الصفحات

الخميس، 24 نوفمبر 2011

سمير فرنجيه: يتحدث عن اللقاء المسيحي

ايلي الحاج- النهار- السبت- 22 تشرين الأول 2011
يدفع سمير فرنجيه باستمرار الآخرين إلى الإقدام والتحرك فيما هو يستشرف، وقبل يومين من انعقاد "لقاء سيدة الجبل" الذي وضع وثيقته تمهيداً لمناقشتها كان مرتاحاً إلى كل ما يدور حول اللقاء، ويرى أفقاً جديداً للبنان والمنطقة بمسيحييها ومسلميها. هنا حصيلة حوار مع فرنجية، ننشره بلا الأسئلة، على السجية:

الحجم الكبير للكلام على خلوة "سيدة الجبل" سببه أهمية الحدث العربي. هذا التحوّل في عواصم العرب يضعه بعضهم في أهمية حدث سقوط بغداد عام 2003. فمنذ ذلك الوقت لم تشهد المنطقة هزة مشابهة. والتأثيرات تشمل العالم، نراها في أوروبا ودول أخرى لا علاقة لها بالعرب وهمومهم، بدليل تظاهرات مدن الغرب، ففي جانب منها ترتبط بحركة الناس في ميادين التحرير العربية من تونس إلى القاهرة. وقرأت في الصحافة الأميركية أن مناقشات تجري في مملكة بوتان في ضوء التحرك الشعبي الذي بدأ في تونس. العالم فعلاً صار قرية كونية.
لماذا تحركنا نحو "سيدة الجبل"؟ لأننا نعتبر ربيع لبنان مرسلاً للإشارة الأولى إلى الربيع العربي الذي بدوره يؤكد معنى لبنان والقيم التي يحمل: الديموقراطية ، الحرية، العدالة، وما يتبع.
يعيدنا ذلك من جديد إلى معنى لبنان عربياً. لبنان الذي بقي مدة طويلة مرفوضاً من أنظمة الإستبداد العربية. ونذكر شعار "تعريب لبنان" أي جعله شبيهاً بالدول المحيطة. اليوم نرى "لبننة" بالمعنى الإيجابي، للعالم العربي.
بالتالي على غرار دور أداه المسيحيون خصوصاً في إطلاق ربيع لبنان، مطلوب منهم دور المشاركة في ربيع عربي يفتح أفقاً جديداً كلياً أمامنا، لبنانيين ومسيحيين، هنا في بلادنا وفي المنطقة.
الدعوة إلى اللقاء صدرت وسط جفاف صحراوي فكرياً وسياسياً في الوسط المسيحي؟ واضح أن المواقف تفاوتت من ربيع العالم العربي. هناك أناس لم يقدّروا أهميته بالضبط، فبقي السجال كأن شيئاً لم يحدث، وأناس تخوّفوا وأطلقوا دعوات ضد هذا الربيع، وآخرون اكتشفوا أن هناك شبها شديداً بين صور ميادين التحرير العربية وتلك التي قدموها هم في ساحة الشهداء. هذا الإكتشاف يبرر الحماسة لإطلاق دينامية لبنانية تعيد الحياة إلى ربيع لبنان وتعيد وصله بالساحات العربية.
وبطبيعة الحال، أي تحوّل بهذا المدى يحمل أخطاراً. ولكن إذا وضعنا أنفسنا خارج هذا الربيع بذريعة الأخطار الممكنة فنكون نضع أنفسنا خارج التاريخ.
في السجال الداخلي صوّر بعض الأفرقاء الخلوة رداً على ما أورده البطريرك الماروني بشارة الراعي. هذا غير صحيح. والخلوة مدعوة إلى تحريك حساسية مدنية عند المسيحيين تتجاوب مع حساسيات مدنية مشابهة في الطوائف الأخرى. الغاية بناء توجه مدني إلى المستقبل اللبناني بالتواصل والتحاور، فنخرج من مخاوف الطوائف وهواجسها، من اعتبار أنها المحرك الوحيد للتاريخ. هذه نظرة دفعنا ثمنها على مدى طويل. مطلوب من المسيحيين نظرة جديدة أن يستعيدوا دورهم التاريخي فلا يبقوا أسرى الذاكرة المحملة بكل مآسي الماضي.
عليهم اليوم إطلاق نهضة عربية ثانية مثلما فعلوا مطلع القرن الماضي ونقلوا المنطقة العربية من حال إلى حال. أعطت النهضة العربية الأولى نتائجها الإيجابية لكن الفكر الأيديولوجي والتوتاليتاري صادرها وبنى هذا النوع من الأنظمة التي باتت على طريق الزوال.
اليوم علينا مجددا المساهمة في نهضة عربية. وهذا دور مسيحي يستلزم المشاركة في وضع قواعد جديدة، خلق عالم عربي ديموقراطي تعددي منفتح ومتواصل مع العالم وقادر على استعادة مكانته في هذا العالم.
هناك بؤس في أحوال المسيحيين؟ لكنهم عشية ربيع لبنان لم يكونوا أفضل حالاً. كانت الظروف صعبة لكنهم رغم ذلك أدوا دوراً رئيسياً في نقل لبنان من حالة إلى حالة مختلفة كلياً. صحيح أنه كان ثورة لم تكتمل، بسبب أخطائنا وبسبب الثورة المضادة التي أطلقتها سوريا وإيران في وجهنا، ومعهما حلفاؤهما المحليون. لكن أمامنا اليوم فرصة لاستكمال ربيع لبنان، وبالتالي للفعل والتأثير في ربيع العرب.
