الياس خوري
لم ار بيروت حزينة كما اليوم.
لم ارها عاجزة عن الكلام، وغارقة في الخجل مثلما هي اليوم.
حتى عندما كانت تحت القصف والخوف، لم تكن بيروت خائفة كخوفها اليوم.
لا، هذه ليست بيروت.
هذه مدينة لا تشبه بيروت، مدينة تختنق فيها الكلمات ولا تجد فيها الحرية زاوية تلتجىء اليها.
هذه مدينة مخجلة ومتواطئة مع القاتل.
بيروت تعرف ان الصمت مشاركة في الجريمة، ومع ذلك تصمت.
في الشام يقتل شعب بالرصاص وتداس وجوه الناس بالأحذية، في الشام شعب كامل ينتفض لكرامته وحريته وحقه في الحياة.
والشام ليست بعيدة عن بيروت، ولكن بيروت تبتعد عن نفسها.
صحافتها نصف صامتة، واعلامها اخرس، واذا تكلمت فالخجل يتكلم من خلالها وليس الحرية.
ساحاتها خالية، واذا جرؤ بعض الشبان والشابات على تنظيم اعتصام صغير صامت، كي يضيئوا الشموع تحية لأرواح الشهداء في سورية، يأتي شبيحة النظام الأمني المشترك ويدوسون الشموع، ويزأرون بهتافات تمجد الديكتاتور.
مثقفوها يدارون خجلهم وصمتهم متعللين بالظروف، وان حكى بعض الشجعان فيهم، فان كلامه لا يبرىء الصمت من صمته.
هذه ليست بيروت.
اما السياسيون فيتصرفون كرجال المافيا. يتغرغرون بكلام سمج عن عدم التدخل في الشؤون الداخلية السورية، بينما يعرقل رجال الأمن قدوم اللاجئين السوريين الهاربين من المذبحة.
الأمن الموازي يهدد السوريين في لبنان، ويتم احصاء النازحين، وتوجه الاهانة الى من اثبت انه شعب على استعداد للموت كي لا يهان.
لن اتحدث عن ابطال 'الممانعة'، لن اسأل المقاومين كيف يغمضون عيونهم. فأنا اعرف ان الطائفية لا تغلق عيون اللبنانيين فقط بل تحولهم الى عنصريين.
كل طائفي عنصري، وكل بنية طائفية هي شكل عنصري.
لن اسأل زعماء الطوائف عن صمتهم، فالأفضل ان يصمتوا، بعدما استمعنا الى ما قالوه عبر فضيحة وثائق ويكيليكس.
والطائفيون يكررون اليوم خطيئتهم الأصلية.
حلفاء النظام السوري مخطئون في حماستهم لنظام يترنح، لأنهم يخافون من ان يكون سقوطه مقدمة لاسقاط هيمنتهم السياسية التي هي الاسم الآخر لفسادهم ونهبهم.
واعداء النظام السوري مخطئون في انتظاريتهم، لأنهم ينتظرون اشارة لم تأت من سيدهم السعودي، وهم متخوفون من اللا قرار الامريكي حول مصير النظام، ومن التعاطف الاسرائيلي مع نظام شرح لنا المليونير رامي مخلوف معانيه.
كل هذه الحثالة من السياسيين تتلوث اليوم بعار الصمت والتواطؤ.
الشعب السوري في انتفاضته البطولية المجيدة، في صبره وتفانيه وشجاعته، يعلن فضيحة مزدوجة: فضيحة النظام السوري بالقمع الوحشي والدم المراق، وفضيحة النظام اللبناني بالجبن والسفاهة.
نستطيع ان نحلل اسباب هذا الصمت المتذاكي، او اسباب الدعم المتغابي للنظام السوري، كما نستطيع ان نفهم ان لبنان الذي استطاعت الطوائف اجهاض استقلاله وتحجيم مقاومته وتصغيرها، بات عاجزا ومشلولا وفاقد الارادة.
لكنني لا استطيع ان افهم لماذا تنتحر بيروت بالصمت.
