ابراهيم شمس الدين
المستقبل - الاثنين 10 كانون الثاني 2011 - العدد 3878 - شؤون لبنانية - صفحة 2
[ بداية ماذا تقولون في الذكرى العاشرة لغياب الامام محمد مهدي شمس الدين؟
ـ في هذا الشهر يكون قد مرت عشر سنوات على رحيل رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الامام الشيخ محمد مهدي شمس الدين، وللتذكر والتذكير لم يتم حتى الآن انتخاب رئيس للمجلس الاسلامي الشيعي الاعلى ولا انتخاب القوام الكامل، وهذا امر غريب، ولا اعتقد انه مبرر على الاطلاق، خصوصا ان الوضع القانوني لم يعد وضعا صحيحا للمؤسسة العليا للبنانيين المسلمين الشيعة في لبنان ليتدبروا امورهم وينظموها. ان مفصل السنوات العشر هو عقد من الزمن، تراجع فيه الامور، وتقارن بينه وبين مرحلة سابقة، وبين ما نحن فيه اليوم، ويتم استشراف المستقبل.
ان نصف العقد الذي مر كان مضطربا، لا استقرار سياسياً بل تباعد سياسي لبناني كبير. هناك مجموعة أزمات أوجدت أزمة وطنية كبرى على مستوى مفهوم الدولة وبنائها، وأزمة تواصل بين اللبنانيين، لا على مستوى الناس بل على مستوى الاحزاب التي تتجاذب اطراف الوطن، وتتجاذب عناصر تكوين الدولة ولا تسمح ان يستقر الوضع ويستقيم حتى نكون دولة صحيحة في وطن صحيح.
في تواريخ ولحظات من هذا النوع، يتذكر المفكرون والسياسيون والمثقفون والناس العاديون في لبنان والعالم العربي والاسلامي مواقف لرجال كبار، ويحاولون ان يقارنوا ويستلهموا ويأخذوا العبر، ومن هؤلاء الرجال الامام الشيخ محمد مهدي شمس الدين، بصفته رجل دين صحيح، لا شخصا معمما، عنده حقيقة الانتساب الى الدين والايمان. لقد كان رجل تقوى كبيراً في المجالين السياسي والعملي، مجتهدا ومجددا في الفكر الاسلامي وفي الاجتماع الاسلامي السياسي، وفي الشريعة الاسلامية، وفي مواضيع الفقه السياسي. حاضر كبير في العنوان السياسي في لبنان، يفتقد كأحد قادة المجتمع المدني، وكرجل كان على صلة مع الجميع، فلم تكن له خلافات خاصة او شخصية مع احد. واذا وجدت كان سببها الطرف الآخر، والامام كان يتجاوزها ويتصل ويرشد وينصح ويقدم البدائل، وهذا الامر صار مفقودا. لم يكن عنده موقع حزبي يتحزب فيه لنفسه او لمؤسسته او حتى لطائفته، بل كان يفتح كل الآفاق التي بين يديه للجميع خارج الاطر الضيقة.
في هذا السياق، كان عنوان التشيع في لبنان عنواناً وطنياً عاماً، لم يتعامل معه الامام بخصوصية خاصة، من هنا جاء التعبير الذي نحته "الاندماج"، يعني ان الشيعة ليسوا حالة خاصة، بل لبنانيون مثلهم مثل غيرهم، ومن ضمن الوطن.
في العام الاخير لم تعد دعوة الاندماج خاصة بالشيعة بل هي دعوة للمسيحيين للاندماج في المجتمع اللبناني، بمعنى ان يكونوا حاضرين وفاعلين اكثر، ويكونوا لبنانيين ليس من باب الانتقاص بل الخروج من السلوك الاقلوي. من هنا المطلوب الاندماج الذي هو ليس الذوبان بل المشاركة الكلية، يعني في كل شيء تحت عنوان "الوطنية اللبنانية"، لا التخلي عن الخصوصية المسيحية.
