الصفحات

الأحد، 5 يونيو 2011

الدين السياسي للشيعة اللبنانيين هو الدولة العـادلة للمواطنيـن الأحرار

ابراهيم شمس الدين لـ"اخبار اليوم:
أوضح الوزير السابق إبراهيم شمس الدين أنه مجرّد إنعقاد القمّة الروحية المسيحية – الإسلامية في بكركي هو أمر حسن وايجابي، كذلك مناسبة عقدها حسنة، لأنه مرّ فترة غير قصيرة على آخر قمة روحية. ولفت شمس الدين الى أن هناك عناصر جديدة فرضت عقد القمة وهي وجود بطريرك جديد، يضاف الى ذلك الوضع الصعب الذي يمرّ به لبنان. وأضاف: هذا الوضع صعب لكنه ليس معقّدا إذا الجميع ساروا في الحلول الصحيحة.
وفي حديث الى وكالة "أخبار اليوم"، اشار شمس الدين الى وجود قضايا تحتاج الى حلول وآليات، لافتاً الى ان كل السياسيين يحتاجون بين فترة وأخرى الى تنبيه او الى تذكير بأنهم ليسوا وحدهم من يمسكون بأمور البلد، بل هناك حرّاس – إذا جاز التعبير – وهم المؤسسات القائدة في المجتمع. وتابع: هذه المؤسسات يتوقّع منها أمر مطلوب بعد ان تجتمع وتقول كلمتها وتعطي رأيها في ما تعتبر انه يحتاج الى تقويم وتصحيح ولفت نظر. واعتبر شمس الدين ان بيان القمّة ليس بالضرورة دائماً ان يذكر المسلّمات البديهية والمقبولة والمعروفة، بل يجب ان يكون هناك شيء جديد ذو فائدة.
ورحّب شمس الدين بفكرة عقد القمة بشكل متكرر في مسافات زمنية محدّدة ويحصل لها متابعة وتحضيرات، قائلاً: هذا أمر نؤيده جداً، علماً انه كان اقتراحاً من الإمام محمد مهدي شمس الدين في ان تكون هناك أمانة عامة للقمة الروحية اللبنانية، وهذا الأمر مذكور في وصايا الإمام. وأمل، مع انتخاب البطريرك الجديد، حصلت إشارة لهذا الأمر، كما هناك إشارة مماثلة من قبل مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني.وذكّر ان الإمام شمس الدين كان أبرز أركان القمة الروحية اللبنانية، ومن ممهّدي السبيل لها. وقال: لدينا أمل ورجاء مع البطريرك الجديد ومع القمة الروحية ان تشكل هذه الأمانة العامة الدائمة وليس فقط لجنة الحوار، لأن الأمانة العامة تعتبر مؤسسة تنظيم التحضيرات وتجمع المعلومات وتقيم التواصل الأولي.
ورداً على سؤال، أبدى شمس الدين تفاجؤه للبيان الصادر عن المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، حيث حُضّر لهذه القمة منذ أسابيع عدّة، وفي الأيام الثلاثة الأخيرة قبل عقدها كان البيان موضوع تداول بين أركان القمة ومستشاريهم. وقال: عقدت القمّة وكل شيء كان جاهز ومتفق عليه، وبالتالي بيان المجلس الشيعي شكّل نوع من الصدمة او المفاجأة. وأضاف: عندما استمعت الى بيان القمة الروحية، الذي تلاه أمين عام لجنة الحوار الإسلامي المسيحي محمد السمّاك ذكر تعبيري الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي والصراع العربي – الإسرائيلي. ولكن ما قرأته بالصحف اليوم هو الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. وفي هذه النقطة نشير الى أن القضية الفلسطينية هي قضية عربية، فللفلسطينيين علاقة بالبعد العربي وباحتلال أرضهم. وعندما يحصل تخصيص "فلسطيني – اسرائيلي" يظهر وكأن هناك تحييد العرب الآخرين عن مسؤولياتهم، او محاصرة او عزل للفلسطينيين كي يدبّروا أمورهم بنفسهم حيث بالأصل هذا الأمر غير صائب وغير صحيح. وأضاف: لكن لا اعتقد ان هناك سوء نيّة في هذا الشأن.