المدينة التي قاومت الغزاة الاسرائيليين واحتملت القصف والجوع والحصار، تبدو اليوم خائفة من مجموعة من الزعران والبلطجية الذين يصادرون صوتها.
شارع الحمرا، الذي كان عنوانا ثقافياً للحرية تستولي عليه مجموعة من الفاشيين الذين يروعون الناس بأسلحتهم الجاهزة للاستعمال.
هذه البيروت ليست بيروتنا،
وهذه الصورة الخانعة لثقافة الصمت ليست ثقافتنا،
وهذه اللامبالاة الذليلة ليست لا مبالاتنا.
لا اعرف كيف اداري خجلي من نفسي ومنكم ايها الناس.
السوريون والسوريات يواجهون القمع بالموت، اما بيروت التي استقالت من نفسها، وصارت مجرد زواريب للطائفيين والفاشيين فانها تموت من دون ان تواجه، تنتحر ويُنحر صوتها على مذبح الخوف والمهانة.
لا اعرف كيف انهي هذا المقال، فلقد بدأت في كتابته كرسالة اعتذار من بيروت الى دمشق، وكوعد بأن لقاء الحرية لا بد وان يجمع المدينتين اللتين عانتا كثيرا من القمع والترهيب.
كنت اريد ان استعيد صوت سمير قصير الذي كان اول من زرع ياسمين الحرية في الشام، وروى بدمه ربيع العرب قبل ان يبدأ.
لكنني عاجز عن الكلام.
اشعر بالعار والعجز، واحس ان صوتي يختنق، وان بيروت التي كتبتها وكتبتني تتلاشى امام عيني، وانا ارى كيف تغرق المدينة في الخوف وتفترسها اللامبالاة.
لكن رغم القمع والخوف فان لا شيء يستطيع ان يمحو واقعا مشتركا تعيشه المدينتان المسورتان بالتخويف.
سوف يفي الوعد بوعوده، وسيحملنا الحلم صوب الشام وفلسطين.
اما مرحلة هيمنة الخوف فستنطوي كذاكرة لا نريد لها ان تعود.
الصفحات
▼
الأربعاء، 25 مايو 2011
من رسالة إدوارد سعيد إلى المثقفين العرب
الرسالة مقتطعة من كتاب «صور المثقف» (دار النهار)
ان ما أسعى إليه، هو وجوب بقاء المثقف أمينا لمعايير الحق الخاصة بالبؤس الإنساني والاضطهاد، رغم انتسابه الحزبي، وخلفيته القومية، وولاءاته الفطرية... على المثقف المجازفة في سبيل تجاوز اليقينيات السهلة التي توفرها خلفيتنا، ولغتنا، وقوميتنا، كما تعني البحث عن معيار واحد للسلوك البشري ومحاولة الحفاظ عليه، عندما يتعلق الأمر بمسائل مثل السياسة الخارجية والاجتماعية. ويتحتم علينا بالتالي، إن كنا ندين عملاً عدوانيا يقوم به عدو، دونما مبرر، ان نقدر أيضاً على اتخاذ الموقف عينه عندما تنتهك حكومتنا حرمة فريق أضعف.
إن المثقف وُهب ملكة عقلية لتوضيح رسالة، أو وجهة نظر، أو موقف، أو فلسفة، أو رأي، أو تجسيد أي من هذه، لجمهور ما، وايضاً نيابة عنه. ولا يمكن القيام به من دون شعور المرء (المثقف) بأنه إنسان، مهمته أن يطرح علنا للمناقشة أسئلة محرجة، ويكون شخصاً ليس من السهل على الحكومات أو الشركات استيعابه، وأن يكون مبرر وجوده تمثيل كل تلك الفئات من الناس والقضايا التي تُنسى وتُغفل قضاياها بشكل روتيني... ان الانتهاكات المتعمدة أو الناجمة عن إهمال هذه المعايير يجب ان يشهد ضدها وان تحارب بشجاعة.
