. الحقوق تتناول الأمور الأساسية في البشر، حق الحياة وحق العيش وحق الأمان حق الحرية، الحقوق الأساسية التي تتقدم بها حياة البشر مع الاحترام، هذه هي الكرامة.
هذا المبدأ، مبدأ الكرامة الانسانية، ورد في سورة مكية في آية مكية. السورة هي سورة الإسراء، توجد فيها آية هي آية فريدة من نوعها وبنصها في القرآن الكريم التي نرى أنها وضعت أساساً لأول مرة في تاريخ البشر المعروف عن كرامة الانسان وهي قوله تعالى:" وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقنَا تَفضِيلاً "(الاسراء،70)... هذه الآية هي لبيان المركز الحقوقي للإنسان، ومن ثم فإن هذا الأصل التشريعي يقاس عليه كل وضع متفرع، فكل وضع يتنافى مع مبدأ الكرامة الإنسانية يعتبر غير مشروع، وهذا أصل في باب الاستنباط قد يؤدي إلى نتائج مثيرة جداً في الفقه بالنسبة إلى المسلمين وبالنسبة إلى غير المسلمين أيضاً....وقد درج المفسرون على اعتبار أن هذه الآية هي من آيات التشريف وآيات المدح وأنها ليست من آيات الأحكام. نحن نعتبر أن هذه الآية هي آية تشريعية وهي من آيات الأحكام التي تضمنت حكماً شرعياً، وأنها من الآيات التي تتضمن أدلة الشريعة العليا.
ما يترتب على كون هذه الآية من آيات الأحكام أن كل أمر من الأمور يتنافى مع كون الإنسان مكرماً، سواء كان هذا الإنسان فرداً أو جماعة أو شعباً من الشعوب أو أمة من الأمم، كل ما يتنافى مع كونه مكرماً هو يكون غير مشروع في الشريعة، يكون محرماً، سواء كان من التصرفات أو من المواقف أو من الأحكام. وهذا ينطبق على المؤمن والكافر، وعلى العدو والصديق، وعلى القريب والبعيد، حتى غير المسلمين ينطبق عليهم هذا الحكم المبدئي الكبير إنهم مكرمون. وأن كل ما يتنافى مع كرامتهم، كل إهانة وكل افتئات هو محرم في الشريعة الإسلامية. وهذا يتناسب مع الكلية الكبيرة المذكورة في آيات الحرب وفي آيات القضاء من قبيل النهي عن العدوان، العدوان في الإسلام هو محرم إلا عندما يكون رداً للعدوان. وآيات القتال التي ورد فيها ...ولا تعتدوا... (البقرة، 190) (المائدة، 87)، تتناسب مع مبدأ الكرامة البشرية، ومن ذلك أننا استنتجنا في أبحاثنا في فقه الجهاد عدم مشروعية ما يسمى الجهاد الإبتدائي وهو إبتداء غير المسلمين بالحرب لمجرد أنهم غير مسلمين. ولا يجوز للمسلمين أن يشنوا حرباً إبتدائية، وهذا ينسجم مع مبدأ الكرامة البشرية، تحريم العدوان.
الكرامة البشرية هي كما قلنا حكم شرعي وضعي. ونحن في هذا الإستنتاج وفي هذا الاستنباط ننفرد في هذا الفهم عن غيرنا من الفقهاء ونرى أنه باب جديد من أبواب الاستنباط في الفقه الإسلامي.
التكريم البشري الثابت في هذه الآية هو أساس من أسس استنباط الأحكام الشرعية في باب الاجتماع السياسي والحرب والسلم والعلاقات الدولية في كل هذه المجالات الفقهية وكذلك في العلاقات الخاصة.
الأمر الشائع في الأذهان أن الكرامة هي فقط للمسلمين وأن غير المسلمين لا كرامة لهم ولا حرمة لهم، هذا أمر في نظرنا مخالف لهذا المبدأ التشريعي.
الكرامة البشرية ثابتة للإنسان مهما كان، مؤمناً أو كافراً، قريباً أو بعيداً ما دام يكرم نفسه. هذه الكرامة ثابتة للإنسان الذي يحترم كرامته. أما إذا أهان الإنسان كرامته حينئذ بطبيعة الحال هو يفقد هذه الكرامة. الإنسان يكون مكرماً وتكون لكرامته آثار تشريعية ما لم يهتك حرمة نفسه وما لم يرفع الستر المعطى له من الله سبحانه وتعالى. فلو فرضنا أن هذا الإنسان ظلم غيره لا تعود له كرامة، لو سرق أو كذب أو اعتدى يكون بطبيعة الحال قد عرض نفسه للعقاب لأن هذه الكرامة تثبت لأهلها ولا تثبت لغير أهلها.
الحرمات الأساسية للبشر هي: الدم والعرض والمال والسمعة، وهي مصونة لكل الناس، دم الإنسان البريء هو مصون، كونه غير مسلم لا يهدر دمه، عرضه مصون، ماله مصون. حينما نلاحظ من شواهد هذا الحكم الشرعي أنه ثابت في أصل الشرع لكل البشر حتى في حالة هزيمة غير المسلمين إذا اعتدوا نجد أن هناك حدود لرد العدوان وهو فقط إتقاء الخطر، كل شيء يزيد عن إتقاء الخطر وعن دفع الخطر يكون محرماً، كذلك حرمة العرض وحرمة الحريم، بحيث لا تجعل من عرض الأعداء من حريم الأعداء أمراًَ مستباحاً بأي وجه من الوجوه.
حرمة المال، كل إنسان يعيش في ظل القانون وفي ظل النظام ماله محرم، وما يشيع بين الناس أن غير المسلم هو مهدور المال هو أمر لا أساس له في الشرع على الإطلاق. وحرمة السمعة، إهانة غير المسلم، إهانته بأي معنى من معاني الإهانة يدخل في هذا الباب أيضاً.
الخطأ الذي يرتكبه الحاكم أو الدولة، الدولة إذا ارتكبت أي عمل من الأعمال يتنافى مع كرامة البشر فهذا العمل غير مشروع. الآن يُتداول أنه يطلب من الدول ومن السلطات العامة أن تحترم حقوق الإنسان والحريات العامة، ويُظن أن هذا المبدأ في القانون الدستوري أو في القانون الدولي هو من المبادئ المستحدثة من حين بدء الثورة الفرنسية أو الثورة البريطانية وأن هذا الأمر، هذا المفهوم كان غير معروف، كلا، هذا الأمر وُضعت أسسه في الشريعة الإسلامية. كل عمل من الأعمال يتنافى مع الكرامة البشرية تقوم به الدولة هو عمل غير مشروع وغير دستوري وتجب مقاومته. كل عمل من الأعمال تقوم به أي سلطة من السلطات تجاه أي مواطن أو أي جماعة يتنافى مع الكرامة البشرية هو غير مشروع. كل عمل من الأعمال يقوم به أي شخص تجاه أي شخص آخر ويتنافى مع الكرامة البشرية هو غير مشروع.
في هذه الحالة نحن نذكر بعض الخطوط التشريعية لهذا المبدأ التشريعي، في هذه الحالة إذا تعرض الإنسان لما ينتهك كرامته، الفرد أو الجماعة أو المجتمع، ولم تتوفر ضمانات الحماية وضمانات رد العدوان، يصبح من المشروع له أن يدافع عن كرامته، عن حقه في الكرامة وعن حقه في الاحترام وعن حقه في صون حقوقه، عندئذ يكون من حقه الدفاع عن نفسه. نتحدث هنا ليس عن الإنتهاك السياسي من قبيل أن يكون احتلال إسرائيلي وتتركب مقاومة جهادية ضد الإحتلال. هذا أمر يتعلق بالكرامة السياسية والسيادة الوطنية. نقول أنه حتى في المجالات الحقوقية داخل المجتمع حين يتعرض الإنسان أو الجماعة لأي انتهاك من انتهاكات الكرامة يكون له حق الدفاع عن نفسه. والآن المبدأ التشريعي لمشروعية المقاومة بكل ما تعنيه هو يرجع إلى هذا، إلى مبدأ الكرامة البشرية.
اليسار اللبناني يسقط في سوريا
خليل عيسى
حينما يفتقد اليسار كلّ مقوّمات صموده المادية، بسبب أخطائه من جهة، وبسبب الضغوط الموضوعية المحيطة به من جهة أخرى، لا يبقى لديه عادةً، إلا الخطاب السياسي الأخلاقي كموقف مبدئي يحارب على أساسه. فأن تكون يسارياً في النهاية، هو أن تكون مع الحق ضد الظلم، مع الضحية ضد الجلّاد، مع المستغَلّ ضد المستغِلّ. هذا هو الموقف الأخلاقي الذي يُبقينا يساريّين، بعدما توفّي اليسار اللبناني، أو قارب على ذلك، كحركة سياسيّة منظّمة.
اليوم، وفي خضمّ حركة الاحتجاجات الثورية الواسعة، المطالبة بالحرية في كلّ أنحاء سوريا، التي ووجهت بقمع مرعب انتهى حتى الآن إلى أكثر من 1100 قتيل وعشرة آلاف معتقل، جلّهم من الكادحين والفلّاحين والعمّال السوريّين، يأتي البيان الأخير للمكتب السياسي للحزب الشيوعي اللبناني الصادر بتاريخ 20 نيسان 2011، ليمنّن الشعب السوري بأنّ من حقّه أن «يتحرّك بكلّ الوسائل السلمية والديموقراطية من أجل الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومواجهة الفساد»، لكنّه، في المقابل، يتجاهل أيّة تسمية للشهداء والقتلى في سوريا، و«يأمل أن تسارع (الحكومة السورية) الى تنفيذ سائر الإصلاحات التي تقدّم بها الرئيس بشار الأسد».
نتبيّن موقف الحزب الموارب أكثر، عندما نرى كلاماً طويلاً عن «مواجهة سوريا للفتنة الداخلية التي تسعى اليها الإمبريالية الأميركية وإسرائيل بالتعاون مع بعض القوى العميلة والمغرقة في رجعيتها داخل سوريا وخارجها»... لكنّنا لا نفهم شيئاً. أيّ «فتنة» يقصدها الحزب الشيوعي اللبناني؟ ولماذا لا يحلو ذكر «الفتنة» إلا عندما يُفترض أن يكون الكلام ضد القمع والقتل والترهيب؟ هل المعارضون الوطنيون في سوريا أمثال ميشيل كيلو وعارف دليلة وياسين الحاج صالح ـــــ وهم كلّهم «رفاق» بالمناسبة ـــــ أصبحوا فجأةً عملاء لـ«الدوائر» الإمبريالية؟ أم أنّ نظرية «الفتنة»، السخيفة، بما هي تفريع من نظرية «المؤامرة» أصبحت بديلاً لكلّ المواقف التي يجب أن يأخذها حزب يفترض أنّه «حزب الشعب» بامتياز؟
إنّ موقف الحزب الشيوعي مما يحصل في سوريا ساقط على المستويين الأخلاقي والسياسي، بمعنى أن تكون هنا السياسة فعلاً لمصلحة الطبقات المقهورة، مما يجعل منه حزباً ذا قيادة يمينية بحق. فهو يرفض عملياً التغيير الذي يطلبه العمال والكادحون في سوريا، ويتبنى سرديات السلطة عن «المؤامرة الخارجية». ولا ينقص الرفاق في المكتب السياسي إلا المشاركة في البروباغندا الدعائية ضد المحتجين على أنّهم «مندسّون» و«عصابات مسلحة»، وخصوصاً أنّ أمينه العام خالد حدادة أكّد مرّةً أخرى، مركزية «المؤامرة على سوريا»، في مقال له بجريدة «السفير» (28 أيار 2011). فهو إذ يرفض الحلّ الأمني في سوريا، يرفض أيضاً «محاولة الاستقواء بالخارج».