[ هل الشيعة اندمجوا حقيقة في الدولة، وهل ترى حركة "الشيعة السياسية" في الحالة الوطنية اللبنانية؟
ـ نأسف ان هناك دوما خلطاً يثير الاشتباه. لبنان مكون بما هو وطن على حد تعبير الشيخ شمس الدين، نصنعه كل يوم ونحميه ضمن صيغة العيش الواحد وضمن اتفاق الطائف. هو مكون من تنوع ثقافي ايماني بين المسيحيين والمسلمين. ما يكوَن لبنان هي الطوائف اللبنانية، وليس الاحزاب اطلاقا. لا علاقة للاحزاب ببنية لبنان، ولا بصيغة نظامه السياسي، ولا بالتركيبة الاجتماعية السياسية، فعندما يكون هناك توافق وطني، المفروض ان يكون الحضور للطوائف بما هي مكونات اساسية كبرى للبنان الوطن. الطوائف هي كائن حي دائما، الطائفة لا تموت، تمر بأزمات وتمر عليها ازمات، تضم الصالحين والطالحين وفيها حركات صالحة وغير صالحة على الرغم من كل ذلك تظل موجودة عند الشيعة وغيرهم. لقد مرت على الطوائف تغييرات لكنها بقيت واستمرت.
عندما يكون هناك كلام عن الشيعة في لبنان يحصل خلط، اما بالمعنى الايجابي وغالبا بالمعنى السلبي. يذكر عنوان "شيعة" او "شيعي" في حالة الازمات، بينما لا يكون الشيعة كطائفة لبنانية كبرى، مكونة للاجتماع السياسي اللبناني، معنية فيه كطائفة، بل يكون هناك مكون خاص داخل الطائفة. مثلا حركة "امل" في العقود الماضية موجودة على نحو قوي، ارتكبت اخطاء في حقبة من الزمن، ولم يتم اتهام الشيعة ككل. وفي سنوات الحرب الاولى ارتكب "الكتائب" و"القوات" والحزب "التقدمي الاشتراكي" منكرات، ولم يتم اتهام المسيحيين او الدروز كطائفة بأنهما صاحبتا الاذية. في اية جماعة كبيرة توجد آراء واتجاهات تكون فيها غلبة في الرأي، ليس بالضرورة ان تكون لرجاحة الرأي بل لعناصر قوة اخرى، لغلبة ارغام، وغلبة خوف وتخويف. بهذا المعنى الشيعة مندمجون. لم يكن الشيخ شمس الدين يدعو الشيعة الى الاندماج لشيء يفتقدونه، انما يدعوهم الى شيء موجود لديهم، بل يذكرهم بالاندماج وينبههم. هو تنبيه كي لا يقعوا في مشاريع يدعون اليها، مشاريع ليست وطنية وليست اندماجية، فيها تباين مع المشروع الوطني، ومع الجماعات اللبنانية الاخرى. يذكرهم بنهائية الوطن وبأن لبنان وطن لجميع بنيه كما عبّر في وصاياه. ان الاندماج هو نتاج الفكر السياسي الشيعي وتحديدا فكر المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الذي هو مؤسسة "المركزية الشيعية" التي تقرن بالسيد موسى الصدر والشيخ محمد مهدي شمس الدين، يعني الرئيس الاول والرئيس الثاني للمجلس. ان المجلس هو مجلس الامام موسى الصدر والامام محمد مهدي شمس الدين، بعد هذه الحقبة هناك كلام آخر، اقولها بكل وضوح، حيث حصل تحول وتغيير. بهذا المعنى الشيعة موجودون ضمن الاندماج، وفي فكرة الدولة والوطن والرغبة والارادة بعيدا عن الفكر المغاير او الفكر الانفصالي.
ولطالما كان في الطائفة الشيعية زمن الامام الصدر وجودات سياسية متنوعة ومتعددة ومتضاربة في "الكتائب" و"الاحرار" والحزب "التقدمي الاشتراكي" والاحزاب اليسارية والحزب "القومي" و"منظمة العمل الشيوعي". وكانت الاحزاب بكلها او جزئها على تناقض مع الامام الصدر، ألم يكن الامام يمثل الطائفة الشيعية في تلك الحقبة؟ هل الحق او السلوك الصحيح هو في الكثرة؟ الامام الصدر كان لوحده، هل يعني انه كان على خطأ؟ خطاب الامام الصدر والشيخ شمس الدين كان يرتكز دوريا على مصطلحين: الوطن والدولة. لقد دعا الشيخ شمس الدين في ذكرى عاشوراء عام 1983 ومن على منبر العاملية، وعلى اثر الاجتياح الاسرائيلي، الى المقاومة المدنية الشاملة وفي ظل دولة ضعيفة. دعا الى قيام الدولة ولم يشتمها لأنه يؤمن بكيان الدولة، لا كما يحصل في هذه الآونة اذ يتم التعرض للدولة وكيانها وتمتهن كل قدراتها.