إن أقل ما يجدر المثقف عمله ان يكون همه إرضاء جمهوره: فالعبرة الأساسية برمتها ان يكون محرجاً، ومناقضا، بل حتى مكدراً للصفو العام
... وجوهر الأمر ان المثقف، حسب مفهومي للكلمة، لا هو عنصر تهدئة ولا هو خالق اجماع، وإنما هو إنسان يراهن بكينونته كلها على حس نقدي، على الإحساس بأنه على غير استعداد للقبول بالصيغ السهلة، أو الأفكار المبتذلة الجاهزة، أو التأكيدات المتملقة والدائمة لما يريد الأقوياء التقليديون قوله، ولما يفعلونه. ويجب ألا يكون عدم الاستعداد هذا مجرد رفض مستتر هامد، بل ان يكون رغبة تلقائية نشطة في الإفصاح عن ذلك علنا... ولا يعني هذا الأمر دوما ان يكون المثقف ناقداً لسياسة الحكومة، بل ان يرى المهنة الفكرية حفاظاً على حالة اليقظة المتواصلة ومن الرغبة الدائمة في عدم السماح لأنصاف الحقائق والأفكار التقليدية بأن تسيِّر المرء معها.
يقول اورويل: «ان اللغة السياسية، مصممة لجعل الأكاذيب تبدو صادقة، والإجرام يبدو جديراً بالاحترام، ولكي تضفي مظهر الحصافة على الهراء البحت.
إن مشكلة الولاء محدقة دائما بالمثقف وتتحداه بدون رحمة. وكلنا بلا استثناء منتمون إلى جماعة قومية، أو دينية، أو عرقية ما: فما من أحد، مهما كان مقدار الإصرار على عكس ذلك، يعلو فوق الروابط العضوية التي تشد المرء إلى العائلة والجماعة، وبالتأكيد إلى الجنسية... ان الشعور بأن شعبك مهدد بالانقراض السياسي، بل بالانقراض الفعلي أحياناً، يلزمك بالدفاع عنه، وببذل أقصى طاقتك لحمايته، أو لمقاتلة أعداء الأمة. (كالحالة الفلسطينية مثلاً).
الخطر الهام الذي يتهدد المثقف هذه الأيام، لا يكمن في الأكاديميا، أو الضواحي، أو الروح التجارية المروعة للصحافة ودور النشر، وإنما في مسلك سوف أسميه الاحترافية... وهو اعتبار وظيفتك كمثقف تؤديها كسباً للرزق.
ان تخدم السلطة وتكسب منها المكافآت، لا يساعد اطلاقاً على ممارسة الروح النقدية والمستقلة نسبياً للتحليل وإصدار الأحكام، التي يتحتم أن تكون، من وجهة نظري، إسهام المثقف. المثقف الحقيقي الحق، ليس موظفاً أو مستخدماً منقطعاً كليا لأهداف سياسة حكومة أو شركة كبرى... في مثل هذه الحالات، فإن الإغراءات التي يواجهها المرء لإخماد حسه الأخلاقي، أو لإجباره على التفكير ملياً من داخل حقل اختصاصه، أو لكبحِ الشك داخله لمصلحة الخضوع للأعراف، هي فعلا كثيرة، ولذلك ينبغي الحذر الدائم.
... إن حرية الرأي والتعبير المتصلبة هي المعقل الرئيس للمثقف العلماني، فالتخلي عن حمايته أو تحمل العبث بأي من أساساته، هو في الواقع خيانة لرسالة المثقف... فحرية التعبير، لا يمكن نشدانها اجحافيا في منطقة ما وإغفالها في أخرى... ومن أكثر المناورات الفكرية خسة، التحدث بعجرفة عن انتهاكات في مجتمع الغير، وتبرير الممارسات ذاتها في مجتمع المرء نفسه (يمكن تعميم ذلك على السلطات والأنظمة)... إذا رغبت في دعم العدالة الإنسانية الأساسية فعليك أن تدعمها للجميع، وليس فقط انتقائيا لمن تصنفهم جماعتك، أو حضارتك، أو أمنك، أهلاً لها.
