الصفحات
▼
الأحد، 26 أغسطس 2012
إلى كل محب للقطيف
جعفر الشايب،كاتب وناشط حقوقي، راعي منتدى الثلاثاء الثقافي، وعضو المجلس البلدي بمحافظة القطيف
كانت قراءات ممتعة للعديد من المقالات التي قرأتها مؤخراً وخلال الفترة الماضية لكتاب وشخصيات من مختلف مناطق المملكة اتسمت بالهدوء والاتزان تجاه ما يجري في القطيف من أحداث. وعكست وعياً بوحدة الوطن، ونضجا في التفكير، وعقلانية في الخطاب والمعالجة لجرح يقلقنا جميعا وقضية تهمنا كلنا. سبق وأن دعوت في هذه الزاوية قبل أشهر قليلة إلى ضرورة أخذ مبادرة وطنية عاجلة لمعالجة الموقف تتجاوز الحالة الفئوية والمناطقية، لنقف جميعا شركاء في المعالجة، كما وقفنا يداً بيد في كل الأزمات التي مرت على وطننا.
يتفق أهالي القطيف على إدانة العنف بكل أشكاله، وهو ما بينه قولاً وفعلاً شخصيات وأعيان القطيف من على منابر الخطابة أو في البيانات والخطابات والتصريحات المتتابعة. كما يؤكدون على احترام المشتركات الوطنية التي تجمعهم مع بقية المواطنين وأبرزها القيادة السياسية ووحدة الوطن. لعله مطلوب أن تتوضح هذه المواقف بصورة أكثر جلاءً ودون أي لبس أو مواربة فيها، من أجل ألا تعطي لأي واهم دليلاً أو حجةً يتخذها ذريعة للتشنيع بأبناء القطيف المخلصين. فهنالك من يريد تعميم مواقف أفراد أو مجموعات محدودة على بقية أهالي المحافظة، لأهداف مبيتة ومغرضة.
الحريصون على أمن الوطن والمخلصون والواعون من أبنائه، أراهم يتجاوزون كتابات المجاملة ومواقف الإدانة إلى البحث عن معالجات لهذه الأزمة التي أضحت مقلقة، وخاصة في ظل التجارب التي تمر بها المجتمعات العربية الأخرى. فلا أحد يرتضي أن تتصاعد وتيرة الصدامات المسلحة بصورة تهدد الأمن والاستقرار وتضيّع كل المكتسبات والإنجازات. إذاً تعالوا يا من تحبون القطيف وأهلها، من علماء دين وأكاديميين متخصصين وشخصيات اجتماعية وثقافية، ساهموا ليكون لكم دور في الحل وليس في المشكلة. بألا تعمم الأخطاء على الجميع، فالتعميم سلاح العاجز والجاهل. وأن تهيأ أجواء مناسبة للحوار بين مختلف الأطراف لأن في قطيعته خسارة للجميع. وأن يمارس الواعون من أبناء الوطن دوراً إيجابياً فاعلاً في احتواء الأزمة، فالكل مسؤول مهما تباعدت المسافات واختلفت التوجهات.
من يراجع منكم – أيها المحبون – ما كتبه أبناء هذه المنطقة من مراجعات ودراسات وخطابات ير فيها الأبعاد المختلفة لهذه المشكلة، والحلول المقترحة لها أيضاً. ولا أظن أننا في ظل وطن بحجم وطننا، وقيادة بمستوى حكامنا، ورجال واعين بإخلاص أمثالكم سنكون عاجزين عن الوصول لمخارج مناسبة لهذه القضية. تحيتي لكل مخلص غيور عبر عن حبه للقطيف، ودعوتي لكل مؤمن بوحدة هذا الوطن وسلامته، بأن يكون الانفتاح والصدق منهجاً في سبيل المعالجة، ورهاني على أهالي القطيف بأن يواصلوا مد أيديهم لشركائهم في الوطن رافضين أي مزايدة أو تجديف.
نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (٢٥٩) صفحة (١٠) بتاريخ (١٩-٠٨-٢٠١٢)
نداء من اللقاء العلمائي اللبناني والمركز العربي للحوار إلى خاطفي اللبنانيين في سوريا .
كمال الصليبي.. عام على وفاته
سليمان بختي- المستقبل- نوافذ- الأحد 26 آب 2012
"كل معرفة تتضمن قدراً من نبذ المتداول"
في ذكراه السنوية الأولى، لا يزال المؤرّخ كمال الصليبي حاضراً فيما أرساه من قيم منهجية وعقلانية وموضوعية، في التعاطي والتفاعل والتصويب مع التاريخ. وفي مقاربته التفكيكية للأساطير المؤسسة لتاريخنا. وفي جرأته لإظهار الحقيقة وإشهارها والدفاع عنها، حتى يتبين له معطيات جديدة، فيغير ويتغير من دون أن يخشى لومة لائم. جمع كمال الصليبي بين أكاديمية صارمة وتجربة عملية مفتوحة الأفق على التاريخ والجغرافيا، وأخبار الناس وأحوالهم. جمع في كتاباته المقاييس الأكاديمية الدقيقة والربط المعرفي المفتوح الأفق. يعرف أن في الأبحاث والدراسات للعقل ألف عين وعين، أما في العلاقات الإنسانية فلا شيء سوى دفء القلب وحرارته.
أذكره في الجلسات وخصوصاً ما أسميناه ديوانية كل أحد صباحاً في منزله في رأس بيروت، يطل من شرفته على حرم الجامعة الأميركية والبحر المتوسط. ويطيل بنا المكث في ضيافة رجل نشر علينا من أنسه الكثير، ومن حديثه الطيب والحنون والأثير، وتبسط إلينا بعلمه وبأدبه، وقلّب أسماعنا على ما يقول، وقرب إلينا الموارد والمصادر وصوب الخطى، وأوضح لنا أن "كل معرفة صحيحة تتضمن قدراً من نبذ المتداول"، وأن "كل معرفة صحيحة هي أساس الفكر الصحيح ولا يتأتى عنها الفائدة مهما كان موضوعها". وأن كل معرفة جديدة تأتي بالمسرّة والكشف والسؤال والدهشة، وإذا الألفة طالعة من كل شوق ومن كل حنين.
فتح كمال الصليبي الباب الذي لا يمكن أن يقفله أحد. باب العقلانية والمنطق. باب النظر إلى العالم كما هو لا كما أريد لنا أن نراه. وفعل كل ذلك بهدوء. كتاباته كانت تثير الإشكالات والسجالات والردود. أما هو فباقٍ على صمته، الهادئ. ومن فرط رقته يكاد أن يهمس. هذا الهدوء الذي يلفك حين تلتقيه فتظن أن ثمة أمراً آخر يشغله أو يقلقه ولا علاقة له بالقضية التي تثيرها معه. أذكر حين حضرت أسئلتي لحوار مطول معه نشرته في كتابي "اشارات النص والابداع" (1995) أنني تقصدت أن أجمع في أسئلتي آراء كل منتقديه. وفاجأني أنه لم يهتز. رقة الحرير وصلابته في آن. أناقة تحوم ولا تستقر. مضني بالكلمات وكأنها حجارة ثمينة ترتجل. مُضني بقدرته على الكلام من دون كلام. متعب بما تريده الحقيقة. يفكر عنك ويصوغ السؤال معك. وإذا أراد أن يهرب فإنما يهرب بإحسان متكئاً على قول للصحافي الراحل ميشال ابو جوده "الذي يعرف لا يحكي، والذي يحكي لا يعرف، والذي لديه لا يفعل، والذي يفعل ليس لديه".
