تونس – هدى العربي
احتضنت مدينة الحمامات ندوة دولية بحثت في "أسئلة الثورة العربية" بمشاركة مفكرين وباحثين عرب أمثال سعود المولى من لبنان والطاهر لبيب ومحسن البوعزيزي ومنير السعيداني ومنصف القابسي والهادي التيمومي وصلاح الدين الجورشي ومحمد الحداد والصغير أولاد أحمد من تونس، وحلمي الشعراوي من مصر وفيصل دراج وعبد الرحيم الشيخ ومحمد نعيم فرحات من فلسطين، وعروس الزبير من الجزائر وخديجة البسكري من ليبيا. الندوة نظمتها الجمعية العربية لعلم الاجتماع خلال 18 و19 و20 جويلية.
افتتح الأمين العام للجمعية العربية لعلم الاجتماع الأستاذ محسن البوعزيزي الندوة، تلته كلمة وزير التعليم العالي والبحث العلمي الطيب بكوش ثم كلمة للدكتور الطاهر لبيب .
ثم توالت مداخلات الباحثين في علم الاجتماع والحقوقيين خلال اليوم الأول من الندوة ثم كلمة الفلاسفة والمؤرخين حول ما طرحته الثورة من تحديات لفعل القوى المجتمعية المحركة لهذه الأحداث التاريخية والطامحة لتغيير وجهة التاريخ وهو ما أطلق عليه علم الاجتماع لفظة "التاريخانية" التي تسعى لتحقيقها كل حركة اجتماعية ثورية مستبطنة لميكانزمات التغيير.
تحركت بين المثقفين التفاعلات الفكرية للأسئلة الجديدة التي طرحتها عليهم الثورة (فكريا ومعرفيا وسياسيا ورمزيا، الخ...) وهو ما دفعهم لرؤية امتداداتها أو انعكاساتها في البلدان العربيّة واستشراف مستقبلها وكذلك مكتسباتها وعراقيلها الداخلية والخارجيّة من خلال الخطاب الثوري الذي ترفعه كل حركة احتجاجية على المستوى الوطني والإقليمي ومن خلال مراكمة كل حركة لفعلها التاريخي الحامل لرهانات جديدة والمشكّل لهوية طمست معالمها خلال النظم المهترئة. علاوة على ذلك سعت الندوة للتفرّس جيدا في تركيبة قواها المجتمعية المتمثل في عدة فئات اجتماعية من فنية وسياسية وثقافية وجمعياتية وطلابية وعمالية ومهمشة ونقابية وحقوقية وغيرها. كذلك في ميكانزمات حراكها ورهانات وسيرورة فعلها وأيضا الحركة المضادة لها المتمثلة في حكومات الظل المتماهي فعلها مع الأجهزة القمعية والخلايا الاستعلامية وتأثيراتها في الكيانات العربية.
لم تقتصر الندوة على مداخلات النخبة بل تجاوزت السائد لتكرم الطاقات الشابة في علم الاجتماع من طلبة الماجستير والدكتوراه من الوطن العربي. فقد قدم عدد منهم رؤاهم المتباينة حول مجريات الواقع الأصغر والأكبر من منظور علمي سوسيولوجي. هكذا خصص يوم للشباب من لبنان ومصر وليبيا وتونس وفلسطين والمغرب والجزائر لتحليل الحراك الاجتماعي في المنطقة وإمكانية توجيهه خدمة لقضايا التحرر الوطني. ولتجذير وبث الوعي الاستراتيجي والعمل على نشر سلوك اجتماعي ثقافي رمزي سياسي مسؤول يحفظ حق الأجيال القادمة في صون مصالحها الحيوية وأمنها ويرد على ثقافة الإتباع والتغريب ويكافح سياسات قولبت المجتمع وابتلعته و"دوْلنته"، الأمر الذي خلق أزمة هيكلية مست جل المؤسسات الاجتماعية وأفرغتها من كل مضمون قيمي يوطد علاقتنا بهويتنا وينمّى شعور العزة بانتمائنا إلى حضارتنا ..
الطلبة الذين شاركوا في المداخلات: نور كمال ومي عواد من فلسطين- هنادي حسون وغيدا ضاهر خليفة من لبنان- اسماء بن جبارة وهدى العربي من تونس وسهام الشريف من الجزائر وأحمد محمد بدر من مصر وزهير البحيري من المغرب
الصفحات
▼
السبت، 30 يوليو 2011
دور موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك" في الثورة التونسية
ملخص عن بحث أعدته أسماء بن جبارة- تونس-
في سيدي بوزيد؛ شرق غرب البلاد التونسية؛ بائع متجول "محمد البوعزيزي" (26 سنة) أضرم النار في جسده في 17 ديسمبر 2011 أمام مقر الولاية؛ احتجاجا منه عن منعه من الانتصاب في الشارع من قبل عون التراتيب.
لم يدرك يومها هذا الشاب التونسي أنه أحرق نفسه فقط بل أنه أشعل فتيلة الاحتجاجات المطالبة بحق الشغل و الكرامة، و العدالة الاجتماعية.
من يومها بدأت جملة المظاهرات في بعض المناطق الداخلية إلى أن اتسعت رقعة تلك الاحتجاجات إلى مختلف مناطق البلاد التونسية رغم أهمية الأحداث، إلا أن الإعلام الرسمي التونسي قابل هده الاحتجاجات بالتعتيم عما يحدث و ذلك بالتضييق على الصحافيين التونسيين و الأجانب و منعهم من تغطية ما يجري في البلاد (في الفترة الفاصلة بين 17 ديسمبر و أول شهر جانفي).
لقد حاولت السلطات حجب المعلومات و تحويرها من قبل الإعلام الرسمي التونسي إثر الأحداث التي اكتسحت البلاد بعد حادثة البوعزيزي و دلك بوصف تلك الأحداث بأعمال إرهاب و تخريب من قبل مجموعات "ملثمة".
فمع القمع و التضييق الإعلامي الذي كان يعيشه التونسيون كان البديل شبكة الإنترنات و بالتحديد موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك" الذي تمكن من خلاله التونسيون الالتفاف على الرقابة و على التعتيم الإعلامي.
فعلى إمتداد سنوات، لم تكن المعلومة متيسرة للتونسيين سوى عبر قنوات الإعلام الرسمية التي كانت بارعة فقط في تمجيد نظام الرئيس المخلوع و طمس الحقائق. هذه الأرضية جعلت من الشباب التونسي يبحث عن فضاء إعلامي آخر متحرر من قيود السلطة الحاكمة؛ ينقل الحقيقة كما هي دون زيف أو تزويق.
فهذا الشباب المتعلم سئم من الاستخفاف به و بوعيه من طرف الحكومة ليشكل من خلال موقع التواصل الاجتماعي "الفايسبوك" على وجه التحديد فضاء إعلاميا موازي للفضاء الإعلامي "التقليدي" متحررا بذلك من الحجب و التعتيم.
فقد جعل الشباب التونسي من هذا الموقع الاجتماعي الذي سخر في البداية للتواصل مع الأصدقاء فضاء إعلاميا بامتياز. فهو يعتبره الوسيلة الأفضل لنشر المعلومة و التعبير عن أرائهم إزاء ما يحدث حولهم بكنف الحرية.
فما هو الدور الذي اضطلع به الموقع الاجتماعي "فايسبوك" في الثورة التونسية؟ و ما هي أبرز مساهماته في تحقيق الهدف المرجو؟ و ما هو الدور الذي اضطلع به بعد تحقيق الثورة التونسية؟
شكل موقع التواصل الاجتماعي 'فايسبوك" طيلة فترة الاحتجاجات الاجتماعية التي عرفتها تونس في منتصف شهر ديسمبر وصولا إلى سقوط نظام بن علي أداة للشباب التونسي و وقودهم للانتفاضة على قمع الحريات و القهر و الكبت الاجتماعي و بديلا لوسائل الإعلام التونسية الرسمية التي حجبت حقيقة الأحداث و تميزت بتعتيم إعلامي غير مسبوق و تكذيب و تزيف الحقائق الميدانية.
فقد عهدت أجهزة الحكومة في فترة حكم بن علي على سياسة الحجب على العديد من المواقع الأنترنات (مثل الداليموتشا و اليوتوب). كما شملت هذه عملية موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك" لفترة وجيزة في شهر أوت 2008 (ليعود للعمل بقرار رئاسي بعد إحتجاجات "إفتراضية" عن منعه).
فعملية الحجب الحكومي أو ما يعرف بالرقيب الشهير "عمار
404" تعد من أول الاحتجاجات "الافتراضية" عبر المدونات و المجموعات المناهضة لهذا الحجب الإلكتروني عبر الفايسبوك مثل : "نهار على عمار"، "صفحة للدعاء على عمار ليلا نهار"، تلي ذلك صفحات "سيب صالح يا عمار"، إلخ.
رغم عمليات الحجب التي لحقت صفحات المدونين و بعض المواقع الاجتماعية، إلا أن مستخدمي الأنترنات في تونس شكلوا وجهات معارضة لهذه العمليات عبر اختراق و قرصنة بعض المواقع "المحظورة سياسيا"؛ التي كانت تبث حقائق متعلقة بأحداث الرديف 2008 أو ما يعرف بالحوض المنجمي و أحداث بنقردان 2010.
كما تشكلت مجموعات من الشباب تضغط على الحكومة من أجل المزيد من حريات الإبحار على النات و ذلك من خلال التظاهرات "الافتراضية" و الميدانية وعبر مختلف أساليب التعبير الفني (من خلال الرسوم الكاريكاتورية، الموسيقى و الغناء؛ نذكر على سبيل المثال المغني "بيندير مان،...).
فأمام ظل هذا التضييق الإعلامي، وجد الشباب التونسي ملاذهم في موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك" لمتابعة التطورات الأمنية و الميدانية للتحركات الشعبية عبر ما يرسله و يتناقله الأهالي من مقاطع فيديو حية و صور توثق لأحداث ميدانية و صراع مباشر بين أجهزة القمع البوليسي لنظام السابق و المتظاهرين العزل مما أشعل شرارة الانتفاضات و ساهم في تأجيجها على نطاق أوسع.
فالشارع التونسي فقد ثقته الكاملة بوسائل الإعلام الرسمية المكتوبة و المسموعة و المرئية و حول وجهته لموقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك" الذي أضحى يستقي منه المعلومة و الأخبار الحينية في كامل تراب الجمهورية التونسية.
فحتى من وسائل الإعلام العربية و الأجنبية (من أبرزها قناة الجزيرة و فرنسا 24) استعانت في تغطية أحداث الانتفاضة التونسية بمقاطع فيديو من الفايسبوك التي عوضت المراسلين الإخباريين الذي منعتهم السلطات التونسية في العهد البائد من تغطية الاحتجاجات وضيقت عليهم إعلاميا.
حيث لم يتردد بن علي في أول رد فعل له بعد أحداث سيدي بوزيد على انتقاد وسائل الإعلام العربية (الجزيرة على وجه الخصوص) و الأجنبية منها التي اعتمدت بشكل أساسي على نقل الوقائع مستندة للفيديوهات و الصور التي استقتها من "الفاسبوك" و اتهامها ببث الأكاذيب و المغالطات دون تحر بل اعتمدت التهويل و التحريض و التجني الإعلامي العدائي لتونس.
كما تعرضت بعض الصحف الإلكترونية ، المجموعات على صفحات الفايسبوك و بعض المواقع الشخصية لبعض المدونين و الناشطين على هذه الشبكة مثل المدون التونسي "حمدي كالاتوشة إلى )
anonymous القراصنة التونسيين للمواقع الإلكترونية و أحد منظمي حركة
و المدون "عزيز عمامي" و "صلاح الدين كشوك" و "سليم عمامو"
و مغني الراب "حمدة بن عون" المعروف باسم "الجينيرال" الذي تم اعتقاله إثر أغنيته "رئيس البلاد".
رغم كل هذه التضيقات الهادفة لتغطية الحقائق الميدانية فقد شكلت مجموعات و صفحات على الفايسبوك مثل صفحة "أخبار تونس"، "يوميات الأحداث في سيدي بوزيد"، "أحرار تونس"، "ابتسم أنت لست من سيدي بوزيد"، الخ. هذه الصفحات تحولت إلى وكالات أنباء تورد تقاريرها بالصوت و الصورة اعتمادا على أجهزة و وسائل التكنولوجيا من تناقل الوقائع و الأحداث دون تزيف أو تهويل.
فأيام الانتفاضة التونسية كان الربط بين وسائل الإعلام "الجديد" / "الفايسبوكي" و الإعلامي الفضائي عبر القنوات التلفزية عاملا حاسما في الحفاظ على زخم النضال من اجل تحقيق الثورة. حيث لعبت شبكة التلفزيون "الجزيرة" و "فرنسا 24" دورا هاما في نقل المعلومات، الأحداث، الصور و الفيديوهات إلى أكبر شريحة من المجتمع خصوصا الذي لا يتقن استعمال الأنترنات و إلى العالم بوجه الخصوص. كما أن مستخدمو الموقع الاجتماعي "فايسبوك" يتبادلون فيما بينهم تسجيلات لبرامج تلفزيونية و إذاعية. مما يوفر فضاء إعلاميا حرا و ثريا بالمعلومات التي يمكن أن يتحصل عليها مستعمل الفايسبوك بسهولة و حينية و بتكلفة قليلة.
و كنتيجة لذلك؛ تمكن الفرد من إيجاد فضاء إعلامي متحرر من القيود التي كانت مفروضة على الإعلام من قبل السلطة الحاكمة. كما أنه أصبح من الممكن اليوم إنتاج المعلومة و نشرها و كذلك التعليق عليها بحيث تصبح المعلومة المتوفرة في هذا الفضاء محل نقاش و تحليل من طرف مستخدمي هذه الشبكة.
فمثلما لعبت بعض الإذاعات المحلية و العربية سابقا دورا كبيرا في حركات التحرر من الاستعمار في القرن الماضي، تربع اليوم موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك" على عرش وسائل الإعلام.
فنحن اليوم في زمن الصورة و آليات التواصل الحديثة فلذلك من الطبيعي جدا أن يستثمر الشباب مختلف وسائل الاتصال الحديثة من مواقع الاجتماعية، هواتف محمولة و كاميرات في تنظيم الاحتجاجات مخترقة بذلك الأنظمة و الحدود التي يصعب على الحكومات التحكم فيها. لذلك اتجه الشباب إلى الفايسبوك كفضاء موازي يتيح لهم التواصل و التعبير و يعبر عن تأملاتهم و تطلعاتهم و جعلوا منهم منبرا إعلاميا و "سياسيا" تلقائيا بامتياز.
بصفة عامة، تقوم وسائل الإعلام عبر الحملات الإعلامية المكثفة إثارة وعي الجمهور و توجيهه لغاية محددة و ذلك عبر التأثير على آراءه و سلوكه. فالصورة أو الفيديو أصبح لها وقع أكبر على الفرد من المعلومة المكتوبة في زمننا الراهن.
من ناحية أخرى، فإن مستعمل الأنترنات والفايسبوك على وجه الخصوص أصبح ينتج المعلومة و يقوم بنشرها لشريحة كبيرة من مستعملي هذه الشبكات و يسمح لهم بمناقشة تلك المعلومات فيما بينهم. و بالتالي نشهد اليوم تحولا في المشهد الإعلامي وعلاقته بالمتلقي بحيث أصبح هذا الأخير ليس مستهلك فقط للإعلام و إنما منتجا له.
فمع انتشار الإعلام "الجديد" فإنه على الحكومات التي تخصص ميزانيات ضخمة على مؤسستها الإعلامية لتكون في خدمتها و لتبث من خلالها أرائها و مواقفها، أن تفهم بأن هذه الخيارات أصبحت غير مجدية أمام استفحال هذا الإعلام البديل الذي يخول لمستعمل الأنترنات أن يصبح "مواطنا إعلاميا" ينتج المعلومة التي يستقيها من محيطه ليبثها فيما بعد على شبكات التواصل الاجتماعي ليتم تناقلها و نشرها بين كافة المستخدمين.
فمستعملو "الفايسبوك" في تونس تجاوز المليونين محتلا بذلك المرتبة الأولى إفريقيا و مغاربيا، علما و أن هذه النسبة في ارتفاع مستمر أمام تزايد شعبية هذا الموقع الإلكتروني في أوساط الشباب (خاصة بالنسبة للشباب التي تتراوح أعمارهم بين 18 و 34 سنة) .
فقد اضطلع هدا الموقع بدور التعبئة الجماهيرية في الثورة التونسية؛ فهده الشبكة يسرت اللحمة و التواصل بين مختلف أفراد المجتمع التونسي داخل البلاد و خارجه. فقد ساهم بالتعريف بأحداث سيدي بوزيد و غيرها من المناطق للأكبر شريحة من المجتمع التونسي و ذلك عبر تناقل الفيديوهات للمظاهرات الشعبية المنددة بقمع الحريات و بالفساد و خاصة ما يعرف "بالمافيا الطرابلسية".
دور موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك قبل أحداث الثورة التونسية:
تجدر الإشارة إلى أن الفيديوهات ذات الطابع السياسي التي تناقلها مستخدم الفايسبوك شكلت المحرك الرئيسي لانتفاضة الشعب التونسي نظرا لجرأتها الغير المعهودة. هذه الفيديوهات لعبت دورا كبيرا قبل أحداث الثورة في إنارة الرأي العام و تعرية الحقائق التي حاولت جاهدا الحكومة سابقا تغطيتها. فهذه الفيديوهات زادت في مستوى الوعي و رفعت مستوى المعرفة؛ فقد كشفت غطرسة و ديكتاتورية بن علي و عائلته (خاصة أصهاره و عائلة الطرابلسي)، إضافة إلى فيديوهات التي تثبت الترهيب الأمني و القمع البوليسي الذي كانت تمارسه الحكومة في فترة حكم بن علي.
و لعل لهذه الفيديوهات وقع و تأثير كبير على وعي الشعب التونسي لما تتميزت به الفيديوهات من مصداقية و شفافية كونها تبث الحقائق بالصوت و الصورة خاصة و نحن في زمن الصورة التي أصبح وقعها على المتلقي أقوى بكثير من الكلمة أحيانا.
ناهيك عن ذلك، ساهم تناقل هذه الفيديوهات عبر صفحات الفايسبوك تفاعل كبير بين منخرطي في هذه الشبكة مما شكل إعلام تفاعلي ساعد على تأجيج المظاهرات فيما بعد و إحداث التغير السياسي.
دور موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك أثناء أحداث الثورة التونسية:
في البداية، يجب الإشارة بأن الأحداث المتسارعة التي عرفتها البلاد إثر حادثة البوعزيزي كانت غير واضحة الملامح و لم يتخيل أحد في تلك الفترة أن المظاهرات و الاحتجاجات سوف تفضي إلى ما آل إليه اليوم.
فالاحتجاجات المطالبة في الأول على مطالب اجتماعية بحتة و من أولويتها الحق في الشغل، الكرامة و العدالة الاجتماعية تحولت شيئا فشيئا إلى مطالب سياسية بحتة من أولها محاسبة عائلة الطرابلسي ثم مغادرة بن علي للحكم.
هذا و إن دل فإنه يدل عن تراكمات (فردية أو جماعية) لم تأتي من عدم و إنما هي جملة من الترسبات و سنوات القهر و الظلم في شتى الميادين. فقد تناثرت لفترة طويلة أنباء عن فساد زين العابدين بن علي، وزوجته ليلى الطرابلسية، وعائلتيهما، ما أثار مشاعر الكراهية والتحريض في نفوس الشعب.
صحيح أن للفيديوهات التي تناقلها مستعملو الأنترنات قبل أحداث ديسمبر كانت داعما رئيسيا و مهما في تأجج الشارع التونسي، زد على دلك الأوضاع و المشاكل ذات البعد الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي التي هيأت الأرضية لكسر حاجز الصمت و إفتكاك عقدة الخوف من النظام الحاكم. لكن تبقى حادثة البوعزيزي الشرارة الأولى لاندلاع الاحتجاجات في البلاد التونسية كما يبقى لموقع التواصل الإجتماعي "فايسبوك" دور فعال في إيصال المعلومة إلى أكبر عدد من التونسيين و كذلك في تنظيم المظاهرات و في توحيد الشعارات التي تهدف بحرية التعبير، الكرامة، التوزيع العادل للثروات و القضاء على الفساد.
فالدور الذي اضطلع به هذا الموقع الاجتماعي كان على مستوى التنسيق بين الشباب الثائر كتحديد توقيت و أماكن التظاهر بواسطة تنظيم الأحداث و تبادل الرسائل النصية من أجل تجمع الجماهير و ذلك في أقرب الآجال و بتكلفة قليلة جدا.
--- لقد استخدم هذا الموقع الإلكتروني كوسيلة لتنسيق الفعل و توجيه سلوك الأفراد بكل حرفية و دقة و مسؤولية و بأبسط وسائل التعبير الجماعي.
فمستعمل "الفايسبوك"؛ صباحا في الشارع يشارك و يسجل الأحداث عبر عدسات الكاميرات الرقمية أو عبر هاتفه النقال، و ليلا أمام الحاسوب ينقل و يتبادل تسجيلات الفيديوهات و الصور و الأخبار و مقالات. و على صفحات الحائط الافتراضي فايسبوك كان يحضر لتظاهرات الغد. فهدا المواطن البسيط الذي يحذق استعمال وسائل الاتصال الحديثة لعب دور الإعلامي في ظل انعدام الثقة في الإعلام الرسمي ليصبح بذلك مستعمل الفايسبوك مصورا إعلاميا و موثقا لأحداث التي تدور حوله عبر وسائل تكنولوجية حديثة تساعد على خلق مصداقية لأخبار المنقولة.
بهذا يصبح من الممكن للجماعات أن تطبق نوعا من السلوك المنسق للاحتجاج يكون منظما "افتراضيا" ثم يقع تطبيقه على أرض الواقع.
فمن خلال صفحات و مجموعات عديدة على الفاسبوك مثل "الشعب يحرق في روحو يا سيدي الرئيس"، و "كلنا سيدي بوزيد"، "إتحاد صفحات الثورة"، الخ ، نظمت العديد من التظاهرات "الافتراضية" التي كانت تحشد الجماهير و ذلك من خلال مشاركتهم "إفتراضيا" على هذا الحدث المنظم. و بالتالي يمكن أن نكون فكرة أولية عن العدد التقريبي الذي يتقاسم فكرة التظاهر و يرغب في المشاركة لأن يتحقق ذلك على الميدان لاحقا.
فهذا الموقع الإجتماعي أقام مجتمعا مدنيا "إفتراضيا" في البداية أطر نفسه ليشكل بذلك قوة ضغط كبيرة على أرض الميدان و ذلك من خلال التعبئة الجماهيرية و توحيد الشعارات و المواقف بكبست زر واحدة: نعم أشارك، أحب، أرسل،
Oui je participe, j’aime, partager, envoyer, etc.
سيسجل التاريخ بأن الثورة التونسية شكلتها وسائل الإعلام و تقنيات الاتصال الحديثة مثل مواقع التواصل الاجتماعي و المدونات. كما أن لكاميرات الفيديو و الهواتف المحمولة أهمية مماثلة في نقل الصور و الرسائل التي ساعدت في التعبئة و حشد الجماهير حتى أصبح يشكل هاجسا لإثارة المزيد من الثورات في دول أخرى.
فقد شكل هذا الموقع الاجتماعي الأداة المعاصرة "لتصدير" الثورة التونسية لمختلف البلدان العريبة. فالشباب العربي كان يتواصل عبر هذا الموقع؛ الشيء الذي يحفز و يشجع الشباب على الإحتجاج على الأوضاع التي يعيشونها في بلدانهم. كما أنهم يستلهمون من يعضهم القوة و يتبادلون فيما بينهم تقنيات استعمال هذه الشبكة من أجل إنجاح المظاهرات.
في سيدي بوزيد؛ شرق غرب البلاد التونسية؛ بائع متجول "محمد البوعزيزي" (26 سنة) أضرم النار في جسده في 17 ديسمبر 2011 أمام مقر الولاية؛ احتجاجا منه عن منعه من الانتصاب في الشارع من قبل عون التراتيب.
لم يدرك يومها هذا الشاب التونسي أنه أحرق نفسه فقط بل أنه أشعل فتيلة الاحتجاجات المطالبة بحق الشغل و الكرامة، و العدالة الاجتماعية.
من يومها بدأت جملة المظاهرات في بعض المناطق الداخلية إلى أن اتسعت رقعة تلك الاحتجاجات إلى مختلف مناطق البلاد التونسية رغم أهمية الأحداث، إلا أن الإعلام الرسمي التونسي قابل هده الاحتجاجات بالتعتيم عما يحدث و ذلك بالتضييق على الصحافيين التونسيين و الأجانب و منعهم من تغطية ما يجري في البلاد (في الفترة الفاصلة بين 17 ديسمبر و أول شهر جانفي).
لقد حاولت السلطات حجب المعلومات و تحويرها من قبل الإعلام الرسمي التونسي إثر الأحداث التي اكتسحت البلاد بعد حادثة البوعزيزي و دلك بوصف تلك الأحداث بأعمال إرهاب و تخريب من قبل مجموعات "ملثمة".
فمع القمع و التضييق الإعلامي الذي كان يعيشه التونسيون كان البديل شبكة الإنترنات و بالتحديد موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك" الذي تمكن من خلاله التونسيون الالتفاف على الرقابة و على التعتيم الإعلامي.
فعلى إمتداد سنوات، لم تكن المعلومة متيسرة للتونسيين سوى عبر قنوات الإعلام الرسمية التي كانت بارعة فقط في تمجيد نظام الرئيس المخلوع و طمس الحقائق. هذه الأرضية جعلت من الشباب التونسي يبحث عن فضاء إعلامي آخر متحرر من قيود السلطة الحاكمة؛ ينقل الحقيقة كما هي دون زيف أو تزويق.
فهذا الشباب المتعلم سئم من الاستخفاف به و بوعيه من طرف الحكومة ليشكل من خلال موقع التواصل الاجتماعي "الفايسبوك" على وجه التحديد فضاء إعلاميا موازي للفضاء الإعلامي "التقليدي" متحررا بذلك من الحجب و التعتيم.
فقد جعل الشباب التونسي من هذا الموقع الاجتماعي الذي سخر في البداية للتواصل مع الأصدقاء فضاء إعلاميا بامتياز. فهو يعتبره الوسيلة الأفضل لنشر المعلومة و التعبير عن أرائهم إزاء ما يحدث حولهم بكنف الحرية.
فما هو الدور الذي اضطلع به الموقع الاجتماعي "فايسبوك" في الثورة التونسية؟ و ما هي أبرز مساهماته في تحقيق الهدف المرجو؟ و ما هو الدور الذي اضطلع به بعد تحقيق الثورة التونسية؟
شكل موقع التواصل الاجتماعي 'فايسبوك" طيلة فترة الاحتجاجات الاجتماعية التي عرفتها تونس في منتصف شهر ديسمبر وصولا إلى سقوط نظام بن علي أداة للشباب التونسي و وقودهم للانتفاضة على قمع الحريات و القهر و الكبت الاجتماعي و بديلا لوسائل الإعلام التونسية الرسمية التي حجبت حقيقة الأحداث و تميزت بتعتيم إعلامي غير مسبوق و تكذيب و تزيف الحقائق الميدانية.
فقد عهدت أجهزة الحكومة في فترة حكم بن علي على سياسة الحجب على العديد من المواقع الأنترنات (مثل الداليموتشا و اليوتوب). كما شملت هذه عملية موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك" لفترة وجيزة في شهر أوت 2008 (ليعود للعمل بقرار رئاسي بعد إحتجاجات "إفتراضية" عن منعه).
فعملية الحجب الحكومي أو ما يعرف بالرقيب الشهير "عمار
404" تعد من أول الاحتجاجات "الافتراضية" عبر المدونات و المجموعات المناهضة لهذا الحجب الإلكتروني عبر الفايسبوك مثل : "نهار على عمار"، "صفحة للدعاء على عمار ليلا نهار"، تلي ذلك صفحات "سيب صالح يا عمار"، إلخ.
رغم عمليات الحجب التي لحقت صفحات المدونين و بعض المواقع الاجتماعية، إلا أن مستخدمي الأنترنات في تونس شكلوا وجهات معارضة لهذه العمليات عبر اختراق و قرصنة بعض المواقع "المحظورة سياسيا"؛ التي كانت تبث حقائق متعلقة بأحداث الرديف 2008 أو ما يعرف بالحوض المنجمي و أحداث بنقردان 2010.
كما تشكلت مجموعات من الشباب تضغط على الحكومة من أجل المزيد من حريات الإبحار على النات و ذلك من خلال التظاهرات "الافتراضية" و الميدانية وعبر مختلف أساليب التعبير الفني (من خلال الرسوم الكاريكاتورية، الموسيقى و الغناء؛ نذكر على سبيل المثال المغني "بيندير مان،...).
فأمام ظل هذا التضييق الإعلامي، وجد الشباب التونسي ملاذهم في موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك" لمتابعة التطورات الأمنية و الميدانية للتحركات الشعبية عبر ما يرسله و يتناقله الأهالي من مقاطع فيديو حية و صور توثق لأحداث ميدانية و صراع مباشر بين أجهزة القمع البوليسي لنظام السابق و المتظاهرين العزل مما أشعل شرارة الانتفاضات و ساهم في تأجيجها على نطاق أوسع.
فالشارع التونسي فقد ثقته الكاملة بوسائل الإعلام الرسمية المكتوبة و المسموعة و المرئية و حول وجهته لموقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك" الذي أضحى يستقي منه المعلومة و الأخبار الحينية في كامل تراب الجمهورية التونسية.
فحتى من وسائل الإعلام العربية و الأجنبية (من أبرزها قناة الجزيرة و فرنسا 24) استعانت في تغطية أحداث الانتفاضة التونسية بمقاطع فيديو من الفايسبوك التي عوضت المراسلين الإخباريين الذي منعتهم السلطات التونسية في العهد البائد من تغطية الاحتجاجات وضيقت عليهم إعلاميا.
حيث لم يتردد بن علي في أول رد فعل له بعد أحداث سيدي بوزيد على انتقاد وسائل الإعلام العربية (الجزيرة على وجه الخصوص) و الأجنبية منها التي اعتمدت بشكل أساسي على نقل الوقائع مستندة للفيديوهات و الصور التي استقتها من "الفاسبوك" و اتهامها ببث الأكاذيب و المغالطات دون تحر بل اعتمدت التهويل و التحريض و التجني الإعلامي العدائي لتونس.
كما تعرضت بعض الصحف الإلكترونية ، المجموعات على صفحات الفايسبوك و بعض المواقع الشخصية لبعض المدونين و الناشطين على هذه الشبكة مثل المدون التونسي "حمدي كالاتوشة إلى )
anonymous القراصنة التونسيين للمواقع الإلكترونية و أحد منظمي حركة
و المدون "عزيز عمامي" و "صلاح الدين كشوك" و "سليم عمامو"
و مغني الراب "حمدة بن عون" المعروف باسم "الجينيرال" الذي تم اعتقاله إثر أغنيته "رئيس البلاد".
رغم كل هذه التضيقات الهادفة لتغطية الحقائق الميدانية فقد شكلت مجموعات و صفحات على الفايسبوك مثل صفحة "أخبار تونس"، "يوميات الأحداث في سيدي بوزيد"، "أحرار تونس"، "ابتسم أنت لست من سيدي بوزيد"، الخ. هذه الصفحات تحولت إلى وكالات أنباء تورد تقاريرها بالصوت و الصورة اعتمادا على أجهزة و وسائل التكنولوجيا من تناقل الوقائع و الأحداث دون تزيف أو تهويل.
فأيام الانتفاضة التونسية كان الربط بين وسائل الإعلام "الجديد" / "الفايسبوكي" و الإعلامي الفضائي عبر القنوات التلفزية عاملا حاسما في الحفاظ على زخم النضال من اجل تحقيق الثورة. حيث لعبت شبكة التلفزيون "الجزيرة" و "فرنسا 24" دورا هاما في نقل المعلومات، الأحداث، الصور و الفيديوهات إلى أكبر شريحة من المجتمع خصوصا الذي لا يتقن استعمال الأنترنات و إلى العالم بوجه الخصوص. كما أن مستخدمو الموقع الاجتماعي "فايسبوك" يتبادلون فيما بينهم تسجيلات لبرامج تلفزيونية و إذاعية. مما يوفر فضاء إعلاميا حرا و ثريا بالمعلومات التي يمكن أن يتحصل عليها مستعمل الفايسبوك بسهولة و حينية و بتكلفة قليلة.
و كنتيجة لذلك؛ تمكن الفرد من إيجاد فضاء إعلامي متحرر من القيود التي كانت مفروضة على الإعلام من قبل السلطة الحاكمة. كما أنه أصبح من الممكن اليوم إنتاج المعلومة و نشرها و كذلك التعليق عليها بحيث تصبح المعلومة المتوفرة في هذا الفضاء محل نقاش و تحليل من طرف مستخدمي هذه الشبكة.
فمثلما لعبت بعض الإذاعات المحلية و العربية سابقا دورا كبيرا في حركات التحرر من الاستعمار في القرن الماضي، تربع اليوم موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك" على عرش وسائل الإعلام.
فنحن اليوم في زمن الصورة و آليات التواصل الحديثة فلذلك من الطبيعي جدا أن يستثمر الشباب مختلف وسائل الاتصال الحديثة من مواقع الاجتماعية، هواتف محمولة و كاميرات في تنظيم الاحتجاجات مخترقة بذلك الأنظمة و الحدود التي يصعب على الحكومات التحكم فيها. لذلك اتجه الشباب إلى الفايسبوك كفضاء موازي يتيح لهم التواصل و التعبير و يعبر عن تأملاتهم و تطلعاتهم و جعلوا منهم منبرا إعلاميا و "سياسيا" تلقائيا بامتياز.
بصفة عامة، تقوم وسائل الإعلام عبر الحملات الإعلامية المكثفة إثارة وعي الجمهور و توجيهه لغاية محددة و ذلك عبر التأثير على آراءه و سلوكه. فالصورة أو الفيديو أصبح لها وقع أكبر على الفرد من المعلومة المكتوبة في زمننا الراهن.
من ناحية أخرى، فإن مستعمل الأنترنات والفايسبوك على وجه الخصوص أصبح ينتج المعلومة و يقوم بنشرها لشريحة كبيرة من مستعملي هذه الشبكات و يسمح لهم بمناقشة تلك المعلومات فيما بينهم. و بالتالي نشهد اليوم تحولا في المشهد الإعلامي وعلاقته بالمتلقي بحيث أصبح هذا الأخير ليس مستهلك فقط للإعلام و إنما منتجا له.
فمع انتشار الإعلام "الجديد" فإنه على الحكومات التي تخصص ميزانيات ضخمة على مؤسستها الإعلامية لتكون في خدمتها و لتبث من خلالها أرائها و مواقفها، أن تفهم بأن هذه الخيارات أصبحت غير مجدية أمام استفحال هذا الإعلام البديل الذي يخول لمستعمل الأنترنات أن يصبح "مواطنا إعلاميا" ينتج المعلومة التي يستقيها من محيطه ليبثها فيما بعد على شبكات التواصل الاجتماعي ليتم تناقلها و نشرها بين كافة المستخدمين.
فمستعملو "الفايسبوك" في تونس تجاوز المليونين محتلا بذلك المرتبة الأولى إفريقيا و مغاربيا، علما و أن هذه النسبة في ارتفاع مستمر أمام تزايد شعبية هذا الموقع الإلكتروني في أوساط الشباب (خاصة بالنسبة للشباب التي تتراوح أعمارهم بين 18 و 34 سنة) .
فقد اضطلع هدا الموقع بدور التعبئة الجماهيرية في الثورة التونسية؛ فهده الشبكة يسرت اللحمة و التواصل بين مختلف أفراد المجتمع التونسي داخل البلاد و خارجه. فقد ساهم بالتعريف بأحداث سيدي بوزيد و غيرها من المناطق للأكبر شريحة من المجتمع التونسي و ذلك عبر تناقل الفيديوهات للمظاهرات الشعبية المنددة بقمع الحريات و بالفساد و خاصة ما يعرف "بالمافيا الطرابلسية".
دور موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك قبل أحداث الثورة التونسية:
تجدر الإشارة إلى أن الفيديوهات ذات الطابع السياسي التي تناقلها مستخدم الفايسبوك شكلت المحرك الرئيسي لانتفاضة الشعب التونسي نظرا لجرأتها الغير المعهودة. هذه الفيديوهات لعبت دورا كبيرا قبل أحداث الثورة في إنارة الرأي العام و تعرية الحقائق التي حاولت جاهدا الحكومة سابقا تغطيتها. فهذه الفيديوهات زادت في مستوى الوعي و رفعت مستوى المعرفة؛ فقد كشفت غطرسة و ديكتاتورية بن علي و عائلته (خاصة أصهاره و عائلة الطرابلسي)، إضافة إلى فيديوهات التي تثبت الترهيب الأمني و القمع البوليسي الذي كانت تمارسه الحكومة في فترة حكم بن علي.
و لعل لهذه الفيديوهات وقع و تأثير كبير على وعي الشعب التونسي لما تتميزت به الفيديوهات من مصداقية و شفافية كونها تبث الحقائق بالصوت و الصورة خاصة و نحن في زمن الصورة التي أصبح وقعها على المتلقي أقوى بكثير من الكلمة أحيانا.
ناهيك عن ذلك، ساهم تناقل هذه الفيديوهات عبر صفحات الفايسبوك تفاعل كبير بين منخرطي في هذه الشبكة مما شكل إعلام تفاعلي ساعد على تأجيج المظاهرات فيما بعد و إحداث التغير السياسي.
دور موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك أثناء أحداث الثورة التونسية:
في البداية، يجب الإشارة بأن الأحداث المتسارعة التي عرفتها البلاد إثر حادثة البوعزيزي كانت غير واضحة الملامح و لم يتخيل أحد في تلك الفترة أن المظاهرات و الاحتجاجات سوف تفضي إلى ما آل إليه اليوم.
فالاحتجاجات المطالبة في الأول على مطالب اجتماعية بحتة و من أولويتها الحق في الشغل، الكرامة و العدالة الاجتماعية تحولت شيئا فشيئا إلى مطالب سياسية بحتة من أولها محاسبة عائلة الطرابلسي ثم مغادرة بن علي للحكم.
هذا و إن دل فإنه يدل عن تراكمات (فردية أو جماعية) لم تأتي من عدم و إنما هي جملة من الترسبات و سنوات القهر و الظلم في شتى الميادين. فقد تناثرت لفترة طويلة أنباء عن فساد زين العابدين بن علي، وزوجته ليلى الطرابلسية، وعائلتيهما، ما أثار مشاعر الكراهية والتحريض في نفوس الشعب.
صحيح أن للفيديوهات التي تناقلها مستعملو الأنترنات قبل أحداث ديسمبر كانت داعما رئيسيا و مهما في تأجج الشارع التونسي، زد على دلك الأوضاع و المشاكل ذات البعد الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي التي هيأت الأرضية لكسر حاجز الصمت و إفتكاك عقدة الخوف من النظام الحاكم. لكن تبقى حادثة البوعزيزي الشرارة الأولى لاندلاع الاحتجاجات في البلاد التونسية كما يبقى لموقع التواصل الإجتماعي "فايسبوك" دور فعال في إيصال المعلومة إلى أكبر عدد من التونسيين و كذلك في تنظيم المظاهرات و في توحيد الشعارات التي تهدف بحرية التعبير، الكرامة، التوزيع العادل للثروات و القضاء على الفساد.
فالدور الذي اضطلع به هذا الموقع الاجتماعي كان على مستوى التنسيق بين الشباب الثائر كتحديد توقيت و أماكن التظاهر بواسطة تنظيم الأحداث و تبادل الرسائل النصية من أجل تجمع الجماهير و ذلك في أقرب الآجال و بتكلفة قليلة جدا.
--- لقد استخدم هذا الموقع الإلكتروني كوسيلة لتنسيق الفعل و توجيه سلوك الأفراد بكل حرفية و دقة و مسؤولية و بأبسط وسائل التعبير الجماعي.
فمستعمل "الفايسبوك"؛ صباحا في الشارع يشارك و يسجل الأحداث عبر عدسات الكاميرات الرقمية أو عبر هاتفه النقال، و ليلا أمام الحاسوب ينقل و يتبادل تسجيلات الفيديوهات و الصور و الأخبار و مقالات. و على صفحات الحائط الافتراضي فايسبوك كان يحضر لتظاهرات الغد. فهدا المواطن البسيط الذي يحذق استعمال وسائل الاتصال الحديثة لعب دور الإعلامي في ظل انعدام الثقة في الإعلام الرسمي ليصبح بذلك مستعمل الفايسبوك مصورا إعلاميا و موثقا لأحداث التي تدور حوله عبر وسائل تكنولوجية حديثة تساعد على خلق مصداقية لأخبار المنقولة.
بهذا يصبح من الممكن للجماعات أن تطبق نوعا من السلوك المنسق للاحتجاج يكون منظما "افتراضيا" ثم يقع تطبيقه على أرض الواقع.
فمن خلال صفحات و مجموعات عديدة على الفاسبوك مثل "الشعب يحرق في روحو يا سيدي الرئيس"، و "كلنا سيدي بوزيد"، "إتحاد صفحات الثورة"، الخ ، نظمت العديد من التظاهرات "الافتراضية" التي كانت تحشد الجماهير و ذلك من خلال مشاركتهم "إفتراضيا" على هذا الحدث المنظم. و بالتالي يمكن أن نكون فكرة أولية عن العدد التقريبي الذي يتقاسم فكرة التظاهر و يرغب في المشاركة لأن يتحقق ذلك على الميدان لاحقا.
فهذا الموقع الإجتماعي أقام مجتمعا مدنيا "إفتراضيا" في البداية أطر نفسه ليشكل بذلك قوة ضغط كبيرة على أرض الميدان و ذلك من خلال التعبئة الجماهيرية و توحيد الشعارات و المواقف بكبست زر واحدة: نعم أشارك، أحب، أرسل،
Oui je participe, j’aime, partager, envoyer, etc.
سيسجل التاريخ بأن الثورة التونسية شكلتها وسائل الإعلام و تقنيات الاتصال الحديثة مثل مواقع التواصل الاجتماعي و المدونات. كما أن لكاميرات الفيديو و الهواتف المحمولة أهمية مماثلة في نقل الصور و الرسائل التي ساعدت في التعبئة و حشد الجماهير حتى أصبح يشكل هاجسا لإثارة المزيد من الثورات في دول أخرى.
فقد شكل هذا الموقع الاجتماعي الأداة المعاصرة "لتصدير" الثورة التونسية لمختلف البلدان العريبة. فالشباب العربي كان يتواصل عبر هذا الموقع؛ الشيء الذي يحفز و يشجع الشباب على الإحتجاج على الأوضاع التي يعيشونها في بلدانهم. كما أنهم يستلهمون من يعضهم القوة و يتبادلون فيما بينهم تقنيات استعمال هذه الشبكة من أجل إنجاح المظاهرات.
ستيفان هسل: إغضبوا!
كراس الكاتب والمقاوم السابق والسياسي الفرنسي ستيفان هسل "اغضبوا"، حطم كل التوقعات في توزيعه وانتشاره، فوصل مبيعه الى مليون و800 ألف نسخة في فرنسا وحدها. وأثار عاصفة من الجدل في وسائل الإعلام المختلفة. وتحضر حالياً ترجمات للغات عديدة منها الأميركية والإسبانية والايطالية والألمانية. إنه كتاب "العام" في فرنسا. وحسناً فعل صالح الأشمر بترجمته وصدوره عن "دار الجمل".
هنا جزء أساسي من الترجمة العربية الجيدة والدقيقة والحية لصالح الأشمر.
الحافز على المقاومة هو الغضب
لا يتورع بعضهم عن أن يقولوا لنا إن الدولة لم تعد قادرة على تأمين تكاليف هذه الإجراءات المواطنية. ولكن كيف يمكن اليوم الافتقار الى المال لتوسيع تلك الفتوحات والحفاظ عليها بينما تضاعف انتاج الثروات كثيراً منذ التحرير، أيام كانت أوروبا مدمرة؟ ما لم يكمن السبب في أن سلطان المال، الذي كافحته المقاومة بحزم، لم يكن يوماً قوياً، ومتغطرساً، وأنانياً، كما هو اليوم، مع خدامه المختصين حتى في أعلى مراكز النفوذ في الدولة. أما المصارف التي خصصت من بعد فتبدو مهتمة بأرباحها في المقام الأول، وبالرواتب المرتفعة جداً التي يتقاضاها مديروها، لا بالمصلحة العامة. والفارق بين الأكثر فقراً والأكثر غنى لم يكن قط كبيراً مثله اليوم، ولا لقي الركض وراء المال، والمنافسة، مثل هذا التشجيع.
كان الحافز الأساس على المقاومة هو الغضب. وإننا لنهيب، نحن قدامى حركات المقاومة والقوات المحاربة لفرنسا الحرة، بالأجيال الشابة أن تعمل على إحياء ونقل ميراث المقاومة ومُثلها العليا. وتقول لهم: تسلموا الراية، اغضبوا! ولا يجدر بالمسؤولين السياسيين، والاقتصاديين، والمثقفين، وعموم المجتمع، أن يستقيلوا، ولا أن يستسلموا لتأثير الدكتاتورية الدولية الراهنة للأسواق المالية التي تهدد السلام والديموقراطية.
أتمنى لكم جميعاً، لكل واحد منكم، أن تجدوا السبب الذي يدفعكم الى المقاومة. هذا أمر في غاية الأهمية. عندما يغضبكم أمرّ ما، كما كنت مغضباً من النازية، عندئذٍ يغدو كلّ منكم مناضلاً، قوياً ومُلتزماً. وينضمّ الى تيار التاريخ هذا، ولا بد لتيار التاريخ الكبير من أن يستمر بفضل كل واحد منكم. إن هذا التيار يمضي نحو مزيد من العدالة، ومزيد من الحرية، ولكنها ليست تلك الحرية المطلقة التي يتمتع بها الثعلب في قنّ الدجاج. إن هذه الحقوق، التي صاغ برنامجها الإعلان العالمي في عام 1948، تعم الجميع. فإن صادفتم من الناس أحداً لا يستفيد منها، فارثوا له، وساعدوه على تحصيلها.
رؤيتان الى التاريخ
عندما أحاول فهي الشيء الذي تسبب بنشوء الفاشية، الشيء الذي أدى الى اجتياحها لنا هي وحكومة فيشي، أقول لنفسي إن الملاكين، بما يتصفون به من أنانية، كانوا يرتعدون خوفاً من الثورة البلشفية. فأسلموا القياد لمخاوفهم. لكن لو انبرت اليوم، كما انبرت آنذاك، أقلية نشطة لكان ذلك كافياً، لأننا سنمتلك الخميرة لكي يختمر العجين. طبعاً، إن تجربة عجوز مثلي، مولود في عام 1917، لتتميز عن تجربة شبان هذه الأيام. وغالباً ما أطلب الى معلمين في مدارس ثانوية أن يتيحوا لي إمكانية التحدث أمام تلاميذهم، أقول لهم: إنكم لا تمتلكون، كما كنا نمتلك، الأسباب الواضحة لكي تلتزموا. أما نحن فكانت المقاومة في نظرنا هي عدم القبول بالاحتلال الألماني، وبالهزيمة. وكان ذلك أمراً بسيطاً نسبياً، بسيطاً مثل ما حدث بعد ذلك من إزالة للاستعمار. ثم حرب الجزائر. إذ كان من البديهي أن تصبح الجزائر مستقلة. وفي ما خص ستالين، فقد صفقنا جميعاً لانتصار الجيش الأحمر على النازيين، في عام 1943، لكن عندما علمنا بالمحاكمات التسالينية الكبرى التي جرت في عام 1935، فإن ضرورة الاعتراض على هذا الشكل الذي لا يُطاق من الشمولية فرضت نفسها كبداهة، على الرغم من أنه كان علينا أن نولي الشيوعية أذناً صاغية لموازنة الرأسمالية الأميركية.