نعم هناك استحواذ على الخطاب الشيعي، وما يسمع هو الصوت الاعلى والاقوى. كان الشيخ شمس الدين يقول عندما يسأل عن التناقضات الشيعية: "الشيعة بخير"، المجلس يعبّر عن كل القوى، الكل موجود في المجلس الشيعي. اما الآن فهناك استلاب للمجلس ولموقفه الذي ينبغي ان يكون على مسافة واحدة من الجميع او استلاب للسياق السياسي كله. ليس هذا ما رسمه الامام شمس الدين وناضل من اجله وعمل له على مدار السنوات الاربعين الماضية.
[ لماذا لم ينسحب فكر الشيخ محمد مهدي شمس الدين على عموم الشيعة في لبنان لاسيما وانه فكر تنويري يدعو الى الاندماج وعدم اقامة مشاريع خاصة؟
ـ انا لا اعتبر انه حصل غياب لهذا الفكر الاسلامي الشيعي الذي تأسس في المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى، ولا اعتبر انه معدوم بل كامن. كل سلوك او فكرة يحتاج الى آليات، لكن في صيغة النظام اللبناني آليات الحضور اصبحت ملتوية، بحيث تسمح للاقوى ان يحتل كل المساحة، ولا تسمح للاقل قوة او للاضعف وان كان صاحب حق ان يظهر او ان يحتل مساحة معينة. التمثيل حصل مثلا في قانون للانتخاب غير عادل، يسمح بأن تحتل جهة معينة لها افضلية نسبية كل شيء. وانا اردد دوما انه في ظل قانون الاكثري وسياسة المحادل والبوسطات لو ترشح الامام موسى الصدر للانتخابات لا ينجح. فداحة الامر هي على هذا الشكل.
يجب التوقف عن استعمال مصطلح "الشيعة" الكلي في توجيه خطاب او في التعبير عن موقف لجهة سياسية معينة. هناك رأي وفكر وايمان كبير عند الشيعة انهم يريدون الدولة والوطن والاستقرار والانفتاح والشراكة القطْعيّة مع الآخرين وحضور مسيحي ممتاز وتعاون كلي مع المسلمين الآخرين. ان الاشخاص الذين يعبّرون عن هذا الامر بتواصل وانفتاح غير موجودين، لأن هناك حضوراً خارجياً كبيراً داخل البنى الطوائفية عبر الجهات السياسية الاقوى.
الاشكال الآخر ان الكل يعمل خارج الدستور وخارج اتفاق الطائف، لا احد يعمل داخل الدولة، الكل يبرم صفقات. ناس الامام الصدر والشيخ شمس الدين يجلسون الى الطاولات القانونية وحضورهم يكون ضمن بنية الدولة، من هنا كان يقول الشيخ شمس الدين "لا نقبل بأية آلية او اتفاقات خارج الدولة". وكان بعض الجهات يأخذ عليه ويأخذ منه مواقف شديدة. قناعتنا ان الدولة هي الحضن والمطلب والراعية الكبرى للشيعة ولغير الشيعة، لمصلحة الشيعة وغيرهم، والاندماج يتم في الدولة وللدولة. مجلس النواب له دور رقابي كبير وهو ليس سلطة تنفيذية ولا شريكاً لها.
[ هل ترى من يمثلون الشيعة على المستوى السياسي يسبحون خارج فلك الدولة وثقافتها؟
ـ الدولة أصبحت الطرف المستضعف، والبعض يمارس امورا غير مستقيمة تحت عنوان الدولة. المفارقة ان الكل يريد شرعية الدولة. لا مانع لدى الجميع من تحطيم الدولة وصولا الى المنافع ومناطق النفوذ والاستقواء والرغبات الطائفية، لكن يريدون هذه الشرعية، لأنهم يدركون ان كل وجود خارج الدولة لا يكتسب صفة شرعية، الدولة هي التي تضفي هذه الصفة، من هنا يريدون هذا الغطاء. لقد عبّرت مرات عدة لعدد من اعيان الدولة الكبار الذين أحترم ان المخالفات تقع وكنا نراها بأم العين عندما كنت وزيرا. نحن في ازمة سياسية اطرافها ممسكون بأمور البلاد. وان حصلت تسوية كما حصل في التسعينيات بعد الطائف، تقف الدولة على قدميها ولكن يبقى الجميع في حصصهم ومكاسبهم الطائفية.