ونسأل هنا الرفيق خالد حدادة، مَن مِن المحتجين اليوم في سوريا يطلب الاستقواء بالخارج؟ أم أنّ تلك الذرائع الكلامية موجودة دائماً ـــــ لأنّ تاريخ التدخّل الإمبريالي في المنطقة معروف ومدمّر ـــــ لتجعلنا ننتج موقفاً سياسياً لا أخلاقياً، يتجاهل تماماً ما يحصل على الأرض في سوريا؟ لماذا تُحشر الإمبريالية حشراً حيث لا تكون موجودة، حتى إنّنا بتنا نرى الإمبريالية في غير الجهة التي هي فيها؟ أيّ حوار يدعو الحزب الشيوعي إليه، بينما يقول مثلاً عزمي بشارة في إحدى إطلالاته الإعلاميّة الأخيرة إنّه «من الواضح أنّ هنالك حديثاً. للأسف «فقط» حديث متعلّق بالإصلاح، لكن هناك تحريض قتل وإطلاق نار على المطالبين بالإصلاح»؟
أما وأنّ القيادة الشيوعية يمينية لهذه الدرجة، فهذا لا يلخّص كلّ الإشكالية. فكثير من اليساريّين اللبنانيّين مقتنعون، لا كلّهم بالطبع، من خارج الحزب ومن داخله، بأنّ ما يحصل في سوريا هو من فعل «السلفيين» أو المؤامرة «الأنغلو ـــــ أميركوصهيونية ـــــ السعوديّة ـــــ القطرية». يختلط هنا رهاب «المؤامرة» الدائم بعلمانية طائفية، بحسب تعبير الكاتب السوري ياسين الحاج صالح، فيردّد الكثير من اليساريين استنكار شعراء من أمثال أدونيس وسعدي يوسف «خروج ثورة من الجامع»، أو أنّ ما يحصل ليس إلا آية من «صنع الغرب». تطمس هنا العلمانية الطائفية، بوعي أو لا وعي، شعوراً أقلّوياً ترعبه صيحات «الله أكبر»، وتحيي نخبوية مريضة، لا ترى عند الجماهير السورية «وعياً ثورياً» كافياً، يفاخر الرفاق الشيوعيون بأنّهم يملكونه كمن يدّعي امتلاكه مفتاح الجنّة، وربما يعكس ذلك أيضاً احتقاراً طبقياً من قيادة بورجوازية صغيرة تجاه عمّال وفلاحين يُقتلون. فالمطلوب دائماً، هو أن تكون الثورة على مقاس يسار بائس، لم يعد يحدّد نفسه إلا بخطاب «العلمانية» (وبالمناسبة نسأل هنا ماذا عاد وحلّ بأهزوجة «إسقاط النظام الطائفي»؟). فاذا كان مفهوماً أنّ لموقع حزب الله الإقليمي شيئاً أساسياً ليخسره أو يربحه عندما يأخذ موقفاً ممّا يحصل في سوريا، ألا وهو صواريخه والمقاومة العسكرية ضد إسرائيل، فنحن لا نفهم ما هي الخسارة السياسية التي يتجنّبها تخاذل الحزب الشيوعي، الذي أصبح في السنوات الأخيرة بمثابة «خيال صحرا» في المشهد السياسي اللبناني. أو ربما هناك مصلحة أخرى تدفع قيادة «الشيوعي» الى تصرّف كهذا، ونحن لا نعرفها...
لقد وصلنا اليوم إزاء يسارٍ لبناني «طائفي علماني»، مستقيل من واجباته، يتأرجح بين رؤية قومويّة لبنانية وموقف قوموي عربي، بالمعنى الخشبي للكلمة، كسول فكرياً، جبان سياسياً، فولكلوري ولفظوي، ذي خطاب ماركسيته مبتذلة وانتهازي النزعة، لا يعتمد على قواه الذاتية، حيث يتبنى سردية مظلومية تبدأ من «الغرب الإمبريالي» الى ندب «ظلم» الأحزاب الطائفية اللبنانية الأخرى له. حين لا يشكك يسارٌ في الأجوبة الجاهزة، يصبح يساراً «دينياً»، بمعنى من المعاني. فاليسار اللبناني أمميّ مع كلّ شعوب الأرض المظلومة، إلا عندما يتعلّق الأمر... بالشعوب العربية، ربما لأنّ هؤلاء لا يزالون في العمق «مسلمين»، أي ليسوا «علمانيين» كفاية!
هناك مشكلة أعمق تواجه اليساريين والشيوعيين على المستوى النظري. إنّها «الحرية» التي نادت بها الجماهير العربية المسحوقة من المحيط الى الخليج، وكانت بحدّ ذاتها تعبيراً عن كرامة مفقودة في أنظمة تسلّط كولونيالية «محلية». التفكير في هذه المسألة، أهمّ بكثير اليوم من تردادنا اللامتناهي لتحليلات مضى عليها الزمن للشهيد مهدي عامل، أو تقارير اقتصادوية تخطاها الزمن في عالم الماركسية. فموضوعة «الديموقراطية» يعدّها الشيوعيون التقليديون خياراً «بورجوازياً»، متجاهلين أنّ حقّ التصويت وحقّ التعبير عن الرأي وإنشاء الأحزاب لم تكن يوماً منّة «ليبرالية»، بل جاءت دوماً نتيجة نضالات قامت بها الطبقة العاملة والفلاحون. ولهذا، فإنّ احتقار الحرية السياسية بوصفها «حرية بورجوازية» هو في أساس المواقف اللامبالية بمطالب الجماهير التي تريد الكرامة قبل أيّ شيء آخر.
هناك ثلاثة أمور تزيّن يمينية «اليسار» اللبناني اليوم: العلمانية الطائفية التي تحوّلت الى سياسة هوية، داء النخبوية التي تحتقر الطبقات المناضلة وغياب التجديد الفكري، بسبب ترداد الصلوات اليسارية الصماء التي تدّعي الإجابة عن كلّ همّ وشكوى. نحن بحاجة الى يسار جديد، ومن هنا الدعوة إلى الرفاق في الحزب الشيوعي إلى وعي الدور التاريخي الذي يجب أن يضطلعوا به، والكفّ عن كون العلاقة طفولية و«عاطفية» بحتة مع حزبهم العريق... فقط لأنّه «الحزب الشيوعي». نقول ذلك على أمل أن يرجع اليسار يسارياً والحزب الشيوعي شيوعياً. فالأمور تشير الى أيّام صعبة ستمرّ على البلاد وسنحتاج حينها بالفعل الى هذا اليسار الجديد.
حينما يفتقد اليسار كلّ مقوّمات صموده المادية، بسبب أخطائه من جهة، وبسبب الضغوط الموضوعية المحيطة به من جهة أخرى، لا يبقى لديه عادةً، إلا الخطاب السياسي الأخلاقي كموقف مبدئي يحارب على أساسه. فأن تكون يسارياً في النهاية، هو أن تكون مع الحق ضد الظلم، مع الضحية ضد الجلّاد، مع المستغَلّ ضد المستغِلّ. هذا هو الموقف الأخلاقي الذي يُبقينا يساريّين، بعدما توفّي اليسار اللبناني، أو قارب على ذلك، كحركة سياسيّة منظّمة.
اليوم، وفي خضمّ حركة الاحتجاجات الثورية الواسعة، المطالبة بالحرية في كلّ أنحاء سوريا، التي ووجهت بقمع مرعب انتهى حتى الآن إلى أكثر من 1100 قتيل وعشرة آلاف معتقل، جلّهم من الكادحين والفلّاحين والعمّال السوريّين، يأتي البيان الأخير للمكتب السياسي للحزب الشيوعي اللبناني الصادر بتاريخ 20 نيسان 2011، ليمنّن الشعب السوري بأنّ من حقّه أن «يتحرّك بكلّ الوسائل السلمية والديموقراطية من أجل الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومواجهة الفساد»، لكنّه، في المقابل، يتجاهل أيّة تسمية للشهداء والقتلى في سوريا، و«يأمل أن تسارع (الحكومة السورية) الى تنفيذ سائر الإصلاحات التي تقدّم بها الرئيس بشار الأسد».
نتبيّن موقف الحزب الموارب أكثر، عندما نرى كلاماً طويلاً عن «مواجهة سوريا للفتنة الداخلية التي تسعى اليها الإمبريالية الأميركية وإسرائيل بالتعاون مع بعض القوى العميلة والمغرقة في رجعيتها داخل سوريا وخارجها»... لكنّنا لا نفهم شيئاً. أيّ «فتنة» يقصدها الحزب الشيوعي اللبناني؟ ولماذا لا يحلو ذكر «الفتنة» إلا عندما يُفترض أن يكون الكلام ضد القمع والقتل والترهيب؟ هل المعارضون الوطنيون في سوريا أمثال ميشيل كيلو وعارف دليلة وياسين الحاج صالح ـــــ وهم كلّهم «رفاق» بالمناسبة ـــــ أصبحوا فجأةً عملاء لـ«الدوائر» الإمبريالية؟ أم أنّ نظرية «الفتنة»، السخيفة، بما هي تفريع من نظرية «المؤامرة» أصبحت بديلاً لكلّ المواقف التي يجب أن يأخذها حزب يفترض أنّه «حزب الشعب» بامتياز؟
إنّ موقف الحزب الشيوعي مما يحصل في سوريا ساقط على المستويين الأخلاقي والسياسي، بمعنى أن تكون هنا السياسة فعلاً لمصلحة الطبقات المقهورة، مما يجعل منه حزباً ذا قيادة يمينية بحق. فهو يرفض عملياً التغيير الذي يطلبه العمال والكادحون في سوريا، ويتبنى سرديات السلطة عن «المؤامرة الخارجية». ولا ينقص الرفاق في المكتب السياسي إلا المشاركة في البروباغندا الدعائية ضد المحتجين على أنّهم «مندسّون» و«عصابات مسلحة»، وخصوصاً أنّ أمينه العام خالد حدادة أكّد مرّةً أخرى، مركزية «المؤامرة على سوريا»، في مقال له بجريدة «السفير» (28 أيار 2011). فهو إذ يرفض الحلّ الأمني في سوريا، يرفض أيضاً «محاولة الاستقواء بالخارج».
