الصفحات

الاثنين، 15 أغسطس 2011

استراتيجية الشبيحة

ديانا مقلد
منذ بدء الاحتجاجات الشعبية في سوريا اعتمد النظام نهج المجابهة بالقوة والردع لقمع المحتجين مهما كانت تكلفة هذه القوة مرتفعة إنسانيا وسياسيا. أحد أركان سياسة القوة المفرطة هذه ما يمكن تعريفه باستراتيجية «الشبيحة»، أي استخدام طرف ثالث غير نظامي للبطش والقتل باسم الولاء للنظام من دون أن يكون النظام نفسه مباشرة.
ويبدو أننا كنا سذجا حين لم نقدر الحجم الحقيقي لهذه الظاهرة أو لمدى اعتماد النظام في سوريا عليها ميدانيا من خلال القمع المباشر ومن خلال تطبيق «التشبيح» في الخطاب السياسي وفي المقاربة الإعلامية للاحتجاجات.
وظاهرة التشبيح هذه قائمة على القتل الجسدي والقمع فيما يتعلق بالداخل السوري، كما تقوم على عرقلة الاحتجاجات التضامنية، أو على خلق لغة ورأي عام مضاد لأولئك المنادين بالحرية وبسقوط النظام.. قوام الرأي العام «الشبيحي» إذا جاز التعبير قائم على السب والشتم والتحريض، وليس على أي منطق عقلي وإنساني قابل للاحتواء أو النقاش..
تطور التشبيح الإعلامي منذ بداية الاحتجاجات من خلال الإعلام السوري (الخاص) ومن خلال وسائل إعلام لبنانية موالية للنظام السوري مارست تشبيحها الإعلامي من خلال استضافة وجوه سياسية وإعلامية لا منطق لديها سوى الشتم والتحريض والدعوة الصريحة أحيانا للقضاء على المعارضة، أو من خلال الاستخفاف بحقيقة معاناة الشعب السوري واعتبار الدماء التي تسيل أنها ماء سكب على الطريق..
إلكترونيا، الحرب مستعرة بين مواقع وصفحات داعمة للثورة السورية وتلك التي يمكن إدراجها تحت مسمى الشبيحة الإلكترونيين، أو من يعرفون باسم «الجيش السوري الإلكتروني» الذين ينحصر دورهم في ملاحقة أخبار المعارضة للنظام والتعليق عليها أو شتمها ومحاولة تعطيلها..
لا يسع هؤلاء الشبيحة الإلكترونيون سوى السب والشتم أو إعادة نشر الروايات الرسمية للنظام..
ومنذ بداية الاحتجاجات اعتمد الشبيحة استراتيجية اعتراض منفر وقمعي وعنيف أحيانا لمواجهة مظاهرات أو اعتصامات تضامنية مع الشعب السوري في محنته، وقد اعتمد في ذلك على امتداداته البعثية والقومية..
حدث ذلك خلال اجتماع المعارضة في تركيا في أنطاليا وقبل أسبوعين في الأردن حين اعترض بضعة موالين للنظام السوري على مظاهرة في عمان تضامنا مع الشعب السوري..
أما المظهر الأكثر فظاظة لهذا التشبيح فيظهر جليا في لبنان حيث تكرر استهداف اعتصامات متضامنة مع الشعب السوري، وفي أحدها تعرض المعتصمون لضرب مبرح في غفلة من سلطة لبنانية تريد أن «تنأى» بنفسها عما يجري في سوريا. وحتى حين اعتصم ناشطون لبنانيون قبل أيام في وسط بيروت لدعم الحراك السوري حاول بضعة «شبيحة» الاعتراض وخلق مشكلة معهم..
هذا يظهر كم أن للنظام السوري امتدادات يستعين بها وهي الامتدادات والأدوات نفسها التي استعملت لتظهير خطاب ممانع ومقاوم بات ممجوجا..
يبدو جليا أن المهمة المطلوبة من هؤلاء «الشبيحة» الموجودين خارج سوريا ليست جزءا من مزاج محلي بل هي مهمة أمنية المطلوب عبرها إشعار المتضامنين مع الشعب السوري أن مهمتهم ستواجه بحلول أمنية موازية للحلول الأمنية التي يعتمدها النظام في سوريا.