كان يغدق علينا القصص والنوادر المدهشة التي لا تنتهي وتتصل بالحياة والتاريخ والسياسة والثقافة والحضارة. وكل قصة تحمل طرافتها ومغزاها الثابت والعميق. جمع في شخصيته صفات يندر اجتماعها. ذكاء فطري حاد، ذاكرة خارقة، وقدرة فائقة على الربط بين النظرية والواقع، جرأة أدبية لافتة، وشجاعة عقلية لا تقبل الاحتفاظ بالذهن بما يثبت له خطأه، وحس أخلاقي رفيع. هو أرستقراطي في الاخلاق، وشيخ عشيرة في العلاقة مع تلاميذه (يرعاهم ويتابع خطاهم في روح ابوية أثيرة) وملكي اكثر من الملك في الكشف عن الحقيقة وإعلانها، وكادح مجاهد في مجال العقل والمثاقفة. أما الصداقة فكان يعتبرها فرصة أو دعوة لتسجيل الانتصارات على الحياة والزمن والمفارقات. لا يعجبه العجب في المنهاج ويسعى للخروج منه وعنه وعليه، خصوصاً بعد أن يتقن قواعد اللعبة. كان يردد أمامنا ما قاله أبوقراط غير مرة "الحياة قصيرة، والتجربة مخاتلة والحكم على الأمور صعب، والمسعى إلى المعرفة متواصل".
روى لنا غير مرة أنه في بداية عهده في التعليم الجامعي في الجامعة الأميركية في بيروت، نحو منتصف القرن الماضي، كان يعرف التلميذ من لهجته وطريقة لباسه، إلى أي طائفة انتمى ومن أي منطقة أتى، ثم بعد عقد أو أكثر فقد هذه الميزة وصار الطلاب يشبه بعضهم الآخر. وهذا في عرفه نجاح للفكرة اللبنانية على المستوى الاجتماعي الانصهاري والثقافي والتواصلي. وفي ملاحظته تلك، كما وفي تجربته كلها، كان همه ان ينقل صورة لبنان التاريخية من نطاق الاسطورة إلى نطاق الحقيقة التاريخية المجردة. هو خير أساس لبناء المجتمع. ويؤكد "التاريخ هو التجرد ليس الا". وأحسب انه في معالجته الموضوع التاريخي في لبنان سار على هدى صالح بن يحيى بقوله "أردت أن أجمع شيئاً يستفيد منه الخلف من معرفة أخبار السلف، لأني لا أريد متغالياً أن يصفهم بأردأ مما فيهم، ولا حسوداً فينعتهم بما ليس فيهم".
ذات مرة صغت سؤالي له على الشكل التالي: "هل تعتقد أن حرب 1967 كانت بمثابة كعب أخيل في تدهور الأوضاع العربية وتأزمها؟ فأجاب: "لا أحبذ استخدام التشابيه والاستعارات والمجازات في سياق الأحكام لأنها تخرجك قليلاً أو كثيراً من الحقيقة".
مد الصليبي شراعه في كل اتجاه، ونهل من كل اهتمام مختلف على عادة الأذكياء. أحب اللغة العربية والرواية والأدب والموسيقى. كانت لديه طريقة خاصة للكتابة بالعربية التي أحبها منذ الصغر، ومنذ أن أحضر له والده الطبيب سليمان الصليبي معلماً خاصاً ليدرس على يديه القرآن، ولحثه على الإتقان وبيان مخارج الألفاظ. كان يكتب ما يريد على صفحة ثم يحذف كل الكلمات التي لا تؤثر على المعنى. بيانه كان المعنى على ما يقول الشيخ عبدالله العلايلي. كان يسعى بأسلوبه ليصل إلى الدقة العلمية وسلامة التعبير وسلاسته. وكان لا يشرع بالكتابة بالعربية قبل أن يقرأ الحديث النبوي الشريف وديوان المتنبي ومروج الذهب للمسعودي. أحب الرواية العربية ونادراً ما تفوته رواية في طبعتها الاولى. ولعلها مصادفة قدرية ان آخر كتاب قرأه ليلة إصابته بالجلطة رواية "طيور الهوليداي آن" للروائي اللبناني ربيع جابر، والذي كتب عنه الصليبي مرة في كتاب "بيروت والزمن" متناولاً ثلاثية "بيروت مدينة العالم" ومرة في بحث قدمه في مؤتمر في اكسفورد عن رواية "يوسف الانجليزي". وكان يتوقف كثيراً في الرواية عند التصور. وكان له مع الموسيقى عملان مسرحيان من تأليفه وتلحينه. وظل يعزف على البيانو الأغاني الميلادية على مألوفه كل سنة، حتى آخر سهرة ميلاد قضاها مع الرفاق والاصدقاء.
عاش كمال الصليبي عصره ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، عاش زمانه وتصرف به زمانه، وأدخله إلى تجارب كثيرة واكتشافات كثيرة جعلت منه المؤرخ والمفكر الذي يقرأ اليوم وأمس وغداً ويستقي منه ويستمد لبناء أساسات جديدة.
كان من الصعب أن يمر صحافي أجنبي في بيروت ولا يستأنس برأي الصليبي. ومن الصعب أن يمر أحد تلاميذه في بيروت بعد غياب ولا يسأل خاطره. من الصعب أن ينعقد لقاء الأصدقاء القدامى كل سبت صباحاً في "السيتي كافيه" ( قبل اقفالها) ولا يكون بينهم. ولكن الجلسة الأحب إلى قلبه وروحه كانت حين يسند رأسه إلى احد أعمدة الجامع الأموي في دمشق، ويأخذه الوسن الخفيف إلى قنطرة في التاريخ. التاريخ الذي ظل غايته وعنوان حياته. التاريخ الذي زرع في تربته البحث والكشف وزاوية النظر، وأينما زرع أورف زرعه، في تاريخ لبنان وفي تاريخ البلدان العربية، والتي كان يسميها (بلادنا) وفي تاريخ التوراة وجلاء أسراره وغوامضه. وفي كل ذلك يبحث عن الصواب والحقيقة والكمال المأخوذ على عاتقه، وعن الصبر المتكئ على التاريخ والمتن والهامش، حتى تكون له الحلية والمكافأة في السير الكاشف عن الغموض. ومع هذا الكمال شغف هائل بالمعرفة والناس وأحوالهم، وبالأرض وهويتها. والمسؤولية عن هذا العالم الآخذ منا كل مأخذ. ورغم كل شيء كان كمال الصليبي يكتب بأمل، أمل البحث عن الحقيقة وتخليصها من الأوهام والأساطير، والأمل في البناء مع الآخرين ماضياً وحاضراً ومستقبلاُ والذي هو ضاله كل كتابة.
كمال الصليبي بعد عام على غيابه، يتأكد الشوق مثلما يتأكد الطريق الذي مهده، والقيمة والمكانة التاريخية التي صنعها لنفسه بين المؤرخين، وفرادته وتميزه في اختيار مواضيعه التي لا يخلص البحث فيها.
وفي الأفق لا بد كتابات وأبحاث وأوراق غير منشورة ستؤول إلى النشر، ومكتبة ستفتتح باسمه في جامعة الكسليك وتضم أوراقه وأرشيفه، وساحة سميت باسمه قبالة المدخل الطبي للجامعة الأميركية في بيروت. وثمة محاضرة سنوية في التاريخ باسمه في الجامعة الأميركية. والرجل الكبير، على ما يقول سعيد تقي الدين، لا ينتهي بمأتم بل لعله يحيا بولادات وبدايات جديدة.
بيان السيدين وخزعبلات التفوق
سناء الجاك – ملحق النهار- الأحد 26 آب 2012
بين مواقف "حزب الله" التي تصدر بشكل رسمي في خطب أمينه العام السيد حسن نصر الله، وبيان السيدين محمد حسن الامين وهاني فحص مسافات ومساحات. واذ يطيب لبعض المحللين المجتهدين ان يُنذروا من لم يفهم بعد، ان هناك من بدأ جدياً بالعمل لتكريس انفلات كامل وشامل للوضع في لبنان، نجد ان السيدين يدعوان أبناء الطائفة الشيعية إلى "الانسجام مع أنفسهم في تأييد الانتفاضات العربية والاطمئنان إليها والخوف العقلاني الأخوي عليها، وخاصة الانتفاضة السورية المحقة".