لقد أتاحت لي حياتي الطويلة سلسلة متتالية من أسباب الغضب. لم تكن تلك الأسباب وليدة انفعال بقدر ما كانت ثمرة إرادة التزام. فطالب دار المعلمين الشاب الذي كنته كان متأثراً جداً بسارتر، زميل الدراسة الأكبر. وكان مؤلفا سارتر "الغثيان" و"الجدار"، وليس "الكينونة والعدم"، مهمين للغاية في تكويني الفكري. لقد عوّدنا سارتر أن يقول لنا: "أنتم مسؤولون من حيث انكم أفراد". وكان مغزى ذلك هو الحرية المطلقة. إنها مسؤولية الإنسان الذي لا يمكنه أن يفوّض أمره لا الى سلطة ولا الى إله. بل على العكس، ينبغي له أن يلتزم باسم مسؤوليته ككائن إنساني. عندما دخلت دار المعلمين الكائنة في شارع أوْلم في باريس، عام 1939، دخلتها كمريد متحمس للفيلسوف هيغل، وكنت أحضر الحلقة الدراسية التي يُشرف عليها موريس مرلو بونتي. كان تعليمه يتحرى التجربة المحسوسة، تجربة الجسد وعلاقاته بالحس، كمفرد كبير قبالة جمع الحواس. بيد أن تفاؤلي الطبيعي الذي يريد أن يكون كل مرغوب ممكناً جعلني أميل الى هيغل. إن الفلسفة الهيغيلية تفسر تاريخ الإنسانية الطويل على أنه ذو وجهة: إنها حرية الإنسان متقدماً مرحلة بعد مرحلة. والتاريخ مصنوع من صدمات متتالية، ما يعني أخذ التحديات في الاعتبار. ثم إن تاريخ المجتمعات يتقدم، وفي النهاية، بعد أن يبلغ الإنسان حريته الكاملة، نحصل على الدولة الديموقراطية في شكلها المثالي.
طبعاً، هناك تصور آخر للتاريخ. فأوجه التقدم التي تحققت من طريق الحرية، والمنافسة، والركض وراء "الأكثر دائماً"، يمكن أن تكون معيشة كإعصار مدمر. هكذا يتصورها صديق لوالدي، الرجل الذي تقاسم معه مهمة ترجمة مؤلف مارسل بروست "البحث عن الزمن الضائع" الى اللغة الألمانية. إنه الفيلسوف الألماني فالتر بنيامين. لقد استخلص رسالة تشاؤمية من لوحة الرسام السويسري بول كلي، "ملاك الجديد" (أو "ملاك التقدم") Angelus Novus، حيث يبسط الملاك ذراعيه كما لو أنه يصدّ ويدفع عاصفة يماثلها بالتقدم. يرى بنيامين، الذي انتحر في ايلول/سبتمبر 1940 هرباً من النازية، أن وجهة التاريخ هي السير الوئيد الذي لا يقهر من كارثة الى كارثة.
اللامبالاة: أسوأ المواقف
حقاً إن أسباب الغضب قد تبدو اليوم أقل وضوحاً أو العالم أشد تعقيداً. من يقود؟ من يقرر؟ ليس من السهل دائماً التمييز بين كل التيارات التي تحكمنا. فما عدنا نواجه نخبة نفهم بوضوح تصرفاتها السيئة. إنه عالم فسيح، نشعر جيداً بأنه مترابط يتكل بعضه على بعض. ونحن نعيش في حالة من التواصل لم يسبق لها مثيل. لكن في هذا العالم أشياء لا تُطاق. ولا بد لرؤيتها من إمعان النظر، والبحث. أقول للشبان: ابحثوا قليلاً تجدوا. إن أسوأ المواقف هو اللامبالاة، كأن تقول: "ما باليد حيلة، انني أتدبر أمري". فبتصرفك على هذا النحو انما تفقد أحد المكونات الجوهرية التي تصنع الإنسان. ان أحد المكونات لا بد منها هو ملكة الغضب ونتيجته الالتزام.
يمكن الآن تمييز تحديين كبيرين جديدين:
1 ـ البون الشاسع بين أفقر الفقراء وأغنى الأغنياء الذي لا يكف عن التعاظم. وهذا من مبتكرات القرن الواحد والعشرين. فأفقر الناس في عالم اليوم لا يكاد أحدهم يكسب دولارين يومياً. ولا يمكن ترك هذا البون ويتعمق. إن هذه الواقعة وحدها يجب أن تحدث التزاماً.
2 ـ حقوق الإنسان وحالة الكوكب. أتيحت لي بعد الحرب فرصة المشاركة في تحرير الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تبنته منظمة الأمم المتحدة في العاشر من كانون الأول/ديسمبر 1948 في قصر شايو بباريس. آنذاك كنت رئيس مكتب هنري لوجييه، الأمين العام المساعد للأمم المتحدة، وأمين سر لجنة حقوق الإنسان، وبهذه الصفة اشتركت مع آخرين في كتابة ذلك الإعلان. ولا يسعني نسيان الدور الذي لعبه في إعداد الإعلان رينيه كاسان، المفوض الوطني لشؤون العدالة والتربية في حكومة فرنسا الحرة، عام 1941، والذي نال جائزة نوبل للسلام عام 1968، ولا ما قام به بيار منديس فرانس في نطاق المجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي أحيلت عليه النصوص التي وضعناها، قبل أن تنظر فيها اللجنة الثالثة للجمعية العمومية، المكلفة بالقضايا الاجتماعية والإنسانية والثقافية. في ذلك الحين كانت هذه اللجنة تضم ممثلي الدول الأربع والخمسين الأعضاء في المنظمة الدولية، وكنت أتولى أمانة سرها. ونحن ندين لرينيه كاسان بالفضل في استعمال مصطلح الحقوق "العالمية" وليس "الدولية" كما كان يقترح أصدقاؤنا الأنكلوسكسونيون. إذ كان هذا هو الرهان عند الخروج من الحرب العالمية الثانية: التحرر من التهديدات التي فرضتها الشمولية على الإنسانية. وللتخلص منها لا بد من الحصول على تعهد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة باحترام تلك الحقوق العالمية. وهي طريقة لإبطال حجة السيادة الكاملة التي يمكن لدولة أن تعتد بها بينما تقترف جرائم ضد الإنسانية على أراضيها. وكانت هذه حالة هتلر الذي كان يعتبر نفسه سيداً في بلاده، مباح له إبادة شعب. إن هذا الإعلان يدين بالكثير للنفور العالمي من النازية، والفاشية، والشمولية، وحتى، بفضل حضورنا، لروح المقاومة. وكنت أشعر بوجوب العمل سريعاً، وعدم الانخداع بالنفاق الذي يكتنف إعلان المنتصرين تأييدهم لتلك القيم التي لم يكن الجميع ينتوي إعلاء شأنها بإخلاص، والتي حاولنا فرضها عليهم.
غضبي بخصوص فلسطين
اليوم ينصب غضبي الأكبر على ما يحدث في فلسطين، قطاع غزة والضفة الغربية. هذا النزاع هو منبع غضب في ذاته. ولا بد حتماً من قراءة تقرير ريتشارد غولدستون الصادر في أيلول/سبتمبر 2009 حول غزة. وفيه يوجه هذا القاضي الجنوب افريقي، اليهودي، والذي يزعم أنه صهيوني حتى، الاتهام الى الجيش الإسرائيلي بارتكاب "أعمال مماثلة لجرائم حرب، وقد تكون، في بعض الظروف، شبيهة بجرائم ضد الإنسانية" أثناء عملية "الرصاص المسكوب" التي استمرت ثلاثة أسابيع. لقد عدت شخصياً الى غزة في عام 2009، حيث تمكنت من الدخول مع زوجتي بفضل جوازي سفرنا الديبلوماسيين، لكي نتفحص عياناً ما يقوله التقرير. أما الأشخاص الذين كانوا يرافقوننا فلم يسمح لهم بدخول قطاع غزة. هناك وفي الضفة الغربية، زرنا مخيمات اللاجئين الفلسطينيين التي أقامتها منذ عام 1948 وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، الأونروا، حيث ينتظر أكثر من ثلاثة ملايين فلسطيني طردتهم إسرائيل من أراضيهم عودة الى الديار تزداد الشكوك في حصولها. أما غزة فهي سجن كبير غير مسقوف لمليون ونصف المليون من الفلسطينيين. سجن ينتظم الناس فيه من أجل البقاء على قيد الحياة. وما يتردد في ذاكرتنا ويساورها أكثر من مشاهد التدمير المادي التي عايناها، مثل تدمير مستشفى الهلال الأحمر بـ"الرصاص المسكوب"، هو سلوك الغزاويين، وطنيتهم، وحبهم للبحر والشاطئ، واهتمامهم الدائب براحة أطفالهم، الكثر والمرحين. لقد تأثرنا بأسلوبهم الحاذق في مواجهة أنواع العوز والحرمان المفروضة عليهم.
رأيناهم يصنعون اللبن ويستخدمونه بدلاً من الاسمنت المفقود لإعادة بناء آلاف البيوت التي دمرتها الدبابات. وأكدوا لنا سقوط ألف وأربع مئة قتيل نساء، وأطفال، وشيوخ من ضمنهم في المخيم الفلسطيني في أثناء عملية "الرصاص المسكوب" التي شنها الجيش الإسرائيلي، مقابل خمسين جريحاً فقط في الجانب الإسرائيلي. انني أوافق القاضي الجنوب أفريقي على ما توصل اليه من نتائج. فأن يتمكن يهود من أن يقترفوا بأنفسهم جرائم حرب أمر لا يحتمل. إن التاريخ، ويا للأسف، قلما يقدم أمثلة على شعوب تتعظ من تاريخها الخاص.
أعلم أن حماس التي فازت في الانتخابات التشريعية الأخيرة لم تتمكن من تجنب إطلاق القذائف على المدن الإسرائيلية رداً على حالة الحصار والعزلة المفروضة على الغزاويين. وأعتقد يقيناً أن الإرهاب غير مقبول، لكن يجب الاعتراف بأنكم إذا كنتم محتلين بوسائل عسكرية متفوقة للغاية على أسلحتكم لا يمكن لرد الفعل الشعبي أن ينحصر في اللاعنف.
هل ينفع حركة حماس إطلاق القذائف على مدينة سديروت؟ الجواب لا. هذا لا يخدم قضيتها، لكن يمكن تفسير هذه الحركة بما يعتمل في صدور الغزاويين من سخط. وفي مفهوم السخط، يجب فهم العنف على أنه محصلة مؤسفة لأوضاع غير مقبولة بالنسبة الى من يعانون منها. والحال يمكن أن يقال إن الإرهاب نوع من السخط. وإن هذا السخط تعبير سلبي. لا ينبغي أن نسخط (أو نفقد الأمل)، ينبغي أن نأمل. إن السخط إنكار للأمل. وهو مفهوم، وأكاد أقول إنه طبيعي، غير أنه ليس مقبولاً. لأنه لا يسمح بالحصول على نتائج يمكن على سبيل الاحتمال أن تصنع الأمل.
اللاعنف
أنا على يقين بأن المستقبل ينتمي الى اللاعنف، والى المصالحة بين الثقافات المختلفة. من هذا الطريق سيكون على الإنسانية أن تجتاز مرحلتها المقبلة. وفي هذه النقطة ألتقي مع سارتر، فلا يمكن إعذار الإرهابيين الذين يرمون بالقنابل، ولكن يمكن فهمهم. كتب سارتر في عام 1947: "أعترف بأن العنف تحت أي شكل كان إنما هو فشل. غير أنه فشل لا مفر منه لأننا نعيش في عالم من العنف. وإن كان حقاً أن اللجوء الى العنف يبقى هو العنف الذي يخاطر بإدامته، فالحق أيضاً أن هذا هو الوسيلة الوحيدة لإنهائه". لا يسعنا أن ندعم الإرهابيين كما فعل سارتر باسم هذا المبدأ إبان حرب الجزائر، أو عند وقوع الاعتداء على رياضيين إسرائيليين أثناء دورة الألعاب الرياضية في ميونيخ عام 1972. هذا العنف غير فعال حتى أن سارتر نفسه خلص في أواخر أيامه الى التساؤل عن معنى الإرهاب والشك في مبرر وجوده. ثم ان القول بأن "العنف غير فعال" أهم من معرفة ما إذا كان يجدر بنا أن ندين أولئك الذين يستسلمون له أم لا. إن الإرهاب غير فعال. وفي مفهوم الفعالية لا بد من أمل غير عنيف. فإن كان ثمة أمل عنيف فهو في شعر غيوم أبولينير: "كم هو عنيف الأمل!"؛ لا في السياسة. لقد أعلن سارتر في آذار/مارس 1980، قبل ثلاثة أسابيع من وفاته: "يجب أن نفسر لماذا كان عالم اليوم، وهو عالم رهيب، مجرد لحظة لا غير في التطور التاريخي الطويل، ولماذا كان الأمل على الدوام هو إحدى القوى المهيمنة على الثورات والعصيانات، ولماذا ما زلت أشعر بالأمل على أنه تصوري للمستقبل".
يجب أن ندرك أن العنف يولي ظهره للأمل. ولا بد من تفضيل الأمل عليه، أمل اللاعنف. هذا هو السبيل الذي ينبغي علينا أن نتعلم اتباعه. وسواء أكان ذلك من جانب المضطهدين أم المضطهدين، لا بد من ولوج باب التفاوض لإزلة الاضطهاد، إن هذا المسعى هو الذي سوف يقطع دابر العنف والإرهاب. ولهذا يجب عدم السماح بتراكم كثير من الحقد.
إن رسالة رجل مثل مانديلا، ومارتن لوثر كينغ، تجد مصداقها في عالم تجاوز صدام الأيديولوجيات والشمولية الزاحفة. إنها رسالة أمل في مقدرة المجتمعات الحديثة على تجاوز النزاعات من خلال التفهم المتبادل والتأني الفطن. ولبلوغ هذه الغاية يجب الاستناد الى الحقوق التي من شأن انتهاكها، أياً يكن الفاعل، أن يثير غضبنا. لا مجال للتساهل في هذه الحقوق.
من أجل عصيان مدني
لقد سجلت ولست الوحيد رد فعل الحكومة الإسرائيلية وقد جوبهت بصنيع مواطني بلعين كل يوم جمعة عندما يأتون، من دون رمي بالحجارة، أو استعمال القوة، الى الجدار الفاصل حيث يحتجون على بنائه. لقد وصفت السلطات الإسرائيلية هذه المسيرة بأنها "إرهاب غير عنيف". لا بأس. يجب أن تكون إسرائيلياً حتى يمكنك أن تصف اللاعنف بأنه إرهابي. ولا بد بوجه خاص من أن تكون مرتبكاً إزاء فعالية اللاعنف الذي يتوسل استثارة التأييد، والتفهم، ومساندة كل من في العالم من مناهضين للاضطهاد.
إن الفكر الانتاجوي، الذي يحمله الغرب، قد أدخل العالم في أزمة يستلزم الخروج منها إحداث قطيعة جذرية مع الهرب الى الأمام المتمثل بـ"الأكثر دائماً" في المجال المالي كما في مجال العلوم والتقنيات. لقد آن الأوان لكي تصبح كفة الهم الأخلاقي، والعدالة، والتوازن المستدام، هي الراجحة. لأن المخاطر الجسيمة تتهددنا. ويمكنها أن تضع حداً للمغامرة الإنسانية على كوكب بإمكانها أن تجعله غير صالح لسُكنى البشر.
لكن يبقى صحيحاً أيضاً أن تقدماً مهماً قد تحقق في ميادين عدة منذ عام 1948: إزالة الاستعمار، نهاية نظام الفصل العنصري، تدمير الامبراطورية السوفياتية، سقوط جدار برلين. في المقابل كانت السنوات العشر الأولى من القرن الواحد والعشرين مرحلة تراجع. هذا التراجع أفسره جزئياً بالمدة التي ترأس فيها جورج بوش الولايات المتحدة الأميركية، والحادي عشر من أيلول/سبتمر 2001، والنتائج الكارثية التي استخلصتها الولايات المتحدة، مثل التدخل العسكري في العراق. لقد حلت بنا تلك الأزمة الاقتصادية غير أننا لم نتعلم منها مباشرة سياسة إنمائية جديدة. كذلك لم تتح قمة كوبنهاغن بشأن الاحتباس الحراري انتهاج سياسة حقيقية للحفاظ على الكوكب. إننا نقف على عتبة، بين أهوال العقد الأول من هذا القرن واحتمالات العقود التالية. لكن يجدر بنا أن نأمل، يجب أن نأمل دائماً. كان العقد السابق، عقد التسعينات، مصدر تقدم متعدد المجالات. لقد أمكن للأمم المتحدة أن تدعو الى مؤتمرات مثل مؤتمر ريو حول البيئة في عام 1992، ومؤتمر بكين حول النساء في عام 1995، وفي أيلول/سبتمبر 2000، بناء على مبادرة الأمين العام للأمم المتحدة، كوفي عنان، أقرت الدول الـ191 الأعضاء الإعلان حول "أهداف الألفية الثمانية من أجل التنمية"، الذي تعهدت فيه على وجه الدقة أن تخفض الى النصف حجم الفقر في العالم من الآن الى عام 2015.
وإني ليؤسفني أشد الأسف ألا يكشف كل من أوباما والاتحاد الأوروبي حتى الآن عن مقدار مساهمتهما المفترضة للانتقال الى مرحلة بناءة، استناداً الى القيم الأساسية.
كيف أختم هذه الدعوة الى الغضب؟ سأختتمها مستعيداً ما قلناه، نحن قدامى حركات المقاومة والقوات المحاربة لفرنسا الحرة (1940 1945)، في الثامن من آذار/مارس 2004، في مناسبة الذكرى الستين لبرنامج المجلس الوطني للمقاومة، من أن "النازية قد هُزمت، بفضل تضحية اخوتنا وأخواتنا في المقاومة وفي الأمم المتحدة ضد الهمجية الفاشية. غير أن هذا التهديد لم يختف كلياً، وإن غضبنا ضد الظلم ما زال متقداً لم يفتر".
لا، هذا التهديد لم يختف كلياً. لذلك ما زلنا ندعو الى "عصيان سلمي حقيقي ضد وسائل الاتصال الجماهيرية التي لا تقترح لشبيبتنا من أفق سوى الاستهلاك الجمعي، واحتقار من هم أضعف، وازدراء الثقافة، وفقدان الذاكرة المعمم، والمنافسة القاسية يخوضها الجميع ضد الجميع".
الى الذين واللواتي سوف يصنعون القرن الواحد والعشرين، نقول مع محبتنا:
"الخلق، هوالمقاومة.
المقاومة، هي الخلق".
هنا جزء أساسي من الترجمة العربية الجيدة والدقيقة والحية لصالح الأشمر.
الحافز على المقاومة هو الغضب
لا يتورع بعضهم عن أن يقولوا لنا إن الدولة لم تعد قادرة على تأمين تكاليف هذه الإجراءات المواطنية. ولكن كيف يمكن اليوم الافتقار الى المال لتوسيع تلك الفتوحات والحفاظ عليها بينما تضاعف انتاج الثروات كثيراً منذ التحرير، أيام كانت أوروبا مدمرة؟ ما لم يكمن السبب في أن سلطان المال، الذي كافحته المقاومة بحزم، لم يكن يوماً قوياً، ومتغطرساً، وأنانياً، كما هو اليوم، مع خدامه المختصين حتى في أعلى مراكز النفوذ في الدولة. أما المصارف التي خصصت من بعد فتبدو مهتمة بأرباحها في المقام الأول، وبالرواتب المرتفعة جداً التي يتقاضاها مديروها، لا بالمصلحة العامة. والفارق بين الأكثر فقراً والأكثر غنى لم يكن قط كبيراً مثله اليوم، ولا لقي الركض وراء المال، والمنافسة، مثل هذا التشجيع.
كان الحافز الأساس على المقاومة هو الغضب. وإننا لنهيب، نحن قدامى حركات المقاومة والقوات المحاربة لفرنسا الحرة، بالأجيال الشابة أن تعمل على إحياء ونقل ميراث المقاومة ومُثلها العليا. وتقول لهم: تسلموا الراية، اغضبوا! ولا يجدر بالمسؤولين السياسيين، والاقتصاديين، والمثقفين، وعموم المجتمع، أن يستقيلوا، ولا أن يستسلموا لتأثير الدكتاتورية الدولية الراهنة للأسواق المالية التي تهدد السلام والديموقراطية.
أتمنى لكم جميعاً، لكل واحد منكم، أن تجدوا السبب الذي يدفعكم الى المقاومة. هذا أمر في غاية الأهمية. عندما يغضبكم أمرّ ما، كما كنت مغضباً من النازية، عندئذٍ يغدو كلّ منكم مناضلاً، قوياً ومُلتزماً. وينضمّ الى تيار التاريخ هذا، ولا بد لتيار التاريخ الكبير من أن يستمر بفضل كل واحد منكم. إن هذا التيار يمضي نحو مزيد من العدالة، ومزيد من الحرية، ولكنها ليست تلك الحرية المطلقة التي يتمتع بها الثعلب في قنّ الدجاج. إن هذه الحقوق، التي صاغ برنامجها الإعلان العالمي في عام 1948، تعم الجميع. فإن صادفتم من الناس أحداً لا يستفيد منها، فارثوا له، وساعدوه على تحصيلها.
رؤيتان الى التاريخ
عندما أحاول فهي الشيء الذي تسبب بنشوء الفاشية، الشيء الذي أدى الى اجتياحها لنا هي وحكومة فيشي، أقول لنفسي إن الملاكين، بما يتصفون به من أنانية، كانوا يرتعدون خوفاً من الثورة البلشفية. فأسلموا القياد لمخاوفهم. لكن لو انبرت اليوم، كما انبرت آنذاك، أقلية نشطة لكان ذلك كافياً، لأننا سنمتلك الخميرة لكي يختمر العجين. طبعاً، إن تجربة عجوز مثلي، مولود في عام 1917، لتتميز عن تجربة شبان هذه الأيام. وغالباً ما أطلب الى معلمين في مدارس ثانوية أن يتيحوا لي إمكانية التحدث أمام تلاميذهم، أقول لهم: إنكم لا تمتلكون، كما كنا نمتلك، الأسباب الواضحة لكي تلتزموا. أما نحن فكانت المقاومة في نظرنا هي عدم القبول بالاحتلال الألماني، وبالهزيمة. وكان ذلك أمراً بسيطاً نسبياً، بسيطاً مثل ما حدث بعد ذلك من إزالة للاستعمار. ثم حرب الجزائر. إذ كان من البديهي أن تصبح الجزائر مستقلة. وفي ما خص ستالين، فقد صفقنا جميعاً لانتصار الجيش الأحمر على النازيين، في عام 1943، لكن عندما علمنا بالمحاكمات التسالينية الكبرى التي جرت في عام 1935، فإن ضرورة الاعتراض على هذا الشكل الذي لا يُطاق من الشمولية فرضت نفسها كبداهة، على الرغم من أنه كان علينا أن نولي الشيوعية أذناً صاغية لموازنة الرأسمالية الأميركية.
لقد أتاحت لي حياتي الطويلة سلسلة متتالية من أسباب الغضب. لم تكن تلك الأسباب وليدة انفعال بقدر ما كانت ثمرة إرادة التزام. فطالب دار المعلمين الشاب الذي كنته كان متأثراً جداً بسارتر، زميل الدراسة الأكبر. وكان مؤلفا سارتر "الغثيان" و"الجدار"، وليس "الكينونة والعدم"، مهمين للغاية في تكويني الفكري. لقد عوّدنا سارتر أن يقول لنا: "أنتم مسؤولون من حيث انكم أفراد". وكان مغزى ذلك هو الحرية المطلقة. إنها مسؤولية الإنسان الذي لا يمكنه أن يفوّض أمره لا الى سلطة ولا الى إله. بل على العكس، ينبغي له أن يلتزم باسم مسؤوليته ككائن إنساني. عندما دخلت دار المعلمين الكائنة في شارع أوْلم في باريس، عام 1939، دخلتها كمريد متحمس للفيلسوف هيغل، وكنت أحضر الحلقة الدراسية التي يُشرف عليها موريس مرلو بونتي. كان تعليمه يتحرى التجربة المحسوسة، تجربة الجسد وعلاقاته بالحس، كمفرد كبير قبالة جمع الحواس. بيد أن تفاؤلي الطبيعي الذي يريد أن يكون كل مرغوب ممكناً جعلني أميل الى هيغل. إن الفلسفة الهيغيلية تفسر تاريخ الإنسانية الطويل على أنه ذو وجهة: إنها حرية الإنسان متقدماً مرحلة بعد مرحلة. والتاريخ مصنوع من صدمات متتالية، ما يعني أخذ التحديات في الاعتبار. ثم إن تاريخ المجتمعات يتقدم، وفي النهاية، بعد أن يبلغ الإنسان حريته الكاملة، نحصل على الدولة الديموقراطية في شكلها المثالي.
طبعاً، هناك تصور آخر للتاريخ. فأوجه التقدم التي تحققت من طريق الحرية، والمنافسة، والركض وراء "الأكثر دائماً"، يمكن أن تكون معيشة كإعصار مدمر. هكذا يتصورها صديق لوالدي، الرجل الذي تقاسم معه مهمة ترجمة مؤلف مارسل بروست "البحث عن الزمن الضائع" الى اللغة الألمانية. إنه الفيلسوف الألماني فالتر بنيامين. لقد استخلص رسالة تشاؤمية من لوحة الرسام السويسري بول كلي، "ملاك الجديد" (أو "ملاك التقدم") Angelus Novus، حيث يبسط الملاك ذراعيه كما لو أنه يصدّ ويدفع عاصفة يماثلها بالتقدم. يرى بنيامين، الذي انتحر في ايلول/سبتمبر 1940 هرباً من النازية، أن وجهة التاريخ هي السير الوئيد الذي لا يقهر من كارثة الى كارثة.
اللامبالاة: أسوأ المواقف
حقاً إن أسباب الغضب قد تبدو اليوم أقل وضوحاً أو العالم أشد تعقيداً. من يقود؟ من يقرر؟ ليس من السهل دائماً التمييز بين كل التيارات التي تحكمنا. فما عدنا نواجه نخبة نفهم بوضوح تصرفاتها السيئة. إنه عالم فسيح، نشعر جيداً بأنه مترابط يتكل بعضه على بعض. ونحن نعيش في حالة من التواصل لم يسبق لها مثيل. لكن في هذا العالم أشياء لا تُطاق. ولا بد لرؤيتها من إمعان النظر، والبحث. أقول للشبان: ابحثوا قليلاً تجدوا. إن أسوأ المواقف هو اللامبالاة، كأن تقول: "ما باليد حيلة، انني أتدبر أمري". فبتصرفك على هذا النحو انما تفقد أحد المكونات الجوهرية التي تصنع الإنسان. ان أحد المكونات لا بد منها هو ملكة الغضب ونتيجته الالتزام.
يمكن الآن تمييز تحديين كبيرين جديدين:
1 ـ البون الشاسع بين أفقر الفقراء وأغنى الأغنياء الذي لا يكف عن التعاظم. وهذا من مبتكرات القرن الواحد والعشرين. فأفقر الناس في عالم اليوم لا يكاد أحدهم يكسب دولارين يومياً. ولا يمكن ترك هذا البون ويتعمق. إن هذه الواقعة وحدها يجب أن تحدث التزاماً.
2 ـ حقوق الإنسان وحالة الكوكب. أتيحت لي بعد الحرب فرصة المشاركة في تحرير الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تبنته منظمة الأمم المتحدة في العاشر من كانون الأول/ديسمبر 1948 في قصر شايو بباريس. آنذاك كنت رئيس مكتب هنري لوجييه، الأمين العام المساعد للأمم المتحدة، وأمين سر لجنة حقوق الإنسان، وبهذه الصفة اشتركت مع آخرين في كتابة ذلك الإعلان. ولا يسعني نسيان الدور الذي لعبه في إعداد الإعلان رينيه كاسان، المفوض الوطني لشؤون العدالة والتربية في حكومة فرنسا الحرة، عام 1941، والذي نال جائزة نوبل للسلام عام 1968، ولا ما قام به بيار منديس فرانس في نطاق المجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي أحيلت عليه النصوص التي وضعناها، قبل أن تنظر فيها اللجنة الثالثة للجمعية العمومية، المكلفة بالقضايا الاجتماعية والإنسانية والثقافية. في ذلك الحين كانت هذه اللجنة تضم ممثلي الدول الأربع والخمسين الأعضاء في المنظمة الدولية، وكنت أتولى أمانة سرها. ونحن ندين لرينيه كاسان بالفضل في استعمال مصطلح الحقوق "العالمية" وليس "الدولية" كما كان يقترح أصدقاؤنا الأنكلوسكسونيون. إذ كان هذا هو الرهان عند الخروج من الحرب العالمية الثانية: التحرر من التهديدات التي فرضتها الشمولية على الإنسانية. وللتخلص منها لا بد من الحصول على تعهد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة باحترام تلك الحقوق العالمية. وهي طريقة لإبطال حجة السيادة الكاملة التي يمكن لدولة أن تعتد بها بينما تقترف جرائم ضد الإنسانية على أراضيها. وكانت هذه حالة هتلر الذي كان يعتبر نفسه سيداً في بلاده، مباح له إبادة شعب. إن هذا الإعلان يدين بالكثير للنفور العالمي من النازية، والفاشية، والشمولية، وحتى، بفضل حضورنا، لروح المقاومة. وكنت أشعر بوجوب العمل سريعاً، وعدم الانخداع بالنفاق الذي يكتنف إعلان المنتصرين تأييدهم لتلك القيم التي لم يكن الجميع ينتوي إعلاء شأنها بإخلاص، والتي حاولنا فرضها عليهم.
غضبي بخصوص فلسطين
اليوم ينصب غضبي الأكبر على ما يحدث في فلسطين، قطاع غزة والضفة الغربية. هذا النزاع هو منبع غضب في ذاته. ولا بد حتماً من قراءة تقرير ريتشارد غولدستون الصادر في أيلول/سبتمبر 2009 حول غزة. وفيه يوجه هذا القاضي الجنوب افريقي، اليهودي، والذي يزعم أنه صهيوني حتى، الاتهام الى الجيش الإسرائيلي بارتكاب "أعمال مماثلة لجرائم حرب، وقد تكون، في بعض الظروف، شبيهة بجرائم ضد الإنسانية" أثناء عملية "الرصاص المسكوب" التي استمرت ثلاثة أسابيع. لقد عدت شخصياً الى غزة في عام 2009، حيث تمكنت من الدخول مع زوجتي بفضل جوازي سفرنا الديبلوماسيين، لكي نتفحص عياناً ما يقوله التقرير. أما الأشخاص الذين كانوا يرافقوننا فلم يسمح لهم بدخول قطاع غزة. هناك وفي الضفة الغربية، زرنا مخيمات اللاجئين الفلسطينيين التي أقامتها منذ عام 1948 وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، الأونروا، حيث ينتظر أكثر من ثلاثة ملايين فلسطيني طردتهم إسرائيل من أراضيهم عودة الى الديار تزداد الشكوك في حصولها. أما غزة فهي سجن كبير غير مسقوف لمليون ونصف المليون من الفلسطينيين. سجن ينتظم الناس فيه من أجل البقاء على قيد الحياة. وما يتردد في ذاكرتنا ويساورها أكثر من مشاهد التدمير المادي التي عايناها، مثل تدمير مستشفى الهلال الأحمر بـ"الرصاص المسكوب"، هو سلوك الغزاويين، وطنيتهم، وحبهم للبحر والشاطئ، واهتمامهم الدائب براحة أطفالهم، الكثر والمرحين. لقد تأثرنا بأسلوبهم الحاذق في مواجهة أنواع العوز والحرمان المفروضة عليهم.
رأيناهم يصنعون اللبن ويستخدمونه بدلاً من الاسمنت المفقود لإعادة بناء آلاف البيوت التي دمرتها الدبابات. وأكدوا لنا سقوط ألف وأربع مئة قتيل نساء، وأطفال، وشيوخ من ضمنهم في المخيم الفلسطيني في أثناء عملية "الرصاص المسكوب" التي شنها الجيش الإسرائيلي، مقابل خمسين جريحاً فقط في الجانب الإسرائيلي. انني أوافق القاضي الجنوب أفريقي على ما توصل اليه من نتائج. فأن يتمكن يهود من أن يقترفوا بأنفسهم جرائم حرب أمر لا يحتمل. إن التاريخ، ويا للأسف، قلما يقدم أمثلة على شعوب تتعظ من تاريخها الخاص.
أعلم أن حماس التي فازت في الانتخابات التشريعية الأخيرة لم تتمكن من تجنب إطلاق القذائف على المدن الإسرائيلية رداً على حالة الحصار والعزلة المفروضة على الغزاويين. وأعتقد يقيناً أن الإرهاب غير مقبول، لكن يجب الاعتراف بأنكم إذا كنتم محتلين بوسائل عسكرية متفوقة للغاية على أسلحتكم لا يمكن لرد الفعل الشعبي أن ينحصر في اللاعنف.
هل ينفع حركة حماس إطلاق القذائف على مدينة سديروت؟ الجواب لا. هذا لا يخدم قضيتها، لكن يمكن تفسير هذه الحركة بما يعتمل في صدور الغزاويين من سخط. وفي مفهوم السخط، يجب فهم العنف على أنه محصلة مؤسفة لأوضاع غير مقبولة بالنسبة الى من يعانون منها. والحال يمكن أن يقال إن الإرهاب نوع من السخط. وإن هذا السخط تعبير سلبي. لا ينبغي أن نسخط (أو نفقد الأمل)، ينبغي أن نأمل. إن السخط إنكار للأمل. وهو مفهوم، وأكاد أقول إنه طبيعي، غير أنه ليس مقبولاً. لأنه لا يسمح بالحصول على نتائج يمكن على سبيل الاحتمال أن تصنع الأمل.
اللاعنف
أنا على يقين بأن المستقبل ينتمي الى اللاعنف، والى المصالحة بين الثقافات المختلفة. من هذا الطريق سيكون على الإنسانية أن تجتاز مرحلتها المقبلة. وفي هذه النقطة ألتقي مع سارتر، فلا يمكن إعذار الإرهابيين الذين يرمون بالقنابل، ولكن يمكن فهمهم. كتب سارتر في عام 1947: "أعترف بأن العنف تحت أي شكل كان إنما هو فشل. غير أنه فشل لا مفر منه لأننا نعيش في عالم من العنف. وإن كان حقاً أن اللجوء الى العنف يبقى هو العنف الذي يخاطر بإدامته، فالحق أيضاً أن هذا هو الوسيلة الوحيدة لإنهائه". لا يسعنا أن ندعم الإرهابيين كما فعل سارتر باسم هذا المبدأ إبان حرب الجزائر، أو عند وقوع الاعتداء على رياضيين إسرائيليين أثناء دورة الألعاب الرياضية في ميونيخ عام 1972. هذا العنف غير فعال حتى أن سارتر نفسه خلص في أواخر أيامه الى التساؤل عن معنى الإرهاب والشك في مبرر وجوده. ثم ان القول بأن "العنف غير فعال" أهم من معرفة ما إذا كان يجدر بنا أن ندين أولئك الذين يستسلمون له أم لا. إن الإرهاب غير فعال. وفي مفهوم الفعالية لا بد من أمل غير عنيف. فإن كان ثمة أمل عنيف فهو في شعر غيوم أبولينير: "كم هو عنيف الأمل!"؛ لا في السياسة. لقد أعلن سارتر في آذار/مارس 1980، قبل ثلاثة أسابيع من وفاته: "يجب أن نفسر لماذا كان عالم اليوم، وهو عالم رهيب، مجرد لحظة لا غير في التطور التاريخي الطويل، ولماذا كان الأمل على الدوام هو إحدى القوى المهيمنة على الثورات والعصيانات، ولماذا ما زلت أشعر بالأمل على أنه تصوري للمستقبل".
يجب أن ندرك أن العنف يولي ظهره للأمل. ولا بد من تفضيل الأمل عليه، أمل اللاعنف. هذا هو السبيل الذي ينبغي علينا أن نتعلم اتباعه. وسواء أكان ذلك من جانب المضطهدين أم المضطهدين، لا بد من ولوج باب التفاوض لإزلة الاضطهاد، إن هذا المسعى هو الذي سوف يقطع دابر العنف والإرهاب. ولهذا يجب عدم السماح بتراكم كثير من الحقد.
إن رسالة رجل مثل مانديلا، ومارتن لوثر كينغ، تجد مصداقها في عالم تجاوز صدام الأيديولوجيات والشمولية الزاحفة. إنها رسالة أمل في مقدرة المجتمعات الحديثة على تجاوز النزاعات من خلال التفهم المتبادل والتأني الفطن. ولبلوغ هذه الغاية يجب الاستناد الى الحقوق التي من شأن انتهاكها، أياً يكن الفاعل، أن يثير غضبنا. لا مجال للتساهل في هذه الحقوق.
من أجل عصيان مدني
لقد سجلت ولست الوحيد رد فعل الحكومة الإسرائيلية وقد جوبهت بصنيع مواطني بلعين كل يوم جمعة عندما يأتون، من دون رمي بالحجارة، أو استعمال القوة، الى الجدار الفاصل حيث يحتجون على بنائه. لقد وصفت السلطات الإسرائيلية هذه المسيرة بأنها "إرهاب غير عنيف". لا بأس. يجب أن تكون إسرائيلياً حتى يمكنك أن تصف اللاعنف بأنه إرهابي. ولا بد بوجه خاص من أن تكون مرتبكاً إزاء فعالية اللاعنف الذي يتوسل استثارة التأييد، والتفهم، ومساندة كل من في العالم من مناهضين للاضطهاد.
إن الفكر الانتاجوي، الذي يحمله الغرب، قد أدخل العالم في أزمة يستلزم الخروج منها إحداث قطيعة جذرية مع الهرب الى الأمام المتمثل بـ"الأكثر دائماً" في المجال المالي كما في مجال العلوم والتقنيات. لقد آن الأوان لكي تصبح كفة الهم الأخلاقي، والعدالة، والتوازن المستدام، هي الراجحة. لأن المخاطر الجسيمة تتهددنا. ويمكنها أن تضع حداً للمغامرة الإنسانية على كوكب بإمكانها أن تجعله غير صالح لسُكنى البشر.
لكن يبقى صحيحاً أيضاً أن تقدماً مهماً قد تحقق في ميادين عدة منذ عام 1948: إزالة الاستعمار، نهاية نظام الفصل العنصري، تدمير الامبراطورية السوفياتية، سقوط جدار برلين. في المقابل كانت السنوات العشر الأولى من القرن الواحد والعشرين مرحلة تراجع. هذا التراجع أفسره جزئياً بالمدة التي ترأس فيها جورج بوش الولايات المتحدة الأميركية، والحادي عشر من أيلول/سبتمر 2001، والنتائج الكارثية التي استخلصتها الولايات المتحدة، مثل التدخل العسكري في العراق. لقد حلت بنا تلك الأزمة الاقتصادية غير أننا لم نتعلم منها مباشرة سياسة إنمائية جديدة. كذلك لم تتح قمة كوبنهاغن بشأن الاحتباس الحراري انتهاج سياسة حقيقية للحفاظ على الكوكب. إننا نقف على عتبة، بين أهوال العقد الأول من هذا القرن واحتمالات العقود التالية. لكن يجدر بنا أن نأمل، يجب أن نأمل دائماً. كان العقد السابق، عقد التسعينات، مصدر تقدم متعدد المجالات. لقد أمكن للأمم المتحدة أن تدعو الى مؤتمرات مثل مؤتمر ريو حول البيئة في عام 1992، ومؤتمر بكين حول النساء في عام 1995، وفي أيلول/سبتمبر 2000، بناء على مبادرة الأمين العام للأمم المتحدة، كوفي عنان، أقرت الدول الـ191 الأعضاء الإعلان حول "أهداف الألفية الثمانية من أجل التنمية"، الذي تعهدت فيه على وجه الدقة أن تخفض الى النصف حجم الفقر في العالم من الآن الى عام 2015.
وإني ليؤسفني أشد الأسف ألا يكشف كل من أوباما والاتحاد الأوروبي حتى الآن عن مقدار مساهمتهما المفترضة للانتقال الى مرحلة بناءة، استناداً الى القيم الأساسية.
كيف أختم هذه الدعوة الى الغضب؟ سأختتمها مستعيداً ما قلناه، نحن قدامى حركات المقاومة والقوات المحاربة لفرنسا الحرة (1940 1945)، في الثامن من آذار/مارس 2004، في مناسبة الذكرى الستين لبرنامج المجلس الوطني للمقاومة، من أن "النازية قد هُزمت، بفضل تضحية اخوتنا وأخواتنا في المقاومة وفي الأمم المتحدة ضد الهمجية الفاشية. غير أن هذا التهديد لم يختف كلياً، وإن غضبنا ضد الظلم ما زال متقداً لم يفتر".
لا، هذا التهديد لم يختف كلياً. لذلك ما زلنا ندعو الى "عصيان سلمي حقيقي ضد وسائل الاتصال الجماهيرية التي لا تقترح لشبيبتنا من أفق سوى الاستهلاك الجمعي، واحتقار من هم أضعف، وازدراء الثقافة، وفقدان الذاكرة المعمم، والمنافسة القاسية يخوضها الجميع ضد الجميع".
الى الذين واللواتي سوف يصنعون القرن الواحد والعشرين، نقول مع محبتنا:
"الخلق، هوالمقاومة.
المقاومة، هي الخلق".
توجهات الحوار وقواعده
1- يسهم الحوار، من حيث هو ثقافة ونهج تعامل، في اغناء اللبنانيين بالتنوع الذي يتميّز به بلدهم وفي الحيلولة دون تسبّبه بالفرقة. كما يسهم في درء مخاطر القطيعة بينهم أو ميل بعضهم إلى الاستغناء والإنطواء.
2- وتزداد الحاجة إلى الحوار بازدياد احتمالات الإنزلاق من توكيد الذات ومعه التشديد على الحق في المغايرة، إلى النفور أو العداء، لا سيما في الحالات التي يؤدي فيها الخلاف السياسي القوي إلى انقسام طائفي ومذهبي حاد.
3- والحوار سبيل للوصل بين اللبنانيين ولتدارك الفصل الذي ينذر به شكهم أو خوفهم أو خصامهم. وهو أداة اقدار من أجل بناء الجسور أو اعادة بنائها، وفض النزاعات أو الحؤول دون انفجارها.
4- والحوار سعي إلى التفهم المتبادل، وتوسيع المساحات المشتركة، وصياغة التوافقات والبناء عليها، ووضع الاختلافات في نصابها، والعمل على حلّ المشكلات الناتجة عنها. ولذلك فهو مدعو إلى محاذرة المناظرات والمماحكات العقيمة.
5- والحوار عملية تراكمية غالباً ما تستند فاعليتها إلى استدامتها. فالحوار ضروري حتى في الأزمنة والأمكنة حيث لا تبدو الحاجة إليه ملحة. ولعلّ في هذه الحالة شرط لكي يفعل فعله حين تشتد الأزمات وتزداد أهمية التلاقي. فالحوار في أزمنة الإنفراج يجعل الحوار في أزمنة الضيق مؤثراً.
6- وينسج الحوار علاقات احترام وثقة بين المتحاورين وينشئ صداقات. ومن شأن حسن المعاشرة، وهي من خصائص العملية الحوارية، أن تكون حافزاً لحسن المبادرة، وبوجه أخص في عمل الوساطة والسعي من أجل المصالحة.
7- ويترتب على المتحاورين التخلق بأخلاق الحوار، ومعظمها بديهية، ومنها:
- اعطاء الوقت الكافي للإصغاء إلى الآخر والفرصة لتبيان موقفه بكل وضوح.
- ارتضاء البحث عن الحقيقة في وجهة نظر الآخر.
- عدم اختصار مواقف الآخرين على نحو لا يتعرفون فيه إلى أنفسهم.
- الاحجام عن مقارنة المثال عندنا بالواقع عند سوانا بل مقارنة الواقع بالواقع ومقابلة المثال مع المثال.
- التزام آداب التخاطب المعروفة، كالبعد عن المهاترة والبذائة والتجريح والتهكم المسيء إلى الكرامات الشخصية والجمعية.
- تجنب اطلاق الأحكام القيمية على الأشخاص وتعليق الحكم القيمي على الآراء أثناء القسط الأكبر من المناقشات.
- تحاشي اللجوء إلى الملاطفة والمسايرة والمجاملة على حساب الصدق والوضوح.
8- يسعى الحوار إلى ردم الهوة، أو تجسيرها، بين ما يقال في الجلسات المغلقة وما يصرَّح به في العلن. وتتعزز صدقيته بأحجام المشاركين فيه عن أي قول بغياب الآخرين لا يقولونه بحضورهم.
9- لا يبحث الحوار عن الإتفاق بأي ثمن. ولا يفتعله من خلال تكرار المشتركات البديهية وتوسل العموميات وأفكار "الحد الأدنى" التي لا تقدم ولا تؤخر. بل يترتب على المشاركين أن يعلنوا فشلهم في الإتفاق إذا ما حصل، وعلى نحو لا لبس فيه، دون التهديد بإيقافه أو الإنسحاب منه. أكثر من ذلك إن كل فشل من هذا النوع مناسبة لتجديد الإلتزام بالمثابرة في الحوار.
10- ولا يعني فشل الحوار في الوصول إلى اتفاق أن تبقى الإختلافات على حالها. فهو لا يضخّمها أو يهول بها، بل يفسرها ويعيد صياغة مسائلها على نحو يفتح المسالك أمام حوارات لاحقة.
11- يضم الحوار أشخاصاً من مشارب مختلفة وهم متساوون. فلا يعطي النطق بإسم جماعة أو فئة والدفاع عن مصالحها وسياساتها امتيازاً لأي من المشاركين. وتنبع قيمة الآراء من نوعية المشاركة في الحوار لا من قوة نفوذ أي من المشاركين أو سعة تأثيره، الفعلية أو المفترضة.
12- لا يفترض الحوار أن المشاركين فيه كتل متجانسة وثابتة، بل يسعى إلى اظهار التنوع داخل الكتل المفترضة. فلا يتحول إلى أخذ ورد بين مجموعات متقابلة أو متعارضة، بل من شأنه أن يؤدي إلى الوان من التقارب العابرة للمجموعات التي تشكلها الخيارات المسبقة.
13- يسعى الحوار إلى التحرر من علاقات القوى، السياسية والفكرية الخارجة عنه، فلا يكون تفاوضاً بين من يحسبون أنفسهم، أو يحسبون، أطرافاً أقوياء بحجة سعة تمثيلهم أو نتيجة لتمسكهم بمواقفهم.
14- ويشترط نجاح الحوار ضمان مشاركة الجميع فيه دون استثناء ويستدعي اشراك من يميلون إلى مشاركة محدودة أو الذين تحرجهم مواقف سواهم.
اللقاء اللبناني للحوار
2- وتزداد الحاجة إلى الحوار بازدياد احتمالات الإنزلاق من توكيد الذات ومعه التشديد على الحق في المغايرة، إلى النفور أو العداء، لا سيما في الحالات التي يؤدي فيها الخلاف السياسي القوي إلى انقسام طائفي ومذهبي حاد.
3- والحوار سبيل للوصل بين اللبنانيين ولتدارك الفصل الذي ينذر به شكهم أو خوفهم أو خصامهم. وهو أداة اقدار من أجل بناء الجسور أو اعادة بنائها، وفض النزاعات أو الحؤول دون انفجارها.
