الصفحات
▼
الأحد، 26 أغسطس 2012
إلى كل محب للقطيف
جعفر الشايب،كاتب وناشط حقوقي، راعي منتدى الثلاثاء الثقافي، وعضو المجلس البلدي بمحافظة القطيف
كانت قراءات ممتعة للعديد من المقالات التي قرأتها مؤخراً وخلال الفترة الماضية لكتاب وشخصيات من مختلف مناطق المملكة اتسمت بالهدوء والاتزان تجاه ما يجري في القطيف من أحداث. وعكست وعياً بوحدة الوطن، ونضجا في التفكير، وعقلانية في الخطاب والمعالجة لجرح يقلقنا جميعا وقضية تهمنا كلنا. سبق وأن دعوت في هذه الزاوية قبل أشهر قليلة إلى ضرورة أخذ مبادرة وطنية عاجلة لمعالجة الموقف تتجاوز الحالة الفئوية والمناطقية، لنقف جميعا شركاء في المعالجة، كما وقفنا يداً بيد في كل الأزمات التي مرت على وطننا.
يتفق أهالي القطيف على إدانة العنف بكل أشكاله، وهو ما بينه قولاً وفعلاً شخصيات وأعيان القطيف من على منابر الخطابة أو في البيانات والخطابات والتصريحات المتتابعة. كما يؤكدون على احترام المشتركات الوطنية التي تجمعهم مع بقية المواطنين وأبرزها القيادة السياسية ووحدة الوطن. لعله مطلوب أن تتوضح هذه المواقف بصورة أكثر جلاءً ودون أي لبس أو مواربة فيها، من أجل ألا تعطي لأي واهم دليلاً أو حجةً يتخذها ذريعة للتشنيع بأبناء القطيف المخلصين. فهنالك من يريد تعميم مواقف أفراد أو مجموعات محدودة على بقية أهالي المحافظة، لأهداف مبيتة ومغرضة.
الحريصون على أمن الوطن والمخلصون والواعون من أبنائه، أراهم يتجاوزون كتابات المجاملة ومواقف الإدانة إلى البحث عن معالجات لهذه الأزمة التي أضحت مقلقة، وخاصة في ظل التجارب التي تمر بها المجتمعات العربية الأخرى. فلا أحد يرتضي أن تتصاعد وتيرة الصدامات المسلحة بصورة تهدد الأمن والاستقرار وتضيّع كل المكتسبات والإنجازات. إذاً تعالوا يا من تحبون القطيف وأهلها، من علماء دين وأكاديميين متخصصين وشخصيات اجتماعية وثقافية، ساهموا ليكون لكم دور في الحل وليس في المشكلة. بألا تعمم الأخطاء على الجميع، فالتعميم سلاح العاجز والجاهل. وأن تهيأ أجواء مناسبة للحوار بين مختلف الأطراف لأن في قطيعته خسارة للجميع. وأن يمارس الواعون من أبناء الوطن دوراً إيجابياً فاعلاً في احتواء الأزمة، فالكل مسؤول مهما تباعدت المسافات واختلفت التوجهات.
من يراجع منكم – أيها المحبون – ما كتبه أبناء هذه المنطقة من مراجعات ودراسات وخطابات ير فيها الأبعاد المختلفة لهذه المشكلة، والحلول المقترحة لها أيضاً. ولا أظن أننا في ظل وطن بحجم وطننا، وقيادة بمستوى حكامنا، ورجال واعين بإخلاص أمثالكم سنكون عاجزين عن الوصول لمخارج مناسبة لهذه القضية. تحيتي لكل مخلص غيور عبر عن حبه للقطيف، ودعوتي لكل مؤمن بوحدة هذا الوطن وسلامته، بأن يكون الانفتاح والصدق منهجاً في سبيل المعالجة، ورهاني على أهالي القطيف بأن يواصلوا مد أيديهم لشركائهم في الوطن رافضين أي مزايدة أو تجديف.
نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (٢٥٩) صفحة (١٠) بتاريخ (١٩-٠٨-٢٠١٢)
نداء من اللقاء العلمائي اللبناني والمركز العربي للحوار إلى خاطفي اللبنانيين في سوريا .
كمال الصليبي.. عام على وفاته
سليمان بختي- المستقبل- نوافذ- الأحد 26 آب 2012
"كل معرفة تتضمن قدراً من نبذ المتداول"
في ذكراه السنوية الأولى، لا يزال المؤرّخ كمال الصليبي حاضراً فيما أرساه من قيم منهجية وعقلانية وموضوعية، في التعاطي والتفاعل والتصويب مع التاريخ. وفي مقاربته التفكيكية للأساطير المؤسسة لتاريخنا. وفي جرأته لإظهار الحقيقة وإشهارها والدفاع عنها، حتى يتبين له معطيات جديدة، فيغير ويتغير من دون أن يخشى لومة لائم. جمع كمال الصليبي بين أكاديمية صارمة وتجربة عملية مفتوحة الأفق على التاريخ والجغرافيا، وأخبار الناس وأحوالهم. جمع في كتاباته المقاييس الأكاديمية الدقيقة والربط المعرفي المفتوح الأفق. يعرف أن في الأبحاث والدراسات للعقل ألف عين وعين، أما في العلاقات الإنسانية فلا شيء سوى دفء القلب وحرارته.
أذكره في الجلسات وخصوصاً ما أسميناه ديوانية كل أحد صباحاً في منزله في رأس بيروت، يطل من شرفته على حرم الجامعة الأميركية والبحر المتوسط. ويطيل بنا المكث في ضيافة رجل نشر علينا من أنسه الكثير، ومن حديثه الطيب والحنون والأثير، وتبسط إلينا بعلمه وبأدبه، وقلّب أسماعنا على ما يقول، وقرب إلينا الموارد والمصادر وصوب الخطى، وأوضح لنا أن "كل معرفة صحيحة تتضمن قدراً من نبذ المتداول"، وأن "كل معرفة صحيحة هي أساس الفكر الصحيح ولا يتأتى عنها الفائدة مهما كان موضوعها". وأن كل معرفة جديدة تأتي بالمسرّة والكشف والسؤال والدهشة، وإذا الألفة طالعة من كل شوق ومن كل حنين.
فتح كمال الصليبي الباب الذي لا يمكن أن يقفله أحد. باب العقلانية والمنطق. باب النظر إلى العالم كما هو لا كما أريد لنا أن نراه. وفعل كل ذلك بهدوء. كتاباته كانت تثير الإشكالات والسجالات والردود. أما هو فباقٍ على صمته، الهادئ. ومن فرط رقته يكاد أن يهمس. هذا الهدوء الذي يلفك حين تلتقيه فتظن أن ثمة أمراً آخر يشغله أو يقلقه ولا علاقة له بالقضية التي تثيرها معه. أذكر حين حضرت أسئلتي لحوار مطول معه نشرته في كتابي "اشارات النص والابداع" (1995) أنني تقصدت أن أجمع في أسئلتي آراء كل منتقديه. وفاجأني أنه لم يهتز. رقة الحرير وصلابته في آن. أناقة تحوم ولا تستقر. مضني بالكلمات وكأنها حجارة ثمينة ترتجل. مُضني بقدرته على الكلام من دون كلام. متعب بما تريده الحقيقة. يفكر عنك ويصوغ السؤال معك. وإذا أراد أن يهرب فإنما يهرب بإحسان متكئاً على قول للصحافي الراحل ميشال ابو جوده "الذي يعرف لا يحكي، والذي يحكي لا يعرف، والذي لديه لا يفعل، والذي يفعل ليس لديه".
كان يغدق علينا القصص والنوادر المدهشة التي لا تنتهي وتتصل بالحياة والتاريخ والسياسة والثقافة والحضارة. وكل قصة تحمل طرافتها ومغزاها الثابت والعميق. جمع في شخصيته صفات يندر اجتماعها. ذكاء فطري حاد، ذاكرة خارقة، وقدرة فائقة على الربط بين النظرية والواقع، جرأة أدبية لافتة، وشجاعة عقلية لا تقبل الاحتفاظ بالذهن بما يثبت له خطأه، وحس أخلاقي رفيع. هو أرستقراطي في الاخلاق، وشيخ عشيرة في العلاقة مع تلاميذه (يرعاهم ويتابع خطاهم في روح ابوية أثيرة) وملكي اكثر من الملك في الكشف عن الحقيقة وإعلانها، وكادح مجاهد في مجال العقل والمثاقفة. أما الصداقة فكان يعتبرها فرصة أو دعوة لتسجيل الانتصارات على الحياة والزمن والمفارقات. لا يعجبه العجب في المنهاج ويسعى للخروج منه وعنه وعليه، خصوصاً بعد أن يتقن قواعد اللعبة. كان يردد أمامنا ما قاله أبوقراط غير مرة "الحياة قصيرة، والتجربة مخاتلة والحكم على الأمور صعب، والمسعى إلى المعرفة متواصل".
روى لنا غير مرة أنه في بداية عهده في التعليم الجامعي في الجامعة الأميركية في بيروت، نحو منتصف القرن الماضي، كان يعرف التلميذ من لهجته وطريقة لباسه، إلى أي طائفة انتمى ومن أي منطقة أتى، ثم بعد عقد أو أكثر فقد هذه الميزة وصار الطلاب يشبه بعضهم الآخر. وهذا في عرفه نجاح للفكرة اللبنانية على المستوى الاجتماعي الانصهاري والثقافي والتواصلي. وفي ملاحظته تلك، كما وفي تجربته كلها، كان همه ان ينقل صورة لبنان التاريخية من نطاق الاسطورة إلى نطاق الحقيقة التاريخية المجردة. هو خير أساس لبناء المجتمع. ويؤكد "التاريخ هو التجرد ليس الا". وأحسب انه في معالجته الموضوع التاريخي في لبنان سار على هدى صالح بن يحيى بقوله "أردت أن أجمع شيئاً يستفيد منه الخلف من معرفة أخبار السلف، لأني لا أريد متغالياً أن يصفهم بأردأ مما فيهم، ولا حسوداً فينعتهم بما ليس فيهم".
ذات مرة صغت سؤالي له على الشكل التالي: "هل تعتقد أن حرب 1967 كانت بمثابة كعب أخيل في تدهور الأوضاع العربية وتأزمها؟ فأجاب: "لا أحبذ استخدام التشابيه والاستعارات والمجازات في سياق الأحكام لأنها تخرجك قليلاً أو كثيراً من الحقيقة".
مد الصليبي شراعه في كل اتجاه، ونهل من كل اهتمام مختلف على عادة الأذكياء. أحب اللغة العربية والرواية والأدب والموسيقى. كانت لديه طريقة خاصة للكتابة بالعربية التي أحبها منذ الصغر، ومنذ أن أحضر له والده الطبيب سليمان الصليبي معلماً خاصاً ليدرس على يديه القرآن، ولحثه على الإتقان وبيان مخارج الألفاظ. كان يكتب ما يريد على صفحة ثم يحذف كل الكلمات التي لا تؤثر على المعنى. بيانه كان المعنى على ما يقول الشيخ عبدالله العلايلي. كان يسعى بأسلوبه ليصل إلى الدقة العلمية وسلامة التعبير وسلاسته. وكان لا يشرع بالكتابة بالعربية قبل أن يقرأ الحديث النبوي الشريف وديوان المتنبي ومروج الذهب للمسعودي. أحب الرواية العربية ونادراً ما تفوته رواية في طبعتها الاولى. ولعلها مصادفة قدرية ان آخر كتاب قرأه ليلة إصابته بالجلطة رواية "طيور الهوليداي آن" للروائي اللبناني ربيع جابر، والذي كتب عنه الصليبي مرة في كتاب "بيروت والزمن" متناولاً ثلاثية "بيروت مدينة العالم" ومرة في بحث قدمه في مؤتمر في اكسفورد عن رواية "يوسف الانجليزي". وكان يتوقف كثيراً في الرواية عند التصور. وكان له مع الموسيقى عملان مسرحيان من تأليفه وتلحينه. وظل يعزف على البيانو الأغاني الميلادية على مألوفه كل سنة، حتى آخر سهرة ميلاد قضاها مع الرفاق والاصدقاء.
عاش كمال الصليبي عصره ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، عاش زمانه وتصرف به زمانه، وأدخله إلى تجارب كثيرة واكتشافات كثيرة جعلت منه المؤرخ والمفكر الذي يقرأ اليوم وأمس وغداً ويستقي منه ويستمد لبناء أساسات جديدة.
كان من الصعب أن يمر صحافي أجنبي في بيروت ولا يستأنس برأي الصليبي. ومن الصعب أن يمر أحد تلاميذه في بيروت بعد غياب ولا يسأل خاطره. من الصعب أن ينعقد لقاء الأصدقاء القدامى كل سبت صباحاً في "السيتي كافيه" ( قبل اقفالها) ولا يكون بينهم. ولكن الجلسة الأحب إلى قلبه وروحه كانت حين يسند رأسه إلى احد أعمدة الجامع الأموي في دمشق، ويأخذه الوسن الخفيف إلى قنطرة في التاريخ. التاريخ الذي ظل غايته وعنوان حياته. التاريخ الذي زرع في تربته البحث والكشف وزاوية النظر، وأينما زرع أورف زرعه، في تاريخ لبنان وفي تاريخ البلدان العربية، والتي كان يسميها (بلادنا) وفي تاريخ التوراة وجلاء أسراره وغوامضه. وفي كل ذلك يبحث عن الصواب والحقيقة والكمال المأخوذ على عاتقه، وعن الصبر المتكئ على التاريخ والمتن والهامش، حتى تكون له الحلية والمكافأة في السير الكاشف عن الغموض. ومع هذا الكمال شغف هائل بالمعرفة والناس وأحوالهم، وبالأرض وهويتها. والمسؤولية عن هذا العالم الآخذ منا كل مأخذ. ورغم كل شيء كان كمال الصليبي يكتب بأمل، أمل البحث عن الحقيقة وتخليصها من الأوهام والأساطير، والأمل في البناء مع الآخرين ماضياً وحاضراً ومستقبلاُ والذي هو ضاله كل كتابة.
كمال الصليبي بعد عام على غيابه، يتأكد الشوق مثلما يتأكد الطريق الذي مهده، والقيمة والمكانة التاريخية التي صنعها لنفسه بين المؤرخين، وفرادته وتميزه في اختيار مواضيعه التي لا يخلص البحث فيها.
وفي الأفق لا بد كتابات وأبحاث وأوراق غير منشورة ستؤول إلى النشر، ومكتبة ستفتتح باسمه في جامعة الكسليك وتضم أوراقه وأرشيفه، وساحة سميت باسمه قبالة المدخل الطبي للجامعة الأميركية في بيروت. وثمة محاضرة سنوية في التاريخ باسمه في الجامعة الأميركية. والرجل الكبير، على ما يقول سعيد تقي الدين، لا ينتهي بمأتم بل لعله يحيا بولادات وبدايات جديدة.
بيان السيدين وخزعبلات التفوق
سناء الجاك – ملحق النهار- الأحد 26 آب 2012
بين مواقف "حزب الله" التي تصدر بشكل رسمي في خطب أمينه العام السيد حسن نصر الله، وبيان السيدين محمد حسن الامين وهاني فحص مسافات ومساحات. واذ يطيب لبعض المحللين المجتهدين ان يُنذروا من لم يفهم بعد، ان هناك من بدأ جدياً بالعمل لتكريس انفلات كامل وشامل للوضع في لبنان، نجد ان السيدين يدعوان أبناء الطائفة الشيعية إلى "الانسجام مع أنفسهم في تأييد الانتفاضات العربية والاطمئنان إليها والخوف العقلاني الأخوي عليها، وخاصة الانتفاضة السورية المحقة".
