الصفحات

الخميس، 24 نوفمبر 2011

الأنظمة العربية وقضية البديل الاسلامي والسلفية

سعود المولى
لم تكن الأحزاب (وخصوصاً الإسلامية منها) موجودة في هذه الثورات..ذلك أن الأنظمة العربية ألغت الحياة السياسية وألغت الخيارات الديموقراطية للناس. وقد سبقت الناس القوى الطليعية المنظمة وفرضت شعاراتها وأجندتها على الحدث... يكفي أن نستعرض خطاب وممارسة القوى السياسية الرئيسة لنكتشف كم كانت جامدة خشبية تقليدية تلهث خلف السلطة بأي شكل كان..لم يكن سقف الأحزاب والشخصيات المعارضة ليتجاوز إجراء اصلاحات بسيطة قليلة وبخجل..ولم تكن الثورة أو الانتفاضة على جدول أعمال أي طرف سياسي لا اسلامي ولا يساري ولا قومي ولا علماني.الحركة الاجتماعية سبقتهم جميعاً... في تونس كادت الأحزاب المعارضة تعطي لبن علي فرصة بعد خطابه المفكك المرتبك الذي حاول فيه تقليد الرئيس الفرنسي دوغول... ولكن الناس لم تصدق تمثيله الفاشل ونزلت إلى الشارع ولم ولا تغادره... وفي مصر حاولت الأحزاب والمعارضة في البداية قطف الثمرة سريعاً «طالما أن أميركا والجيش معنا الآن»... ولكن الناس لم تغادر ميدان التحرير... وفي كلتا الحالتين ما تزال الأمور غير مستقرة ولا نهائية... ذلك أن الحركات الاجتماعية الكبرى في التاريخ سرعان ما تواجه معضلة التنظيم والقيادة والبرنامج الواضح والخطط المستقبلية...
في تونس لم تستطع السلفية الجهادية أن تثبت أقدامها (على عكس الجزائر والمغرب وليبيا) بفضل وعي ووطنية حزب النهضة الإسلامي الذي أعلن رئيسه الشيخ راشد الغنوشي مبكراً (منذ عام 1992): "لقد تجنبنا الرد على عنف الدولة بعنف مضاد... وباءت بالفشل كل محاولات النظام لتوريط الحركة في هذا السبيل. ولذلك إذا كان من استقرار في تونس اليوم فإنما هو عائد إلى منهج المصابرة الذي توخته الحركة ودفع السيئة بالتي هي أحسن ورفض الاستدراج إلى العنف. هذا هو خيارنا الذي اجتمعت ولا تزال حوله غالبية أبناء الحركة. فمن لم يطق صبراً عليه فليبحث له عن سقف آخر بديل عن النهضة يقف تحته"[1].
وفي مصر حدث التحول الكبير حين قامت الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد بمراجعات شجاعة حقيقية وشفافة (بدءاً من عام 1998) أنهت حقبة التوتر والعنف ورسخت السلم الأهلي وأنجزت استقراراً كبيراً في المجتمع المصري[2]؛ ما أضاف إلى موقف التيارين الإسلاميين الآخرين (الإخوان وشباب الوسط) وإلى المعارضة عموماً، قوة مدنية سلمية ديموقراطية شابة مجربة سمحت بمواجهة عسف السلطة وفسادها على قواعد جديدة تحمي المواطنة والتعددية والوحدة الوطنية... والتجربتان التونسية والمصرية (وهما تشبهان هنا التركية والإيرانية) تميزتا في الأصل بوجود نظام علماني حداثوي وطني، ودولة مركزية قوية ذات شرعية ثابتة وسيادة غير منتقصة (وكلها صمام أمان التنّوع الأقلوي)، تردفها ليبرالية بورجوازية مستقرة في مجتمع مديني غالب، ما يعني ضعف أو غياب العصبيات النابذة والمفككة للدولة... كما يعني في الوقت نفسه تغوّل الدولة على حساب المجتمع وخياراته...
لقد تجاوزت الأحداث قوى الحركة الإسلامية العربية... فقد سقطت التجربة الإسلامية في السودان وإيران في أتون التسلط الثوري والاستبداد الديني بعد الانقلاب على أهلها (من حسن الترابي إلى خاتمي - رفسنجاني- موسوي)... وفي العراق تحوّل الإسلام السياسي (حزب الدعوة الشيعي) إلى نظام حكم فاسد ديكتاتوري، يُعيد إنتاج الصنم البائد (ولكن المرة الثانية تكون عادة على شكل مسخرة – والكلام لماركس)... وفي تونس والمغرب والسودان والأردن واليمن (وغيرها) لم يخرج التيار الإسلامي "الديموقراطي" عن إطار التنظير النخبوي والجامد للمواطنة والحقوق المدنية والتعددية، مع غلبة اللفظية الإسلاموية القومية الشعبوية والشعاراتية في خطابه... فلم يرتبط بديناميات الحراك السياسي الاجتماعي الفعلي للناس وهمومها... إذ كان همّه تقاسم السلطة... غاب الإسلاميون (كما اليساريون والقوميون) عن ساحة الفعل الاجتماعي السياسي .
أما السلفية الجهادية القاعدية البن لادنية فهي كانت تتغذى وتستمر وتقوى من وجود هذه الأنظمة ومن غياب الناس عن ساحة الفعل السياسي والحراك الاجتماعي..وما أن تقوم الحركات الشبابية والاجتماعية حتى ينتهى أصلاً دور هذه السلفيات الجهادية..وبالتالي فكل ادعاءات الأنظمة عن سلفيات وأصوليات ما هو إلا من قبيل استخدامها فزاعة لإبقاء دعم الغرب لهذه الأنظمة بحجة التقاء المصالح في وجه الارهاب..وبعض هذه الأنظمة كان وما يزال المأوى والداعم والمصدِّر الأول لعمليات القاعدة والسلفية الجهادية ضد جيرانه (سوريا على سبيل المثال)..