هناك من يقول للبنانيين ان ما شهدناه حتى ساعتنا من آل المقداد و"كتيبة المختار الثقفي" سيصبح نسمة ربيعية امام ما يمكن ان نشهده ويشهده مناصرو المعارضة السورية سواء على صعيد الانظمة او الناس العاديين، سواء في لبنان او حيث تصل أيديهم ليعيثوا فتنة وفساداً، والسبب الوحيد هو تأييد النظام الأسدي المجرم لأن لمرجعية الحزب الايرانية مصلحة في ذلك.
هذه المصلحة جعلت للعشائر أجنحة ومجالس، خارج النطاق العشائري المعهود، وجعلت البشر طرائد، ووظفت فائض القوة والقدرة على التحرك وتكريس الفلتان الأمني فشة خلق محقة لعشيرة لها أجنحتها التي تحط وتطير بمعزل عن السلوكيات العشائرية الموروثة من بطون العادات العربية.
لذا لا أحد في مأمن من التداعيات، ولا حظوة لـ"الرعايا"، سواء أكانوا لبنانيين أم خليجيين أم اتراكاً أم أجانب من دول العملة الصعبة. لا تسألوا الحزب الإلهي عن الموضوع، فهو مشغول من خلال مواسم التهديد والوعيد وعرض العضلات، ببث الرعب في قلوب الصهاينة على أمل ان ينقرضوا نتيجة اصاباتهم بالجلطة او السكتة القلبية او يحفروا الارض ويكملوا ما بقي من حياتهم في سراديب مظلمة حتى لا تصيبهم الصواريخ المكدسة.
ولا يهم اذا بقي من لبنان جهاز رسمي او جيش او درك او إدارة ترضى بالعمل من تحت الدلف الى تحت المزراب.
بالطبع يستطيع حلفاء النظام السوري هذه الأيام نسف البلد ومن فيه، ما دام هناك من تجرأ وكشف مستور النظام الأسدي المجرم ومتفجراته، وحدد بالاسم المسؤولين المباشرين ومَن خلفهم، وادعى عليهم. بعد ذلك، لا بد من تكبير الخطر الاسرائيلي واستثماره واستهلاكه لتغطية الجرائم الفعلية في انتظار الخطط "أ" و"ب" و"ت". لا يهم اذا اقتصر التضخيم والكلام المكرر على المنابر للتداول الاعلامي وتحسين الصورة، في حين تتواصل العمليات الانتحارية على الأرض لتخريب البلد بغية خلط الأوراق، ويتواصل العمل حثيثاً حيث أمكن لإقحام كل العوامل لفتح كوة للنظام السوري الذي ينازع، حتى لا يخرّ صريعاً بضربة شعبه القاضية.
بعيداً من طق الحنك في شأن الأجنحة العسكرية العشائرية والخطف الذي لا يجد من يقول لمن يرتكبه: "ما أحلى الكحل في عينك"، ليس صعباً الاستنتاج ان كل ما يتحرك له مرجعيته. وليس صحيحاً ما قيل ان عمليات الخطف التي يقوم بها مجلس العشيرة خارجة على سيطرة الحزب الإلهي. فلا عفوية او ردود فعل في كل ما نشهده. يشي بذلك الشريط التي تم الترويج له وعرضه على اساس انه قنبلة الموسم لـ"معارض سوري" في "ضيافة" العشيرة المقدادية، ولم يكن الا نسخة سيئة الصنع والمضمون لما نشاهده على شاشتي "الاخبارية السورية" و"الدنيا". الصحيح ايضا ان الفتنة الطائفية تجاوزت الخطوط الحمر بين شيعة وسنّة، بفضل الاطماع الايرانية والنظام الأسدي الذي لم يوفر جريمة او مذبحة لإثارة الأحقاد والغرائز وايقاظ الشياطين واستدراجها الى ساحته، حتى يجعل مسيرة الثورة دموية قد تهدد الكيان السوري برمته، مع انه بغبائه لن ينجو منها.
في هذا الإطار ومن منطلق هذا الخوف، يأتي بيان السيدين محمد حسن الأمين وهاني فحص من باب الضرورة القصوى التي يحتاجها السنّة والشيعة معاً، حتى يصار الى سماع صوت عاقل وعادل، ربما يحسب البعض ان صوتهما قد يضيع في خضم القرف الذي يحاول فريق الاستقواء بالسلاح فرضه. لكن بين بيان السيدين وخزعبلات التفوق لشعب الله المختار، لن يصح الا الصحيح.
سوريا: كل يوم عاشوراء.. كل شبر كربلاء
هوشنك أوسي- المستقبل- نوافذ- 26 آب 2012
(الى أحفاد الإمام الحسين في لبنان: سماحة السيّدين هاني فحص ومحمد حسن الأمين)
"الشعب السوري مابينذل"، هذا أول الشعارات التي رددها المتظاهرون السوريون في مطلع ربيع ثورتهم على "طاغية الشام"، على حدّ تعبير الزعيم اللبناني وليد جنبلاط.
رفض الذلّ والمهانة وهدر الكرامة وهتك الاعراض، والسعي نحو التحرر والانعتاق من جبروت الاستبداد وأذرع اخطبوطه الأمنيّة في سورية، كان ولا يزال لسان حال السوريين، رغم كل ما عانوه من ظلم وطغمة واجرام وإبادة وخنق ونحر وإحراق وتدمير ونهب وسلب للبلاد والعباد. وهذا ما يجعل الثورة السوريّة أنبل ثورات شعوب المنطقة وأشجعها. ذلك ان النظام الذي يواجهه السوريون، هو حتى أبشع من النظام الذي يواجهه الفلسطينيون، وابشع من نظام صدّام حسين الذي استخدم السلاح الكيمياوي ضدّ شعبه، وابشع من النظام الذي واجهه الامام الحسين، عليه السلام. وحين ردد السوريون شعارهم السالف الذكر، فقد كان قدوتهم في ذلك الإمام الحسين، في كربلاء، وهو تحت الحصار والتهديد بالموت، مع صحبه وعياله القلائل، مواجهاً اعتى عتاة الشرّ والإجرام آنئذ، فقال في خطبة عاشوراء: "ألا وإنّ الدعي ابن الدعي قد تركني بين السلة والذلة، وهيهات له ذلك منّي، هيهات منا الذلة. أَبى الله ذلك لنا ولرسوله والمؤمنون، وحجور طهرت، وجدود طابت، وأُنوف حميّة، ونفوس أبيّة أن يؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام". وعليه، خيار الشعب السوري في ثورته على نظام الأسد هو خيار الامام الحسين ضد الظلم والعدوان، الرافض للاستسلام للمهانة والذلّ. ولكن ثمّة من في لبنان والعراق وايران، لا يكتفي بدعوة الشعب السوري للاستسلام والاذعان لـ"يزيد العصر"، وفي الوقت عينه، يعلن هؤلاء؛ انهم من شيعة الامام علي بن أبي طالب، وبل يدعمون ويساندون نظام يزيد - الأسد بالعدّة والعتيد، ويسفكون دماء السوريين! يكفي الردّ عليهم، بما ردّ الحسين على أفراد من جيش الكوفة، الذين طلبوا الانصياع لحكم يزيد لكي ينعم بالسلامة قائلاً: "لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا إقرار العبيد" (مقتل الحسين للمقرّم: 280، تاريخ الطبري 323:4).