4- والحوار سعي إلى التفهم المتبادل، وتوسيع المساحات المشتركة، وصياغة التوافقات والبناء عليها، ووضع الاختلافات في نصابها، والعمل على حلّ المشكلات الناتجة عنها. ولذلك فهو مدعو إلى محاذرة المناظرات والمماحكات العقيمة.
5- والحوار عملية تراكمية غالباً ما تستند فاعليتها إلى استدامتها. فالحوار ضروري حتى في الأزمنة والأمكنة حيث لا تبدو الحاجة إليه ملحة. ولعلّ في هذه الحالة شرط لكي يفعل فعله حين تشتد الأزمات وتزداد أهمية التلاقي. فالحوار في أزمنة الإنفراج يجعل الحوار في أزمنة الضيق مؤثراً.
6- وينسج الحوار علاقات احترام وثقة بين المتحاورين وينشئ صداقات. ومن شأن حسن المعاشرة، وهي من خصائص العملية الحوارية، أن تكون حافزاً لحسن المبادرة، وبوجه أخص في عمل الوساطة والسعي من أجل المصالحة.
7- ويترتب على المتحاورين التخلق بأخلاق الحوار، ومعظمها بديهية، ومنها:
- اعطاء الوقت الكافي للإصغاء إلى الآخر والفرصة لتبيان موقفه بكل وضوح.
- ارتضاء البحث عن الحقيقة في وجهة نظر الآخر.
- عدم اختصار مواقف الآخرين على نحو لا يتعرفون فيه إلى أنفسهم.
- الاحجام عن مقارنة المثال عندنا بالواقع عند سوانا بل مقارنة الواقع بالواقع ومقابلة المثال مع المثال.
- التزام آداب التخاطب المعروفة، كالبعد عن المهاترة والبذائة والتجريح والتهكم المسيء إلى الكرامات الشخصية والجمعية.
- تجنب اطلاق الأحكام القيمية على الأشخاص وتعليق الحكم القيمي على الآراء أثناء القسط الأكبر من المناقشات.
- تحاشي اللجوء إلى الملاطفة والمسايرة والمجاملة على حساب الصدق والوضوح.
8- يسعى الحوار إلى ردم الهوة، أو تجسيرها، بين ما يقال في الجلسات المغلقة وما يصرَّح به في العلن. وتتعزز صدقيته بأحجام المشاركين فيه عن أي قول بغياب الآخرين لا يقولونه بحضورهم.
9- لا يبحث الحوار عن الإتفاق بأي ثمن. ولا يفتعله من خلال تكرار المشتركات البديهية وتوسل العموميات وأفكار "الحد الأدنى" التي لا تقدم ولا تؤخر. بل يترتب على المشاركين أن يعلنوا فشلهم في الإتفاق إذا ما حصل، وعلى نحو لا لبس فيه، دون التهديد بإيقافه أو الإنسحاب منه. أكثر من ذلك إن كل فشل من هذا النوع مناسبة لتجديد الإلتزام بالمثابرة في الحوار.
10- ولا يعني فشل الحوار في الوصول إلى اتفاق أن تبقى الإختلافات على حالها. فهو لا يضخّمها أو يهول بها، بل يفسرها ويعيد صياغة مسائلها على نحو يفتح المسالك أمام حوارات لاحقة.
11- يضم الحوار أشخاصاً من مشارب مختلفة وهم متساوون. فلا يعطي النطق بإسم جماعة أو فئة والدفاع عن مصالحها وسياساتها امتيازاً لأي من المشاركين. وتنبع قيمة الآراء من نوعية المشاركة في الحوار لا من قوة نفوذ أي من المشاركين أو سعة تأثيره، الفعلية أو المفترضة.
12- لا يفترض الحوار أن المشاركين فيه كتل متجانسة وثابتة، بل يسعى إلى اظهار التنوع داخل الكتل المفترضة. فلا يتحول إلى أخذ ورد بين مجموعات متقابلة أو متعارضة، بل من شأنه أن يؤدي إلى الوان من التقارب العابرة للمجموعات التي تشكلها الخيارات المسبقة.
13- يسعى الحوار إلى التحرر من علاقات القوى، السياسية والفكرية الخارجة عنه، فلا يكون تفاوضاً بين من يحسبون أنفسهم، أو يحسبون، أطرافاً أقوياء بحجة سعة تمثيلهم أو نتيجة لتمسكهم بمواقفهم.
14- ويشترط نجاح الحوار ضمان مشاركة الجميع فيه دون استثناء ويستدعي اشراك من يميلون إلى مشاركة محدودة أو الذين تحرجهم مواقف سواهم.
اللقاء اللبناني للحوار
في تجديد الصيغة اللبنانية
إن طموحنا اليوم هو أن نجدد صيغة التسوية الميثاقية الدستورية الإستقلالية التي قام عليها لبنان العربي الإنتماء، وطناً نهائياً لجميع أبنائه، وجمهورية ديموقراطية برلمانية..إن هذا يفرض علينا إعادة تأكيد ثوابت الإستقلال :
1= ان التنوع والتعدد سنة طبيعية في الإجتماع اللبناني ينتج عن الإنتماءات الدينية والمذهبية المتعددة والتكوينات الإجتماعية المختلفة..وهذا الأمر قد يكون غنى وثروة ونعمة إن وُجدت ثقافة وعقلية التسامح والإنفتاح وحق الإختلاف والديموقراطية وحرية الرأي والتعبير..وهو نقمة إن ضاقت مساحة التسامح والإنفتاح وحق الإختلاف والحريات الأساسية..
2= إن تاريخ الإجتماع اللبناني لا تختزله حالات الإنقطاع والإنفصال والنزاع بين المجموعات التي سكنته وساهمت في تأسيس كيانه السياسي وصيغة دولته..فالأهم والأبقى هو حالات الوصل والتواصل والإنفتاح والتفاعل والعيش الواحد بين جماعاته ما سهل عملية بناء التوافقات والتسويات وسعي اللبنانيين الدائم إلى إستئناف عيشهم الواحد بعد كل إختلال..
3= إن لبنان وطن نهائي أي أنه ليس كيان صدفة أو اصطناع محض..كما أنه ليس كياناً أزلياً سرمدياً واجب الوجود لذاته، إنما هو معنى ودور يرتبطان بإرادة أبنائه وبقدرتهم على النهوض بمسوؤلياتهم..إنه أكثر من كيان سياسي قانوني وليس أقل من كيان وطني بمقاييس الدول والأوطان القائمة..وهنا ينبغي حسم تلك الذبذبة بين الوطنية والقومية، ما بين وجود لبنان وإنتماء كيانه إلى الأمة العربية إنتماءً حضارياً أساسه اللغة والثقافة والتاريخ والمصالح المشتركة.
4= إن الإستقلال والسيادة في لبنان متلازمان تلازماً كاملاً مع السلم الأهلي والوحدة الوطنية...ولا يختلف إثنان على أن الإستقواء بالخارج كان مشروع غلبة في الداخل ، كما أن الغلبة في الداخل كانت وما زالت تستجر حتماً التدخل الخارجي..فالعلاقة بين المؤثرات الداخلية والخارجية التي تمنع قيام كيان وطني ومؤسسات وطنية، هي علاقة تفاعل وإرتباط متبادل عنوانها العام دور العصبيات العشائرية-الطائفية كقوى نابذة على صعيد الوطن وكقوى مفككة على صعيد المؤسسات الوطنيات... كما أن الوحدة الوطنية لا تحصل بالغلبة من قبل فئة على فئة وإنما تأتي من خلال البحث الدائم عن تسوية مبنية على التوازن وعلى ما أمكن من العدالة..
5= أثبتت الأيام والأحداث التي عشناها إن أي خلل أو إختلال في الوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين يستتبع خللاً وإختلالاً داخل كل طائفة ومذهب، ثم يتوغل داخل الطائفة الواحدة والمذهب الواحد باتجاه تفتت لا ينتهي ولا تُحمد عقباه..إن حماية أي طائفة أو مذهب تبدأ من حماية الوحدة الوطنية وليس من نقضها أو إضعافها..
6= لا يوجد مناص من أن يتفق اللبنانيون على إقامة وطن وبناء دولة يجسدها إتفاقهم هذا وتحافظ عليه..وهذا يستلزم إقامة المساواة التامة بين المواطنين تحت سقف القانون من دون غلبة أو إستقواء بالعدد أو بالخارج..إن قيمة أي فئة إسلامية أو مسيحية هي في ذاتها وليس في عددها أو في من يدعمها..وصيغة الوطن اللبناني هي صيغة نوعية لا كمية وبالتالي فإن معنى لبنان يأتي من إنسجام تنوعه ضمن الوحدة، ووحدته في التنوع والتعدد، ومن دون ذلك لا يكون لبنان إذ يفقد معناه..
7= إن العنف مهما تنوعت أسبابه وحججه ليس سبيلاً لحل الخلافات القائمة في المجتمع اللبناني…فالعنف على المستوى المبدئي لا يمكن القبول به..وعلى المستوى المجتمعي السياسي الخاص بلبنان هو إنتحار جماعي..إذ هو مناقض لطبيعة الإجتماع اللبناني القائم على التسوية والحوار والعيش المشترك..
اللقاء اللبناني للحوار
1= ان التنوع والتعدد سنة طبيعية في الإجتماع اللبناني ينتج عن الإنتماءات الدينية والمذهبية المتعددة والتكوينات الإجتماعية المختلفة..وهذا الأمر قد يكون غنى وثروة ونعمة إن وُجدت ثقافة وعقلية التسامح والإنفتاح وحق الإختلاف والديموقراطية وحرية الرأي والتعبير..وهو نقمة إن ضاقت مساحة التسامح والإنفتاح وحق الإختلاف والحريات الأساسية..
2= إن تاريخ الإجتماع اللبناني لا تختزله حالات الإنقطاع والإنفصال والنزاع بين المجموعات التي سكنته وساهمت في تأسيس كيانه السياسي وصيغة دولته..فالأهم والأبقى هو حالات الوصل والتواصل والإنفتاح والتفاعل والعيش الواحد بين جماعاته ما سهل عملية بناء التوافقات والتسويات وسعي اللبنانيين الدائم إلى إستئناف عيشهم الواحد بعد كل إختلال..
3= إن لبنان وطن نهائي أي أنه ليس كيان صدفة أو اصطناع محض..كما أنه ليس كياناً أزلياً سرمدياً واجب الوجود لذاته، إنما هو معنى ودور يرتبطان بإرادة أبنائه وبقدرتهم على النهوض بمسوؤلياتهم..إنه أكثر من كيان سياسي قانوني وليس أقل من كيان وطني بمقاييس الدول والأوطان القائمة..وهنا ينبغي حسم تلك الذبذبة بين الوطنية والقومية، ما بين وجود لبنان وإنتماء كيانه إلى الأمة العربية إنتماءً حضارياً أساسه اللغة والثقافة والتاريخ والمصالح المشتركة.
4= إن الإستقلال والسيادة في لبنان متلازمان تلازماً كاملاً مع السلم الأهلي والوحدة الوطنية...ولا يختلف إثنان على أن الإستقواء بالخارج كان مشروع غلبة في الداخل ، كما أن الغلبة في الداخل كانت وما زالت تستجر حتماً التدخل الخارجي..فالعلاقة بين المؤثرات الداخلية والخارجية التي تمنع قيام كيان وطني ومؤسسات وطنية، هي علاقة تفاعل وإرتباط متبادل عنوانها العام دور العصبيات العشائرية-الطائفية كقوى نابذة على صعيد الوطن وكقوى مفككة على صعيد المؤسسات الوطنيات... كما أن الوحدة الوطنية لا تحصل بالغلبة من قبل فئة على فئة وإنما تأتي من خلال البحث الدائم عن تسوية مبنية على التوازن وعلى ما أمكن من العدالة..
5= أثبتت الأيام والأحداث التي عشناها إن أي خلل أو إختلال في الوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين يستتبع خللاً وإختلالاً داخل كل طائفة ومذهب، ثم يتوغل داخل الطائفة الواحدة والمذهب الواحد باتجاه تفتت لا ينتهي ولا تُحمد عقباه..إن حماية أي طائفة أو مذهب تبدأ من حماية الوحدة الوطنية وليس من نقضها أو إضعافها..
6= لا يوجد مناص من أن يتفق اللبنانيون على إقامة وطن وبناء دولة يجسدها إتفاقهم هذا وتحافظ عليه..وهذا يستلزم إقامة المساواة التامة بين المواطنين تحت سقف القانون من دون غلبة أو إستقواء بالعدد أو بالخارج..إن قيمة أي فئة إسلامية أو مسيحية هي في ذاتها وليس في عددها أو في من يدعمها..وصيغة الوطن اللبناني هي صيغة نوعية لا كمية وبالتالي فإن معنى لبنان يأتي من إنسجام تنوعه ضمن الوحدة، ووحدته في التنوع والتعدد، ومن دون ذلك لا يكون لبنان إذ يفقد معناه..
7= إن العنف مهما تنوعت أسبابه وحججه ليس سبيلاً لحل الخلافات القائمة في المجتمع اللبناني…فالعنف على المستوى المبدئي لا يمكن القبول به..وعلى المستوى المجتمعي السياسي الخاص بلبنان هو إنتحار جماعي..إذ هو مناقض لطبيعة الإجتماع اللبناني القائم على التسوية والحوار والعيش المشترك..
اللقاء اللبناني للحوار
الوثيقة السياسية الخاصة باللقاء اللبناني للحوار
يرى أعضاء اللقاء اللبناني للحوار أن الحالة اللبنانية في هذه المرحلة أكدت الحاجة الماسة إلى وجود إطار مشترك للتلاقي والحوار والمبادرة بشأن المسائل الأساسية المتعلقة بمصيرنا الوطني.
هذا الإطار المشترك – اللقاء اللبناني للحوار - ليس من شأنه أن يكون حزباً جديداً أو تجمعاً سياسياً، وإنما هو مكان للحوار والتفاعل، متصل بمختلف الإتجاهات الفكرية والسياسية والإجتماعية ومستقل عن كل منها في الوقت نفسه. وهو ينظر بكثير من العناية والإهتمام إلى أن يكون إطاراً مشتركاً لناشطين ومهتمين بالشأن العام، يأخذ في الآن نفسه بعين الإعتبار مختلف الإتجاهات الفكرية والسياسية ومختلف الحساسيات الوطنية. كذلك يهتم هذا الإطار المشترك بالتواصل مع الإنتشار اللبناني في العالم، وبالتواصل مع القوى والمؤسسات الأهلية العربية والأجنبية المؤيدة لقيام نظام دولي أكثر عدالة وتوازناً وقيام نظام عربي أكثر ديموقراطية وتحرراً.
إن اللقاء الذي نعيد إطلاقه اليوم يأتي في سياق محطات أساسية يجمع بينها، وفي العمق، خط إستعادة المناعة الداخلية والوفاق، من خلال التفاعل والحوار.ويعود الإحساس بأهمية هذا اللقاء وضرورته إلى الميول الظاهرة اليوم لتضخيم الفروقات، وتراجع مجالات التلاقي بين اللبنانيين وبخاصة لدى الشباب وعلى مستوى الحياة العامة في مختلف مجالاتها.
ومن هنا فإن اللقاء سيعمل على البحث في أشكال مقاومة التطييف وآلياته، رصداً لمواقع التوترات حيث يجري توسل المشاعر الطائفية والمذهبية، ودرءاً لمخاطر إنقلاب الإختلافات السياسية إلى إنقسامات دينية أو طائفية، وإستباقاً للتوترات إذا أمكن منعاً لتفاقم النزاعات نحو توسل العنف.
إن من ميزات اللقاء اللبناني للحوار أنه يستطيع مقاربة الخلافات بطريقة مختلفة..وأحد أهداف اللقاء محاولة ضبط التوترات ومنع تحولها إلى عنف، وإيجاد آليات حوار وتواصل بين الناس في لحظات التأزم ، وذلك من أجل الحفاظ على السلم الأهلي.
إن على اللقاء أن يعمل بوضوح على آليات الوساطة والحوار بين أطراف الصراع في وقت الأزمات، وعلى آليات إستباق الصدمات وضبط التوترات ومعالجة النزاعات قبل وقوعها...
كما أن المهمة الثانية للقاء هي الحوار حول تطوير الصيغة السياسية للنظام اللبناني.
في إهتمامات اللقاء:
1. الإستقلال اللبناني والسيادة الوطنية والقرار الحر.
2. التضامن العربي والعلاقات الطبيعية المعافاة مع سوريا.
3. بناء دولة القانون بإعتبارها شرطاً أساسياً لضمان سلامة المجتمع وتأمين نموه وتطوره، وذلك بإعتماد نظرة واقعية تؤمن حقوق الأفراد وتراعي الضمانات المشروعة للجماعات الطائفية.
4. طي صفحة الحرب، سياسياً وثقافياً ونفسياً، من خلال تنقية الذاكرة وإستخلاص الدروس وتحقيق السلم الأهلي الحقيقي وتعزيز الوحدة الوطنية والوفاق.
5. إعادة الاعتبار إلى نظام القيم في الحياة السياسية والثقافية والإجتماعية بعدما أصيب هذا النظام إصابات مباشرة أثناء الحرب ومن خلال تجربة الدولة بعد إتفاق الطائف.
6. نشر وتعميم وتوسيع ثقافة الدولة الديمقراطية ودعمها.
7. تجديد دور لبنان في محيطه العربي في سبيل مصالحة العالم العربي مع الذات ومع العصر والمشاركة في تحقيق الديموقراطية والحرية والكرامة للشعوب العربية.
ويمكن تلخيص قناعات المشاركين في اللقاء بالنقاط التالية:
لبنان الموحد، في صيغة عيشه، هو حاجة مصيرية لكل اللبنانيين على إختلاف طوائفهم وإنتماءاتهم، ولا بديل كريماً منه لأي جماعة أو طائفة.
لبنان المعافى هو حاجة عربية بإعتباره مهيئاً للمساهمة في مصالحة المنطقة العربية مع ذاتها ومع العصر. فإستعادة معنى لبنان ومعنى تجربته التاريخية لا توفر ضماناً لمستقبل اللبنانيين فحسب، بل تشكل خدمة لمحيطهم العربي وتساعد على تجاوز هذه المرحلة الخطرة المسكونة بأشباح الحروب الأهلية.
لبنان هو حاجة إنسانية عامة في هذه المرحلة، وتجربته تكتسب اليوم أهمية مضاعفة. فالصراعات التي تشهدها اليوم دول عدة في العالم ناجمة عن عجز في إبتكار صيغ جديدة لتنظيم شؤون المجتمعات المتعددة دينياً أو إثنياً أو ثقافياً. إن تجديد الصيغة اللبنانية بوجهها المشرق يحيي نموذجاً أكثر ملاءمة لواقع التنوع والتعدد الذي يسود عالمنا والذي يحتاج إلى قدرة مميزة على إدارة الإختلاف ولجم مصادر العنف.
لبنان يمثل حاجة مستمرة لتفاعل خلاّق بين المسيحية والإسلام يمنح أبناءهما فرصة الإغتناء الروحي المتبادل من خلال العيش المشترك المؤسس على الحرية والمساواة في المواطنية، والقائم على التنوّع في إطار وحدة تحترم الإختلاف والتغاير، وتفهُّم منابعهما في التاريخ والدين والإجتماع. هذا بالإضافة إلى ما يمكن أن يقدمه التفاعل الإسلامي-المسيحي، هنا وفي العالم، من مساهمة قوية ومطلوبة في لجم الإتجاهات المتطرفة التي أخذت تدفع العالم نحو صدامات ذات طابع ثقافي-ديني.
اللبنانيون ينتظرون الدولة القوية والعادلة في حين أن الدولة القوية بذاتها (in se) هي بطبيعتها دولة قمعية سلطوية.
تنبع قوة الدولة الديمقراطية من شرعتيها أي من قبول الناس بها ودعمهم لها وليس اذعانهم.
الدولة في لبنان موجودة من خلال الدستور والقواعد الناظمة للحياة المشتركة والاصول الحقوقية في الممارسة السياسية. يتحمل مسؤولية عدم فاعلية الدولة في لبنان قوى سياسية موالية ومعارضة وذهنية سائدة مناقضة للالتزام المواطني ولمفهوم الشأن العام والمؤسسات.
تصبح الدولة في لبنان قادرة وعادلة حين تتوسع دائرة دعمها كمرجعية مؤسسية خاضعة لاصول دستورية وقانونية.
لم يعد مجديًا نقد الدولة في لبنان (وهي غير مفهوم السلطة) وانتظار بنائها تبريرًا لمختلف اشكال التسلح والاحتكام الى السلاح والامن الذاتي والتعددي على المرافق العامة وخرق مبادئ بديهية وعالمية في ممارسة المؤسسات وظائفها في المجلس النيابي والسلطة الاجرائية والقضاء.
هذا الإطار المشترك – اللقاء اللبناني للحوار - ليس من شأنه أن يكون حزباً جديداً أو تجمعاً سياسياً، وإنما هو مكان للحوار والتفاعل، متصل بمختلف الإتجاهات الفكرية والسياسية والإجتماعية ومستقل عن كل منها في الوقت نفسه. وهو ينظر بكثير من العناية والإهتمام إلى أن يكون إطاراً مشتركاً لناشطين ومهتمين بالشأن العام، يأخذ في الآن نفسه بعين الإعتبار مختلف الإتجاهات الفكرية والسياسية ومختلف الحساسيات الوطنية. كذلك يهتم هذا الإطار المشترك بالتواصل مع الإنتشار اللبناني في العالم، وبالتواصل مع القوى والمؤسسات الأهلية العربية والأجنبية المؤيدة لقيام نظام دولي أكثر عدالة وتوازناً وقيام نظام عربي أكثر ديموقراطية وتحرراً.
إن اللقاء الذي نعيد إطلاقه اليوم يأتي في سياق محطات أساسية يجمع بينها، وفي العمق، خط إستعادة المناعة الداخلية والوفاق، من خلال التفاعل والحوار.ويعود الإحساس بأهمية هذا اللقاء وضرورته إلى الميول الظاهرة اليوم لتضخيم الفروقات، وتراجع مجالات التلاقي بين اللبنانيين وبخاصة لدى الشباب وعلى مستوى الحياة العامة في مختلف مجالاتها.
ومن هنا فإن اللقاء سيعمل على البحث في أشكال مقاومة التطييف وآلياته، رصداً لمواقع التوترات حيث يجري توسل المشاعر الطائفية والمذهبية، ودرءاً لمخاطر إنقلاب الإختلافات السياسية إلى إنقسامات دينية أو طائفية، وإستباقاً للتوترات إذا أمكن منعاً لتفاقم النزاعات نحو توسل العنف.
إن من ميزات اللقاء اللبناني للحوار أنه يستطيع مقاربة الخلافات بطريقة مختلفة..وأحد أهداف اللقاء محاولة ضبط التوترات ومنع تحولها إلى عنف، وإيجاد آليات حوار وتواصل بين الناس في لحظات التأزم ، وذلك من أجل الحفاظ على السلم الأهلي.
إن على اللقاء أن يعمل بوضوح على آليات الوساطة والحوار بين أطراف الصراع في وقت الأزمات، وعلى آليات إستباق الصدمات وضبط التوترات ومعالجة النزاعات قبل وقوعها...
كما أن المهمة الثانية للقاء هي الحوار حول تطوير الصيغة السياسية للنظام اللبناني.
في إهتمامات اللقاء:
1. الإستقلال اللبناني والسيادة الوطنية والقرار الحر.
2. التضامن العربي والعلاقات الطبيعية المعافاة مع سوريا.
3. بناء دولة القانون بإعتبارها شرطاً أساسياً لضمان سلامة المجتمع وتأمين نموه وتطوره، وذلك بإعتماد نظرة واقعية تؤمن حقوق الأفراد وتراعي الضمانات المشروعة للجماعات الطائفية.
4. طي صفحة الحرب، سياسياً وثقافياً ونفسياً، من خلال تنقية الذاكرة وإستخلاص الدروس وتحقيق السلم الأهلي الحقيقي وتعزيز الوحدة الوطنية والوفاق.
5. إعادة الاعتبار إلى نظام القيم في الحياة السياسية والثقافية والإجتماعية بعدما أصيب هذا النظام إصابات مباشرة أثناء الحرب ومن خلال تجربة الدولة بعد إتفاق الطائف.
6. نشر وتعميم وتوسيع ثقافة الدولة الديمقراطية ودعمها.
7. تجديد دور لبنان في محيطه العربي في سبيل مصالحة العالم العربي مع الذات ومع العصر والمشاركة في تحقيق الديموقراطية والحرية والكرامة للشعوب العربية.
ويمكن تلخيص قناعات المشاركين في اللقاء بالنقاط التالية:
لبنان الموحد، في صيغة عيشه، هو حاجة مصيرية لكل اللبنانيين على إختلاف طوائفهم وإنتماءاتهم، ولا بديل كريماً منه لأي جماعة أو طائفة.
لبنان المعافى هو حاجة عربية بإعتباره مهيئاً للمساهمة في مصالحة المنطقة العربية مع ذاتها ومع العصر. فإستعادة معنى لبنان ومعنى تجربته التاريخية لا توفر ضماناً لمستقبل اللبنانيين فحسب، بل تشكل خدمة لمحيطهم العربي وتساعد على تجاوز هذه المرحلة الخطرة المسكونة بأشباح الحروب الأهلية.
لبنان هو حاجة إنسانية عامة في هذه المرحلة، وتجربته تكتسب اليوم أهمية مضاعفة. فالصراعات التي تشهدها اليوم دول عدة في العالم ناجمة عن عجز في إبتكار صيغ جديدة لتنظيم شؤون المجتمعات المتعددة دينياً أو إثنياً أو ثقافياً. إن تجديد الصيغة اللبنانية بوجهها المشرق يحيي نموذجاً أكثر ملاءمة لواقع التنوع والتعدد الذي يسود عالمنا والذي يحتاج إلى قدرة مميزة على إدارة الإختلاف ولجم مصادر العنف.
لبنان يمثل حاجة مستمرة لتفاعل خلاّق بين المسيحية والإسلام يمنح أبناءهما فرصة الإغتناء الروحي المتبادل من خلال العيش المشترك المؤسس على الحرية والمساواة في المواطنية، والقائم على التنوّع في إطار وحدة تحترم الإختلاف والتغاير، وتفهُّم منابعهما في التاريخ والدين والإجتماع. هذا بالإضافة إلى ما يمكن أن يقدمه التفاعل الإسلامي-المسيحي، هنا وفي العالم، من مساهمة قوية ومطلوبة في لجم الإتجاهات المتطرفة التي أخذت تدفع العالم نحو صدامات ذات طابع ثقافي-ديني.
اللبنانيون ينتظرون الدولة القوية والعادلة في حين أن الدولة القوية بذاتها (in se) هي بطبيعتها دولة قمعية سلطوية.
تنبع قوة الدولة الديمقراطية من شرعتيها أي من قبول الناس بها ودعمهم لها وليس اذعانهم.
الدولة في لبنان موجودة من خلال الدستور والقواعد الناظمة للحياة المشتركة والاصول الحقوقية في الممارسة السياسية. يتحمل مسؤولية عدم فاعلية الدولة في لبنان قوى سياسية موالية ومعارضة وذهنية سائدة مناقضة للالتزام المواطني ولمفهوم الشأن العام والمؤسسات.
تصبح الدولة في لبنان قادرة وعادلة حين تتوسع دائرة دعمها كمرجعية مؤسسية خاضعة لاصول دستورية وقانونية.
لم يعد مجديًا نقد الدولة في لبنان (وهي غير مفهوم السلطة) وانتظار بنائها تبريرًا لمختلف اشكال التسلح والاحتكام الى السلاح والامن الذاتي والتعددي على المرافق العامة وخرق مبادئ بديهية وعالمية في ممارسة المؤسسات وظائفها في المجلس النيابي والسلطة الاجرائية والقضاء.
مشروع البيان الختامي للدورة الثانية للمجلس الوطني لإعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي
هذا أوان الثورة
الذي انتظرناه طويلاً. بعد عقود عرفنا فيها السجون والمجازر والكبت والتشريد. وقد جاء؛ بجرأة الشباب وإبداعه؛ محملاً بطاقة جبارة على التغيير الشامل، في السياسة والاقتصاد والثقافة والأخلاق وغير ذلك...وهذا طبع الثورة الحقيقية، أن تشحن الشعب بطاقة جديدة هائلة من الشجاعة والتصميم والتضامن والقدرة الواضحة الحاسمة على إنهاء الاستبداد والانتقال إلى الديمقراطية.
1- من الاستبداد... إلى الثورة
لقد مرت علينا- نحن السوريين- عقود من الاستبداد، أدت إلى ابتلاع الدولة من سلطة غاشمة برأس واحد، صادرت إرادة الشعب، وعمَّمت نظاماً أمنياً كلي الهيمنة على جميع جوانب الحياة، وحوَّلت الجيش الوطني إلى آخر عقائدي لخدمة النظام، وأدت إلى هيمنة السلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائية، واعتمدت الإفساد وسيلة لجمع المؤيدين إلى جانب الترهيب ونشر الخوف، مما أدى إلى انتشار الفساد ونهب الثروة الوطنية، وهكذا انهار موقع سورية على جميع مؤشرات التنمية الاقتصادية والبشرية.
بالرغم من انتقال السلطة عبر التوريث، فقد ازدهر ربيع دمشق في عام 2000، قبل هجوم السلطة عليه بشراستها القديمة المألوفة في خريف 2001، ثم انقضاضها على الانتفاضة الكردية عام 2004. وفي عام 2005، ظهر إعلان دمشق، الذي حمل دعوة مفتوحة لكل القوى التي تعمل من أجل التغيير، واستطاع في أواخر 2007 أن يقدّم نموذجاً في آليات الائتلاف على برنامج التغيير الوطني الديمقراطي، من خلال انعقاد مجلسه الوطني الأول، في ممارسته وبيانه الختامي الذي ما زال صالحاً حتى الآن في توجهاته؛ وأيضاً قبل أن يزج النظام بالكثير من قياداته ونشطائه في السجون ويلاحق الآخرين.
ومؤخراً فتحت أدوات العصر الحديث طريقاً جديداً للشباب العربي، يتواصلون من خلاله ويبحثون في طرائق لهدم الجدار الذي يغلق الآفاق أمامهم... وبلغ اشتداد الخناق مداه الأقصى، فابتدأ الربيع العربي من تونس، بقوة الشباب وإبداعه، ليمتد إلى مصر فليبيا واليمن والبحرين وصولاً إلى سورية.
التقى معاً، تصميم الشباب السوري على البدء في ثورته في منتصف آذار، مع الاحتقان الذي أثارته غطرسة النظام ووحشيته باعتقال الأطفال في درعا وتعذّيبهم؛ في إضرام الثورة المجيدة من أجل الحرية والكرامة والتغيير الديمقراطي. هذه الثورة، التي كنا وما زلنا- نحن في إعلان دمشق- منحازين إليها منذ بدايتها وداعمين لها.
لقد انقضى زمن الاستبداد، ولم يعد ممكناً الرجوع إلى وراء، وأصبح التغيير الوطني الديمقراطي مطلباً مباشراً لشعبنا. وليس ما ترفعه الجماهير من شعار إسقاط النظام إلا تطوير ميداني لعملية التغيير.
أثبتت الثورة حتى الآن أنها سلمية بطبيعتها وأهدافها، عصية على الانجرار إلى العنف والصراع الطائفي البغيض. وهي قادرة على سدّ الفجوات التي يحاول النظام أن يحدثها فيها، فالثورة ما زال يحكمها الصبر والحكمة والتفهّم، في علاقتها بالفئات التي ما زالت صامتة، وكلما بادرت قوى النظام إلى التسليم بإرادة الشعب والبدء بنقل السلطة، كان لها دور في تحسين أمن عملية الانتقال وأمانها.
2- ما ينبغي هو الدخول في مرحلة الانتقال الآنً
على النظام أن يبادر فوراً إلى ضمان حق التظاهر السلمي وحرية العمل السياسي والقيام بما يلي:
1- تحقيق مبدأ حيادية الجيش أمام الصراعات السياسية الداخلية، وعودته إلى ثكناته لأداء مهمته في حماية الوطن والشعب، وضمان وحدة البلاد.
2- وقف انتشار الأجهزة الأمنية وتشكيلاتها المتشعبة، وكف يدها عن قمع الشعب، وإعادة هيكلتها مع بدء المرحلة الانتقالية.
3- إنهاء جميع أعمال القمع والقتل والاعتقال السياسي، والإفراج عن كافة سجناء الرأي والمعتقلين السياسيين.
4- اعتقال المسؤولين عن الجرائم المرتكبة بحق المواطنين العزل، لمحاكمتهم أمام قضاء مستقل.
5- إيقاف الحملة الإعلامية التحريضية على الثورة وتحرير الإعلام الرسمي من احتكار السلطة وهيمنة الأجهزة الأمنية عليه، والسماح بحركة وسائل الإعلام العربية والدولية.
6- السماح للمنظمات الحقوقية والإنسانية بالعمل بحرية في بلادنا.
7- عودة المبعدين السياسيين بدون شروط، وإلغاء الأحكام الصادرة بحقهم. وإلغاء القانون 49 سيئ الصيت.
يمكن الدخول في مرحلة انتقالية يجري التوافق على أسسها من خلال مؤتمر وطني جامع تحت عنوان التغيير الديمقراطي وتحديد مستقبل البلاد وطبيعة نظامها السياسي يضم ممثلي الشباب الثائر وممثلي المجتمع السوري بكل أطيافه وممثلي المعارضة، ومن كانت أيديهم نظيفة من دماء الشعب أو ثروة الوطن من أهل النظام، ، ونقدم فيما يلي بعض أفكارها الأولية:
1- يتشكل مجلس وطني في المرحلة الانتقالية، من ممثلي الشباب الثائر وممثلي المجتمع السوري بكل أطيافه وممثلي المعارضة، مع قادة الجيش وأهل النظام ممن يقبلون عملية الانتقال ولم تتلوث أيديهم بدماء المواطنين أو ثروتهم الوطنية.
2- يشكل المجلس حكومة من ذوي الكفاءات لتسيير أمور البلاد.
3- تجري تحت إشراف الحكومة الانتقالية انتخابات حرة وبضمانات كافية لجمعية تأسيسية تقر دستوراً جديداً ومعاصراً، يقرّه استفتاء شعبي.
3- سوريا الجديدة كما نراها
لن يرضى السوريون، بعد كل ما عانوه من ظلم وعنت، أن تكون بلادهم أقل من الشعوب الأخرى التي تحيا في ظل دولة مدنية حديثة، تقوم على المبادئ التالية في دستورها:
سورية جمهورية ديمقراطية، السيادة فيها للشعب ونظامها برلماني يقوم على مبدأ المواطنة والمساواة وفصل السلطات وتداول السلطة وسيادة القانون.
وهي تضمن لمواطنيها ما ورد في الشرائع الدولية من حقوق الإنسان، والحريات الأساسية في الاعتقاد والرأي والتعبير والاجتماع والإعلام وغيرها.
تهتم حكومتها بتنميتها اقتصادياً وبشرياً، بشكل مستمر ومتصاعد. الثروة الوطنية فيها ملك للشعب أولاً، تنعكس عدالة توزيعها في سياسة الحكومات المتعاقبة تحت أنظار الشعب وممثليه.
تشكل سورية الجديدة بنظامها المدني الديمقراطي أفضل ضمانة لكافة مكونات الشعب السوري القومية والدينية والطائفية وحل القضية القومية للشعبين الكردي والآشوري حلاً ديمقراطياً عادلاً في إطار وحدة سورية أرضاً وشعباً مع ممارسة حقوق وواجبات المواطنة المتساوية بين جميع المواطنين.
تضمن سورية الجديدة للمرأة حقوقها الكاملة، وحسب الشرائع الدولية. كما تقرّ لها في دستورها بنسبة فعالة في البرلمان.
* * *
إن الرؤية السياسية التي طرحتها الأمانة العامة لإعلان دمشق في حزيران الماضي- وفي نقاطها الأساسية- جزء لا يتجزأ من تصورنا لمسار العملية السياسية والعمل المشترك للمعارضة الديمقراطية في سوريا.
على طريقنا هذا، الذي قد يطول أو يقصر؛ ونرى الضوء واضحاً في نهايته مع بداية المعجزة التي صنعها شباب سوريا؛ لابد من التقاء المعارضة الديمقراطية، بعد تبلورها يوماً إثر يوم في تجمعات كبيرة، على برنامج واضح يعتمد التغيير الوطني الديمقراطي شعاراً، وضمن شرط التلاحم والتحالف مع قوى الثورة الحية وتنسيقياتها التي تزداد قوة ووحدة وتنظيماً.. للانطلاق أقوياء معاً في مسار عملية الانتقال من حالة الاستبداد إلى فضاء الديمقراطية الرحب، في دولة مدنية حديثة.
عاشت سوريا حرة وطناً ومواطنين
بتاريخ 20 / 7/ 2011
الأمانة العامة لإعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي
الذي انتظرناه طويلاً. بعد عقود عرفنا فيها السجون والمجازر والكبت والتشريد. وقد جاء؛ بجرأة الشباب وإبداعه؛ محملاً بطاقة جبارة على التغيير الشامل، في السياسة والاقتصاد والثقافة والأخلاق وغير ذلك...وهذا طبع الثورة الحقيقية، أن تشحن الشعب بطاقة جديدة هائلة من الشجاعة والتصميم والتضامن والقدرة الواضحة الحاسمة على إنهاء الاستبداد والانتقال إلى الديمقراطية.
1- من الاستبداد... إلى الثورة
لقد مرت علينا- نحن السوريين- عقود من الاستبداد، أدت إلى ابتلاع الدولة من سلطة غاشمة برأس واحد، صادرت إرادة الشعب، وعمَّمت نظاماً أمنياً كلي الهيمنة على جميع جوانب الحياة، وحوَّلت الجيش الوطني إلى آخر عقائدي لخدمة النظام، وأدت إلى هيمنة السلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائية، واعتمدت الإفساد وسيلة لجمع المؤيدين إلى جانب الترهيب ونشر الخوف، مما أدى إلى انتشار الفساد ونهب الثروة الوطنية، وهكذا انهار موقع سورية على جميع مؤشرات التنمية الاقتصادية والبشرية.
بالرغم من انتقال السلطة عبر التوريث، فقد ازدهر ربيع دمشق في عام 2000، قبل هجوم السلطة عليه بشراستها القديمة المألوفة في خريف 2001، ثم انقضاضها على الانتفاضة الكردية عام 2004. وفي عام 2005، ظهر إعلان دمشق، الذي حمل دعوة مفتوحة لكل القوى التي تعمل من أجل التغيير، واستطاع في أواخر 2007 أن يقدّم نموذجاً في آليات الائتلاف على برنامج التغيير الوطني الديمقراطي، من خلال انعقاد مجلسه الوطني الأول، في ممارسته وبيانه الختامي الذي ما زال صالحاً حتى الآن في توجهاته؛ وأيضاً قبل أن يزج النظام بالكثير من قياداته ونشطائه في السجون ويلاحق الآخرين.
ومؤخراً فتحت أدوات العصر الحديث طريقاً جديداً للشباب العربي، يتواصلون من خلاله ويبحثون في طرائق لهدم الجدار الذي يغلق الآفاق أمامهم... وبلغ اشتداد الخناق مداه الأقصى، فابتدأ الربيع العربي من تونس، بقوة الشباب وإبداعه، ليمتد إلى مصر فليبيا واليمن والبحرين وصولاً إلى سورية.
التقى معاً، تصميم الشباب السوري على البدء في ثورته في منتصف آذار، مع الاحتقان الذي أثارته غطرسة النظام ووحشيته باعتقال الأطفال في درعا وتعذّيبهم؛ في إضرام الثورة المجيدة من أجل الحرية والكرامة والتغيير الديمقراطي. هذه الثورة، التي كنا وما زلنا- نحن في إعلان دمشق- منحازين إليها منذ بدايتها وداعمين لها.
لقد انقضى زمن الاستبداد، ولم يعد ممكناً الرجوع إلى وراء، وأصبح التغيير الوطني الديمقراطي مطلباً مباشراً لشعبنا. وليس ما ترفعه الجماهير من شعار إسقاط النظام إلا تطوير ميداني لعملية التغيير.
أثبتت الثورة حتى الآن أنها سلمية بطبيعتها وأهدافها، عصية على الانجرار إلى العنف والصراع الطائفي البغيض. وهي قادرة على سدّ الفجوات التي يحاول النظام أن يحدثها فيها، فالثورة ما زال يحكمها الصبر والحكمة والتفهّم، في علاقتها بالفئات التي ما زالت صامتة، وكلما بادرت قوى النظام إلى التسليم بإرادة الشعب والبدء بنقل السلطة، كان لها دور في تحسين أمن عملية الانتقال وأمانها.
2- ما ينبغي هو الدخول في مرحلة الانتقال الآنً
على النظام أن يبادر فوراً إلى ضمان حق التظاهر السلمي وحرية العمل السياسي والقيام بما يلي:
1- تحقيق مبدأ حيادية الجيش أمام الصراعات السياسية الداخلية، وعودته إلى ثكناته لأداء مهمته في حماية الوطن والشعب، وضمان وحدة البلاد.
2- وقف انتشار الأجهزة الأمنية وتشكيلاتها المتشعبة، وكف يدها عن قمع الشعب، وإعادة هيكلتها مع بدء المرحلة الانتقالية.
3- إنهاء جميع أعمال القمع والقتل والاعتقال السياسي، والإفراج عن كافة سجناء الرأي والمعتقلين السياسيين.
4- اعتقال المسؤولين عن الجرائم المرتكبة بحق المواطنين العزل، لمحاكمتهم أمام قضاء مستقل.
5- إيقاف الحملة الإعلامية التحريضية على الثورة وتحرير الإعلام الرسمي من احتكار السلطة وهيمنة الأجهزة الأمنية عليه، والسماح بحركة وسائل الإعلام العربية والدولية.
6- السماح للمنظمات الحقوقية والإنسانية بالعمل بحرية في بلادنا.
7- عودة المبعدين السياسيين بدون شروط، وإلغاء الأحكام الصادرة بحقهم. وإلغاء القانون 49 سيئ الصيت.
يمكن الدخول في مرحلة انتقالية يجري التوافق على أسسها من خلال مؤتمر وطني جامع تحت عنوان التغيير الديمقراطي وتحديد مستقبل البلاد وطبيعة نظامها السياسي يضم ممثلي الشباب الثائر وممثلي المجتمع السوري بكل أطيافه وممثلي المعارضة، ومن كانت أيديهم نظيفة من دماء الشعب أو ثروة الوطن من أهل النظام، ، ونقدم فيما يلي بعض أفكارها الأولية:
1- يتشكل مجلس وطني في المرحلة الانتقالية، من ممثلي الشباب الثائر وممثلي المجتمع السوري بكل أطيافه وممثلي المعارضة، مع قادة الجيش وأهل النظام ممن يقبلون عملية الانتقال ولم تتلوث أيديهم بدماء المواطنين أو ثروتهم الوطنية.
2- يشكل المجلس حكومة من ذوي الكفاءات لتسيير أمور البلاد.
3- تجري تحت إشراف الحكومة الانتقالية انتخابات حرة وبضمانات كافية لجمعية تأسيسية تقر دستوراً جديداً ومعاصراً، يقرّه استفتاء شعبي.
3- سوريا الجديدة كما نراها
لن يرضى السوريون، بعد كل ما عانوه من ظلم وعنت، أن تكون بلادهم أقل من الشعوب الأخرى التي تحيا في ظل دولة مدنية حديثة، تقوم على المبادئ التالية في دستورها:
سورية جمهورية ديمقراطية، السيادة فيها للشعب ونظامها برلماني يقوم على مبدأ المواطنة والمساواة وفصل السلطات وتداول السلطة وسيادة القانون.
وهي تضمن لمواطنيها ما ورد في الشرائع الدولية من حقوق الإنسان، والحريات الأساسية في الاعتقاد والرأي والتعبير والاجتماع والإعلام وغيرها.
تهتم حكومتها بتنميتها اقتصادياً وبشرياً، بشكل مستمر ومتصاعد. الثروة الوطنية فيها ملك للشعب أولاً، تنعكس عدالة توزيعها في سياسة الحكومات المتعاقبة تحت أنظار الشعب وممثليه.
تشكل سورية الجديدة بنظامها المدني الديمقراطي أفضل ضمانة لكافة مكونات الشعب السوري القومية والدينية والطائفية وحل القضية القومية للشعبين الكردي والآشوري حلاً ديمقراطياً عادلاً في إطار وحدة سورية أرضاً وشعباً مع ممارسة حقوق وواجبات المواطنة المتساوية بين جميع المواطنين.
تضمن سورية الجديدة للمرأة حقوقها الكاملة، وحسب الشرائع الدولية. كما تقرّ لها في دستورها بنسبة فعالة في البرلمان.
* * *
إن الرؤية السياسية التي طرحتها الأمانة العامة لإعلان دمشق في حزيران الماضي- وفي نقاطها الأساسية- جزء لا يتجزأ من تصورنا لمسار العملية السياسية والعمل المشترك للمعارضة الديمقراطية في سوريا.
على طريقنا هذا، الذي قد يطول أو يقصر؛ ونرى الضوء واضحاً في نهايته مع بداية المعجزة التي صنعها شباب سوريا؛ لابد من التقاء المعارضة الديمقراطية، بعد تبلورها يوماً إثر يوم في تجمعات كبيرة، على برنامج واضح يعتمد التغيير الوطني الديمقراطي شعاراً، وضمن شرط التلاحم والتحالف مع قوى الثورة الحية وتنسيقياتها التي تزداد قوة ووحدة وتنظيماً.. للانطلاق أقوياء معاً في مسار عملية الانتقال من حالة الاستبداد إلى فضاء الديمقراطية الرحب، في دولة مدنية حديثة.
عاشت سوريا حرة وطناً ومواطنين
بتاريخ 20 / 7/ 2011
الأمانة العامة لإعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي
رؤية شباب 17 نيسان من أجل التغيير الديمقراطي في سوريا
الجمعة 29 تموز (يوليو) 2011
إلى الشعب السوري العظيم
في الثامن عشر من شهر آذار/مارس 2011، انطلقت انتفاضة الكرامة في سورية من أجل الحرية والمساواة والعدالة، متخذة من مدينة درعا نقطة البداية، انطلقت بعفوية الثائر على هدر كرامة الإنسان وحريته، لم يكن لهذه المدينة طريق آخر لنزع الخوف واسترجاع الحقوق المهدورة سوى التظاهر والتجمع متحدين آلة القمع وحالة الطوارئ المفروضة على البلاد والعباد وحالة الفساد المحمي من هذه السلطة. سبق هذه الانطلاقة تحرك شبابي بتاريخ 15 آذار فتح الباب للشباب السوري استنشاق نسيم الحرية وبعثها في كل ربوع سوريا الحبيبة.
كانت الشرارة التي انتقلت بسرعة انتقال المذابح والقتل والوحشية من أجهزة النظام من مدينة إلى مدينة، فما أن حل أسبوع واحد على الإنطلاق، حتى أصبحت كل المدن السورية درعا المنتفضة، استجابت المدن وتعالت الأصوات من منتفضيها كل مدينة تدعم الأخرى وتؤازرها، ومع انتشار كلمة الحرية على ألسنة المنتفضين عممت السلطة همجيتها وأساليبها اللانسانية فمارست القتل والدمار والحصار والخطف والتعذيب والتظليل لقمع وسجن الحرية من ضمير وألسنة المنتفضين .