يُقال إن 14 آذار لا تفعل سوى الأمل في انتصار ثورة السوريين على النظام لعلها تؤدي إلى حل مشكلة "حزب الله؟
في معزل عن 14 آذار، وعن أي اعتبار داخلي. أمامنا صورة لمنطقة تتحوّل وتتغيّر جذرياً. تالياً، أطراف مثل "حزب الله" أصبحوا ينتمون إلى مرحلة قيد الإنتهاء. في المطلق، وحتى لو تفعل 14 آذار شيئاً. هناك حقبة من التاريخ انطوت ومعها أدواتها. هل يستطيع "حزب الله" أن يجدّد نفسه؟ لا أدري. اسألوه. ما أنا متأكد منه أن هذا الحزب بتوجهاته الحالية أصبح منتمياً إلى الماضي.
ونعم. سقوط النظام السوري مرتقب. والتغيير لن يكون محصوراً في سوريا، بل سيشمل لبنان وفلسطين وكل المشرق العربي. لذلك مطلوب جهوز اللبنانيين لمرحلة "المابعد". جهوز سيتجسد في التهيؤ لأداء دور نهضوي قمنا به في بدايات القرن الماضي.
هذا ربيع الدم أيضا؟ خيار الناس في سوريا وغيرها ليس استخدام العنف. هم ضحايا العنف ضدهم. ربما الميزة الرئيسية لما نرى في سوريا هذا الجانب السلمي للتحرك الإعتراضي في مواجهة آلة القمع. وللمرة الأولى في تاريخ البشرية نرى بعيوننا التعذيب والقتل. قبلاً كنا نقرأ قراءة ولا نرى أهوال النازية والستالينية. والصور خلقت بين اللبنانيين والسوريين تعاطفاً لم نعرف له شبيها منذ نصف قرن، وربما أكثر. اللبناني أصبح ينظر بتقدير إستثنائي إلى السوري، لشجاعته وإصراره. وللمرة الأولى أيضاً يمكن الأمل في علاقة فعلية بين شعبين، وليس بين دولتين تحاول إحداهما إلغاء الأخرى.
مذا يقول "لقاء سيدة الجبل" للبنانيين مسيحيين يرون إلى ما يحصل في البلد المجاور على أنه بين سوريين، وما دخلنا؟
في لحظات التغيير، يظهر أطراف سياسيون ترتبط مصالحهم باستمرار النظام القائم. هؤلاء يعلنون دعمهم إستمرار القمع في سوريا. أما نحن فلا نتدخل في سوريا ولا ندعو إلى التظاهر نيابة عن السوريين، بل نقول إن المعركة على ديموقراطية سوريا، وهذه شرط رئيسي لعلاقات طبيعية معها، والعلاقات الطبيعية شرط لاستقرار المنطقة.
نحن معنيون بهذه المعركة. قلنا في بيان لـ"لقاء قرنة شهوان" بعد هجمات 11 أيلول 2001 في أميركا إن شرط استقرار هذه المنطقة يتلخص في ثلاث عبارات: دولة السيادة في لبنان، دولة الإستقلال في فلسطين، ودولة المعاصرة بمعنى الديموقراطية في سوريا.
هذه الشروط الثلاثة بدأت تتحقق. وسنرى مشرقاً عربياً مختلفاً تماماً.
ما الخطوة التالية لـ "سيدة الجبل"؟ اللقاء هو لتحديد دور المسيحيين في الربيع العربي، الخطوة التالية يجب أن تكون لقاء وطنياً لتحديد دور اللبنانيين، ومساهمتهم في وضع الأسس الفكرية لثقافة هذا الربيع، ثقافة "العيش معاً". هذا موضوع بالغ الأهمية.
وماذا نقول للخائفين؟ إن من نزل إلى ساحة الشهداء وإلى ميادين التحرير لا يمكن إعادته إلى نظام إستبدادي. ولا أفهم الموقف الإنسحابي. يسألون ماذا سيحصل لنا؟ لن يحصل إلا ما تقبلون به. نحن مع ديموقراطية سوريا وما يقرره الشعب السوري. البابا الراحل يوحنا بولس الثاني لم يكن موقفه تدخلاً في شؤون الإتحاد السوفياتي السابق بل كان يطالب باحترام كرامة الإنسان. هذا موقف مبدئي وعار علينا ألا نتخذه.
معمر القذافي حذر القادة العرب بعد إعدام صدام حسين من أن دورهم آت، الغريب أنه لم يأخذ عبرة. لم يدركوا بعد أن ثمة جديداً يتكوّن في لبنان والمنطقة والعالم اسمه الرأي العام. ولن يقبل بعد اليوم باختزاله في عدد من الأشخاص.
الرئيس السوري بدأ يعطي إشارات أنه أخذ عبرة من القذافي؟ "الرئيس بشار الأسد يحتاج إلى جدية وإلى إلتزام. كلامه على الإصلاح أصبح قديماً. ولم يتأخر الوقت بعد. وأي تحوّل يوفر على سوريا حمام دم هو جيد. حرام سوريا".