لم يعد خافياً لكل ذي ضميرٍ حيّ؛ أن سورية، في كل لحظة عاشوراء، وكل شبر من ترابها تحوّل الى كربلاء، نتيجة الحصار والذبح والتعذيب والتجويع والتدمير والأرض المحروقة الممارس عليها، وإزهاق أرواح النساء والشيوخ والاطفال والشباب، والتمثيل بجثثهم، على أيدي نظام الأسد وجلاوزته من شبّيحة وأمن وجيش!. ان ما يحدث في سورية، ينقطع له قلب التاريخ، ويهزّ أركان الوجود وأقطاره، فما بالكم من إيلامه ذوي القلوب الرقيقة والعقول الراحجة من أقطاب الفكر الشيعي، ورجالاته الأصلاء في لبنان. وعلى خطى نصرة الحسين في كربلاء ومشايعته ومبايعته إماماً وليّاً، مظلوماً شهيداً، أصدر سماحة السيّدين هاني فحص ومحمد حسن الأمين بيانهما "التاريخي"، معلنين فيه تضامنهما مع الثورة السورية والشعب السوري. وقالا فيه: "تواصلاً مع موروثنا الشيعي في مقارعة الظالمين، أياً كانوا، ونصرة المظلوم أياً واينما كان، والتزاماً منا بموجبات موقعنا الديني المنتقص من دون ان ينقص، بالقوة والجمهرة والكلام التعبوي اليومي والزبائنية السياسية والعلاقة الريعية". وأشارا الى دورهما الفكري الشيعي الاسلامي العربي والتنويري "الذي لا ينكره الا مكابر او غوغائي ووقوفهما الى جانب المقاومين للاحتلال الصهيوني لفلسطين ولبنان، والاحتلالات الوطنية، التي استخدمت فلسطين والعروبة والممانعة ضد شعوبها فقط". ودعا الأمين وفحص الشيعة في البيان "إلى الانسجام مع أنفسهم في تأييد الانتفاضات العربية والاطمئنان إليها والخوف العقلاني الاخوي عليها.. وبخاصة الانتفاضة السورية المحقة والمنتصرة باذن الله والمطالبة بالاستمرار وعدم الالتفات الى الدعوات المشبوهة بالتنازل من أجل تسوية جائرة في حق الشعب السوري ومناضليه وشهدائه مع ما يجب ويلزم ويحسن ويليق بنا وبالشعب السوري الشاهد الشهيد من الغضب والحزن والوجع والدعم والرجاء والدعاء، أن يتوقف هذا الفتك الذريع بالوطن السوري والمواطن السوري". مؤكدين أن "من أهم ضمانات سلام مستقبلنا في لبنان ان تكون سوريا مستقرة وحرة تحكمها دولة ديموقراطية تعددية وجامعة وعصرية". وتابع فحص والامين: "إننا نفصح بلا غموض أو عدوانية عن موقفنا المناصر غير المتردد للانتفاضة السورية، كما ناصرنا الثورة الفلسطينية والإيرانية والمصرية والتونسية واليمنية والليبية وتعاطفنا مع التيار الاصلاحي والحركة الشعبية المعارضة في ايران وحركة المطالبة الاصلاحية في البحرين وموريتانيا والسودان". وأبدى الأمين وفحص "استعدادهما لمناصرة أي حركة شعبية ضد أي نظام لا يسارع إلى الاصلاح العميق تفادياً للثورة عليه واسقاطه"، معتبرين ان "الباطل الذي كان دائما زهوقاً قد زهق، اما احقاق الحق فطريقه طويل ومعقد ومتعرج، وفيه كمائن ومطبات كثيرة، ويحتاج إلى صبر وحكمة ويقظة وحراسة لدم الشهداء، حتى لا يسطو عليه خفافيش الليل وقطعان الكواسر.. ويحتاج الى شفافية وحوار وود ونقد. ولن نبخل بالود الخالص والنقد المخلص، آتين الى الحق والحقيقة والنضال والشهادة من ذاكرتنا الإسلامية النقية ومن رجائنا بالله ومن كربلاء الشهادة التي تجمع الموحدين وتبرأ الى الله من الظالمين".
الحقّ أنه لخطابٌ كربلائيٌّ أصيل، لا يصدر إلاّ من حفيدين حقيقيين لسيّد شباب الجنّة، أبا عبدالله الحسين. انه الخطاب الخالص المخلص للإرث الحسيني الكربلائي في المقاومة ومقارعة الظلم والظالم، أيّاً كان، وأين كان. وهو ليس بجديد عن هذين العالمين الإسلاميين الجليلين، بل أتى تتمّة لمواقف وتصريحات سابقة، مؤيّدة للثورة السوريّة، وناقدة لكلّ توجّه لبناني، مؤيّد وداعم للنظام السوري.
بيان السيّدين فحص والأمين، هو لسان حال قطاعات واسعة من النخب الثقافيّة والدينيّة الشيعيّة اللبنانيّة والعراقيّة، غير التابعة للسلطة الإيرانية. ولا يتسع هنا المقام لذكر عشرات الأدباء والشعراء والمثقفين والساسة اللبنانيين والعراقيين ممن يدعمون الثورة السوريّة، وينتقدون موقف ايران ودكاكينها السياسيّة في لبنان والعراق. ولعمري أنه لو كان سماحة السيّد محمد حسين فضل الله وسماحة الشيخ محمد مهدي شمس الدين على قيد الحياة، لكانا الى جانب الأمين وفحص في بيانهما التاريخي السالف الذكر. ذلك أنه أقلّ ما يقال في هذا البيان، انه اصطفاف مع المظلوم كائناً من كان، ضدّ الظالم الذي ربما يمتّ بآصرة بالمذهب او الطائفة، وعدم ترجيح العصبيّة المذهبيّة والطائفيّة على مناصرة المظلوم ضدّ الظالم. هذا البيان، كان له وقع البلسم والمرهم لجراح السوريين، وسط ما يقترفه حزب الله وباقي الزواريب السياسيّة (السوريّة - الايرانيّة) في لبنان والعراق من جور وظلم بحقّ الثورة السوريّة، ونصرتهم لنظام القتل والاجرام الاسدي. هذا البيان، هو بمثابة انشقاق عمّن يريد زجّ الطائفة الشيعيّة الكريمة في هذه الحرب القذرة والدنيئة ضد الشعب السوري وثورته على طغمة الآسد وشبّيحته. انه بيان العقل والروح الشيعي الأصيل، الذي لن ينساه الشعب السوري، بكل مكوّناته الدينيّة المذهبيّة والقوميّة والعرقيّة. وسيكون مادّة للدراسة والتحليل، كوثيقة دالّة عن عمق تنويري - ثقافي معرفي، وحساسيّة وطنيّة ديموقراطيّة، وبُعد تاريخي حضاري، لدى فحص والامين تأكيداً على المواقف الحازمة والحاسمة في مواجهة الدوغما العقيديّة التي تدفع بالمحازبين نحو التورّط في الحروب الظالمة. انه نداء العقل والروح لكل من تورّط في سفك دماء السوريين، بأن يعود الى صواب كربلاء الحسين، وألاّ يكون مع الظالم، لأن الأخير من قومه أو دينه أو مذهبه أو طائفته!. انه بيان العقلانيّة الدينيّة، في أرقى أشكال حساسيّتها وتنبّهها لمخاطر التحزّب الأعمى للدين او المذهب او الطائفة. لذا، لا غرابة في اعتبار الدوغمائيين والطائفيين لفحص والامين على انهما "خائنان" و"مارقان"، لكونهما شقّا عصا الطاعة لايران وحزب الله اللبناني، المنخرطين في قمع الثورة السوريّة الى جانب نظام الأسد.
نشرت صحيفة "الحياة" لكاتب هذه الأسطر، مقالاً بعنوان: "آن للسيّد السيستاني أن يخرج عن صمته" (الثلاثاء 20/03/2912). وكان المقال، نداء موجّهاً لسماحة السيّد علي السيستاني، كي يعلن عن موقف حيال المجازر الوحشيّة التي يرتكبها نظام الأسد بحق ابناء الشعب السوري، وان يبدي موقفه من التورّط الايراني وحزب الله اللبنانيّ وبعض الاحزاب العراقيّة الايرانيّة في هذه ارتكاب هذه المذابح الى جانب نظام الأسد. إلاّ ان السيستاني لا زال على صمته!. والى جانب استمرار هذا الصمت المريب، يظهر مدى نبل وعظمة وسموّ صرخة فحص الأمين في بيانهما.