هناك من يقول للبنانيين ان ما شهدناه حتى ساعتنا من آل المقداد و"كتيبة المختار الثقفي" سيصبح نسمة ربيعية امام ما يمكن ان نشهده ويشهده مناصرو المعارضة السورية سواء على صعيد الانظمة او الناس العاديين، سواء في لبنان او حيث تصل أيديهم ليعيثوا فتنة وفساداً، والسبب الوحيد هو تأييد النظام الأسدي المجرم لأن لمرجعية الحزب الايرانية مصلحة في ذلك.
هذه المصلحة جعلت للعشائر أجنحة ومجالس، خارج النطاق العشائري المعهود، وجعلت البشر طرائد، ووظفت فائض القوة والقدرة على التحرك وتكريس الفلتان الأمني فشة خلق محقة لعشيرة لها أجنحتها التي تحط وتطير بمعزل عن السلوكيات العشائرية الموروثة من بطون العادات العربية.
لذا لا أحد في مأمن من التداعيات، ولا حظوة لـ"الرعايا"، سواء أكانوا لبنانيين أم خليجيين أم اتراكاً أم أجانب من دول العملة الصعبة. لا تسألوا الحزب الإلهي عن الموضوع، فهو مشغول من خلال مواسم التهديد والوعيد وعرض العضلات، ببث الرعب في قلوب الصهاينة على أمل ان ينقرضوا نتيجة اصاباتهم بالجلطة او السكتة القلبية او يحفروا الارض ويكملوا ما بقي من حياتهم في سراديب مظلمة حتى لا تصيبهم الصواريخ المكدسة.
ولا يهم اذا بقي من لبنان جهاز رسمي او جيش او درك او إدارة ترضى بالعمل من تحت الدلف الى تحت المزراب.
بالطبع يستطيع حلفاء النظام السوري هذه الأيام نسف البلد ومن فيه، ما دام هناك من تجرأ وكشف مستور النظام الأسدي المجرم ومتفجراته، وحدد بالاسم المسؤولين المباشرين ومَن خلفهم، وادعى عليهم. بعد ذلك، لا بد من تكبير الخطر الاسرائيلي واستثماره واستهلاكه لتغطية الجرائم الفعلية في انتظار الخطط "أ" و"ب" و"ت". لا يهم اذا اقتصر التضخيم والكلام المكرر على المنابر للتداول الاعلامي وتحسين الصورة، في حين تتواصل العمليات الانتحارية على الأرض لتخريب البلد بغية خلط الأوراق، ويتواصل العمل حثيثاً حيث أمكن لإقحام كل العوامل لفتح كوة للنظام السوري الذي ينازع، حتى لا يخرّ صريعاً بضربة شعبه القاضية.
بعيداً من طق الحنك في شأن الأجنحة العسكرية العشائرية والخطف الذي لا يجد من يقول لمن يرتكبه: "ما أحلى الكحل في عينك"، ليس صعباً الاستنتاج ان كل ما يتحرك له مرجعيته. وليس صحيحاً ما قيل ان عمليات الخطف التي يقوم بها مجلس العشيرة خارجة على سيطرة الحزب الإلهي. فلا عفوية او ردود فعل في كل ما نشهده. يشي بذلك الشريط التي تم الترويج له وعرضه على اساس انه قنبلة الموسم لـ"معارض سوري" في "ضيافة" العشيرة المقدادية، ولم يكن الا نسخة سيئة الصنع والمضمون لما نشاهده على شاشتي "الاخبارية السورية" و"الدنيا". الصحيح ايضا ان الفتنة الطائفية تجاوزت الخطوط الحمر بين شيعة وسنّة، بفضل الاطماع الايرانية والنظام الأسدي الذي لم يوفر جريمة او مذبحة لإثارة الأحقاد والغرائز وايقاظ الشياطين واستدراجها الى ساحته، حتى يجعل مسيرة الثورة دموية قد تهدد الكيان السوري برمته، مع انه بغبائه لن ينجو منها.
في هذا الإطار ومن منطلق هذا الخوف، يأتي بيان السيدين محمد حسن الأمين وهاني فحص من باب الضرورة القصوى التي يحتاجها السنّة والشيعة معاً، حتى يصار الى سماع صوت عاقل وعادل، ربما يحسب البعض ان صوتهما قد يضيع في خضم القرف الذي يحاول فريق الاستقواء بالسلاح فرضه. لكن بين بيان السيدين وخزعبلات التفوق لشعب الله المختار، لن يصح الا الصحيح.
سوريا: كل يوم عاشوراء.. كل شبر كربلاء
هوشنك أوسي- المستقبل- نوافذ- 26 آب 2012
(الى أحفاد الإمام الحسين في لبنان: سماحة السيّدين هاني فحص ومحمد حسن الأمين)
"الشعب السوري مابينذل"، هذا أول الشعارات التي رددها المتظاهرون السوريون في مطلع ربيع ثورتهم على "طاغية الشام"، على حدّ تعبير الزعيم اللبناني وليد جنبلاط.
رفض الذلّ والمهانة وهدر الكرامة وهتك الاعراض، والسعي نحو التحرر والانعتاق من جبروت الاستبداد وأذرع اخطبوطه الأمنيّة في سورية، كان ولا يزال لسان حال السوريين، رغم كل ما عانوه من ظلم وطغمة واجرام وإبادة وخنق ونحر وإحراق وتدمير ونهب وسلب للبلاد والعباد. وهذا ما يجعل الثورة السوريّة أنبل ثورات شعوب المنطقة وأشجعها. ذلك ان النظام الذي يواجهه السوريون، هو حتى أبشع من النظام الذي يواجهه الفلسطينيون، وابشع من نظام صدّام حسين الذي استخدم السلاح الكيمياوي ضدّ شعبه، وابشع من النظام الذي واجهه الامام الحسين، عليه السلام. وحين ردد السوريون شعارهم السالف الذكر، فقد كان قدوتهم في ذلك الإمام الحسين، في كربلاء، وهو تحت الحصار والتهديد بالموت، مع صحبه وعياله القلائل، مواجهاً اعتى عتاة الشرّ والإجرام آنئذ، فقال في خطبة عاشوراء: "ألا وإنّ الدعي ابن الدعي قد تركني بين السلة والذلة، وهيهات له ذلك منّي، هيهات منا الذلة. أَبى الله ذلك لنا ولرسوله والمؤمنون، وحجور طهرت، وجدود طابت، وأُنوف حميّة، ونفوس أبيّة أن يؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام". وعليه، خيار الشعب السوري في ثورته على نظام الأسد هو خيار الامام الحسين ضد الظلم والعدوان، الرافض للاستسلام للمهانة والذلّ. ولكن ثمّة من في لبنان والعراق وايران، لا يكتفي بدعوة الشعب السوري للاستسلام والاذعان لـ"يزيد العصر"، وفي الوقت عينه، يعلن هؤلاء؛ انهم من شيعة الامام علي بن أبي طالب، وبل يدعمون ويساندون نظام يزيد - الأسد بالعدّة والعتيد، ويسفكون دماء السوريين! يكفي الردّ عليهم، بما ردّ الحسين على أفراد من جيش الكوفة، الذين طلبوا الانصياع لحكم يزيد لكي ينعم بالسلامة قائلاً: "لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا إقرار العبيد" (مقتل الحسين للمقرّم: 280، تاريخ الطبري 323:4).
لم يعد خافياً لكل ذي ضميرٍ حيّ؛ أن سورية، في كل لحظة عاشوراء، وكل شبر من ترابها تحوّل الى كربلاء، نتيجة الحصار والذبح والتعذيب والتجويع والتدمير والأرض المحروقة الممارس عليها، وإزهاق أرواح النساء والشيوخ والاطفال والشباب، والتمثيل بجثثهم، على أيدي نظام الأسد وجلاوزته من شبّيحة وأمن وجيش!. ان ما يحدث في سورية، ينقطع له قلب التاريخ، ويهزّ أركان الوجود وأقطاره، فما بالكم من إيلامه ذوي القلوب الرقيقة والعقول الراحجة من أقطاب الفكر الشيعي، ورجالاته الأصلاء في لبنان. وعلى خطى نصرة الحسين في كربلاء ومشايعته ومبايعته إماماً وليّاً، مظلوماً شهيداً، أصدر سماحة السيّدين هاني فحص ومحمد حسن الأمين بيانهما "التاريخي"، معلنين فيه تضامنهما مع الثورة السورية والشعب السوري. وقالا فيه: "تواصلاً مع موروثنا الشيعي في مقارعة الظالمين، أياً كانوا، ونصرة المظلوم أياً واينما كان، والتزاماً منا بموجبات موقعنا الديني المنتقص من دون ان ينقص، بالقوة والجمهرة والكلام التعبوي اليومي والزبائنية السياسية والعلاقة الريعية". وأشارا الى دورهما الفكري الشيعي الاسلامي العربي والتنويري "الذي لا ينكره الا مكابر او غوغائي ووقوفهما الى جانب المقاومين للاحتلال الصهيوني لفلسطين ولبنان، والاحتلالات الوطنية، التي استخدمت فلسطين والعروبة والممانعة ضد شعوبها فقط". ودعا الأمين وفحص الشيعة في البيان "إلى الانسجام مع أنفسهم في تأييد الانتفاضات العربية والاطمئنان إليها والخوف العقلاني الاخوي عليها.. وبخاصة الانتفاضة السورية المحقة والمنتصرة باذن الله والمطالبة بالاستمرار وعدم الالتفات الى الدعوات المشبوهة بالتنازل من أجل تسوية جائرة في حق الشعب السوري ومناضليه وشهدائه مع ما يجب ويلزم ويحسن ويليق بنا وبالشعب السوري الشاهد الشهيد من الغضب والحزن والوجع والدعم والرجاء والدعاء، أن يتوقف هذا الفتك الذريع بالوطن السوري والمواطن السوري". مؤكدين أن "من أهم ضمانات سلام مستقبلنا في لبنان ان تكون سوريا مستقرة وحرة تحكمها دولة ديموقراطية تعددية وجامعة وعصرية". وتابع فحص والامين: "إننا نفصح بلا غموض أو عدوانية عن موقفنا المناصر غير المتردد للانتفاضة السورية، كما ناصرنا الثورة الفلسطينية والإيرانية والمصرية والتونسية واليمنية والليبية وتعاطفنا مع التيار الاصلاحي والحركة الشعبية المعارضة في ايران وحركة المطالبة الاصلاحية في البحرين وموريتانيا والسودان". وأبدى الأمين وفحص "استعدادهما لمناصرة أي حركة شعبية ضد أي نظام لا يسارع إلى الاصلاح العميق تفادياً للثورة عليه واسقاطه"، معتبرين ان "الباطل الذي كان دائما زهوقاً قد زهق، اما احقاق الحق فطريقه طويل ومعقد ومتعرج، وفيه كمائن ومطبات كثيرة، ويحتاج إلى صبر وحكمة ويقظة وحراسة لدم الشهداء، حتى لا يسطو عليه خفافيش الليل وقطعان الكواسر.. ويحتاج الى شفافية وحوار وود ونقد. ولن نبخل بالود الخالص والنقد المخلص، آتين الى الحق والحقيقة والنضال والشهادة من ذاكرتنا الإسلامية النقية ومن رجائنا بالله ومن كربلاء الشهادة التي تجمع الموحدين وتبرأ الى الله من الظالمين".
الحقّ أنه لخطابٌ كربلائيٌّ أصيل، لا يصدر إلاّ من حفيدين حقيقيين لسيّد شباب الجنّة، أبا عبدالله الحسين. انه الخطاب الخالص المخلص للإرث الحسيني الكربلائي في المقاومة ومقارعة الظلم والظالم، أيّاً كان، وأين كان. وهو ليس بجديد عن هذين العالمين الإسلاميين الجليلين، بل أتى تتمّة لمواقف وتصريحات سابقة، مؤيّدة للثورة السوريّة، وناقدة لكلّ توجّه لبناني، مؤيّد وداعم للنظام السوري.
بيان السيّدين فحص والأمين، هو لسان حال قطاعات واسعة من النخب الثقافيّة والدينيّة الشيعيّة اللبنانيّة والعراقيّة، غير التابعة للسلطة الإيرانية. ولا يتسع هنا المقام لذكر عشرات الأدباء والشعراء والمثقفين والساسة اللبنانيين والعراقيين ممن يدعمون الثورة السوريّة، وينتقدون موقف ايران ودكاكينها السياسيّة في لبنان والعراق. ولعمري أنه لو كان سماحة السيّد محمد حسين فضل الله وسماحة الشيخ محمد مهدي شمس الدين على قيد الحياة، لكانا الى جانب الأمين وفحص في بيانهما التاريخي السالف الذكر. ذلك أنه أقلّ ما يقال في هذا البيان، انه اصطفاف مع المظلوم كائناً من كان، ضدّ الظالم الذي ربما يمتّ بآصرة بالمذهب او الطائفة، وعدم ترجيح العصبيّة المذهبيّة والطائفيّة على مناصرة المظلوم ضدّ الظالم. هذا البيان، كان له وقع البلسم والمرهم لجراح السوريين، وسط ما يقترفه حزب الله وباقي الزواريب السياسيّة (السوريّة - الايرانيّة) في لبنان والعراق من جور وظلم بحقّ الثورة السوريّة، ونصرتهم لنظام القتل والاجرام الاسدي. هذا البيان، هو بمثابة انشقاق عمّن يريد زجّ الطائفة الشيعيّة الكريمة في هذه الحرب القذرة والدنيئة ضد الشعب السوري وثورته على طغمة الآسد وشبّيحته. انه بيان العقل والروح الشيعي الأصيل، الذي لن ينساه الشعب السوري، بكل مكوّناته الدينيّة المذهبيّة والقوميّة والعرقيّة. وسيكون مادّة للدراسة والتحليل، كوثيقة دالّة عن عمق تنويري - ثقافي معرفي، وحساسيّة وطنيّة ديموقراطيّة، وبُعد تاريخي حضاري، لدى فحص والامين تأكيداً على المواقف الحازمة والحاسمة في مواجهة الدوغما العقيديّة التي تدفع بالمحازبين نحو التورّط في الحروب الظالمة. انه نداء العقل والروح لكل من تورّط في سفك دماء السوريين، بأن يعود الى صواب كربلاء الحسين، وألاّ يكون مع الظالم، لأن الأخير من قومه أو دينه أو مذهبه أو طائفته!. انه بيان العقلانيّة الدينيّة، في أرقى أشكال حساسيّتها وتنبّهها لمخاطر التحزّب الأعمى للدين او المذهب او الطائفة. لذا، لا غرابة في اعتبار الدوغمائيين والطائفيين لفحص والامين على انهما "خائنان" و"مارقان"، لكونهما شقّا عصا الطاعة لايران وحزب الله اللبناني، المنخرطين في قمع الثورة السوريّة الى جانب نظام الأسد.