[ لماذا لا نرى لكم تنسيقا مع أقطاب شيعة خارج الفلك الذي تتحدثون عنه؟
ـ ان الاشخاص الذين يحملون الفكر والنهج نفسه يعرفون بعضهم البعض، ونحن نعرف من الذي يشبهنا ومن الذي لا يشبهنا، والآخرون يعرفون من يشبههم ومن لا يشبههم. التواصل والتلاقي موجودان، لكن ما لا يحصل هو تحويل الامر الى حركية سياسية على الطريقة اللبنانية، وهو ما لا نرغبه لأنني اعتبر ان الشيعة بحاجة الى حزب بالناقص وليس بالزائد، كما اعتبر ان هذا المنحى هو منحى تفتيتي. السياسيون مصلحتهم تخويف الناس للجوء اليهم طلبا للحماية، ومن مصلحة السياسيين ان تبقى نفوس الناس مذعورة، تطلب حمايتهم، ودائماً نلاحظ أن خطاب الجهات العليا، يحمل التهديد والوعيد، والنبرة العالية الشديدة، لتبقى الناس خائفة.
ان مفهوم التكليف هو بيان في أمور، بالمقدار الذي يسمح فيه لبنان، والناس هي من تختار، ولا نستطيع ارغامها على فضيلة أو اي أمر آخر. وهو ليس حزبياً، لأن الحزبية هي ضد فكرة التشيع أصلاً، وحتى ضد الاسلام كلياً، ففي الاسلام لا يوجد ما يسمى بالحزبي. ما معنى الشيعة، وما عنوانها ومرجعيتها؟ هي أهل البيت ـ المعصومون سلام الله عليهم ـ وبسيرة هؤلاء، نسأل أنفسنا من منهم أسس لحزب سياسي، من أمير المؤمنين علي حتى الإمام الثاني عشر (عجل الله فرجه)، علماً انهم يستطيعون ان يأسسوا أبعد من ذلك، ويملكون بعد النظر، ويتقنون الاستراتيجية السياسية، وهم أعلم ناس عصرهم، وأصحاب حق، ومع هذا، لم يدخل أحد منهم في أي صيغة حزبية تناكف الدولة التي كانت موجودة في عصرهم اطلاقاً. فنحن لسنا أفضل منهم مع تعدد الأزمان. علينا لنكون شيعة، التشبه بهم من خلال عملنا السياسي في الحد الادنى، وبالتالي، فكرة الاندماج التي عبّر عنها الشيخ محمد مهدي شمس الدين، هي فكرة أهل البيت، وهي فكرة التشيع أي الإندماج مع الناس، ولهذا انا اعتبر مفهوم "التقية" اندماجاً مع الناس، اي ان نكون مثل الآخرين، فوحدة الأمة التي كان يحافظ عليها أهل البيت هي الوحيدة المقدسة، لأنهم كانوا يدعون شيعتهم إلى الانضمام والاندماج بالمجتمع الاسلامي كله، ضمن الصيغة السياسية التي كانت قائمة، فهم لم يشكلوا ما يسمى بالمعارضة، أو صلات مع الخارج، أما دون ذلك مثل الحكومة والبنى السياسية والحزبية فهي غير مقدسة. وحفظ المجتمع وحفظ الأمة والتنسيق بدءاً من الإمام علي بن أبي طالب إلى آخر الأئمة، تجسد من خلال تقديمهم المشورة الى الخلفاء والأعيان، بحيث كانوا على تواصل كامل ودائم معهم. ليس المطلوب خط شيعي ثالث، بل العودة إلى التشيع الأول، وليس كما يحلو للبعض في السنوات الأخيرة ان يكتب عبارة أين الشيعي الآخر من "شيعة ثانية وثالثة"، ومنهم الاستاذ وليد جنبلاط.
