الصفحات

الخميس، 24 نوفمبر 2011

عن تونس ونهضتها المباركة

سعود المولى
نكتب اليوم عن تونس الجديدة وهي ترسم مستقبلها بالانتخابات الحرة الديموقراطية التي ستُنتج سلطة سياسية جديدة من برلمان وحكومة وأجهزة ومؤسسات قيادية.. نكتب اليوم والتونسيون الأحرار يواجهون حملات التخوين والتشهير والشتم والتحريض على الحقد والكراهية لأنهم اختاروا حزب النهضة الاسلامي... ومرة جديدة نعيد ونكرر جملة من المواقف والبديهيات وندعو المخلصين والشرفاء والحريصين على تونس وشعبها وعلى الأمة العربية واستقلالها وتحررها أن يسمعوا: لقد عانت تونس كما غيرها من البلدان العربية من الظلم والاستبداد ومن القمع والتنكيل...وخلال المحنة التي ضربت تونس (والتي لم توفّر إسلامييها من علمانييها، ولا ثورييها من اصلاحييها) كانت المقاومة الشعبية الحقيقية تتمثل في السعي الدائم نحو الوحدة الوطنية بين مكونات الشعب التونسي، ونحو بناء دولة القانون والمؤسسات وتحقيق الحرية والاستقرار والعدالة والكرامة للجميع..وكان هذا يعني صوغ سياسات واضحة تُراكم انجازات حقيقية تحت سقف مشروع وطني ديموقراطي حقيقي واستراتيجية وطنية صادقة وبرنامج عمل متكامل، لإعادة بناء المجتمع المتعدد والموحد في آن معاً، ولبناء الدولة الحديثة لتونس الجديدة، دولة تجمّع ولا تفرّق، تصون ولا تبدد، تحمي ولا تهدد، تتقدم بالبلاد والعباد الى بر الأمان ولا تأخذها الى شطآن الظلام. واليوم وبعد تمكن الشعب التونسي من التحرر ومن التقدم على طريق بناء تجربته الجديدة، فإن الوضع التونسي (كما كل الاوضاع العربية) يحتاج الى مقاربة جديدة تخرج عن التهويمات الأيديولوجية الإسقاطية والأوهام القومجية الفارغة والأصوليات الاستقصائية النابذة، أكانت أصوليات علمانية ويسارية أم ظلاميات إسلاموية قاتلة. المطلوب اليوم التفكير الاستراتيجي في ما تواجهه تونس على طريق استكمال حريتها ووحدتها واستقرارها وازدهارها..
تتمزق تونس (وكل بلاد العرب) داخلياً بين فئات تعيش هواجس الماضي وآلامه وترفض عودته وبين فئات أخرى تعيش قلق المستقبل وأخطاره وتريد إعادة الماضي..إلا أن كل هذه الهواجس ليست ولا يجوز أن تكون من النوع الذي يهدد استقرار وأمن وأمان شعبها وإنما ينبغي أن تكون من نوع التحديات التي يتوجب أن نعمل جميعاً وكل من موقعه على وضعها في سياقاتها الفعلية وطرحها ضمن أطرها وإيجاد حلول لها تكون واقعية وعملية ولمصلحة تونس وأهلها أولاً ثم لمصلحة كل العرب والمسلمين ثانياً، ناهيك عن مصالح المجتمع الدولي والسلم العالمي..
إن العملية السياسية الجارية في تونس الجديدة تقوم على ثوابت ينبغي ترسيخها وتعميقها وتعميمها:
أ-بناء الدولة الوطنية الحديثة السيدة الحرة المستقلة ، وإنجاز وحدة وطنية حقيقية وسلم أهلي راسخ بين كل مكونات الشعب.. .
ب-تطوير المشاركة الشعبية والاستفادة من تجارب الشعوب ومن دراسات متخصصة وعدم الوقوع ضحية الارهاب الايديولوجي الذي يمنع الحوار ويقمع الابداع، وإنما إطلاق طاقات الخير الكامنة في الشعب من أجل إيجاد الحلول الصحيحة والمناسبة لقضايا الحكم والإدارة ، مع الانتباه الى ضرورة تعزيز مكتسبات المرأة.
ج-إن الصيغة الأنسب لحكم وإدارة تونس لن تكون صيغة مكررة من الدولة المركزية الاستبدادية ولا ديكتاتورية الفرد أو الحزب ولا غلبة تيار أو فئة، إنها صيغة جديدة مركبة تحتاج الى إعمال الفكر والدراسات وتغليب مصلحة الناس أولاً وأخيراً..فلا مقدس في السياسة والاجتماع سوى الإنسان: حياته وحريته وكرامته وحقوقه...
إن المطلوب اليوم هو الدعوة الى صياغة شراكة استراتيجية حقيقية بين القوى السياسية كافة وبين المجتمع السياسي والمجتمع المدني تضمن دوراً محدداً لكل طرف وحدوداً منطقية معقولة ومقبولة ومتعاهد عليها لكل دور، دون افتئات ولا طغيان، وعلى أسس الحوار الدائم، وحل المنازعات بالوسائل السلمية، والتحكيم في النزاعات، والاحترام المتبادل لمصالح الجميع، والتعاون والتضامن على البر والتقوى ورد الإثم والعدوان، وحسن القول، وعدم الاستعلاء أو الاقصاء..وبإمكان التجربة التونسية أن تلعب دور المحرّض والمحفّز لإقامة مجتمعات عربية جديدة تتحقق فيها الحرية والكرامة والعدالة والمساواة والديموقراطية والتنمية...