منذ اللحظة الأولى لشرارة الانتفاضة غيبت السلطة الحلول السياسة والسياسيين إلا ماندر حيث تبين أن الدعوات الوهمية للحوار ليست سوى غطاء للتغول الأمني وكسب الوقت لقمع الانتفاضة، هكذا استحوذت الأجهزة الأمنية على كافة المعطيات الموجودة على الأرض فقبضت على كل مايتعلق بمعالجة الموقف في الوضع السوري بيدها منذ الانتفاضة. وقد تأكد لنا التالي:
1- رفض النظام القيام باصلاح حقيقي يتجاوز المشاريع الشكلية المزيفة، وفي الوقت نفسه تشديد انغلاقه على نفسه وتفرده بالسلطة والقرار وتأكيد جموده السياسي والفكري.
2- تصميم الشعب على الاستمرار في الكفاح حتى تحقيق مطالبه في الحرية، وإقامة سلطة ديمقراطية مدنية من اختياره، مهما كلفه الأمر.
لذلك نحن الشباب السوري في كافة المحافظات ومن كافة مشاربنا السياسية والفكرية والمدنية والأهلية المشاركة في انتفاضة الكرامة نعلن التزامنا بما يلي:
• سوريا دولة مدنية لكل مواطنيها المتساوين بالحقوق والواجبات بكل ما تحمله الكلمة من معنى، بغض النظر عن الدين والمذهب والجنس والتوجه السياسي. وبناءً عليه فإننا ندين بأشد العبارات ونشجب كل من يطلق أي شعار طائفي أثناء المظاهرات.
• صياغة دستور مدني مواطني يضمن المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع السوريين.
• يعتبر احترام الدستور السوري الجديد، المنسجم مع التزامات سورية في حقوق الإنسان والبيئة، الشرط الأساس لكل نشاط سياسي أو ثقافي أو اجتماعي أو اقتصادي أو مدني.
• المقاومة المدنية من أجل الديمقراطية والكرامة نهج سلمي مبدئي ينبذ العنف بكل أشكاله ومن أي طرف جاء. لقد ولدت الحركة المدنية للتغيير سلمية، ومهمتنا تطويق أي محاولة لجر المواطنين إلى العنف أو تخريب الممتلكات العامة والخاصة أو الإعتداء على الأشخاص. ولن نقبل بوجود المخربين بيننا.
• الشعب السوري، كما الشعوب في باقي الدول العربية الأخرى، مقاوم بطبيعته. وليس هذا الأمر جديداً علينا بل كان جلياً أثناء الحقب الاستعمارية لبلادنا وخلال عشرات السنين من احتلال الكيان الصهيوني للأراضي العربية. أننا سنتابع هذا التاريخ الوطني المشرّف، وسنعمل على تحرير الجولان والدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني، ومنها إقامة دولته المستقلة. لذا نرفض اتهامنا بشكل مباشر أو غير مباشر بالتهاون في قضية التحرر الوطني باعتبارها في صلب مشروع الحرية والكرامة.
• التدخل الخارجي مرفوض بكافة أشكاله، التحول البناء سيكون سوريا في المعنى والمبنى ونرفض أية وصاية أو وكالة لأي طرف كان. مع التأكيد على القيمة العالمية لحقوق الإنسان والتعاون مع المنظمات العالمية لهذه الحقوق لوضع حد للانتهاكات الكبيرة لحقوق الإنسان وللجرائم التي ترتكب بحق شعبنا في كفاحه السلمي لنيل حريته.
• لا يمكن فصل معركة الحرية عن النضال من أجل العدالة الاجتماعية. فقد أفقرت الدكتاتورية وهمشت قطاعات واسعة من المواطنين بحيث صار من الأولويات دعم البنية المجتمعية الأفقر وتوفير فرص العمل للجميع والتوزيع العادل لثروات البلاد بين المناطق وبين شرائح المجتمع المختلفة.
بناءً على ما تقدم، فإننا نؤكد أن الحل السياسي الذي يتشارك فيه كل أبناء الشعب السوري هو الوحيد الذي يمكن أن يوصلنا إلى بر الأمان، ويقطع الطريق على كل المؤامرات والمتآمرين (إن وجدوا) على وطننا. ولا يمكن للعنف المستخدم من السلطة والحلول الأمنية إلا أن تؤدي إلى مزيد من الاحتقان ومزيد من الدماء السورية الأغلى على قلوبنا. إن شعارات الحرية والكرامة ليست ضبابية، ونحن نفهم أبعادها ومتطلباتها جيداً من حيث الحقوق والواجبات. وهي تمر بطريق إعادة بناء النظام السياسي في سوريا على أسس المواطنة والمدنية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة والتوزيع العادل للثروة الوطنية في دولة تعتبر من واجباتها احترام المواثيق الأممية الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والسياسية والمدنية.
وبما أن تحقيق الإنتقال السلمي للديمقراطية مشروع شعبي سياسي بامتياز، فإن على السلطات السورية القيام بالإجراءات التمهيدية التالية كاعتراف من قبلها بأن الأزمة هي وطنية وليست ذات منشأ مؤامراتي خارجي من جهة، وكتعبير عن حسن النية من جهة أخرى:
1 – وقف كافة الأعمال القمعية ضد الشعب، والتي تتجلى قتلاً واعتقالاً وحصاراً من قبل الأجهزة الأمنية وشبيحتها، والتوقف مباشرة عن توريط وحدات من الجيش في معركة ضد الشعب، وفك الحصار المفروض على عدد من المدن والبلدات السورية.
2- وقف الحملات الإعلامية التضليلية التي تعمل على تشويه صورة التحركات الشعبية وإخفاء طبيعتها السلمية ومطالبها المحقة، وتغيير نهج الإعلام الرسمي إلى إعلام يتعامل باحترام ومصداقية مع الانتفاضة المطالبة بالحرية والكرامة.
3- الإفراج عن جميع الموقوفين منذ انطلاقة الانتفاضة، وعن جميع المعتقلين والسجناء السياسيين قبل هذا التاريخ. 4- تشكيل لجنة تحقيق مستقلة عن كل السلطات، ومكونة من عدد من القضاة والمحامين والمختصين النزيهين، للتحقيق ومحاسبة المسؤولين عن القتل وإطلاق النار على المتظاهرين.
5- رفع حالة الطوارئ والأحكام العرفية فعلياً وليس لفظيا فقط كما هو الحال حتى اليوم، وسحب المرسوم /55/ المتعلق بتعديل المادة /17/ من قانون أصول المحاكمات، وعدم تقييد الحياة العامة بقوانين أخرى تقوم بالوظائف السابقة ذاتها لقانون الطوارئ.
6- الاعتراف بحق التظاهر السلمي وعدم تقييده بقوانين تسمح في ظاهرها بالتظاهر لكنها تمنعه أو تقيِّده فعليا، وسحب قانون التظاهر الأخير، ومنع الأجهزة الأمنية من التدخل في الحياة العامة، وقيام جهاز الشرطة المدنية حصرا بحماية المواطنين.
يتعاهد شباب 17 نيسان للتغيير الديمقراطي على التعاون والعمل بجميع الوسائل السلمية من أجل عقد مؤتمر وطني عام للحوار يضم الشباب وممثلي كافة القوى السياسية والهيئات والشخصيات العامة ذات الصلة في المجتمع باستثناء من تلطخت أيديهم بدماء السوريين أو الفاسدين، يكرس الوحدة المجتمعية ويهدف إلى الاتفاق على البرنامج والآليات المناسبة للانتقال بالبلاد (خلال مدة يحددها المؤتمر) إلى النظام الديمقراطي المدني المنشود الذي تتحدد ملامحه الرئيسية في :
1 ـ دستور جديد يرسي عقداً اجتماعياً جديداً يضمن الدولة المدنية وحقوق المواطنة المتساوية لكل السوريين بصرف النظر عن المعتقد والعرق والإثنية والجنس، ويكفل التعددية السياسية، وينظم التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع، ويرشِّد مهام وصلاحيات رئيس الجمهورية ويحدد عدد الدورات الرئاسية، ويضمن استقلال القضاء والفصل بين السلطات الثلاث.
2 ـ تنظيم الحياة السياسية عبر قانون ديمقراطي للأحزاب، وتنظيم الإعلام والانتخابات البرلمانية وفق قوانين توفر الحرية والشفافية والعدالة والفرص المتساوية.
3 ـ الإلغاء الفعلي لكل أشكال الاستثناء من الحياة العامة، بوقف العمل بجميع القوانين ذات العلاقة بالأحكام العرفية والمحاكم الاستثنائية، وإلغاء جميع القوانين والمراسيم التي تبرِّر للأجهزة الأمنية ممارسة التعذيب والقتل، وعودة جميع الملاحقين والمنفيين قسراً أو طوعاً عودة كريمة آمنة بضمانات قانونية، وإنهاء كل أشكال الاعتقال والاضطهاد السياسي،.
4 ـ ضمان حرية الأفراد والجماعات والأقليات القومية في التعبير عن نفسها، والمحافظة على دورها وحقوقها الثقافية واللغوية، خاصة الأكراد والآثوريين، وإيجاد حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية في إطار وحدة وأمن سورية أرضاً وشعباً، بما يضمن المساواة التامة للمواطنين السوريين الأكراد مع بقية المواطنين من حيث حقوق الجنسية والثقافة وتعلم اللغة القومية وبقية الحقوق الاجتماعية والقانونية، وهو الأمر الذي لا يتعارض البتة مع كون سورية جزءاً لا يتجزأ من الأمة العربية يرتبط واقعها ومستقبلها ارتباطاً مصيرياً بها وبقضاياها.
5 ـ تحرير المنظمات الشعبية والاتحادات والنقابات المهنية من وصاية السلطة والهيمنة الحزبية والأمنية، وتوفير شروط العمل الحر والمستقل لها كمنظمات لمجتمع مدني جدير بالتسمية ينظم نشاطاتها قانون عصري للجمعيات.
6- تشكيل هيئة وطنية للمصالحة والإنصاف ورد المظالم من أجل الكشف عن المفقودين السوريين وضمان الحقوق الأساسية الخاصة بالتعويض وإعادة التأهيل لضحايا التسلط والعنف السياسيين.
7- مباشرة إجراءات عودة المال العام المسروق لخزينة الدولة، وإعطاء اهتمام خاص للأحياء الفقيرة والجماعات المهمشة والعاطلة والمستضعفة وصغار صغار الكسبة، والسعي لتأمين حد أدنى للعيش لكل الفئات المظلومة.
لتحقيق هذه الأهداف، ندعو القوة السياسية والشخصيات العامة والهيئات والمنظمات السورية, ومجموعات شباب الانتفاضة للعمل سويه علماً بأنه مهما طال واستفحل استخدام العنف والقمع من قبل النظام، فلن تكون هناك طريق أخرى نحو المستقبل غير الحوار والآليات الديمقراطية والتفاهم بين أبناء الوطن الواحد لصنع مستقبلهم المشترك ، وستطرح هذه القوى للتغيير الوطني الديمقراطي تصوراته ورؤاه لكيفية التحرك و الانتقال من الواقع القائم في البلاد نحو تحقيق الأهداف المنشودة.
معا من أجل سورية حرة مدنية ديمقراطية قوية ، وطنا سيدا كريما لكل أبنائها .
حركة شباب 17 نيسان من أجل التغيير الديمقراطي في سوريا
إلى الشعب السوري العظيم
في الثامن عشر من شهر آذار/مارس 2011، انطلقت انتفاضة الكرامة في سورية من أجل الحرية والمساواة والعدالة، متخذة من مدينة درعا نقطة البداية، انطلقت بعفوية الثائر على هدر كرامة الإنسان وحريته، لم يكن لهذه المدينة طريق آخر لنزع الخوف واسترجاع الحقوق المهدورة سوى التظاهر والتجمع متحدين آلة القمع وحالة الطوارئ المفروضة على البلاد والعباد وحالة الفساد المحمي من هذه السلطة. سبق هذه الانطلاقة تحرك شبابي بتاريخ 15 آذار فتح الباب للشباب السوري استنشاق نسيم الحرية وبعثها في كل ربوع سوريا الحبيبة.
كانت الشرارة التي انتقلت بسرعة انتقال المذابح والقتل والوحشية من أجهزة النظام من مدينة إلى مدينة، فما أن حل أسبوع واحد على الإنطلاق، حتى أصبحت كل المدن السورية درعا المنتفضة، استجابت المدن وتعالت الأصوات من منتفضيها كل مدينة تدعم الأخرى وتؤازرها، ومع انتشار كلمة الحرية على ألسنة المنتفضين عممت السلطة همجيتها وأساليبها اللانسانية فمارست القتل والدمار والحصار والخطف والتعذيب والتظليل لقمع وسجن الحرية من ضمير وألسنة المنتفضين .
منذ اللحظة الأولى لشرارة الانتفاضة غيبت السلطة الحلول السياسة والسياسيين إلا ماندر حيث تبين أن الدعوات الوهمية للحوار ليست سوى غطاء للتغول الأمني وكسب الوقت لقمع الانتفاضة، هكذا استحوذت الأجهزة الأمنية على كافة المعطيات الموجودة على الأرض فقبضت على كل مايتعلق بمعالجة الموقف في الوضع السوري بيدها منذ الانتفاضة. وقد تأكد لنا التالي:
1- رفض النظام القيام باصلاح حقيقي يتجاوز المشاريع الشكلية المزيفة، وفي الوقت نفسه تشديد انغلاقه على نفسه وتفرده بالسلطة والقرار وتأكيد جموده السياسي والفكري.
2- تصميم الشعب على الاستمرار في الكفاح حتى تحقيق مطالبه في الحرية، وإقامة سلطة ديمقراطية مدنية من اختياره، مهما كلفه الأمر.
لذلك نحن الشباب السوري في كافة المحافظات ومن كافة مشاربنا السياسية والفكرية والمدنية والأهلية المشاركة في انتفاضة الكرامة نعلن التزامنا بما يلي:
• سوريا دولة مدنية لكل مواطنيها المتساوين بالحقوق والواجبات بكل ما تحمله الكلمة من معنى، بغض النظر عن الدين والمذهب والجنس والتوجه السياسي. وبناءً عليه فإننا ندين بأشد العبارات ونشجب كل من يطلق أي شعار طائفي أثناء المظاهرات.
• صياغة دستور مدني مواطني يضمن المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع السوريين.
• يعتبر احترام الدستور السوري الجديد، المنسجم مع التزامات سورية في حقوق الإنسان والبيئة، الشرط الأساس لكل نشاط سياسي أو ثقافي أو اجتماعي أو اقتصادي أو مدني.
• المقاومة المدنية من أجل الديمقراطية والكرامة نهج سلمي مبدئي ينبذ العنف بكل أشكاله ومن أي طرف جاء. لقد ولدت الحركة المدنية للتغيير سلمية، ومهمتنا تطويق أي محاولة لجر المواطنين إلى العنف أو تخريب الممتلكات العامة والخاصة أو الإعتداء على الأشخاص. ولن نقبل بوجود المخربين بيننا.
• الشعب السوري، كما الشعوب في باقي الدول العربية الأخرى، مقاوم بطبيعته. وليس هذا الأمر جديداً علينا بل كان جلياً أثناء الحقب الاستعمارية لبلادنا وخلال عشرات السنين من احتلال الكيان الصهيوني للأراضي العربية. أننا سنتابع هذا التاريخ الوطني المشرّف، وسنعمل على تحرير الجولان والدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني، ومنها إقامة دولته المستقلة. لذا نرفض اتهامنا بشكل مباشر أو غير مباشر بالتهاون في قضية التحرر الوطني باعتبارها في صلب مشروع الحرية والكرامة.
• التدخل الخارجي مرفوض بكافة أشكاله، التحول البناء سيكون سوريا في المعنى والمبنى ونرفض أية وصاية أو وكالة لأي طرف كان. مع التأكيد على القيمة العالمية لحقوق الإنسان والتعاون مع المنظمات العالمية لهذه الحقوق لوضع حد للانتهاكات الكبيرة لحقوق الإنسان وللجرائم التي ترتكب بحق شعبنا في كفاحه السلمي لنيل حريته.
• لا يمكن فصل معركة الحرية عن النضال من أجل العدالة الاجتماعية. فقد أفقرت الدكتاتورية وهمشت قطاعات واسعة من المواطنين بحيث صار من الأولويات دعم البنية المجتمعية الأفقر وتوفير فرص العمل للجميع والتوزيع العادل لثروات البلاد بين المناطق وبين شرائح المجتمع المختلفة.
بناءً على ما تقدم، فإننا نؤكد أن الحل السياسي الذي يتشارك فيه كل أبناء الشعب السوري هو الوحيد الذي يمكن أن يوصلنا إلى بر الأمان، ويقطع الطريق على كل المؤامرات والمتآمرين (إن وجدوا) على وطننا. ولا يمكن للعنف المستخدم من السلطة والحلول الأمنية إلا أن تؤدي إلى مزيد من الاحتقان ومزيد من الدماء السورية الأغلى على قلوبنا. إن شعارات الحرية والكرامة ليست ضبابية، ونحن نفهم أبعادها ومتطلباتها جيداً من حيث الحقوق والواجبات. وهي تمر بطريق إعادة بناء النظام السياسي في سوريا على أسس المواطنة والمدنية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة والتوزيع العادل للثروة الوطنية في دولة تعتبر من واجباتها احترام المواثيق الأممية الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والسياسية والمدنية.
وبما أن تحقيق الإنتقال السلمي للديمقراطية مشروع شعبي سياسي بامتياز، فإن على السلطات السورية القيام بالإجراءات التمهيدية التالية كاعتراف من قبلها بأن الأزمة هي وطنية وليست ذات منشأ مؤامراتي خارجي من جهة، وكتعبير عن حسن النية من جهة أخرى:
1 – وقف كافة الأعمال القمعية ضد الشعب، والتي تتجلى قتلاً واعتقالاً وحصاراً من قبل الأجهزة الأمنية وشبيحتها، والتوقف مباشرة عن توريط وحدات من الجيش في معركة ضد الشعب، وفك الحصار المفروض على عدد من المدن والبلدات السورية.
2- وقف الحملات الإعلامية التضليلية التي تعمل على تشويه صورة التحركات الشعبية وإخفاء طبيعتها السلمية ومطالبها المحقة، وتغيير نهج الإعلام الرسمي إلى إعلام يتعامل باحترام ومصداقية مع الانتفاضة المطالبة بالحرية والكرامة.
3- الإفراج عن جميع الموقوفين منذ انطلاقة الانتفاضة، وعن جميع المعتقلين والسجناء السياسيين قبل هذا التاريخ. 4- تشكيل لجنة تحقيق مستقلة عن كل السلطات، ومكونة من عدد من القضاة والمحامين والمختصين النزيهين، للتحقيق ومحاسبة المسؤولين عن القتل وإطلاق النار على المتظاهرين.
5- رفع حالة الطوارئ والأحكام العرفية فعلياً وليس لفظيا فقط كما هو الحال حتى اليوم، وسحب المرسوم /55/ المتعلق بتعديل المادة /17/ من قانون أصول المحاكمات، وعدم تقييد الحياة العامة بقوانين أخرى تقوم بالوظائف السابقة ذاتها لقانون الطوارئ.
6- الاعتراف بحق التظاهر السلمي وعدم تقييده بقوانين تسمح في ظاهرها بالتظاهر لكنها تمنعه أو تقيِّده فعليا، وسحب قانون التظاهر الأخير، ومنع الأجهزة الأمنية من التدخل في الحياة العامة، وقيام جهاز الشرطة المدنية حصرا بحماية المواطنين.
يتعاهد شباب 17 نيسان للتغيير الديمقراطي على التعاون والعمل بجميع الوسائل السلمية من أجل عقد مؤتمر وطني عام للحوار يضم الشباب وممثلي كافة القوى السياسية والهيئات والشخصيات العامة ذات الصلة في المجتمع باستثناء من تلطخت أيديهم بدماء السوريين أو الفاسدين، يكرس الوحدة المجتمعية ويهدف إلى الاتفاق على البرنامج والآليات المناسبة للانتقال بالبلاد (خلال مدة يحددها المؤتمر) إلى النظام الديمقراطي المدني المنشود الذي تتحدد ملامحه الرئيسية في :
1 ـ دستور جديد يرسي عقداً اجتماعياً جديداً يضمن الدولة المدنية وحقوق المواطنة المتساوية لكل السوريين بصرف النظر عن المعتقد والعرق والإثنية والجنس، ويكفل التعددية السياسية، وينظم التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع، ويرشِّد مهام وصلاحيات رئيس الجمهورية ويحدد عدد الدورات الرئاسية، ويضمن استقلال القضاء والفصل بين السلطات الثلاث.
2 ـ تنظيم الحياة السياسية عبر قانون ديمقراطي للأحزاب، وتنظيم الإعلام والانتخابات البرلمانية وفق قوانين توفر الحرية والشفافية والعدالة والفرص المتساوية.
3 ـ الإلغاء الفعلي لكل أشكال الاستثناء من الحياة العامة، بوقف العمل بجميع القوانين ذات العلاقة بالأحكام العرفية والمحاكم الاستثنائية، وإلغاء جميع القوانين والمراسيم التي تبرِّر للأجهزة الأمنية ممارسة التعذيب والقتل، وعودة جميع الملاحقين والمنفيين قسراً أو طوعاً عودة كريمة آمنة بضمانات قانونية، وإنهاء كل أشكال الاعتقال والاضطهاد السياسي،.
4 ـ ضمان حرية الأفراد والجماعات والأقليات القومية في التعبير عن نفسها، والمحافظة على دورها وحقوقها الثقافية واللغوية، خاصة الأكراد والآثوريين، وإيجاد حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية في إطار وحدة وأمن سورية أرضاً وشعباً، بما يضمن المساواة التامة للمواطنين السوريين الأكراد مع بقية المواطنين من حيث حقوق الجنسية والثقافة وتعلم اللغة القومية وبقية الحقوق الاجتماعية والقانونية، وهو الأمر الذي لا يتعارض البتة مع كون سورية جزءاً لا يتجزأ من الأمة العربية يرتبط واقعها ومستقبلها ارتباطاً مصيرياً بها وبقضاياها.
5 ـ تحرير المنظمات الشعبية والاتحادات والنقابات المهنية من وصاية السلطة والهيمنة الحزبية والأمنية، وتوفير شروط العمل الحر والمستقل لها كمنظمات لمجتمع مدني جدير بالتسمية ينظم نشاطاتها قانون عصري للجمعيات.
6- تشكيل هيئة وطنية للمصالحة والإنصاف ورد المظالم من أجل الكشف عن المفقودين السوريين وضمان الحقوق الأساسية الخاصة بالتعويض وإعادة التأهيل لضحايا التسلط والعنف السياسيين.
7- مباشرة إجراءات عودة المال العام المسروق لخزينة الدولة، وإعطاء اهتمام خاص للأحياء الفقيرة والجماعات المهمشة والعاطلة والمستضعفة وصغار صغار الكسبة، والسعي لتأمين حد أدنى للعيش لكل الفئات المظلومة.
لتحقيق هذه الأهداف، ندعو القوة السياسية والشخصيات العامة والهيئات والمنظمات السورية, ومجموعات شباب الانتفاضة للعمل سويه علماً بأنه مهما طال واستفحل استخدام العنف والقمع من قبل النظام، فلن تكون هناك طريق أخرى نحو المستقبل غير الحوار والآليات الديمقراطية والتفاهم بين أبناء الوطن الواحد لصنع مستقبلهم المشترك ، وستطرح هذه القوى للتغيير الوطني الديمقراطي تصوراته ورؤاه لكيفية التحرك و الانتقال من الواقع القائم في البلاد نحو تحقيق الأهداف المنشودة.
معا من أجل سورية حرة مدنية ديمقراطية قوية ، وطنا سيدا كريما لكل أبنائها .
حركة شباب 17 نيسان من أجل التغيير الديمقراطي في سوريا
الأحد، 17 يوليو 2011
وثيقة الأزهر: مباديء التقدم المصرية نحو الدولة العصرية
سعود المولى
وأنا استعير هذا العنوان الجميل من الصديق المصري الدكتور سمير مرقس (وهو من رفاقنا الأوائل في تأسيس أعمال الحوار الاسلامي- المسيحي والحوار الديني- العلماني في مصر، الى جانب المستشار طارق البشري والدكتور سليم العوا) الذي كتب لنا (في الفريق العربي للحوار) رسالة يقول فيها إنه "في لحظات التحول السياسي،من الأهمية بمكان أن تلتئم الإرادة الوطنية لجموع المواطنين على اختلافهم،حول هدف واحد هو كيف يمكن أن يبنى الوطن بجهد كل مواطنيه وفق بوصلة هادية تمثل إطاراً مرجعياً حاكماً للحركة من أجل مستقبل ناهض للوطن".
في هذا السياق قام فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب بمبادرة "تأتي في وقتها تماماً" (بحسب سمير مرقس وهو محق) حيث وجه الدعوة لمجموعة من المثقفين المصريين (فيهم أقباط وعلمانيون، وفيهم أدباء وفنانون) للتلاقي مع عدد من علماء ومفكري الازهر "للحوار والتدارس حول مقتضيات اللحظة الفارقة التي تمر بها مصر بعد ثورة 25 من يناير"، وذلك "لأهميتها في توجيه مستقبل مصر نحو غاياته النبيلة وحقوق شعبها في الحرية والكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعية". وعلى مدى جلسات ست "توافق المجتمعون على ضرورة تأسيس مسيرة الوطن على مباديء كلية وقواعد شاملة تناقشها قوى المجتمع المصري وتستبصر في سيرها بالخطى الرشيدة..". (كما جاء في رسالة الدعوة الأزهرية للقاء).
تمثل هذه المبادرة علامة فاصلة في تاريخ مصر الحديثة من خلال ما تضمنته من مباديء تعبر عن الخبرة الحضارية المصرية التي عرفتها مصر الحديثة حيث تجدد الالتزام / وتوصي بالاهتداء بها.
اجتهد المجتمعون في "تحديد المباديء الحاكمة لفهم علاقة الإسلام بالدولة ...،وذلك في إطار استراتيجية توافقية، ترسم شكل الدولة العصرية المنشودة ونظام الحكم فيها، وتدفع بالأمة في طريق الانطلاق نحو التقدم الحضاري،بما يحقق عملية التحول الديمقراطي ويضمن العدالة الاجتماعية، ويكفل لمصر دخول عصر إنتاج المعرفة والعلم ...".
من هنا توافق المجتمعون على عدد من المباديء تشكل في مجملها الأركان الأساسية للتقدم.
1- أول هذه المباديء ينص على "دعم تأسيس الدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة..."،
2- وثانياً "اعتماد النظام الديمقراطي.."، و"توخي منافع الناس ومصالحهم العامة.."، و"إدارة شؤون البلاد بالقانون ـ والقانون وحده ـ..".
3- وثالثاً "الالتزام بمنظومة الحريات الأساسية في الفكر والرأي مع الاحترام الكامل لحقوق الإنسان والمراة والطفل، واعتبار المواطنة مناط المسؤولية في المجتمع".
4- ورابعا"الاحترام التام لآداب الاختلاف وأخلاقيات الحوار..".كما تؤكد الوثيقة على ضرورة اجتناب التكفير والتخوين واستغلال الدين واستخدامه لبعث الفرقة والتنابذ والعداء بين المواطنين، ويعتبر المجتمعون "الحث على الفتنة والعنصرية جريمة في حق الوطن".
5- وخامساً "تأكيد الالتزام بالمواثيق الدولية،والتمسك بالمنجزات الحضارية في العلاقات الانسانية".
6- وسادساً "الحرص التام على صيانة كرامة الامة المصرية و الحفاظ على العزة الوطنية وتأكيد الحماية التامة والاحترام الكامل لدور العبادة لأتباع الديانات الثلاث (الاسلام والمسيحية واليهودية)، وضمان الممارسة الحرة لجميع الشعائر الدينية دون أية معوقات، واحترام جميع مظاهر العبادة بمختلف أشكالها ..وصيانة حرية التعبير والإبداع الفني والأدبي..".
7- وسابعاً اعتبار "التعليم والبحث العلمي ودخول عصر المعرفة قاطرة التقدم الحضاري..".
8- وثامناً إعمال فقه الأولويات في تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية، ومواجهة الاستبداد ومكافحة الفساد، والقضاء على البطالة ..واعتبار الرعاية الصحية الحقيقية واجب الدولة تجاه المواطنين جميعا".
9- وتاسعاً بناء علاقات مصر العربية والإسلامية والأفريقية والعالمية.
10- وعاشراً تأييد استقلال الأزهر.
11- وأخيراً اعتبار الأزهر الشريف هو الجهة المختصة المرجعية في شؤون الإسلام.
نحن معك يا شيخ الأزهر في هذه الرؤية العصرية التنويرية المدنية للحكم في مصر وكل البلاد العربية والاسلامية... ويا حبذا لو تنتقل عدوى هذه الاجتهادات والممارسات المدنية الديمقراطية الطيبة الى بلاد الشام وجوارها فيكتمل عقد ربيع العرب وتنتصر ارادة الشعوب.
وأنا استعير هذا العنوان الجميل من الصديق المصري الدكتور سمير مرقس (وهو من رفاقنا الأوائل في تأسيس أعمال الحوار الاسلامي- المسيحي والحوار الديني- العلماني في مصر، الى جانب المستشار طارق البشري والدكتور سليم العوا) الذي كتب لنا (في الفريق العربي للحوار) رسالة يقول فيها إنه "في لحظات التحول السياسي،من الأهمية بمكان أن تلتئم الإرادة الوطنية لجموع المواطنين على اختلافهم،حول هدف واحد هو كيف يمكن أن يبنى الوطن بجهد كل مواطنيه وفق بوصلة هادية تمثل إطاراً مرجعياً حاكماً للحركة من أجل مستقبل ناهض للوطن".
في هذا السياق قام فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب بمبادرة "تأتي في وقتها تماماً" (بحسب سمير مرقس وهو محق) حيث وجه الدعوة لمجموعة من المثقفين المصريين (فيهم أقباط وعلمانيون، وفيهم أدباء وفنانون) للتلاقي مع عدد من علماء ومفكري الازهر "للحوار والتدارس حول مقتضيات اللحظة الفارقة التي تمر بها مصر بعد ثورة 25 من يناير"، وذلك "لأهميتها في توجيه مستقبل مصر نحو غاياته النبيلة وحقوق شعبها في الحرية والكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعية". وعلى مدى جلسات ست "توافق المجتمعون على ضرورة تأسيس مسيرة الوطن على مباديء كلية وقواعد شاملة تناقشها قوى المجتمع المصري وتستبصر في سيرها بالخطى الرشيدة..". (كما جاء في رسالة الدعوة الأزهرية للقاء).
تمثل هذه المبادرة علامة فاصلة في تاريخ مصر الحديثة من خلال ما تضمنته من مباديء تعبر عن الخبرة الحضارية المصرية التي عرفتها مصر الحديثة حيث تجدد الالتزام / وتوصي بالاهتداء بها.
اجتهد المجتمعون في "تحديد المباديء الحاكمة لفهم علاقة الإسلام بالدولة ...،وذلك في إطار استراتيجية توافقية، ترسم شكل الدولة العصرية المنشودة ونظام الحكم فيها، وتدفع بالأمة في طريق الانطلاق نحو التقدم الحضاري،بما يحقق عملية التحول الديمقراطي ويضمن العدالة الاجتماعية، ويكفل لمصر دخول عصر إنتاج المعرفة والعلم ...".
من هنا توافق المجتمعون على عدد من المباديء تشكل في مجملها الأركان الأساسية للتقدم.
1- أول هذه المباديء ينص على "دعم تأسيس الدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة..."،
2- وثانياً "اعتماد النظام الديمقراطي.."، و"توخي منافع الناس ومصالحهم العامة.."، و"إدارة شؤون البلاد بالقانون ـ والقانون وحده ـ..".
3- وثالثاً "الالتزام بمنظومة الحريات الأساسية في الفكر والرأي مع الاحترام الكامل لحقوق الإنسان والمراة والطفل، واعتبار المواطنة مناط المسؤولية في المجتمع".
4- ورابعا"الاحترام التام لآداب الاختلاف وأخلاقيات الحوار..".كما تؤكد الوثيقة على ضرورة اجتناب التكفير والتخوين واستغلال الدين واستخدامه لبعث الفرقة والتنابذ والعداء بين المواطنين، ويعتبر المجتمعون "الحث على الفتنة والعنصرية جريمة في حق الوطن".
5- وخامساً "تأكيد الالتزام بالمواثيق الدولية،والتمسك بالمنجزات الحضارية في العلاقات الانسانية".
6- وسادساً "الحرص التام على صيانة كرامة الامة المصرية و الحفاظ على العزة الوطنية وتأكيد الحماية التامة والاحترام الكامل لدور العبادة لأتباع الديانات الثلاث (الاسلام والمسيحية واليهودية)، وضمان الممارسة الحرة لجميع الشعائر الدينية دون أية معوقات، واحترام جميع مظاهر العبادة بمختلف أشكالها ..وصيانة حرية التعبير والإبداع الفني والأدبي..".
7- وسابعاً اعتبار "التعليم والبحث العلمي ودخول عصر المعرفة قاطرة التقدم الحضاري..".
8- وثامناً إعمال فقه الأولويات في تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية، ومواجهة الاستبداد ومكافحة الفساد، والقضاء على البطالة ..واعتبار الرعاية الصحية الحقيقية واجب الدولة تجاه المواطنين جميعا".
9- وتاسعاً بناء علاقات مصر العربية والإسلامية والأفريقية والعالمية.
10- وعاشراً تأييد استقلال الأزهر.
11- وأخيراً اعتبار الأزهر الشريف هو الجهة المختصة المرجعية في شؤون الإسلام.
نحن معك يا شيخ الأزهر في هذه الرؤية العصرية التنويرية المدنية للحكم في مصر وكل البلاد العربية والاسلامية... ويا حبذا لو تنتقل عدوى هذه الاجتهادات والممارسات المدنية الديمقراطية الطيبة الى بلاد الشام وجوارها فيكتمل عقد ربيع العرب وتنتصر ارادة الشعوب.
السبت، 16 يوليو 2011
الشيخ علي سلمان: شيعة البحرين أهل العروبة والوفاء والحوار والتضامن
ملخص كلمة الأمين العام لجمعية الوفاق الوطني الإسلامية الشيخ علي سلمان في مهرجان:
قرية البلاد القديم - الجمعة : 15 يوليو 2011
وقفة شكر :
1- لأهالي منطقة بلاد القديم على حسن الضيافة والاستقبال
2- للعاملين بصمت خلف الكواليس حتى يعدوا لمثل هذه اللقاءات
3- للجمهور الواعي الحاضر للمطالبة بحقوقه
4- للمرأة الحاضرة والداعمة للحركة المطلبية
ترحيب :
نرحب بجميع المفرج عنهم في الأيام والأسابيع القليلة الماضية , هؤلاء مواطنون طالبوا بحقوقهم بطريقة سلمية ومن المفترض الا يكونوا خلف القضبان أصلا وهم ليسوا خونة .
الكثير من الافراجات هي مؤقتة وهناك محاكم تنتظر المفرج عنهم مثل الأطباء والأخت آيات القرمزي .
في الوقت الذي نؤكد ونشدد على أهمية وضرورة الإفراج عن كل المعتقلين إلا أن حجر الزاوية في الحل هو الاستجابة للمطالب الديمقراطية لشعب البحرين
وندعو إلى الإفراج عن جميع المعتقلين وتبييض السجون وبالخصوص أول معتقل محمد البوفلاسة .
وقفة تضامن :
1- مع أسر الشهداء والجرحى والمعتقلين جميعا
2- مع المعتقلات وفي مقدمتهم فضيلة المبارك ، ورولا الصفار وجليلة السلمان .
3- مع المفصولين في القطاعين العام والخاص
4- مع سواق سيارات الأجرة والشاحنات
وندعو إلى إنهاء هذا العقاب الجماعي بكل أشكاله
الدعوة إلى توثيق الانتهاكات :
1- أدعوكم إلى الانخراط في فرق العمل الحقوقية في الوفاق والمركز والجمعية البحرينية لحقوق الإنسان ولجنة رصد جمعية وعد
2- أدعوكم إلى توثيق كافة الانتهاكات الصغيرة والكبيرة
3- الدقة في التوثيق بعيدا عن أي مبالغات
مطالبنا إصلاح جذري
لنكون واضحين إن مطالبنا إصلاح جذري ديمقراطي يتمثل في :
1- حكومة منتخبة بإرادة شعبية
2- مجلس منتخب يتفرد بالصلاحية التشريعية والرقابية الكاملة
3- دوائر عادلة ونظام انتخابي شفاف ونزيه
4- قضاء مستقل
5- أمن من حيف وتعسف الأجهزة الأمنية
وهذه مطالب لا تتحدث عن إسقاط النظام.
النصر للجميع :
أيها الأحبة العودة للدوار ليست نصرا ، وقتل الناس وسجنهم وفصلهم من أعمالهم ومعاقبتهم عقابا جماعيا ليست نصرا للسلطة .
النصر الحقيقي هو الوصول إلى توافق وطني على إصلاحات ديمقراطية جذرية تحقق المطالب الشعبية العادلة وتثمر أمن واستقرار وتنمية وحرية وكرامة وعزة للبحرين بجميع أهلها .
وغير ذلك خسران للوطن وأهله .
واقع مسمى الحوار والموقف منه :
1- دخلنا الحوار جادين على إنجاحه ما أمكن
2- عملنا على إصلاح :
أ-مقدمات الحوار
ب- إجراءات الحوار
ج- نتائج الحوار
وبعثنا بتلك الرسائل وقدمنا المرئيات ووجدنا أذن من طين وأذن من عجين .
3- وقد رفع وفد الوفاق مذكرة للأمانة يشرح فيها الموقف وسوف تنظر الأمانة في هذه الرسالة يوم الأحد القادم ثم نرفع رأيها إلى شورى الوفاق .إننا مع حوار جدي شامل ، ينتج حلا سياسيا طويل الأمد يحقق للبحرين التحول للديمقراطية ويبني دولة المؤسسات والقانون ، دولة الحرية والكرامة وصيانة حقوق الإنسان .
واقع تقسيم الدوائر الحالية :
1- تقسيم يقوم على الطائفية بدلا من المواطنة ، يكرس التمييز بدل أن يزيل التمييز في الحقوق السياسية
2- تقسيم يقوم على أساس الموالاة السياسية بدل الحيادية من السلطة
3- تقسيم يقسم المجتمع ويخلق طبقات بدل أن يوحده فمواطن الجنوبية يساوي 25مواطن في المناطق الأخرى
4- تقسيم يتحكم في الإرادة الشعبية ويتلاعب بها بدل ان يحترمها ويستمع لها
5- تقسيم يفرغ الانتخابات من مضمونها
6- ان الدوائر الحالية تمثل اضطهاد سياسي مبرمج للمعارضة
نريد دوائر عادلة :
1- تحقق المبدأ العالمي صوت لكل مواطن وبذلك تتحقق المساواة السياسية بين المواطنين في التصويت
لماذا اخترنا نظام الدائرة الواحدة والتمثيل النسبي :
1- البحرين صغيرة ، وعدد الناخبين فيها يقارب دائرة واحدة في الديمقراطيات الكبيرة
2- نعتقد أن نظام الدائرة الواحدة سوف يقلل عدد نواب الوفاق لكنه يعطي الجميع فرصة في المشاركة والتمثيل في البرلمان للمرأة ، وللقوى الصغيرة ولأنه أكثر عدالة في التمثيل اخترناه
الديمقراطية حل ناجح للمجتمعات المتعددة:
1- اليوم معظم المجتمعات متعددة في الديانات والطوائف والأعراق والتوجهات السياسية في كل بدان العالم .
أمريكا، مصر، المغرب، الأردن ، الهند ، تركيا ، وأفضل نظام جلب الاستقرار والتنمية لهذه المجتمعات هو الديمقراطية
2- حديث الخصوصية البحرينية المانعة من الديمقراطية هي كذبة ديكتاتورية مصلحية ، فالديمقراطية الكاملة هي الأفضل للبحرين المكونة من مسلمين ، مسيحيين ومن سنة وشيعة وعرب وعجم ومن أسود وأبيض ، كفوا عن الكذب فقد أصبحت مكشوفة وغير ذات معنى في نظر العالم .
التأكيد على العمل السلمي :
1- أحد عناصر القوة في تحرك شعب البحرين هو السلمية بعد الحق والتوكل على الله .
2- عدم الانجرار إلى أي أساليب عنيفة والتمسك بمبدأ (اللاعنف في التحرك ) والحفاظ على أرواح الجميع وعلى الممتلكات العامة والخاصة وحرية الجميع ومصالحهم .
التجنيس :
1- إن الأخبار التي ذكرتها صحف كويتية ويمنية وباكستانية ، والمشاهدات للازدحامات عند دائرة الجنسية لا تنبئ عن رغبة حل سياسي ومصالحة وطنية .
2- لتكن هناك لجنة محايدة للنظر في موضوع التجنيس منذ بدايته حتى نغلق هذا الملف ولا يكون حجر عثر في وجه أي مصالحة يمكن أن تتولد .
نظرة للمستقبل :
تعالوا معا نبني وطننا على أساس قيم إنشائية متقدمة، تعالوا معا نبني وطننا على قيمة المواطنة حيث ينظر إليك على أنك مواطن بحريني بدل وطن ينظر إليك فيه على أساس الأعراق والقبائل والطوائف ...
تعالوا معا نبني وطننا على أساس سيادة القانون حيث الجميع تحت القانون ولا أحد فوقه بدل وطن المتنفدين اللذين يستطيعون أن يستولوا على الأراضي والمال العام ويتصرفون بلا ضوابط أو قانون ولا احد يستطيع سؤالهم آو محاسبتهم وإيقافهم عن عبثهم في المال العام .
تعالوا معا نبني وطنا على أساس قيمة المساواة حيث يتساوى الجميع في الحقوق والواجبات بدل وطن التمييز على أساس تقسيمات جاهلية نبذها الإسلام ونبذتها الإنسانية
تعالوا معا نبني وطننا على أساس قيمة الديمقراطية تحت المبدأ الدستوري (الشعب مصدر السلطات) بدل وطن الاستفراد والديكتاتورية
تعالوا معا نبني وطننا في دولة مدنية حديثة متطورة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا بدل الانتماء إلى عالم القرون الوسطى أو في أحسن التقييمات بلد من العالم الثالث .
تعالوا معا نبني وطنا يضمن لأبنائنا التعليم المتطور ، والرعاية الصحية والرفاهية في الحياة بدل وطن الأزمة المستعصية ابتداء من أزمة الرمل والماء والكهرباء والأراضي والإسكان وتراجع الجودة في التعليم و الصحة و الطرق وغيرها .
تعالوا معا نبني وطنا على قيمة الحرية والكرامة للجميع بدل وطن الاسياد والعبيد .
إن اختلاف درجة العبودية بين عبد البيت وعبد المزرعة وبين عبد بيده سوط وبين عبد يجلد ظهره لا يخرج العبد الذي بيده سوط عن العبودية .
تعالوا معا شيعه وسنة حاكمين ومحكومين إسلاميين وعلمانيين نبني وطن الكرامة والعزة والتحضر والاستقرار والتنمية لنا ولأبنائنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه وارنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه
اللهم اجعل هذا البلد امنا وارزق أهله من الثمرات وآمن أهله من كل خوف
والسلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته،،،
قرية البلاد القديم - الجمعة : 15 يوليو 2011
وقفة شكر :
1- لأهالي منطقة بلاد القديم على حسن الضيافة والاستقبال
2- للعاملين بصمت خلف الكواليس حتى يعدوا لمثل هذه اللقاءات
3- للجمهور الواعي الحاضر للمطالبة بحقوقه
4- للمرأة الحاضرة والداعمة للحركة المطلبية
ترحيب :
نرحب بجميع المفرج عنهم في الأيام والأسابيع القليلة الماضية , هؤلاء مواطنون طالبوا بحقوقهم بطريقة سلمية ومن المفترض الا يكونوا خلف القضبان أصلا وهم ليسوا خونة .
الكثير من الافراجات هي مؤقتة وهناك محاكم تنتظر المفرج عنهم مثل الأطباء والأخت آيات القرمزي .
في الوقت الذي نؤكد ونشدد على أهمية وضرورة الإفراج عن كل المعتقلين إلا أن حجر الزاوية في الحل هو الاستجابة للمطالب الديمقراطية لشعب البحرين
وندعو إلى الإفراج عن جميع المعتقلين وتبييض السجون وبالخصوص أول معتقل محمد البوفلاسة .
وقفة تضامن :
1- مع أسر الشهداء والجرحى والمعتقلين جميعا
2- مع المعتقلات وفي مقدمتهم فضيلة المبارك ، ورولا الصفار وجليلة السلمان .
3- مع المفصولين في القطاعين العام والخاص
4- مع سواق سيارات الأجرة والشاحنات
وندعو إلى إنهاء هذا العقاب الجماعي بكل أشكاله
الدعوة إلى توثيق الانتهاكات :
1- أدعوكم إلى الانخراط في فرق العمل الحقوقية في الوفاق والمركز والجمعية البحرينية لحقوق الإنسان ولجنة رصد جمعية وعد
2- أدعوكم إلى توثيق كافة الانتهاكات الصغيرة والكبيرة
3- الدقة في التوثيق بعيدا عن أي مبالغات
مطالبنا إصلاح جذري
لنكون واضحين إن مطالبنا إصلاح جذري ديمقراطي يتمثل في :
1- حكومة منتخبة بإرادة شعبية
2- مجلس منتخب يتفرد بالصلاحية التشريعية والرقابية الكاملة
3- دوائر عادلة ونظام انتخابي شفاف ونزيه
4- قضاء مستقل
5- أمن من حيف وتعسف الأجهزة الأمنية
وهذه مطالب لا تتحدث عن إسقاط النظام.
النصر للجميع :
أيها الأحبة العودة للدوار ليست نصرا ، وقتل الناس وسجنهم وفصلهم من أعمالهم ومعاقبتهم عقابا جماعيا ليست نصرا للسلطة .
النصر الحقيقي هو الوصول إلى توافق وطني على إصلاحات ديمقراطية جذرية تحقق المطالب الشعبية العادلة وتثمر أمن واستقرار وتنمية وحرية وكرامة وعزة للبحرين بجميع أهلها .
وغير ذلك خسران للوطن وأهله .
واقع مسمى الحوار والموقف منه :
1- دخلنا الحوار جادين على إنجاحه ما أمكن
2- عملنا على إصلاح :
أ-مقدمات الحوار
ب- إجراءات الحوار
ج- نتائج الحوار
وبعثنا بتلك الرسائل وقدمنا المرئيات ووجدنا أذن من طين وأذن من عجين .
3- وقد رفع وفد الوفاق مذكرة للأمانة يشرح فيها الموقف وسوف تنظر الأمانة في هذه الرسالة يوم الأحد القادم ثم نرفع رأيها إلى شورى الوفاق .إننا مع حوار جدي شامل ، ينتج حلا سياسيا طويل الأمد يحقق للبحرين التحول للديمقراطية ويبني دولة المؤسسات والقانون ، دولة الحرية والكرامة وصيانة حقوق الإنسان .
واقع تقسيم الدوائر الحالية :
1- تقسيم يقوم على الطائفية بدلا من المواطنة ، يكرس التمييز بدل أن يزيل التمييز في الحقوق السياسية
2- تقسيم يقوم على أساس الموالاة السياسية بدل الحيادية من السلطة
3- تقسيم يقسم المجتمع ويخلق طبقات بدل أن يوحده فمواطن الجنوبية يساوي 25مواطن في المناطق الأخرى
4- تقسيم يتحكم في الإرادة الشعبية ويتلاعب بها بدل ان يحترمها ويستمع لها
5- تقسيم يفرغ الانتخابات من مضمونها
6- ان الدوائر الحالية تمثل اضطهاد سياسي مبرمج للمعارضة
نريد دوائر عادلة :
1- تحقق المبدأ العالمي صوت لكل مواطن وبذلك تتحقق المساواة السياسية بين المواطنين في التصويت
لماذا اخترنا نظام الدائرة الواحدة والتمثيل النسبي :
1- البحرين صغيرة ، وعدد الناخبين فيها يقارب دائرة واحدة في الديمقراطيات الكبيرة
2- نعتقد أن نظام الدائرة الواحدة سوف يقلل عدد نواب الوفاق لكنه يعطي الجميع فرصة في المشاركة والتمثيل في البرلمان للمرأة ، وللقوى الصغيرة ولأنه أكثر عدالة في التمثيل اخترناه
الديمقراطية حل ناجح للمجتمعات المتعددة:
1- اليوم معظم المجتمعات متعددة في الديانات والطوائف والأعراق والتوجهات السياسية في كل بدان العالم .
