الصفحات

الخميس، 24 نوفمبر 2011

الشباب وثورة الاتصالات والعولمة

سعود المولى
في تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين وسوريا صعد إلى واجهة النضال الجديد شباب بعمر الورد وطراوته خبروا وسائل العصرواستخدموها على أفضل ما يكون: من الهاتف الخلوي إلى الإنترنت، ومن الفايسبوك إلى التويتر واليوتيوب... وصف موقع أون إسلام[1] مظاهرات مصر كالتالي: «حشود بعشرات الآلاف، لم يرفع واحد منها لافتة تميز هذا عن ذاك، ولم يردد شعاراً يكشف هويته أو التيار الذي يتبعه، فقط كانت اللافتات والشعارات تنطق بنفس المطالب التي يرددها المصريون في منازلهم... وهذا ما جذب إليها بعفوية الآلاف من شرفات المنازل ومن المتاجر والسيارات... حشود من كافة شرائح المجتمع المصري: أطفال وشيوخ وشباب، مسلمون ومسيحيون، نساء ورجال، ليبراليون وإسلاميون ويساريون ومستقلون، من مهن مختلفة وعاطلون، أغنياء وفقراء، منهم المعتادون على التظاهرات ومنهم أيضاً من كان يتظاهر لأول مرة، أو كان مقاطعاً للتظاهرات ثم اندفع إليها بقوة التأثير والتفاعل... الكل كان يوحدهم ويذيب أي فروق بينهم شعار واحد طغى على باقي الشعارات: "الحرية... التغيير... العدالة الاجتماعية"...
وبحسب ما كتبه عمرو الشوبكي[2] في بداية الحراك المصري فإن كثيرين من أبناء هذا الجيل الجديد قد تفاعلوا مع العمل السياسي خارج إطار التنظيمات السياسية السرية والمفاهيم الحلقية للعمل الحزبي القديم ؛ وهكذا صار الناصريون والقوميون والماركسيون ينتمون إلى قيمة التحرر الوطني والوحدة العربية، والى فكرة العدالة الاجتماعية والاشتراكية الديموقراطية بالمعنى الحديث للكلمة ، وظهر إسلاميون يدافعون عن جوهر القيم الدينية والأخلاقية والحضارية التي نادى بها الإسلام، وعلى كون الاسلام مشروع ثقافي وسياسي لا يلغي الآخر بل يتحاور معه ويتكامل في إطار الجماعة الوطنية... والشيء الرئيسي الذي ميّز جيل الألفية الثالثة عن جيل آبائه هو براءته من شتى أنواع العقليات والذهنيات التكفيرية والتخوينية التي سادت في الستينيات والسبعينيات؛ وقد تمتع الجيل الجديد بسعة صدر وسعة أفق وتسامح وسلمية لم تكن موجودة لدى جيل قدامى اليسار الماركسي والقومي أو الاخوان المسلمين أو حتى اليمين الليبرالي...لم يحمل جيل ثورة يناير أحقاد أهله الحزبية والشللية ولا مرارات من تخرج من سجون ناصر والسادات..فهو جيل لم يعرف الاعتقالات الجماعية على نمط حملات الخمسينيات ضد الشيوعيين والإخوان المسلمين، أو كما حدث في 1981 مع كل القوى السياسية..."إنما عاش مرحلة فيها قدر أكبر من التوافق الوطني والجيلي العام على أجندة معارضة لجوهر سياسات الداخل والخارج، قائمة أساسًا على الإصلاح السياسي والديموقراطي وعلى احترام حرية الرأي والتعبير وحقوق الإنسان".
وقد انتمى هذا الجيل إلى جمعيات العمل الأهلي والمنظمات غير الحكومية التي تعاظم عددها ودورها منذ العام 1990 أي منذ انتهاء الحرب الباردة وشيوع مفهوم وممارسة المجتمع المدني. ويمكن القول بأن الممارسة السياسية والمدنية للجيل الجديد صارت "متعولمة" تطرح أفكاراً سياسية جديدة (الديموقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني والمشاركة والتنمية المستدامة)، وصارت جمعيات المجتمع المدني نفسها عابرة للقوميات ومتداخلة مع العالم عبر شبكات المعلومات والبريد الإلكتروني.
وقد امتلكت قطاعات واسعة ومتزايدة من هذا الجيل خبرتها وتكوينها السياسي من خلال الانتماء إلى قضايا العالم وهمومه والتفاعل معه عبر تقديم قراءة نقدية لكثير من مثالب عصر العولمة، ولكن من خلال الحداثة وقيم العصر الديموقراطية ومفاهيم التعددية والمواطنة المتساوية والدولة المدنية.
السمة الشبابية للاحتجاجات لم تكن في العمر فقط، بل في الروح الجريئة أيضاً التي شملت كبار السن. ولكن الأهم هو أن هؤلاء الشباب اللاحزبي قاموا ببناء تحالفات عريضة ضد فساد وجشع الليبرالية الرأسمالية المتوحشة، تحالفات شملت كل الناس وكل الجماعات وبشكل عابر للطبقات وللإيديولوجيات: من مساجد وجمعيات أهلية تقليدية إلى أحزاب ومجتمع مدني حديث، ومن تجمعات يسارية إلى ليبرالية ديموقراطية وطنية... ومن حركات إنسانية وسلمية وبيئية ونسوية، إلى راديكالية دينية منحازة للعدل... الأمر الذي سمح تالياً بتنويع استراتيجيات وتكتيكات النضال بشكل استبق سياسات السلطة وأربكها... كما أن ذلك ضََمن بالأساس غلبة الطابع المعنوي الأخلاقي على الطابع المصلحي المادي للحركة الاجتماعية الواسعة...
وقد كتب المستشار طارق البشري[3] في بدايات الثورة أن الحركة الشبابية الحالية هي نتاج تراكم لثقافة الخروج إلى الشارع في حركات احتجاجية جزئية جرت على مدى السنوات الست الماضية من سنة 2005. وأنها ذات أساليب مستحدثة، وأنها وإن لم تنجز ما يطمح إليه المصريون من احتياجات سياسية حيوية، فإنها يمكن أن تكرر ما عملت بعد فترة أو فترات وأن تستحدث أساليب أخرى بما أظهرت من ذكاء وحيوية، ومما فاجأ أمثاله من ذوي الخبرات القديمة عن الثورات والحركات الشعبية، وأن هذه الحركة قادرة على البقاء كقوة سياسية مؤثرة في موازين السياسة المصرية وذات تشكيلات تستحدثها، وسيبقى أثرها في الساحة المصرية السياسية، وقد أوجدت جيلاً جديداً من ساسة مصر وقادتها المستقبليين. ذلك ان الشعب المصري رمى إلى الشاطئ بموجة جديدة من شبابه الطيب، وهي موجة ما أعلاها وما أطيبها.
ونفس الأمر يمكن قوله عن شباب تونس وليبيا وسوريا والبحرين واليمن والسعودية..الخ