ثم تحدث شمس الدين عن "حق الدولة" في تحرير أراضيها الواردة في بيان القمة، موضحاً ان الدولة هي التي تمثّل لبنان. لبنان هو وطن، وللوطن ثلاثة ركائز: أرض وشعب ودولة. ولا يوجد وطن بلا دولة.وتابع: الدولة وفق الآليات الصحيحة هي التي تمثّل كل الوطن وكل الشعب، وعليها تقع كل المسؤوليات، وبها منوط الدفاع والتحرير وحماية حياة الناس. فهذه الأمور من واجباتها وتعاقب في حال لم تؤدّها، وهي لا تعاقب كمؤسسة إنما كرجال الذين يحصل استبدالهم ضمن مفهوم تداول السلطة. ولفت شمس الدين الى إطار الشرعية الذي يجب ان يبقى كما هو ضمن صيغة النظام الديموقراطي. واضاف: عندما يحصل تحديدا ان المقصود بلبنان "هو الجيش والشعب والمقاومة" يحصل استثناء للدولة او إخراجها من المعادلة والواجب والمسؤولية، وبالتالي عدم الإعتراف بها، وهذا الأمر ينقلها الى المصطلح الثلاث "الجيش والشعب والمقاومة"، وهذا أمر غير مقبول. وتابع: قد يكون هناك شعب بلا جيش، ولكن لا يمكن ان يكون هناك جيش بلا دولة مهما كانت صيغة الجيش. وأوضح ان المقاومة تنبثق من الشعب وتمثله فيه، ولا يوجد مؤسسة إسمها مقاومة، لافتاً الى أن المقاومة هي حاجة الوطن حيث أحد مكوّناته الشعب.
واعتبر شمس الدين انه إذا كان الجيش مستقلاً وخارج عن إطار الدولة هو أمر لا معنى له. فمفهوم الجيش انه لا يكون إلا في دولة. فالجيش خارج الدولة يصبح مجموعة مرتزقة منظّمة. وأكد ان الجيش هو أحد مؤسسات الشعب، أما المقاومة، فهي تعبير عن حاجة الشعب عند حدث معيّن هو الإحتلال.وقال: التفسير في بيان المجلس الشيعي يعطي الإنطباع السلبي، وكأنه يُتعمّد ان لا يكون هناك ذكر للدولة إسماً بما هي كمفهوم. لأن التفسير القاضي بأن لبنان له الحق بتحرير أرضه لأنه يعني جيش وشعب ومقاومة، فكأنّ المطلوب هنا عدم ذكر الدولة وهذا مخالف لأطروحة اي وطن، ومخالف لأطروحة الفكر السياسي في لبنان، ومخالف لأطروحة الفكر السياسي الشيعي اللبناني تحديداً، وأكثر خصوصية، مخالف لأطروحة الفكر السياسي الشيعي اللبناني في المجلس الشيعي منذ أيام الإمام موسى الصدر تأسيساً ومع أيام الإمام مهدي شمس الدين. وشدّد على ان الدولة كتعبير لغوي، وردت عدة مرات في كل خطابات وخطب الجمعة وبيانات الإمام شمس الدين والإمام الصدر. ولو أُجري إحصاء لعدد المرات التي استعمل فيها تعبير دولة في خطاب الصدر وشمس الدين، هذه الأحرف الأربعة "د – و – ل – ة" ستحصل على عدد هائل، وهو متعمد ليبقى هذا المفهوم حاضر وجاهز وموجود في أذهان الناس وذاكرتهم ولغتهم، حتى لا ينساه أحد او يتعمّد أحد أن ينساه.وشدّد على أن إضعاف الدولة – على ما يُفعل – هو أمر خطر ومضرّ، وهو عكس مصلحة اللبنانيين جميعاً والمسلمين بشكل خاص، والمسلمين الشيعة في لبنان بشكل أكثر خصوصية.
وحذّر شمس الدين من ان نخترع ديناً سياسياً جديداً، فالدين السياسي للشيعة اللبنانيين "الدولة العادلة للمواطنين الأحرار"، وهذه الدولة يجب ان تُدعم عبر الإعتراف والقبول بها.