هل من الجائز للمثقف المعاصر، الذي يعيش في زمن مرتبك فعلاً نتيجة اختفاء ما يبدو انها كانت معايير أخلاقية موضوعية وسلطة واعية، ان يكتفي، ببساطة، إما بتقديم الدعم الأعمى لسلوك بلاده (أو نظامه) والتغاضي عن جرائمها وإما القول بدون مبالاة مثلا: «أعتقد أنهم كلهم يفعلون ذلك، وأن هذه هي حال الدنيا». ما يجب ان نكون قادرين على قوله، بدل ذلك، هو ان المثقفين ليسوا محترفين مسختهم خدمتهم المتزلفة لسلطة فائقة العيوب، بل هم، مثقفون في موقع يتيح المجال للاختيار، ويقوم أكثر من غيره على المبادئ، بحيث يمكنهم قول الحق في وجه السلطة..
إذا أردت أن تراعي ولي نعمتك، فلن تستطيع ان تفكر كمثقف، انما فقط كمريد، أو كتابع، لا تغيب عن ذهنك فكرة ان عليك أن تُعجب لا تُغضب... ان التبعية العمياء للسلطة في عالم اليوم، هي أفدح الأخطار التي تهدد كينونة حياة فكرية أخلاقية نشطة.
ان ما أسعى إليه، هو وجوب بقاء المثقف أمينا لمعايير الحق الخاصة بالبؤس الإنساني والاضطهاد، رغم انتسابه الحزبي، وخلفيته القومية، وولاءاته الفطرية... على المثقف المجازفة في سبيل تجاوز اليقينيات السهلة التي توفرها خلفيتنا، ولغتنا، وقوميتنا، كما تعني البحث عن معيار واحد للسلوك البشري ومحاولة الحفاظ عليه، عندما يتعلق الأمر بمسائل مثل السياسة الخارجية والاجتماعية. ويتحتم علينا بالتالي، إن كنا ندين عملاً عدوانيا يقوم به عدو، دونما مبرر، ان نقدر أيضاً على اتخاذ الموقف عينه عندما تنتهك حكومتنا حرمة فريق أضعف.
إن المثقف وُهب ملكة عقلية لتوضيح رسالة، أو وجهة نظر، أو موقف، أو فلسفة، أو رأي، أو تجسيد أي من هذه، لجمهور ما، وايضاً نيابة عنه. ولا يمكن القيام به من دون شعور المرء (المثقف) بأنه إنسان، مهمته أن يطرح علنا للمناقشة أسئلة محرجة، ويكون شخصاً ليس من السهل على الحكومات أو الشركات استيعابه، وأن يكون مبرر وجوده تمثيل كل تلك الفئات من الناس والقضايا التي تُنسى وتُغفل قضاياها بشكل روتيني... ان الانتهاكات المتعمدة أو الناجمة عن إهمال هذه المعايير يجب ان يشهد ضدها وان تحارب بشجاعة.
إن أقل ما يجدر المثقف عمله ان يكون همه إرضاء جمهوره: فالعبرة الأساسية برمتها ان يكون محرجاً، ومناقضا، بل حتى مكدراً للصفو العام
... وجوهر الأمر ان المثقف، حسب مفهومي للكلمة، لا هو عنصر تهدئة ولا هو خالق اجماع، وإنما هو إنسان يراهن بكينونته كلها على حس نقدي، على الإحساس بأنه على غير استعداد للقبول بالصيغ السهلة، أو الأفكار المبتذلة الجاهزة، أو التأكيدات المتملقة والدائمة لما يريد الأقوياء التقليديون قوله، ولما يفعلونه. ويجب ألا يكون عدم الاستعداد هذا مجرد رفض مستتر هامد، بل ان يكون رغبة تلقائية نشطة في الإفصاح عن ذلك علنا... ولا يعني هذا الأمر دوما ان يكون المثقف ناقداً لسياسة الحكومة، بل ان يرى المهنة الفكرية حفاظاً على حالة اليقظة المتواصلة ومن الرغبة الدائمة في عدم السماح لأنصاف الحقائق والأفكار التقليدية بأن تسيِّر المرء معها.