[ أبديتم ملاحظات على اداء المجلس الاسلامي الشيعي، فعلى أي قاعدة أنتم تنتقدون، وهل ترون ان المجلس مغيب في هذه المرحلة او يسبح في فلك خاص بعيدا من الفلك الشيعي الشامل؟
ـ المجلس الشيعي هو المؤسسة المركزية الأولى بناء على الصيغة في لبنان (المسلمون اللبنانيون الشيعة)، وتأسس بسعي كبير ومبارك من السيد موسى الصدر، في العام 1969، وعلى مسافة متساوية من الجميع، لأنه مؤسسة وطنية كبرى لا تأخذ طرفاً. وكان الشيخ شمس الدين يصف هذا النوع من المؤسسات بـ"القائدة في المجتمع اللبناني". القائد يكون دائماً قائداً لجماعة ما، كما عليه ان يكون على مسافة واحدة من الجميع، والشيح شمس الدين ثبت كالسيد موسى على هذا الأمر، فقد عانى الكثير وجرب وهوجم لأنه حرص على ان يكون المجلس معتمداً سياسة المسافة الواحدة بين الجميع.
وبالنسبة إلى الملاحظات، أولاً لا توجد انتخابات، فعلى أي أساس تبقى المؤسسة بعد 10 سنوات على شغور موقع الرئيس، علماً ان احداً لا يستطيع التحجج بأنه لا يمكن اجراء انتخابات لسبب ما. ففي السنوات العشر الاخيرة أجريت انتخابات نيابية مرتين على مستوى الوطن، وانتخابات بلدية لكامل لبنان في يوم واحد، إضافة إلى العدد من الانتخابات النقابية والطالبية، وبالتالي الامر ممكن في المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى وليس مستحيلا.
ثانيا، البعض لا يزال يتحجج بأن الهيئة الناخبة كبيرة جداً، فمنذ السبعينيات، كان عددهم يبلغ نحو 1500 ناخب، وارتفع هذا العدد إلى 25 أو 30 ألفاً، فمتى كان العدد يمثل مشكلة لوجستية؟. كما لدينا جهات داخل الطائفة تتباهى بحق، ان باستطاعتها تنظيم تظاهرات ومسيرات ونشاطات تضم مئات الآلاف، فهل نعجز عن تنظيم انتخابات تحوي 25 ألف ناخب؟. الحجة التي نسمعها دائماً، ان الهيئة العامة الناخبة داخل الشيعة كبيرة جداً، وكذلك الأمر المضحك والمستغرب جداً، ان بعض السياسيين الشيعة يناكف لبنانيين آخرين بحجة العدد، ويتباهى بأنه الأكثرية، بحيث ان الحضور العددي عليه ان يشكل ثقلاً وتعبيراً وانعكاساً في هذه الصيغة السياسية في لبنان، وهذا ما يخلق التوتر. عندما يأتي الوقت، أو الاطار الذي تستفيد فيه الطائفة الشيعية من عددها، نسمع من الداخل ان هذا العدد كبير وعلينا تصغير عدد الهيئة الناخبة.
علينا ان نعلم كيف سيتشكل الجسم العلمائي في الطائفة الشيعية، فالصيغة الموجود فيها المجلس من حيث وضعه القانوني ليست سليمة، كما ان رئاسة المجلس انتهت مدتها منذ 6 سنوات تقريبا، وكذلك الهيئة التنفيذية المدنية التي تبلغ 12 عضواً، انتهت مدتها، والهيئة الشرعية ايضاً. لا شرعية قانونية للمجلس كما هو قائم اليوم، ويمكن الطعن في كل شيء تصدر عنه قرارات لها علاقة بالبنية الشيعية الداخلية (أوقاف، ادارة أموال)، فالمجلس لا يظهر انه على مسافة واحدة من الجميع على المستوى الشيعي، لأنه أصبح مهيمناً عليه، خلافاً لمصلحة الشيعة الخاصة، ومع الآخرين، وخلافاً لمصلحة المجلس كمؤسسة أراد لها مؤسسها الأول ان تكون ذات دور وطني تواصلي مع الآخرين، تحل المشكلات والخلافات ويكون لها دور ايجابي في أزمات التواصل، فنلاحظ انه اصبح منصة لاصدار بيانات سياسية ولمناكفات مع جهات دينية أخرى، وهذا أمر لا يليق لا بالشيعة ولا بوضعهم ولا بكرامتهم.
والمسؤولية الأولى تقع على القوى السياسية التي تمسك به، ورجال الدين الصامتين الذين لا يتدخلون بأي شيء، ويبدو انهم خائفين من أمر يؤثر في مصالحهم.