نشرت صحيفة "الحياة" لكاتب هذه الأسطر، مقالاً بعنوان: "آن للسيّد السيستاني أن يخرج عن صمته" (الثلاثاء 20/03/2912). وكان المقال، نداء موجّهاً لسماحة السيّد علي السيستاني، كي يعلن عن موقف حيال المجازر الوحشيّة التي يرتكبها نظام الأسد بحق ابناء الشعب السوري، وان يبدي موقفه من التورّط الايراني وحزب الله اللبنانيّ وبعض الاحزاب العراقيّة الايرانيّة في هذه ارتكاب هذه المذابح الى جانب نظام الأسد. إلاّ ان السيستاني لا زال على صمته!. والى جانب استمرار هذا الصمت المريب، يظهر مدى نبل وعظمة وسموّ صرخة فحص الأمين في بيانهما.
قصارى الكلام: إذا كانت وثيقة فحص الأمين بيان دعم للثورة السوريّة، فيه في الوقت عينه، بيان تنديد وشجب وإدانة لكل من يدعم نظام الأسد. وعليه، هكذا يكون الاخلاص لنهج الحسين، عبر إدانة المعايير المزدوجة بأن يكون المرء مع ثورة المظلومين في مكان ما، وضدّ هذه الثورة في مكان آخر، لكون الظالم المستبدّ هنا، من نفس طينة الملّة او الطائفة او الحزب. بيان الأمين فحص، أكّد ان حزب الوطن، أكبر وأعظم وأسمى من حزب الدين والملّة والطائفة. وأن حزب الإنسان المظلوم، كائناً من كان، هو الأكثر قوّةً من حزب البنادق والسلاح والصواريخ. كما أكّد البيان؛ ألاّ مكان للشيعة إلاّ في محيطهم الوطني الديموقراطي، بعيداً من المحاور السياسيّة الطائفيّة، اللاوطنيّة.
() كاتب كردي سوري
أوليغارشية" ومحاصصة.. أم افضل تمثيل ممكن؟
عادل عبد المهدي
النظام التمثيلي ليس مجرد اغلبية واقلية تتداول السلطة.. بل الحرص ايضاً على فتح الفرص -وليس حجزها- لكل من يقف خارج التكتلات المغلقة والقوى الكبرى، وفي التقليل من الاصوات الضائعة، ومنع الواطئة -المحمية بقوائمها- ان تأخذ اصوات من يفوقها كفاءة وعدداً. فينعكس ذلك على اخلاقيات السياسيين وطرق صعودهم، واداء البرلمان وواقعه التمثيلي.. ولنمنع التطور لـ"اوليغارشية" الاحزاب الكبرى التي قد تبدأ بشرعية وتمثيلية عالية، لتفقدها بالتدريج.. فتصبح اغلبية بقوانينها فقط، عازلة نفسها عن غالبية المواطنين وتوجهاتها ومصالحها.
لم نتطور بعد لنظام "اوليغارشي" بتوصيفات افلاطون وارسطو، لانتخاب الحكام من الاقلية المالكة.. او تطوراته المعاصرة لحكم العوائل او المافيات او الاحزاب المتشرنقة حول بعضها بعيداً عن حراك الشعب وواقعه. لكننا نختزن استعداداً لذلك، بعد تحول المحاصصة لعلة شبه وحيدة لحركة النظام وفاعليته. فشهية القوى الكبيرة لضمان الفوز، واستيلائها على ما يفوق حاجتها من المقاعد، يعكس الخلفية "الاوليغارشية" او "التحاصصية" التي تحكم الطبقة السياسية. فحرصاً على هذه القوى وتاريخها المشرف، والشرعية التي بنتها بدمائها الغالية واصواتها الحقيقية.. نرى اهمية مراجعة فلسفتها وخلفياتها، لتواكب التطورات. ففوز قوى والوان كبيرة ومركزة ضرورة وشرط لاي نظام ديمقراطي، لكن حضور الالوان الاخرى لا يقل اهمية. كذلك فان ضياع نسبة من الاصوات هو امر طبيعي، لكن النظام الجيد هو الذي يقلل من ذلك، لا الذي يزيده.
يتحجج البعض بتجارب انظمة الحزبين.. متناسياً التاريخ الطويل لهذه الاحزاب.. وتبنيها تقاليد عمل داخلية شفافة.. وتحالفات واجنحة.. واطارات مفتوحة ومرنة، تجعلها اقرب للبرلمانات المصغرة، تسمح للكفاءات والمستقلين والاطياف المختلفة للوصول عبرها لمواقع التمثيل. تقابلها قوائمنا واحزابنا المأسورة بساحاتها.. المحجوزة بفئوياتها.. الوارثة لتقاليد فترات المعارضة.. والمغلقة على كوادرها ومنتسبيها. مما يوصد الابواب امام جزء مهم من مراكز الحراك الشعبي الايجابي والفعال ليجلس في مواقع التمثيل والتعبير.
فان لم نراجع الامور وعياً، فسيصدمنا الواقع قسراً. فحسب الظرف والوقائع، لابد من توازنات صحيحة تقودنا لمرحلة اكثر نضجاً وتقدماً. توازنات تشجع –اولاً- اللملمة في احزاب وتكتلات كبرى بابعاد وطنية، وبجمهور عابر لحواجزها.. وتسمح –ثانياً- للتيارات والكفاءات والاطياف بتمثيل يحرمها منه القانون، يوازي مكانتها وتأثيراتها الاجتماعية/السياسية. فهدف الطبقة السياسية والاحزاب الكبرى –بكلماتها ذاتها- اصلاح النظام وتمثيل الشعب، كل الشعب، وليس مجرد حكم البلاد.
Badiou: The Rebirth of History — Times of Riots and Uprisings
Alain Badiou’s introduction to his just-released manifesto on communism and the riots, uprisings, and occupations of this last year.
Introduction
What is going on? Of what are we the half-fascinated, half-devastated witnesses? The continuation, at all costs, of a weary world? A salutary crisis of that world, racked by its victorious expansion? The end of that world? The advent of a different world? What is happening to us in the early years of the century – something that would appear not to have any clear name in any accepted language?
Let us consult our masters: discreet bankers; media stars; hesitant representatives of major commissions ; spokesmen of the ‘ international community ‘ ; busy presidents; new philosophers; factory and estate owners; stock market men and boards of directors; chattering opposition politicos; urban and provincial notables; economists of growth; sociologists of citizenship; experts on all sorts of crises; prophets of the ‘clash of civilizations’; heads of the police, justice and ‘penitentiary’ systems; profit assessors; productivity calculators; the prim editorialists of serious newspapers; human resources directors; people who in their own view are of some account; people one would do well not to take for nobodies . What have they got to say about it, all these rulers, all these opinion-formers, all these leaders, all these thimble-rigging tyrants?
They all say that the world is changing at a dizzy¬ ing pace and that, if we are not to risk ruin or death (for them it comes to the same thing), we must adapt to this change or, in the world as it is, be but a mere shadow of ourselves. That we should energetically engage in incessant ‘modernization’ , accepting the inevitable costs without a murmur. Given the harsh competitive world that daily confronts us with challenges, we must climb the steep slopes of productivity, budget reduction, technological innovation, the good health of our banks, and job flexibility. All competition is sportive in its essence. In short, we must form part of the final breakaway alongside the champions of the moment (a German ace, a Thai outsider, a British veteran, a Chinese newcomer, not to mention the ever vigorous Yankee, and so on), and never crawl at the back of the pack. To that end everyone must pedal: modernize, reform, change! What politician on the campaign trail can dispense with proposing reform, change, novelty? The argument between government and opposition always takes the following form : What the others are saying isn’t real change. It’s a thinly resprayed conservatism. I represent real change! You’ve only to look at me to know it. I reform and modernize; new laws rain down every week – bravo! Let’s break with routine ! Out with the old !
So let us change.
But change what, in fact? If change is to be permanent, its direction, so it would seem, must be constant. All the measures dictated to us by the economic situation are to be implemented as a matter of urgency. This is so that the rich can continue to get rich while paying fewer taxes; so that the workforce of firms can be reduced with numerous redundancies and extensive restructuring; so that everything which is public can be privatized, and thereby ultimately contribute not to the public good (a particularly ‘anti-economic’ category) , but to the wealth of the rich and the maintenance (costly, alas) of the middle classes, who form the reserve army of the rich; so that schools, hospitals, housing, transport and communications – those five pillars of a satisfactory life for all – can initially be regionalized (that is a step forward), then exposed to competition (that is crucial) , and finally handed over to the market (that is decisive) , in order that the places and resources where and with which the rich and semi-rich are educated, treated, housed and transported cannot be confused with those where the poor and their like struggle to get by; so that workers of foreign origin, who have often lived and worked here for decades, can have their rights reduced to nothing, their children targeted, their statutory papers rescinded, and have to endure the furious campaigns of ‘civilization’ and ‘our values’ against them; so that, in particular, young girls can only go out on the streets with their heads uncovered, and the rest too, mindful as they must be of affirming their ‘secularity’ ; so that the mentally ill can be imprisoned for life; so that the countless social ‘privileges’ on which the lower classes are getting fat can be hunted down; so that bloody military expeditions can be mounted the world over, especially in Africa, to enforce respect for ‘human rights’ – i.e. the rights of the powerful to carve up states, to put in power (through a combination of violent occupation and phantom ‘ elections’) corrupt valets, who will hand over the totality of the country’s resources to the aforesaid powerful for nothing. Those who, for whatever reason, and even if they were serviceable for ‘modernization’ in the past, even If they were obliging valets, are suddenly opposed to the carve-up of their country, to its pillaging by the powerful and the ‘human rights’ that go with it, will be brought before the tribunals of modernization, and hanged if possible. Such is the invariant truth of ‘change’, the actuality of ‘reform’ , the concrete dimension of ‘modernization’. Such, for our masters, is the law of the world.
This short book aims to oppose to this view of things a rather different one, which can be summarized here in three points.
1. Under the interchangeable rubrics of ‘modernization’ , ‘reform,’ ‘democracy,’ ‘the West,’ ‘ the international community,’ ‘human rights,’ ‘secularism,’ ‘globalization’ and various others, we find nothing but an historical attempt at an unprecedented regression, intent upon creating a situation in which the development of globalized capitalism, and the action of its political servants, conforms to the norms of their birth: a dyed-in¬ the-wool liberalism of mid-nineteenth-century vintage, the unlimited power of a financial and imperial oligarchy, and a window-dressing of parliamentary government composed (as Marx put it) of ‘Capital’s executives’. To that end, every¬ thing which the existence of the organized forms of the workers’ movement, communism and genuine socialism had invented between 1860 and 1980, and imposed on a world scale, thereby putting liberal capitalism on the defensive, must be ruthlessly destroyed, and the value system of imperialism – the celebrated ‘values’ – recreated. Such is the sole content of the ‘modernization’ underway.
2. The present moment is in fact that of the first stirrings of a global popular uprising against this regression. As yet blind, naive, scattered and lacking a powerful concept or durable organization, it naturally resembles the first working-class insurrections of the nineteenth century. I there¬ fore propose to say that we find ourselves in a time if riots wherein a rebirth of History, as opposed to the pure and simple repetition of the worst, is signaled and takes shape. Our masters know this better than us: they are secretly trembling and building up their weaponry, in the form both of their judicial arsenal and the armed taskforces charged with planetary order. There is an urgent need to reconstruct or create our own.
3. Lest this moment flounder in glorious but defeated mass mobilizations, or in the interminable opportunism of ‘representative’ organizations, whether corrupt trade unions or parliamentary parties , the rebirth of History must also be a rebirth of the Idea. The sole Idea capable of challenging the corrupt, lifeless version of ‘democracy’ , which has become the banner of the legionaries of Capital, as well as the racial and national prophecies of a petty fascism given its opportunity locally by the crisis, is the idea of Communism, revisited and nourished by what the spirited diversity of these riots, however fragile, teaches us.
شيعة عرب مع الحرية
اصدرت مجموعة من الناشطين في الطائفة الاسلامية الشيعة بيانا عبروا فيه عن دعمهم المطلق لكل الشعوب العربية التي تبحث عن حريتها بعد سنوات من القمع و الظلم الممارس بحقها و شددوا على ان الطائفة الشيعة لا يمكن لا الا ان تكون مع المظلوم في وجه الظالم.
الجمعة 24 آب (أغسطس) 2012
وفي ما يلي نص البيان مع اسماء التواقيع:
الموقف الشيعي بشرط الحرية
لو افترضنا أن الجمهور الشيعي تمكن من التعبير عن رأيه بحرية، فماذا يمكن أن يقول بعيداً عن أساليب الترغيب والترهيب؟
سوف يجاهر بأنه يريد دولة مواطنة في لبنان، لا خائفة ولا مخيفة، ودولة جامعة مستقلة ومنفتحة على الجميع في العراق، ودولة ديموقراطية عصرية واصيلة بديلة في سورية، بعدما فقدت سلطتها الحاكمة بالاستبداد المزمن والمجازر المتعاقبة، أهليتها للإصلاح. ويريد للعقلاء من السنة والشيعة في السعودية، حكاماً ومحكومين، أن لا يكرروا تبادل الأخطاء والانفعالات، كما حصل سابقاً.. ويريد حواراً جاداً من أجل الإصلاح في البحرين وسوف يتساءل هذا الجمهور عما اذا كان يناسب صورة الشيعة وسمعتهم التاريخية أن لا يمر نهر الحزن والغضب الانساني الكربلائي بالحولة والتريمسة؟
إن موقفاً شيعياً معبَّراً عنه بقوة وحكمة ومحبة ورحمة واعتدال وتوازن، مع الشعب السوري، من شأنه أن يسهم بقوة في تلافي الفتن الطائفية ، في كل البلاد العربية ، وخاصة في سوريا ، حيث لم يعد هناك مجال لإخفاء الوقائع المقلقة والممهدة للفتنة، والتي يرتكبها أشقياء وأغبياء بثياب مذهبية مهلهلة وأدوات جريمة مسمومة .
إن الحريصين على الحفاظ على الصورة الحقيقية والمتوارثة للشيعة، باعتبارهم مكوناً أصيلاً وشريكاً في أوطانهم، مدعوون الى تصحيح المشهد، لجهة تظهير الموقف الشجاع والصحيح المتعاطف مع انتفاضات الشعوب العربية وحقوقها، من دون تفريق بين مستبد هنا أو هناك، وأن يعبروا بشجاعة عن موقف عقلاني، ثوري وواقعي، آخذين في اعتبارهم أن للشعب السوري حقاً عليهم، كما هو حقهم عليه، وأن هذه اللحظة هي لحظة الوفاء بالحقوق، وهي لا تتحمل تأجيلاً أو تسويفاً أو صمتاً أو تهرباً أو تهوراً ، أو خضوعاً لابتزاز السائد السياسي الشيعي بالقوة ، والحافل باحتمالات الخطر على سلامة الوجود الشيعي والحضور الشيعي في أي حركة نهوض وطني ، والمؤثر سلبياً على أمثالهم من مكونات الاجتماع الوطني في البلاد العربية .. هذه المكونات التي لا تقل مطالبتها بالانحياز النهائي للديموقراطية والتغيير إلحاحاً عن مطالبة غيرها، نفياً للشبهات التي تأتي من مواقف وخطابات تجير مكونات دينية بعينها لصالح الاستبداد من دون أن يكون ذلك مطابقاً للواقع أو حائزاً على رضا الجماعات المعنية بدورها الوطني وتاريخها في المشاركة وشوقها الى الحرية والعدالة.