قصارى الكلام: إذا كانت وثيقة فحص الأمين بيان دعم للثورة السوريّة، فيه في الوقت عينه، بيان تنديد وشجب وإدانة لكل من يدعم نظام الأسد. وعليه، هكذا يكون الاخلاص لنهج الحسين، عبر إدانة المعايير المزدوجة بأن يكون المرء مع ثورة المظلومين في مكان ما، وضدّ هذه الثورة في مكان آخر، لكون الظالم المستبدّ هنا، من نفس طينة الملّة او الطائفة او الحزب. بيان الأمين فحص، أكّد ان حزب الوطن، أكبر وأعظم وأسمى من حزب الدين والملّة والطائفة. وأن حزب الإنسان المظلوم، كائناً من كان، هو الأكثر قوّةً من حزب البنادق والسلاح والصواريخ. كما أكّد البيان؛ ألاّ مكان للشيعة إلاّ في محيطهم الوطني الديموقراطي، بعيداً من المحاور السياسيّة الطائفيّة، اللاوطنيّة.
() كاتب كردي سوري
أوليغارشية" ومحاصصة.. أم افضل تمثيل ممكن؟
عادل عبد المهدي
النظام التمثيلي ليس مجرد اغلبية واقلية تتداول السلطة.. بل الحرص ايضاً على فتح الفرص -وليس حجزها- لكل من يقف خارج التكتلات المغلقة والقوى الكبرى، وفي التقليل من الاصوات الضائعة، ومنع الواطئة -المحمية بقوائمها- ان تأخذ اصوات من يفوقها كفاءة وعدداً. فينعكس ذلك على اخلاقيات السياسيين وطرق صعودهم، واداء البرلمان وواقعه التمثيلي.. ولنمنع التطور لـ"اوليغارشية" الاحزاب الكبرى التي قد تبدأ بشرعية وتمثيلية عالية، لتفقدها بالتدريج.. فتصبح اغلبية بقوانينها فقط، عازلة نفسها عن غالبية المواطنين وتوجهاتها ومصالحها.
لم نتطور بعد لنظام "اوليغارشي" بتوصيفات افلاطون وارسطو، لانتخاب الحكام من الاقلية المالكة.. او تطوراته المعاصرة لحكم العوائل او المافيات او الاحزاب المتشرنقة حول بعضها بعيداً عن حراك الشعب وواقعه. لكننا نختزن استعداداً لذلك، بعد تحول المحاصصة لعلة شبه وحيدة لحركة النظام وفاعليته. فشهية القوى الكبيرة لضمان الفوز، واستيلائها على ما يفوق حاجتها من المقاعد، يعكس الخلفية "الاوليغارشية" او "التحاصصية" التي تحكم الطبقة السياسية. فحرصاً على هذه القوى وتاريخها المشرف، والشرعية التي بنتها بدمائها الغالية واصواتها الحقيقية.. نرى اهمية مراجعة فلسفتها وخلفياتها، لتواكب التطورات. ففوز قوى والوان كبيرة ومركزة ضرورة وشرط لاي نظام ديمقراطي، لكن حضور الالوان الاخرى لا يقل اهمية. كذلك فان ضياع نسبة من الاصوات هو امر طبيعي، لكن النظام الجيد هو الذي يقلل من ذلك، لا الذي يزيده.
يتحجج البعض بتجارب انظمة الحزبين.. متناسياً التاريخ الطويل لهذه الاحزاب.. وتبنيها تقاليد عمل داخلية شفافة.. وتحالفات واجنحة.. واطارات مفتوحة ومرنة، تجعلها اقرب للبرلمانات المصغرة، تسمح للكفاءات والمستقلين والاطياف المختلفة للوصول عبرها لمواقع التمثيل. تقابلها قوائمنا واحزابنا المأسورة بساحاتها.. المحجوزة بفئوياتها.. الوارثة لتقاليد فترات المعارضة.. والمغلقة على كوادرها ومنتسبيها. مما يوصد الابواب امام جزء مهم من مراكز الحراك الشعبي الايجابي والفعال ليجلس في مواقع التمثيل والتعبير.
فان لم نراجع الامور وعياً، فسيصدمنا الواقع قسراً. فحسب الظرف والوقائع، لابد من توازنات صحيحة تقودنا لمرحلة اكثر نضجاً وتقدماً. توازنات تشجع –اولاً- اللملمة في احزاب وتكتلات كبرى بابعاد وطنية، وبجمهور عابر لحواجزها.. وتسمح –ثانياً- للتيارات والكفاءات والاطياف بتمثيل يحرمها منه القانون، يوازي مكانتها وتأثيراتها الاجتماعية/السياسية. فهدف الطبقة السياسية والاحزاب الكبرى –بكلماتها ذاتها- اصلاح النظام وتمثيل الشعب، كل الشعب، وليس مجرد حكم البلاد.
Badiou: The Rebirth of History — Times of Riots and Uprisings
Alain Badiou’s introduction to his just-released manifesto on communism and the riots, uprisings, and occupations of this last year.
Introduction
What is going on? Of what are we the half-fascinated, half-devastated witnesses? The continuation, at all costs, of a weary world? A salutary crisis of that world, racked by its victorious expansion? The end of that world? The advent of a different world? What is happening to us in the early years of the century – something that would appear not to have any clear name in any accepted language?
Let us consult our masters: discreet bankers; media stars; hesitant representatives of major commissions ; spokesmen of the ‘ international community ‘ ; busy presidents; new philosophers; factory and estate owners; stock market men and boards of directors; chattering opposition politicos; urban and provincial notables; economists of growth; sociologists of citizenship; experts on all sorts of crises; prophets of the ‘clash of civilizations’; heads of the police, justice and ‘penitentiary’ systems; profit assessors; productivity calculators; the prim editorialists of serious newspapers; human resources directors; people who in their own view are of some account; people one would do well not to take for nobodies . What have they got to say about it, all these rulers, all these opinion-formers, all these leaders, all these thimble-rigging tyrants?
They all say that the world is changing at a dizzy¬ ing pace and that, if we are not to risk ruin or death (for them it comes to the same thing), we must adapt to this change or, in the world as it is, be but a mere shadow of ourselves. That we should energetically engage in incessant ‘modernization’ , accepting the inevitable costs without a murmur. Given the harsh competitive world that daily confronts us with challenges, we must climb the steep slopes of productivity, budget reduction, technological innovation, the good health of our banks, and job flexibility. All competition is sportive in its essence. In short, we must form part of the final breakaway alongside the champions of the moment (a German ace, a Thai outsider, a British veteran, a Chinese newcomer, not to mention the ever vigorous Yankee, and so on), and never crawl at the back of the pack. To that end everyone must pedal: modernize, reform, change! What politician on the campaign trail can dispense with proposing reform, change, novelty? The argument between government and opposition always takes the following form : What the others are saying isn’t real change. It’s a thinly resprayed conservatism. I represent real change! You’ve only to look at me to know it. I reform and modernize; new laws rain down every week – bravo! Let’s break with routine ! Out with the old !
So let us change.