أمريكا، مصر، المغرب، الأردن ، الهند ، تركيا ، وأفضل نظام جلب الاستقرار والتنمية لهذه المجتمعات هو الديمقراطية
2- حديث الخصوصية البحرينية المانعة من الديمقراطية هي كذبة ديكتاتورية مصلحية ، فالديمقراطية الكاملة هي الأفضل للبحرين المكونة من مسلمين ، مسيحيين ومن سنة وشيعة وعرب وعجم ومن أسود وأبيض ، كفوا عن الكذب فقد أصبحت مكشوفة وغير ذات معنى في نظر العالم .
التأكيد على العمل السلمي :
1- أحد عناصر القوة في تحرك شعب البحرين هو السلمية بعد الحق والتوكل على الله .
2- عدم الانجرار إلى أي أساليب عنيفة والتمسك بمبدأ (اللاعنف في التحرك ) والحفاظ على أرواح الجميع وعلى الممتلكات العامة والخاصة وحرية الجميع ومصالحهم .
التجنيس :
1- إن الأخبار التي ذكرتها صحف كويتية ويمنية وباكستانية ، والمشاهدات للازدحامات عند دائرة الجنسية لا تنبئ عن رغبة حل سياسي ومصالحة وطنية .
2- لتكن هناك لجنة محايدة للنظر في موضوع التجنيس منذ بدايته حتى نغلق هذا الملف ولا يكون حجر عثر في وجه أي مصالحة يمكن أن تتولد .
نظرة للمستقبل :
تعالوا معا نبني وطننا على أساس قيم إنشائية متقدمة، تعالوا معا نبني وطننا على قيمة المواطنة حيث ينظر إليك على أنك مواطن بحريني بدل وطن ينظر إليك فيه على أساس الأعراق والقبائل والطوائف ...
تعالوا معا نبني وطننا على أساس سيادة القانون حيث الجميع تحت القانون ولا أحد فوقه بدل وطن المتنفدين اللذين يستطيعون أن يستولوا على الأراضي والمال العام ويتصرفون بلا ضوابط أو قانون ولا احد يستطيع سؤالهم آو محاسبتهم وإيقافهم عن عبثهم في المال العام .
تعالوا معا نبني وطنا على أساس قيمة المساواة حيث يتساوى الجميع في الحقوق والواجبات بدل وطن التمييز على أساس تقسيمات جاهلية نبذها الإسلام ونبذتها الإنسانية
تعالوا معا نبني وطننا على أساس قيمة الديمقراطية تحت المبدأ الدستوري (الشعب مصدر السلطات) بدل وطن الاستفراد والديكتاتورية
تعالوا معا نبني وطننا في دولة مدنية حديثة متطورة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا بدل الانتماء إلى عالم القرون الوسطى أو في أحسن التقييمات بلد من العالم الثالث .
تعالوا معا نبني وطنا يضمن لأبنائنا التعليم المتطور ، والرعاية الصحية والرفاهية في الحياة بدل وطن الأزمة المستعصية ابتداء من أزمة الرمل والماء والكهرباء والأراضي والإسكان وتراجع الجودة في التعليم و الصحة و الطرق وغيرها .
تعالوا معا نبني وطنا على قيمة الحرية والكرامة للجميع بدل وطن الاسياد والعبيد .
إن اختلاف درجة العبودية بين عبد البيت وعبد المزرعة وبين عبد بيده سوط وبين عبد يجلد ظهره لا يخرج العبد الذي بيده سوط عن العبودية .
تعالوا معا شيعه وسنة حاكمين ومحكومين إسلاميين وعلمانيين نبني وطن الكرامة والعزة والتحضر والاستقرار والتنمية لنا ولأبنائنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه وارنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه
اللهم اجعل هذا البلد امنا وارزق أهله من الثمرات وآمن أهله من كل خوف
والسلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته،،،
ما هو الجديد في ربيع الشعوب العربية؟
سعود المولى
يتفق المحللون والكتاب والباحثون المنصفون على أن ثورات الشباب في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا والبحرين، وقبلها ثوراتنا المجهضة في لبنان وايران، هذه الثورات كسرت حواجز الخوف والرعب والعزلة التي عاشها الناس طيلة عقود من القهر والذل والقمع..
تمثلت الثورة على روتين الخضوع اليومي المستدام خصوصاً في اندفاع الناس للنزول الى الشوارع والساحات العامة بدل البقاء في العزلة الفردية في المنزل أو مكان العمل أو في الحارة أو القرية.. ويأتي في طليعة وسائل الخروج العام للناس على قواعد وضوابط الاستكانة والخضوع والمهانة دور شبكات التواصل الاجتماعي عبر الانترنت والفايسبوك والتويتر وغيرها..
خرج الناس شارعاً شارعاً وزنقة زنقة وحارة حارة وبيتاً بيتاً يقضون مضاجع الجلادين ويصرخون في وجه الظلمة الفاجرين..
والقيمة الأساس لكل ما جرى ويجري في البلاد العربية تتمثل في انطلاق مارد الحرية والكرامة من قمقمه الذي حُبس فيه منذ تسلط على رقاب هذه الأمة وشعوبها ظباط انقلابات آخر الليل، فرسان الهزائم والنكسات في وجه العدو المحتل ..
انطلقت الحناجر وتعالت الأصوات تنادي بحرية الرأي والتعبير..ومارس الناس هذا الحق عبر البيانات والشعارات واليافطات والمناقشات وعبر أصوات الهتافات تصرخ وتشدو بلابلها بأجمل ألحان الحرية في الشوارع والحارات وفي القرى وعلى الطرقات...
ومارس الناس الحرية في الانتظام والتنظيم وفي تشكيل التكتلات والتيارات والتحالفات..
ومارسوها في تبنيهم وهضمهم وتوطينهم لمفاهيم الديمقراطية والمساواة والمواطنة والعدالة وهي المفاهيم التي قال المستشرقون وقالت أحزاب الهزيمة والنكسة والانقلابات والاغتيالات انها مفاهيم ومعايير حديثة غربية بعيدة عن عقلية وذهنية شعوبنا القبلية الطائفية العشائرية..
وطرح الناس شعارلا للفساد وحولوه الى هم جماهيري والى أداة تحشيد وتعبئة في وجه الذين كدسوا مليارات الدولارات في بنوك الغرب مسحوبة من دماء شباب الوطن وشاباتها الذين قضوا في السجون الرهيبة أو على الحدود مع العدو..
اكتشفت شعوبنا معنى الكرامة البشرية ومعنى الحقوق المسلوبة منذ عقود ومعنى وضرورة المطالبة باستعادتها ولو بثمن الموت.. نعم طاب الموت والله طاب... وعزت الروح.. ولم تبخل الشعوب بها..
اكتشف الناس معنى المسؤولية الفردية والجمعية ومعنى المبادرة الى تحملها..وقاموا بذلك بكل اقتدار وعنفوان ..
واكتشف الناس معنى الوعي واليقظة في الدفاع عن المنجزات والمكتسبات وعدم الغفلة أو التهاون في وجه المتسلقين والانتهازيين ..فحشروا الاحزاب والشخصيات السياسية في الزاوية..
ومن واقع وحقيقة حداثة وعفوية وسائل التعبير والتنظيم، وواقع وحقيقة كون المطالبة سلمية ديمقراطية جماهيرية، كانت المعركة مع الأنظمة معركة شعبية لا عنفية ولا حزبية ولا نخبوية.. وقد رفضت الجماهير كل الزعامات المسقطة على الناس فجأة أو القادمة اليهم من الخارج ..
أما الجديد الرائع والخطير في آن معاً فيتمثل في ذلك الشعار البسيط الذي صار اليوم موضة العصر من المحيط الى الخليج: الشعب يريد... تلك الكلمة السحرية: الشعب يريد تؤذن بتبلور الارادة الشعبية للناس باعتبارها المقدمة الضرورية لكل اجتماع سياسي مدني يقوم على قواعد ثابتة من العدالة والمساواة ومن الحرية والكرامة ... وبالتالي فإنه يؤذن بولادة الرأي العام العربي بدل الغوغاء والجموع والحشود التي تهتف لجلادها الحزب الواحد والقائد الأوحد والزعيم المعصوم...صار الرأي العام هو وحده القائد وهو وحده المعصوم..
أما المنعطف السياسي الأهم والأخطر فتمثل في طرح مطلب وشعار إقامة الدولة المدنية.. لا دولة دينية ولا دولة علمانية، لا دولة فاشية أو شيوعية أو بعثية أو قومية عربية أو سورية... الدولة المدنية.. ولنتذكر أنه كان شعار المرحومين كمال جنبلاط ومحمد مهدي شمس الدين.
الدولة المدنية هذه هي المسألة والقضية الأساس التي ستحكم الحوارات والمجادلات والسياسات للعقود القادمة... وفي ذلك فليتنافس المتنافسون
يتفق المحللون والكتاب والباحثون المنصفون على أن ثورات الشباب في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا والبحرين، وقبلها ثوراتنا المجهضة في لبنان وايران، هذه الثورات كسرت حواجز الخوف والرعب والعزلة التي عاشها الناس طيلة عقود من القهر والذل والقمع..
تمثلت الثورة على روتين الخضوع اليومي المستدام خصوصاً في اندفاع الناس للنزول الى الشوارع والساحات العامة بدل البقاء في العزلة الفردية في المنزل أو مكان العمل أو في الحارة أو القرية.. ويأتي في طليعة وسائل الخروج العام للناس على قواعد وضوابط الاستكانة والخضوع والمهانة دور شبكات التواصل الاجتماعي عبر الانترنت والفايسبوك والتويتر وغيرها..
خرج الناس شارعاً شارعاً وزنقة زنقة وحارة حارة وبيتاً بيتاً يقضون مضاجع الجلادين ويصرخون في وجه الظلمة الفاجرين..
والقيمة الأساس لكل ما جرى ويجري في البلاد العربية تتمثل في انطلاق مارد الحرية والكرامة من قمقمه الذي حُبس فيه منذ تسلط على رقاب هذه الأمة وشعوبها ظباط انقلابات آخر الليل، فرسان الهزائم والنكسات في وجه العدو المحتل ..
انطلقت الحناجر وتعالت الأصوات تنادي بحرية الرأي والتعبير..ومارس الناس هذا الحق عبر البيانات والشعارات واليافطات والمناقشات وعبر أصوات الهتافات تصرخ وتشدو بلابلها بأجمل ألحان الحرية في الشوارع والحارات وفي القرى وعلى الطرقات...
ومارس الناس الحرية في الانتظام والتنظيم وفي تشكيل التكتلات والتيارات والتحالفات..
ومارسوها في تبنيهم وهضمهم وتوطينهم لمفاهيم الديمقراطية والمساواة والمواطنة والعدالة وهي المفاهيم التي قال المستشرقون وقالت أحزاب الهزيمة والنكسة والانقلابات والاغتيالات انها مفاهيم ومعايير حديثة غربية بعيدة عن عقلية وذهنية شعوبنا القبلية الطائفية العشائرية..
وطرح الناس شعارلا للفساد وحولوه الى هم جماهيري والى أداة تحشيد وتعبئة في وجه الذين كدسوا مليارات الدولارات في بنوك الغرب مسحوبة من دماء شباب الوطن وشاباتها الذين قضوا في السجون الرهيبة أو على الحدود مع العدو..
اكتشفت شعوبنا معنى الكرامة البشرية ومعنى الحقوق المسلوبة منذ عقود ومعنى وضرورة المطالبة باستعادتها ولو بثمن الموت.. نعم طاب الموت والله طاب... وعزت الروح.. ولم تبخل الشعوب بها..
اكتشف الناس معنى المسؤولية الفردية والجمعية ومعنى المبادرة الى تحملها..وقاموا بذلك بكل اقتدار وعنفوان ..
واكتشف الناس معنى الوعي واليقظة في الدفاع عن المنجزات والمكتسبات وعدم الغفلة أو التهاون في وجه المتسلقين والانتهازيين ..فحشروا الاحزاب والشخصيات السياسية في الزاوية..
ومن واقع وحقيقة حداثة وعفوية وسائل التعبير والتنظيم، وواقع وحقيقة كون المطالبة سلمية ديمقراطية جماهيرية، كانت المعركة مع الأنظمة معركة شعبية لا عنفية ولا حزبية ولا نخبوية.. وقد رفضت الجماهير كل الزعامات المسقطة على الناس فجأة أو القادمة اليهم من الخارج ..
أما الجديد الرائع والخطير في آن معاً فيتمثل في ذلك الشعار البسيط الذي صار اليوم موضة العصر من المحيط الى الخليج: الشعب يريد... تلك الكلمة السحرية: الشعب يريد تؤذن بتبلور الارادة الشعبية للناس باعتبارها المقدمة الضرورية لكل اجتماع سياسي مدني يقوم على قواعد ثابتة من العدالة والمساواة ومن الحرية والكرامة ... وبالتالي فإنه يؤذن بولادة الرأي العام العربي بدل الغوغاء والجموع والحشود التي تهتف لجلادها الحزب الواحد والقائد الأوحد والزعيم المعصوم...صار الرأي العام هو وحده القائد وهو وحده المعصوم..
أما المنعطف السياسي الأهم والأخطر فتمثل في طرح مطلب وشعار إقامة الدولة المدنية.. لا دولة دينية ولا دولة علمانية، لا دولة فاشية أو شيوعية أو بعثية أو قومية عربية أو سورية... الدولة المدنية.. ولنتذكر أنه كان شعار المرحومين كمال جنبلاط ومحمد مهدي شمس الدين.
الدولة المدنية هذه هي المسألة والقضية الأساس التي ستحكم الحوارات والمجادلات والسياسات للعقود القادمة... وفي ذلك فليتنافس المتنافسون
متى ستضمد سورية جراحها ..
ميس الكريدي
كاتبة سورية
سورية تنزف أطفالا...
الشعب يتحلق حول طيف الحرية المتخم بالدم..
النزيف مستمر....
الضجيج يعبر الشوارع نيرانا وصراخا...
لك الله يا شعبا أبيا ينوح على ابواب الموت, ويشرق هتافات و نداءات..
وأنا القتيل الذي ما قتل .......أندفع وسط الجنازات لأتعمد بالوفاء ....لأتعلم انتصار الفكرة....زئير الموت...أغنية الخلود .......وعلى أبواب المقابر..نسيت عيوني..
الخوف...دفق الروح, بعض من صدى الوجدان يناجي الشهيد , يتطلع نحو الصباح.....الليل ينهمر سوادا وموتا..
يا قاتلي...استقم اجلالا لموتي..امسح فوهة البندقية..ابتعد عن دمي حتى لا تتلمس الأرض رائحة جريمتك, وبعض نتف روحي..فتشتعل ثأرا ولو مؤجلا لحين..
الوطن يتدلى على هامش الدمار..الله يحلق بين عينيه...ينام على سفح الخراب متوجا بالتضحية...وبلادي ترحل للسماء...ولو على أنقاض الموت...لكنها وسط مجمع الآلهة ...تقسم أن لا طفل سيبكي بدون أن نحاسب من نهب قلبه, وعينيه..
سينتصر البقاء في صراع الوجود...سيعلن الوطن خرائطه الجديدة من الإنسان للإنسان..وأكبر بالضحايا!!.. سنرمي على بوابات الزمن عظام الأحرار وقود الشعاع المتغلغل فينا..
يا ربيع العالم المولود فينا
يا ربيع الوطن المفقود فينا
يا سنين الذل ألا ارحلي.....ويا حرية على بوابات جهنم تئن رعبا انتظرينا...
قفي سورية على المذبح....فهذا اعترافك الأخير..
اغسلي الخطيئة بالدم...فالماء المقدس لا ينفع عندما تكفنين أبناءك..
اغسلي الخطيئة فقد انهمر القتل سفاحا على بوابة ابليس..
انشري التراب...اعجنيه بالدم.....نشفيه تحت الشمس فهذا قربان الثورة..
ضميني يا بلادي...وبالعشب المخضب ببقايانا البشرية اغمريني
ليمسح الوجدان ويلبس الجراح..ويجلل جبهة الوطن كلما شيع بعضا من أولاده..
إني أختنق بالغدر.......فيا أيتها الأم الباكية ببعض الدمع ارشقيني..
قررت أن أعتصم على عتبة طفل زار الخوف..لعل شموعي تعيد الله لمعبده المغلق برسم القهر..برسم أجهزة أمنية ترى في صرخة الوطن الذي مزق سكوك الإذعان..عدوا..ترى في شباب على أعتاب التاريخ يهدمون الليل والصمت..تمردا وعصيانا..
نعم هذا زمن العصيان..حيث لا أحد بعد سيكتب على دفاتري سواي.....لا أحد سيسرق قدري..لا أحد سيختار خطواتي..ولا أحد سيرمي علي ثقل القيود فأسجد بلا حراك.....لقد حطمت إلى الأبد قيودي..
يا صوتي المنطلق من عتق النواح ونحيبي....ارتسم على هامش القدر شهادة موقعة من سجن ضاق على الأحرار..
إني أنذر للحرية قلبي..فهل ستكون نذوري وفية لسعار الموت في وطني..
إني أنذر للمستقبل لحمي المتفسخ أمام البارود الهائج..فهل أنفاسي الأخيرة تخترق جبين الآثام يا بلاد الألم.. لقد قتلوني اليوم......قتلوني أمس....وغدا سيقتلوني....فمتى يا نداء الوطن ستشق الصواعق رقاب من قتلوني.. يا موت...لم يعد رهابك يعدم الصرخة...لم يعد لهاث الإجرام يسد الحدود في وجه من يقتحمون الأفق بصدر عار..
أنا الحق..أنا العدل..أنا حامل الأغلال في نفسي أصب على الجدران بقايا النذور....وأحرق الجثث لعل الكون يضج برائحة اللحم البشري المحترق..
سأدعو لحملة وطنية لدعم الأطفال في بلدي......برسم اليتم ..برسم الاعتقال..برسم القتل...برسم المستشفيات التي انتفخت من هول ما روعها الوطن رعبا وهدرا ونزيفا بشريا..
سأرسم على جدار وجه أمي....سأمحوه ...ثم أعيد رسمه إلى أن يتطابق مع خرائطي من بانياس ..إلى درعا......من حدود لبنان .....لحدود العراق..من حدود تركية للجولان....وأنا لا أفرط..ولا أسامح .....ولا أصالح...
سترتدي على الرأس يا أمي العلم.....ولن نختلف على الحجاب وأحكام الدين فيه..عندما تكون صورة سورية عباءتي وملاءتي......
سأصلي في الشوارع ركعاتي التي ما تعلمت أداءها عمري....لكني اشتعلت إيمانا يوم سمعت صداها على الأرض..
سأختارك يا صبحا يموج على أكتاف المودعين برتبة شهيد.....إمامي..
سأختارك يا عالي الجبين ......على هامات الشوارع مشروع شهيد لتكون وليا في الفقه...و ربما بركتك تحل علي وعلى الوطن فتهديني..
لم يعد يا قلب طهر الروح بصلاة أو بدون....كلنا في الوطن سواء ..كلنا في العطاء سواء....عندما نقايض عيون الأرض بآخر شهقات الروح.....فلنسجد للبطولة ....
سنشعل الشموع ...فكل حارة في سورية معبد......سنخلع النعال و نصلي طهرا فكل سورية مسجد....سنحمي الطفولة, ما استطعنا فكل سورية جنة من نور سنفتحها على الحب يوما.........سنرفع الجباه ..ونزغرد خلف مواكب الشباب ...ونشيعهم بعرس الحرية فكل الوطن صار مقبرة...
كاتبة سورية
سورية تنزف أطفالا...
الشعب يتحلق حول طيف الحرية المتخم بالدم..
النزيف مستمر....
الضجيج يعبر الشوارع نيرانا وصراخا...
لك الله يا شعبا أبيا ينوح على ابواب الموت, ويشرق هتافات و نداءات..
وأنا القتيل الذي ما قتل .......أندفع وسط الجنازات لأتعمد بالوفاء ....لأتعلم انتصار الفكرة....زئير الموت...أغنية الخلود .......وعلى أبواب المقابر..نسيت عيوني..
الخوف...دفق الروح, بعض من صدى الوجدان يناجي الشهيد , يتطلع نحو الصباح.....الليل ينهمر سوادا وموتا..
يا قاتلي...استقم اجلالا لموتي..امسح فوهة البندقية..ابتعد عن دمي حتى لا تتلمس الأرض رائحة جريمتك, وبعض نتف روحي..فتشتعل ثأرا ولو مؤجلا لحين..
الوطن يتدلى على هامش الدمار..الله يحلق بين عينيه...ينام على سفح الخراب متوجا بالتضحية...وبلادي ترحل للسماء...ولو على أنقاض الموت...لكنها وسط مجمع الآلهة ...تقسم أن لا طفل سيبكي بدون أن نحاسب من نهب قلبه, وعينيه..
سينتصر البقاء في صراع الوجود...سيعلن الوطن خرائطه الجديدة من الإنسان للإنسان..وأكبر بالضحايا!!.. سنرمي على بوابات الزمن عظام الأحرار وقود الشعاع المتغلغل فينا..
يا ربيع العالم المولود فينا
يا ربيع الوطن المفقود فينا
يا سنين الذل ألا ارحلي.....ويا حرية على بوابات جهنم تئن رعبا انتظرينا...
قفي سورية على المذبح....فهذا اعترافك الأخير..
اغسلي الخطيئة بالدم...فالماء المقدس لا ينفع عندما تكفنين أبناءك..
اغسلي الخطيئة فقد انهمر القتل سفاحا على بوابة ابليس..
انشري التراب...اعجنيه بالدم.....نشفيه تحت الشمس فهذا قربان الثورة..
ضميني يا بلادي...وبالعشب المخضب ببقايانا البشرية اغمريني
ليمسح الوجدان ويلبس الجراح..ويجلل جبهة الوطن كلما شيع بعضا من أولاده..
إني أختنق بالغدر.......فيا أيتها الأم الباكية ببعض الدمع ارشقيني..
قررت أن أعتصم على عتبة طفل زار الخوف..لعل شموعي تعيد الله لمعبده المغلق برسم القهر..برسم أجهزة أمنية ترى في صرخة الوطن الذي مزق سكوك الإذعان..عدوا..ترى في شباب على أعتاب التاريخ يهدمون الليل والصمت..تمردا وعصيانا..
نعم هذا زمن العصيان..حيث لا أحد بعد سيكتب على دفاتري سواي.....لا أحد سيسرق قدري..لا أحد سيختار خطواتي..ولا أحد سيرمي علي ثقل القيود فأسجد بلا حراك.....لقد حطمت إلى الأبد قيودي..
يا صوتي المنطلق من عتق النواح ونحيبي....ارتسم على هامش القدر شهادة موقعة من سجن ضاق على الأحرار..
إني أنذر للحرية قلبي..فهل ستكون نذوري وفية لسعار الموت في وطني..
إني أنذر للمستقبل لحمي المتفسخ أمام البارود الهائج..فهل أنفاسي الأخيرة تخترق جبين الآثام يا بلاد الألم.. لقد قتلوني اليوم......قتلوني أمس....وغدا سيقتلوني....فمتى يا نداء الوطن ستشق الصواعق رقاب من قتلوني.. يا موت...لم يعد رهابك يعدم الصرخة...لم يعد لهاث الإجرام يسد الحدود في وجه من يقتحمون الأفق بصدر عار..
أنا الحق..أنا العدل..أنا حامل الأغلال في نفسي أصب على الجدران بقايا النذور....وأحرق الجثث لعل الكون يضج برائحة اللحم البشري المحترق..
سأدعو لحملة وطنية لدعم الأطفال في بلدي......برسم اليتم ..برسم الاعتقال..برسم القتل...برسم المستشفيات التي انتفخت من هول ما روعها الوطن رعبا وهدرا ونزيفا بشريا..
سأرسم على جدار وجه أمي....سأمحوه ...ثم أعيد رسمه إلى أن يتطابق مع خرائطي من بانياس ..إلى درعا......من حدود لبنان .....لحدود العراق..من حدود تركية للجولان....وأنا لا أفرط..ولا أسامح .....ولا أصالح...
سترتدي على الرأس يا أمي العلم.....ولن نختلف على الحجاب وأحكام الدين فيه..عندما تكون صورة سورية عباءتي وملاءتي......
سأصلي في الشوارع ركعاتي التي ما تعلمت أداءها عمري....لكني اشتعلت إيمانا يوم سمعت صداها على الأرض..
سأختارك يا صبحا يموج على أكتاف المودعين برتبة شهيد.....إمامي..
سأختارك يا عالي الجبين ......على هامات الشوارع مشروع شهيد لتكون وليا في الفقه...و ربما بركتك تحل علي وعلى الوطن فتهديني..
لم يعد يا قلب طهر الروح بصلاة أو بدون....كلنا في الوطن سواء ..كلنا في العطاء سواء....عندما نقايض عيون الأرض بآخر شهقات الروح.....فلنسجد للبطولة ....
سنشعل الشموع ...فكل حارة في سورية معبد......سنخلع النعال و نصلي طهرا فكل سورية مسجد....سنحمي الطفولة, ما استطعنا فكل سورية جنة من نور سنفتحها على الحب يوما.........سنرفع الجباه ..ونزغرد خلف مواكب الشباب ...ونشيعهم بعرس الحرية فكل الوطن صار مقبرة...
رزان زيتونة: «النظام السوري يرتكب جرائم ضد الإنسانية
أكدت الناشطة الحقوقية رزان زيتونة أن عدد «الشهداء» في سورية وصل حتى صباح امس الى 1970 شخصاً بينهم 53 معتقلاً ماتوا بسبب التعذيب.ولفتت زيتونة الى «جهود حثيثة لايصال قضية ابراهيم قاشوش (مغني الثورة السورية) الى المحاكم الدولية»، مشيرة الى ان المعتقلين يتعرضون للضرب بالعصي المكهربة. واذ شددت على «ضرورة تفكيك النظام»، رأت «أن المجتمع الدولي لا يتعامل مع الملف السوري بشكل واضح».
«الرأي» الكويتية اتصلت بـ رزان زيتونة وأجرت معها الحوار الآتي:
• التقارير حول أوضاع حقوق الإنسان في سورية متضاربة وتحديداً ما يتعلق بعدد الضحايا والمعتقلين. ما المعلومات التي لديك حول عدد الضحايا والمعتقلين؟
فيما يتعلق بعدد الشهداء، فقد وثق مركز توثيق الانتهاكات في سورية بالتعاون مع لجان التنسيق المحلية 1970 شهيداً حتى صباح الجمعة 15 يوليو 2011.
بالتأكيد هذا الرقم ليس نهائياً، وهناك قلق كبير من احتمال ارتفاعه وخصوصاً مع وجود أعداد كبيرة من المختفين قسرياً خلال الثورة، الذين ثبت مقتل بعضهم تحت التعذيب لاحقاً، بالإضافة إلى المقابر الجماعية التي يحتمل اكتشافها في المستقبل.
اما فيما يتعلق بالأشخاص الذين تعرضوا للاعتقال منذ بداية الثورة، فيقدَّر عددهم بعشرات الآلاف، لا يزال بينهم نحو خمسة عشر ألفاً قيد الاعتقال في مختلف المدن السورية.
• تفيد التقارير الصادرة عن المنظمات الحقوقية الدولية بوقوع حالات تعذيب يتعرض لها المعتقلون. هل لديك معطيات حول وسائل التعذيب؟ وكم يبلغ عدد الأشخاص الذين توفوا تحت التعذيب؟
الاعتقالات العشوائية بأعداد كبيرة جداً، وتشمل غالباً عدة أفراد من العائلة الواحدة، يتمّ إخضاعهم لشتى أنواع التعذيب وإساءة المعاملة. النظام يتبع سياسة ممنهجة بهدف الترويع والترهيب وكسر إرادة السوريين. وأكثر وسائل التعذيب المستخدمة حالياً وفق شهادات معتقلين سابقين، هي الضرب المستمر بالكبلات والعصي المكهربة والركل بالأرجل، على مختلف أنحاء الجسم وخاصة الرأس والظهر، والكهرباء على الأصابع والمناطق الحساسة، والحرق بالسجائر، الشبح، المنع من شرب الماء وقضاء الحاجة.
وفقا للمصادر المذكورة سابقاً بلغ عدد مَن قتلوا تحت التعذيب حتى اللحظة 53 معتقلاً.
• شكل قتل ابراهيم قاشوش صدمة للرأي العام. ما معلوماتك حول ظروف قتله؟ وهل ثمة اتجاه من منظمات حقوق الانسان السورية لرفع هذا الملف الى الهيئات الدولية؟
مقتل ابراهيم هو جريمة من مئات الجرائم التي ارتُكبت بحق السوريين وأدت إلى استشهاد نحو ألفي شخص حتى الآن. هناك جهود حثيثة حالياً وخطوات قد اتُخذت بالفعل من أجل تحريك هذا الملف أمام محكمة الجنايات الدولية.
• لماذا يبقي النظام السوري على الخيار الأمني حتى اللحظة؟
بعد نحو ألفي شهيد وعشرات آلاف المعتقلين، الشعب لم يعد يقبل بأقل من إسقاط النظام وتغييره. والنظام يعي تماماً أن فرصة القيام بإصلاحات شكلية قد ولّى زمانها. حاول النظام تخفيف القبضة الأمنية عن بعض المناطق تحت الضغط الدولي، فما كان إلاّ أن زادت أعداد المتظاهرين بشكل هائل كما حصل في حماة أو دير الزور، ومطلبها الوحيد إسقاط النظام.
• بعد غياب أبرز أقطاب المعارضة عن مؤتمر الحوار الذي دعا اليه النظام ما الذي ينتظر سورية؟
ما ينتظر سورية لا يرتبط بغياب أبرز أقطاب المعارضة عمّا يسمى «مؤتمر الحوار» الذي عقد في الوقت نفسه الذي كانت الدبابات تدكّ أحياء في حمص وتحاصر قرى وبلدات في ادلب، بل هو مرتبط بسلوك النظام في الأيام المقبلة، سواء لجهة توسع الاحتجاجات وامتداداتها أو لجهة الضغوط الدولية المتصاعدة وشكل ردود أفعال النظام عليها.
• البيان الصادر عن اللقاء التشاوري وصفه البعض بالمحبط. لماذا لم يخرج اللقاء بنتائج ايجابية؟
لم يتطرق اللقاء التشاوري ثم البيان الصادر عنه لجوهر الأزمة، واكتفى بالدوران حولها أو بتناول مسائل إجرائية كانت تشكل مطالب للسوريين قبل الثورة. وحتى إجراء تعديلات حقيقية فيما يتعلق بقانون الأحزاب أو الدستور لن يُرضي المحتجين. المطلوب تفكيك بنية النظام الأمني الاستبدادي والانتقال بسورية إلى نظام ديموقراطي تعددي ودولة مدنية تُحترم فيها حقوق الجميع.
• هيلاري كلينتون قالت «ان الرئيس الأسد فقد شرعيته» للمرة الأولى منذ بداية الحركة الاحتجاجية في سورية. هل ثمة تحول في الموقف الاميركي تجاه سورية؟
اقتضى من الولايات المتحدة اربعة أشهر لبدء الحديث عن فقدان شرعية النظام. وهذا تحوّل بطيء ويؤشر بشكل عام إلى تقاعس المجتمع الدولي في تعامله مع جرائم النظام.
• يسعى بعض المعارضين السوريين في الخارج الى ايصال ملف حقوق الانسان في سورية لمجلس الأمن. ما رأيك بهذه المحاولات؟
ارتكب النظام جرائم ضد الانسانية وُثقت من نشطاء سوريين ومنظمات حقوقية دولية، ولا يجوز أن تمضي هذه الجرائم بغير محاسبة كما سبق وحصل في عقد الثمانينات.
النظام لا يصدّق أن الزمن تغيّر، وأن قتل الأبرياء والتنكيل بهم ليس فعلة يمكن أن ينجو بها من جديد.
«الرأي» الكويتية اتصلت بـ رزان زيتونة وأجرت معها الحوار الآتي:
• التقارير حول أوضاع حقوق الإنسان في سورية متضاربة وتحديداً ما يتعلق بعدد الضحايا والمعتقلين. ما المعلومات التي لديك حول عدد الضحايا والمعتقلين؟
فيما يتعلق بعدد الشهداء، فقد وثق مركز توثيق الانتهاكات في سورية بالتعاون مع لجان التنسيق المحلية 1970 شهيداً حتى صباح الجمعة 15 يوليو 2011.
بالتأكيد هذا الرقم ليس نهائياً، وهناك قلق كبير من احتمال ارتفاعه وخصوصاً مع وجود أعداد كبيرة من المختفين قسرياً خلال الثورة، الذين ثبت مقتل بعضهم تحت التعذيب لاحقاً، بالإضافة إلى المقابر الجماعية التي يحتمل اكتشافها في المستقبل.
اما فيما يتعلق بالأشخاص الذين تعرضوا للاعتقال منذ بداية الثورة، فيقدَّر عددهم بعشرات الآلاف، لا يزال بينهم نحو خمسة عشر ألفاً قيد الاعتقال في مختلف المدن السورية.
• تفيد التقارير الصادرة عن المنظمات الحقوقية الدولية بوقوع حالات تعذيب يتعرض لها المعتقلون. هل لديك معطيات حول وسائل التعذيب؟ وكم يبلغ عدد الأشخاص الذين توفوا تحت التعذيب؟
الاعتقالات العشوائية بأعداد كبيرة جداً، وتشمل غالباً عدة أفراد من العائلة الواحدة، يتمّ إخضاعهم لشتى أنواع التعذيب وإساءة المعاملة. النظام يتبع سياسة ممنهجة بهدف الترويع والترهيب وكسر إرادة السوريين. وأكثر وسائل التعذيب المستخدمة حالياً وفق شهادات معتقلين سابقين، هي الضرب المستمر بالكبلات والعصي المكهربة والركل بالأرجل، على مختلف أنحاء الجسم وخاصة الرأس والظهر، والكهرباء على الأصابع والمناطق الحساسة، والحرق بالسجائر، الشبح، المنع من شرب الماء وقضاء الحاجة.
وفقا للمصادر المذكورة سابقاً بلغ عدد مَن قتلوا تحت التعذيب حتى اللحظة 53 معتقلاً.
• شكل قتل ابراهيم قاشوش صدمة للرأي العام. ما معلوماتك حول ظروف قتله؟ وهل ثمة اتجاه من منظمات حقوق الانسان السورية لرفع هذا الملف الى الهيئات الدولية؟
مقتل ابراهيم هو جريمة من مئات الجرائم التي ارتُكبت بحق السوريين وأدت إلى استشهاد نحو ألفي شخص حتى الآن. هناك جهود حثيثة حالياً وخطوات قد اتُخذت بالفعل من أجل تحريك هذا الملف أمام محكمة الجنايات الدولية.
• لماذا يبقي النظام السوري على الخيار الأمني حتى اللحظة؟
بعد نحو ألفي شهيد وعشرات آلاف المعتقلين، الشعب لم يعد يقبل بأقل من إسقاط النظام وتغييره. والنظام يعي تماماً أن فرصة القيام بإصلاحات شكلية قد ولّى زمانها. حاول النظام تخفيف القبضة الأمنية عن بعض المناطق تحت الضغط الدولي، فما كان إلاّ أن زادت أعداد المتظاهرين بشكل هائل كما حصل في حماة أو دير الزور، ومطلبها الوحيد إسقاط النظام.
• بعد غياب أبرز أقطاب المعارضة عن مؤتمر الحوار الذي دعا اليه النظام ما الذي ينتظر سورية؟
ما ينتظر سورية لا يرتبط بغياب أبرز أقطاب المعارضة عمّا يسمى «مؤتمر الحوار» الذي عقد في الوقت نفسه الذي كانت الدبابات تدكّ أحياء في حمص وتحاصر قرى وبلدات في ادلب، بل هو مرتبط بسلوك النظام في الأيام المقبلة، سواء لجهة توسع الاحتجاجات وامتداداتها أو لجهة الضغوط الدولية المتصاعدة وشكل ردود أفعال النظام عليها.
• البيان الصادر عن اللقاء التشاوري وصفه البعض بالمحبط. لماذا لم يخرج اللقاء بنتائج ايجابية؟
لم يتطرق اللقاء التشاوري ثم البيان الصادر عنه لجوهر الأزمة، واكتفى بالدوران حولها أو بتناول مسائل إجرائية كانت تشكل مطالب للسوريين قبل الثورة. وحتى إجراء تعديلات حقيقية فيما يتعلق بقانون الأحزاب أو الدستور لن يُرضي المحتجين. المطلوب تفكيك بنية النظام الأمني الاستبدادي والانتقال بسورية إلى نظام ديموقراطي تعددي ودولة مدنية تُحترم فيها حقوق الجميع.
• هيلاري كلينتون قالت «ان الرئيس الأسد فقد شرعيته» للمرة الأولى منذ بداية الحركة الاحتجاجية في سورية. هل ثمة تحول في الموقف الاميركي تجاه سورية؟
اقتضى من الولايات المتحدة اربعة أشهر لبدء الحديث عن فقدان شرعية النظام. وهذا تحوّل بطيء ويؤشر بشكل عام إلى تقاعس المجتمع الدولي في تعامله مع جرائم النظام.
• يسعى بعض المعارضين السوريين في الخارج الى ايصال ملف حقوق الانسان في سورية لمجلس الأمن. ما رأيك بهذه المحاولات؟
ارتكب النظام جرائم ضد الانسانية وُثقت من نشطاء سوريين ومنظمات حقوقية دولية، ولا يجوز أن تمضي هذه الجرائم بغير محاسبة كما سبق وحصل في عقد الثمانينات.
النظام لا يصدّق أن الزمن تغيّر، وأن قتل الأبرياء والتنكيل بهم ليس فعلة يمكن أن ينجو بها من جديد.
سهير الأتاسي لبشّار الأسد: كفاك سفكاً للدماء، إرحل!
رفضت سهير الأتاسي، الناشطة السياسية السورية ورئيسة منتدى الأتاسي للحوار، إجراء أي حوار مع السلطات السورية، وأكدت أنه «لا حوار مع سلطة يدها ملطخة بقتل الشعب السوري». وقالت الأتاسي التي اعتقلت في 17 مارس (آذار) الماضي لنحو شهر تقريبا، بعد تصريحات أدلت بها لقنوات فضائية حول مظاهرات في دمشق كانت بداية الانتفاضة السورية، إن «النظام السوري بالتشاور مع أجهزته الأمنية قرر وضع الجيش في مواجهة أبناء بلده». وكانت الأتاسي اعتقلت أيضا لمدة أسبوع عام 2005 على خلفية تأسيسها لـ«منتدى جمال الأتاسي للحوار الديمقراطي». وأشارت الناشطة الموجودة داخل سوريا، في حوار مع «الشرق الأوسط»، إلى أن «الثورة تحمل رسالة واضحة للنظام هي أن السوريين ليسوا رعايا وأن سوريا ليست مزرعة لآل الأسد»، لافتة إلى أن نظام الرئيس السوري بشار الأسد استخدم «وسائله القمعية كلها لكن الإجابة كانت اتساع رقعة الثورة، وتجسيد روح الوحدة الوطنية».وقالت الناشطة السورية «إن خطايا نظام الأسد تتمثل في قضية توريث السلطة في بلد جمهوري، واستخدام القضاء العادي في محاكمات الرأي وهو ما جعل من (القصر العدلي) مسرحا لقضايا معتقلي الرأي والضمير»، حيث وضع نظام بشار «القضاة تحت إمرة الأجهزة الأمنية»، وهنا نص الحوار:
* كناشطة سياسية في المقام الأول، كيف تحللين ما يحدث على الأرض في سوريا؟
هي ثورة.. شرارتها بدأت لتقول إننا مواطنون ولسنا رعايا.. وإن أرض سوريا لكل مواطنيها وليست مزرعة لآل الأسد.. ليس للوطن سيد.. هي ثورة الشباب الذين صدحوا للحرية فتمّت مواجهتهم بالاعتقال والتنكيل والقتل بالرصاص الحيّ، كل أجهزة النظام السوري استنفرت بما فيها الإعلام الرسمي الذي دأب على تأليف السيناريوهات عن المندسين والمخرّبين والعصابات المسلحة، لم يتمكّن نظام بشار الأسد ولا أدواته القمعية من إخماد تلك الثورة، وسرعان ما أعلن حربا وحشية تهدف إلى إبادة السوريين المطالبين بالحرية.. استخدم كل أوراقه: اقتحام المدن الآمنة بالدبابات، استخدم المروحيات، ورقة الجولان، الطائفية، الدفع إلى حمل السلاح، تلويث المياه، التهجير، التجويع، العزل، وكان الرد يأتي سريعا باتساع رقعة الثورة، وامتدادها على مدى أيام الأسبوع، ويأتي أيضا بسلميتها حيث واجه الثوار الرصاص الحي بالصدور العارية وبأغصان الزيتون والورود.. كما يأتي بتجسيد روح الوحدة الوطنية أكثر فأكثر.. حتى الشروخ التي عمل عليها النظام عبر سياسة التمييز التي اعتمدها للتفريق بين أطياف المجتمع، أتت الثورة لتعالجها ولتنادي باسم كل الشعب السوري: واحد واحد واحد.. الشعب السوري واحد.
* لكن البعض يتحدث عن عناصر مسلحة ضمن المحتجين؟
عناصر مسلحة؟! اليوم على الأراضي السورية نشهد معركة الحرية، معركة بين مواطنين عزّل باتوا يطالبون بإسقاط نظام استخدم آلة قمع وحشية لا يمكن أن تكون من صنع البشر، وقتل وهجّر وخان الشعب السوري، وبين ثوار سلاحهم وأدواتهم الحنجرة وغصن الزيتون والكلمة الحرة.
* لماذا كل هذا الغضب من قبل السوريين؟
قلناها مرارا، تعرضنا للقمع والتنكيل عندما كنا نطالب بالحرية والديمقراطية وإلغاء حالة الطوارئ وإطلاق الحريات العامة، وإطلاق سراح كل معتقلي الرأي والضمير، والعمل على عودة المنفيين دون قيد أو شرط، حينها قلنا إن هذا القمع سيولّد البركان، كنا نعلم في قرارة أنفسنا أننا نعمل بشكل تراكمي ولكنه دؤوب باتجاه الحرية.. ولكننا لم نكن نحلم بهذه الثورة.. الشباب السوري جعل من الحلم حقيقة..
* وبرأيك ما الذي أجج الغضب ليصل لحد الثورة؟
كيف لا ينفجر الغضب بعد سنوات طويلة من القمع والخوف والظلم والقهر واحتكار ثروات البلاد والعباد، كيف لا تنفجر الثورة بعد حادثة أطفال درعا الذين اعتقلوهم من فراشهم لأنهم كتبوا على حيطان المدارس: «الشعب يريد إسقاط النظام».. المارد خرج من القمقم.. وجدار الخوف سقط، والحرية باتت قريبة.
* برأيك، ما هي أخطاء النظام السوري في عهد بشار الأسد؟
خطيئة النظام الأولى كانت في نشأته أساسا عبر خطأ التوريث، وراثة السلطة في جمهورية بتنا نسمّيها «جمهوراثية الأسد» ثم الانقضاض على ربيع دمشق الذي أرادوا منه أن يكتسبوا شرعية غير موجودة بالأصل، ولكنهم لم يحتملوا كلمة حرة ولو قيلت ضمن جدران منزل في منتدى، عاد بشار الأسد بسوريا إلى عهد أبيه ولكنه استخدم هذه المرة القضاء العادي وجعل من القصر العدلي مسرحا لقضايا معتقلي الرأي والضمير، ووضع القضاة تحت إمرة الأجهزة الأمنية لتنزل على المحكمة بالباراشوت تهم جاهزة وأحكام معدة مسبقا، لا يمكن أن ننسى كيف أنه استمر في سياسة أبيه بلبنان، بل وفاقم الأزمات الواحدة تلو الأخرى.. عزل سوريا عن محيطها الطبيعي واستخدم للكثير من الأوراق فقط للحفاظ على حكمه.. جرائمه كثيرة ومتعددة ومنها مجزرة صيدنايا التي ستكون علامة سوداء في عهد بشار الأسد.
* لكن النظام السوري يفتح يده للحوار الآن ورغم ذلك تصر قوى معارضة على مقاطعة الحوار، برأيك هل انعدمت جدوى الحوار؟
يد ملوثة بدماء أهلنا.. كيف لنا أن نقبل بها؟! فات الأوان، إضافة إلى أزمة الثقة الموجودة أساسا بين السلطة والمجتمع. وأكبر دليل الاعتقالات التي حدثت للفنانين والمثقفين الذين قرروا النزول للشارع للاصطفاف مع المطالب الشرعية لأحرار سوريا.. وكان رد النظام السوري أصدق في انسجامه مع نفسه من كل ادعاءات الحوار التي أراد منها كسب الوقت وفقط.
* لكن البعض يقول إن المعارضة خسرت بعدم المشاركة، هل هذا صحيح؟
على العكس تماما، برأيي أن المعارضة ربحت الشارع السوري واحترام الرأي العام لأنها أصغت إلى حناجر السوريين الأحرار، ولا بد أن يدرك العالم كله أن مطالب الثوار واضحة: الحرية وإسقاط النظام السوري ورحيل بشار الأسد وأركان حكمه.
* هل ترين جدوى من حوارات المعارضة بالخارج؟ وأي ضغط تشكله على النظام السوري؟
عملية الفصل بين معارضة الداخل والخارج هي من تأليف النظام السوري فقط. وباعتقادي أن كل الحوارات مفيدة شرط أن تلتف حول وليس على مطالب الثورة والثوار، وأن تتبناها دون فرض أي وصاية عليها، لأن الثورة قامت أيضا في مواجهة عهد الوصاية، حرية الحركة لدى معارضة الخارج تمكّنها من شرح قضيتنا لأحرار العالم، وكشف الجرائم التي تُرتكب بحق الإنسانية في سوريا.
* لكن البعض يقول إن هناك مشكلة في تنظيم المعارضة السورية، وإنها لم تقدم بديلا قويا حتى الآن؟
الثورة ستفرز البديل القادر على قيادة سوريا المستقبل، وعلى الجميع أن يدرك أن سوريا قامت من تحت الصفر، وتحولت بسرعة فائقة وبطريقة نوعية بفضل وعي شبابنا من كونها «مملكة الصمت» إلى بلد حيّ، شوارعه الآن مختلفة تماما عما كانت عليه منذ شهور، والمعارضة تعمل على تنظيم الصفوف، وهي على العموم متقاطعة في الخطوط العريضة الضرورية والحتمية، ودليل ذلك موقفها المشترك من مقاطعة ما يسمى بالحوار مع السلطة التي قتلت شعبها.
* البعض يقول إن الكل يحاول أن يحتكر تمثيل الشارع السوري، برأيك من يمثل الشارع السوري؟
الثوار، والثوار فقط هم من يمثلون الشارع السوري، وبرأيي التمثيل الحقيقي والفعلي سيتضّح أكثر وأكثر مع اتساع رقعة الثورة وانخراط الأكثرية الصامتة فيها، الأمر الذي لا أعتقد أنه سيتأخّر كثيرا.