إننا بحاجة الى أمثال عبد القادر الجزائري ليطفئوا الفتنة بالتعاون مع علماء دمشق وفاعلياتها، وبحاجة الى عقل وفكر عبد الرحمن الكواكبي، وخط ابراهيم هنانو ورفاقه، وشجاعة الشيخ صالح العلي وريادته وسلطان باشا الأطرش وفريقه الذي لا ننسى أن أدهم خنجر الآتي من وسط نضالي شيعي في جبل عامل كان ضيفه الآمن وشريكه في النضال.. إننا بحاجة الى التذكير بعالم الشام المرجع الديني الشيعي السيد محسن الأمين، الذي شهد له الجميع بالريادة في الإصلاح والوحدة، ونتخيله خطيباً للجمعة في المسجد الأموي أو مسجد السيدة زينب، في جماعة من كل المذاهب، كما كان يحدث، يقرأ الفاتحة، في نهاية الصلاة، بصوت جهير وجريح، على أرواح شهداء التريمسة، ويختمه بدموع حسينية طاهرة مطهِّرة.. وهل يمكن للسوري.. المسلم أو المسيحي أن ينسى الشامخ الباذخ علماً وعملاً فارس الخوري.. أو السلسلة الذهبية من الأمراء ال ارسلان وبالاخص الامير شكيب وعجاج نويهض وأمثالهم من علامات سوريا وبلاد الشام؟ وماذا كان يمكن أن يفعلوا لو بعثوا؟ سوف ينهمكون قطعاً بسد ذرائع الفتنة .
وإننا إذ ندعو الى استيعاب بعض المواقف وتجاوزها من الطرف السوري والى إعادة النظر فيها من الطرف اللبناني المعني، نؤكد أننا لن نفرط بالدم السوري، ونطالب بإطلاق سراح أخوتنا المحتجزين تطبيقاً لسد ذرائع الفتنة.
وهذا بياننا موقعاً بأسمائنا من دون مواربة لأننا منحازون كجميع أهلنا للحق والحقيقة في سوريا ومستقبلها الذي يعنينا.
العلامة السيد محمد حسن الامين، العلامة السيد هاني فحص، الشيخ حسان رطيل ، الشيخ عباس الحايك ، الشيخ عباس الجوهري ، السيد ياسر ابراهيم، الشيخ محمد حجازي . الشيخ محمد علي الحاج
والنشطاء في الشان السياسي و الاجتماعي، مع حفظ الألقاب :
احمد مطر ، اكرم عليق ، اسماعيل شرف الدين ، بادية فحص ، حنين غدار ، حبيبة درويش ، حارث سليمان ، حسن عباس ، حيدر اللقيس ، حامد السيد ، حسن بزيع ، حسن محسن ، حسين حركة ، حسن فحص ، حسن هزيمة ، حسين قاسم ، خليل الزين ، خليل شقير ، راشد حمادة ، زينة الرز ، سناء الجاك ، سامي منصور ، سعود المولى ، صلاح الحركة ، علي الامين ، عبد الله رزق ، علي عميص ، عمر حرقوص ، علي عبد الامير عجام ، عماد قميحة ، علي حيدر شعيب ، علي الحارث ، عماد الامين ، علي حسين ، علي عطوي ، علي شرف الدين ، غالب ياغي ، فادي الطفيلي ، فادي توفيق ، فادي يونس ، فؤاد حطيط، فادي كنج ، كاظم عكر ، كريم صالح ، لقمان سليم ، ماجد فياض ، مجيد مطر ، مصطفى الكاظمي ، مصطفى فحص ، مياد حيدر ، ميرنا المقداد ، محمد المقداد ، محمد الشامي ، مروان كنج، مالك كلوت ، ، نضال ابو شاهين ، نوفل الجلبي ، نبراس الكاظمي ، هادي الأسعد ، هاني امهز ، وائل الأسعد ، ياسر اياد مكي
حوار حول السلفية الشيعية مع العلامة الدكتور حيدر حب الله
أجرى الحوار وأعدّه: سلوى فاضل
نشر هذاالحوار في العدد 118 من مجلة شؤون جنوبية، في لبنان، لشهر نيسان من عام 2012م.
يُعتبر العلاّمة الدكتور حيدر حب الله من أبرز العاملين في مجال التجديد في الفكر الاسلامي المعاصر، ومن أبرز الدعاة إلى مواجهة التطرف حيث يقول في احدى مقابلاته: "إن التيار النصّي في الوسط الشيعي المعاصر (وبعضهم يسمّيه تيّار السلفيين الجدد) تيار جديد في صورته المعاصرة، لهذا يأخذ وقته في التبلور، وعندما يتبلور ينفصل تماماً، إن ظواهر الإقصاء المتبادل تعزز هذا الانقسام وتقوّيه".
كان لـ(شؤون جنوبية) لقاءاً مع حبّ الله حيث حاولنا فيه الاطلالة على الوضع الديني الشيعي العام.
1 ـ يشهد الواقع الاسلامي ظاهرة التشدد الديني (السلفية السنية) في مرحلة (الربيع العربي)، في ظل تسلّم السلفيين الحكم في عدد من الدول التي شهدت تغييرا سياسيا، هل تعتبر كباحث معني بالفكر الاسلامي ان هذه الظاهرة نوع من ردة أم عودة الى الاصول ام انها ليست الا عبارة عن حركة سياسية لا أكثر؟
ج1ـ لعلّه يمكن فهم هذه الظاهرة بوصفها تعبيراً عن فشل الحركة الإسلامية النهضويّة التي انطلقت مع الأفغاني وعبده في تحقيق منجزات بمستوى المرحلة، كما يمكن فهمها في سياق أوسع يعبّر عن إحساس الخوف على الذات والهويّة والشعور بعقدة النقص أمام الآخر الحضاري (الغرب)، وهو ما حصل بعد انهيار المعسكر الاشتراكي ودخولنا مدار العولمة، فإنّ الحركات الماضويّة حالها حال الاتجاهات الصوفيّة، يمكن أن تظهر في مناخ إحباط عام وفي وسط أحزمة البؤس الاقتصادي، وبهذا المعنى نستطيع أن نعتبر العقل السلفي بواقعه الجديد (النسخة الأخيرة المعاصرة) رغبةً في الفرار من الحاضر نحو الماضي الذي يعيد للإنسان إحساسه بالذات والهويّة المنسية، وردّةً عن مقولات عصر النهضة الإسلامي مع رموز التجديد الكبار، حتى رأينا بعض رموز تيار التجديد اليوم ينقلب سلفيّاً يكفر بكل ما كان قد آمن به أو نظّر له من قبل.
2 ـ ثمة تيارين داخل الطائفة الشيعية، الأول ينفتح على المذهب السني ويدعو الى الوحدة والتقريب، والثاني يؤكد على المذهبيّة الحادة أو ما يعرف بالشيرازية. برأيك لمن المستقبل؟ وكيف سيكون عليه الحال المجتمع الاسلامي في حال أخذت ما يعرف بـ(السلفية الشيعية) طريقها نحو الانتشار؟
3 ـ بعد مرور اكثر من عقدين على انتصار الثورة الاسلامية في ايران، هل تعتقد ان للتشدد الديني الشيعي، دوره في انتشار السلفية السنية، ولو متأخرة في القرن الحادي والعشرين؟
ج2 و3ـ بعد إبداء تحفظي على استخدام تعبير (الشيرازية) في هذا السياق؛ حيث لا يتماهى مع كافّة تيارات هذه الجماعة لاسيما منها ما ظهر منذ التسعينيات والتحوّلات التي طرأت عليها في بلدان الخليج، أرى أنّ الجواب عن أصل السؤال رهين طبيعة المتغيّر السياسي؛ لأنّ التاريخ الشيعي الحديث شهد نهوضاً لتيار التقارب مع العلماء: محسن الأمين وموسى الصدر وفضل الله وشمس الدين وكاشف الغطاء والبروجردي و.. وكانت هذه هي السمة البارزة للحركة الشيعية النهضوية منذ بداياتها في النجف، وقد حقّقت نتائج جيدة في الحضور الشيعي العربي منذ تجربة دار التقريب في القاهرة ثلاثينيات القرن الماضي، ولو رصدنا الحركة المتشدّدة التي لا تملك حتى الآن زمام الأمور في تقديري، فإنّها ولدت كردّ فعل على التيار التقريبي من جهة ونتيجة لارتدادات أزمة الهوية التي جاءت مع العولمة من جهة ثانية إلى جانب مؤثرات سياسية محدّدة، ولهذا وجدنا حركة التشدّد بارزة منذ التسعينيات، لاسيما في محاربة العلامة فضل الله الذي وضع بنظرهم العقائد الشيعيّة على مذبح التقريب بين المذاهب، فإذا انتهى الملفّ السياسي المتشنّج اليوم يمكن أن نتوقّع تراجعاً نسبيّاً لنفوذ الجوّ المتشدّد شيعيّاً، وانقلابه إلى صراع فكري داخل ـ شيعي، وهذا على الخلاف من السلفية السنيّة المعاصرة، فإنّها ولدت من مأزق الشعور بتراجع الإسلام السنّي بعد تدهور حال الإخوان منذ الثمانينيات في الجزائر ومصر والمغرب وتونس وسوريا وغيرها، وتقدّم معاصر للحركة الشيعية في منجزاتها في إيران ولبنان، لقد شكّل هذا المزدوج إحساساً بضعف المارد السنّي الذي بدأت قاعدته الشعبيّة تتقاسمها التيارات الفكرية والمذهبية والدينية الأخرى، فكان التشدّد تعبيراً عن رغبة عميقة في نهوض هذا المارد لكي يعيد الاعتبار والإحساس بالثقة أمام سيول المؤثرات الخارجيّة على أهل السنّة من أطراف عدّة، وهو ما يفسّر الإحساس الديني السنّي المتزايد اليوم بالأمان مع التيارات السلفيّة بوصفها مصدر قوّة في حماية الجماعة السنيّة، الخائفة أو المخوّفة من الآخر. وهذا لا ينفي أنّ بعض أشكال التشدّد الشيعي قد ساهم في التشدّد السنيّ والعكس صحيح؛ لأنّ العلاقة تبدو لي هنا جدلية لا من طرف واحد فقط، وأولئك الذين أذكوا نار التشدّد بحجّة خدمة المذهب هنا أو هناك يتحملون قسطاً من المآسي التي نشهدها اليوم.
4 ـ ما هم ابرز السلفيين الشيعة في العالم الاسلامي، بحسب رأيك؟ وبالخلاصة الى ماذا يهدفون من وراء تكريس هذه الحالة: الى حياة دنيوية تحكمها اقلية شيعية في عالم اسلامي ذي أكثرية سنية؟ ام الى حياة اخروية، لكن في الوقت عينه يتهدد فيه المجتمع الاسلامي برمته ويتجه نحو التقسيم والتفتيت؟
ج4ـ ما تريده أغلب هذه الجماعات التي بدأت تتخذ من بعض المرجعيات الدينية ظلاً لها، هو تحقيق الحدّ الأعلى من الخصوصيّة المذهبية في الفكر والاجتماع الإنساني، لهذا نجدها تقدّم القطيعة والتقوقع داخل الذات الجماعيّة على الاندماج الإيجابي في المحيط السنّي، ونجدها أيضاً تركّز على ظاهرة الشعائر بوصفها المُفْصِح الحقيقي عن الخصوصيّة، إنّ تحدّيات هذه الجماعات تكمن في الآخر الداخل ـ إسلامي، لهذا لا تولي أهميّة كبيرة للآخر الحضاري، ولا للتحدّيات المعاصرة الأخرى التي يواجهها الدين.
ولا يبدو لي مطروحاً اليوم الحديث الجادّ عن انفصال شيعي عن المحيط سوى ما أثير في العراق قبل سنوات، لكنّ هذه التيارات تفضّل القطيعة مع أهل السنّة بالمعنى الاجتماعي والفكري، وهي ترى أنّ تقدّم القوّة الشيعية أخرج الشيعة من حالة الضعف إلى حالة القوّة، وأنّه لم يعد يصحّ أن نتعامل بذهنيّة الأقليّة الضعيفة بعد تحوّلنا إلى سلطة قويّة، وهذا ما نلاحظه في الأدبيات الدينية لهذه التيارات فيما يتحدثون فيه عن انتهاء عصر التقيّة.
وأمّا الحديث عن التشظّي الإسلامي، فإنّ كثيراً من هذه الجماعات قد لا تعنيها هذه الكلمة شيئاً؛ لأنّ المهم عندها هو الإطار المذهبي الذي باتت تجتهد أكثر فأكثر للتنظير لحصر الإسلام به، وهو ما يجعل كافّة القضايا الأخرى لا تندرج ضمن أولويّات هذه الجماعات. إنّ فهم هذه الجماعات يجب أن يكون بتحليل قناعاتها من الداخل لا بإسقاط قناعاتنا وأولويّاتنا عليها.
5 ـ يتجه شيعة لبنان، المنضوي بعضهم، اما تحت اطارات حزبية دينية متشددة، وأخرى اكثر تشددا صوب مزيد من الارتكاز نحو القضايا المذهبية الانفصالية بالمعنى الديني، حيث لا نجد للوحدة من مقر سوى في الاحتفالات. بحسب رأيك من ينميّ هذه الظاهرة؟ ويمولها؟ ولصالح من؟ وهل يمكن ان نطلق عليها تعريف (السلفيّة الشيعية) مقارنة بالسلفيّة السنية؟
ج5ـ هناك جماعات دينية على المستوى الشيعي في المنطقة ترى أنّ آليات العمل السياسي المنطلقة من مفهوم المصلحة قد تركت تأثيرات سلبية على البُعد العقدي للجماعة الشيعية، وأنّه تمّ تقديم السياسي على المذهبي، وخلق حالة ازدواجيّة، ويذهب هؤلاء إلى أنّ هذه الظاهرة قد أبعدت وظيفة علماء الدين عن مجالها الديني والأخلاقي ليتحوّلوا إلى موظفي سلطة سياسية، وشيئاً فشيئاً ظهر تيارٌ على الهامش يعيد رسم أولوياته في سياق القضيّة العقديّة المؤجّلة سياسياً برأيه والالتزام الديني الصارم الذي لمس تهاوناً فيه مجاراةً للواقع المعاصر، وبعد أن شعرت القاعدة الشعبية بأنّ هذه الجماعات أكثر تعبيراً عن قيم الدين والتصاقاً بها على خلاف تيارات أخرى بدت لهم أنّها توظف الدين لخدمة مصالح سياسية أو تؤجّله للغرض عينه.. بعد ذلك بدأ الالتفاف حول هذه الجماعات الصغيرة التي قد تجد لها بعض الشخصيات الكبيرة الداعمة في مناخات بعضها متضرّر أو غير متوالم مع الحركة السياسيّة الشيعية التي جاءت منذ الستينيات، وبعد ظهور ما صنّف من قبل المعارضين أنّه انهيارات قيمية وأخلاقية في الحركة الإسلاميّة هنا أو هناك، وحصول تشظّيات داخلها خلال العقدين الأخيرين، ازداد نفوذ هذه الجماعات التي ظلّت تبدي نفسها تارةً من خلال تيارات ماضوية مذهبية ذات منطلق عقدي وتاريخي، وأخرى من خلال جماعات صوفية روحية ذات طابع مذهبي أيضاً، إنّ هذه الجزر الدينية لم تصل بعدُ إلى مستوى امتلاك القرار الشيعي، لكنّها بدأت بالتدريج بالنفوذ إلى داخل الجسم السياسي الشيعي بوصفها حركات دينيّة ثقافية، وقد ينذر ذلك ـ إن لم يجر الاشتغال الواعي عليه ـ بحدوث إرباكات في الحركة الإسلامية عبر اختراقها وتفتيت أولويّاتها من الداخل، في شيء يشبه ما حصل بين السلفية السنيّة والحركة الإخوانية في أكثر من بلد عربي.