الصفحات
▼
الثلاثاء، 11 يناير 2011
برنامج عملي للوحدة الوطنية
نحتاج لمعالجة التداخل المربك بين الديني والمجال العام
د. هشام جعفر
من الملاحظات الجديرة بالتأمل في الواقع المصري اليوم هو بروز ظاهرة ما أطلق عليه «فائض التدين» وأقصد بها ذلك التداخل المربك بين الديني وبين المجالات الأخرى ثقافية وسياسية واقتصادية.. إلخ.
ويعد المثل الأبرز لهذا التضخم هو ذلك التضخم في استخدام المفردات والرموز الدينية في المجال العام، وتمثل ظاهرة الفتاوى الدينية: مسيحية ومسلمة أحد أهم تجليات ذلك التضخم. بالإضافة لوجود مجموعة استقطابات حادة على أسس دينية، حيث لم تعد الهوية الدينية أحد دوائر الانتماء العديدة التي تثرى «الهوية المصرية» وترسم مجالها الحيوي، بل على العكس؛ أصبح الانتماء الديني نفيا للآخر في الوطن الواحد.
وقد أنتجت ظاهرة «فائض التدين» مجموعة من الظواهر الثقافية الخطيرة، منها:
1. الحساسية للاختلاف الديني والثقافي: بمعنى عدم الاعتراف بالاختلاف أو القبول به، ناهيك عن احترامه.
2. التمركز حول الذات الثقافية – الدينية: بمعنى الحكم على الآخرين وفق المعايير الثقافية التي تحولت إلى معايير ضيقة.
3. التمييز: التفرقة في المعاملة.
4. التحامل: تشكيل لرأي أو موقف شعوري دون سبب أو تفكير مسبق أو معرفة كافية.
5. النمطية والتعميم الثقافي – الديني: أي النظر إلى المسلمين والمسيحيين باعتبارهم كتلا مصمتة لا تحوى داخلها أي اختلاف أو تنوع.
هذا التحليل الثقافي يجعل قيمة التنوع أحد أهم قيم التنشئة في المجتمع المصري. فالتنوع في جوهره يعنى التسليم بالاختلاف، التسليم به واقعا لا يسع عاقلا إنكاره، والتسليم به حقا للمختلفين لا يسع أحد أو سلطة حرمانهم منه.
يجب أن يُعطى للتنوع مشروعيته في الثقافة المصرية السائدة، ويستلزم الاعتراف بهذه المشروعية التسليم بحق المختلفين في التعبير عن اختلافهم. فالتنوع في جوهره يعنى ثلاثة أشياء، هي:
1. الاعتراف بوجود تنوع في مجتمع ما.
2. احترام هذا التنوع وما يترتب عليه من اختلاف.
3. إيجاد صيغ ملائمة للتعبير عن ذلك بحرية، وبشكل يحول دون نشوب صراع يهدد سلامة المجتمع.
ولكن كيف يمكن أن نصل إلى تسهيل عملية التواصل بين الحدود الثقافية - الدينية تمهيدا للوصول إلى حالة التناغم الثقافي التي كانت سائدة في المجتمع المصري؟ وبرأيي أن السبيل للوصول لحالة التناغم الثقافي تلك علينا اعتماد برنامج يستدعي بفاعلية الآليات التالية:
1. الوعي: وهى النقطة التي ندرك عندها أن هناك ما هو إيجابي خارج نماذجنا الثقافية - الدينية.
2. الفهم: وهى النقطة التي ندرك فيها أهمية القيم الإيجابية الكائنة بثقافة الآخر، وندرك سبب وجودها.
3. القبول: عندما ندرك أنه ينبغي علينا السماح لأصحاب الثقافات الأخرى بأن يعيشوا كما يرغبون، وليس كما نرغب نحن.
4. التقدير: وهى النقطة التي نبدأ عندها رؤية القيمة الإيجابية في الأمور التي تقع خارج نماذجنا الثقافية - الدينية الخاصة.
5. التناغم الثقافي: عندما نبدأ في دمج خبراتنا مع مجموعة متنوعة من الخبرات الثقافية الموجودة في المجتمع.
وهذا يتطلب:
1. الانتقال بالديني إلى المدني، أي خلق مجال مدني مشترك يتحرك فيه الجميع مساهمين وفق نماذجهم الثقافية - الدينية في حل مشكلات مجتمع يعانى أزمات عدة متصاعدة.
2. استدماج قيمة التنوع في مجالات ثلاثة: التعليم - الخطاب الديني - التنشئة في الأسر المصرية.