ونسأل هنا الرفيق خالد حدادة، مَن مِن المحتجين اليوم في سوريا يطلب الاستقواء بالخارج؟ أم أنّ تلك الذرائع الكلامية موجودة دائماً ـــــ لأنّ تاريخ التدخّل الإمبريالي في المنطقة معروف ومدمّر ـــــ لتجعلنا ننتج موقفاً سياسياً لا أخلاقياً، يتجاهل تماماً ما يحصل على الأرض في سوريا؟ لماذا تُحشر الإمبريالية حشراً حيث لا تكون موجودة، حتى إنّنا بتنا نرى الإمبريالية في غير الجهة التي هي فيها؟ أيّ حوار يدعو الحزب الشيوعي إليه، بينما يقول مثلاً عزمي بشارة في إحدى إطلالاته الإعلاميّة الأخيرة إنّه «من الواضح أنّ هنالك حديثاً. للأسف «فقط» حديث متعلّق بالإصلاح، لكن هناك تحريض قتل وإطلاق نار على المطالبين بالإصلاح»؟
أما وأنّ القيادة الشيوعية يمينية لهذه الدرجة، فهذا لا يلخّص كلّ الإشكالية. فكثير من اليساريّين اللبنانيّين مقتنعون، لا كلّهم بالطبع، من خارج الحزب ومن داخله، بأنّ ما يحصل في سوريا هو من فعل «السلفيين» أو المؤامرة «الأنغلو ـــــ أميركوصهيونية ـــــ السعوديّة ـــــ القطرية». يختلط هنا رهاب «المؤامرة» الدائم بعلمانية طائفية، بحسب تعبير الكاتب السوري ياسين الحاج صالح، فيردّد الكثير من اليساريين استنكار شعراء من أمثال أدونيس وسعدي يوسف «خروج ثورة من الجامع»، أو أنّ ما يحصل ليس إلا آية من «صنع الغرب». تطمس هنا العلمانية الطائفية، بوعي أو لا وعي، شعوراً أقلّوياً ترعبه صيحات «الله أكبر»، وتحيي نخبوية مريضة، لا ترى عند الجماهير السورية «وعياً ثورياً» كافياً، يفاخر الرفاق الشيوعيون بأنّهم يملكونه كمن يدّعي امتلاكه مفتاح الجنّة، وربما يعكس ذلك أيضاً احتقاراً طبقياً من قيادة بورجوازية صغيرة تجاه عمّال وفلاحين يُقتلون. فالمطلوب دائماً، هو أن تكون الثورة على مقاس يسار بائس، لم يعد يحدّد نفسه إلا بخطاب «العلمانية» (وبالمناسبة نسأل هنا ماذا عاد وحلّ بأهزوجة «إسقاط النظام الطائفي»؟). فاذا كان مفهوماً أنّ لموقع حزب الله الإقليمي شيئاً أساسياً ليخسره أو يربحه عندما يأخذ موقفاً ممّا يحصل في سوريا، ألا وهو صواريخه والمقاومة العسكرية ضد إسرائيل، فنحن لا نفهم ما هي الخسارة السياسية التي يتجنّبها تخاذل الحزب الشيوعي، الذي أصبح في السنوات الأخيرة بمثابة «خيال صحرا» في المشهد السياسي اللبناني. أو ربما هناك مصلحة أخرى تدفع قيادة «الشيوعي» الى تصرّف كهذا، ونحن لا نعرفها...
لقد وصلنا اليوم إزاء يسارٍ لبناني «طائفي علماني»، مستقيل من واجباته، يتأرجح بين رؤية قومويّة لبنانية وموقف قوموي عربي، بالمعنى الخشبي للكلمة، كسول فكرياً، جبان سياسياً، فولكلوري ولفظوي، ذي خطاب ماركسيته مبتذلة وانتهازي النزعة، لا يعتمد على قواه الذاتية، حيث يتبنى سردية مظلومية تبدأ من «الغرب الإمبريالي» الى ندب «ظلم» الأحزاب الطائفية اللبنانية الأخرى له. حين لا يشكك يسارٌ في الأجوبة الجاهزة، يصبح يساراً «دينياً»، بمعنى من المعاني. فاليسار اللبناني أمميّ مع كلّ شعوب الأرض المظلومة، إلا عندما يتعلّق الأمر... بالشعوب العربية، ربما لأنّ هؤلاء لا يزالون في العمق «مسلمين»، أي ليسوا «علمانيين» كفاية!
هناك مشكلة أعمق تواجه اليساريين والشيوعيين على المستوى النظري. إنّها «الحرية» التي نادت بها الجماهير العربية المسحوقة من المحيط الى الخليج، وكانت بحدّ ذاتها تعبيراً عن كرامة مفقودة في أنظمة تسلّط كولونيالية «محلية». التفكير في هذه المسألة، أهمّ بكثير اليوم من تردادنا اللامتناهي لتحليلات مضى عليها الزمن للشهيد مهدي عامل، أو تقارير اقتصادوية تخطاها الزمن في عالم الماركسية. فموضوعة «الديموقراطية» يعدّها الشيوعيون التقليديون خياراً «بورجوازياً»، متجاهلين أنّ حقّ التصويت وحقّ التعبير عن الرأي وإنشاء الأحزاب لم تكن يوماً منّة «ليبرالية»، بل جاءت دوماً نتيجة نضالات قامت بها الطبقة العاملة والفلاحون. ولهذا، فإنّ احتقار الحرية السياسية بوصفها «حرية بورجوازية» هو في أساس المواقف اللامبالية بمطالب الجماهير التي تريد الكرامة قبل أيّ شيء آخر.
هناك ثلاثة أمور تزيّن يمينية «اليسار» اللبناني اليوم: العلمانية الطائفية التي تحوّلت الى سياسة هوية، داء النخبوية التي تحتقر الطبقات المناضلة وغياب التجديد الفكري، بسبب ترداد الصلوات اليسارية الصماء التي تدّعي الإجابة عن كلّ همّ وشكوى. نحن بحاجة الى يسار جديد، ومن هنا الدعوة إلى الرفاق في الحزب الشيوعي إلى وعي الدور التاريخي الذي يجب أن يضطلعوا به، والكفّ عن كون العلاقة طفولية و«عاطفية» بحتة مع حزبهم العريق... فقط لأنّه «الحزب الشيوعي». نقول ذلك على أمل أن يرجع اليسار يسارياً والحزب الشيوعي شيوعياً. فالأمور تشير الى أيّام صعبة ستمرّ على البلاد وسنحتاج حينها بالفعل الى هذا اليسار الجديد.
شعوب متآمرة!
نهلة الشهال
منطق الانظمة (كل الانظمة) أعوج: السلطة في سوريا تحصي المتظاهرين وتعتبر ان شرعيتها لم تُمس طالما لم ينزل الى الشارع نصف عدد السكان زائداً واحداً! تصبح هذه السلطات فجأة مستندة الى «تصويت» الاغلبية، ولكنه تصويت من نوع غريب، غير مسبوق. أن يكون هناك آلاف يتظاهرون في المدن الكبرى وفي الارياف، منذ شهرين حتى الآن، ويقتل منهم كل يوم العشرات ويعاودون الكرة، فهذا سخيف بنظر العباقرة الذين يديرون آلة النظام الاعلامية. لأن المتظاهرين يبقون قلة. وهذه فكرة حاول الرئيس المخلوع مبارك تقديمها قائلا «يعني إيه مليونين بالنسبة لثمانين مليون»، وكذلك أرسل مؤيديه للتظاهر المضاد. أي إن النظام في سوريا لم يأت بجديد على هذا الصعيد، وحججه تشبه تلك البالية التي سبق استخدامها بلا طائل من قبل سواه. ولكنهم يتفوقون على سواهم في خاصيات، منها تبرير مقتل طفل عُذب حتى الموت. هذا القتل، ثم تبريره، هو وجه مخصوص ينبئ عن غياب الحدود، تلك التي يتوقف دونها الآخرون لأنهم يحسبون لاعتبارات متنوعة، قبلية أو دعاوية أو حتى قضائية. هذه خاصية ينبغي الالتفات لها، لما تريد قوله أو تظن أنه مفعولها، وأيضاً لما تثيره كرد فعل، وهو مرتبط بنقطة أخيرة هي محدوديتها في ظروف معينة بل وحتى توليدها لنتائج عكسية.
ماذا تبقى، وقد ظهر بوضوح أن الحركة الاحتجاجية ليست بصدد الخمود، وأن فكرة الشعوب المتآمرة لا تنفع. يراهن النظام السوري على ثلاثة عناصر لينقذ نفسه. أولها، مع ذلك، القمع الشديد والذي ما زال يؤمَل منه الإخافة والردع والدفع الى الإحجام، وأيضاً إرهاق الحركة الاحتجاجية وحملها على اليأس. وهذا منحى كلاسيكي لدى الانظمة كلها، بما فيها تلك التي لا تقتل الناس في الشوارع. ولكن خطأ هذا الحساب في سوريا اليوم أنه لم يلاحظ التغيير اللاحق بمشاعر الناس، التي تخطت فعلاً حاجز الخوف، وباتت في موقع آخر. ثم هي وصلت الى ما يقال له بالدارجة «يا قاتل يا مقتول»، وهي حالة يصبح فيها التراجع أكثر كلفة من الاستمرار. ومن نافل القول أن الناس لا يثقون بوعود النظام، ولا بالعفو المعلن، وهم موقنون أن قمعاً أشد، ولكن بالمفرَّق، سيلحق بهم إن توقفوا عن انتفاضتهم. وهذه معادلة متطرفة، أوصل إليها مسلك السلطة السورية: مسلكها التاريخي المعهود، ومسلكها الراهن بالغ البشاعة. والمعادلة نفسها كلاسيكية أيضاً، فالمجتمعات التي تعاني من أنظمة شديدة القمع، غالباً ما تنفجر دفعة واحدة ويكون انفجارها من النوع الذي يلامس نقطة اللارجوع. وبالطبع، وحتى نبقى برغماتيين، فيمكن للقمع أن ينال من الانتفاضة، ولكن، غدُ ذلك النجاح ليس كأمسه، وقد تطلب الامر من حافظ الاسد جهوداً جبارة وتنازلات كبيرة ليعيد الهدوء الى سوريا بعد مجزرة حماه: في اتجاه القوى المتنفذة، وبالأخص طبقة رجال الاعمال والتجار المدينيين، ما سمي الانفتاح الاقتصادي، وفي اتجاه الاميركيين الذين كانوا ما زالوا يحتاجون النظام السوري كضابط لإيقاعات لبنان والحركة الفلسطينية، وآخر الملفات كانت مشاركة دمشق في الحرب الاولى على العراق، في موقع حفر الباطن الشهير. ذلك كله مع العلم أن النظام نجح وقتها في تصوير الامر على أنه مؤامرة من الاخوان المسلمين، ومع العلم أيضاً أن مجمل المعطيات الاقليمية والدولية كانت مختلفة تماماً عما هي عليه اليوم: لا انتفاضات في المحيط بل هزائم موجعة، الحرب الايرانية العراقية على أشدها، وهي محور التوتر العام، إلى آخر ما يجعل تكرار حماه مستحيلاً ويضع للقمع الجاري ـ من دون التقليل من شأنه ـ حدوداً لا يبدو أن أهل النظام يدركونها، بل لعلهم لا يتمكنون من فهم لماذا لا ينفع اليوم الاسلوب الذي اعتادوا عليه. لا ينبغي لأي تحليل أن يتجاهل العجز عن الادراك والبلادة والغباء في ما تقترفه الانظمة، والدلائل أكثر من أن تحصى.