أمّا التسمية، فيختلف الموقف منها تبعاً لاختلاف تفسيرنا للمصطلح، فإذا قصدنا منه تيار العودة إلى السلف الأوّل أو الاتجاه الماضوي الاستنساخي عموماً فيمكن تصحيح التسمية، أما إذا قصدنا منه التيار التكفيري بشكله السائد ومبادئه وآلياته فمن الصعب جداً حتى اليوم تبنّي مثل هذا المصطلح في المناخ الشيعي، وإذا كان هناك أفراد لديهم هذه العقليّة فإنّ غالبية الرموز الدينية الكبيرة في العالم الشيعي لا تحمل هذا النمط من التفكير بوصفه منهجاً نشطاً في الرؤية والممارسة.
العلاّمة الدكتور حيدر حب الله
لبناني من مدينة صور الجنوبية، انهى الدراسات الدينية في المراحل التي تُسمَّى بـ"المقدمات والسطوح" في لبنان، وانتقل إلى الدراسة العليا في الحوزة العلمية في "قم" عام 1995. وتتلمذ على أبرز الشخصيات المتخصّصة في مجال الفقه وأصول الفقه والتفسير وعلوم الحديث والرجال. وساهم بتأسيس مجلة "أصداء"، كما تولى رئاسة تحرير بعض المجلات مثل "المنهاج" و"نصوص معاصرة" و"الاجتهاد والتجديد". وصدر له عدة كتب منها: "مسألة المنهج"، و"التعدّدية الدينية"، و"بحوث في الفقه الزراعي". وترجم حب الله بعضا من الكتب الإيرانية الهامة، مثل "بين الطريق المستقيم والطرق المستقيمة" و"المجتمع الديني والمدني" و"الأسس النظرية للتجربة الدينية".
الخميس، 23 أغسطس 2012
مسلمون ومسيحيون معاً : ضد الهجرة المسيحية من العالم العربي
بيان للتوقيع
يواجه العالم العربي تحولات مجتمعية عميقة بدأت ترسم مصيره لأجيال عديدة قادمة. يتسم بعض هذه التحولات بطابع إيجابي بناء يتمثل في التأكيد على التمسك بقيم العدالة والحرية والديموقراطية وحقوق الانسان . الا ان من هذه التحولات أيضاً ما يتسم بطابع سلبي مقلق وخطير ، يتمثل في الهجرة المسيحية من العديد من الدول العربية .
ان هذه الهجرة وإن كانت بدأت قبل بداية هذه التحولات ، الا انها بما تمثله من خطر على تماسك نسيج المجتمعات العربية المتنوعة ، ومن تشويه لصورة العيش الوطني الواحد التي صاغت هوية هذه المجتمعات على مدى قرون عديدة سابقة ، وبما تسفر عنه من استنزاف وهدر لثروة الأمة العربية من قدرات فكرية وعلمية وتربوية واقتصادية ، تتطلب موقفاً موحداً وعملاً مشتركاً لمواجهتها والتصدي لها بما يصون وحدة المجتمعات العربية واحترام تعددها الديني والمذهبي. فلقد كان هذا التعدد على مدى التاريخ ، المكوّن الأساس لشخصيتها والعمود الفقري الذي قامت وتقوم عليه هويتها القومية .
من أجل ذلك ، تداعت مجموعة من المؤسسات والشخصيات العربية المعنية بالحوار وبالعلاقات الاسلامية المسيحية لإطلاق مبادرة مشتركة تندد بالهجرة المسيحية وترفع الصوت عالياً في وجه أسبابها ومسببيها ، وتؤكد على التمسك بالثوابت الوطنية التي جعلت في السابق ، وتجعل اليوم وغداً من المسيحيين والمسلمين العرب أمة واحدة يواجهون معاً مصيراً واحداً ويصنعون معاً مستقبلاً واحداً أيضاً . فالمسيحيون العرب لا يحتاجون الى تطمين من أخوانهم وشركائهم في الوطن ، ولكن الحاجة الجامعة لجميع المواطنين ، مسلمين ومسيحيين ، هي الاطمئنان الى سلامة العيش الواحد والى سلامة الحريات العامة والى سياة القانون وتثبيت دعائم السلم الأهلي .
وانطلاقاً من هذه القواعد الكلية ، يؤكد الموقّعون على هذا النداء على الثوابت التالية :
اولاً : المسيحيون والمسلمون مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات . ومسؤولون معاً في ، وعن ، أوطانهم ومجتمعاتهم .
ثانياً : التأكيد على صيانة واحترام الحريات الدينية إيماناً وشعائر وممارسة ، والتي كانت الطابع الذي تميزت به المجتمعات العربية على مدى التاريخ .
ثالثاً : رفض كل أنواع التطرف والغلو التي تحاول إنكار الآخر المختلف أو التنكر له أو تجاوزه أو فرض قيود على حرياته .
رابعاً : ادانة كل أنواع الارهاب الجسدي أو الفكري أو الديني ، والتمسك بمبدأ اللاإكراهية في الدين ، على قاعدة الايمان بالله الواحد رب الناس أجمعين .
خامساً : اعتبار الاعتداء على أي مسيحي ، لدينه ، بمثابة اعتداء على كل مسلم . واعتبار انتهاك حرمة أي كنيسة بمثابة انتهاك لحرمة كل مسجد . والتأكيد على حرمة بيوت الله جميعاً وقداستها .
سادساً : التأكيد على ان دعوة المسيحيين الى عدم الخوف وتالياً الى عدم الهجرة، يفترض أن يكون مترافقاً ، بل يجب أن يترافق ، مع دعوة المسلمين الى تجنب تخويفهم باستخدام سلاح الأكثرية العددية أو التلويح باستخدامه . فليس صحيحاً ان الوحدة الوطنية لا تقوم الا على طغيان العدد أو على وحدة المعتقد . لقد قامت الوحدة الوطنية ويجب أن تقوم على أساس قبول التنوع والتعدد ، بما يتطلبه ذلك من احترام للحريات الخاصة والعامة ، المدنية منها والدينية .
ان التحولات العميقة التي تشهدها مجتمعاتنا العربية والتي تعكس طموحات مشروعة من حيث التأكيد على احترام الكرامة الانسانية ، وحقوق المشاركة في اتخاذ القرارات وصناعة الغد الأفضل ، لا يمكن أن تؤتي أكلها اذا غاب أو إذا غُيّب عنها مكوّن أساس من مكوناتها الأصيلة . ولتجنب ذلك يجب التصدي بكل فعالية لموجات الهجرة المسيحية التي بلغت مستويات استنزافية خطيرة . ويتطلب هذا الأمر أولاً وقبل كل شيء ، صيانة الوحدة الوطنية من عبث العابثين ، والارتفاع بها الى مستوى ما تمثله ارادة الله في اختيار هذه المنطقة دون غيرها من مناطق العالم ، لتكون مهبط وحيه ومنطلق رسالاته الى الناس أجمعين .
محمد السماك
سعود المولى
الشيخ الطفيلي: هنالك "بَطَر شيعي" ومن خطف إبن المقداد ليس المعارضة السورية
سلاح المقاومة أصبح مخزياً بعد انغماسه في وحول سوريا والداخل
رأى الأمين العام الأسبق لـ"حزب الله" الشيخ صبحي الطفيلي أن النظام السوري حتما راحل، مشيرا الى أنه لا يجوز ربط الناس وشرائح المجتمع بأمر زائل، مطالبا أهالي باب التبانة وجبل محسن أن يبقوا جيرانا لأنهم سيبقوا بعد زوال النظام.
وأضاف الطفيلي في حديث للـ"المستقبل" أن سوريا تحترق من أقصاها إلى أقصاها والقادم أعظم، لافتا الى أن هناك مسعى من قبل النظام لإستخدام كل من يمكن استخدامه في لبنان.
وقال: "ليس من مصلحة "8 آذار" انفجار الوضع في لبنان لأن ذلك كمن يدمر البيت فوق رأسه فهم من يمسكون زمام الأمور في البلاد، وأتخوف من إمكان حصول "14 آذار" على قدرة عسكريّة قادرة على الوقوف بوجه القوّة العسكري لـ"8 آذار" لأن عندها سيدخل لبنان في حال الحرب".
وتابع الطفيلي: "الإيرانيون لا يريدون حرباً أهليّة في سوريا وإنما يريدون الحفاظ على النظام وهم مخطئون في ذلك لأن هذا النظام ساقط، وجل ما يفعلمونه اليوم هو تأجيج الحرب الأهليّة التي يمكن أن تتجاوز سوريا، وهناك دول من جملتها إيران وبعض الدول في الخليج تعتقد أن من مصلحتها الحرب المذهبية التي إن كانت تشعل المنطقة إلا أنهم يعتقدون أتهم سيسلمون وهذا الأمر قبيح".
وتطرق الطفيلي لقضية المخطوفين اللبنانيين في سوريا والسوريين والأتراك في لبنان، لافتا الى أنه سمع كلام إبن المقداد، وأن كلامه والتعابير التي استعملها تدل على أن ليس علاقة له بـ"حزب الله" ومن اختطف ابن المقداد يعرف أنه ليس في الحزب وهم قوّلوه ما قال. وقال: "لذا أنا أعتقد أن من فعلوا هذا الأمر ليسوا من المعارضة الكريمة في سوريا والمختطف أحد إثنين إما مجموعة مسلّحة من اللصوص والقتلة المرتبطين بدولة خارجيّة أو مجموعة تابعة للنظام ونحن نعلم أن النظام يرغب في نشر الفوضى في المنطقة لعله يخوّف الداعمين للمعارضة".
وأضاف: "أنا مطمئن أن من خطف إبن المقداد ليست المعارضة السورية وإنما مجموعة تابعة إما لدولة خارجيّة أو للنظام من أجل تأزيم الوضع في لبنان. واللبنانييون المخطوفون في اعزاز بعضهم مع المعارضة السوريّة وأنا أعرفهم جيّداً، وأنا أسأل آل المقداد هل ما تفعلوه يخدم ولدكم؟ إنكم تشجعون الخاطف على خطف المزيد من أجل أن تكبر الفتنة".
وشدّد على أن خطف المواطنين السوريين في لبنان لا يجوز شرعاً وما يحصل ضد الأخلاق حتى لو خالف بعضهم في سوريا الدين وارتكب المحرّم، ويجب أن يفرج عن كل السوريين في لبنان، مضيفا أنه لا يجوز أن تقول الدولة أنها عاجزة، وهو مستعد للذهاب إلى كل الخاطفين من أجل محاورتهم وإقناعهم بتحرير المخطوفين.
وسأل الطفيلي: "إذا صح أن طيران النظام السوري هو من قصف أعزاز فماذا أراد النظام من وراء هذه الفعلة عبر قتل المخطوفيين اللبنانيين؟" هو أراد أن يستثير الناس.
وتابع: "من قصف أعزاز أراد إشعال لبنان، وأقول لأهالي المخطوفين في أعزاز ألا تعتقدون أن تصرفاتكم قد تسبب بمقتل أبنائكم؟ ولا أحد في لبنان لا يعرف أن سبب الرجوع عن إطلاق صراح المخطوفين يوم كان يقال إنهم سيطلقون هو تصرفات بعضنا لأن هناك حال "بَطَرْ" في الشارع الشيعي".
ورأى أنه لا يجوز على حساب دماء أولادنا المخطوفين أن نلعب سياسية، سائلا: "هل يجوز مهاجمة من يعمل على إطلاق أبنائهم؟".
وأشار الى أن هناك "بطر المجنون" وأي تصرّف خاطئ ممكن أن يتم إعادتهم إلى لبنان في أي لحظة، فهناك شيعة أين مكان وإن كانوا يتغنون بـ"الخرطوشتين" اللتين يملكونها فـ"إن بني عمّك فيهم رماح".
أنا لم أسمح بخطف أي رهينة أجنبية وهذا الموضوع لا علاقة لنا به لا جملة ولا تفصيلاً
وتابع: "نحن نسعى ونحاول ما استطعنا وأكرر وأدعو آل المقداد أن يعيدوا النظر ويطلقوا سراح الجميع، لأن هؤلاء مظلومون لجأوا إلى هنا هرباً من الظلم وإن كانوا من "الجيش السوري الحر"، فهذا الجيش يدافع عن نفسه، وأنا لم أسمح ولا للحظة واحدة أن ينغمس "حزب الله" في خطف أي رهينة أجنبيّة، وهذا الموضوع لا علاقة لنا به لا جملة ولا تفصيلاً".
ولفت الى أن "السلاح الذي استخدمناه ضد العدو الإسرائيلي وسمينا نفسنا مقاومة انغمس في وحول الداخل وأنا أتخوّف من انغماسه في الوحول السوريّة ما يزيدنا عاراً وخزية أمام الله".
ورأى أن هناك مقولة في الشارع الشيعي تقول إن "حزب الله" مضطر للوقوف إلى جانب النظام السوري والدفاع عنه والقتال عنه، متمنيا التفكير مالياً. قائلا لأهله وأحبائه: "نحن هنا منذ مئات السنين وسنبقى فالأنظمة راحلة أما الشعوب باقيّة ومسألة أن صلاح الدين والمماليك تعرّضوا للشيعة هنا أم هناك فهي مسألة سياسيّة بامتياز ولها حيثياتها القديمة ويمكن لنا التحدث عنها كي نستبين الحق من الباطل".
وقال: "أنا أعرف أن المعارضة السوريّة حاولت في أكثر من مرّة طمأنة المقاومة مقابل وقوفها فقط على الحياد، وأنا أدرك أن هؤلاء صادقون".
واضاف: "الأقباط في مصر وضعهم أفضل من زمن الرئيس حسني مبارك وقيل الكثير عندما حصلت الثورة في تونس ومصر عن إمكان وصول المتطرفين، هناك استعمال لفزاعة لا وجود لها وهناك من يمسكون برقاب العباد ويحاولون إيخاف الناس كي يكونوا على منأى من الثورة. وأنا أعرف أن مصلحة الأقليات هي في إزاحة هذه الحكومات الظالمة، والديمقراطيات تحمي لأن الحاكم بحاجة الى أصوات".
وتابع الطفيلي: "أنا قلت لإخواني في "حزب الله" أنتم لديكم علاقات جيّدة مع النظام فلما لا تنشئون علاقات مع المعارضة وتدخلون مغيثون إلى المدن وتجدوا حلاً سياسياً للأزمة، لأن الحل العسكري يضر الجميع".
وأشار الى أنه عندما يقول "كونوا مصلحين" فيعني أن هذا الاصلاح يخدم النظام لأنه يطالب بالحوار، موضحا أنه إذا ما دخل "حزب الله" كمعاون في الموضوع فهل في الأمر ضيم؟ وقال: "لنفترض أن الحزب لم يستطع فإن بقي النظام فأنت صديقه وخدمته بما تستطيع وإن أتت المعارضة فهي صديقتك وأنت خدمتها أيضاً".