But change what, in fact? If change is to be permanent, its direction, so it would seem, must be constant. All the measures dictated to us by the economic situation are to be implemented as a matter of urgency. This is so that the rich can continue to get rich while paying fewer taxes; so that the workforce of firms can be reduced with numerous redundancies and extensive restructuring; so that everything which is public can be privatized, and thereby ultimately contribute not to the public good (a particularly ‘anti-economic’ category) , but to the wealth of the rich and the maintenance (costly, alas) of the middle classes, who form the reserve army of the rich; so that schools, hospitals, housing, transport and communications – those five pillars of a satisfactory life for all – can initially be regionalized (that is a step forward), then exposed to competition (that is crucial) , and finally handed over to the market (that is decisive) , in order that the places and resources where and with which the rich and semi-rich are educated, treated, housed and transported cannot be confused with those where the poor and their like struggle to get by; so that workers of foreign origin, who have often lived and worked here for decades, can have their rights reduced to nothing, their children targeted, their statutory papers rescinded, and have to endure the furious campaigns of ‘civilization’ and ‘our values’ against them; so that, in particular, young girls can only go out on the streets with their heads uncovered, and the rest too, mindful as they must be of affirming their ‘secularity’ ; so that the mentally ill can be imprisoned for life; so that the countless social ‘privileges’ on which the lower classes are getting fat can be hunted down; so that bloody military expeditions can be mounted the world over, especially in Africa, to enforce respect for ‘human rights’ – i.e. the rights of the powerful to carve up states, to put in power (through a combination of violent occupation and phantom ‘ elections’) corrupt valets, who will hand over the totality of the country’s resources to the aforesaid powerful for nothing. Those who, for whatever reason, and even if they were serviceable for ‘modernization’ in the past, even If they were obliging valets, are suddenly opposed to the carve-up of their country, to its pillaging by the powerful and the ‘human rights’ that go with it, will be brought before the tribunals of modernization, and hanged if possible. Such is the invariant truth of ‘change’, the actuality of ‘reform’ , the concrete dimension of ‘modernization’. Such, for our masters, is the law of the world.
This short book aims to oppose to this view of things a rather different one, which can be summarized here in three points.
1. Under the interchangeable rubrics of ‘modernization’ , ‘reform,’ ‘democracy,’ ‘the West,’ ‘ the international community,’ ‘human rights,’ ‘secularism,’ ‘globalization’ and various others, we find nothing but an historical attempt at an unprecedented regression, intent upon creating a situation in which the development of globalized capitalism, and the action of its political servants, conforms to the norms of their birth: a dyed-in¬ the-wool liberalism of mid-nineteenth-century vintage, the unlimited power of a financial and imperial oligarchy, and a window-dressing of parliamentary government composed (as Marx put it) of ‘Capital’s executives’. To that end, every¬ thing which the existence of the organized forms of the workers’ movement, communism and genuine socialism had invented between 1860 and 1980, and imposed on a world scale, thereby putting liberal capitalism on the defensive, must be ruthlessly destroyed, and the value system of imperialism – the celebrated ‘values’ – recreated. Such is the sole content of the ‘modernization’ underway.
2. The present moment is in fact that of the first stirrings of a global popular uprising against this regression. As yet blind, naive, scattered and lacking a powerful concept or durable organization, it naturally resembles the first working-class insurrections of the nineteenth century. I there¬ fore propose to say that we find ourselves in a time if riots wherein a rebirth of History, as opposed to the pure and simple repetition of the worst, is signaled and takes shape. Our masters know this better than us: they are secretly trembling and building up their weaponry, in the form both of their judicial arsenal and the armed taskforces charged with planetary order. There is an urgent need to reconstruct or create our own.
3. Lest this moment flounder in glorious but defeated mass mobilizations, or in the interminable opportunism of ‘representative’ organizations, whether corrupt trade unions or parliamentary parties , the rebirth of History must also be a rebirth of the Idea. The sole Idea capable of challenging the corrupt, lifeless version of ‘democracy’ , which has become the banner of the legionaries of Capital, as well as the racial and national prophecies of a petty fascism given its opportunity locally by the crisis, is the idea of Communism, revisited and nourished by what the spirited diversity of these riots, however fragile, teaches us.
شيعة عرب مع الحرية
اصدرت مجموعة من الناشطين في الطائفة الاسلامية الشيعة بيانا عبروا فيه عن دعمهم المطلق لكل الشعوب العربية التي تبحث عن حريتها بعد سنوات من القمع و الظلم الممارس بحقها و شددوا على ان الطائفة الشيعة لا يمكن لا الا ان تكون مع المظلوم في وجه الظالم.
الجمعة 24 آب (أغسطس) 2012
وفي ما يلي نص البيان مع اسماء التواقيع:
الموقف الشيعي بشرط الحرية
لو افترضنا أن الجمهور الشيعي تمكن من التعبير عن رأيه بحرية، فماذا يمكن أن يقول بعيداً عن أساليب الترغيب والترهيب؟
سوف يجاهر بأنه يريد دولة مواطنة في لبنان، لا خائفة ولا مخيفة، ودولة جامعة مستقلة ومنفتحة على الجميع في العراق، ودولة ديموقراطية عصرية واصيلة بديلة في سورية، بعدما فقدت سلطتها الحاكمة بالاستبداد المزمن والمجازر المتعاقبة، أهليتها للإصلاح. ويريد للعقلاء من السنة والشيعة في السعودية، حكاماً ومحكومين، أن لا يكرروا تبادل الأخطاء والانفعالات، كما حصل سابقاً.. ويريد حواراً جاداً من أجل الإصلاح في البحرين وسوف يتساءل هذا الجمهور عما اذا كان يناسب صورة الشيعة وسمعتهم التاريخية أن لا يمر نهر الحزن والغضب الانساني الكربلائي بالحولة والتريمسة؟
إن موقفاً شيعياً معبَّراً عنه بقوة وحكمة ومحبة ورحمة واعتدال وتوازن، مع الشعب السوري، من شأنه أن يسهم بقوة في تلافي الفتن الطائفية ، في كل البلاد العربية ، وخاصة في سوريا ، حيث لم يعد هناك مجال لإخفاء الوقائع المقلقة والممهدة للفتنة، والتي يرتكبها أشقياء وأغبياء بثياب مذهبية مهلهلة وأدوات جريمة مسمومة .
إن الحريصين على الحفاظ على الصورة الحقيقية والمتوارثة للشيعة، باعتبارهم مكوناً أصيلاً وشريكاً في أوطانهم، مدعوون الى تصحيح المشهد، لجهة تظهير الموقف الشجاع والصحيح المتعاطف مع انتفاضات الشعوب العربية وحقوقها، من دون تفريق بين مستبد هنا أو هناك، وأن يعبروا بشجاعة عن موقف عقلاني، ثوري وواقعي، آخذين في اعتبارهم أن للشعب السوري حقاً عليهم، كما هو حقهم عليه، وأن هذه اللحظة هي لحظة الوفاء بالحقوق، وهي لا تتحمل تأجيلاً أو تسويفاً أو صمتاً أو تهرباً أو تهوراً ، أو خضوعاً لابتزاز السائد السياسي الشيعي بالقوة ، والحافل باحتمالات الخطر على سلامة الوجود الشيعي والحضور الشيعي في أي حركة نهوض وطني ، والمؤثر سلبياً على أمثالهم من مكونات الاجتماع الوطني في البلاد العربية .. هذه المكونات التي لا تقل مطالبتها بالانحياز النهائي للديموقراطية والتغيير إلحاحاً عن مطالبة غيرها، نفياً للشبهات التي تأتي من مواقف وخطابات تجير مكونات دينية بعينها لصالح الاستبداد من دون أن يكون ذلك مطابقاً للواقع أو حائزاً على رضا الجماعات المعنية بدورها الوطني وتاريخها في المشاركة وشوقها الى الحرية والعدالة.