العنصر الثاني هو مراهنة النظام على هدوء دمشق، قلب السلطة وواجهتها، وهو هدوء مدفوع بأسباب متعددة، حيث تتمركز في المدينة الاجهزة الامنية، وحيث استفادت هي أكثر من سواها بكثير من الخطط الاقتصادية الانفتاحية، وحيث تقاليد صراع المدن الكبرى في سوريا تجعلها في موقع المحافظة. وهذه مراهنة نصف ناجحة، فـ«خيانة» متمولي دمشق (حتى لا نستخدم تعبير بازارها كما يفعل الاجانب)، ستكون ذات مفاعيل محدودة هذه المرة مقارنة بأحداث 79ـ82، بسبب توسع رقعة الانتفاضة، وبسبب ايضاً نتائج الانفتاح التي غيرت طبقة التجار والبيوتات التقليدية، وجعلتها هجينة، وبالتالي متشظية.
العنصر الثالث، هو الاخافة من الفوضى. وهذا ما تبقى للنظام. لا الممانعة ولا مقارعة إسرائيل، بل مشهد بلد ينزلق الى الاحتراب والدماء والثارات والتخلع بشكل يصعب لمّه بعد ذلك، ويبدو المشهد العراقي بالمقارنة لطيفاً، إذ كان نظام صدام حسين حين دبت الفوضى قد أنهك وقضى بعد ثلاثة حروب وحصار مديد، وغزو واحتلال. والتهديد بالفوضى في سوريا مراهنة ناجحة. وسيقاتل أهل النظام دفاعاً عن استمرار وجودهم على رأس السلطة حتى آخر سوري، ولنا في أمثلة القذافي وعلي عبد الله صالح شواهد. وسيخسر في نهاية المطاف ويزول... ولكنه لا يعرف! ولا شك ان هذا السيناريو مرعب للسوريين، كما للمجتمعات المحيطة.
وأما المبادرات من قبيل العفو العام وتشكيل لجنة من شخصيات ثانوية في النظام نفسه تحار حتى الآن في كيفية مباشرة الحوار الوطني (!)، وعما إذا كان وطنياً أم مناطقياً، وأما استدعاء بعض القوى بالمفرق، وتهديدها وإغراؤها معاً تحت ستار تشريفها بتخصيصها باستماع دقيق، كما جرى مع رؤساء العشائر ثم رؤساء الاحزاب الكردية هنا، فمحاولة بدائية ومفوَّتة لاستعادة زمام الموقف، وهي لا تفعل في نهاية المطاف غير تزوير المشكل القائم وتحريف معطياته.
يا للبؤس!
منطق الانظمة (كل الانظمة) أعوج: السلطة في سوريا تحصي المتظاهرين وتعتبر ان شرعيتها لم تُمس طالما لم ينزل الى الشارع نصف عدد السكان زائداً واحداً! تصبح هذه السلطات فجأة مستندة الى «تصويت» الاغلبية، ولكنه تصويت من نوع غريب، غير مسبوق. أن يكون هناك آلاف يتظاهرون في المدن الكبرى وفي الارياف، منذ شهرين حتى الآن، ويقتل منهم كل يوم العشرات ويعاودون الكرة، فهذا سخيف بنظر العباقرة الذين يديرون آلة النظام الاعلامية. لأن المتظاهرين يبقون قلة. وهذه فكرة حاول الرئيس المخلوع مبارك تقديمها قائلا «يعني إيه مليونين بالنسبة لثمانين مليون»، وكذلك أرسل مؤيديه للتظاهر المضاد. أي إن النظام في سوريا لم يأت بجديد على هذا الصعيد، وحججه تشبه تلك البالية التي سبق استخدامها بلا طائل من قبل سواه. ولكنهم يتفوقون على سواهم في خاصيات، منها تبرير مقتل طفل عُذب حتى الموت. هذا القتل، ثم تبريره، هو وجه مخصوص ينبئ عن غياب الحدود، تلك التي يتوقف دونها الآخرون لأنهم يحسبون لاعتبارات متنوعة، قبلية أو دعاوية أو حتى قضائية. هذه خاصية ينبغي الالتفات لها، لما تريد قوله أو تظن أنه مفعولها، وأيضاً لما تثيره كرد فعل، وهو مرتبط بنقطة أخيرة هي محدوديتها في ظروف معينة بل وحتى توليدها لنتائج عكسية.
ماذا تبقى، وقد ظهر بوضوح أن الحركة الاحتجاجية ليست بصدد الخمود، وأن فكرة الشعوب المتآمرة لا تنفع. يراهن النظام السوري على ثلاثة عناصر لينقذ نفسه. أولها، مع ذلك، القمع الشديد والذي ما زال يؤمَل منه الإخافة والردع والدفع الى الإحجام، وأيضاً إرهاق الحركة الاحتجاجية وحملها على اليأس. وهذا منحى كلاسيكي لدى الانظمة كلها، بما فيها تلك التي لا تقتل الناس في الشوارع. ولكن خطأ هذا الحساب في سوريا اليوم أنه لم يلاحظ التغيير اللاحق بمشاعر الناس، التي تخطت فعلاً حاجز الخوف، وباتت في موقع آخر. ثم هي وصلت الى ما يقال له بالدارجة «يا قاتل يا مقتول»، وهي حالة يصبح فيها التراجع أكثر كلفة من الاستمرار. ومن نافل القول أن الناس لا يثقون بوعود النظام، ولا بالعفو المعلن، وهم موقنون أن قمعاً أشد، ولكن بالمفرَّق، سيلحق بهم إن توقفوا عن انتفاضتهم. وهذه معادلة متطرفة، أوصل إليها مسلك السلطة السورية: مسلكها التاريخي المعهود، ومسلكها الراهن بالغ البشاعة. والمعادلة نفسها كلاسيكية أيضاً، فالمجتمعات التي تعاني من أنظمة شديدة القمع، غالباً ما تنفجر دفعة واحدة ويكون انفجارها من النوع الذي يلامس نقطة اللارجوع. وبالطبع، وحتى نبقى برغماتيين، فيمكن للقمع أن ينال من الانتفاضة، ولكن، غدُ ذلك النجاح ليس كأمسه، وقد تطلب الامر من حافظ الاسد جهوداً جبارة وتنازلات كبيرة ليعيد الهدوء الى سوريا بعد مجزرة حماه: في اتجاه القوى المتنفذة، وبالأخص طبقة رجال الاعمال والتجار المدينيين، ما سمي الانفتاح الاقتصادي، وفي اتجاه الاميركيين الذين كانوا ما زالوا يحتاجون النظام السوري كضابط لإيقاعات لبنان والحركة الفلسطينية، وآخر الملفات كانت مشاركة دمشق في الحرب الاولى على العراق، في موقع حفر الباطن الشهير. ذلك كله مع العلم أن النظام نجح وقتها في تصوير الامر على أنه مؤامرة من الاخوان المسلمين، ومع العلم أيضاً أن مجمل المعطيات الاقليمية والدولية كانت مختلفة تماماً عما هي عليه اليوم: لا انتفاضات في المحيط بل هزائم موجعة، الحرب الايرانية العراقية على أشدها، وهي محور التوتر العام، إلى آخر ما يجعل تكرار حماه مستحيلاً ويضع للقمع الجاري ـ من دون التقليل من شأنه ـ حدوداً لا يبدو أن أهل النظام يدركونها، بل لعلهم لا يتمكنون من فهم لماذا لا ينفع اليوم الاسلوب الذي اعتادوا عليه. لا ينبغي لأي تحليل أن يتجاهل العجز عن الادراك والبلادة والغباء في ما تقترفه الانظمة، والدلائل أكثر من أن تحصى.
العنصر الثاني هو مراهنة النظام على هدوء دمشق، قلب السلطة وواجهتها، وهو هدوء مدفوع بأسباب متعددة، حيث تتمركز في المدينة الاجهزة الامنية، وحيث استفادت هي أكثر من سواها بكثير من الخطط الاقتصادية الانفتاحية، وحيث تقاليد صراع المدن الكبرى في سوريا تجعلها في موقع المحافظة. وهذه مراهنة نصف ناجحة، فـ«خيانة» متمولي دمشق (حتى لا نستخدم تعبير بازارها كما يفعل الاجانب)، ستكون ذات مفاعيل محدودة هذه المرة مقارنة بأحداث 79ـ82، بسبب توسع رقعة الانتفاضة، وبسبب ايضاً نتائج الانفتاح التي غيرت طبقة التجار والبيوتات التقليدية، وجعلتها هجينة، وبالتالي متشظية.
العنصر الثالث، هو الاخافة من الفوضى. وهذا ما تبقى للنظام. لا الممانعة ولا مقارعة إسرائيل، بل مشهد بلد ينزلق الى الاحتراب والدماء والثارات والتخلع بشكل يصعب لمّه بعد ذلك، ويبدو المشهد العراقي بالمقارنة لطيفاً، إذ كان نظام صدام حسين حين دبت الفوضى قد أنهك وقضى بعد ثلاثة حروب وحصار مديد، وغزو واحتلال. والتهديد بالفوضى في سوريا مراهنة ناجحة. وسيقاتل أهل النظام دفاعاً عن استمرار وجودهم على رأس السلطة حتى آخر سوري، ولنا في أمثلة القذافي وعلي عبد الله صالح شواهد. وسيخسر في نهاية المطاف ويزول... ولكنه لا يعرف! ولا شك ان هذا السيناريو مرعب للسوريين، كما للمجتمعات المحيطة.