وأكّد أن في العالم العربي لا دولاً ممانعة حتى النظام السوري، مستذكرا معاناته في المقاومة مع النظام السوري، لافتا الى أنه عانى عندما كان أميناً عاماً لحزب الله، موضحا أن يمكنه أن يكتب ملفات عن الموضوع. وقال: "أنا أتكلم عن المقاومة وهي بحاجة لتتنفس والنظام السوري كان كثير الضغط وكنا نتألم جداً جداً جداً، وإذا سمح الوقت في مكان آخر سنتكلم عن الموضوع".
واضاف: "نعم، النظام السوري سلّح "حزب الله" إلا أنه فعل ذلك بعد انتهاء المقاومة وعندما لم تعد قبلة "حزب الله" هي القدس، وأتمنى أن تتوجه الصواريخ التي عند "حزب الله" إلى مكان غير الداخل اللبناني".
وتابع الطفيلي: "هناك مؤامرة على سوريا وليس في سوريا ثورة، وهذه لغة القيادة الإيرانيّة والكثير من الإخوة في لبنان. هم مع الثورات في الدول العربيّة إلا في سوريا. يقولون إن الأميركي يتدخل وأنا أقول إن الأميركي لم يسمح حتى الآن بتسليح المعارضة وهو دخل إلى العراق بتهليل وتصفيق إيران".
وسأل: "كيف يمكن أن نقبل أن التدخل الأميركي في العراق عمل شريف فيما الدعم الإعلامي لا أكثر للمعارضة السوريّة هو مؤامرة؟ اوليس الأميركي هو من أخرج مصر من العمالة إلى صفوف الأشراف فيما يعيد سوريا من بين أيدي الأحرار إلى صفوف العمالة؟ هذا كلام غير منطقي".
وقال: "أصحاب المشاريع ومن جملتهم إيران يريدون حرق المنطقة وهذا أمر لا يخدم سوى الصهاينة والأميركي، وأنا أحببت الطرح المصري في موضوع الأزمة السوريّة، لأنه لا يجوز أن تبقى الأنظمة التوتاليتاريّة ولا حق لأحد في الدفاع عنها، ويجب تحويل سوريا دولة ديمقراطيّة تحكمها إرادة الشعب".
ورأى أن الإمام الخميني لم يفكر يوماً بعقليّة مذهبية إلا أن النظام الإيرانيّ اليوم يفكّر بعقليّة مذهبيّة بحتة.
وأضاف: "النظام اللبناني بشكل عام نقمة، والطائفية كارثة في لبنان وأدعو الى المواطنية وأن يكون هناك قانون في لبنان أن يخرجنا من كل الطوائف، ولبنان طوائفه عشائر وكل إنسان يستصرخ عشيرته وهذا منطق جاهلي ومن المفترض أن تحكم العدالة وكلنا ضد الظلم والجريمة".
وتابع: "سقوط النظام السوري سيكون له أثر مدوٍّ في لبنان، وستتبدل الأدوار. إن بوابة لبنان على العالم أجمع هي سوريا واي جهة تريد أن يكون لها علاقات غير غربيّة ينبغي أن تمر عبر حدودنا البريّة مع سوريا، لذا يجب أن يفتش اللبنانييون عن علاقة مع الدولة السوريّة أياً تكن هذه الدولة، وإلا فالبديل هو إسرائيل".
وأشار الى أنه يذكر عندما أرادت "القوّات اللبنانيّة" إقامة علاقة مع الغرب قالوا لهم مرّوا عبر إسرائيل، وحتى إيران عندما أرادت أن تشتري قطع غيار في حربها ضد العراق قاموا بإجبارهم على شرائها من إسرائيل. إن القاعدة عند الغرب هي أن بوابة العلاقة معهم هي إسرائيل.
وقال: "أخطأنا جداً عندما دخلنا بيروت بالسلاح في 7 أيار، ونخطئ عندما نتكلم أننا يمكننا أن نحسم الأمور في الداخل بالقوّة لأننا بذلمك ندعوا الجميع إلى التسلح من أجل حماية أنفسهم من سلاحي. ويجب أن يكون في لبنان سلاح واحد هو سلاح الجيش وأن يكون القرار السياسي بيد الدولة إلا أنه ليس في ظل هذه الدولة".
وأضاف الطفيلي: "لبنان أبعد ما يكون عن الدولة الإسلاميّة لطبيعته وتكوينه ونحن لم ننظر بهذه الفكرة وهذا الأمر لا مصداقيّة له. نحن بحاجة لبناء دولة حقيقيّة تحكمها القوانين المواطنين فيها متساوين وهذا الأمر يمكن أن يقوم به أهل الحوار".
وتابع: "ميشال عون وميقاتي وجنبلاط يتدللون و"حزب الله" مضطرون على إرضائهم حتى حليفهم الشيعي، هم يبتزون من الجميع وهم مضطرون على القبول بذلك بسبب سياستهم. ونحن ضيّعنا الفرصة بسبب انغماسنا في المتاهات الطائفيّة و"شكراً سوريا".
ورأى أن "بعد سقوط النظام السوري نحن أمام خيارات أحلاها مرّ، إما أن نحمل سلاحنا للدفاع عن موقعنا، أما أن يحاول الآخر نزع سلاحنا أو تبدأ مرحلة الإضعاف وتقوية الآخرين من قبل الأقوى".
وأشار الى أنه لا يتصوّر أن النظام في مصر سعيد من سياسة "حزب الله" في الأزمة السوريّة، وكذلك الأنظمة الأخرى وأستغرب الإكمال في هذه السياسة المجنونة. هناك من يحاول أن يصبح براكش بالنسبة لأهله وأدعو إلى إعادة النظر بسرعة لأن هذا الأمر لا يجوز.
وأضاف: "الغربة والوطنيّة لها علاقة بالعدل والظلم، وأتمنى على كل مستمع ألا يؤخذ بكلام لا طعم له أنا مطلوب للدولة اللبنانيّة لأنني كنت أدافع عن لقمة عيش الجائعين وقد أجابتنا الدولة على الأمر برصاصها. والحكام في لبنان مجموعة لصوص ونهاب ومجرمين".
ولفت الى أن "كلنا بالهوا سوا" فكل لبنان عشائر، هناك الكثير من آل المقداد في "حزب الله" كما أن الكثير من بينهم ضد الحزب وما يجري من خطف أبرياء في لبنان وسوريا جريمة من قبل الإثنين".
وقال: "من الممكن أن تكون قضيّة توقيف ميشال سماحة هي سبب التوتير في المنطقة، ولا أظن أن شعبة المعلومات كان ليقدم على إلقاء القبض على سماحة لو لم تكن القضيّة محكمة ضده".
وطالب اليوم قبل الغد بانعقاد طاولة الحوار وأن يتم وضع أسس لدولة جديدة مدنيّة لا ريحة فيها للطوائف وتسلم إدارة شؤون الناس، وموضوع تسليم سلاح "حزب الله" هو عملي لأن لا حل آخر لنا.
وختم الطفيلي: "أنا لست طائفياً ولا أتحرك في حياتي من موقعي الطائفي أنا داعية للعدل وأنا أدافع عن المظلوم. ونحن حركة المستضعفين في العالم في المفهوم القرآني، والمسلمون ليسوا مذاهب وإنما هم أمّة واحدة، والمذهبيات صنع السياسة. عودوا إلى قرآنكم من دون سنة وشيعة والسنيّة الحديثة والشيعيّة الحديثة مصطنعة".
City, Empire, Church, Nation:How the West created modernity
Pierre Manent
Pierre Manent is a French political scientist. His essay was translated by Alexis Cornel.
We have been modern for several centuries now. We are modern, and we want to be modern; it is a desire that guides the entire life of Western societies. That the will to be modern has been in force for centuries, though, suggests that we have not succeeded in being truly modern—that the end of the process that we thought we saw coming at various moments has always proved illusory, and that 1789, 1917, 1968, and 1989 were only disappointing steps along a road leading who knows where. The Israelites were lucky: they wandered for only 40 years in the desert. If the will to be modern has ceaselessly overturned the conditions of our common life and brought one revolution after another—without achieving satisfaction or reaching a point where we might rest and say, “Here at last is the end of our enterprise”—just what does that mean? How have we been able to will something for such a long time and accept being so often disappointed? Could it be that we aren’t sure what we want? Though the various signs of the modern are familiar, whether in architecture, art, science, or political organization, we do not know what these traits have in common and what justifies designating them with the same attribute. We find ourselves under the sway of something that seems evident yet defies explication.
Some are inclined to give up asking what we might call the question of the modern. They contend that we have left the modern age and entered the postmodern, renouncing all “grand narratives” of Western progress. I am not so sure, though, that we have renounced the grand modern narratives of science and democracy. We may be experiencing a certain fatigue with the modern after so many modern centuries, but the question of the modern remains, and its urgency does not depend on the disposition of the questioner. So long as self-understanding matters to us, the question must be raised anew. Even if we do not claim to provide a new answer, we should at least have the ambition to bring the question back to life.
When unsure about the nature of something, we sometimes ask when and how it began. Such an approach is legitimate when investigating the question of the modern, but it immediately raises difficulties. Beginnings are, by definition, obscure. The first sprouts are difficult to discern. One can easily be mistaken. In what time period should we look for the beginnings of modernity? In the eighteenth century, the age of the American and French Revolutions? In the seventeenth century, when the notion of natural science was elaborated? In the sixteenth century, the era of religious reformation? These diverse origins are not contradictory, since modernity surely includes a religious reformation, science in the modern sense, and political and democratic revolutions. But what is the relationship between the Lutheran faith and the science of Galileo? Is there a primary intellectual and moral disposition that defines modern man? Or must we resign ourselves to the dispersion of the elements of modernity, which we would then see as held together only by the magic of a word?
Let us start with the one incontestable point in the perplexities just laid out: that we have wanted, and continue to want, to be modern. It is not necessary to know exactly what we want in order to know that, in so wanting, we form a project. Modernity is, first of all, a collective project—formulated in Europe and first applied there but destined for humanity as a whole.
To form a great collective project, ultimately destined for all humanity, demands great faith in one’s own powers. There is something striking in this regard about the beginnings of modern science: Bacon and Descartes, to name just two pioneers, showed extraordinary confidence in the capacity of the new science radically to transform the conditions of human life. What faith—what blind faith—they had, one is tempted to say! For modern science had yet to produce any of its miracles. Descartes, for example, imagined medicine’s prodigiously lengthening human life at a time when it was incapable of curing anything.
Inherent in the idea of a project are the beliefs that we are capable of acting and that our action can transform the conditions of our life. Many analysts of modernity have insisted on the second point, the transformative or constructive ambition of the modern project. But we must not pass over the first point too quickly. We are capable of acting—a world is contained in those words! Human beings have always acted in some way, but they have not always known that they were capable of acting. There is something terrible in human action: what makes us human is also what exposes us, takes us out of ourselves, and sometimes causes us to lose ourselves. In the beginning, human beings gathered, fished, hunted, or even made war, which is a kind of hunting; but they acted as little as possible, leaving much to the gods and tying themselves down with prohibitions, rites, and sacred restraints. Historically, properly human action first appears as crime or transgression. This, according to Hegel, is what Greek tragedy brings to light: innocently criminal action. Tragedy recounts the passage from what precedes action to properly human action.
So modernity may be described as a project of collective action—and the great domain of action is politics, which is action ordered and implemented. It follows that the modern project must be understood in the first instance as a political project; we must situate it, therefore, in the history of European and Western political development.
Modernity is characterized by movement, a movement that never reaches its end or comes to rest. There are great civilizations other than the West, and much has happened in them, but they have not known historical movement. They have chronicles but not a history—at least before the pressure or aggression of the West brought them into history. In the West, by contrast, one finds a singular principle of movement, and this is what characterizes it above all.
The movement of the West began with the movement of the Greek city. Some have said that the Greeks ignored history, that they had a cyclical understanding of time, and that time oriented by history began with Christianity, if not with the modern philosophy of history. That contention does not hold up. The Greeks were well acquainted with the irreversible time of political history. Aristotle was just as capable as Tocqueville of observing that, in his age, democracy was the only regime still possible.
To be more precise, Western movement began with internal and external movements of the Greek city—that is, with class struggle and foreign war. Cities were the ordering of human life that brought to light the domain of the common, the government of what was common, and the implementation of the common. The Greek city was the first complete implementation of human action, the ordering of the human world that made action possible and meaningful, the place where men for the first time deliberated and formulated projects of action. It was there that men discovered that they could govern themselves and that they learned to do it. The Greek city was the first form of human life to produce political energy—a deployment of human energy of a new intensity and quality. It was finally consumed by its own energy in the catastrophe of the Peloponnesian War.
Subsequent Western history was, on the whole, an ever-renewed search for a political form that would recover the energies of the city while escaping the fate of the city—the city that is free but destined to internal and external enmity. The form that followed the city was the empire. Imperial Rome was a kind of continuation of the city, but it deployed such powerful energies that it broke through all limits that had circumscribed cities and took in ever more distant and numerous populations, until it seemed to reach the point of gathering together the entire human race. The Roman Empire renounced the city’s freedom but promised unity and peace.
This promise was not kept, of course, or it was kept incompletely. However, as in the case of the city, political and spiritual energies partially survived the failure of the form. Not only did the imperial idea mark the West through the enduring prestige of the Roman Empire; the idea was reborn in a new form, one that was, again, particular to Europe. This was the Catholic or universal Church, which aimed to reunite all mankind in a new communion, closer than that of the most enclosed city and more extensive than that of the vastest empire. Of all the political forms of the West, the Church extended the greatest promises, since it proposed this community, at once city and empire; but it was also the most disappointing, since it failed to bring about the universal association for which it had awakened a desire.
Though I have just surveyed the history of premodern Europe with the speed and delicacy of Attila the Hun, I have gathered the elements of the situation that will allow me to elaborate the modern project. Europeans were divided among the city, the empire, and the Church. They lived under these mixed and competing authorities, these three modes of human association. The cities that survived or were reborn were in competition with—indeed, often at war with—the Roman Empire (now known as the Holy Roman Empire, in what is today Germany); and the Church was in competition with the cities and the empire, which, in turn, were in competition with it. The disorder was dreadful, a conflict of authorities and of loyalty. It was this confusion that the modern project wanted to allow us to escape—and in this, it succeeded.
The conflicts had to do with institutions but also, more profoundly, with the human type that would inspire European life. Whom to imitate? Did one have to follow the life of humble sacrifice for which Christ provided the model? Or was it better to lead the proud, active life of the warrior-citizen, a life for which Rome had provided the framework and of which Rome was the product par excellence? Should Europeans, surveying the ancient world, admire Cato or Caesar? Europeans no longer knew which city they wanted, or were able, to inhabit; thus they did not know what kind of human being they wanted, or were able, to be. It was in this radical perplexity, and in order to come to terms with it, that the modern project was born.
Finding themselves assailed by prestigious and contradictory authorities—words of the Bible, words of Greek philosophers, words of Roman historians and orators—the Europeans did not know which to follow and which to dismiss. Thus, they did not know how to act; they did not know how to respond to the question, What is to be done? Speech and action were disjoined.
The modern moment crystallized in the effort to attach speech to action more rigorously. This was the work of the Reformation. The authority of the Word of God had been divided between the Scriptures and Church tradition—but the Scriptures were accessible only through the mediation of the Church and in Latin, the language of the Church. Martin Luther wanted to attach Christian faith immediately to the Word of God as found in the Scriptures by rejecting the mediation of ecclesiastical authority and translating the sacred text into the language spoken and understood by the faithful. Sola scriptura, said the Reformers: Scripture alone.