د. هشام جعفر
من الملاحظات الجديرة بالتأمل في الواقع المصري اليوم هو بروز ظاهرة ما أطلق عليه «فائض التدين» وأقصد بها ذلك التداخل المربك بين الديني وبين المجالات الأخرى ثقافية وسياسية واقتصادية.. إلخ.
ويعد المثل الأبرز لهذا التضخم هو ذلك التضخم في استخدام المفردات والرموز الدينية في المجال العام، وتمثل ظاهرة الفتاوى الدينية: مسيحية ومسلمة أحد أهم تجليات ذلك التضخم. بالإضافة لوجود مجموعة استقطابات حادة على أسس دينية، حيث لم تعد الهوية الدينية أحد دوائر الانتماء العديدة التي تثرى «الهوية المصرية» وترسم مجالها الحيوي، بل على العكس؛ أصبح الانتماء الديني نفيا للآخر في الوطن الواحد.
وقد أنتجت ظاهرة «فائض التدين» مجموعة من الظواهر الثقافية الخطيرة، منها:
1. الحساسية للاختلاف الديني والثقافي: بمعنى عدم الاعتراف بالاختلاف أو القبول به، ناهيك عن احترامه.
2. التمركز حول الذات الثقافية – الدينية: بمعنى الحكم على الآخرين وفق المعايير الثقافية التي تحولت إلى معايير ضيقة.
3. التمييز: التفرقة في المعاملة.
4. التحامل: تشكيل لرأي أو موقف شعوري دون سبب أو تفكير مسبق أو معرفة كافية.
5. النمطية والتعميم الثقافي – الديني: أي النظر إلى المسلمين والمسيحيين باعتبارهم كتلا مصمتة لا تحوى داخلها أي اختلاف أو تنوع.
هذا التحليل الثقافي يجعل قيمة التنوع أحد أهم قيم التنشئة في المجتمع المصري. فالتنوع في جوهره يعنى التسليم بالاختلاف، التسليم به واقعا لا يسع عاقلا إنكاره، والتسليم به حقا للمختلفين لا يسع أحد أو سلطة حرمانهم منه.
يجب أن يُعطى للتنوع مشروعيته في الثقافة المصرية السائدة، ويستلزم الاعتراف بهذه المشروعية التسليم بحق المختلفين في التعبير عن اختلافهم. فالتنوع في جوهره يعنى ثلاثة أشياء، هي:
1. الاعتراف بوجود تنوع في مجتمع ما.
2. احترام هذا التنوع وما يترتب عليه من اختلاف.
3. إيجاد صيغ ملائمة للتعبير عن ذلك بحرية، وبشكل يحول دون نشوب صراع يهدد سلامة المجتمع.
ولكن كيف يمكن أن نصل إلى تسهيل عملية التواصل بين الحدود الثقافية - الدينية تمهيدا للوصول إلى حالة التناغم الثقافي التي كانت سائدة في المجتمع المصري؟ وبرأيي أن السبيل للوصول لحالة التناغم الثقافي تلك علينا اعتماد برنامج يستدعي بفاعلية الآليات التالية:
1. الوعي: وهى النقطة التي ندرك عندها أن هناك ما هو إيجابي خارج نماذجنا الثقافية - الدينية.
2. الفهم: وهى النقطة التي ندرك فيها أهمية القيم الإيجابية الكائنة بثقافة الآخر، وندرك سبب وجودها.
3. القبول: عندما ندرك أنه ينبغي علينا السماح لأصحاب الثقافات الأخرى بأن يعيشوا كما يرغبون، وليس كما نرغب نحن.
4. التقدير: وهى النقطة التي نبدأ عندها رؤية القيمة الإيجابية في الأمور التي تقع خارج نماذجنا الثقافية - الدينية الخاصة.
5. التناغم الثقافي: عندما نبدأ في دمج خبراتنا مع مجموعة متنوعة من الخبرات الثقافية الموجودة في المجتمع.
وهذا يتطلب:
1. الانتقال بالديني إلى المدني، أي خلق مجال مدني مشترك يتحرك فيه الجميع مساهمين وفق نماذجهم الثقافية - الدينية في حل مشكلات مجتمع يعانى أزمات عدة متصاعدة.
2. استدماج قيمة التنوع في مجالات ثلاثة: التعليم - الخطاب الديني - التنشئة في الأسر المصرية.