وأما المبادرات من قبيل العفو العام وتشكيل لجنة من شخصيات ثانوية في النظام نفسه تحار حتى الآن في كيفية مباشرة الحوار الوطني (!)، وعما إذا كان وطنياً أم مناطقياً، وأما استدعاء بعض القوى بالمفرق، وتهديدها وإغراؤها معاً تحت ستار تشريفها بتخصيصها باستماع دقيق، كما جرى مع رؤساء العشائر ثم رؤساء الاحزاب الكردية هنا، فمحاولة بدائية ومفوَّتة لاستعادة زمام الموقف، وهي لا تفعل في نهاية المطاف غير تزوير المشكل القائم وتحريف معطياته.
يا للبؤس!
مع الإنتفاضة حتى العظم
سمر يزبك
رسالة وردتني من صديق “مثقف” كاتب يقول فيها: “والله يا سمر لو نزلت الشارع وشفت الناس اللي بتطلع مظاهرات كنت غيرت رأيك بما يحدث في سوريا وقلت هدون زعران “
وانا أقول له دون ذكر اسمه، حتى لا يلوثه التاريخ، إلا إذا أراد أن يعلن ذلك صراحة، بأني نزلت التظاهرات في بداية حركة الإحتجاج، ورأيت بأم عيني الناس الشرفاء العزل المسالمين الذين ينزلون الشوارع، ورأيت بأم عيني تمرغ غالبية النخبة المثقفة في سوريا في الوحل، وكيف خانت دورها التاريخي في الحياة، ولم تستطع أن ترقى إلى مستوى الانسانية الفريدة، التي وجدتها لدى المتظاهرين على اختلاف أطيافهم، سواء من الإسلاميين أو العلمانيين.
في دوما وأثناء حصارها في بداية حركة الاحتجاجات، كنت أدخل إليها من البسايتن مع سائق شاب، تركت السيارة وتوغلت في الأزقة، وكانت مجموعات من رجال دوما كل منهم يقف في زقاق، وأمام كل زقاق كان هناك جيش صغير من الأمن والعسكر والشبيحة. كان الرجال ينتظرون الوقت للانضمام الى التظاهرات، واحد منهم رآني عن بعد، فأشار بيده إلي لأعود. عدت، وأنا أخرج من الزقاق، وجدته أمامي، وقال لي بالحرف: “يا اختي، خليك هون وسأرسل اليك ولداً يدلك، اذا مسكوكي والله ما رح يتركوكي”
الرجل لم ينظر في عيني مباشرة، وضع يده على صدره وانحنى برأسه، ولم يسألني، من أنا، وكنت سافرة وأرتدي الجينز، بعد قليل وصل ولد، ودلني على الطرقات، وقال لي ” إذا لزمك شي أبي قللي اخدك لعند النسوان” قلت له بغصة: بدي سلامتك. الولد قال لي: “إذا جوعانة أمي عاملة غدا” ذهبت الى بيت الولد، وجلست مع أمه وشقيقاته، كن محجبات، عقولهن كانت منفتحة، تناقشنا طويلاً بالمطالب، وضحكنا رغم حصار دوما والخوف خارج جدران المنزل، وصرنا أصدقاء. ثم اجتاز الولد الأزقة الخطرة، وآتى بالسائق ، ليأكل، وبعد ذلك عاد بنا من نفس الأزقة.
هؤلاء هم الزعران؟ الولد الذي كان سعيدا بوجود ضيفة في بيته الفقير، كان نحيلا، ثيابه مهلهلة، ووجهه شاحب، وعظامه ناتئة، لحظتها وانا انظر اليه قلت لنفسي: “أنا مع هؤلاء الناس حتى العضم” عظامهم الناتئة من الجوع والحاجة. هؤلاء الفقراء الذين يخرجون من أكثر احياء دمشق فقراً، هل هم الزعران أيها المثقفون السوريون؟ هل سيخرج إلى الشارع إلا الفقراء ؟ هل تريدون أن يلبس المتظاهر بدلة ” بيير كاردان” وحذاء لامع؟ هل تريدون أن يقف ويتحدث بهدوء وسلاسة بعبارات منمقة، بعد أن يقتل كل يوم، وبعد أن تحبل الجنازات بالجنازات؟
هل فكر واحد منكم، لو أن الطفل حمزة الخطيب هو ابنه؟
يحق لأي كان ان يؤمن بالله ودياناته الثلاث. يحق لأي كان أن يكون ملحداً. ويحق لنا قبول الاختلاف مع أي كان. لايحق لأحد سلب حياة إنسان، أوتجويعه وإهانته وإذلاله.
ما لايحق لنا ان نقوله الآن، ان الناس التي خرجت تطلب الحرية والكرامة والخبز هم زعران!اصمتوا على الأقل، ولا تشاركوا في الجريمة الكبرى، التي تقتل الشعب السوري. التاريخ لن يسامحكم. أنا من هؤلاء الزعران وأنحني لهم، ولدمائهم، ومعهم حتى تحقيق مطالبهم، وأتشرف بهم واحداً واحداً، وواحدة واحدة.
رسالة وردتني من صديق “مثقف” كاتب يقول فيها: “والله يا سمر لو نزلت الشارع وشفت الناس اللي بتطلع مظاهرات كنت غيرت رأيك بما يحدث في سوريا وقلت هدون زعران “
وانا أقول له دون ذكر اسمه، حتى لا يلوثه التاريخ، إلا إذا أراد أن يعلن ذلك صراحة، بأني نزلت التظاهرات في بداية حركة الإحتجاج، ورأيت بأم عيني الناس الشرفاء العزل المسالمين الذين ينزلون الشوارع، ورأيت بأم عيني تمرغ غالبية النخبة المثقفة في سوريا في الوحل، وكيف خانت دورها التاريخي في الحياة، ولم تستطع أن ترقى إلى مستوى الانسانية الفريدة، التي وجدتها لدى المتظاهرين على اختلاف أطيافهم، سواء من الإسلاميين أو العلمانيين.
في دوما وأثناء حصارها في بداية حركة الاحتجاجات، كنت أدخل إليها من البسايتن مع سائق شاب، تركت السيارة وتوغلت في الأزقة، وكانت مجموعات من رجال دوما كل منهم يقف في زقاق، وأمام كل زقاق كان هناك جيش صغير من الأمن والعسكر والشبيحة. كان الرجال ينتظرون الوقت للانضمام الى التظاهرات، واحد منهم رآني عن بعد، فأشار بيده إلي لأعود. عدت، وأنا أخرج من الزقاق، وجدته أمامي، وقال لي بالحرف: “يا اختي، خليك هون وسأرسل اليك ولداً يدلك، اذا مسكوكي والله ما رح يتركوكي”
الرجل لم ينظر في عيني مباشرة، وضع يده على صدره وانحنى برأسه، ولم يسألني، من أنا، وكنت سافرة وأرتدي الجينز، بعد قليل وصل ولد، ودلني على الطرقات، وقال لي ” إذا لزمك شي أبي قللي اخدك لعند النسوان” قلت له بغصة: بدي سلامتك. الولد قال لي: “إذا جوعانة أمي عاملة غدا” ذهبت الى بيت الولد، وجلست مع أمه وشقيقاته، كن محجبات، عقولهن كانت منفتحة، تناقشنا طويلاً بالمطالب، وضحكنا رغم حصار دوما والخوف خارج جدران المنزل، وصرنا أصدقاء. ثم اجتاز الولد الأزقة الخطرة، وآتى بالسائق ، ليأكل، وبعد ذلك عاد بنا من نفس الأزقة.
هؤلاء هم الزعران؟ الولد الذي كان سعيدا بوجود ضيفة في بيته الفقير، كان نحيلا، ثيابه مهلهلة، ووجهه شاحب، وعظامه ناتئة، لحظتها وانا انظر اليه قلت لنفسي: “أنا مع هؤلاء الناس حتى العضم” عظامهم الناتئة من الجوع والحاجة. هؤلاء الفقراء الذين يخرجون من أكثر احياء دمشق فقراً، هل هم الزعران أيها المثقفون السوريون؟ هل سيخرج إلى الشارع إلا الفقراء ؟ هل تريدون أن يلبس المتظاهر بدلة ” بيير كاردان” وحذاء لامع؟ هل تريدون أن يقف ويتحدث بهدوء وسلاسة بعبارات منمقة، بعد أن يقتل كل يوم، وبعد أن تحبل الجنازات بالجنازات؟
هل فكر واحد منكم، لو أن الطفل حمزة الخطيب هو ابنه؟
يحق لأي كان ان يؤمن بالله ودياناته الثلاث. يحق لأي كان أن يكون ملحداً. ويحق لنا قبول الاختلاف مع أي كان. لايحق لأحد سلب حياة إنسان، أوتجويعه وإهانته وإذلاله.
ما لايحق لنا ان نقوله الآن، ان الناس التي خرجت تطلب الحرية والكرامة والخبز هم زعران!اصمتوا على الأقل، ولا تشاركوا في الجريمة الكبرى، التي تقتل الشعب السوري. التاريخ لن يسامحكم. أنا من هؤلاء الزعران وأنحني لهم، ولدمائهم، ومعهم حتى تحقيق مطالبهم، وأتشرف بهم واحداً واحداً، وواحدة واحدة.
الأحد، 5 يونيو 2011
الدين السياسي للشيعة اللبنانيين هو الدولة العـادلة للمواطنيـن الأحرار
ابراهيم شمس الدين لـ"اخبار اليوم:
أوضح الوزير السابق إبراهيم شمس الدين أنه مجرّد إنعقاد القمّة الروحية المسيحية – الإسلامية في بكركي هو أمر حسن وايجابي، كذلك مناسبة عقدها حسنة، لأنه مرّ فترة غير قصيرة على آخر قمة روحية. ولفت شمس الدين الى أن هناك عناصر جديدة فرضت عقد القمة وهي وجود بطريرك جديد، يضاف الى ذلك الوضع الصعب الذي يمرّ به لبنان. وأضاف: هذا الوضع صعب لكنه ليس معقّدا إذا الجميع ساروا في الحلول الصحيحة.
وفي حديث الى وكالة "أخبار اليوم"، اشار شمس الدين الى وجود قضايا تحتاج الى حلول وآليات، لافتاً الى ان كل السياسيين يحتاجون بين فترة وأخرى الى تنبيه او الى تذكير بأنهم ليسوا وحدهم من يمسكون بأمور البلد، بل هناك حرّاس – إذا جاز التعبير – وهم المؤسسات القائدة في المجتمع. وتابع: هذه المؤسسات يتوقّع منها أمر مطلوب بعد ان تجتمع وتقول كلمتها وتعطي رأيها في ما تعتبر انه يحتاج الى تقويم وتصحيح ولفت نظر. واعتبر شمس الدين ان بيان القمّة ليس بالضرورة دائماً ان يذكر المسلّمات البديهية والمقبولة والمعروفة، بل يجب ان يكون هناك شيء جديد ذو فائدة.