It was Machiavelli, however, who—at exactly the same time as Luther—formulated in the most general terms what lay at the heart of the problem and what would be the principle of the political solution. Both problem and solution appear in Chapter 15 of The Prince:
But since my intent is to write something useful to whoever understands it, it has appeared to me more fitting to go directly to the effectual truth of the thing than to the imagination of it. And many have imagined republics and principalities that have never been seen or known to exist in truth; for it is so far from how one lives to how one should live that he who lets go of what is done for what should be done learns his ruin rather than his preservation.
The reason that Machiavelli decided to write about the way men actually lived, not the way they behaved in those imaginary “republics and principalities,” was the great distance, which we have just noted, between what men said and what they did.
Now, the greatest distance between speech and action is introduced by the Christian Word, which requires men to love what they naturally hate (their enemies) and to hate what they naturally love (themselves). The modern political project, which Machiavelli was the first to formulate, was therefore a response—it began as a response, in any case—to the “Christian situation,” one marked by competition among authorities, disorder of references, anarchy of words, and, above all, the demoralizing contrast between what men said and what they did.
What did Machiavelli mean by considering the “effectual truth of the thing”? He intended to prepare the way for a kind of action entirely liberated from speech, religious or otherwise, that praised or blamed—a kind of action that no speech could fetter, whether the external speech of an institution or opinion or the internal speech of conscience. The speech that has the most weight and that tends most to fetter action is: “This is good, that is bad.” Machiavelli did not seek to nullify this distinction; he did not confuse good and bad. Rather, he encouraged men to prepare themselves to do what was bad, to “enter into the bad,” as he wrote, when necessary. Machiavelli strove to break down the barrier formed by the words that tell us what we should do—which, he believed, give us little guidance, since we follow our natures and not our words, but which nevertheless constrain our freedom of action by limiting the field of possible or conceivable action.
It is difficult to say concretely what new political order Machiavelli imagined. One can say that by delivering human beings from respect for opinion, he prepared them for all possible actions, including the most audacious, the most ambitious, and even the most terrible.
Among the audacious and ambitious actions that have taken place in the theater of Europe, the modern state has conducted the most decisive. As we have seen, Christianity rendered the motives of human action uncertain and the speech that must be authoritative in the city doubtful. The modern state became sovereign by resolving or overcoming that conflict, by taking upon itself the monopoly of authoritative speech—or, more precisely, by producing commandments independent of all opinion (including all religious opinion), commandments that authorized or forbade opinions according to the state’s sovereign decision. At first, it is true, the state, uncertain of its strength, associated itself with religious opinion or speech—with a state religion. As it grew stronger, however, it forbade less and less speech and authorized more and more. Once it reached its full strength, it lifted itself above speech, becoming the “neutral,” “agnostic,” or “secular” state that we know so well.
But the modern secular state was only half of the solution to the problem of the gap between speech and action in the Christian world, precisely because a condition of its effectiveness was that it had no speech of its own. Yet there can be no human life without authoritative speech. Where would the modern state find such speech? It found it in society—by becoming “representative” of society. Representation joined society’s speech to the action of a state lacking its own speech.
The problem of the Christian age was solved, therefore, by the sovereign state and by representative government—that is, by our political regime considered as a whole. My object here is not to describe the mechanisms or, for that matter, to sketch the history of the representative regime. Still, one point must be emphasized. The decisive factor in the reconciliation between speech and action is the formation of a common speech by the elaboration, perfection, and diffusion of a national language. Luther’s Reformation was a spiritual upheaval, but it was also inseparably a political revolution and a national insurrection. Too often forgotten is that even before the modern state was consolidated and became capable of authorizing or prohibiting effectively, the nation had emerged in Europe as the setting for the appropriation of the Christian Word, which the universal Church had proved incapable of teaching effectively. Each European nation chose the Christian confession under which it wished to live and essentially imposed it, after many attempts, on its “sovereign.” Europe assumed its classic form with the “confessional nation,” soon to be crowned by its absolute sovereign, who would later bring about its “secularization”; and this was the form in which it succeeded in organizing itself in the most stable and durable manner. From then on, it was in the framework of a national civic conversation that Europeans sought to link their speech with their actions and their actions with their speech. The national form preceded and conditioned representative government.
So the history of the West unfolded in tension between, on the one hand, the civic operation—which the Greek city brought to light, and which the republican or “Roman” tradition sought to preserve and extend—and, on the other, the Christian Word, which opened up an unmanageable gap between speech and action in political society by proposing a new city where actions and speech might achieve an unprecedented unity, where we might live according to the Word. The practical solution was found in the nation distinguished by its confession, administered by a secular state, and governed by a representative government. The solution has neither the energizing simplicity of the civic form nor the ambitious precision of the ecclesiastical form. And the West will ceaselessly seek a final, complete solution that would bring together the energy of the civic operation and the precision of the religious proposition. The regimes that we call “totalitarian” are those capable of bringing together the most unbridled and terrible action with the most pedantic ideological and linguistic orthodoxy. Do we not see in such regimes the monstrous but altogether recognizable expression of the quest for such a final solution?
Today in Europe, civic activity is feeble, the religious Word almost inaudible. Yet as we noted at the outset, the modern project continues. Is it merely running on its own inertia, or is the ceaseless quest that I have just described still going on? To answer that question, it may be useful to offer a description of Europe’s present situation concerning the relationship between speech and action.
A frequent criticism of representative democracy or of parliamentary regimes is that they produce lots of talk but are incapable of action. Marx spoke of “parliamentary cretinism,” for example, and Carl Schmitt liked to cite Donoso Cortés’s sarcasms against the bourgeoisie, a clase discutidora—an “argumentative class.” In reality, however, a functioning representative democracy or parliamentary regime constitutes an admirable articulation of actions in relation to speech. During an electoral campaign, everyone proposes all sorts of imaginable actions, both possible and impossible. As soon as the election is over, those who have won the majority undertake to act according to their speech, while the minority, abstaining from action, must satisfy itself with talk in order to prepare for the next election. This transference back and forth of power, or the effective possibility of such transference, is essential to the mechanism.
In Europe, this arrangement has weakened considerably and is now almost unrecognizable. We congratulate ourselves for the attenuation of party conflict while oddly treating transfers of power as matters of momentous importance. The political landscape has been leveled. The webs of feelings, opinions, and language that once made up political convictions have unraveled. It is no longer possible to gain political ground by taking a position. This is why all political actors tend to use all political languages indiscriminately.
Political speech has become increasingly removed from any essential relation to a possible action. The notion of a political program, reduced to that of “promises,” has been discredited. The explicit or implicit conviction that one has no choice has become widespread: what will be done will be determined by circumstances beyond our control. Political speech no longer aims to prepare a possible action but tries simply to cover conscientiously the range of political speech. Everyone, or almost everyone, admits that the final meeting between action and speech will be no more than a meeting of independent causal chains.
The divorce between action and speech helps explain the new role of political correctness. Because speech is no longer tied to a possible and plausible action against which we might measure it, many take speech as seriously as if it were itself an action and consider speech they do not like equivalent to the worst possible action. Offending forms of speech are tracked down and labeled, in the language of pathologists, “phobias.” The progress of freedom in the West once consisted of measuring speech by the standard of visible actions; political correctness consists of measuring speech by the standard of invisible intentions.
The features of our political situation that I have highlighted are found in all Western countries but in an especially pronounced form in contemporary Europe. In Europe, what we say as citizens no longer has any importance, since political actions will be decided at some indeterminate place, a place we cannot situate in relation to the standpoint from which we speak. Everyone knows that the most solemn speech that a people can formulate, a vote by referendum, is a matter of indifference for the European political class, which charges itself with the responsibility of leading the necessary process of the “construction” of a united Europe. The supposed necessity of this process discredits and invalidates all political speech in advance.
If this process continues—the financial crisis of the euro has put extraordinary pressure on it—we will soon leave behind the regime of representative government and return to one of speechless commandment. The commandment will no longer be that of the state, which at least occupied a place of a certain elevation, but that of regulations. We do not know the source of regulations—only that we must obey them.
With the end or the weakening of the representative regime, which once joined actions and speech in the national framework, the modern political order is approaching the end of its journey. We are witnessing a deeper divorce between the movement of civilization and our political arrangements. The increasingly complex and constraining character of ordinary life and the tighter network of regulations that we obey with ever-greater docility must not blind us to the increasing uncertainty—the increasing disorder—in the shape of our common life. We are going forward on thinning ice.
In fact, we may be returning to a situation of political indetermination comparable, in a sense, with what preceded the construction of modern politics. Yet there is a major difference. During the premodern era, competing political forms—the city, the empire, and the Church—checked one another, so it was necessary to create the unprecedented form of the nation. Today, the situation is reversed. What we find is not an excess, but a dearth, of political forms. At least in Europe, the nation is discredited and delegitimized, but no other form is emerging. What is more, the reigning opinion, practically the sole available opinion, has been hammering into us for 20 years the idea that the future belongs to a delocalized and globalized process of civilization and that we do not need a political form. Thus, the need for a political joining of speech to action has been lost to view. Technical norms and legal regulations are supposed to suffice for the organization of common life.
Europe produced modernity—and for a long time, Europe was the master and possessor of modernity, putting it to the almost exclusive service of its own power. But this transformative project was inherently destined for humanity as a whole. Today, Bacon and Descartes rule in Shanghai and Bangalore at least as much as in London and Paris. Europe finds itself militarily, politically, and spiritually disarmed in a world that it has armed with the means of modern civilization. Soon it will be wholly incapable of defending itself. It has already been incapable of speaking up for itself for a long time, since it confuses itself with a humanity on the path to pacification and unification.
By renouncing the political form that was its own and by which it had attempted, with some success, to resolve the European problem, Europe has deprived itself of the means of association in which its life had found the richest meaning, diffracted in a multiplicity of national languages that rivaled one another in strength and in grace. What will come next?
قصتان من الماضي القريب
محمد السماك
سأروي قصتين قصيرتين.
القصة الأولى بين الرئيس الشهيد رفيق الحريري والإمام الراحل محمد مهدي شمس الدين يرحمهما الله.
اقترح الإمام على الرئيس إنشاء مركز للدراسات والأبحاث الإسلامية. تبنّى الرئيس الفكرة. وعلى عادته طلب إعداد مشروع تنفيذي لها.
وُضع المشروع وحُددت أهدافه، وفي مقدمتها أن يكون المركز منبراً للدراسات الإسلامية الحديثة والمتنورة. للإسلام الشامل لكل مدارسه الفقهية، وليس الشمولي الإلغائي لمن يختلف معه والتكفيري لمن يعارضه.
الإسلام الذي يقول بأن للمجتهد أجراً ولو أخطأ.
الإسلام الذي يؤكد على أن المذاهب وجهات نظر، وأن وجهة النظر أياً كان صاحبها لا ترقى الى الحقيقة المطلقة، وأنها، كأي عمل فكري أو اجتهاد إنساني، مفتوحة على الخطأ والصواب.
الإسلام الذي يدعو الى الاعتصام بحبل الله وعدم التفرق. وليس الى عدم الاختلاف، لأن الاختلاف قائم ومستمر بإرادة الله وحكمته، ولأنه لا يؤدي بالضرورة، بل يجب أن لا يؤدي، الى التفرق. إن الذي يؤدي الى التفرق، هو ثقافة عدم قبول الاختلاف وعدم احترام المختلف معه، وتالياً الزعم باحتكار الحقيقة والطريق اليها.
ثم لأن لبنان مجتمع متنوع، ولأننا نؤمن بالتنوع تعبيراً عن هذه الإرادة الإلهية، فإن من أهداف المشروع أن يكون المركز منبراً للدراسات الوطنية الإسلامية المسيحية أيضاً بحيث ينمي ثقافة العيش الوطني في لبنان ويرفد هذه الثقافة في الدول العربية الأخرى بمزيد من المساهمات الحية ويعكس تالياً رسالة لبنان التي تتجاوز حدوده السياسية.
ولكن مرض الإمام شمس الدين ثم وفاته، جمّد المشروع. وجاء بعد ذلك اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، اغتيالاً للمشروع أيضاً.
القصة الثانية بين القيادات السياسية والروحية اللبنانية الإسلامية: الرئيس نبيه بري، والرئيس فؤاد السنيورة، وسماحة المفتي الشيخ محمد رشيد قباني، وسماحة الإمام عبد الأمير قبلان.
في تموز من عام 2006 تمّ التوافق على عقد لقاء للقادة الأربعة في دار الفتوى. وكان الموضوع الوحيد على جدول الأعمال هو إطلاق مبادرة إسلامية لبنانية للمساعدة على وأد الفتنة المذهبية في العراق. أُعدّ مشروع البيان الذي كان سيصدر عن هذا اللقاء وفيه دعوة موجهة الى قيادات عراقية سياسية ودينية، سنية وشيعية، لعقد مؤتمر مفتوح في بيروت للاتفاق على معالجة الاختلافات الطائفية التي تعصف بالمجتمع العراقي والتي نفخ في رمادها الاجتياح الأميركي.
كان الوقت المحدد لاجتماع القادة الأربعة هو الساعة 12 ظهراً من يوم 13 تموز 2006. ولكن العدوان الإسرائيلي على لبنان الذي بدأ صباح ذلك اليوم، سرعان ما اشتد عنفاً مع ساعات النهار الى أن أصبح عدواناً شاملاً وحرباً مفتوحة.
أصبح الانتقال الى دار الفتوى خطراً. فتقرر تأجيل اللقاء بانتظار انتهاء العدوان. غير أن التطورات السياسية التي فجرتها القراءات المختلفة لكيفية وقف هذا العدوان الذي استمر 33 يوماً ووضع حد لتداعياته التدميرية الخطيرة، باعدت بين أصحاب المبادرة التقريبية والتوفيقية. وبالنتيجة استشهد مع الألف وأربعمائة لبناني من جراء العدوان الإسرائيلي شهيد لم تُقرأ عن روحه الفاتحة، وهو مشروع لقاء القيادات العراقية السنية والشيعية بدعوة من القيادات اللبنانية السنية والشيعية.
بالأمس كنا هناك، محلقين عالياً في طموحات توحيدية. واليوم أصبحنا هنا، غارقين في وحول ترهات الاختلافات المذهبية. نرى الشرّ ونسكت عنه، ونحن نعرف أن السكوت عن الشرّ، شرّ مثله. وأن عدم المبادرة، مبادرة.
لقد كانت الصعوبة دائماً هي في إيجاد علاج يكون أقل سوءاً من الداء، ولكن من سخرية القدر أننا أحياناً نبحث عن الرجل الأمين في ضوء مصباح مسروق.
بالأمس كانت الطائفية واقعاً نخجل منه ونرفع الصوت خجلاً منه.. واليوم أصبحنا، في معظمنا، نفكر طائفياً. ونتصرف طائفياً.. ننظم طائفياً. وننتظم طائفياً.. نبتهج طائفياً. ونحزن طائفياً.. ثم نشتم الطائفية وأهلها.