الثورة والمثقفون: لا أحد يعلِّم العاصفة

عباس بيضون
كانت الثورة حلم المثقفين والفنانين والكتّاب، فيما الناس مشغولون عنها بمعاشهم وعائلاتهم وتقاليدهم وموروثاتهم ويقينهم من دوام الأمور على حالها. كان طلاب وأساتذة وخريجون يتآمرون في خلاياهم ويصلون اجتماعاً باجتماع ويتعبون ليجدوا من يصغي إليهم ويصرفون وقتاً معتبراً في القراءة والنقاش هو وقت موقوف على الجماعة ومستقبلها وعلى البلد ومصيره أكثر مما موقوف على أصحابه. الناس في أشغالها قد تولي اهتماماً للمثقف السادر في برجه وقد لا تولي وفي كل الأحوال يبقى المثقف بالنسبة لها فريداً غريباً بضاعته الكلام الذي لا يغني ولا ينفع، وإذا أصغت إليه فعن فضول لا يمنعها من رؤية انه من غير طينتها وبينها بينه واقع صلب مستحكم لا يشترى ولا يباع بالكلام. قد يكون المثقف ابن فلاح، لكنه لم يعد فلاحاً منذ اشتغل بالقلم والورق ومنذ صار يتعيش من القلم والورق. هذه صنعة لا تزرع ولا تفلح ولا تحصد ولا تراعي الطقس والفصول. والسياسة التي يتكلم بها المثقف ويمارسها إنما استخلصها من ورقه وكتبه ولم يستخلصها من مهنة موصوفة او عمل معلوم. والفلاح وإن بقي أباً للمثقف لا يستشير الورق بل يستشير الطقس والأوقات والتربة، وكلها تحتاج الى تعب وعضل أينهما من المثقف الذي ما ان يجد مهنة تناسب علمه حتى يشيح عن عمل والده، الذي زاوله في فتوته، وكأنه يشيح عن أمر مستكره. المثقف يائس من ان يزرع شيئاً في هذه العقول الجامدة والعامة مستغربة لبعد المثقف وبضاعته وصنعته وما بين الاثنين شبه تواطؤ على دوام الحال. المثقف يتكلم في عزلته وقد يجازى على كلامه فيزيده السجن والتعذيب عزلة، وربما ركب رأسه واستمر الى ان يستغرقه العمر وتستغرقه مطالب الحياة، وربما حاد عند اول منعطف وربما أجّر عقله واستثمره بعد ان يأس. أما الفلاح والعامل والصنايعي وصغار الكسبة، ومنهم جانب كبير ممّن كانوا طلاباً ومتعلمين في يوم، فيواصلون حياتهم كما هي وينظرون بارتياب الى من يحضهم على تغييرها، وقد يكون اليأس غلبهم أيضاً، لكنه اليأس احدى الراحتين وفيه سعة وحتم ومنجاة من السؤال والقلق. هكذا كان الأمر عقوداً لم تبرأ من انقلابات ومن فورات ومن حروب ومناوشات أهلية ومن معارك حقيقية ومن كوارث. خلال ذلك كانت العامة تنتفض والمثقفون يركبون الموجة، لكن الثورة مع ذلك لا تقع. الحرب الأهلية، التي اعتبرها لينين مرادفاً للثورة، كانت تنتهي في ذاتها بعد أن تتحوّل الى إجرام مستفحل، والفورات يتآكلها عنفها. وفي كل الأحوال كان هناك من يعجل الى قطافها، ودائماً كانت هناك حفنة من ضباط او حزب معسكر حاضرة للغنيمة، بعدها تعود الناس الى قواعدها وتستريح وترضخ من جديد، فيما تستمر قلة من المثقفين في وعي شقي دونه اثمان باهظة وعزلة متفاقمة وحبل مهزوز بينهم وبين السلطة الشعبوية والعامة الهامدة لا يستقر على حال. عند ذلك تبقى الثورة التي تتسمى بها السلطة هياكل مفرغة وتغدو الثورة أبعد، ان لم تصبح لغزاً او طلسماً. بعد ذلك أتت الثورة من حيث لا يحتسب أحد وأتت على شكل غير مألوف، شكل وبائي. يمكننا ان نتكلم هنا عن العدوى. قلة تبدأ وتواجه بقمع حقيقي لكنها تبقى. تعطي هكذا مثلاً لآخرين فتتضخم الكرة. تهرب السلطة او تتفكك، فتغدو الكرة مليونية يغدو الثقل في الشارع وتتجاذب السلطة المجددة او الجديدة القرار مع الشارع. هذا هو النموذج المصري