إننا بحاجة الى أمثال عبد القادر الجزائري ليطفئوا الفتنة بالتعاون مع علماء دمشق وفاعلياتها، وبحاجة الى عقل وفكر عبد الرحمن الكواكبي، وخط ابراهيم هنانو ورفاقه، وشجاعة الشيخ صالح العلي وريادته وسلطان باشا الأطرش وفريقه الذي لا ننسى أن أدهم خنجر الآتي من وسط نضالي شيعي في جبل عامل كان ضيفه الآمن وشريكه في النضال.. إننا بحاجة الى التذكير بعالم الشام المرجع الديني الشيعي السيد محسن الأمين، الذي شهد له الجميع بالريادة في الإصلاح والوحدة، ونتخيله خطيباً للجمعة في المسجد الأموي أو مسجد السيدة زينب، في جماعة من كل المذاهب، كما كان يحدث، يقرأ الفاتحة، في نهاية الصلاة، بصوت جهير وجريح، على أرواح شهداء التريمسة، ويختمه بدموع حسينية طاهرة مطهِّرة.. وهل يمكن للسوري.. المسلم أو المسيحي أن ينسى الشامخ الباذخ علماً وعملاً فارس الخوري.. أو السلسلة الذهبية من الأمراء ال ارسلان وبالاخص الامير شكيب وعجاج نويهض وأمثالهم من علامات سوريا وبلاد الشام؟ وماذا كان يمكن أن يفعلوا لو بعثوا؟ سوف ينهمكون قطعاً بسد ذرائع الفتنة .
وإننا إذ ندعو الى استيعاب بعض المواقف وتجاوزها من الطرف السوري والى إعادة النظر فيها من الطرف اللبناني المعني، نؤكد أننا لن نفرط بالدم السوري، ونطالب بإطلاق سراح أخوتنا المحتجزين تطبيقاً لسد ذرائع الفتنة.
وهذا بياننا موقعاً بأسمائنا من دون مواربة لأننا منحازون كجميع أهلنا للحق والحقيقة في سوريا ومستقبلها الذي يعنينا.
العلامة السيد محمد حسن الامين، العلامة السيد هاني فحص، الشيخ حسان رطيل ، الشيخ عباس الحايك ، الشيخ عباس الجوهري ، السيد ياسر ابراهيم، الشيخ محمد حجازي . الشيخ محمد علي الحاج
والنشطاء في الشان السياسي و الاجتماعي، مع حفظ الألقاب :
احمد مطر ، اكرم عليق ، اسماعيل شرف الدين ، بادية فحص ، حنين غدار ، حبيبة درويش ، حارث سليمان ، حسن عباس ، حيدر اللقيس ، حامد السيد ، حسن بزيع ، حسن محسن ، حسين حركة ، حسن فحص ، حسن هزيمة ، حسين قاسم ، خليل الزين ، خليل شقير ، راشد حمادة ، زينة الرز ، سناء الجاك ، سامي منصور ، سعود المولى ، صلاح الحركة ، علي الامين ، عبد الله رزق ، علي عميص ، عمر حرقوص ، علي عبد الامير عجام ، عماد قميحة ، علي حيدر شعيب ، علي الحارث ، عماد الامين ، علي حسين ، علي عطوي ، علي شرف الدين ، غالب ياغي ، فادي الطفيلي ، فادي توفيق ، فادي يونس ، فؤاد حطيط، فادي كنج ، كاظم عكر ، كريم صالح ، لقمان سليم ، ماجد فياض ، مجيد مطر ، مصطفى الكاظمي ، مصطفى فحص ، مياد حيدر ، ميرنا المقداد ، محمد المقداد ، محمد الشامي ، مروان كنج، مالك كلوت ، ، نضال ابو شاهين ، نوفل الجلبي ، نبراس الكاظمي ، هادي الأسعد ، هاني امهز ، وائل الأسعد ، ياسر اياد مكي
حوار حول السلفية الشيعية مع العلامة الدكتور حيدر حب الله
أجرى الحوار وأعدّه: سلوى فاضل
نشر هذاالحوار في العدد 118 من مجلة شؤون جنوبية، في لبنان، لشهر نيسان من عام 2012م.
يُعتبر العلاّمة الدكتور حيدر حب الله من أبرز العاملين في مجال التجديد في الفكر الاسلامي المعاصر، ومن أبرز الدعاة إلى مواجهة التطرف حيث يقول في احدى مقابلاته: "إن التيار النصّي في الوسط الشيعي المعاصر (وبعضهم يسمّيه تيّار السلفيين الجدد) تيار جديد في صورته المعاصرة، لهذا يأخذ وقته في التبلور، وعندما يتبلور ينفصل تماماً، إن ظواهر الإقصاء المتبادل تعزز هذا الانقسام وتقوّيه".
كان لـ(شؤون جنوبية) لقاءاً مع حبّ الله حيث حاولنا فيه الاطلالة على الوضع الديني الشيعي العام.
1 ـ يشهد الواقع الاسلامي ظاهرة التشدد الديني (السلفية السنية) في مرحلة (الربيع العربي)، في ظل تسلّم السلفيين الحكم في عدد من الدول التي شهدت تغييرا سياسيا، هل تعتبر كباحث معني بالفكر الاسلامي ان هذه الظاهرة نوع من ردة أم عودة الى الاصول ام انها ليست الا عبارة عن حركة سياسية لا أكثر؟
ج1ـ لعلّه يمكن فهم هذه الظاهرة بوصفها تعبيراً عن فشل الحركة الإسلامية النهضويّة التي انطلقت مع الأفغاني وعبده في تحقيق منجزات بمستوى المرحلة، كما يمكن فهمها في سياق أوسع يعبّر عن إحساس الخوف على الذات والهويّة والشعور بعقدة النقص أمام الآخر الحضاري (الغرب)، وهو ما حصل بعد انهيار المعسكر الاشتراكي ودخولنا مدار العولمة، فإنّ الحركات الماضويّة حالها حال الاتجاهات الصوفيّة، يمكن أن تظهر في مناخ إحباط عام وفي وسط أحزمة البؤس الاقتصادي، وبهذا المعنى نستطيع أن نعتبر العقل السلفي بواقعه الجديد (النسخة الأخيرة المعاصرة) رغبةً في الفرار من الحاضر نحو الماضي الذي يعيد للإنسان إحساسه بالذات والهويّة المنسية، وردّةً عن مقولات عصر النهضة الإسلامي مع رموز التجديد الكبار، حتى رأينا بعض رموز تيار التجديد اليوم ينقلب سلفيّاً يكفر بكل ما كان قد آمن به أو نظّر له من قبل.
2 ـ ثمة تيارين داخل الطائفة الشيعية، الأول ينفتح على المذهب السني ويدعو الى الوحدة والتقريب، والثاني يؤكد على المذهبيّة الحادة أو ما يعرف بالشيرازية. برأيك لمن المستقبل؟ وكيف سيكون عليه الحال المجتمع الاسلامي في حال أخذت ما يعرف بـ(السلفية الشيعية) طريقها نحو الانتشار؟
3 ـ بعد مرور اكثر من عقدين على انتصار الثورة الاسلامية في ايران، هل تعتقد ان للتشدد الديني الشيعي، دوره في انتشار السلفية السنية، ولو متأخرة في القرن الحادي والعشرين؟
ج2 و3ـ بعد إبداء تحفظي على استخدام تعبير (الشيرازية) في هذا السياق؛ حيث لا يتماهى مع كافّة تيارات هذه الجماعة لاسيما منها ما ظهر منذ التسعينيات والتحوّلات التي طرأت عليها في بلدان الخليج، أرى أنّ الجواب عن أصل السؤال رهين طبيعة المتغيّر السياسي؛ لأنّ التاريخ الشيعي الحديث شهد نهوضاً لتيار التقارب مع العلماء: محسن الأمين وموسى الصدر وفضل الله وشمس الدين وكاشف الغطاء والبروجردي و.. وكانت هذه هي السمة البارزة للحركة الشيعية النهضوية منذ بداياتها في النجف، وقد حقّقت نتائج جيدة في الحضور الشيعي العربي منذ تجربة دار التقريب في القاهرة ثلاثينيات القرن الماضي، ولو رصدنا الحركة المتشدّدة التي لا تملك حتى الآن زمام الأمور في تقديري، فإنّها ولدت كردّ فعل على التيار التقريبي من جهة ونتيجة لارتدادات أزمة الهوية التي جاءت مع العولمة من جهة ثانية إلى جانب مؤثرات سياسية محدّدة، ولهذا وجدنا حركة التشدّد بارزة منذ التسعينيات، لاسيما في محاربة العلامة فضل الله الذي وضع بنظرهم العقائد الشيعيّة على مذبح التقريب بين المذاهب، فإذا انتهى الملفّ السياسي المتشنّج اليوم يمكن أن نتوقّع تراجعاً نسبيّاً لنفوذ الجوّ المتشدّد شيعيّاً، وانقلابه إلى صراع فكري داخل ـ شيعي، وهذا على الخلاف من السلفية السنيّة المعاصرة، فإنّها ولدت من مأزق الشعور بتراجع الإسلام السنّي بعد تدهور حال الإخوان منذ الثمانينيات في الجزائر ومصر والمغرب وتونس وسوريا وغيرها، وتقدّم معاصر للحركة الشيعية في منجزاتها في إيران ولبنان، لقد شكّل هذا المزدوج إحساساً بضعف المارد السنّي الذي بدأت قاعدته الشعبيّة تتقاسمها التيارات الفكرية والمذهبية والدينية الأخرى، فكان التشدّد تعبيراً عن رغبة عميقة في نهوض هذا المارد لكي يعيد الاعتبار والإحساس بالثقة أمام سيول المؤثرات الخارجيّة على أهل السنّة من أطراف عدّة، وهو ما يفسّر الإحساس الديني السنّي المتزايد اليوم بالأمان مع التيارات السلفيّة بوصفها مصدر قوّة في حماية الجماعة السنيّة، الخائفة أو المخوّفة من الآخر. وهذا لا ينفي أنّ بعض أشكال التشدّد الشيعي قد ساهم في التشدّد السنيّ والعكس صحيح؛ لأنّ العلاقة تبدو لي هنا جدلية لا من طرف واحد فقط، وأولئك الذين أذكوا نار التشدّد بحجّة خدمة المذهب هنا أو هناك يتحملون قسطاً من المآسي التي نشهدها اليوم.
