الصفحات

الخميس، 24 نوفمبر 2011

في العلاقة بين بديهيات المسيحية وحركات التحرّر العربية

نص كلمة الصحافي ميشال حجي جورجيو- خلوة سيدة الجبل 23 تشرين الأول 2011

غريب هذا الزمن الذي أصبح فيه من الضروري العودة إلى شرح مفاهيم ومبادئ نعتبرها بديهية في ما يخص فلسفة وقيم المسيحية.
فهل البحث عن هويةٍ ما بداعي الخوف والقلق من المستقبل قد افقدنا البصيرة، بحيث لم نعد قادرين على رؤية الحقيقة الكامنة وراء تضحية يسوع المسيح على الصليب وما ترمز إليه هذه الصورة؟
أنا أؤيد كلياً النظرية التي تقول أن الانسان قائم بذاته، وليس عليه تأدية أي وظيفة لكي يبرر وجوده. الوجود يبرر الوجود، وليس أي دورٍ ما يبرر وجودنا في هذا الشرق. ولكن هذا لا يعفينا عن دورنا كمواطنين فاعلين في مجتمعاتنا، وعن بث قيمنا ورسالتنا. هذه مهمة اخذناها نحن على عاتقنا، ولن يوكلنا بها أو يجبرنا عليها أحد. بل كان ذلك دائماً في صلب قناعاتنا.
فما هي هذه القيم التي نشير إليها والتي تمثل ماهية الفكر المسيحي، أو التي ترمز إليها تضحية المسيح بذاته؟ الحرية والكرامة والعدالة وإحترام نهائية الشخص الذي هو قيمة بحد ذاته، وحقوقه الطبيعية.
ولعل اهم هذه القيم، والتي تؤسس حقيقةً للفكر المسيحي، هي فكرة رفض وإدانة العنف وإرساء ثقافة السلام.
بحسب الباحث الفرنسي في الأنثروبولوجيا رينيه جيرارد، المسيح هو ما يسمى في اللغة اليونانية "فارمكوس"، أي ضحية بريئةٍ جاءت لتكسر دوامة العنف الدامي الذي كان يسود بإسم الديانات الأخرى، وخاصةً الوثنية منها، والتي كانت تعتمد على طقوس عنفية ابرزها ما يسمى بكبش المحرقة، أي الإعتبار أن الضحية هي مذنبة بصورة حتمية ويجب التضحية بها من أجل سلامة المجتمع.
وهذا تقليد نجده مثلاً عند الاغريق، في المراسم الإحتفالية من أجل ديونيسوس، إله يرمز بشكل خاص للعنف والفوضى.
فنشأة الفلسفة المسيحية بمفهومها الانطولوجي مرتبطة إذاً بشكل وثيق بفكرة تعتبر أن البطل الحقيقي هو الضحية المسالمة، أي الذي إختار أن يرى حقيقة ما أراد أن يكشفه يسوع المسيح على الصليب، أي إدانة نهائية وحاسمة لمنطق العنف والمبارزات، الذي يؤدي حتماً إلى مزيد من العنف والفوضى.
ورب سائلٍ: ما معنى كل هذه المقدمة وما جدواها؟
الاجابة هي التالية: هناك الآن شعوبٌ عربيةٌ جبارة ناضلت وتناضل من أجل حريتها وكرامتها ضد الظلم والاستبداد، وهذا حق طبيعي مصان لها بكافة الشرائع السماوية التي هي أساس الإعلان العالمي لحقوق الانسان وملحوظة بشكلٍ واضح في ديباجته.
لا يمكننا إلا دعم هذه الحركات التحررية، كبشر وخاصةً كمسيحيين، لأنها تعبرعن توق هذه الشعوب إلى المصالحة مع نفسها وإلى السلام بعد عقود من العبودية والظلم.
لكن الأهم من كل ذلك هو اصرارها على النضال اللاعنفي من أجل احقاق الحق وتحرير نفسها.
واخص هنا بالذكر الثورة السورية، التي كلما رسخ تعلقها بسلمية ديناميتها، استشرس نظام الأسد عليها ببربرية ووحشيةٍ استثنائية.
إن هذه الثورة هي في عمقها وماهيتها مسيحية، لأنها كالمسيح بتضحيته على الصليب، تكشف يوم بعد يوم مدى البربرية الوثنية لهذا النظام وتعطشه للعنف والفوضى والدم، تماماً مثل الاله ديونيسوس. لهذا السبب، ولعدة أسباب أخرى، يجب الوقوف وقفة إجلال وإكبار ودعم كلي لهؤلاء الثوار الأبطال الضحايا المسالمين الذين يموتون ابرياء كل يوم بواسطة آلة القتل، من أجل إرساء قيم إنسانية أممية هي أيضاً، وخاصةً، قيم مسيحية.
شكراً.