ورحّب شمس الدين بفكرة عقد القمة بشكل متكرر في مسافات زمنية محدّدة ويحصل لها متابعة وتحضيرات، قائلاً: هذا أمر نؤيده جداً، علماً انه كان اقتراحاً من الإمام محمد مهدي شمس الدين في ان تكون هناك أمانة عامة للقمة الروحية اللبنانية، وهذا الأمر مذكور في وصايا الإمام. وأمل، مع انتخاب البطريرك الجديد، حصلت إشارة لهذا الأمر، كما هناك إشارة مماثلة من قبل مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني.وذكّر ان الإمام شمس الدين كان أبرز أركان القمة الروحية اللبنانية، ومن ممهّدي السبيل لها. وقال: لدينا أمل ورجاء مع البطريرك الجديد ومع القمة الروحية ان تشكل هذه الأمانة العامة الدائمة وليس فقط لجنة الحوار، لأن الأمانة العامة تعتبر مؤسسة تنظيم التحضيرات وتجمع المعلومات وتقيم التواصل الأولي.
ورداً على سؤال، أبدى شمس الدين تفاجؤه للبيان الصادر عن المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، حيث حُضّر لهذه القمة منذ أسابيع عدّة، وفي الأيام الثلاثة الأخيرة قبل عقدها كان البيان موضوع تداول بين أركان القمة ومستشاريهم. وقال: عقدت القمّة وكل شيء كان جاهز ومتفق عليه، وبالتالي بيان المجلس الشيعي شكّل نوع من الصدمة او المفاجأة. وأضاف: عندما استمعت الى بيان القمة الروحية، الذي تلاه أمين عام لجنة الحوار الإسلامي المسيحي محمد السمّاك ذكر تعبيري الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي والصراع العربي – الإسرائيلي. ولكن ما قرأته بالصحف اليوم هو الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. وفي هذه النقطة نشير الى أن القضية الفلسطينية هي قضية عربية، فللفلسطينيين علاقة بالبعد العربي وباحتلال أرضهم. وعندما يحصل تخصيص "فلسطيني – اسرائيلي" يظهر وكأن هناك تحييد العرب الآخرين عن مسؤولياتهم، او محاصرة او عزل للفلسطينيين كي يدبّروا أمورهم بنفسهم حيث بالأصل هذا الأمر غير صائب وغير صحيح. وأضاف: لكن لا اعتقد ان هناك سوء نيّة في هذا الشأن.
ثم تحدث شمس الدين عن "حق الدولة" في تحرير أراضيها الواردة في بيان القمة، موضحاً ان الدولة هي التي تمثّل لبنان. لبنان هو وطن، وللوطن ثلاثة ركائز: أرض وشعب ودولة. ولا يوجد وطن بلا دولة.وتابع: الدولة وفق الآليات الصحيحة هي التي تمثّل كل الوطن وكل الشعب، وعليها تقع كل المسؤوليات، وبها منوط الدفاع والتحرير وحماية حياة الناس. فهذه الأمور من واجباتها وتعاقب في حال لم تؤدّها، وهي لا تعاقب كمؤسسة إنما كرجال الذين يحصل استبدالهم ضمن مفهوم تداول السلطة. ولفت شمس الدين الى إطار الشرعية الذي يجب ان يبقى كما هو ضمن صيغة النظام الديموقراطي. واضاف: عندما يحصل تحديدا ان المقصود بلبنان "هو الجيش والشعب والمقاومة" يحصل استثناء للدولة او إخراجها من المعادلة والواجب والمسؤولية، وبالتالي عدم الإعتراف بها، وهذا الأمر ينقلها الى المصطلح الثلاث "الجيش والشعب والمقاومة"، وهذا أمر غير مقبول. وتابع: قد يكون هناك شعب بلا جيش، ولكن لا يمكن ان يكون هناك جيش بلا دولة مهما كانت صيغة الجيش. وأوضح ان المقاومة تنبثق من الشعب وتمثله فيه، ولا يوجد مؤسسة إسمها مقاومة، لافتاً الى أن المقاومة هي حاجة الوطن حيث أحد مكوّناته الشعب.
واعتبر شمس الدين انه إذا كان الجيش مستقلاً وخارج عن إطار الدولة هو أمر لا معنى له. فمفهوم الجيش انه لا يكون إلا في دولة. فالجيش خارج الدولة يصبح مجموعة مرتزقة منظّمة. وأكد ان الجيش هو أحد مؤسسات الشعب، أما المقاومة، فهي تعبير عن حاجة الشعب عند حدث معيّن هو الإحتلال.وقال: التفسير في بيان المجلس الشيعي يعطي الإنطباع السلبي، وكأنه يُتعمّد ان لا يكون هناك ذكر للدولة إسماً بما هي كمفهوم. لأن التفسير القاضي بأن لبنان له الحق بتحرير أرضه لأنه يعني جيش وشعب ومقاومة، فكأنّ المطلوب هنا عدم ذكر الدولة وهذا مخالف لأطروحة اي وطن، ومخالف لأطروحة الفكر السياسي في لبنان، ومخالف لأطروحة الفكر السياسي الشيعي اللبناني تحديداً، وأكثر خصوصية، مخالف لأطروحة الفكر السياسي الشيعي اللبناني في المجلس الشيعي منذ أيام الإمام موسى الصدر تأسيساً ومع أيام الإمام مهدي شمس الدين. وشدّد على ان الدولة كتعبير لغوي، وردت عدة مرات في كل خطابات وخطب الجمعة وبيانات الإمام شمس الدين والإمام الصدر. ولو أُجري إحصاء لعدد المرات التي استعمل فيها تعبير دولة في خطاب الصدر وشمس الدين، هذه الأحرف الأربعة "د – و – ل – ة" ستحصل على عدد هائل، وهو متعمد ليبقى هذا المفهوم حاضر وجاهز وموجود في أذهان الناس وذاكرتهم ولغتهم، حتى لا ينساه أحد او يتعمّد أحد أن ينساه.وشدّد على أن إضعاف الدولة – على ما يُفعل – هو أمر خطر ومضرّ، وهو عكس مصلحة اللبنانيين جميعاً والمسلمين بشكل خاص، والمسلمين الشيعة في لبنان بشكل أكثر خصوصية.
وحذّر شمس الدين من ان نخترع ديناً سياسياً جديداً، فالدين السياسي للشيعة اللبنانيين "الدولة العادلة للمواطنين الأحرار"، وهذه الدولة يجب ان تُدعم عبر الإعتراف والقبول بها.
أوضح الوزير السابق إبراهيم شمس الدين أنه مجرّد إنعقاد القمّة الروحية المسيحية – الإسلامية في بكركي هو أمر حسن وايجابي، كذلك مناسبة عقدها حسنة، لأنه مرّ فترة غير قصيرة على آخر قمة روحية. ولفت شمس الدين الى أن هناك عناصر جديدة فرضت عقد القمة وهي وجود بطريرك جديد، يضاف الى ذلك الوضع الصعب الذي يمرّ به لبنان. وأضاف: هذا الوضع صعب لكنه ليس معقّدا إذا الجميع ساروا في الحلول الصحيحة.
وفي حديث الى وكالة "أخبار اليوم"، اشار شمس الدين الى وجود قضايا تحتاج الى حلول وآليات، لافتاً الى ان كل السياسيين يحتاجون بين فترة وأخرى الى تنبيه او الى تذكير بأنهم ليسوا وحدهم من يمسكون بأمور البلد، بل هناك حرّاس – إذا جاز التعبير – وهم المؤسسات القائدة في المجتمع. وتابع: هذه المؤسسات يتوقّع منها أمر مطلوب بعد ان تجتمع وتقول كلمتها وتعطي رأيها في ما تعتبر انه يحتاج الى تقويم وتصحيح ولفت نظر. واعتبر شمس الدين ان بيان القمّة ليس بالضرورة دائماً ان يذكر المسلّمات البديهية والمقبولة والمعروفة، بل يجب ان يكون هناك شيء جديد ذو فائدة.
ورحّب شمس الدين بفكرة عقد القمة بشكل متكرر في مسافات زمنية محدّدة ويحصل لها متابعة وتحضيرات، قائلاً: هذا أمر نؤيده جداً، علماً انه كان اقتراحاً من الإمام محمد مهدي شمس الدين في ان تكون هناك أمانة عامة للقمة الروحية اللبنانية، وهذا الأمر مذكور في وصايا الإمام. وأمل، مع انتخاب البطريرك الجديد، حصلت إشارة لهذا الأمر، كما هناك إشارة مماثلة من قبل مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني.وذكّر ان الإمام شمس الدين كان أبرز أركان القمة الروحية اللبنانية، ومن ممهّدي السبيل لها. وقال: لدينا أمل ورجاء مع البطريرك الجديد ومع القمة الروحية ان تشكل هذه الأمانة العامة الدائمة وليس فقط لجنة الحوار، لأن الأمانة العامة تعتبر مؤسسة تنظيم التحضيرات وتجمع المعلومات وتقيم التواصل الأولي.
ورداً على سؤال، أبدى شمس الدين تفاجؤه للبيان الصادر عن المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، حيث حُضّر لهذه القمة منذ أسابيع عدّة، وفي الأيام الثلاثة الأخيرة قبل عقدها كان البيان موضوع تداول بين أركان القمة ومستشاريهم. وقال: عقدت القمّة وكل شيء كان جاهز ومتفق عليه، وبالتالي بيان المجلس الشيعي شكّل نوع من الصدمة او المفاجأة. وأضاف: عندما استمعت الى بيان القمة الروحية، الذي تلاه أمين عام لجنة الحوار الإسلامي المسيحي محمد السمّاك ذكر تعبيري الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي والصراع العربي – الإسرائيلي. ولكن ما قرأته بالصحف اليوم هو الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. وفي هذه النقطة نشير الى أن القضية الفلسطينية هي قضية عربية، فللفلسطينيين علاقة بالبعد العربي وباحتلال أرضهم. وعندما يحصل تخصيص "فلسطيني – اسرائيلي" يظهر وكأن هناك تحييد العرب الآخرين عن مسؤولياتهم، او محاصرة او عزل للفلسطينيين كي يدبّروا أمورهم بنفسهم حيث بالأصل هذا الأمر غير صائب وغير صحيح. وأضاف: لكن لا اعتقد ان هناك سوء نيّة في هذا الشأن.