* البعض يرى أن موقف المثقفين السوريين جاء متأخرا وكان خجولا ولم يرتق لمستوى الحدث، هل تتفقين مع هذا الرأي؟
- لا.. على العكس، أنا لمست لدى الكثير من السوريين الذين تواصلت معهم فرحة عارمة لأن الوجه الحقيقي للثقافة السورية والفن السوري تجلّى، لا يمكن أن نستهين بمن ينزل للشارع اليوم، لأنه ينزل وهو يضع أمام عينيه مصير الاعتقال أو الموت برصاص حي على أيدي أبناء جلدتنا للأسف.
* بعد أن اتسعت نطاق الاحتجاجات في سوريا، هل فقد النظام سيطرته على زمام الأمور؟
نعم ولذلك هو الآن يبطش ويتصرف بطريقة هستيرية لأنه يعلم تماما مصيره وأنها معركته الأخيرة.
* ومتى برأيك ستحدث نقطة النهاية لنظام بشار؟
- سنحددها عندما تدخل كل أحياء دمشق وحلب إلى قلب الثورة السورية ولن يكون ذلك ببعيد.
* كيف ستنتهي الاحتجاجات في سوريا، وهل يمكن أن تنتهي دون إسقاط النظام؟
ستنتهي في يوم احتفالنا بالحرية وسقوط نظام بشار الأسد بكل أركانه. وستبقى الأيادي متشابكة لبناء سوريا جديدة.. سوريا حرة مدنية.
* كيف تتخيلين شكل سوريا لو انتهت الأحداث دون سقوط النظام؟
ثورة تتأجج من جديد.
* كيف تنظرين لمزاعم مساندة إيران وحزب الله لنظام بشار لقمع الاحتجاجات؟
سمعنا من مصادر متعددة بخصوص مساندة النظام الإيراني لنظام الأسد في قمع الثورة، وكذلك حزب الله. لا أستبعد لأن نظاما يقمع شعبه كالنظام الإيراني، يمكن أن يساهم مع حليفه في قمع ثورة حرية، الأطراف الثلاثة متحالفة من أجل المصالح، وغالبا ما تكون المصالح على حساب المبادئ، ولكن الشعوب لا تغفر، وإن غفرت فلا يمكن أن تنسى.
* توليت رئاسة منتدى الأتاسي للحوار، كيف يمكن أن تصفي تعامل النظام السوري مع المعارضة قبيل الاحتجاجات؟
في كلمتين فقط، نظام استبدادي، ارتدى قناعا في بداية شهور حكمه. القصة طويلة مع المنتدى، من الصعب لضيق الوقت والمساحة سردها هنا.. ولكن القمع وإغلاق المنتديات يشهد على استبدادية النظام الحاكم، اعتقالات ربيع دمشق، إغلاق منتدى جمال الأتاسي للحوار الديمقراطي بالقوة وحصار مقرّه، الذي هو منزلي، لشهور تلت اعتقال كل أعضاء مجلس إدارته، كان رسالة أن النظام لا يريد أن يسمع صوتا غير صوته.
* في رأيك إلى أي مدى أفسد الأمن السوري التسوية السلمية للاحتجاجات؟
أرفض هذا الفصل بين تصرفات الأمن والعمليات العسكرية التي تمارس بحق مدننا وأهلنا، وبين النظام السياسي الحاكم، نظام بشار الأسد قرر منذ البداية القضاء على الثورة عبر أجهزته الأمنية، ووضع الجيش السوري في مواجهة أبناء البلد، لكن الأحرار من الجيش قرروا الانشقاق ومنهم من لقي حتفه لأنه رفض إطلاق النار على مدني أعزل ينادي بالحرية.
* وزيرة الخارجية الأميركية قالت إن الأسد فقد الشرعية، هل فقد بشار شرعيته فعلا؟
الرئيس السوري أساسا لم يأخذ شرعيته من المواطنين قط، هو ورث الشرعية.. وحتى الشرعية المزعومة سقطت عنه مع أول شهيد ومع أول رصاصة قتل بها حرّ من أبناء بلدنا.
* ما هي الرسالة التي ترغبين في توجيهها لبشار الأسد؟
قلتها له مكتوبة وأعيدها: احذر.. أنت الآن في حضرة الشعب السوري الحر.. شعب واضح في مطالبه.. كفاك سفكا للدماء وارحل.
* كناشطة سياسية في المقام الأول، كيف تحللين ما يحدث على الأرض في سوريا؟
هي ثورة.. شرارتها بدأت لتقول إننا مواطنون ولسنا رعايا.. وإن أرض سوريا لكل مواطنيها وليست مزرعة لآل الأسد.. ليس للوطن سيد.. هي ثورة الشباب الذين صدحوا للحرية فتمّت مواجهتهم بالاعتقال والتنكيل والقتل بالرصاص الحيّ، كل أجهزة النظام السوري استنفرت بما فيها الإعلام الرسمي الذي دأب على تأليف السيناريوهات عن المندسين والمخرّبين والعصابات المسلحة، لم يتمكّن نظام بشار الأسد ولا أدواته القمعية من إخماد تلك الثورة، وسرعان ما أعلن حربا وحشية تهدف إلى إبادة السوريين المطالبين بالحرية.. استخدم كل أوراقه: اقتحام المدن الآمنة بالدبابات، استخدم المروحيات، ورقة الجولان، الطائفية، الدفع إلى حمل السلاح، تلويث المياه، التهجير، التجويع، العزل، وكان الرد يأتي سريعا باتساع رقعة الثورة، وامتدادها على مدى أيام الأسبوع، ويأتي أيضا بسلميتها حيث واجه الثوار الرصاص الحي بالصدور العارية وبأغصان الزيتون والورود.. كما يأتي بتجسيد روح الوحدة الوطنية أكثر فأكثر.. حتى الشروخ التي عمل عليها النظام عبر سياسة التمييز التي اعتمدها للتفريق بين أطياف المجتمع، أتت الثورة لتعالجها ولتنادي باسم كل الشعب السوري: واحد واحد واحد.. الشعب السوري واحد.
* لكن البعض يتحدث عن عناصر مسلحة ضمن المحتجين؟
عناصر مسلحة؟! اليوم على الأراضي السورية نشهد معركة الحرية، معركة بين مواطنين عزّل باتوا يطالبون بإسقاط نظام استخدم آلة قمع وحشية لا يمكن أن تكون من صنع البشر، وقتل وهجّر وخان الشعب السوري، وبين ثوار سلاحهم وأدواتهم الحنجرة وغصن الزيتون والكلمة الحرة.
* لماذا كل هذا الغضب من قبل السوريين؟
قلناها مرارا، تعرضنا للقمع والتنكيل عندما كنا نطالب بالحرية والديمقراطية وإلغاء حالة الطوارئ وإطلاق الحريات العامة، وإطلاق سراح كل معتقلي الرأي والضمير، والعمل على عودة المنفيين دون قيد أو شرط، حينها قلنا إن هذا القمع سيولّد البركان، كنا نعلم في قرارة أنفسنا أننا نعمل بشكل تراكمي ولكنه دؤوب باتجاه الحرية.. ولكننا لم نكن نحلم بهذه الثورة.. الشباب السوري جعل من الحلم حقيقة..
* وبرأيك ما الذي أجج الغضب ليصل لحد الثورة؟
كيف لا ينفجر الغضب بعد سنوات طويلة من القمع والخوف والظلم والقهر واحتكار ثروات البلاد والعباد، كيف لا تنفجر الثورة بعد حادثة أطفال درعا الذين اعتقلوهم من فراشهم لأنهم كتبوا على حيطان المدارس: «الشعب يريد إسقاط النظام».. المارد خرج من القمقم.. وجدار الخوف سقط، والحرية باتت قريبة.
* برأيك، ما هي أخطاء النظام السوري في عهد بشار الأسد؟
خطيئة النظام الأولى كانت في نشأته أساسا عبر خطأ التوريث، وراثة السلطة في جمهورية بتنا نسمّيها «جمهوراثية الأسد» ثم الانقضاض على ربيع دمشق الذي أرادوا منه أن يكتسبوا شرعية غير موجودة بالأصل، ولكنهم لم يحتملوا كلمة حرة ولو قيلت ضمن جدران منزل في منتدى، عاد بشار الأسد بسوريا إلى عهد أبيه ولكنه استخدم هذه المرة القضاء العادي وجعل من القصر العدلي مسرحا لقضايا معتقلي الرأي والضمير، ووضع القضاة تحت إمرة الأجهزة الأمنية لتنزل على المحكمة بالباراشوت تهم جاهزة وأحكام معدة مسبقا، لا يمكن أن ننسى كيف أنه استمر في سياسة أبيه بلبنان، بل وفاقم الأزمات الواحدة تلو الأخرى.. عزل سوريا عن محيطها الطبيعي واستخدم للكثير من الأوراق فقط للحفاظ على حكمه.. جرائمه كثيرة ومتعددة ومنها مجزرة صيدنايا التي ستكون علامة سوداء في عهد بشار الأسد.
* لكن النظام السوري يفتح يده للحوار الآن ورغم ذلك تصر قوى معارضة على مقاطعة الحوار، برأيك هل انعدمت جدوى الحوار؟
يد ملوثة بدماء أهلنا.. كيف لنا أن نقبل بها؟! فات الأوان، إضافة إلى أزمة الثقة الموجودة أساسا بين السلطة والمجتمع. وأكبر دليل الاعتقالات التي حدثت للفنانين والمثقفين الذين قرروا النزول للشارع للاصطفاف مع المطالب الشرعية لأحرار سوريا.. وكان رد النظام السوري أصدق في انسجامه مع نفسه من كل ادعاءات الحوار التي أراد منها كسب الوقت وفقط.
* لكن البعض يقول إن المعارضة خسرت بعدم المشاركة، هل هذا صحيح؟
على العكس تماما، برأيي أن المعارضة ربحت الشارع السوري واحترام الرأي العام لأنها أصغت إلى حناجر السوريين الأحرار، ولا بد أن يدرك العالم كله أن مطالب الثوار واضحة: الحرية وإسقاط النظام السوري ورحيل بشار الأسد وأركان حكمه.
* هل ترين جدوى من حوارات المعارضة بالخارج؟ وأي ضغط تشكله على النظام السوري؟
عملية الفصل بين معارضة الداخل والخارج هي من تأليف النظام السوري فقط. وباعتقادي أن كل الحوارات مفيدة شرط أن تلتف حول وليس على مطالب الثورة والثوار، وأن تتبناها دون فرض أي وصاية عليها، لأن الثورة قامت أيضا في مواجهة عهد الوصاية، حرية الحركة لدى معارضة الخارج تمكّنها من شرح قضيتنا لأحرار العالم، وكشف الجرائم التي تُرتكب بحق الإنسانية في سوريا.
* لكن البعض يقول إن هناك مشكلة في تنظيم المعارضة السورية، وإنها لم تقدم بديلا قويا حتى الآن؟
الثورة ستفرز البديل القادر على قيادة سوريا المستقبل، وعلى الجميع أن يدرك أن سوريا قامت من تحت الصفر، وتحولت بسرعة فائقة وبطريقة نوعية بفضل وعي شبابنا من كونها «مملكة الصمت» إلى بلد حيّ، شوارعه الآن مختلفة تماما عما كانت عليه منذ شهور، والمعارضة تعمل على تنظيم الصفوف، وهي على العموم متقاطعة في الخطوط العريضة الضرورية والحتمية، ودليل ذلك موقفها المشترك من مقاطعة ما يسمى بالحوار مع السلطة التي قتلت شعبها.
* البعض يقول إن الكل يحاول أن يحتكر تمثيل الشارع السوري، برأيك من يمثل الشارع السوري؟
الثوار، والثوار فقط هم من يمثلون الشارع السوري، وبرأيي التمثيل الحقيقي والفعلي سيتضّح أكثر وأكثر مع اتساع رقعة الثورة وانخراط الأكثرية الصامتة فيها، الأمر الذي لا أعتقد أنه سيتأخّر كثيرا.
* البعض يرى أن موقف المثقفين السوريين جاء متأخرا وكان خجولا ولم يرتق لمستوى الحدث، هل تتفقين مع هذا الرأي؟
- لا.. على العكس، أنا لمست لدى الكثير من السوريين الذين تواصلت معهم فرحة عارمة لأن الوجه الحقيقي للثقافة السورية والفن السوري تجلّى، لا يمكن أن نستهين بمن ينزل للشارع اليوم، لأنه ينزل وهو يضع أمام عينيه مصير الاعتقال أو الموت برصاص حي على أيدي أبناء جلدتنا للأسف.
* بعد أن اتسعت نطاق الاحتجاجات في سوريا، هل فقد النظام سيطرته على زمام الأمور؟
نعم ولذلك هو الآن يبطش ويتصرف بطريقة هستيرية لأنه يعلم تماما مصيره وأنها معركته الأخيرة.
* ومتى برأيك ستحدث نقطة النهاية لنظام بشار؟
- سنحددها عندما تدخل كل أحياء دمشق وحلب إلى قلب الثورة السورية ولن يكون ذلك ببعيد.
* كيف ستنتهي الاحتجاجات في سوريا، وهل يمكن أن تنتهي دون إسقاط النظام؟
ستنتهي في يوم احتفالنا بالحرية وسقوط نظام بشار الأسد بكل أركانه. وستبقى الأيادي متشابكة لبناء سوريا جديدة.. سوريا حرة مدنية.
* كيف تتخيلين شكل سوريا لو انتهت الأحداث دون سقوط النظام؟
ثورة تتأجج من جديد.
* كيف تنظرين لمزاعم مساندة إيران وحزب الله لنظام بشار لقمع الاحتجاجات؟
سمعنا من مصادر متعددة بخصوص مساندة النظام الإيراني لنظام الأسد في قمع الثورة، وكذلك حزب الله. لا أستبعد لأن نظاما يقمع شعبه كالنظام الإيراني، يمكن أن يساهم مع حليفه في قمع ثورة حرية، الأطراف الثلاثة متحالفة من أجل المصالح، وغالبا ما تكون المصالح على حساب المبادئ، ولكن الشعوب لا تغفر، وإن غفرت فلا يمكن أن تنسى.
* توليت رئاسة منتدى الأتاسي للحوار، كيف يمكن أن تصفي تعامل النظام السوري مع المعارضة قبيل الاحتجاجات؟
في كلمتين فقط، نظام استبدادي، ارتدى قناعا في بداية شهور حكمه. القصة طويلة مع المنتدى، من الصعب لضيق الوقت والمساحة سردها هنا.. ولكن القمع وإغلاق المنتديات يشهد على استبدادية النظام الحاكم، اعتقالات ربيع دمشق، إغلاق منتدى جمال الأتاسي للحوار الديمقراطي بالقوة وحصار مقرّه، الذي هو منزلي، لشهور تلت اعتقال كل أعضاء مجلس إدارته، كان رسالة أن النظام لا يريد أن يسمع صوتا غير صوته.
* في رأيك إلى أي مدى أفسد الأمن السوري التسوية السلمية للاحتجاجات؟
أرفض هذا الفصل بين تصرفات الأمن والعمليات العسكرية التي تمارس بحق مدننا وأهلنا، وبين النظام السياسي الحاكم، نظام بشار الأسد قرر منذ البداية القضاء على الثورة عبر أجهزته الأمنية، ووضع الجيش السوري في مواجهة أبناء البلد، لكن الأحرار من الجيش قرروا الانشقاق ومنهم من لقي حتفه لأنه رفض إطلاق النار على مدني أعزل ينادي بالحرية.
* وزيرة الخارجية الأميركية قالت إن الأسد فقد الشرعية، هل فقد بشار شرعيته فعلا؟
الرئيس السوري أساسا لم يأخذ شرعيته من المواطنين قط، هو ورث الشرعية.. وحتى الشرعية المزعومة سقطت عنه مع أول شهيد ومع أول رصاصة قتل بها حرّ من أبناء بلدنا.
* ما هي الرسالة التي ترغبين في توجيهها لبشار الأسد؟
قلتها له مكتوبة وأعيدها: احذر.. أنت الآن في حضرة الشعب السوري الحر.. شعب واضح في مطالبه.. كفاك سفكا للدماء وارحل.
الأربعاء، 13 يوليو 2011
سعود المولى: شبه سيرة ذاتية غير مكتملة
سعود المولى : شبه سيرة ذاتية
1 سعود المولى : شبه سيرة ذاتية أنا سعود نعمه المولى، والدي فلاح من قرية حربتا في جرود بعلبك/الهرمل، كدح وجاهد لتعليم أولاده، دخل سلك الجندية أيام الإنتداب الفرنسي وحكومة فيشي (1940) وقد وضعه الفرنسيون مع رفاقه في موقع على الشاطىء قرب بلدة إنطلياس على ما كان يتذكر معنا.. وقد تعرض الموقع للقصف الجوي والبحري عند تقدم الهجوم البريطاني لاسترداد لبنان وسوريا بعد احتلالهم فلسطين... فهرب الوالد ورفاقه سيراً على الاقدام عبر جرود جبل لبنان من جهة بكفيا باتجاه البقاع الشمالي وصولاً الى قريتنا حربتا.. بعد انتهاء الحرب (1945)، وبسبب خدمته السابقة في الجيش وحاجة دولة الاستقلال الوليد الى أمثاله في القوى العسكرية ، دخل في سلك قوى الأمن الداخلي... وهكذا انتقل من حربتا الى بيروت حيث تزوج ثم ولدت أنا وأخوتي الستة، وأكبرنا المرحومة الدكتورة هيام (توفيت في 2 كانون الاول 2006) التي كانت أروع فتيات زمانها علماً ومعرفة وأخلاقاً وأدباً ونضالاً في سبيل المحرومين والكادحين... فنحن من أبناء بيروت رغم احتفاظنا بالجذور والعقلية البعلبكية... وسبب مدينيتنا يعود أساساً الى أمي خيرية عثمان أرناؤوط... فجدها لوالدها كان ظابطاً عثمانياً أيام كان لبنان وسوريا وكل بلاد الشام تحت السلطنة العثمانية... وأمها شيعية جنوبية من قرية حومين التحتا (من آل بلوط وهم نفس عائلة المولى البعلبكية وأصل العائلتين من بلاد جبيل- قرية بلاط)... ووالدها كان موظفاً في المالية العثمانية بصيدا ثم رحل إلى فلسطين أيام الانتداب الفرنسي حيث عاش في صفد مع عائلته وقد بقي خالي نصوح في حيفا بعد نكبة فلسطين 1948 ولم يرجع إلى لبنان إلا بعد حرب حزيران 1967.. بعد نكبة فلسطين انتقل جدي عثمان الى بيروت وكان موظفاً متقاعداً تركياً...وسكن في زاروب الطمليس..وهناك سكن والدي ايضاً....ولكن جدي انتقل منه إلى مدخل الزاروب على كورنيش المزرعة...هناك في هذا المنزل الذي سكن فيه جدي ووالدي وعمي ووالدتي وخالتي وجدتي..الخ.. ولدتُ في 25 تموز 1953 يوم كان ولي العهد السعودي سعود بن عبد العزيز في بيروت (صار رئيساً للوزراء في 25 آب ثم ملكاً بعد وفاة والده في نوفمبر من نفس العام).. ويبدو أن الوالد أسماني تيمناً بهذا الأمير العربي المحبوب يومذاك.. إذن ولدت وترعرعت عند مدخل زاروب الطمليس-كورنيش المزرعة، وهو يومها مأوى النازحين من الجنوب والبقاع وبعض العائلات الكردية والفلسطينية... فعرفت معنى الانتماء إلى أقلية في وقت مبكر من حياتي رغم عدم فهمي يومها لآليات اشتغال العلاقات الاجتماعية والسياسية اللبنانية بشقيها الطائفي والإثني...وعند انتقالنا إلى كورنيش المزرعة سكنا بالقرب مما صار لاحقاً مسجد جمال عبد الناصر وكانت المنطقة كلها عبارة عن تلال من الرمال حيث كنا نمضي أيام طفولتنا نلعب هناك.. درست أولاً في مدرسة روضة الأطفال الوطنية التي كانت مقابل مقهى الجندول الحالي على كورنيش المزرعة وصار إسمها لاحقاً ثانوية الأخت فروسين (نسبة الى مؤسستها الراهبة فروسين وكانت المديرة في أيامنا ابنة أختها السيدة جوزفين).. لا أذكر من تلك المرحلة سوى صورة الدواليب المشتعلة أمام منزلنا على الكورنيش، عند مدخل زاروب الطمليس، وصورة أبو شاكر ابراهيم قليلات ومصطفى الحارس (من قبضايات تلك المحلة ولعله كان كردياً على ما أتذكر) مجتمعان مع والدي وعمي لحماية مسيحيي المنطقة.. وصورة ضبابية عن اشتباك مسلح خاضه والدي وعمي مع شخص أطلق عليهما النار من الجهة المقابلة لمنزلنا أي من الحي المسيحي (حيث ينهض بناء البنك العربي اليوم وكانت هناك بيوت لعائلات مجدلاني والتوم وغيرها).. ولكنني لا أعتقد أن تلك الذكريات تعود الى حوادث عام 1958 التي وقعت ما بين أيار وتموز... وإنما الى ما تلاها وما سمي يومها بالثورة المضادة يوم احتج بيار الجميل وريمون إده على نتائج الثورة وعلى إقصائهما عن السلطة...والثورة المضادة وقعت في تشرين أي بعد استلام الجنرال فؤاد شهاب الرئاسة في أيلول.. وتلاها تشكيل حكومة الأقطاب الأربعة.. وهذا التاريخ أقرب إلى الحقيقة لأنني أذكر أنني كنت عائداً بالبوسطة من المدرسة حين فاجأتنا حواجز النار والدواليب...وأحياناً يتبادر إلى ذهني أن الحادثة الثانية (تبادل إطلاق النار عبر الكورنيش) وقعت أثناء ما عُرف بقضية متري العقدة... بعد أحداث ثورة 1958 انتقل والدي الى طرابلس بسبب عمله في التحري والشرطة الجنائية ولعل نقله كان تأديبياً جرى من باب الكيدية والانتقام من الموظفين الذين لم يلتحقوا بالثورة ضد رئيس الجمهورية شمعون... ولحقنا بالوالد بعد عامين إذ أنه أحب العيش في مدينة طرابلس وقرر البقاء فيها... وهكذا انتقلنا من مدينة متوسطية كبرى ذات سمة كوسموبوليتية الى مدينة متوسطية أخرى ذات سمة مشرقية وعثمانية واضحة، وبين المدينتين تشابهات واختلافات كبيرة... في طرابلس درست أولاً في مدرسة الفرير ثم في ثانوية الحدادين الرسمية... وفي طرابلس انتسبت الى حركة القوميين العرب، وكانت شقيقتي المرحومة هيام هي القدوة والنموذج حيث أنها كانت مناضلة أساسية في الحركة (إلى جانب المرحومين الدكتور معن زيادة ومصطفى صيداوي). هيام دخلت "الحركة" مبكراً منذ كانت تدرس في الصفوف المتوسطة بمدرسة مدام نعمة في بيروت، ثم تابعت عملها الحركي في دار المعلمين والمعلمات بطرابلس...أذكر من تلك الأيام مشاركتها في مظاهرات وجمع تبرعات للثورة الجزائرية...أذكر موقفها الغاضب والمتمرد ضد انقلاب بومدين على محبوب القوميين العرب الرئيس بن بلة.. وأذكر حزنها وبكاءها على باتريس لومومبا وعلى مالكولم إكس عند اغتيالهما...وأنا اكتشفتهما لاحقاً وصرت من أشد المعجبين بهما...وقد نشأت صداقة عميقة جميلة بيني وبين بن بلة بعد إطلاق سراحه وذلك في باريس..وكانت هيام أول من ترجم نص مقابلة للرئيس بن بلة كانت بداية تحولاته الفكرية من السجن.. والفضل في كل تطوراتي الفكرية والسياسية الأولى يعود طبعاً لهيام التي كانت تحثني على قراءة مجلة الحرية الأسبوعية وعمري لما يتجاوز السنوات الإثنتي عشر.. وهكذا وجدت نفسي في طليعة "الحلقات الماركسية اللينينية" التي انبثقت عن التحول اليساري في حركة القوميين العرب بعد نكسة حزيران 1967..(مع الأصدقاء الدكتور خالد ز،. وعبد الفتاح س.، ثم لاحقاً بسام ع،. وفتحي ي.، وكانوا قد انشقوا عن الحزب الشيوعي مع نهلة ش.، وانضموا إلينا)... بحيث انني شاركت في المؤتمر التأسيسي لمنظمة الإشتراكيين اللبنانيين (1969) وكان ذلك في مخيم برج البراجنة في أحد مكاتب الجبهة الديموقراطية... أدهشني في المؤتمر ثقافة وطلاقة محسن ابراهيم ومحمد كشلي وتعرفت يومها على حكمت العيد ومحمد فايد ورياض شمس الدين ومحمد عودة ومحمد خليل ومحمد وهبه ومحمد حديب وسهيل بزي وأحمد علامة وزياد فليفل وآل مشاقة...هؤلاء كانوا وجوه الحركة في الجامعات يومذاك.. وبعد تأسيس المنظمة صدرت وثائقها في كتاب بعنوان "لماذا منظمة الاشتراكيين اللبنانيين"... فصرنا نعرف باسم "جماعة لماذا؟".. وراجت النكت حول ذلك وبعضها كان يطلقه المهضومون محسن ابراهيم ومحمد كشلي وحكمت العيد...بعد ذلك صرت أقوم بتوزيع مجلة الحرية وكان هذا من الواجبات المقدسة يوم الأحد..ومن خلال النهوض اليساري الذي شهدته منظمة الاشتراكيين اللبنانيين جرى التلاقي مع جماعة لبنان الاشتراكي وهم مجموعة من كبار المثقفين الماركسيين الخارجين من يسار حزب البعث ومن تجارب أخرى في الحزب الشيوعي والحزب الاشتراكي.. وقد انتقلتُ تلقائياً إلى مواقع متقدمة في إدارة التنظيم الموحد بين المنظمة ولبنان الاشتراكي (1970-1971) ثم في قيادة منظمة العمل الشيوعي التي انبثقت عن اندماج التنظيمين (أيار 1971)..غير أنني سرعان ما أعلنت انشقاقي عن المنظمة (تموز 1972)على رأس مجموعة طلابية وكان السبب المباشر تأييد الاحزاب التقدمية اللبنانية لصدام حسين عند تأميمه للنفط .. والأسباب غير المباشرة كثيرة أولها أننا كنا ماويين ننتمي الى خط ماوتسي تونغ ضمن الحركة الشيوعية العالمية، وكنا نرى أنه يجب الالتزام بتيار الثورة الفلسطينية الرئيسي(حركة فتح) وليس بيسارها المرتبط بموسكو...وكنا نقول إن فلسطين هي طريق الوحدة العربية وإن الثورة الفلسطينية هي رأس الحربة للثورة العربية الشاملة، وإن حرب الشعب طويلة الامد هي طريق النصر.. وكنت قد نجحت في العام 1971 في امتحان الدخول الى كلية التربية-قسم الفلسفة وعلم النفس-بالفرنسية.. قبل انشقاقنا انشق قادة القطاع العمالي في المنظمة وعلى رأسهم الرفيق المرحوم الدكتور حسن قبيسي، والرفاق جنان شعبان ورشيد حسن وحاتم حوراني وعلي جابر، والمناضل روجيه نبعه الذي أسسنا واياه (مع الياس ص. والمرحوم فؤاد غرغور ومنى ع. وروجيه ع. وفاسكين د. وغيرهم) حركة ماوية (نواة الشعب الثوري) تستلهم التجربة الفرنسية المعروفة باسم اليسار البروليتاري وترفع لواء الثورة الثقافية الصينية..وكنت أترجم كراسات الثورة الصينية واليسار الماوي الفرنسي..استمرت المجموعة سنة واحدة (1972-1973) ارتبطنا فيها بحركة فتح من خلال الشهيد جواد أبو الشعر والدكتور محجوب عمر، وعملنا خلالها في المصانع (قصارجيان وغيره) وفي الأحياء الشعبية (النبعة- برج حمود- تل الزعتر) فالتقينا بالحزب الشيوعي العربي (وكل كوادره من دروز جبل العرب وجبل لبنان بقيادة المرحوم هلال رسلان) وبمجموعات يسارية ماوية أخرى كثيرة (هشام ن.، علي ش...) كما بجماعات تسير على نهج التوباماروس (الشهداء علي شعيب وابراهيم حطيط، ومعهما الرفيق أبو علي ستالين). وفي النبعة – تل الزعتر لا أنسى الرفاق عصام ع. وعلي ع. ومحمد غ. وأحمد م. وجميل ق. وهشام ج. وعلي ط. الخ... وكنا على اتصال بالماوي الفتحاوي منير شفيق وبممثله في الجامعة الأميركية أبو سليم إيدي ز...إلى أن أعلنا التزامنا بالانتماء الى التنظيم الطلابي لحركة فتح ودخولنا في تيار منير شفيق بشكل كامل (1973).. ترافق ذلك مع مشاركتنا في انتفاضة عمال غندور في ضواحي بيروت وانتفاضة مزارعي التبغ في النبطية وفي اضراب المعلمين على مستوى لبنان كما في قيادة التحركات الطلابية والشعبية بحيث اننا حين أعلنا عن تشكيل الجبهة الوطنية الطلابية في الثانويات والجامعات (تشرين الاول 1973) كنا نسيطر على معظم الروابط الثانوية والاتحادات الجامعية (باستثناء الجامعة اللبنانية التي تحالفنا فيها مع اليسار التقليدي أحياناً ومع حركة الوعي في معظم الأوقات)...في أيار 1973 كانت مشاركتنا في الدفاع عن صبرا وشاتيلا على محور الكولا-جامعة بيروت العربية، وإعاقتنا تقدم دبابات الجيش اللبناني، هي معمودية النار التي صرنا بعدها تنظيماً طلابياً يُحسب له حساب داخل فتح وخارجها... وخلال صيف 1973 انشقت مجموعة القطاع الشعبي في منظمة العمل الشيوعي بقيادة وضاح شرارة وأحمد بيضون وكان منهم المرحوم نذير أوبري والعشرات من الرفاق الأحباب...وقد عملنا معاً الى جانب الثورة الفلسطينية (وهنا أذكر شباب حركة فتح الكبار محمد حسين ش.، وعصام ع.، وصلاح ب.، وحارث س.، وجمال ق.).. و في تلك الفترة أيضاً نسجنا علاقة خاصة بالامام السيد موسى الصدر والامام الشيخ محمد مهدي شمس الدين وذلك بفعل ماويتنا اذ هي تدعونا الى تشكيل أوسع جبهة وطنية مع كل الفئات وبأن نحترم ثقافة الشعب ونلتزم بخط الجماهير..وبتوجيه مباشر من الشهيد خليل الوزير أبو جهاد، صرنا نقيم المهرجانات والندوات مع الامام الصدر في كل مكان وزمان واستقبلنا كوادر الثورة الاسلامية الايرانية بجناحيها الليبرالي المرتبط بموسى الصدر(د.مهدي بازركان- د.علي شريعتي- د. ابو الحسن بني صدر- آية الله طالقاني-د. ابراهيم يزدي، د. صادق قطب زادة..الخ...) والثوري الراديكالي المرتبط بالامام الخميني (محسن رفيق دوست- جلال الفارسي- أحمد الخميني- هاشمي رفسنجاني- محمد منتظري- أبو شريف عباس زماني-الخ..).. كانت حرب تشرين بداية الصراع بين تيارنا المتشدد في ماويته وبين بقية اليسار الفتحاوي المتشرذم.. وقد تميّز تيارنا بدعم مصر السادات في الحرب وبدعم التضامن العربي.. واختلفنا مع قيادة حركة فتح يوم أعلنت قبولها بالنقاط العشر أي باقامة سلطة وطنية على أية بقعة يتم جلاء الاحتلال عنها... يومها رأينا في الأمر بداية ارتباط منظمة التحرير بالاستراتيجية السوفياتية في الشرق الاوسط خاصة وأن الاتحاد السوفياتي لم يعلن تأييده ودعمه للثورة الفلسطينية الا بعد برنامج النقاط العشر الذي كان أول اعتراف بدولة اسرائيل وبقرارات مجلس الامن 242 و338... الحرب الأهلية (13 نيسان 1973) فاجأتنا كما فاجأت الجميع ولكننا كنا الوحيدين الذين رفضوا شعار عزل الكتائب وقلنا إن هذا الشعار كما ممارسة الاحزاب التقدمية اللبنانية والفلسطينية ستؤدي الى انقسام عميق يسمح بسيطرة السوريين على لبنان وبدخول السوفيات ( ومعهم ليبيا والعراق وعدن) على خط الصراع الداخلي وبتأجيج الحرب الاهلية...وهذا ما حصل...خلال الحرب وقفنا موقف الدفاع عن الثورة والجماهير في كل المواقع ولكن دون هجوم طائفي أو توتير أو تصعيد بل مع كل مبادرة وقف قتال أو هدنة أو سلام...وبالتحالف مع العرب (مصر والسعودية وسوريا)..وبسبب هذا الموقف انفصلت عنا مجموعة ناجي علوش- أبو داوود التي كانت تحمل رؤية قومية عربية بعثية يسارية للصراع عبّر عنها كتابهم النظري (الذي كتبه الدكتور توفيق هندي) بعنوان: "موضوعات الثورة العربية"..ثم ما لبث الصراع أن قام بين ناجي علوش وأبو نضال وقام هذا الاخير باغتيال مجموعة من خيرة شباب حركتهم أمثال محمود صالح في باريس وحنا مقبل في قبرص وغيرهما.. وقد حاربنا من داخل فتح ضد اتساع العنف الطائفي وضد الاعتداء على المدنيين أو القرى والبلدات وضد أي شعار تقسيمي أو الغائي للآخر..وكنت أنا شخصياً أقوم بالتوسط والتفاوض لاطلاق سراح أي مخطوف مسيحي وفي أي مكان حتى صار ذلك عنواناً لي لدى الكثيرين وهم ما زالوا أحياء يشهدون على الأمر.. وبهذه الممارسة الانسانية والوحدوية والسلمية الديموقراطية اقتربنا من الامامين الصدر وشمس الدين ومن المفتي حسن خالد والمعلم كمال جنبلاط والرئيسين صائب سلام وتقي الدين الصلح، وفي نفس الوقت كنا أقوى المجموعات المقاتلة وفي أشرس وأصعب المواقع والظروف دفاعاً عن الناس...وقفنا بقوة وحزم ضد كل الممارسات الخاطئة والتعديات والتجاوزات وضد العصابات الطائفية والمذهبية... الى حد اننا دفعنا ثمن مواقفنا في الدامور مثلاً حين تصدى الشهيد أبو الراتب ورفاقنا للمجموعات التي مارست القتل والنهب والتهجير...كنا نرفض القتال الطائفي والتعدي على حياة وحرية وحرمات الناس وكراماتها في كل مكان...هكذا ولدت السرية الطلابية بقيادة الشهيد سعد جرادات وبمشاركة أساسية من الشهداء علي أبو طوق ومروان كيالي ثم بقائدها الأخ معين ومعه الاخوة ربحي وأدهم وخالد وبهية وجهاد (شفيق) ورياض وفلاح وطارق وسامي ورضوان وطراد.. ومن الجبل أبو هلال ومعين ومحمد وحاتم ونبيل، وكل الباقين على الطريق لهم كل الحب والاحترام والتقدير... وفي مواقع حي البرجاوي وجبل صنين كان لنا شرف الدفاع عن وحدة وعروبة لبنان وحماية الثورة رغم انتقاداتنا وخلافنا مع قيادة الثورة والحركة الوطنية....ومن تجربة الحرب الاهلية هذه (1975-1976) تعلمنا ضرورة وقف العنف الداخلي والدعوة الى الوحدة الوطنية والسلم الأهلي وعدم الارتباط بالخارج وبهذا اقتربنا أكثر وأكثر من الامامين الصدر وشمس الدين.. وفي هذا الجو كان قرارنا بالانتقال الى الجنوب بعد توقيع اتفاقيات القاهرة والرياض (تشرين 1976) القاضية بوقف الحرب ودخول قوات الردع العربية...كنا نرى مع الامام الصدر أن نقل البنادق والجهود الى الجنوب كفيل بطي صفحة الحرب الداخلية وتأمين الاستقرار الداخلي...وفي بنت جبيل وتلال شلعبون ومسعود وصف الهوا وعين ابل، كما في الطيبة ورب الثلاثين والخيام خضنا مع شباب حركة المحرومين أروع المعارك والمواجهات ضد العدو الصهيوني تحقيقاً لشعاراتنا ومقولاتنا... ومن تجربة القتال والمقاومة في الجنوب ومن دماء الشهداء تعلمنا الكثير: أذكر أول الشهداء الأخضر العربي أمين سعد وواصف شرارة أبناء حركة البعث الأصيل في بنت جبيل، وأبو علي حلاوي في الطيبة، وأبو حسين علي أيوب في حولا، ورفيقي وصديقي علي فليطي العرسالي في الكحالة، وزميليّ في المدرسة الأخوين ناصر اللذين تصديا وحدهما لانزال اسرائيلي امام منزلهما في الأوزاعي نيسان 1972.. وأذكر الصديقة الشهيدة الاخت دلال المغربي وشهداء مجموعة كمال عدوان، واذكر رفاقي أحبابي شهداء معارك الدفاع عن حي البرجاوي: مازن عمر فروخ وأحمد القرى وجمال الحسامي، حيث أصبت بأول الجروح، وشهداء معارك الدفاع عن الشياح بديع كزما وأبو علي صافي شعيتاني ومازن مختار، وشهداء الجبل كمال أبو سعيد ونسيم أبو سعيد ومحمود الحسنية وزهير عنداري ووجدي عنداري، وشهداء صنين: أبو خالد جورج عسل وحماد حيدر وطوني النمس وجمال القرى ونقولا عبود ومحمد شبارو وعزمي ابراهيم، حيث كانت اصابتي الثانية الى جانب اصابة نخبة من المثقفين والاساتذة على رأسهم المرحوم الدكتور نبيل سليمان والكاتب الياس خوري والدكتور نظير جاهل.. وأذكر شهداء التلاحم مع حركة أمل في تلك الأيام مجاهد الضامن وحسين الحسيني ومصطفى شعلان وعلي حسين عزام .. وأذكر شهداء الدفاع عن المسلخ-الكرنتينا محمد قبلان (أفاكش الفلاح الطيب) والقادة أبو الوفا والحاج حسن ونعيم، وأول شهداء طرابلس زميلّي في كلية التربية شوقي الظنط ومصطفى طبش فحيلي، وأذكر شهداء معارك البطولة في الجنوب أبو يعقوب محمد علي وأبو وجيه العنداري وأبو بهيج غسان فتح الله وعبدالله بشير البقاعي وأحمد محمد مصطفى وأحمد صالح الدالي وأبو خالد الشحيمي وجعفر السلحوت والشبل بلال وبشار فاعور وحسان شرارة وقاسم بزي وفؤاد دباجه ونزيه دياب ومحمود قواص وعادل وطفى وخالد بشارة... وأذكر شهداء المقاومة في سنوات 1982-1985 البطل راسم قائد قلعة الشقيف والأبطال نِعَم فارس وحمزة الحسيني والقائد سعد صايل وبلال الاوسط وعزمي الصغير ونبيل مكارم وحسن بدر الدين وكمال نعلاوي وعبد القادر عوض واسماعيل عبدالله وغسان التكروي وسامر صدقي طبنجة وأحمد قصير وبلال فحص وعبدالله الجيزي وفؤاد محمد صالح وحسن احمد درويش وفلاح محمود شاستري وعلي كوعين ومحمد يونس ومحمد امين جمعة وعلي جواد شرارة وحسن قصير وابراهيم منتش وابراهيم درويش واياد مدور ومحمد الاحمد بزي وحسن سعد وشحادة زبيدات وعباس بليطة والقادة محمد سعد وخليل جرادي وزهير شحادة... كل هؤلاء وغيرهم كانوا الاهل والاصدقاء والرفاق والاحبة وكانوا نور الامل والخير وخيرة شباب لبنان وفلسطين.. فقدناهم على طريق الحرية والكرامة من اجل لبنان وفلسطين، من اجل السلم الاهلي وعروبة لبنان واستقراره وسيادته وتحرره من الاحتلال الاسرائيلي.. وخلال تلك السنوات (1976-1982) كنت مقاتلا مقاوما في الكتيبة الطلابية في بنت جبيل وتلة مسعود ثم في النبطية وقلعة الشقيف .. وفي كل المواقع التي كان يدور فيها القتال مع العدو الصهيوني...وكنت مع رفاقي نتصدى في نفس الوقت لكل الزعرنات والتعديات التي كانت تقوم بها بعض التنظيمات اللبنانية والفلسطينية ضد حركة امل والقرى الشيعية في الجنوب....واليوم صار قادة تلك المنظمات التي لم تترك محرما او قبيحا او جريمة الا وفعلتها ضد اهلنا في الجنوب وضد الشيعة و حركة امل، وصولا الى اشتراكها في جريمة اختطاف الامام الصدر، صاروا اصدقاء الحركة والحزب.. فسبحان الله.... بعد العام 1978 انتقل الشباب الشيعي الى تأييد ثورة الامام الخميني تحت شعار اليوم ايران وغدا فلسطين... كنا اول من حمل لواء الثورة يوم كان حمل هذا اللواء مكلفا وصعبا...ولم تكن الثورة سلطة ومال وجاه وولاية فقيه... كنا اول من حمل لواء الدفاع عن ايران الجمهورية والشعب والثورة في وجه الغرب وصدام حسين ومع حركة الجهاد الاسلامي في فلسطين قبل ان تولد حركة حماس ...يوم كان أصدقاء ايران وحزب الله وحماس الحاليين في صف الغرب وصدام حسين...نعم كنا مع الثورة ايام الثورة ومع الناس ومع المقاومة قبل التحرير (2000) يوم كان كل الذين يتمسحون اليوم برداء ايران والمقاومة وحزب الله وحماس من الد اعداء الاسلام والمقاومة والشعب وحزب الله وايران وحماس...والفرق بيننا وبينهم اننا كنا دائماً مع الناس والجماهير والمقاومة والعدل والحق وفلسطين وهم كانوا دائماً مع السلطة والجاه والمال والظلم مهما كان اللون او الاتجاه....هذا هو الفرق بيننا وبين جماعة 8 آذار اليوم!! فهم لم يصيروا مع ايران وحزب الله وحماس الا بعد 2005!!! اما نحن فصرنا ننتقد حزب الله وايران وحماس بعد 2005....فأرجو أن تدرسوا المسألة لتجدوا اين يكمن السر؟؟؟ انه السلطة والمال والجاه والسيطرة والظلم والطغيان...منذ كانوا مع الاتحاد السوفياتي العظيم وصدام حسين القائد....وهذا هو معيار تقويم حالات الانتقال الايديولوجي والسياسي من موقع الى موقع: هل يقترب المنتقلون او يبتعدون عن مواقع السلطة والمال والجاه والسيطرة والظلم والطغيان؟ هذا وحده هو المعيار في كل زمان ومكان.....المهم اننا قاومنا التيار الذي وقف ضد ايران وثورتها وضد الامام الصدر وحركته واستمرينا في حماية الثورة الفلسطينية والالتزام بها حتى الغزو الاسرائيلي الكبير في حزيران 1982...يومها قال بعض كبار المغرورين ممن يزايد على الجميع اليوم بالثورة والمقاومة ان لديه فتوى بعدم المقاومة لانها القاء للنفس الى التهلكة وان المطلوب هو حفظ الكوادر الاسلامية للمستقبل!!! خلال المرحلة من 1978 الى 1988 ارتبطت كما ارتبط الكثيرون غيري من شباب اليسار وفتح والشيعة بتيار الثورة الاسلامية الايرانية فاصدرنا جريدة الوحدة السياسية الاسبوعية (1977-1979) ثم مجلة الوحدة الفكرية الشهرية (1980) ثم مجلة الغدير الفكرية مع الامام شمس الدين (1980) وكتبنا في مجلة العرفان لصاحبها الصديق فؤاد الزين (1981) و في مجلات الحكمة والمنطلق التي كانت تصدر عن الشباب الاسلامي الشيعي المرتبط بحزب الدعوة وبالسيد فضل الله وبآل الحكيم والشهيد السيد محمد باقر الصدر ...واستمر وجود الكتيبة الطلابية في الجنوب الا اننا نحن الشيعة كنا قد بدأنا بالتحول صوب ايران الخميني.. سافرت الى باريس (1980) ونلت الدكتوراه في الاسلاميات عن اطروحة عن الامير شكيب ارسلان (شباط 1984).. وكنت تلك السنوات أقضي معظم الوقت ما بين مواقع الكتيبة في جنوب لبنان ومواقع الحركات اليسارية والاسلامية العربية في باريس..وبعد الاجتياح عام 1982 ذهبت الى تونس مع الثورة الفلسطينية وعملت في مركز التخطيط الفلسطيني قبل العودة الى باريس لانهاء الدكتوراه..وقد شاركت في اطلاق مجلة العالم في لندن وبدعم من رئيس الحكومة الايرانية يومها السيد مير حسين موسوي ومن السيد هادي خسروشاهي، وكنت مدير مكتبها في باريس (1983-1986)، ثم مجلة الطليعة الاسلامية في لندن التي أطلقت حركة الجهاد في فلسطين (1983-1986)، وبعدها مجلة الوحدة الاسلامية الناطقة بلسان تجمع العلماء المسلمين (قبل تاسيس حزب الله) وقد صرت رئيس تحريرها في بيروت (1986-1988)...وكانت نقطة التحول والانتقال عندي استشهاد القائد خليل الوزير (أبو جهاد في16 نيسان 1988) وقبله استشهاد رفاقي الاساسيين الاخوة ابو حسن (محمد البحيص) وحمدي (باسم سلطان التميمي) ومروان كيالي (في ليماسول- قبرص، 12 شباط 1988)، وقبلهم القائد الفذ علي ابو طوق في مخيم شاتيلا، وهم كانوا آخر محاولة للربط الخلاق بين الاسلام والعروبة والوطنية الفلسطينية (قبل ان يجرفنا تيار الاصوليات على اختلاف مسمياتها)، ثم اندلاع الصراع الاهلي المسلح بين حركة أمل وحزب الله (1988-1991)..فكان قرار الانتقال الى العمل الاسلامي اللبناني المستقل وبعنوان وطني نهضوي تحرري، في ظل عمامة امام عادل مستنير هو الشيخ محمد مهدي شمس الدين... الا اني ما تركت فلسطين ولا قضيتها ولا أهلها ولا ثورتها، ولا كان الشيخ شمس الدين رحمه الله يقبل بأن يترك أحدنا فلسطين... فهذا الموقف، والمشاعر والعواطف الملازمة له، هو ما عاش له وما سيموت عليه جيلنا الذي كانت فلسطين اسماً حركياً لوطنه لبنان، الذي حلم به وطناً حراً لشعب حر، ولعروبته التي أرادها ديمقراطية تقدمية تحررية. وعلى قاعدة هذا الانتماء الفلسطيني كان لي ولغيري من رفاقي واخواني موقف واضح وحازم في مسألة حقوق الفلسطينيين المقيمين في لبنان، هو موقف الدعم المطلق، ودون استنساب أو تردد، لكل ما يحقق الكرامة والحرية والامن والامان والاستقرار لهؤلاء الاخوة في كل تفاصيل حياتهم في لبنان وحتى ساعة عودتهم الى ديارهم واقامة دولتهم الوطنية السيدة الحرة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.......ونحن لم نستسغ يوماً ، ولا نستسيغ اليوم، كل ذلك النفاق والدجل الذي يتستر بشعار رفض التوطين وبدعوى حق العودة ، وهو يخفي (لا بل ويُعلن) أبشع أنواع العنصرية والفاشية ضد شعب فلسطين وضد حقوق اللاجئين منه في لبنان... اذن في العام 1988 انتقلت الى رحاب العمل مع الامام المجدد محمد مهدي شمس الدين فصرت مستشاره لشوؤن العلاقات الدولية والعربية والعلاقات الاسلامية- المسيحية التي صارت موضوعاً اساساً بعد اتفاق الطائف (1989) ثم ما تلاه من المقاطعة المسيحية والاحباط المسيحي (1991-1992)...