يقول اورويل: «ان اللغة السياسية، مصممة لجعل الأكاذيب تبدو صادقة، والإجرام يبدو جديراً بالاحترام، ولكي تضفي مظهر الحصافة على الهراء البحت.
إن مشكلة الولاء محدقة دائما بالمثقف وتتحداه بدون رحمة. وكلنا بلا استثناء منتمون إلى جماعة قومية، أو دينية، أو عرقية ما: فما من أحد، مهما كان مقدار الإصرار على عكس ذلك، يعلو فوق الروابط العضوية التي تشد المرء إلى العائلة والجماعة، وبالتأكيد إلى الجنسية... ان الشعور بأن شعبك مهدد بالانقراض السياسي، بل بالانقراض الفعلي أحياناً، يلزمك بالدفاع عنه، وببذل أقصى طاقتك لحمايته، أو لمقاتلة أعداء الأمة. (كالحالة الفلسطينية مثلاً).
الخطر الهام الذي يتهدد المثقف هذه الأيام، لا يكمن في الأكاديميا، أو الضواحي، أو الروح التجارية المروعة للصحافة ودور النشر، وإنما في مسلك سوف أسميه الاحترافية... وهو اعتبار وظيفتك كمثقف تؤديها كسباً للرزق.
ان تخدم السلطة وتكسب منها المكافآت، لا يساعد اطلاقاً على ممارسة الروح النقدية والمستقلة نسبياً للتحليل وإصدار الأحكام، التي يتحتم أن تكون، من وجهة نظري، إسهام المثقف. المثقف الحقيقي الحق، ليس موظفاً أو مستخدماً منقطعاً كليا لأهداف سياسة حكومة أو شركة كبرى... في مثل هذه الحالات، فإن الإغراءات التي يواجهها المرء لإخماد حسه الأخلاقي، أو لإجباره على التفكير ملياً من داخل حقل اختصاصه، أو لكبحِ الشك داخله لمصلحة الخضوع للأعراف، هي فعلا كثيرة، ولذلك ينبغي الحذر الدائم.
... إن حرية الرأي والتعبير المتصلبة هي المعقل الرئيس للمثقف العلماني، فالتخلي عن حمايته أو تحمل العبث بأي من أساساته، هو في الواقع خيانة لرسالة المثقف... فحرية التعبير، لا يمكن نشدانها اجحافيا في منطقة ما وإغفالها في أخرى... ومن أكثر المناورات الفكرية خسة، التحدث بعجرفة عن انتهاكات في مجتمع الغير، وتبرير الممارسات ذاتها في مجتمع المرء نفسه (يمكن تعميم ذلك على السلطات والأنظمة)... إذا رغبت في دعم العدالة الإنسانية الأساسية فعليك أن تدعمها للجميع، وليس فقط انتقائيا لمن تصنفهم جماعتك، أو حضارتك، أو أمنك، أهلاً لها.
هل من الجائز للمثقف المعاصر، الذي يعيش في زمن مرتبك فعلاً نتيجة اختفاء ما يبدو انها كانت معايير أخلاقية موضوعية وسلطة واعية، ان يكتفي، ببساطة، إما بتقديم الدعم الأعمى لسلوك بلاده (أو نظامه) والتغاضي عن جرائمها وإما القول بدون مبالاة مثلا: «أعتقد أنهم كلهم يفعلون ذلك، وأن هذه هي حال الدنيا». ما يجب ان نكون قادرين على قوله، بدل ذلك، هو ان المثقفين ليسوا محترفين مسختهم خدمتهم المتزلفة لسلطة فائقة العيوب، بل هم، مثقفون في موقع يتيح المجال للاختيار، ويقوم أكثر من غيره على المبادئ، بحيث يمكنهم قول الحق في وجه السلطة..
إذا أردت أن تراعي ولي نعمتك، فلن تستطيع ان تفكر كمثقف، انما فقط كمريد، أو كتابع، لا تغيب عن ذهنك فكرة ان عليك أن تُعجب لا تُغضب... ان التبعية العمياء للسلطة في عالم اليوم، هي أفدح الأخطار التي تهدد كينونة حياة فكرية أخلاقية نشطة.