نعرف أننا مجتمع متنوع، ولكننا غالباً ما نتجاهل الحقيقة، وهي أن كل مجتمع متنوع معرّض لخطر التصدع. وأن هذا الخطر هو جزء أساس في بنية التنوع. ولذلك يمكن القول إن التنوع من دون خطر التصدع هو كالدين من دون الخطيئة أو المعصية. فالدين لا يدعو فقط الى تجنب ارتكاب الخطيئة، ولكنه يساعد مرتكبها على التخلص من معاناة ما بعد ارتكابها بحيث يتمكن من المصالحة مع نفسه، ومع مجتمعه من جديد. وكذلك ثقافة التنوع، فإنها لا تدعو فقط الى تجنب التشرذم والانقسام، ولكنها تساعد النرجسيين المغالين في حب الذات الى التصالح مع أنفسهم ومع مجتمعهم. وما العيش الوطني إلا مصالحة يومية مع الذات ومع الآخر.
إن أهم من قراءة المواثيق هو قراءة الناس. وأهم من إعداد سيارات الإسعاف في قعر الوادي، هو بناء الحواجز التي تمنع السقوط. ومن أولى متطلبات تأصيل ثقافة بناء الحواجز هذه، الانقلاب على ثقافة التبعية والاستتباع. ولعل من تباشير ذلك، هذا التحرك ممثلاً بالاتحاد العلمائي اللبناني وبالمركز العربي للحوار. ويبدو لي أن مؤسسي الحركتين يشاركوننا الإيمان بصحة المثل الصيني الذي يقول: "أنت لا تستطيع أن تمنع الطيور السوداء من أن تحلق فوق رأسك، ولكنك تستطيع أن تمنعها من أن تعشعش في رأسك".
في القرن الماضي كتب أندريه جيد رسالة الى توفيق الحكيم قال له فيها: "ان العقل العربي يحمل قدراً كبيراً من الإجابات أكثر مما يمتلك من الأسئلة".
وفي ظني أن إنشاء الحركتين وتعاونهما يطرح من الأسئلة.. أكثر مما يقدم من الإجابات. وهذا موضع أهميتهما. وهو في الوقت ذاته منطلق تفاؤلنا وإيماننا بالقدرة على صناعة غدٍ أفضل.
حاجتنا لتفكير جديد
د. قدري حفني
لعل أحدا لا يختلف علي حقيقة أن بلادنا تمر بمرحلة لم تشهدها من قبل، و مهما اختلفنا علي إيجابية أو سلبية ما نشهده، فمما لا جدال فيه أنه جديد بكل ما تعنيه الكلمة. من اهتمام غير مسبوق بالسياسة، إلي جرأة قد تصل إلى حد الاجتراء علي ما كان يعتبر التفكير فيه مغامرة غير محسوبة، إلي أضواء كاشفة مبهرة تبدو كما لو كانت تغطي مسرح الأحداث جميعا متناقضة _أو لعلها متناغمة- مع ظلام دامس و غموض كثيف يكتنف ما يجري خلف المسرح بين صناع القرار ، إلي وجهات نظر متضاربة حول تقييم ما كان و ما يجري فضلا عن توقع مسار الأحداث في المستقبل.
إننا جميعا في ظل ما يحيط بنا من متغيرات جديدة متلاحقة نمارس التفكير، و نصل إلي قرارات؛ و لعل غالبيتنا العظمي راضية عن تفكيرها غاية الرضي مقتنعة بقراراتها كأفضل ما يكون الاقتناع لا يداخلها بشأنها أدني شك. و لعل ذلك يجسد القول الشائع عن أن المرء قد يرغب في تغيير ملامحه أو لون بشرته أو حتي محل مولده و لكنه أبدا لن يقبل طوعا بتغيير تفكيره.
و لقد شغلت قضية اتخاذ الإنسان لقراراته في ظل ظروف لم يعايشها من قبل اهتمام العديد من المتخصصين في علم النفس السياسي، و خاصة المتخصصون منهم في سيكلوجية التفكير و اتخاذ القرارات.
لو تصورنا فردًا - أى فرد- في موقف جديد، أى يتضمن مشكلة تتطلب حلاً ، وان الحلول التي سبق أن مارسها في مواقف مشابهة لا تسعفه في حل الموقف الحالي، فإن عليه أن يلجأ إلى التفكير في حلول مبتكرة.
ولعلنا نتساءل ترى ولماذا لا نقدم جميعًا و من البداية علي ممارسة ذلك التفكير الإبتكاري، مادام سيتيح لنا سبلاً أيسر لحل مشكلاتنا؟ أنه الخوف من الابتكار. فالتفكير الإبتكاري يعني الاختلاف، و الخروج عن النمط المألوف المعتاد، و المغامرة بتجربة جديد غير مضمون، وكلها أمور قامت التنشئة الاجتماعية في بلادنا على رفضها والتخويف منها؛ و التحذير من المحاولة و الخطأ و تغليظ العقاب لمن يقدم على ذلك.
كانت عمليات التنشئة الاجتماعية في بلادنا تقوم على تدعيم أنماط التفكير التقليدية القائمة على التلقين، وعقاب من يحاول الخروج عليها. بعبارة أخرى فإننا كنا عادة ندرب أطفالنا - كما تدربنا نحن - على قمع نزعات التفكير الابتكاري لديهم، ونتبع لتحقيق ذلك كافة أساليب الثواب والعقاب. فالطفل المتلقي، الصامت، المنفذ، قليل الأسئلة، المقتنع دائمًا بما يقدم إليه من إجابات، هو طفلنا المفضل المطيع المهذب المؤدب. أما الطفل المتسائل، غير المقتنع، التلقائي، فهو غالبًا طفلنا المشاكس المتمرد الذي يحتاج إلى تقويم. خلاصة القول أننا نرسخ لدي أطفالنا أن التفكير الابتكاري مخاطرة غير مضمونة النتائج في حين أن التفكير التقليدي طريق مضمون آمن. و لسنا في حاجة لسرد أمثلة لمن طالتهم العقوبات الثقيلة ثمنا لاختلافهم مع ما هو سائد فكرا أو ممارسة.ٍ
و رغم رسوخ ثقافتنا التقليدية القديمة فقد أفلت من إسارها شباب أتيحت لهم فرصة الاحتكاك بالعالم الحديث و التفاعل مع أدوات الاتصال المبتكرة، فاندفعوا في محاولة ابتكارية لتغيير عالمنا دون أن يتوقفوا طويلا في محاولة فهمه فكانوا بمثابة القاطرة التي تحاول أن تحرك جبالا من التفكير التقليدي الذي يقدس التكرارية و يجد صعوبة في إدراك الجديد، و يستبعد البدائل، و يميل إلي الأحكام العامة المطلقة، و يحكم علي الحاضر بل و المستقبل بمعايير الماضي الذي ألفه و اطمأن إليه
وغني عن البيان أن التفكير الابتكاري يقوم على النقيض من ذلك كله؛ فالتكرارية بالنسبة للتفكير الابتكاري لا تعني الكثير، بل على العكس فإن الفرد الابتكاري لا يكاد يرى شيئًا مكررًا، حيث يقوم التفكير الابتكاري على إدراك الفروق الكمية البسيطة، ويتمرد على التعميمات المطلقة مؤكدا فكرة البدائل.
و غني عن البيان أننا أصبحنا جميعا مطالبون بأن نتدرب علي مهارات التفكير الابتكاري الذي يكاد أن يصبح رغم قسوته ضرورة حياة في ظل طبيعة الواقع الذي نعيشه في المرحلة الراهنة. و يتطلب ذلك التدريب الالتزام بعدد من القواعد لعل أهمها:
أولا:
محاولة فتح الباب على مصراعيه لتقبل البدائل، بمعنى التأكيد دائمًا على أن الواقع ليس هو الممكن الوحيد، و أن الواقع القائم ليس سوي أحد الاحتمالات العديدة اللانهائية الممكنة.
ثانيا:
أن العالم متغير دومًا وأن الثبات نسبي تمامًا. بعبارة أخرى فإنه لا يوجد شيئين أو أمرين أو لحظتين متطابقتين تمامًا، و أن إدراك الفروق لا يقل أهمية عن إدراك أوجه التشابه، و أنه ينبغي إدراك العالم في كل لحظة باعتباره عالم جديد يستحق إعادة التفكير.
ثالثا:
أن خطأ المحاولة ليس نهاية الطريق، بل انه في حد ذاته يمثل متعة حقيقية. بعبارة أخرى فإنه إذا كان المفكر التقليدي يخشى أكثر ما يخشى الخطأ، فإن المبدع يستمتع بالمحاولة الجديدة ولا يكف عنها ولا يدفعه خطأ النتيجة إلا إلى تعديل المحاولة والعودة من جديد.
تري هل يمكن الاستفادة من ذلك النهج الفكري في أن ندرك أن المجلس الأعلي للقوات المسلحة 2011 يختلف –رغم التشابه- عن مجلس قيادة الثورة 1952، و أن جماعة الإخوان المسلمين عام 1928 تختلف رغم التشابه عنها في 2012، و أن هناك تشابه و اختلاف بين ما جري في مصر خلال عام 1919، و 1952، و 2011؟
الستينات و ما أدراك ما الستينات
د. قدري حفني- القاهرة
قال الرئيس مرسي في خطابه الشهيرفي ميدان التحرير، و هو يستعرض تاريخ ما قدمه الشعب المصري من شهداء "وعندما نذكر الشهداء أيها الأحباب الكرام ننظر فى التاريخ أيضا لنعرف أن شجرة الحرية قد بدأ غرسها قد غرس جذورها رجال كرام منذ عشرات السنين. منذ بدايات القرن الماضى غرس الرجال جذورا روتها دمائهم وأحيتها تضحياتهم على مدار العشرينيات والثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات والستينيات وما أدراك ما الستينيات وبعد ذلك عقدا بعد عقد الى أن وصلنا بعد ظلم طويل و ليل دام طويلا الى 25يناير 2011 فكان شهداء هذه الثورة أحيى كذلك كل مصابى الثورة العظام وأسرهم …أسر الشهداء والمصابين وكل من قدم لبلده وضحى لوطنه فى سبيل تقدمه يا رجال الثورة الصامدين “
لم يذكر الرئيس صراحة أنه يقصر حديثه علي الإخوان المسلمين، بل أنه أشار إلي شهداء العشرينيات، و الثلاثينيات، و الأربعينيات، و الخمسينيات و هي المراحل التي قدم فيها الشعب المصري شهداء ثورة 1919 ثم شهداء كوبري عباس في الثلاثينات، و شهداء فلسطين في الأربعينيات ثم شهداء مقاومة الاحتلال في قناة السويس من رجال الشرطة و الفدائيين في الخمسينيات؛ و رغم كل ذلك فقد انهالت التعليقات مؤكدة أنه لم يكن يعني سوي إدانة الناصرية. و قد دفعتني تلك التعليقات إلي تساؤل منهجي و ذكريات تاريخية كشاهد علي ذلك العصر.
من الناحية المنهجية ينبغي الحذر من أن يندفع المرء مدافعا عن الجماعة السياسية أو الفكرية التي ينتمي إليها إلي حد ألا يري أخطاءها و أن يبرر خطاياها. و من ناحية أخري فلا ينبغي للمرء أن تدفعه إدانته السياسية أو الفكرية لجماعة سياسية أو فكرية إلي تجريدها من أية إيجابية أو تلويث تلك الإيجابيات. مثل ذلك الموقف لا يعتبر خطأ منهجيا فحسب بل هو أيضا خطيئة سياسية حيث يؤدي عمليا إلي تكريس تقديس رموز بشرية تاريخية، و من ثم تبرير تكرار نفس الخطايا في المستقبل. الدفاع عن الناصرية لا يعني تبرير انتهاك الحريات و تعذيب المعتقلين إلي حد القتل و من ناحية أخري فإن رفض الناصرية لا يعني إدانة الانحياز للفقراء و بناء السد العالي إلي آخره.
تري هل المرء ملزم بالدفاع عن تاريخ جماعته التي ينتمي إليها و تنقية صفحتها مهما شهد ذلك التاريخ من مظالم؟ هل علينا لكي ندافع مثلا عن تاريخنا الفرعوني و نفخر به أن يقتصر حديثنا على ما يحفل به التاريخ الفرعوني من منجزات علمية و حضارية باهرة، دون أن نشير إلي تأليه أجدادنا لحكامهم. و هل انتماءنا للتاريخ الإسلامي أو المسيحي يفرض علينا أن نركز علي روحانية الدين و سمو القيم التي نادت بها الأديان و أن نطمس علي تلك الدماء التي سالت في معارك بين بشر يحملون رايات دينية و يزعمون أن قتالهم إنما هو دفاع عن التفسير الصحيح للعقيدة؟ بعبارة أخري هل ثمة ما يبرر تنزيه بشر عن الخطأ بل و عن الخطيئة؟
لقد كانت تلك الحقبة الستينية حافلة بالإنجازات و الانكسارات. إنها الحقبة التي شهدت قرارات التأميم و إنجاز بناء السد العالي و هي الحقبة التي كرست سلطة الحزب الواحد، و هي ذات الحقبة التي شهدت للمرة الأولي في تاريخ مصر تكريسا رسميا لفصل الذكور عن الإناث في التعليم الجامعي بإنشاء كليات جامعة الأزهر، و هي الحقبة التي شهدت قيام الوحدة المصرية السورية كما شهدت انهيارها، و هي الحقبة التي شهدت أعنف حملات اعتقالات و تعذيب للمنتمين لكافة التيارات السياسية المعارضة كالإخوان المسلمين و الشيوعيين، و هي الحقبة التي شهدت واحدة من المرات النادرة التي خرج فيها الجيش المصري ليقاتل و تسيل دماؤه خارج حدوده الوطنية في اليمن حيث فقدنا ما يزيد عن 15 ألف شهيد، و هي الحقبة التي شهدت أيضا هزيمة 1967 التي سالت فيها علي أرض سيناء دماء ما يقرب من 10 آلاف شهيد. و غني عن البيان أن أعداد شهداء الجيش المصري في انكسارات الستينات يفوق بما لا يقارن أعداد شهداء التعذيب و ضحايا الاعتقال في تلك الحقبة.
تري هل يمكن بعد ذلك اختزال عبارة "الستينات و ما أدراك ما الستينات" في أنها تقتصر علي ما عاناه أعضاء جماعة الإخوان المسلمين؟ و من ناحية أخرى تري هل يمكن اختزال كل ما شهدته حقبة الستينيات في كلمة إدانة أو كلمة تمجيد؟ و هل من ضير و نحن نتحدث عن الشهداء أن نردد مع محمد مرسي "الستينات و ما أدراك ما الستينات". لعله لو قالها في سياق حديث عن الانفتاح الاقتصادي لكان لها مذاق آخر يحمل نكهة إدانة تدخل الدولة و انحيازها للفقراء. و لو قالها في إطار العلاقات المصرية الأمريكية لكان فيها شبهة إدانة لسعي عبدالناصر لاستقلالية القرار المصري.
تري هل تكون رسالتنا لرئيسنا و للرؤساء القادمين أن لكم أن تعذبونا و تنتهكوا حرماتنا مادمتم تحققون "إنجازات" ثورية؟ أم أن نؤكد للجميع أن إدانة التعذيب و انتهاك الحريات في الستينيات أو في غيرها يعد ضمانا لعدم تكرار ذلك في المستقبل تحت أي ذرائع أو مبررات سياسية أو اجتماعية أو دينية؛ و ما أكثر الذرائع و المبررات التي ما زالت جاهزة للاستخدام حتي الآن.