ثم تحدث شمس الدين عن "حق الدولة" في تحرير أراضيها الواردة في بيان القمة، موضحاً ان الدولة هي التي تمثّل لبنان. لبنان هو وطن، وللوطن ثلاثة ركائز: أرض وشعب ودولة. ولا يوجد وطن بلا دولة.وتابع: الدولة وفق الآليات الصحيحة هي التي تمثّل كل الوطن وكل الشعب، وعليها تقع كل المسؤوليات، وبها منوط الدفاع والتحرير وحماية حياة الناس. فهذه الأمور من واجباتها وتعاقب في حال لم تؤدّها، وهي لا تعاقب كمؤسسة إنما كرجال الذين يحصل استبدالهم ضمن مفهوم تداول السلطة. ولفت شمس الدين الى إطار الشرعية الذي يجب ان يبقى كما هو ضمن صيغة النظام الديموقراطي. واضاف: عندما يحصل تحديدا ان المقصود بلبنان "هو الجيش والشعب والمقاومة" يحصل استثناء للدولة او إخراجها من المعادلة والواجب والمسؤولية، وبالتالي عدم الإعتراف بها، وهذا الأمر ينقلها الى المصطلح الثلاث "الجيش والشعب والمقاومة"، وهذا أمر غير مقبول. وتابع: قد يكون هناك شعب بلا جيش، ولكن لا يمكن ان يكون هناك جيش بلا دولة مهما كانت صيغة الجيش. وأوضح ان المقاومة تنبثق من الشعب وتمثله فيه، ولا يوجد مؤسسة إسمها مقاومة، لافتاً الى أن المقاومة هي حاجة الوطن حيث أحد مكوّناته الشعب.
واعتبر شمس الدين انه إذا كان الجيش مستقلاً وخارج عن إطار الدولة هو أمر لا معنى له. فمفهوم الجيش انه لا يكون إلا في دولة. فالجيش خارج الدولة يصبح مجموعة مرتزقة منظّمة. وأكد ان الجيش هو أحد مؤسسات الشعب، أما المقاومة، فهي تعبير عن حاجة الشعب عند حدث معيّن هو الإحتلال.وقال: التفسير في بيان المجلس الشيعي يعطي الإنطباع السلبي، وكأنه يُتعمّد ان لا يكون هناك ذكر للدولة إسماً بما هي كمفهوم. لأن التفسير القاضي بأن لبنان له الحق بتحرير أرضه لأنه يعني جيش وشعب ومقاومة، فكأنّ المطلوب هنا عدم ذكر الدولة وهذا مخالف لأطروحة اي وطن، ومخالف لأطروحة الفكر السياسي في لبنان، ومخالف لأطروحة الفكر السياسي الشيعي اللبناني تحديداً، وأكثر خصوصية، مخالف لأطروحة الفكر السياسي الشيعي اللبناني في المجلس الشيعي منذ أيام الإمام موسى الصدر تأسيساً ومع أيام الإمام مهدي شمس الدين. وشدّد على ان الدولة كتعبير لغوي، وردت عدة مرات في كل خطابات وخطب الجمعة وبيانات الإمام شمس الدين والإمام الصدر. ولو أُجري إحصاء لعدد المرات التي استعمل فيها تعبير دولة في خطاب الصدر وشمس الدين، هذه الأحرف الأربعة "د – و – ل – ة" ستحصل على عدد هائل، وهو متعمد ليبقى هذا المفهوم حاضر وجاهز وموجود في أذهان الناس وذاكرتهم ولغتهم، حتى لا ينساه أحد او يتعمّد أحد أن ينساه.وشدّد على أن إضعاف الدولة – على ما يُفعل – هو أمر خطر ومضرّ، وهو عكس مصلحة اللبنانيين جميعاً والمسلمين بشكل خاص، والمسلمين الشيعة في لبنان بشكل أكثر خصوصية.
وحذّر شمس الدين من ان نخترع ديناً سياسياً جديداً، فالدين السياسي للشيعة اللبنانيين "الدولة العادلة للمواطنين الأحرار"، وهذه الدولة يجب ان تُدعم عبر الإعتراف والقبول بها.
الثورة والمثقفون: لا أحد يعلِّم العاصفة
عباس بيضون
كانت الثورة حلم المثقفين والفنانين والكتّاب، فيما الناس مشغولون عنها بمعاشهم وعائلاتهم وتقاليدهم وموروثاتهم ويقينهم من دوام الأمور على حالها. كان طلاب وأساتذة وخريجون يتآمرون في خلاياهم ويصلون اجتماعاً باجتماع ويتعبون ليجدوا من يصغي إليهم ويصرفون وقتاً معتبراً في القراءة والنقاش هو وقت موقوف على الجماعة ومستقبلها وعلى البلد ومصيره أكثر مما موقوف على أصحابه. الناس في أشغالها قد تولي اهتماماً للمثقف السادر في برجه وقد لا تولي وفي كل الأحوال يبقى المثقف بالنسبة لها فريداً غريباً بضاعته الكلام الذي لا يغني ولا ينفع، وإذا أصغت إليه فعن فضول لا يمنعها من رؤية انه من غير طينتها وبينها بينه واقع صلب مستحكم لا يشترى ولا يباع بالكلام. قد يكون المثقف ابن فلاح، لكنه لم يعد فلاحاً منذ اشتغل بالقلم والورق ومنذ صار يتعيش من القلم والورق. هذه صنعة لا تزرع ولا تفلح ولا تحصد ولا تراعي الطقس والفصول. والسياسة التي يتكلم بها المثقف ويمارسها إنما استخلصها من ورقه وكتبه ولم يستخلصها من مهنة موصوفة او عمل معلوم. والفلاح وإن بقي أباً للمثقف لا يستشير الورق بل يستشير الطقس والأوقات والتربة، وكلها تحتاج الى تعب وعضل أينهما من المثقف الذي ما ان يجد مهنة تناسب علمه حتى يشيح عن عمل والده، الذي زاوله في فتوته، وكأنه يشيح عن أمر مستكره. المثقف يائس من ان يزرع شيئاً في هذه العقول الجامدة والعامة مستغربة لبعد المثقف وبضاعته وصنعته وما بين الاثنين شبه تواطؤ على دوام الحال. المثقف يتكلم في عزلته وقد يجازى على كلامه فيزيده السجن والتعذيب عزلة، وربما ركب رأسه واستمر الى ان يستغرقه العمر وتستغرقه مطالب الحياة، وربما حاد عند اول منعطف وربما أجّر عقله واستثمره بعد ان يأس. أما الفلاح والعامل والصنايعي وصغار الكسبة، ومنهم جانب كبير ممّن كانوا طلاباً ومتعلمين في يوم، فيواصلون حياتهم كما هي وينظرون بارتياب الى من يحضهم على تغييرها، وقد يكون اليأس غلبهم أيضاً، لكنه اليأس احدى الراحتين وفيه سعة وحتم ومنجاة من السؤال والقلق. هكذا كان الأمر عقوداً لم تبرأ من انقلابات ومن فورات ومن حروب ومناوشات أهلية ومن معارك حقيقية ومن كوارث. خلال ذلك كانت العامة تنتفض والمثقفون يركبون الموجة، لكن الثورة مع ذلك لا تقع. الحرب الأهلية، التي اعتبرها لينين مرادفاً للثورة، كانت تنتهي في ذاتها بعد أن تتحوّل الى إجرام مستفحل، والفورات يتآكلها عنفها. وفي كل الأحوال كان هناك من يعجل الى قطافها، ودائماً كانت هناك حفنة من ضباط او حزب معسكر حاضرة للغنيمة، بعدها تعود الناس الى قواعدها وتستريح وترضخ من جديد، فيما تستمر قلة من المثقفين في وعي شقي دونه اثمان باهظة وعزلة متفاقمة وحبل مهزوز بينهم وبين السلطة الشعبوية والعامة الهامدة لا يستقر على حال. عند ذلك تبقى الثورة التي تتسمى بها السلطة هياكل مفرغة وتغدو الثورة أبعد، ان لم تصبح لغزاً او طلسماً. بعد ذلك أتت الثورة من حيث لا يحتسب أحد وأتت على شكل غير مألوف، شكل وبائي. يمكننا ان نتكلم هنا عن العدوى. قلة تبدأ وتواجه بقمع حقيقي لكنها تبقى. تعطي هكذا مثلاً لآخرين فتتضخم الكرة. تهرب السلطة او تتفكك، فتغدو الكرة مليونية يغدو الثقل في الشارع وتتجاذب السلطة المجددة او الجديدة القرار مع الشارع. هذا هو النموذج المصري والتونسي. في غيرهما تتعقد الأمور، تعاند السلطة ويعاند الشارع، فالأمور أصعب حيث تصمد السلطة او تستقوي على تفككها. الأمور تستصعب ما دامت المعادلة هي ذاتها والتوازن لم يتغير، والحل ينتظر طارئاً ما من فوق او تحت. معلمو الثورات إنها الثورة ومعها مثقفوها، لقد جاءت بهم من الاسفل. انهم جدد ولهم خبرة وعقل جيلهم، ان لهم أيضاً قرباً من العامة لم يتوفر لأسلافهم، وغريزة لا تخاف ولا تهرب من امام الموت. انهم قادرون على الهجوم والمجازفة، وثمة ما يشبه الايمان يبقيهم صامدين رغم الخطر، كأن بهم نزعة استشهادية كتلك التي عايناها كثيراً في الأيام الأخيرة. أما قدامى المثقفين، اما قدامى الثوريين فلا شك في أنهم فوجئوا، فوجئوا بأن تقديراتهم وحساباتهم جميعها تحطمت. ما جرى كان يحتاج الى اكثر من التحليل، الى شيء من الغريزة، من الحدس، من القدرة على الشم. بعض هؤلاء انبهر فما حدث يفوق وعيه بل يفوق كل وعي. بعضهم لحظ ما تجرف الموجة من اوحال وهاله ان للمرة الثانية لم يستطع حراكاً. بعضهم خاف من "الثورة" والثورات تخيف وكان من النزاهة أن يصرّح بخوفه لا أن يقعد منها مقعد المعلم ويروح يقترح عليها من أين تنطلق وكيف تسير والى اين تتجه، لكي يمنحها بركته وكأن ذلك طوع إرادته او إرادتها. في لحظة كهذه ثمة حجم من الدم مقابل كل كلمة، ثمة مبدأ يهان مع كل رصاصة ترد على الكلام. ثمة حق يهدر مع كل حياة تسلب وعمر يقصف. لا تحتاج الثورات الى من يعلمها، انها تقريباً رازحة تحت وطأة التعليم والكتب ولا ينتظر ان تنفجر بحسب التعليم والقواعد، انها تطل من حيث تجد فتحة وتسير حيث تجد مجالاً وتتجه حيث تجد ضوءاً. ما يحدث ليس درساً في السلوك الحسن. لا احد يعلم العاصفة. يمكن لأي كان ان يرفض الثورات، فالثورات ليست خيراً كلها. ما يحصل الآن هو انفجارات بعد عقود متصلة من الكبت، ومن حق أي كان ان يفكر بالعواقب والعواقب احيانا مخيفة لكننا نخطئ حين نحملها فقط للمتمردين وحين ننسى ان ثمة ما أخرجهم وان طريق الخروج ليست بإرادتهم وانهم يذهبون حيث يجدون ذلك متاحاً، نخطئ اذا نسينا ان الضغط يولد الانفجار وان مسؤولية الانفجار هي أيضاً على من يضغط، الثورات في أحيان كثيرة شر لا بد منه، ومن يراجع تاريخها قد يجد اخطاء كثيرة. لكن هذا متصل بعواقبها، التي ينبغي انتظار حصولها، وليس الكلام جائزاً والناس تقتل في الشوارع وليس جائزاً والمتمردون لا يملكون إلا حياتهم وليس جائزاً والمتمردون يواجهون بدمائهم، الثورات نعم بعواقبها وعواقبها قد تكون مؤذية ولكن حين تكون لها عاقبة، وحين لا يتم خنقها في الدم والعنف. والثورات بعواقبها، لكن حين تبقى لها عاقبة، ومن حق أي كان ان يحذر من العواقب لكن ليس كمن يعلم الناس كيف يقتلون وكيف يموتون على الطريقة الصحيحة. من حق أي كان أن لا يكون مع الثورة لكن ليقلها بملء فمه ليس بالتظاهر بأن في وسعه أن يفعلها أفضل من أهلها، خاصة وهم يقابلون الخطر بالهتاف. ليس من حق أحد أن يلقنهم هذا الهتاف ويعلمهم كيف يرفعون أصواتهم به، حين لا تكون المسألة بعد سوى مطحنة دموية فإن علينا أن نحترم في الأقل هذا الدم. حين تكون الثورة هي فقط هذا فإن إدانة القاتل وتسميته خير من إدانة القتل عامة. يمكننا أن نصمت وأن لا يكون لدينا رأي فهذا أيضاً من حقوق الناس، لكن المشاركة بالتردّد والالتباس ليست مشاركة، وخير لنا وللجميع أن لا نشارك على هذا النحو.