أصدرنا مجلة الغدير مجدداً(1990-2000) لتكون صوت المشروع النهضوي الحضاري للعرب والمسلمين وصوت الوحدة الاسلامية والمقاومة الحقيقية في وجه التغريب والاستلاب من جهة وفي وجه الجمود والتعصب والتطرف من جهة اخرى...خلال ذلك شاركت في تأسيس لقاء الحوار اللبناني (1988) مع الاستاذ رامز سلامة والقاضي الدكتور طارق زيادة والقاضي الدكتور غسان رابح والقاضي الدكتور حسن قواس والقاضي الدكتور خالد قباني وبدعم ومشاركة من الاستاذ الكبير منح الصلح ومن الرئيس السيد حسين الحسيني ومن عدد من نواب الشعب الكبار وعلى رأسهم السادة أوغست باخوس وخاتشيك بابكيان ... ثم شاركت في تأسيس المؤتمر الدائم للحوار اللبناني (1992 ) مع الرفاق الأحبة القائد النبيل سمير فرنجية والسيد هاني فحص والدكتور فارس سعيد ورفاق الزمن الماضي محمد حسين شمس الدين وحسن بزيع وحسن محسن وهشام الحسيني واسماعيل شرف الدين وشوقي داغر ورفاق مرحلة المصالحة والسلم الاهلي جان حرب وسمير عبدالملك ورشيد الجمالي وغيرهم...وأسست اللجنة الوطنية اللبنانية للحوار الاسلامي-المسيحي(1993) مع محمد السماك وحارث شهاب وسليمان تقي الدين ( حل محله عباس الحلبي) وسليم غزال (حل محله كميل منسى) وغبريال حبيب (حل محله ميشال عبس) وجان سلمانيان، كل واحد يمثل رئيس طائفته (وحل محلي الدكتور علي الحسن بعد وفاة الامام شمس الدين)...واسست الفريق العربي للحوار الاسلامي المسيحي(1995) مع القس الدكتور رياض جرجور والدكتور طارق متري والقاضي عباس الحلبي ومحمد السماك وكميل منسى (لبنان)، والدكتور محمد سليم العوا والمستشار طارق البشري والدكتور سمير مرقس (مصر)، والدكتور وليد سيف (الأردن) والدكتور حسن مكي (السودان)..ثم أسسنا اللقاء اللبناني للحوار(حزيران 2001)،الذي كان يضم 30 شخصية لبنانية تمثل كل الاتجاهات بما فيها حركة امل وحزب الله أيام كان اللقاء والحوار مستحيلا او مممنوعاً...وأسست وترأست مركز الحوار في الجامعة اليسوعية (2002-2004)، وشاركت في تاسيس مؤسسة الامام شمس الدين للحوار(2002) بعد وفاة الامام، ورئيسها هو ابنه الصديق الوزير ابراهيم، وشبكة الديمقراطيين العرب (2005)، مع مركز دراسة الاسلام والديمقراطية في واشنطن، ومؤسسة الامام الحكيم (2007)..وانا اليوم رئيس المجلس الاسلامي للحوار والعدالة والديمقراطية(2005)..ومنذ عام 2008 تم اختياري لعضوية المكتب التنفيذي للجنة الوطنية اللبنانية لليونسكو،وكرئيس لمجلس مستشاري مؤسسة أديان (2008). شاركت في أعمال الحوار مع الفاتيكان (خصوصاً السينودوس في كانون الاول 1995) ومجلس الكنائس العالمي ومجلس كنائس الشرق الاوسط ومجالس الكنائس الوطنية في اميركا واوروبا وكندا واوستراليا.وفي تأسيس ورئاسة تحرير العديد من المجلات: الحوار والمنتقى والبديل في باريس،الطليعة الاسلامية والعالم في لندن،الوحدة الاسلامية والانسان المعاصر وقضايا الاسبوع وأوراق الحوار في بيروت..الخ.. استاذ في ملاك الجامعة اللبنانية-معهد العلوم الاجتماعية (متفرغ منذ العام 1988)، واستاذ زائر في جامعة ارلهام الاميركية بانديانا (2001 ثم 2003-2006) واستاذ محاضر في الاسلاميات في جامعتي القديس يوسف والبلمند (منذ العام 2006) وفي جامعة هايكازيان(منذ العام 2008)... من مؤلفاتي المنشورة: أفول الماركسية(1987)،الاسلام وحقوق الانسان(بالانكليزية-اوسلو 1990)،الحوار الاسلامي المسيحي:ضرورة المغامرة(1996) ، الوحدة الاسلامية والتقريب بين المذاهب(1998)، أميركا..أميركا:الواقع والاسطورة(1998)،خريف الامم المتحدة(1999)،من حسن البنا الى حزب الوسط:الحركة الاسلامية العربية وقضية العنف والارهاب(2000)،العدل في العيش المشترك (2002)،الشيعة اللبنانيون في تبلور وعيهم الوطني(2008)... طبعاً ناهيك عن عشرات ان لم يكن مئات المقالات والدراسات المنشورة في الصحف والمجلات المتخصصة او المقدمة الى مؤتمرات بحثية محلية وعربية ودولية.ومؤخراً صدر لي عن دار مدارك: اليمن صراع الدين والقبلية (2011) وعن المسبار: الجماعات الاسلامية والعنف (2011).. 2- وقعت الواقعة ونشر الصديق والرفيق جهاد الزين نص (من هو سعود المولى؟) الذي لم يكن معداً للنشر في النهار اصلاً ومع ذلك وكما قال الخميني : الخير في ما وقع.. فلو اتيح لي مراجعة النص قبل نشره لتوسعت في امور أهمها: 1 -الدور التاريخي (الفكري والسياسي) لمحسن ابراهيم ومحمد كشلي في التحول اليساري في حركة القوميين العرب والناصرية صوب الماركسية-اللينينية ودور مجلة الحرية الاساسي في هذا السياق سنوات 1965-1972.. 2-الدور التاريخي (الفكري والسياسي) لكل من احمد بيضون ووضاح شرارة ووجيه كوثراني ومحمود سويد وفواز طرابلسي وحسن قبيسي في حلقة لبنان الاشتراكي.. 3- الدور الكبير لمجموعة الشباب في الثانوية العاملية نواة العمل الطلابي للبنان الاشتراكي: محمد بيضون وجهاد الزين وعلي يوسف وحسان يحيى ومختار حيدر، ودور شباب الثانويات من منظمة الاشتراكيين سعود ووديع حمدان واحمد ديراني وطلال طعمه وشمس الدين.. ثم المرحوم سعد ارزوني وحسن الشامي(دار المعلمين) وغيرهم (نصير الاسعد وفؤاد عواضة في الليسيه الفرنسية) وقراءة ذلك من زاوية شيعة المدينة وانخراطهم المبكر في الحداثة واليسار الاجتماعي.. 4- الدور التاريخي للمرأة اللبنانية وللفتيات اللبنانيات في الثانويات والجامعات امثال عزة ويولا وسناء وسميرة وسونيا ووداد ومود ونوال من الجيل الاول والمرحومة منى عواضه وندى وآمنة وآمل ومي ورجاء وسلمى ومنى من الجيل الثاني.. 5- الدور الرائد لكلية التربية في الحراك الفكري والسياسي والنضالي سنوات 1968-1975 وفي تخريجها نخبة من المع قيادات الحركة الطلابية والاجتماعية والثقافية.. (الياس خوري- بيار عقل- الياس عطالله- سعدالله مزرعاني- أنور الفطايري- انطوان حداد- حارث سليمان- عصام خليفة- بول شاوول- عقل العويط- شوقي بزيع- حسن داوود- حمزة عبود- جودت فخرالدين – محمد العبدالله- حسن العبدالله- عصام العبدالله- رالف غضبان- جورج كتورة- انطوان الدويهي- جبور الدويهي- جوزف بدوي- جورج سمعان- بهية بعلبكي- طوني دعيبس- طوني فرنسيس- سهيل عبود- شادية الحلو- غسان شربل- بشارة شربل- طلال طعمه- عصام عيسى- نزيه خياط - الخ..). 6- الفكر الماوي في تجلياته اللبنانية والعربية واهمها مجموعتنا التي انشقت عن منظمة العمل عام 1972 (سعود- ادهم- ربحي- عبدالوهاب- نواف- رجا- الشهيد رضا- جميل- طلال-ابو علي محمود- ابو احمد هشام- ابو قاسم محمد- ابو محمود سامي- سرور) ومجموعة الكراس الازرق (وضاح-احمد- بشير- نذير- علي ي-حسان ي- فتحي ي- بسام ع- سهيل ز- رياض د.- رضا ا.- حسن م.- طلال ع.)..الخ.. 7-الدور الكبير لقادة طلابيين وسياسيين امثال حكمت العيد واسماعيل بواب ومحمد عودة ورياض شمس الدين واحمد علامة ومحمد فايد وهيام المولى ومحمد وهبه من الجيل الاول. 8- سنواتي في طرابلس وقد تعرفت فيها على الشهيد علي عكاوي وحركة الغضب ثم على شقيقه الشهيد خليل قائد المقاومة الشعبية، وفيها ايضاً احلى سنوات العمر مع الاصدقاء شبل ويونا وغابي وأليكو وسابا وغيرهم.. 9-سنوات باريس وقد ابتدات بالتردد اليها منذ العام 1976 تارة لزيارة شقيقيتي هيام وتارة للمشاركة في نشاطات دعم الثورة الفلسطينية مع الجمعية الطبية الفلسطينية-الفرنسية ورئيسها الرائع الطبيب لاريفيير وفيها تعرفت فعلياً على الحركة الماوية العربية من جماعة العامل التونسي الى حركتي 23 مارس والى الامام المغربيتين، الى حركة العمال العرب، الى شباب فلسطين الشهيد عزالدين قلق والشهيد نعيم خضر وابراهيم الصوص وليلى شهيد وعفيف صافية ورفيق خوري وعمر مصالحة.. وشباب سوريا برهان غليون وفاروق مردم بيه وفايز ملص الخ.. وفيها ايضاً درست في السوربون مع دومنيك شوفالييه الرائع وكان معنا واولنا الشهيد الدكتور انطوان عبد النور ومن جيله احمد بيضون وغسان سلامه وامين معلوف ومن بعدهم انا ونواف سلام وهنري لورنس وجاء بعدنا شهيدنا سمير قصير ولكننا التقينا كلنا في صف شوفالييه... 10- الاغنية الثورية مع احمد فؤاد نجم والشيخ امام والهادي قلة ومحمد بحر الى ناس الغيوان وجيل جيلاله ومع مظفر النواب الرائع.. وكذلك تجربة الحزب الشيوعي العراقي-القيادة المركزية والجبهة الشعبية لتحرير ظفار والجبهة الشعبية في البحرين.. 11-الماويون اللبنانيون من أطباء تولوز وعلى راسهم الشهيد الدكتور عصمت مراد مؤسس اتحاد الشبيبة في طرابلس ثم حركة لبنان العربي.. 12- تجربة الكتيبة الطلابية في الجنوب 1976-1982 وهي ابرز واعظم تجربة سياسية-عسكرية نضالية طبقت حرب الشعب.. وقد برز فيها القادة معين ومروان وعلي ومعهم شفيق ورياض وخالد وبهية وادهم وربحي ورمضان وابو داوود وفلاح وطارق وجهاد الخ. 13-تجربة المقاومة الوطنية والاسلامية سنوات 1982-1985 وعندي توثيق شامل بكل العمليات التي يعود 80% منها الى حركة فتح ومنها الكتيبة الطلابية وخصوصاً عمليات الباصات وعملية اسر 8 جنود اسرائيليين وقد اضطر المقاتلون الى اعطاء 3 منهم للجبهة الشعبية-القيادة العامة لكي تسهل لهم المرور عبر الخطوط السورية الى البقاع...وقد تبادلت القيادة العامة هؤلاء مع اسرى فلسطينيين(عملية النورس) ولكنها لم تقل ابداً ان الذين قاموا بالعملية الرائعة هم شباب الكتيبة الطلابية.. وعندي صور وتفاصيل العملية.. 14-التجربة الرائعة مع الثورة الايرانية منذ الشهيد الدكتور علي شريعتي وآية الله طالقاني ومهدي بازركان والشهيد القائد الفذ مصطفى شمران ، وحتى آية الله منتظري والسيد خاتمي ومير حسين موسوي ومهدي كروبي وعلي أكبر محتشمي بور وبهزاد نبوي وسعيد حجاريان ومحمد علي أبطحي وماشاءالله شمس الواعظين وحسن كديور وعبدالكريم سوروش ومجتهد شبستري: هذه هي ايران الثورة والناس والاصلاح والتغيير والتقدم. 15- التجربة الخاصة مع الامام السيد موسى الصدر ثم مع الامام الشيخ محمد مهدي شمس الدين أو تجربتي في العمل الشيعي ما بعد الثورة الخمينية.. وكنت قد شاركت في التجربة الاسلامية اللبنانية والعربية منذ العام 1979 عبر مجلة المختار الاسلامي في مصر ومنها تعرفت بالشهيد الدكتور فتحي الشقاقي ورفاقه احمد صادق ورمضان شلح وعبد العزيز عودة ومحمد ابي سمرا وسيد بركه وزياد نخال وتيسير الخطيب وصالح عوض وعلي شكشك.. واصدرت معهم مجلة الطليعة الاسلامية 1983-1986... وتعرفت براشد الغنوشي وحركة الاتجاه الاسلامي في تونس، وبشباب البديل الحضاري او الاختيار الاسلامي وحركة الامة ،وحزب العدالة والتنمية، وحركة العدل والاحسان في المغرب، وبالكبير المجدد حسن الترابي.. وفي هذه المرحلة اسسنا مجلة العالم في لندن وكنت مدير مكتبها في باريس 1983-1986 قبل ان اسلمه الى الصديق طراد حمادة.. ثم كان اللقاء بحركة شباب الوسط الاسلامي في مصر وبالاخوة محمد سليم العوا وطارق البشري وعادل حسين وفهمي هويدي ومحمد عمارة وعبد الوهاب المسيري وهبة رؤوف وسمير مرقس ونبيل مرقس في مصر..ومعهم وامامهم المرحوم الشيخ محمد الغزالي..ومعاً وبقيادة الامام شمس الدين صنعنا خط الوسطية الاسلامية والحوار الاسلامي المسيحي والوحدة الاسلامية... وبعد فان الحديث يطول وفيه شجون ولكن نشر جهاد الزين لهذه السيرة المقتضبة والذاتية يجعلني افكر بالطلب من كل الاصدقاء الكتابة عن تجربة هذا الجيل تجربة اليسار الجديد والحلم الثوري وتجربة الاسلام السياسي المناضل وصولا الى دروس هذه التجارب التي جعلتنا على ما نحن عليه اليوم.. 3- على سيرة السيرة الذاتية فقد وصلتني بعض الرسائل من اصدقاء تطلب كتابة امور او تسأل لماذا لم اذكر فلان او فلان..والحقيقة ان ما نشره الاخ الحبيب والرفيق جهاد الزين في النهار لم يكن سيرة ذاتية بقدر ما كان نوعاً من التذكر واستذكار بعض المحطات في حياتي (اسموها خبرة عمر) ولو اردت كتابة سيرة ذاتية تفصيلية لاقتضى ذلك كتاباً موسعاً.. على كل حال وكما سبق القول: الخير في ما وقع..والخير هو في استذكار الرفاق والاحبة الذين كانوا ضوء العمر ونور القلب والذين معهم صنعنا احلى الاوقات والذكريات.. بعض الرفاق سأل لماذا تجاهلت فواز طرابلسي خاصة وانه كان من مؤسسي وقادة لبنان الاشتراكي.. والحقيقة انني كنت اتحدث عن تجربتي الشخصية وفي مرحلة الحلقات الماركسية-اللينية لحركة القوميين العرب(1967-1969) ثم منظمة الاشتراكيين اللبنانيين (1969-1971) ثم منظمة العمل الشيوعي (1971-1972)..وأنا لم التق بفواز سوى بمناسبة قرارات فصلنا وطردنا (صيف 1972- في منزله القديم حيث طلب اللقاء بنا وكتب بالمناسبة تقريرا الى اللجنة المركزية للمنظمة عنوانه قضية الرفيق عاصم- يعني انا ).. ولم اتعرف عليه جيدا سوى في مرحلة جد متأخرة وبعد انفراط المنظمة في التسعينيات..كما ان فواز كتب سيرته الذاتية وتحدث عن تلك المرحلة من زاويته الخاصة (كتابه قصة الفتى بالأحمر)...وأنا حاولت ان اتحدث عن الشيعة تحديداً في تجربتنا: اولئك الشبان الريفيون الذين جاء اهلهم الى بيروت سعيا وراء الوظيفة والعمل والذين تبلور وعيهم الوطني واليساري في المدارس الرسمية أو الخاصة مثل العاملية والليسيه.. وانا تجربتي كانت خاصة لانني كشيعي عشت في بيروت السنية (كورنيش المزرعة ثم ثانوية البر والاحسان التي لم اذكرها رغم انني ادين لمديرها المرحوم محيي الدين البواب) ثم طرابلس (وهي كانت خميرة وعيي ومشاركتي في الحياة السياسية)..وكنت في منظمة الاشتراكيين اللبنانيين (وارثة حركة القوميين العرب) وليس في لبنان الاشتراكي، وكنت ماوياً وليس تروتسكياً أو تحريفياً..والذين تأثرت بهم وشاركتهم تلك المرحلة هم وضاح شرارة وأحمد بيضون ووجيه كوثراني وحسن قبيسي وعباس بيضون ويولا شرارة وعزة بيضون وسميرة حميدان وسناء البواب وحكمت العيد وعلي حرب الى جانب محمد بيضون وجهاد الزين وسهيل الزين وعلي يوسف وحسان يحيى وحسن منيمنه وطلال عتريسي ومختار حيدر وفارس بزي (صار شيخا معمما منذ الثورة الايرانية حيث درس في قم، ولكنه ليس من المشايخ الحزبيين مثل رفيقنا وصديقنا القديم كاظم ياسين، او مثل غيره من بعض المشايخ الجدد الذين صاروا يصدرون علينا فتاوى التخوين والتكفير) والمرحوم الحبيب محمود بيضون (زينة شبابنا يومذاك والذي لم أذكره رغم علاقتي وصداقتي معه ومأساة مرضه ووفاته).. ورفاق الدرب الطويل اصدقاء البدايات والايام الاولى يوم عز الرفاق : الدكتور كاظم الحاج والدكتور طلال طعمه وعادل صباغ وشمس الدين شمس الدين وعلي الشاب واحمد فايد وجميل علي حسن وعبد الوهاب تفاحة وأحمد سويدان ونبيل خانجي، والمرحومة منى عواضه و ندى ع.، وسوسن ومارينا ح. ، ودينا ق. ، وآمنه ق.، ومي ش. وأمل ع. ومنى ص. ورجاء ب.ورجاء غ.، يوم كانت هذه الفتيات طليعة النضال في المدارس والخنادق.. وأخص بالذكر شهيدتنا الكبيرة دلال مغربي وشهيدنا الغريب المظلوم الاخ الحبيب رضا حداد، وكان رفيق الطفولة والمراهقة اليساريتين، ومعه كل شهداء السجون العربية قبل شهداء العدوان الصهيوني والاحتلال...فظلم ذوي القربى اشد مضاضة ، وجرحنا في بلادنا ليس كالجرح من العدو المحتل المغتصب...وهذا درس كبير من تجربتنا..... لقد اتيح لي التعرف على الرفاق السابق ذكرهم عن كثب وعمل اكثرنا جنبا الى جنب في انتفاضة الطلاب الثانويين 1970-1971 واصدرنا يومها جريدة صوت الثانويين وكنا نجتمع في منزل سميرة يوميا ونقود اروع حركة طلابية لبنانية في الثانويات..ومعنا ايضا لاحقاً في القطاع الطلابي نصير الاسعد وجريس بشارة (لبنان الاشتراكي) وفؤاد عواضه ورياض الدادا ونذير الاوبري ورضا اسماعيل القادمين من الليسيه الفرنسية ومن تجربة اتحاد الشيوعيين اللبنانيين.. وهذه تجربة اخرى لم يكتب عنها او يستذكرها احد.... ومن ينبغي ذكره والاستفاضة في الحديث عن دوره هو المناضل الصديق حكمت العيد الذي ما زال قلبه وعقله يتابعان النضال مع كل الشرفاء في كل مكان..اليه الف تحيه.. وكما قلت فان مجموعتنا كانت حلقة ماوية- فتحاوية داخل المنظمة (هكذا اسمانا محمد كشلي حين خرج من المنظمة قبلنا) ولذا فانها لم تتفاعل مع فواز ابدا- دون ان يعني ذلك التقليل من دوره في المنظمة لاحقاً...ولكن هذه ال لاحقاً لم تكن تعنيني ابداً..فانا كنت في المنظمة حتى صيف 1972 فقط..واسست لاحقاً منظمة "نواة الشعب الثوري" الماوية على نمط اليسار البروليتاري الفرنسي.. وبالارتباط مع حركة فتح من خلال محجوب عمر وجواد ابو الشعر..وخلال هذه المرحلة الماوية التقينا بمنير شفيق واندمجنا معه واسسنا حزبا ماركسيا لينينيا ماويا داخل حركة فتح ...كما التقينا بالحزب الشيوعي العربي (هلال رسلان الرائع وشباب الدروز- وهو كان محافظا لحلب ثم سفيرا لسوريا في الصين ) وباتحاد الخلايا الماركسية اللينينية (انطوان ج. وميشال ن. ومحمد ق. وأحمد ح. وايلي ج.، ومعظمهم انضم معنا الى فتح) والشهيد عصمت مراد الذي قلت عنه انه كان رئيس الماويين في تولوز الفرنسية وحين عاد الى لبنان انضم معنا الى فتح.. كما ان البعض سألني لماذا لم اكتب عن تجربتي في الحرب الاهلية..والحقيقة انني لمحت الى موقفنا في الحرب اذ كنا نرفضها ولكننا خضناها وهذا يحتاج الى كتابة اخرى... في تلك المرحلة اسست مع أنيس نقاش (وهو كان في فتح انما ليس في الكتيبة الطلابية) جريدة الفجر برعاية محجوب عمر والشهيد جواد ابو الشعر.. ولكن التجربة كانت قصيرة (1975-1976)..وبعدها لم يحصل عندنا داخل فتح واللبنانيين فيها أي حوار او نقاش للاجابة على تساؤلاتنا: لماذا شاركنا وقاتلنا رغم أخلاقنا الحميدة ورغم سلميتنا وحواريتنا وحبنا للعدل والحق ورفضنا للعنف وللتخوين والتكفير...نعم نحن وقفنا ضد الحرب وحاولنا التصدي للتيار السوفياتي الفلسطيني-اللبناني الذي كان يرعى الحرب ويريد استمرارها...فاتهمونا باليمينية.. وقد دفعنا ثمن مواقفنا الرافضة لقرارات القيادة المشتركة اللبنانية الفلسطينية (من قرار العزل الى قرار استباحة الدامور)..ومع ذلك صعدنا الى صنين ودخلنا الى حي البرجاوي وكنا اشرس المقاتلين في أصعب المواقع قبل اتفاقنا مع الامام الصدر والشهيد شمران على الانتقال الى الجنوب... لماذا حاربنا ؟ هل كان ذلك فعلا لاننا آمنا بالدفاع عن الثورة العربية وعن عروبة لبنان...هذه قضية تحتاج الى دراسة تتعلق بالحرب الطائفية وبالاوهام الوطنية واليسارية التي احاطت بها والتي اختزلتها مقالات منير شفيق وجورج حاوي ومهدي عامل بالحديث عن المارونية السياسية باعتبارها طائفة-طبقة...ولعل اوهامنا لم تكن اوهاما بقدر ما كانت تعبيراً واقعياً عن الحقائق الاجتماعية التي كنا نرفضها.. ومن الملاحظات التي جاءتني انني تجاهلت الحديث عن علاقتي بالشهيد عماد مغنية... والحق انني لم افعل ذلك عمدا او خوفا من الدعاية السلبية فانا صرت في عمر لا تهمني فيه كل فيزات العالم وكل القيل والقال المخابراتي او الترهيب والتشهير..نعم كنت صديقاً ورفيقا لعماد وكنا من اعز الاصحاب وقد عرفته منذ كان شبلا في ميليشيا فتح في الشياح (1976-1978) وحتى صار قائدا من اعظم قادة المقاومة في العالم..ولم تنقطع علاقتي به حتى العام 2000.. فهو كان صديقي الحميم نلتقي كلما سمحت ظروفه ونتعشى في منزله ومع اخوانه وفيق وساجد وغيرهما..وكان يستمع الى انتقاداتي وملاحظاتي على الحزب بعكس كل المسؤولين الحاليين الذين نسوا اين كانوا وماذا كانوا؟؟ ان تجربة عماد هي ملك لحزبه واخوانه في المقاومة ولا استطيع الحديث عنها او تقييمها احتراما لهذا الواقع ولكنني بالطبع ساكتب عن الجانب الخاص بعلاقتنا معا ومع رفيقه الشهيد أبوحسن علي ديب، ابان المقاومة الوطنية العظيمة سنوات 1982-1988 ثم المقاومة الاسلامية 1992-2000. اما السيد فضل الله فلم اذكره لان العلاقة به كانت بسبب عماد اولا ، ولم تستمر طويلا ثانياً، وأنا اخترت طريقي مع الشيخ شمس الدين منذ العام 1988 وكنت ادعو الى هذا الطريق من داخل الحزب اثناء ادارتي لمجلة الوحدة الاسلامية (1986-1988).. والسيد بالنسبة لي هو قائد حزبي اولا واخيرا ولم يخرج ابدا عن الفكر الحزبي الدعوتي بعكس الامام شمس الدين الذين اعتبرته مجدد القرن العشرين وصاحب الرؤية الاسلامية الحديثة الديموقراطية المدنية. اليهم كلهم نفس التحية ونفس الحب والاحترام واالتقدير.. من جانب اخر لم استطع التوسع في الحديث عن مرحلة موسى الصدر ثم محمد مهدي شمس الدين وعن دور المرحومين احمد قبيسي واحمد اسماعيل ودور الرئيس السيد حسين الحسيني والدكتور علي الحسن ومحمد شعيتو وغيرهم من رفاق الامام الصدر .... ولا عن دور الشهداء الاخوة محمد سعد وخليل جرادي وزهير شحادة وقائد الحركة العسكري الشهيد مصطفى شمران...ولا عن دور رفاقي من الايام الاولى أدهم وربحي وجميل وأبو أحمد هشام وابوقاسم محمد وابو محمود سامي وابو علي الجماهير والحاج غازي وسرور واخوانهم وهم صاروا بالعشرات من قادة حزب الله والمقاومة الاسلامية... اليهم كلهم نفس التحية ونفس الحب والاحترام واالتقدير.. وعلى مقلب آخر لا يجوز ان انسى رفاقي في طرابلس من الشهداء عصمت مراد وخليل عكاوي ومصطفى كردية وشوقي الظنط ومصطفى طبش فحيلي الى الاحياء منهم بلال وابو سمير وناصر وابو داوود الخ..وهم رواد التجربة الماوية- الفتحاوية التي تحولت الى حركة لبنان العربي ثم اندمجت مع الشيخ سعيد شعبان لتأسيس حركة التوحيد...وهذه تجربة اخرى تحتاج الى تقويم خاصة لجهة مصائر الثوروية الاسلاموية الحالمة ووقوعها في قبضة السلفيات والعصبيات والسلطات ... كما لا انسى دور مركز البيان الاسلامي ومديره بشار ، وشبابه الورود مالك وطارق وخالد وعمر وغيث والذين لا اذكرهم هنا ولكنهم في القلب شباب جمعية الارشاد والاصلاح، وخصوصا ذلك العمل التوحيدي الذي حاولنا القيام به جميعا ومعا يشاركنا الاخ العزيز كبيرنا وشيخنا السلفي زهير الشاويش اطال الله بعمره.. المهم انني لم أكن في معرض كتابة مذكراتي لانني ما زلت اعتقد بانني ساواصل النضال في سبيل ما اؤمن به حتى الرمق الاخير ... انما استعراض بعض محطات الذاكرة مفيد لسببين: الاول معنوي كما سبق القول اي انه لا يجوز ان تذهب تضحياتنا سدى او ان يخرج علينا اليوم بعض الصبية المغرورين الذين يعتقدون ان الامة وان الناس وان النضال ولد معهم في حين انهم يقتلون كل يوم أحلى ما في الذاكرة وهو النقاء والاخلاص والحب والعلاقات الانسانية..والسبب الثاني ان تجربتنا لا يجوز ان تموت بل يتوجب ان تنقل الى اولادنا والى الاجيال والينا نحن حتى، لكي ندرسها ونتعلم منها ونأخذ العبر...ان الشعب الذي لا يتعلم من تجاربه لا يتقدم.ونحن العرب لم نراكم أية خبرة من كل تجاربنا لان احزابنا العظيمة اختزلها الامين العام الذي اختزلته سلطة ولاية الفقيه، اكانت في موسكو ام بكين ، في دمشق او بغداد او ليبيا، وصولا الى طهران.كل حزب بما لديهم فرحون، وكل حزب يعتقد انه المهدي المخلص وان التحرير والوحدة والاشتراكية ستتم على يديه او على يدي قائده الملهم الذي يصير نسخة كاريكاتورية عن ابشع الديكتاتوريين في التاريخ...التاريخ الذي يعيد نفسه في المرة الثانية بصورة مسخرة كما قال يوما كارل ماركس..نعم لم تنتبه الاحزاب الى ان مسيرة الشعوب والامم هي مسيرة اجيال وانه ينبغي البناء على الصخر الصلب والتقدم عبر التجارب...وكنا في كل جيل نبدأ من جديد...يأتي زعيم او حزب جديد ويقدم الوعود نفسها بالحرية والوحدة والاشتراكية او بالاسلام والوحدة والتحرير...المهم ان تجربتي هي تجربة العشرات والمئات ممن ذكرت وممن لم اذكر.. وبالعودة الى دروس التجربة أقول ...نعم لقد حاربنا مع فتح والثورة الفلسطينية وحاربنا مع المقاومة الوطنية والمقاومة الاسلامية وقاتلنا في اصعب الظروف الا اننا لم نفقد البوصلة ابداً وكنا نحاول دائما ان نرى ما هو الصح وما هو الحق وما هو العدل وهذا هو خط الفصل الوحيد بين كل الاشياء...الحق والعدل والكرامة والحرية والديمقراطية...هذه هي الاصول والثوابت...ان تجربتنا هي تجربة علاقات لم يسبق لها مثيل في حياتنا ولعل ذلك ناتج عن التقاء الريف بالمدينة ، الوعي بالممارسة ، الحب بالثورة (او الحب تحت ظلال البنادق) ، المحلية بالعالمية ، وهذا من سحر بيروت الخاص الذي لا يتكرر ، وعن نموذج كلية التربية ،وهذه تجربة تستحق ان يكتب عنها ايضاً الكثيرون من اصحابها،وعن الجو الثقافي والفكري العالمي منذ ثورة ايار 1968 الطلابية ، وصولا الى دور النموذج الثوري التغييري مثل غيفارا والثورة الثقافية الصينية وحرب فيتنام.. الى الفدائي ابو كوفية من خليل عزالدين الجمل الى معركة الكرامة الى ابوعلي اياد الى ايلول السبعين...الى تجربة المقاومة في الجنوب وهي التجربة الانقى والانصع....... وبعد فهذا وعد ان اكتب عن هذه السيرة من خلال الشهداء والاصدقاء فهم كانوا الاساس وانا كنت معهم ولولاهم ما كان العمر ولا كنت... (كل الثوار نجوم يا رفاقي، ولكن انتم قمرهم..)...
1 سعود المولى : شبه سيرة ذاتية أنا سعود نعمه المولى، والدي فلاح من قرية حربتا في جرود بعلبك/الهرمل، كدح وجاهد لتعليم أولاده، دخل سلك الجندية أيام الإنتداب الفرنسي وحكومة فيشي (1940) وقد وضعه الفرنسيون مع رفاقه في موقع على الشاطىء قرب بلدة إنطلياس على ما كان يتذكر معنا.. وقد تعرض الموقع للقصف الجوي والبحري عند تقدم الهجوم البريطاني لاسترداد لبنان وسوريا بعد احتلالهم فلسطين... فهرب الوالد ورفاقه سيراً على الاقدام عبر جرود جبل لبنان من جهة بكفيا باتجاه البقاع الشمالي وصولاً الى قريتنا حربتا.. بعد انتهاء الحرب (1945)، وبسبب خدمته السابقة في الجيش وحاجة دولة الاستقلال الوليد الى أمثاله في القوى العسكرية ، دخل في سلك قوى الأمن الداخلي... وهكذا انتقل من حربتا الى بيروت حيث تزوج ثم ولدت أنا وأخوتي الستة، وأكبرنا المرحومة الدكتورة هيام (توفيت في 2 كانون الاول 2006) التي كانت أروع فتيات زمانها علماً ومعرفة وأخلاقاً وأدباً ونضالاً في سبيل المحرومين والكادحين... فنحن من أبناء بيروت رغم احتفاظنا بالجذور والعقلية البعلبكية... وسبب مدينيتنا يعود أساساً الى أمي خيرية عثمان أرناؤوط... فجدها لوالدها كان ظابطاً عثمانياً أيام كان لبنان وسوريا وكل بلاد الشام تحت السلطنة العثمانية... وأمها شيعية جنوبية من قرية حومين التحتا (من آل بلوط وهم نفس عائلة المولى البعلبكية وأصل العائلتين من بلاد جبيل- قرية بلاط)... ووالدها كان موظفاً في المالية العثمانية بصيدا ثم رحل إلى فلسطين أيام الانتداب الفرنسي حيث عاش في صفد مع عائلته وقد بقي خالي نصوح في حيفا بعد نكبة فلسطين 1948 ولم يرجع إلى لبنان إلا بعد حرب حزيران 1967.. بعد نكبة فلسطين انتقل جدي عثمان الى بيروت وكان موظفاً متقاعداً تركياً...وسكن في زاروب الطمليس..وهناك سكن والدي ايضاً....ولكن جدي انتقل منه إلى مدخل الزاروب على كورنيش المزرعة...هناك في هذا المنزل الذي سكن فيه جدي ووالدي وعمي ووالدتي وخالتي وجدتي..الخ.. ولدتُ في 25 تموز 1953 يوم كان ولي العهد السعودي سعود بن عبد العزيز في بيروت (صار رئيساً للوزراء في 25 آب ثم ملكاً بعد وفاة والده في نوفمبر من نفس العام).. ويبدو أن الوالد أسماني تيمناً بهذا الأمير العربي المحبوب يومذاك.. إذن ولدت وترعرعت عند مدخل زاروب الطمليس-كورنيش المزرعة، وهو يومها مأوى النازحين من الجنوب والبقاع وبعض العائلات الكردية والفلسطينية... فعرفت معنى الانتماء إلى أقلية في وقت مبكر من حياتي رغم عدم فهمي يومها لآليات اشتغال العلاقات الاجتماعية والسياسية اللبنانية بشقيها الطائفي والإثني...وعند انتقالنا إلى كورنيش المزرعة سكنا بالقرب مما صار لاحقاً مسجد جمال عبد الناصر وكانت المنطقة كلها عبارة عن تلال من الرمال حيث كنا نمضي أيام طفولتنا نلعب هناك.. درست أولاً في مدرسة روضة الأطفال الوطنية التي كانت مقابل مقهى الجندول الحالي على كورنيش المزرعة وصار إسمها لاحقاً ثانوية الأخت فروسين (نسبة الى مؤسستها الراهبة فروسين وكانت المديرة في أيامنا ابنة أختها السيدة جوزفين).. لا أذكر من تلك المرحلة سوى صورة الدواليب المشتعلة أمام منزلنا على الكورنيش، عند مدخل زاروب الطمليس، وصورة أبو شاكر ابراهيم قليلات ومصطفى الحارس (من قبضايات تلك المحلة ولعله كان كردياً على ما أتذكر) مجتمعان مع والدي وعمي لحماية مسيحيي المنطقة.. وصورة ضبابية عن اشتباك مسلح خاضه والدي وعمي مع شخص أطلق عليهما النار من الجهة المقابلة لمنزلنا أي من الحي المسيحي (حيث ينهض بناء البنك العربي اليوم وكانت هناك بيوت لعائلات مجدلاني والتوم وغيرها).. ولكنني لا أعتقد أن تلك الذكريات تعود الى حوادث عام 1958 التي وقعت ما بين أيار وتموز... وإنما الى ما تلاها وما سمي يومها بالثورة المضادة يوم احتج بيار الجميل وريمون إده على نتائج الثورة وعلى إقصائهما عن السلطة...والثورة المضادة وقعت في تشرين أي بعد استلام الجنرال فؤاد شهاب الرئاسة في أيلول.. وتلاها تشكيل حكومة الأقطاب الأربعة.. وهذا التاريخ أقرب إلى الحقيقة لأنني أذكر أنني كنت عائداً بالبوسطة من المدرسة حين فاجأتنا حواجز النار والدواليب...وأحياناً يتبادر إلى ذهني أن الحادثة الثانية (تبادل إطلاق النار عبر الكورنيش) وقعت أثناء ما عُرف بقضية متري العقدة... بعد أحداث ثورة 1958 انتقل والدي الى طرابلس بسبب عمله في التحري والشرطة الجنائية ولعل نقله كان تأديبياً جرى من باب الكيدية والانتقام من الموظفين الذين لم يلتحقوا بالثورة ضد رئيس الجمهورية شمعون... ولحقنا بالوالد بعد عامين إذ أنه أحب العيش في مدينة طرابلس وقرر البقاء فيها... وهكذا انتقلنا من مدينة متوسطية كبرى ذات سمة كوسموبوليتية الى مدينة متوسطية أخرى ذات سمة مشرقية وعثمانية واضحة، وبين المدينتين تشابهات واختلافات كبيرة... في طرابلس درست أولاً في مدرسة الفرير ثم في ثانوية الحدادين الرسمية... وفي طرابلس انتسبت الى حركة القوميين العرب، وكانت شقيقتي المرحومة هيام هي القدوة والنموذج حيث أنها كانت مناضلة أساسية في الحركة (إلى جانب المرحومين الدكتور معن زيادة ومصطفى صيداوي). هيام دخلت "الحركة" مبكراً منذ كانت تدرس في الصفوف المتوسطة بمدرسة مدام نعمة في بيروت، ثم تابعت عملها الحركي في دار المعلمين والمعلمات بطرابلس...أذكر من تلك الأيام مشاركتها في مظاهرات وجمع تبرعات للثورة الجزائرية...أذكر موقفها الغاضب والمتمرد ضد انقلاب بومدين على محبوب القوميين العرب الرئيس بن بلة.. وأذكر حزنها وبكاءها على باتريس لومومبا وعلى مالكولم إكس عند اغتيالهما...وأنا اكتشفتهما لاحقاً وصرت من أشد المعجبين بهما...وقد نشأت صداقة عميقة جميلة بيني وبين بن بلة بعد إطلاق سراحه وذلك في باريس..وكانت هيام أول من ترجم نص مقابلة للرئيس بن بلة كانت بداية تحولاته الفكرية من السجن.. والفضل في كل تطوراتي الفكرية والسياسية الأولى يعود طبعاً لهيام التي كانت تحثني على قراءة مجلة الحرية الأسبوعية وعمري لما يتجاوز السنوات الإثنتي عشر.. وهكذا وجدت نفسي في طليعة "الحلقات الماركسية اللينينية" التي انبثقت عن التحول اليساري في حركة القوميين العرب بعد نكسة حزيران 1967..(مع الأصدقاء الدكتور خالد ز،. وعبد الفتاح س.، ثم لاحقاً بسام ع،. وفتحي ي.، وكانوا قد انشقوا عن الحزب الشيوعي مع نهلة ش.، وانضموا إلينا)... بحيث انني شاركت في المؤتمر التأسيسي لمنظمة الإشتراكيين اللبنانيين (1969) وكان ذلك في مخيم برج البراجنة في أحد مكاتب الجبهة الديموقراطية... أدهشني في المؤتمر ثقافة وطلاقة محسن ابراهيم ومحمد كشلي وتعرفت يومها على حكمت العيد ومحمد فايد ورياض شمس الدين ومحمد عودة ومحمد خليل ومحمد وهبه ومحمد حديب وسهيل بزي وأحمد علامة وزياد فليفل وآل مشاقة...هؤلاء كانوا وجوه الحركة في الجامعات يومذاك.. وبعد تأسيس المنظمة صدرت وثائقها في كتاب بعنوان "لماذا منظمة الاشتراكيين اللبنانيين"... فصرنا نعرف باسم "جماعة لماذا؟".. وراجت النكت حول ذلك وبعضها كان يطلقه المهضومون محسن ابراهيم ومحمد كشلي وحكمت العيد...بعد ذلك صرت أقوم بتوزيع مجلة الحرية وكان هذا من الواجبات المقدسة يوم الأحد..ومن خلال النهوض اليساري الذي شهدته منظمة الاشتراكيين اللبنانيين جرى التلاقي مع جماعة لبنان الاشتراكي وهم مجموعة من كبار المثقفين الماركسيين الخارجين من يسار حزب البعث ومن تجارب أخرى في الحزب الشيوعي والحزب الاشتراكي.. وقد انتقلتُ تلقائياً إلى مواقع متقدمة في إدارة التنظيم الموحد بين المنظمة ولبنان الاشتراكي (1970-1971) ثم في قيادة منظمة العمل الشيوعي التي انبثقت عن اندماج التنظيمين (أيار 1971)..غير أنني سرعان ما أعلنت انشقاقي عن المنظمة (تموز 1972)على رأس مجموعة طلابية وكان السبب المباشر تأييد الاحزاب التقدمية اللبنانية لصدام حسين عند تأميمه للنفط .. والأسباب غير المباشرة كثيرة أولها أننا كنا ماويين ننتمي الى خط ماوتسي تونغ ضمن الحركة الشيوعية العالمية، وكنا نرى أنه يجب الالتزام بتيار الثورة الفلسطينية الرئيسي(حركة فتح) وليس بيسارها المرتبط بموسكو...وكنا نقول إن فلسطين هي طريق الوحدة العربية وإن الثورة الفلسطينية هي رأس الحربة للثورة العربية الشاملة، وإن حرب الشعب طويلة الامد هي طريق النصر.. وكنت قد نجحت في العام 1971 في امتحان الدخول الى كلية التربية-قسم الفلسفة وعلم النفس-بالفرنسية.. قبل انشقاقنا انشق قادة القطاع العمالي في المنظمة وعلى رأسهم الرفيق المرحوم الدكتور حسن قبيسي، والرفاق جنان شعبان ورشيد حسن وحاتم حوراني وعلي جابر، والمناضل روجيه نبعه الذي أسسنا واياه (مع الياس ص. والمرحوم فؤاد غرغور ومنى ع. وروجيه ع. وفاسكين د. وغيرهم) حركة ماوية (نواة الشعب الثوري) تستلهم التجربة الفرنسية المعروفة باسم اليسار البروليتاري وترفع لواء الثورة الثقافية الصينية..وكنت أترجم كراسات الثورة الصينية واليسار الماوي الفرنسي..استمرت المجموعة سنة واحدة (1972-1973) ارتبطنا فيها بحركة فتح من خلال الشهيد جواد أبو الشعر والدكتور محجوب عمر، وعملنا خلالها في المصانع (قصارجيان وغيره) وفي الأحياء الشعبية (النبعة- برج حمود- تل الزعتر) فالتقينا بالحزب الشيوعي العربي (وكل كوادره من دروز جبل العرب وجبل لبنان بقيادة المرحوم هلال رسلان) وبمجموعات يسارية ماوية أخرى كثيرة (هشام ن.، علي ش...) كما بجماعات تسير على نهج التوباماروس (الشهداء علي شعيب وابراهيم حطيط، ومعهما الرفيق أبو علي ستالين). وفي النبعة – تل الزعتر لا أنسى الرفاق عصام ع. وعلي ع. ومحمد غ. وأحمد م. وجميل ق. وهشام ج. وعلي ط. الخ... وكنا على اتصال بالماوي الفتحاوي منير شفيق وبممثله في الجامعة الأميركية أبو سليم إيدي ز...إلى أن أعلنا التزامنا بالانتماء الى التنظيم الطلابي لحركة فتح ودخولنا في تيار منير شفيق بشكل كامل (1973).. ترافق ذلك مع مشاركتنا في انتفاضة عمال غندور في ضواحي بيروت وانتفاضة مزارعي التبغ في النبطية وفي اضراب المعلمين على مستوى لبنان كما في قيادة التحركات الطلابية والشعبية بحيث اننا حين أعلنا عن تشكيل الجبهة الوطنية الطلابية في الثانويات والجامعات (تشرين الاول 1973) كنا نسيطر على معظم الروابط الثانوية والاتحادات الجامعية (باستثناء الجامعة اللبنانية التي تحالفنا فيها مع اليسار التقليدي أحياناً ومع حركة الوعي في معظم الأوقات)...في أيار 1973 كانت مشاركتنا في الدفاع عن صبرا وشاتيلا على محور الكولا-جامعة بيروت العربية، وإعاقتنا تقدم دبابات الجيش اللبناني، هي معمودية النار التي صرنا بعدها تنظيماً طلابياً يُحسب له حساب داخل فتح وخارجها... وخلال صيف 1973 انشقت مجموعة القطاع الشعبي في منظمة العمل الشيوعي بقيادة وضاح شرارة وأحمد بيضون وكان منهم المرحوم نذير أوبري والعشرات من الرفاق الأحباب...وقد عملنا معاً الى جانب الثورة الفلسطينية (وهنا أذكر شباب حركة فتح الكبار محمد حسين ش.، وعصام ع.، وصلاح ب.، وحارث س.، وجمال ق.).. و في تلك الفترة أيضاً نسجنا علاقة خاصة بالامام السيد موسى الصدر والامام الشيخ محمد مهدي شمس الدين وذلك بفعل ماويتنا اذ هي تدعونا الى تشكيل أوسع جبهة وطنية مع كل الفئات وبأن نحترم ثقافة الشعب ونلتزم بخط الجماهير..وبتوجيه مباشر من الشهيد خليل الوزير أبو جهاد، صرنا نقيم المهرجانات والندوات مع الامام الصدر في كل مكان وزمان واستقبلنا كوادر الثورة الاسلامية الايرانية بجناحيها الليبرالي المرتبط بموسى الصدر(د.مهدي بازركان- د.علي شريعتي- د. ابو الحسن بني صدر- آية الله طالقاني-د. ابراهيم يزدي، د. صادق قطب زادة..الخ...) والثوري الراديكالي المرتبط بالامام الخميني (محسن رفيق دوست- جلال الفارسي- أحمد الخميني- هاشمي رفسنجاني- محمد منتظري- أبو شريف عباس زماني-الخ..).. كانت حرب تشرين بداية الصراع بين تيارنا المتشدد في ماويته وبين بقية اليسار الفتحاوي المتشرذم.. وقد تميّز تيارنا بدعم مصر السادات في الحرب وبدعم التضامن العربي.. واختلفنا مع قيادة حركة فتح يوم أعلنت قبولها بالنقاط العشر أي باقامة سلطة وطنية على أية بقعة يتم جلاء الاحتلال عنها... يومها رأينا في الأمر بداية ارتباط منظمة التحرير بالاستراتيجية السوفياتية في الشرق الاوسط خاصة وأن الاتحاد السوفياتي لم يعلن تأييده ودعمه للثورة الفلسطينية الا بعد برنامج النقاط العشر الذي كان أول اعتراف بدولة اسرائيل وبقرارات مجلس الامن 242 و338... الحرب الأهلية (13 نيسان 1973) فاجأتنا كما فاجأت الجميع ولكننا كنا الوحيدين الذين رفضوا شعار عزل الكتائب وقلنا إن هذا الشعار كما ممارسة الاحزاب التقدمية اللبنانية والفلسطينية ستؤدي الى انقسام عميق يسمح بسيطرة السوريين على لبنان وبدخول السوفيات ( ومعهم ليبيا والعراق وعدن) على خط الصراع الداخلي وبتأجيج الحرب الاهلية...