الصفحات

الأحد، 6 مايو 2012

إنه ربيع العرب وكرامتهم

هل كان يدور في خلد الطغاة المستبدين أن زمنهم إلى خريف فشتاء وأفول..وأن زمن الناس إلى ربيع وازدهار وتفتح وانتصار؟ هل كان يدور في ذهن القتلة الفجرة أن دماء الشهداء ستورق ياسمينا وأقحوان.. وزهراً وورداً وريحان؟ هل كان ساكنو قصور الذل والموت يعرفون أن مصيرهم هو مزبلة التاريخ بعد المحاكم الجنائية الدولية والشعبية، وأن مسارنا هو الصعود فوجاً بعد فوج "نحو أفق شمس الحق" (كمال جنبلاط) ؟ في 21 آذار 1968 سطر أبطال فلسطين كرامة العرب الأولى بعد ليل الهزيمة الطويل.. كانت معركة الكرامة في الأردن فاتحة زمن جديد.. وفي 16 آذار 1977 كان استشهاد المعلم الخالد كمال جنبلاط نقطة تحول أرادوها وأداً لتطلعات الشعوب العربية نحو الحرية والكرامة... إلا أن الربيع الآذاري لم يتوقف عن إنجاب كرامات للشعوب... فكانت كرامة الجنوب الأولى في 14 آذار 1978 يوم شهدت تلال مسعود وشلعبون وصف الهواء في بنت جبيل على قوة هذا الشعب المعطاء على طريق وحدته وتحرره وتقرير مصيره ... وهي الكرامة التي تكررت في حرب تموز 2006 بأيدٍ جديدة ولكن بنفس الروح والهمة. ويوم صمدنا في بيروت في وجه آلة الحرب الإسرائيلية صيف 1982 وسقط منا عشرات آلاف الشهداء كان شعارنا الموت ولا الذل.. بيروت كرامتنا.. بيروت نجمتنا... وبرغم كل النكسات من هنا وهناك، واصلنا الصعود جيلاً وراء جيل، رعيلاً بعد رعيل... ومن كل حدب ودرب كان السيل يتجمع عارماً دافقاً ينتظر نقطة العبور... من مستنقع الشرق.. نحو الفجر الجديد... وكان 14 آذار 2005 يوم سطر شعب لبنان كرامته المجيدة...كرامة الحرية والاستقلال والسيادة، دفعنا ثمنها أغلى الدماء وسقط منا خلالها أحلى الشهداء.. وفي 15 آذار 2011 انطلق شعب سوريا العظيم على طريق كرامته والتحرير.. وبين هذه وتلك كانت معارك الكرامة والحرية في إيران وتونس ومصر وليبيا واليمن والمغرب والبحرين ... وكانت انتصارات وانتكاسات وارتدادات.. "الرعيل الأول راح.. وإحنا منضمد الجراح... الرعيل الثاني راح.. وإن قتلونا في الشوارع.. الرعيل الثالث طالع .. طالع طالع.. رابع خامس سادس سابع..". (الشيخ إمام).. لأن "الثوار هم كموج البحر متى توقفوا انتهوا" (موسى الصدر).. حدث واحد رمزي حكم انتفاضة الشعوب العربية وقاد حركتها نحو الربيع : الشهادة النبيلة.. ولم يلتقط الحزبيون الرسميون ، بأدواتهم النظرية التقليدية، معنى هذا الفعل الثوري التاريخي ولم يدركوا اللحظة التاريخية ولا البعد الرمزي لهذه الثورات فتعاملوا معها بشكل نصوصي جامد.. شهادة نبيلة أطلقت انتفاضة الكف العاري في وجه السيف، والدم البريء في وجه الدبابة.. كان لا بد من فعل «استشهادي» فردي بطولي، يستعيد سيرة الحسين الحقيقية ونموذجه الفعلي: الجهاد المدني في وجه الظلم والطغيان.. وقوة الإنسان الأعزل في وجه آلة القمع والبطش...وهذه بالمناسبة سيرة الثورة الإسلامية الإيرانية نفسها وقد أسقطت أعتى الإمبراطوريات وأشدها فراسة ووحشية بالمظاهرات المليونية السلمية "الاستشهادية".. وفي إيران وتونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين وسوريا صعد إلى واجهة النضال الجديد شباب بعمر الورد وطراوته خبروا وسائل العصر واستخدموها على أفضل ما يكون... حشود بعشرات الآلاف، لم يرفع واحد منها لافتة تميز هذا عن ذاك، ولم يردد شعاراً يكشف هويته أو التيار الذي يتبعه، فقط كانت اللافتات والشعارات تنطق بنفس المطالب التي يرددها الناس في منازلهم... حشود من كافة شرائح المجتمع: أطفال وشيوخ وشباب، مسلمون ومسيحيون، نساء ورجال، ليبراليون وإسلاميون ويساريون ومستقلون، من مهن مختلفة وعاطلون، أغنياء وفقراء، منهم المعتادون على التظاهرات ومنهم أيضاً من كان يتظاهر لأول مرة، أو كان مقاطعاً للتظاهرات ثم اندفع إليها بقوة التأثير والتفاعل... الكل كان يوحدهم ويذيب أي فروق بينهم شعار واحد طغى على باقي الشعارات: "الحرية... التغيير... الكرامة.. العدالة الاجتماعية".....