والتونسي. في غيرهما تتعقد الأمور، تعاند السلطة ويعاند الشارع، فالأمور أصعب حيث تصمد السلطة او تستقوي على تفككها. الأمور تستصعب ما دامت المعادلة هي ذاتها والتوازن لم يتغير، والحل ينتظر طارئاً ما من فوق او تحت. معلمو الثورات إنها الثورة ومعها مثقفوها، لقد جاءت بهم من الاسفل. انهم جدد ولهم خبرة وعقل جيلهم، ان لهم أيضاً قرباً من العامة لم يتوفر لأسلافهم، وغريزة لا تخاف ولا تهرب من امام الموت. انهم قادرون على الهجوم والمجازفة، وثمة ما يشبه الايمان يبقيهم صامدين رغم الخطر، كأن بهم نزعة استشهادية كتلك التي عايناها كثيراً في الأيام الأخيرة. أما قدامى المثقفين، اما قدامى الثوريين فلا شك في أنهم فوجئوا، فوجئوا بأن تقديراتهم وحساباتهم جميعها تحطمت. ما جرى كان يحتاج الى اكثر من التحليل، الى شيء من الغريزة، من الحدس، من القدرة على الشم. بعض هؤلاء انبهر فما حدث يفوق وعيه بل يفوق كل وعي. بعضهم لحظ ما تجرف الموجة من اوحال وهاله ان للمرة الثانية لم يستطع حراكاً. بعضهم خاف من "الثورة" والثورات تخيف وكان من النزاهة أن يصرّح بخوفه لا أن يقعد منها مقعد المعلم ويروح يقترح عليها من أين تنطلق وكيف تسير والى اين تتجه، لكي يمنحها بركته وكأن ذلك طوع إرادته او إرادتها. في لحظة كهذه ثمة حجم من الدم مقابل كل كلمة، ثمة مبدأ يهان مع كل رصاصة ترد على الكلام. ثمة حق يهدر مع كل حياة تسلب وعمر يقصف. لا تحتاج الثورات الى من يعلمها، انها تقريباً رازحة تحت وطأة التعليم والكتب ولا ينتظر ان تنفجر بحسب التعليم والقواعد، انها تطل من حيث تجد فتحة وتسير حيث تجد مجالاً وتتجه حيث تجد ضوءاً. ما يحدث ليس درساً في السلوك الحسن. لا احد يعلم العاصفة. يمكن لأي كان ان يرفض الثورات، فالثورات ليست خيراً كلها. ما يحصل الآن هو انفجارات بعد عقود متصلة من الكبت، ومن حق أي كان ان يفكر بالعواقب والعواقب احيانا مخيفة لكننا نخطئ حين نحملها فقط للمتمردين وحين ننسى ان ثمة ما أخرجهم وان طريق الخروج ليست بإرادتهم وانهم يذهبون حيث يجدون ذلك متاحاً، نخطئ اذا نسينا ان الضغط يولد الانفجار وان مسؤولية الانفجار هي أيضاً على من يضغط، الثورات في أحيان كثيرة شر لا بد منه، ومن يراجع تاريخها قد يجد اخطاء كثيرة. لكن هذا متصل بعواقبها، التي ينبغي انتظار حصولها، وليس الكلام جائزاً والناس تقتل في الشوارع وليس جائزاً والمتمردون لا يملكون إلا حياتهم وليس جائزاً والمتمردون يواجهون بدمائهم، الثورات نعم بعواقبها وعواقبها قد تكون مؤذية ولكن حين تكون لها عاقبة، وحين لا يتم خنقها في الدم والعنف. والثورات بعواقبها، لكن حين تبقى لها عاقبة، ومن حق أي كان ان يحذر من العواقب لكن ليس كمن يعلم الناس كيف يقتلون وكيف يموتون على الطريقة الصحيحة. من حق أي كان أن لا يكون مع الثورة لكن ليقلها بملء فمه ليس بالتظاهر بأن في وسعه أن يفعلها أفضل من أهلها، خاصة وهم يقابلون الخطر بالهتاف. ليس من حق أحد أن يلقنهم هذا الهتاف ويعلمهم كيف يرفعون أصواتهم به، حين لا تكون المسألة بعد سوى مطحنة دموية فإن علينا أن نحترم في الأقل هذا الدم. حين تكون الثورة هي فقط هذا فإن إدانة القاتل وتسميته خير من إدانة القتل عامة. يمكننا أن نصمت وأن لا يكون لدينا رأي فهذا أيضاً من حقوق الناس، لكن المشاركة بالتردّد والالتباس ليست مشاركة، وخير لنا وللجميع أن لا نشارك على هذا النحو.