وهذا ما حصل...خلال الحرب وقفنا موقف الدفاع عن الثورة والجماهير في كل المواقع ولكن دون هجوم طائفي أو توتير أو تصعيد بل مع كل مبادرة وقف قتال أو هدنة أو سلام...وبالتحالف مع العرب (مصر والسعودية وسوريا)..وبسبب هذا الموقف انفصلت عنا مجموعة ناجي علوش- أبو داوود التي كانت تحمل رؤية قومية عربية بعثية يسارية للصراع عبّر عنها كتابهم النظري (الذي كتبه الدكتور توفيق هندي) بعنوان: "موضوعات الثورة العربية"..ثم ما لبث الصراع أن قام بين ناجي علوش وأبو نضال وقام هذا الاخير باغتيال مجموعة من خيرة شباب حركتهم أمثال محمود صالح في باريس وحنا مقبل في قبرص وغيرهما.. وقد حاربنا من داخل فتح ضد اتساع العنف الطائفي وضد الاعتداء على المدنيين أو القرى والبلدات وضد أي شعار تقسيمي أو الغائي للآخر..وكنت أنا شخصياً أقوم بالتوسط والتفاوض لاطلاق سراح أي مخطوف مسيحي وفي أي مكان حتى صار ذلك عنواناً لي لدى الكثيرين وهم ما زالوا أحياء يشهدون على الأمر.. وبهذه الممارسة الانسانية والوحدوية والسلمية الديموقراطية اقتربنا من الامامين الصدر وشمس الدين ومن المفتي حسن خالد والمعلم كمال جنبلاط والرئيسين صائب سلام وتقي الدين الصلح، وفي نفس الوقت كنا أقوى المجموعات المقاتلة وفي أشرس وأصعب المواقع والظروف دفاعاً عن الناس...وقفنا بقوة وحزم ضد كل الممارسات الخاطئة والتعديات والتجاوزات وضد العصابات الطائفية والمذهبية... الى حد اننا دفعنا ثمن مواقفنا في الدامور مثلاً حين تصدى الشهيد أبو الراتب ورفاقنا للمجموعات التي مارست القتل والنهب والتهجير...كنا نرفض القتال الطائفي والتعدي على حياة وحرية وحرمات الناس وكراماتها في كل مكان...هكذا ولدت السرية الطلابية بقيادة الشهيد سعد جرادات وبمشاركة أساسية من الشهداء علي أبو طوق ومروان كيالي ثم بقائدها الأخ معين ومعه الاخوة ربحي وأدهم وخالد وبهية وجهاد (شفيق) ورياض وفلاح وطارق وسامي ورضوان وطراد.. ومن الجبل أبو هلال ومعين ومحمد وحاتم ونبيل، وكل الباقين على الطريق لهم كل الحب والاحترام والتقدير... وفي مواقع حي البرجاوي وجبل صنين كان لنا شرف الدفاع عن وحدة وعروبة لبنان وحماية الثورة رغم انتقاداتنا وخلافنا مع قيادة الثورة والحركة الوطنية....ومن تجربة الحرب الاهلية هذه (1975-1976) تعلمنا ضرورة وقف العنف الداخلي والدعوة الى الوحدة الوطنية والسلم الأهلي وعدم الارتباط بالخارج وبهذا اقتربنا أكثر وأكثر من الامامين الصدر وشمس الدين.. وفي هذا الجو كان قرارنا بالانتقال الى الجنوب بعد توقيع اتفاقيات القاهرة والرياض (تشرين 1976) القاضية بوقف الحرب ودخول قوات الردع العربية...كنا نرى مع الامام الصدر أن نقل البنادق والجهود الى الجنوب كفيل بطي صفحة الحرب الداخلية وتأمين الاستقرار الداخلي...وفي بنت جبيل وتلال شلعبون ومسعود وصف الهوا وعين ابل، كما في الطيبة ورب الثلاثين والخيام خضنا مع شباب حركة المحرومين أروع المعارك والمواجهات ضد العدو الصهيوني تحقيقاً لشعاراتنا ومقولاتنا... ومن تجربة القتال والمقاومة في الجنوب ومن دماء الشهداء تعلمنا الكثير: أذكر أول الشهداء الأخضر العربي أمين سعد وواصف شرارة أبناء حركة البعث الأصيل في بنت جبيل، وأبو علي حلاوي في الطيبة، وأبو حسين علي أيوب في حولا، ورفيقي وصديقي علي فليطي العرسالي في الكحالة، وزميليّ في المدرسة الأخوين ناصر اللذين تصديا وحدهما لانزال اسرائيلي امام منزلهما في الأوزاعي نيسان 1972.. وأذكر الصديقة الشهيدة الاخت دلال المغربي وشهداء مجموعة كمال عدوان، واذكر رفاقي أحبابي شهداء معارك الدفاع عن حي البرجاوي: مازن عمر فروخ وأحمد القرى وجمال الحسامي، حيث أصبت بأول الجروح، وشهداء معارك الدفاع عن الشياح بديع كزما وأبو علي صافي شعيتاني ومازن مختار، وشهداء الجبل كمال أبو سعيد ونسيم أبو سعيد ومحمود الحسنية وزهير عنداري ووجدي عنداري، وشهداء صنين: أبو خالد جورج عسل وحماد حيدر وطوني النمس وجمال القرى ونقولا عبود ومحمد شبارو وعزمي ابراهيم، حيث كانت اصابتي الثانية الى جانب اصابة نخبة من المثقفين والاساتذة على رأسهم المرحوم الدكتور نبيل سليمان والكاتب الياس خوري والدكتور نظير جاهل.. وأذكر شهداء التلاحم مع حركة أمل في تلك الأيام مجاهد الضامن وحسين الحسيني ومصطفى شعلان وعلي حسين عزام .. وأذكر شهداء الدفاع عن المسلخ-الكرنتينا محمد قبلان (أفاكش الفلاح الطيب) والقادة أبو الوفا والحاج حسن ونعيم، وأول شهداء طرابلس زميلّي في كلية التربية شوقي الظنط ومصطفى طبش فحيلي، وأذكر شهداء معارك البطولة في الجنوب أبو يعقوب محمد علي وأبو وجيه العنداري وأبو بهيج غسان فتح الله وعبدالله بشير البقاعي وأحمد محمد مصطفى وأحمد صالح الدالي وأبو خالد الشحيمي وجعفر السلحوت والشبل بلال وبشار فاعور وحسان شرارة وقاسم بزي وفؤاد دباجه ونزيه دياب ومحمود قواص وعادل وطفى وخالد بشارة... وأذكر شهداء المقاومة في سنوات 1982-1985 البطل راسم قائد قلعة الشقيف والأبطال نِعَم فارس وحمزة الحسيني والقائد سعد صايل وبلال الاوسط وعزمي الصغير ونبيل مكارم وحسن بدر الدين وكمال نعلاوي وعبد القادر عوض واسماعيل عبدالله وغسان التكروي وسامر صدقي طبنجة وأحمد قصير وبلال فحص وعبدالله الجيزي وفؤاد محمد صالح وحسن احمد درويش وفلاح محمود شاستري وعلي كوعين ومحمد يونس ومحمد امين جمعة وعلي جواد شرارة وحسن قصير وابراهيم منتش وابراهيم درويش واياد مدور ومحمد الاحمد بزي وحسن سعد وشحادة زبيدات وعباس بليطة والقادة محمد سعد وخليل جرادي وزهير شحادة... كل هؤلاء وغيرهم كانوا الاهل والاصدقاء والرفاق والاحبة وكانوا نور الامل والخير وخيرة شباب لبنان وفلسطين.. فقدناهم على طريق الحرية والكرامة من اجل لبنان وفلسطين، من اجل السلم الاهلي وعروبة لبنان واستقراره وسيادته وتحرره من الاحتلال الاسرائيلي.. وخلال تلك السنوات (1976-1982) كنت مقاتلا مقاوما في الكتيبة الطلابية في بنت جبيل وتلة مسعود ثم في النبطية وقلعة الشقيف .. وفي كل المواقع التي كان يدور فيها القتال مع العدو الصهيوني...وكنت مع رفاقي نتصدى في نفس الوقت لكل الزعرنات والتعديات التي كانت تقوم بها بعض التنظيمات اللبنانية والفلسطينية ضد حركة امل والقرى الشيعية في الجنوب....واليوم صار قادة تلك المنظمات التي لم تترك محرما او قبيحا او جريمة الا وفعلتها ضد اهلنا في الجنوب وضد الشيعة و حركة امل، وصولا الى اشتراكها في جريمة اختطاف الامام الصدر، صاروا اصدقاء الحركة والحزب.. فسبحان الله.... بعد العام 1978 انتقل الشباب الشيعي الى تأييد ثورة الامام الخميني تحت شعار اليوم ايران وغدا فلسطين... كنا اول من حمل لواء الثورة يوم كان حمل هذا اللواء مكلفا وصعبا...ولم تكن الثورة سلطة ومال وجاه وولاية فقيه... كنا اول من حمل لواء الدفاع عن ايران الجمهورية والشعب والثورة في وجه الغرب وصدام حسين ومع حركة الجهاد الاسلامي في فلسطين قبل ان تولد حركة حماس ...يوم كان أصدقاء ايران وحزب الله وحماس الحاليين في صف الغرب وصدام حسين...نعم كنا مع الثورة ايام الثورة ومع الناس ومع المقاومة قبل التحرير (2000) يوم كان كل الذين يتمسحون اليوم برداء ايران والمقاومة وحزب الله وحماس من الد اعداء الاسلام والمقاومة والشعب وحزب الله وايران وحماس...والفرق بيننا وبينهم اننا كنا دائماً مع الناس والجماهير والمقاومة والعدل والحق وفلسطين وهم كانوا دائماً مع السلطة والجاه والمال والظلم مهما كان اللون او الاتجاه....هذا هو الفرق بيننا وبين جماعة 8 آذار اليوم!! فهم لم يصيروا مع ايران وحزب الله وحماس الا بعد 2005!!! اما نحن فصرنا ننتقد حزب الله وايران وحماس بعد 2005....فأرجو أن تدرسوا المسألة لتجدوا اين يكمن السر؟؟؟ انه السلطة والمال والجاه والسيطرة والظلم والطغيان...منذ كانوا مع الاتحاد السوفياتي العظيم وصدام حسين القائد....وهذا هو معيار تقويم حالات الانتقال الايديولوجي والسياسي من موقع الى موقع: هل يقترب المنتقلون او يبتعدون عن مواقع السلطة والمال والجاه والسيطرة والظلم والطغيان؟ هذا وحده هو المعيار في كل زمان ومكان.....المهم اننا قاومنا التيار الذي وقف ضد ايران وثورتها وضد الامام الصدر وحركته واستمرينا في حماية الثورة الفلسطينية والالتزام بها حتى الغزو الاسرائيلي الكبير في حزيران 1982...يومها قال بعض كبار المغرورين ممن يزايد على الجميع اليوم بالثورة والمقاومة ان لديه فتوى بعدم المقاومة لانها القاء للنفس الى التهلكة وان المطلوب هو حفظ الكوادر الاسلامية للمستقبل!!! خلال المرحلة من 1978 الى 1988 ارتبطت كما ارتبط الكثيرون غيري من شباب اليسار وفتح والشيعة بتيار الثورة الاسلامية الايرانية فاصدرنا جريدة الوحدة السياسية الاسبوعية (1977-1979) ثم مجلة الوحدة الفكرية الشهرية (1980) ثم مجلة الغدير الفكرية مع الامام شمس الدين (1980) وكتبنا في مجلة العرفان لصاحبها الصديق فؤاد الزين (1981) و في مجلات الحكمة والمنطلق التي كانت تصدر عن الشباب الاسلامي الشيعي المرتبط بحزب الدعوة وبالسيد فضل الله وبآل الحكيم والشهيد السيد محمد باقر الصدر ...واستمر وجود الكتيبة الطلابية في الجنوب الا اننا نحن الشيعة كنا قد بدأنا بالتحول صوب ايران الخميني.. سافرت الى باريس (1980) ونلت الدكتوراه في الاسلاميات عن اطروحة عن الامير شكيب ارسلان (شباط 1984).. وكنت تلك السنوات أقضي معظم الوقت ما بين مواقع الكتيبة في جنوب لبنان ومواقع الحركات اليسارية والاسلامية العربية في باريس..وبعد الاجتياح عام 1982 ذهبت الى تونس مع الثورة الفلسطينية وعملت في مركز التخطيط الفلسطيني قبل العودة الى باريس لانهاء الدكتوراه..وقد شاركت في اطلاق مجلة العالم في لندن وبدعم من رئيس الحكومة الايرانية يومها السيد مير حسين موسوي ومن السيد هادي خسروشاهي، وكنت مدير مكتبها في باريس (1983-1986)، ثم مجلة الطليعة الاسلامية في لندن التي أطلقت حركة الجهاد في فلسطين (1983-1986)، وبعدها مجلة الوحدة الاسلامية الناطقة بلسان تجمع العلماء المسلمين (قبل تاسيس حزب الله) وقد صرت رئيس تحريرها في بيروت (1986-1988)...وكانت نقطة التحول والانتقال عندي استشهاد القائد خليل الوزير (أبو جهاد في16 نيسان 1988) وقبله استشهاد رفاقي الاساسيين الاخوة ابو حسن (محمد البحيص) وحمدي (باسم سلطان التميمي) ومروان كيالي (في ليماسول- قبرص، 12 شباط 1988)، وقبلهم القائد الفذ علي ابو طوق في مخيم شاتيلا، وهم كانوا آخر محاولة للربط الخلاق بين الاسلام والعروبة والوطنية الفلسطينية (قبل ان يجرفنا تيار الاصوليات على اختلاف مسمياتها)، ثم اندلاع الصراع الاهلي المسلح بين حركة أمل وحزب الله (1988-1991)..فكان قرار الانتقال الى العمل الاسلامي اللبناني المستقل وبعنوان وطني نهضوي تحرري، في ظل عمامة امام عادل مستنير هو الشيخ محمد مهدي شمس الدين... الا اني ما تركت فلسطين ولا قضيتها ولا أهلها ولا ثورتها، ولا كان الشيخ شمس الدين رحمه الله يقبل بأن يترك أحدنا فلسطين... فهذا الموقف، والمشاعر والعواطف الملازمة له، هو ما عاش له وما سيموت عليه جيلنا الذي كانت فلسطين اسماً حركياً لوطنه لبنان، الذي حلم به وطناً حراً لشعب حر، ولعروبته التي أرادها ديمقراطية تقدمية تحررية. وعلى قاعدة هذا الانتماء الفلسطيني كان لي ولغيري من رفاقي واخواني موقف واضح وحازم في مسألة حقوق الفلسطينيين المقيمين في لبنان، هو موقف الدعم المطلق، ودون استنساب أو تردد، لكل ما يحقق الكرامة والحرية والامن والامان والاستقرار لهؤلاء الاخوة في كل تفاصيل حياتهم في لبنان وحتى ساعة عودتهم الى ديارهم واقامة دولتهم الوطنية السيدة الحرة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.......ونحن لم نستسغ يوماً ، ولا نستسيغ اليوم، كل ذلك النفاق والدجل الذي يتستر بشعار رفض التوطين وبدعوى حق العودة ، وهو يخفي (لا بل ويُعلن) أبشع أنواع العنصرية والفاشية ضد شعب فلسطين وضد حقوق اللاجئين منه في لبنان... اذن في العام 1988 انتقلت الى رحاب العمل مع الامام المجدد محمد مهدي شمس الدين فصرت مستشاره لشوؤن العلاقات الدولية والعربية والعلاقات الاسلامية- المسيحية التي صارت موضوعاً اساساً بعد اتفاق الطائف (1989) ثم ما تلاه من المقاطعة المسيحية والاحباط المسيحي (1991-1992)...أصدرنا مجلة الغدير مجدداً(1990-2000) لتكون صوت المشروع النهضوي الحضاري للعرب والمسلمين وصوت الوحدة الاسلامية والمقاومة الحقيقية في وجه التغريب والاستلاب من جهة وفي وجه الجمود والتعصب والتطرف من جهة اخرى...خلال ذلك شاركت في تأسيس لقاء الحوار اللبناني (1988) مع الاستاذ رامز سلامة والقاضي الدكتور طارق زيادة والقاضي الدكتور غسان رابح والقاضي الدكتور حسن قواس والقاضي الدكتور خالد قباني وبدعم ومشاركة من الاستاذ الكبير منح الصلح ومن الرئيس السيد حسين الحسيني ومن عدد من نواب الشعب الكبار وعلى رأسهم السادة أوغست باخوس وخاتشيك بابكيان ... ثم شاركت في تأسيس المؤتمر الدائم للحوار اللبناني (1992 ) مع الرفاق الأحبة القائد النبيل سمير فرنجية والسيد هاني فحص والدكتور فارس سعيد ورفاق الزمن الماضي محمد حسين شمس الدين وحسن بزيع وحسن محسن وهشام الحسيني واسماعيل شرف الدين وشوقي داغر ورفاق مرحلة المصالحة والسلم الاهلي جان حرب وسمير عبدالملك ورشيد الجمالي وغيرهم...وأسست اللجنة الوطنية اللبنانية للحوار الاسلامي-المسيحي(1993) مع محمد السماك وحارث شهاب وسليمان تقي الدين ( حل محله عباس الحلبي) وسليم غزال (حل محله كميل منسى) وغبريال حبيب (حل محله ميشال عبس) وجان سلمانيان، كل واحد يمثل رئيس طائفته (وحل محلي الدكتور علي الحسن بعد وفاة الامام شمس الدين)...واسست الفريق العربي للحوار الاسلامي المسيحي(1995) مع القس الدكتور رياض جرجور والدكتور طارق متري والقاضي عباس الحلبي ومحمد السماك وكميل منسى (لبنان)، والدكتور محمد سليم العوا والمستشار طارق البشري والدكتور سمير مرقس (مصر)، والدكتور وليد سيف (الأردن) والدكتور حسن مكي (السودان)..ثم أسسنا اللقاء اللبناني للحوار(حزيران 2001)،الذي كان يضم 30 شخصية لبنانية تمثل كل الاتجاهات بما فيها حركة امل وحزب الله أيام كان اللقاء والحوار مستحيلا او مممنوعاً...وأسست وترأست مركز الحوار في الجامعة اليسوعية (2002-2004)، وشاركت في تاسيس مؤسسة الامام شمس الدين للحوار(2002) بعد وفاة الامام، ورئيسها هو ابنه الصديق الوزير ابراهيم، وشبكة الديمقراطيين العرب (2005)، مع مركز دراسة الاسلام والديمقراطية في واشنطن، ومؤسسة الامام الحكيم (2007)..وانا اليوم رئيس المجلس الاسلامي للحوار والعدالة والديمقراطية(2005)..ومنذ عام 2008 تم اختياري لعضوية المكتب التنفيذي للجنة الوطنية اللبنانية لليونسكو،وكرئيس لمجلس مستشاري مؤسسة أديان (2008). شاركت في أعمال الحوار مع الفاتيكان (خصوصاً السينودوس في كانون الاول 1995) ومجلس الكنائس العالمي ومجلس كنائس الشرق الاوسط ومجالس الكنائس الوطنية في اميركا واوروبا وكندا واوستراليا.وفي تأسيس ورئاسة تحرير العديد من المجلات: الحوار والمنتقى والبديل في باريس،الطليعة الاسلامية والعالم في لندن،الوحدة الاسلامية والانسان المعاصر وقضايا الاسبوع وأوراق الحوار في بيروت..الخ.. استاذ في ملاك الجامعة اللبنانية-معهد العلوم الاجتماعية (متفرغ منذ العام 1988)، واستاذ زائر في جامعة ارلهام الاميركية بانديانا (2001 ثم 2003-2006) واستاذ محاضر في الاسلاميات في جامعتي القديس يوسف والبلمند (منذ العام 2006) وفي جامعة هايكازيان(منذ العام 2008)... من مؤلفاتي المنشورة: أفول الماركسية(1987)،الاسلام وحقوق الانسان(بالانكليزية-اوسلو 1990)،الحوار الاسلامي المسيحي:ضرورة المغامرة(1996) ، الوحدة الاسلامية والتقريب بين المذاهب(1998)، أميركا..أميركا:الواقع والاسطورة(1998)،خريف الامم المتحدة(1999)،من حسن البنا الى حزب الوسط:الحركة الاسلامية العربية وقضية العنف والارهاب(2000)،العدل في العيش المشترك (2002)،الشيعة اللبنانيون في تبلور وعيهم الوطني(2008)... طبعاً ناهيك عن عشرات ان لم يكن مئات المقالات والدراسات المنشورة في الصحف والمجلات المتخصصة او المقدمة الى مؤتمرات بحثية محلية وعربية ودولية.ومؤخراً صدر لي عن دار مدارك: اليمن صراع الدين والقبلية (2011) وعن المسبار: الجماعات الاسلامية والعنف (2011).. 2- وقعت الواقعة ونشر الصديق والرفيق جهاد الزين نص (من هو سعود المولى؟) الذي لم يكن معداً للنشر في النهار اصلاً ومع ذلك وكما قال الخميني : الخير في ما وقع.. فلو اتيح لي مراجعة النص قبل نشره لتوسعت في امور أهمها: 1 -الدور التاريخي (الفكري والسياسي) لمحسن ابراهيم ومحمد كشلي في التحول اليساري في حركة القوميين العرب والناصرية صوب الماركسية-اللينينية ودور مجلة الحرية الاساسي في هذا السياق سنوات 1965-1972.. 2-الدور التاريخي (الفكري والسياسي) لكل من احمد بيضون ووضاح شرارة ووجيه كوثراني ومحمود سويد وفواز طرابلسي وحسن قبيسي في حلقة لبنان الاشتراكي.. 3- الدور الكبير لمجموعة الشباب في الثانوية العاملية نواة العمل الطلابي للبنان الاشتراكي: محمد بيضون وجهاد الزين وعلي يوسف وحسان يحيى ومختار حيدر، ودور شباب الثانويات من منظمة الاشتراكيين سعود ووديع حمدان واحمد ديراني وطلال طعمه وشمس الدين.. ثم المرحوم سعد ارزوني وحسن الشامي(دار المعلمين) وغيرهم (نصير الاسعد وفؤاد عواضة في الليسيه الفرنسية) وقراءة ذلك من زاوية شيعة المدينة وانخراطهم المبكر في الحداثة واليسار الاجتماعي.. 4- الدور التاريخي للمرأة اللبنانية وللفتيات اللبنانيات في الثانويات والجامعات امثال عزة ويولا وسناء وسميرة وسونيا ووداد ومود ونوال من الجيل الاول والمرحومة منى عواضه وندى وآمنة وآمل ومي ورجاء وسلمى ومنى من الجيل الثاني.. 5- الدور الرائد لكلية التربية في الحراك الفكري والسياسي والنضالي سنوات 1968-1975 وفي تخريجها نخبة من المع قيادات الحركة الطلابية والاجتماعية والثقافية.. (الياس خوري- بيار عقل- الياس عطالله- سعدالله مزرعاني- أنور الفطايري- انطوان حداد- حارث سليمان- عصام خليفة- بول شاوول- عقل العويط- شوقي بزيع- حسن داوود- حمزة عبود- جودت فخرالدين – محمد العبدالله- حسن العبدالله- عصام العبدالله- رالف غضبان- جورج كتورة- انطوان الدويهي- جبور الدويهي- جوزف بدوي- جورج سمعان- بهية بعلبكي- طوني دعيبس- طوني فرنسيس- سهيل عبود- شادية الحلو- غسان شربل- بشارة شربل- طلال طعمه- عصام عيسى- نزيه خياط - الخ..). 6- الفكر الماوي في تجلياته اللبنانية والعربية واهمها مجموعتنا التي انشقت عن منظمة العمل عام 1972 (سعود- ادهم- ربحي- عبدالوهاب- نواف- رجا- الشهيد رضا- جميل- طلال-ابو علي محمود- ابو احمد هشام- ابو قاسم محمد- ابو محمود سامي- سرور) ومجموعة الكراس الازرق (وضاح-احمد- بشير- نذير- علي ي-حسان ي- فتحي ي- بسام ع- سهيل ز- رياض د.- رضا ا.- حسن م.- طلال ع.)..الخ.. 7-الدور الكبير لقادة طلابيين وسياسيين امثال حكمت العيد واسماعيل بواب ومحمد عودة ورياض شمس الدين واحمد علامة ومحمد فايد وهيام المولى ومحمد وهبه من الجيل الاول. 8- سنواتي في طرابلس وقد تعرفت فيها على الشهيد علي عكاوي وحركة الغضب ثم على شقيقه الشهيد خليل قائد المقاومة الشعبية، وفيها ايضاً احلى سنوات العمر مع الاصدقاء شبل ويونا وغابي وأليكو وسابا وغيرهم.. 9-سنوات باريس وقد ابتدات بالتردد اليها منذ العام 1976 تارة لزيارة شقيقيتي هيام وتارة للمشاركة في نشاطات دعم الثورة الفلسطينية مع الجمعية الطبية الفلسطينية-الفرنسية ورئيسها الرائع الطبيب لاريفيير وفيها تعرفت فعلياً على الحركة الماوية العربية من جماعة العامل التونسي الى حركتي 23 مارس والى الامام المغربيتين، الى حركة العمال العرب، الى شباب فلسطين الشهيد عزالدين قلق والشهيد نعيم خضر وابراهيم الصوص وليلى شهيد وعفيف صافية ورفيق خوري وعمر مصالحة.. وشباب سوريا برهان غليون وفاروق مردم بيه وفايز ملص الخ.. وفيها ايضاً درست في السوربون مع دومنيك شوفالييه الرائع وكان معنا واولنا الشهيد الدكتور انطوان عبد النور ومن جيله احمد بيضون وغسان سلامه وامين معلوف ومن بعدهم انا ونواف سلام وهنري لورنس وجاء بعدنا شهيدنا سمير قصير ولكننا التقينا كلنا في صف شوفالييه... 10- الاغنية الثورية مع احمد فؤاد نجم والشيخ امام والهادي قلة ومحمد بحر الى ناس الغيوان وجيل جيلاله ومع مظفر النواب الرائع.. وكذلك تجربة الحزب الشيوعي العراقي-القيادة المركزية والجبهة الشعبية لتحرير ظفار والجبهة الشعبية في البحرين.. 11-الماويون اللبنانيون من أطباء تولوز وعلى راسهم الشهيد الدكتور عصمت مراد مؤسس اتحاد الشبيبة في طرابلس ثم حركة لبنان العربي.. 12- تجربة الكتيبة الطلابية في الجنوب 1976-1982 وهي ابرز واعظم تجربة سياسية-عسكرية نضالية طبقت حرب الشعب.. وقد برز فيها القادة معين ومروان وعلي ومعهم شفيق ورياض وخالد وبهية وادهم وربحي ورمضان وابو داوود وفلاح وطارق وجهاد الخ. 13-تجربة المقاومة الوطنية والاسلامية سنوات 1982-1985 وعندي توثيق شامل بكل العمليات التي يعود 80% منها الى حركة فتح ومنها الكتيبة الطلابية وخصوصاً عمليات الباصات وعملية اسر 8 جنود اسرائيليين وقد اضطر المقاتلون الى اعطاء 3 منهم للجبهة الشعبية-القيادة العامة لكي تسهل لهم المرور عبر الخطوط السورية الى البقاع...وقد تبادلت القيادة العامة هؤلاء مع اسرى فلسطينيين(عملية النورس) ولكنها لم تقل ابداً ان الذين قاموا بالعملية الرائعة هم شباب الكتيبة الطلابية.. وعندي صور وتفاصيل العملية.. 14-التجربة الرائعة مع الثورة الايرانية منذ الشهيد الدكتور علي شريعتي وآية الله طالقاني ومهدي بازركان والشهيد القائد الفذ مصطفى شمران ، وحتى آية الله منتظري والسيد خاتمي ومير حسين موسوي ومهدي كروبي وعلي أكبر محتشمي بور وبهزاد نبوي وسعيد حجاريان ومحمد علي أبطحي وماشاءالله شمس الواعظين وحسن كديور وعبدالكريم سوروش ومجتهد شبستري: هذه هي ايران الثورة والناس والاصلاح والتغيير والتقدم. 15- التجربة الخاصة مع الامام السيد موسى الصدر ثم مع الامام الشيخ محمد مهدي شمس الدين أو تجربتي في العمل الشيعي ما بعد الثورة الخمينية.. وكنت قد شاركت في التجربة الاسلامية اللبنانية والعربية منذ العام 1979 عبر مجلة المختار الاسلامي في مصر ومنها تعرفت بالشهيد الدكتور فتحي الشقاقي ورفاقه احمد صادق ورمضان شلح وعبد العزيز عودة ومحمد ابي سمرا وسيد بركه وزياد نخال وتيسير الخطيب وصالح عوض وعلي شكشك.. واصدرت معهم مجلة الطليعة الاسلامية 1983-1986... وتعرفت براشد الغنوشي وحركة الاتجاه الاسلامي في تونس، وبشباب البديل الحضاري او الاختيار الاسلامي وحركة الامة ،وحزب العدالة والتنمية، وحركة العدل والاحسان في المغرب، وبالكبير المجدد حسن الترابي.. وفي هذه المرحلة اسسنا مجلة العالم في لندن وكنت مدير مكتبها في باريس 1983-1986 قبل ان اسلمه الى الصديق طراد حمادة.. ثم كان اللقاء بحركة شباب الوسط الاسلامي في مصر وبالاخوة محمد سليم العوا وطارق البشري وعادل حسين وفهمي هويدي ومحمد عمارة وعبد الوهاب المسيري وهبة رؤوف وسمير مرقس ونبيل مرقس في مصر..ومعهم وامامهم المرحوم الشيخ محمد الغزالي..ومعاً وبقيادة الامام شمس الدين صنعنا خط الوسطية الاسلامية والحوار الاسلامي المسيحي والوحدة الاسلامية... وبعد فان الحديث يطول وفيه شجون ولكن نشر جهاد الزين لهذه السيرة المقتضبة والذاتية يجعلني افكر بالطلب من كل الاصدقاء الكتابة عن تجربة هذا الجيل تجربة اليسار الجديد والحلم الثوري وتجربة الاسلام السياسي المناضل وصولا الى دروس هذه التجارب التي جعلتنا على ما نحن عليه اليوم.. 3- على سيرة السيرة الذاتية فقد وصلتني بعض الرسائل من اصدقاء تطلب كتابة امور او تسأل لماذا لم اذكر فلان او فلان..والحقيقة ان ما نشره الاخ الحبيب والرفيق جهاد الزين في النهار لم يكن سيرة ذاتية بقدر ما كان نوعاً من التذكر واستذكار بعض المحطات في حياتي (اسموها خبرة عمر) ولو اردت كتابة سيرة ذاتية تفصيلية لاقتضى ذلك كتاباً موسعاً.. على كل حال وكما سبق القول: الخير في ما وقع..والخير هو في استذكار الرفاق والاحبة الذين كانوا ضوء العمر ونور القلب والذين معهم صنعنا احلى الاوقات والذكريات.. بعض الرفاق سأل لماذا تجاهلت فواز طرابلسي خاصة وانه كان من مؤسسي وقادة لبنان الاشتراكي.. والحقيقة انني كنت اتحدث عن تجربتي الشخصية وفي مرحلة الحلقات الماركسية-اللينية لحركة القوميين العرب(1967-1969) ثم منظمة الاشتراكيين اللبنانيين (1969-1971) ثم منظمة العمل الشيوعي (1971-1972)..وأنا لم التق بفواز سوى بمناسبة قرارات فصلنا وطردنا (صيف 1972- في منزله القديم حيث طلب اللقاء بنا وكتب بالمناسبة تقريرا الى اللجنة المركزية للمنظمة عنوانه قضية الرفيق عاصم- يعني انا ).. ولم اتعرف عليه جيدا سوى في مرحلة جد متأخرة وبعد انفراط المنظمة في التسعينيات..كما ان فواز كتب سيرته الذاتية وتحدث عن تلك المرحلة من زاويته الخاصة (كتابه قصة الفتى بالأحمر)...وأنا حاولت ان اتحدث عن الشيعة تحديداً في تجربتنا: اولئك الشبان الريفيون الذين جاء اهلهم الى بيروت سعيا وراء الوظيفة والعمل والذين تبلور وعيهم الوطني واليساري في المدارس الرسمية أو الخاصة مثل العاملية والليسيه.. وانا تجربتي كانت خاصة لانني كشيعي عشت في بيروت السنية (كورنيش المزرعة ثم ثانوية البر والاحسان التي لم اذكرها رغم انني ادين لمديرها المرحوم محيي الدين البواب) ثم طرابلس (وهي كانت خميرة وعيي ومشاركتي في الحياة السياسية)..وكنت في منظمة الاشتراكيين اللبنانيين (وارثة حركة القوميين العرب) وليس في لبنان الاشتراكي، وكنت ماوياً وليس تروتسكياً أو تحريفياً..والذين تأثرت بهم وشاركتهم تلك المرحلة هم وضاح شرارة وأحمد بيضون ووجيه كوثراني وحسن قبيسي وعباس بيضون ويولا شرارة وعزة بيضون وسميرة حميدان وسناء البواب وحكمت العيد وعلي حرب الى جانب محمد بيضون وجهاد الزين وسهيل الزين وعلي يوسف وحسان يحيى وحسن منيمنه وطلال عتريسي ومختار حيدر وفارس بزي (صار شيخا معمما منذ الثورة الايرانية حيث درس في قم، ولكنه ليس من المشايخ الحزبيين مثل رفيقنا وصديقنا القديم كاظم ياسين، او مثل غيره من بعض المشايخ الجدد الذين صاروا يصدرون علينا فتاوى التخوين والتكفير) والمرحوم الحبيب محمود بيضون (زينة شبابنا يومذاك والذي لم أذكره رغم علاقتي وصداقتي معه ومأساة مرضه ووفاته).. ورفاق الدرب الطويل اصدقاء البدايات والايام الاولى يوم عز الرفاق : الدكتور كاظم الحاج والدكتور طلال طعمه وعادل صباغ وشمس الدين شمس الدين وعلي الشاب واحمد فايد وجميل علي حسن وعبد الوهاب تفاحة وأحمد سويدان ونبيل خانجي، والمرحومة منى عواضه و ندى ع.، وسوسن ومارينا ح. ، ودينا ق. ، وآمنه ق.، ومي ش. وأمل ع. ومنى ص. ورجاء ب.ورجاء غ.، يوم كانت هذه الفتيات طليعة النضال في المدارس والخنادق.. وأخص بالذكر شهيدتنا الكبيرة دلال مغربي وشهيدنا الغريب المظلوم الاخ الحبيب رضا حداد، وكان رفيق الطفولة والمراهقة اليساريتين، ومعه كل شهداء السجون العربية قبل شهداء العدوان الصهيوني والاحتلال...فظلم ذوي القربى اشد مضاضة ، وجرحنا في بلادنا ليس كالجرح من العدو المحتل المغتصب...وهذا درس كبير من تجربتنا..... لقد اتيح لي التعرف على الرفاق السابق ذكرهم عن كثب وعمل اكثرنا جنبا الى جنب في انتفاضة الطلاب الثانويين 1970-1971 واصدرنا يومها جريدة صوت الثانويين وكنا نجتمع في منزل سميرة يوميا ونقود اروع حركة طلابية لبنانية في الثانويات..ومعنا ايضا لاحقاً في القطاع الطلابي نصير الاسعد وجريس بشارة (لبنان الاشتراكي) وفؤاد عواضه ورياض الدادا ونذير الاوبري ورضا اسماعيل القادمين من الليسيه الفرنسية ومن تجربة اتحاد الشيوعيين اللبنانيين.. وهذه تجربة اخرى لم يكتب عنها او يستذكرها احد.... ومن ينبغي ذكره والاستفاضة في الحديث عن دوره هو المناضل الصديق حكمت العيد الذي ما زال قلبه وعقله يتابعان النضال مع كل الشرفاء في كل مكان..اليه الف تحيه.. وكما قلت فان مجموعتنا كانت حلقة ماوية- فتحاوية داخل المنظمة (هكذا اسمانا محمد كشلي حين خرج من المنظمة قبلنا) ولذا فانها لم تتفاعل مع فواز ابدا- دون ان يعني ذلك التقليل من دوره في المنظمة لاحقاً...ولكن هذه ال لاحقاً لم تكن تعنيني ابداً..فانا كنت في المنظمة حتى صيف 1972 فقط..واسست لاحقاً منظمة "نواة الشعب الثوري" الماوية على نمط اليسار البروليتاري الفرنسي.. وبالارتباط مع حركة فتح من خلال محجوب عمر وجواد ابو الشعر..وخلال هذه المرحلة الماوية التقينا بمنير شفيق واندمجنا معه واسسنا حزبا ماركسيا لينينيا ماويا داخل حركة فتح ...كما التقينا بالحزب الشيوعي العربي (هلال رسلان الرائع وشباب الدروز- وهو كان محافظا لحلب ثم سفيرا لسوريا في الصين ) وباتحاد الخلايا الماركسية اللينينية (انطوان ج. وميشال ن. ومحمد ق. وأحمد ح. وايلي ج.، ومعظمهم انضم معنا الى فتح) والشهيد عصمت مراد الذي قلت عنه انه كان رئيس الماويين في تولوز الفرنسية وحين عاد الى لبنان انضم معنا الى فتح.. كما ان البعض سألني لماذا لم اكتب عن تجربتي في الحرب الاهلية..والحقيقة انني لمحت الى موقفنا في الحرب اذ كنا نرفضها ولكننا خضناها وهذا يحتاج الى كتابة اخرى... في تلك المرحلة اسست مع أنيس نقاش (وهو كان في فتح انما ليس في الكتيبة الطلابية) جريدة الفجر برعاية محجوب عمر والشهيد جواد ابو الشعر.. ولكن التجربة كانت قصيرة (1975-1976)..وبعدها لم يحصل عندنا داخل فتح واللبنانيين فيها أي حوار او نقاش للاجابة على تساؤلاتنا: لماذا شاركنا وقاتلنا رغم أخلاقنا الحميدة ورغم سلميتنا وحواريتنا وحبنا للعدل والحق ورفضنا للعنف وللتخوين والتكفير...نعم نحن وقفنا ضد الحرب وحاولنا التصدي للتيار السوفياتي الفلسطيني-اللبناني الذي كان يرعى الحرب ويريد استمرارها...فاتهمونا باليمينية.. وقد دفعنا ثمن مواقفنا الرافضة لقرارات القيادة المشتركة اللبنانية الفلسطينية (من قرار العزل الى قرار استباحة الدامور)..ومع ذلك صعدنا الى صنين ودخلنا الى حي البرجاوي وكنا اشرس المقاتلين في أصعب المواقع قبل اتفاقنا مع الامام الصدر والشهيد شمران على الانتقال الى الجنوب... لماذا حاربنا ؟ هل كان ذلك فعلا لاننا آمنا بالدفاع عن الثورة العربية وعن عروبة لبنان...هذه قضية تحتاج الى دراسة تتعلق بالحرب الطائفية وبالاوهام الوطنية واليسارية التي احاطت بها والتي اختزلتها مقالات منير شفيق وجورج حاوي ومهدي عامل بالحديث عن المارونية السياسية باعتبارها طائفة-طبقة...ولعل اوهامنا لم تكن اوهاما بقدر ما كانت تعبيراً واقعياً عن الحقائق الاجتماعية التي كنا نرفضها.. ومن الملاحظات التي جاءتني انني تجاهلت الحديث عن علاقتي بالشهيد عماد مغنية... والحق انني لم افعل ذلك عمدا او خوفا من الدعاية السلبية فانا صرت في عمر لا تهمني فيه كل فيزات العالم وكل القيل والقال المخابراتي او الترهيب والتشهير..نعم كنت صديقاً ورفيقا لعماد وكنا من اعز الاصحاب وقد عرفته منذ كان شبلا في ميليشيا فتح في الشياح (1976-1978) وحتى صار قائدا من اعظم قادة المقاومة في العالم..ولم تنقطع علاقتي به حتى العام 2000.. فهو كان صديقي الحميم نلتقي كلما سمحت ظروفه ونتعشى في منزله ومع اخوانه وفيق وساجد وغيرهما..وكان يستمع الى انتقاداتي وملاحظاتي على الحزب بعكس كل المسؤولين الحاليين الذين نسوا اين كانوا وماذا كانوا؟؟ ان تجربة عماد هي ملك لحزبه واخوانه في المقاومة ولا استطيع الحديث عنها او تقييمها احتراما لهذا الواقع ولكنني بالطبع ساكتب عن الجانب الخاص بعلاقتنا معا ومع رفيقه الشهيد أبوحسن علي ديب، ابان المقاومة الوطنية العظيمة سنوات 1982-1988 ثم المقاومة الاسلامية 1992-2000. اما السيد فضل الله فلم اذكره لان العلاقة به كانت بسبب عماد اولا ، ولم تستمر طويلا ثانياً، وأنا اخترت طريقي مع الشيخ شمس الدين منذ العام 1988 وكنت ادعو الى هذا الطريق من داخل الحزب اثناء ادارتي لمجلة الوحدة الاسلامية (1986-1988).. والسيد بالنسبة لي هو قائد حزبي اولا واخيرا ولم يخرج ابدا عن الفكر الحزبي الدعوتي بعكس الامام شمس الدين الذين اعتبرته مجدد القرن العشرين وصاحب الرؤية الاسلامية الحديثة الديموقراطية المدنية. اليهم كلهم نفس التحية ونفس الحب والاحترام واالتقدير.. من جانب اخر لم استطع التوسع في الحديث عن مرحلة موسى الصدر ثم محمد مهدي شمس الدين وعن دور المرحومين احمد قبيسي واحمد اسماعيل ودور الرئيس السيد حسين الحسيني والدكتور علي الحسن ومحمد شعيتو وغيرهم من رفاق الامام الصدر .... ولا عن دور الشهداء الاخوة محمد سعد وخليل جرادي وزهير شحادة وقائد الحركة العسكري الشهيد مصطفى شمران...ولا عن دور رفاقي من الايام الاولى أدهم وربحي وجميل وأبو أحمد هشام وابوقاسم محمد وابو محمود سامي وابو علي الجماهير والحاج غازي وسرور واخوانهم وهم صاروا بالعشرات من قادة حزب الله والمقاومة الاسلامية... اليهم كلهم نفس التحية ونفس الحب والاحترام واالتقدير.. وعلى مقلب آخر لا يجوز ان انسى رفاقي في طرابلس من الشهداء عصمت مراد وخليل عكاوي ومصطفى كردية وشوقي الظنط ومصطفى طبش فحيلي الى الاحياء منهم بلال وابو سمير وناصر وابو داوود الخ..وهم رواد التجربة الماوية- الفتحاوية التي تحولت الى حركة لبنان العربي ثم اندمجت مع الشيخ سعيد شعبان لتأسيس حركة التوحيد...وهذه تجربة اخرى تحتاج الى تقويم خاصة لجهة مصائر الثوروية الاسلاموية الحالمة ووقوعها في قبضة السلفيات والعصبيات والسلطات ... كما لا انسى دور مركز البيان الاسلامي ومديره بشار ، وشبابه الورود مالك وطارق وخالد وعمر وغيث والذين لا اذكرهم هنا ولكنهم في القلب شباب جمعية الارشاد والاصلاح، وخصوصا ذلك العمل التوحيدي الذي حاولنا القيام به جميعا ومعا يشاركنا الاخ العزيز كبيرنا وشيخنا السلفي زهير الشاويش اطال الله بعمره.. المهم انني لم أكن في معرض كتابة مذكراتي لانني ما زلت اعتقد بانني ساواصل النضال في سبيل ما اؤمن به حتى الرمق الاخير ... انما استعراض بعض محطات الذاكرة مفيد لسببين: الاول معنوي كما سبق القول اي انه لا يجوز ان تذهب تضحياتنا سدى او ان يخرج علينا اليوم بعض الصبية المغرورين الذين يعتقدون ان الامة وان الناس وان النضال ولد معهم في حين انهم يقتلون كل يوم أحلى ما في الذاكرة وهو النقاء والاخلاص والحب والعلاقات الانسانية..والسبب الثاني ان تجربتنا لا يجوز ان تموت بل يتوجب ان تنقل الى اولادنا والى الاجيال والينا نحن حتى، لكي ندرسها ونتعلم منها ونأخذ العبر...ان الشعب الذي لا يتعلم من تجاربه لا يتقدم.ونحن العرب لم نراكم أية خبرة من كل تجاربنا لان احزابنا العظيمة اختزلها الامين العام الذي اختزلته سلطة ولاية الفقيه، اكانت في موسكو ام بكين ، في دمشق او بغداد او ليبيا، وصولا الى طهران.كل حزب بما لديهم فرحون، وكل حزب يعتقد انه المهدي المخلص وان التحرير والوحدة والاشتراكية ستتم على يديه او على يدي قائده الملهم الذي يصير نسخة كاريكاتورية عن ابشع الديكتاتوريين في التاريخ...التاريخ الذي يعيد نفسه في المرة الثانية بصورة مسخرة كما قال يوما كارل ماركس..نعم لم تنتبه الاحزاب الى ان مسيرة الشعوب والامم هي مسيرة اجيال وانه ينبغي البناء على الصخر الصلب والتقدم عبر التجارب...وكنا في كل جيل نبدأ من جديد...يأتي زعيم او حزب جديد ويقدم الوعود نفسها بالحرية والوحدة والاشتراكية او بالاسلام والوحدة والتحرير...المهم ان تجربتي هي تجربة العشرات والمئات ممن ذكرت وممن لم اذكر.. وبالعودة الى دروس التجربة أقول ...نعم لقد حاربنا مع فتح والثورة الفلسطينية وحاربنا مع المقاومة الوطنية والمقاومة الاسلامية وقاتلنا في اصعب الظروف الا اننا لم نفقد البوصلة ابداً وكنا نحاول دائما ان نرى ما هو الصح وما هو الحق وما هو العدل وهذا هو خط الفصل الوحيد بين كل الاشياء...الحق والعدل والكرامة والحرية والديمقراطية...هذه هي الاصول والثوابت...ان تجربتنا هي تجربة علاقات لم يسبق لها مثيل في حياتنا ولعل ذلك ناتج عن التقاء الريف بالمدينة ، الوعي بالممارسة ، الحب بالثورة (او الحب تحت ظلال البنادق) ، المحلية بالعالمية ، وهذا من سحر بيروت الخاص الذي لا يتكرر ، وعن نموذج كلية التربية ،وهذه تجربة تستحق ان يكتب عنها ايضاً الكثيرون من اصحابها،وعن الجو الثقافي والفكري العالمي منذ ثورة ايار 1968 الطلابية ، وصولا الى دور النموذج الثوري التغييري مثل غيفارا والثورة الثقافية الصينية وحرب فيتنام.. الى الفدائي ابو كوفية من خليل عزالدين الجمل الى معركة الكرامة الى ابوعلي اياد الى ايلول السبعين...الى تجربة المقاومة في الجنوب وهي التجربة الانقى والانصع....... وبعد فهذا وعد ان اكتب عن هذه السيرة من خلال الشهداء والاصدقاء فهم كانوا الاساس وانا كنت معهم ولولاهم ما كان العمر ولا كنت... (كل الثوار نجوم يا رفاقي، ولكن انتم قمرهم..)...