كانت الثورة حلم المثقفين والفنانين والكتّاب، فيما الناس مشغولون عنها بمعاشهم وعائلاتهم وتقاليدهم وموروثاتهم ويقينهم من دوام الأمور على حالها. كان طلاب وأساتذة وخريجون يتآمرون في خلاياهم ويصلون اجتماعاً باجتماع ويتعبون ليجدوا من يصغي إليهم ويصرفون وقتاً معتبراً في القراءة والنقاش هو وقت موقوف على الجماعة ومستقبلها وعلى البلد ومصيره أكثر مما موقوف على أصحابه. الناس في أشغالها قد تولي اهتماماً للمثقف السادر في برجه وقد لا تولي وفي كل الأحوال يبقى المثقف بالنسبة لها فريداً غريباً بضاعته الكلام الذي لا يغني ولا ينفع، وإذا أصغت إليه فعن فضول لا يمنعها من رؤية انه من غير طينتها وبينها بينه واقع صلب مستحكم لا يشترى ولا يباع بالكلام. قد يكون المثقف ابن فلاح، لكنه لم يعد فلاحاً منذ اشتغل بالقلم والورق ومنذ صار يتعيش من القلم والورق. هذه صنعة لا تزرع ولا تفلح ولا تحصد ولا تراعي الطقس والفصول. والسياسة التي يتكلم بها المثقف ويمارسها إنما استخلصها من ورقه وكتبه ولم يستخلصها من مهنة موصوفة او عمل معلوم. والفلاح وإن بقي أباً للمثقف لا يستشير الورق بل يستشير الطقس والأوقات والتربة، وكلها تحتاج الى تعب وعضل أينهما من المثقف الذي ما ان يجد مهنة تناسب علمه حتى يشيح عن عمل والده، الذي زاوله في فتوته، وكأنه يشيح عن أمر مستكره. المثقف يائس من ان يزرع شيئاً في هذه العقول الجامدة والعامة مستغربة لبعد المثقف وبضاعته وصنعته وما بين الاثنين شبه تواطؤ على دوام الحال. المثقف يتكلم في عزلته وقد يجازى على كلامه فيزيده السجن والتعذيب عزلة، وربما ركب رأسه واستمر الى ان يستغرقه العمر وتستغرقه مطالب الحياة، وربما حاد عند اول منعطف وربما أجّر عقله واستثمره بعد ان يأس. أما الفلاح والعامل والصنايعي وصغار الكسبة، ومنهم جانب كبير ممّن كانوا طلاباً ومتعلمين في يوم، فيواصلون حياتهم كما هي وينظرون بارتياب الى من يحضهم على تغييرها، وقد يكون اليأس غلبهم أيضاً، لكنه اليأس احدى الراحتين وفيه سعة وحتم ومنجاة من السؤال والقلق. هكذا كان الأمر عقوداً لم تبرأ من انقلابات ومن فورات ومن حروب ومناوشات أهلية ومن معارك حقيقية ومن كوارث. خلال ذلك كانت العامة تنتفض والمثقفون يركبون الموجة، لكن الثورة مع ذلك لا تقع. الحرب الأهلية، التي اعتبرها لينين مرادفاً للثورة، كانت تنتهي في ذاتها بعد أن تتحوّل الى إجرام مستفحل، والفورات يتآكلها عنفها. وفي كل الأحوال كان هناك من يعجل الى قطافها، ودائماً كانت هناك حفنة من ضباط او حزب معسكر حاضرة للغنيمة، بعدها تعود الناس الى قواعدها وتستريح وترضخ من جديد، فيما تستمر قلة من المثقفين في وعي شقي دونه اثمان باهظة وعزلة متفاقمة وحبل مهزوز بينهم وبين السلطة الشعبوية والعامة الهامدة لا يستقر على حال. عند ذلك تبقى الثورة التي تتسمى بها السلطة هياكل مفرغة وتغدو الثورة أبعد، ان لم تصبح لغزاً او طلسماً. بعد ذلك أتت الثورة من حيث لا يحتسب أحد وأتت على شكل غير مألوف، شكل وبائي. يمكننا ان نتكلم هنا عن العدوى. قلة تبدأ وتواجه بقمع حقيقي لكنها تبقى. تعطي هكذا مثلاً لآخرين فتتضخم الكرة. تهرب السلطة او تتفكك، فتغدو الكرة مليونية يغدو الثقل في الشارع وتتجاذب السلطة المجددة او الجديدة القرار مع الشارع. هذا هو النموذج المصري والتونسي. في غيرهما تتعقد الأمور، تعاند السلطة ويعاند الشارع، فالأمور أصعب حيث تصمد السلطة او تستقوي على تفككها. الأمور تستصعب ما دامت المعادلة هي ذاتها والتوازن لم يتغير، والحل ينتظر طارئاً ما من فوق او تحت. معلمو الثورات إنها الثورة ومعها مثقفوها، لقد جاءت بهم من الاسفل. انهم جدد ولهم خبرة وعقل جيلهم، ان لهم أيضاً قرباً من العامة لم يتوفر لأسلافهم، وغريزة لا تخاف ولا تهرب من امام الموت. انهم قادرون على الهجوم والمجازفة، وثمة ما يشبه الايمان يبقيهم صامدين رغم الخطر، كأن بهم نزعة استشهادية كتلك التي عايناها كثيراً في الأيام الأخيرة. أما قدامى المثقفين، اما قدامى الثوريين فلا شك في أنهم فوجئوا، فوجئوا بأن تقديراتهم وحساباتهم جميعها تحطمت. ما جرى كان يحتاج الى اكثر من التحليل، الى شيء من الغريزة، من الحدس، من القدرة على الشم. بعض هؤلاء انبهر فما حدث يفوق وعيه بل يفوق كل وعي. بعضهم لحظ ما تجرف الموجة من اوحال وهاله ان للمرة الثانية لم يستطع حراكاً. بعضهم خاف من "الثورة" والثورات تخيف وكان من النزاهة أن يصرّح بخوفه لا أن يقعد منها مقعد المعلم ويروح يقترح عليها من أين تنطلق وكيف تسير والى اين تتجه، لكي يمنحها بركته وكأن ذلك طوع إرادته او إرادتها. في لحظة كهذه ثمة حجم من الدم مقابل كل كلمة، ثمة مبدأ يهان مع كل رصاصة ترد على الكلام. ثمة حق يهدر مع كل حياة تسلب وعمر يقصف. لا تحتاج الثورات الى من يعلمها، انها تقريباً رازحة تحت وطأة التعليم والكتب ولا ينتظر ان تنفجر بحسب التعليم والقواعد، انها تطل من حيث تجد فتحة وتسير حيث تجد مجالاً وتتجه حيث تجد ضوءاً. ما يحدث ليس درساً في السلوك الحسن. لا احد يعلم العاصفة. يمكن لأي كان ان يرفض الثورات، فالثورات ليست خيراً كلها. ما يحصل الآن هو انفجارات بعد عقود متصلة من الكبت، ومن حق أي كان ان يفكر بالعواقب والعواقب احيانا مخيفة لكننا نخطئ حين نحملها فقط للمتمردين وحين ننسى ان ثمة ما أخرجهم وان طريق الخروج ليست بإرادتهم وانهم يذهبون حيث يجدون ذلك متاحاً، نخطئ اذا نسينا ان الضغط يولد الانفجار وان مسؤولية الانفجار هي أيضاً على من يضغط، الثورات في أحيان كثيرة شر لا بد منه، ومن يراجع تاريخها قد يجد اخطاء كثيرة. لكن هذا متصل بعواقبها، التي ينبغي انتظار حصولها، وليس الكلام جائزاً والناس تقتل في الشوارع وليس جائزاً والمتمردون لا يملكون إلا حياتهم وليس جائزاً والمتمردون يواجهون بدمائهم، الثورات نعم بعواقبها وعواقبها قد تكون مؤذية ولكن حين تكون لها عاقبة، وحين لا يتم خنقها في الدم والعنف. والثورات بعواقبها، لكن حين تبقى لها عاقبة، ومن حق أي كان ان يحذر من العواقب لكن ليس كمن يعلم الناس كيف يقتلون وكيف يموتون على الطريقة الصحيحة. من حق أي كان أن لا يكون مع الثورة لكن ليقلها بملء فمه ليس بالتظاهر بأن في وسعه أن يفعلها أفضل من أهلها، خاصة وهم يقابلون الخطر بالهتاف. ليس من حق أحد أن يلقنهم هذا الهتاف ويعلمهم كيف يرفعون أصواتهم به، حين لا تكون المسألة بعد سوى مطحنة دموية فإن علينا أن نحترم في الأقل هذا الدم. حين تكون الثورة هي فقط هذا فإن إدانة القاتل وتسميته خير من إدانة القتل عامة. يمكننا أن نصمت وأن لا يكون لدينا رأي فهذا أيضاً من حقوق الناس، لكن المشاركة بالتردّد والالتباس ليست مشاركة، وخير لنا وللجميع أن لا نشارك على هذا النحو.