4 ـ ما هم ابرز السلفيين الشيعة في العالم الاسلامي، بحسب رأيك؟ وبالخلاصة الى ماذا يهدفون من وراء تكريس هذه الحالة: الى حياة دنيوية تحكمها اقلية شيعية في عالم اسلامي ذي أكثرية سنية؟ ام الى حياة اخروية، لكن في الوقت عينه يتهدد فيه المجتمع الاسلامي برمته ويتجه نحو التقسيم والتفتيت؟
ج4ـ ما تريده أغلب هذه الجماعات التي بدأت تتخذ من بعض المرجعيات الدينية ظلاً لها، هو تحقيق الحدّ الأعلى من الخصوصيّة المذهبية في الفكر والاجتماع الإنساني، لهذا نجدها تقدّم القطيعة والتقوقع داخل الذات الجماعيّة على الاندماج الإيجابي في المحيط السنّي، ونجدها أيضاً تركّز على ظاهرة الشعائر بوصفها المُفْصِح الحقيقي عن الخصوصيّة، إنّ تحدّيات هذه الجماعات تكمن في الآخر الداخل ـ إسلامي، لهذا لا تولي أهميّة كبيرة للآخر الحضاري، ولا للتحدّيات المعاصرة الأخرى التي يواجهها الدين.
ولا يبدو لي مطروحاً اليوم الحديث الجادّ عن انفصال شيعي عن المحيط سوى ما أثير في العراق قبل سنوات، لكنّ هذه التيارات تفضّل القطيعة مع أهل السنّة بالمعنى الاجتماعي والفكري، وهي ترى أنّ تقدّم القوّة الشيعية أخرج الشيعة من حالة الضعف إلى حالة القوّة، وأنّه لم يعد يصحّ أن نتعامل بذهنيّة الأقليّة الضعيفة بعد تحوّلنا إلى سلطة قويّة، وهذا ما نلاحظه في الأدبيات الدينية لهذه التيارات فيما يتحدثون فيه عن انتهاء عصر التقيّة.
وأمّا الحديث عن التشظّي الإسلامي، فإنّ كثيراً من هذه الجماعات قد لا تعنيها هذه الكلمة شيئاً؛ لأنّ المهم عندها هو الإطار المذهبي الذي باتت تجتهد أكثر فأكثر للتنظير لحصر الإسلام به، وهو ما يجعل كافّة القضايا الأخرى لا تندرج ضمن أولويّات هذه الجماعات. إنّ فهم هذه الجماعات يجب أن يكون بتحليل قناعاتها من الداخل لا بإسقاط قناعاتنا وأولويّاتنا عليها.
5 ـ يتجه شيعة لبنان، المنضوي بعضهم، اما تحت اطارات حزبية دينية متشددة، وأخرى اكثر تشددا صوب مزيد من الارتكاز نحو القضايا المذهبية الانفصالية بالمعنى الديني، حيث لا نجد للوحدة من مقر سوى في الاحتفالات. بحسب رأيك من ينميّ هذه الظاهرة؟ ويمولها؟ ولصالح من؟ وهل يمكن ان نطلق عليها تعريف (السلفيّة الشيعية) مقارنة بالسلفيّة السنية؟
ج5ـ هناك جماعات دينية على المستوى الشيعي في المنطقة ترى أنّ آليات العمل السياسي المنطلقة من مفهوم المصلحة قد تركت تأثيرات سلبية على البُعد العقدي للجماعة الشيعية، وأنّه تمّ تقديم السياسي على المذهبي، وخلق حالة ازدواجيّة، ويذهب هؤلاء إلى أنّ هذه الظاهرة قد أبعدت وظيفة علماء الدين عن مجالها الديني والأخلاقي ليتحوّلوا إلى موظفي سلطة سياسية، وشيئاً فشيئاً ظهر تيارٌ على الهامش يعيد رسم أولوياته في سياق القضيّة العقديّة المؤجّلة سياسياً برأيه والالتزام الديني الصارم الذي لمس تهاوناً فيه مجاراةً للواقع المعاصر، وبعد أن شعرت القاعدة الشعبية بأنّ هذه الجماعات أكثر تعبيراً عن قيم الدين والتصاقاً بها على خلاف تيارات أخرى بدت لهم أنّها توظف الدين لخدمة مصالح سياسية أو تؤجّله للغرض عينه.. بعد ذلك بدأ الالتفاف حول هذه الجماعات الصغيرة التي قد تجد لها بعض الشخصيات الكبيرة الداعمة في مناخات بعضها متضرّر أو غير متوالم مع الحركة السياسيّة الشيعية التي جاءت منذ الستينيات، وبعد ظهور ما صنّف من قبل المعارضين أنّه انهيارات قيمية وأخلاقية في الحركة الإسلاميّة هنا أو هناك، وحصول تشظّيات داخلها خلال العقدين الأخيرين، ازداد نفوذ هذه الجماعات التي ظلّت تبدي نفسها تارةً من خلال تيارات ماضوية مذهبية ذات منطلق عقدي وتاريخي، وأخرى من خلال جماعات صوفية روحية ذات طابع مذهبي أيضاً، إنّ هذه الجزر الدينية لم تصل بعدُ إلى مستوى امتلاك القرار الشيعي، لكنّها بدأت بالتدريج بالنفوذ إلى داخل الجسم السياسي الشيعي بوصفها حركات دينيّة ثقافية، وقد ينذر ذلك ـ إن لم يجر الاشتغال الواعي عليه ـ بحدوث إرباكات في الحركة الإسلامية عبر اختراقها وتفتيت أولويّاتها من الداخل، في شيء يشبه ما حصل بين السلفية السنيّة والحركة الإخوانية في أكثر من بلد عربي.
أمّا التسمية، فيختلف الموقف منها تبعاً لاختلاف تفسيرنا للمصطلح، فإذا قصدنا منه تيار العودة إلى السلف الأوّل أو الاتجاه الماضوي الاستنساخي عموماً فيمكن تصحيح التسمية، أما إذا قصدنا منه التيار التكفيري بشكله السائد ومبادئه وآلياته فمن الصعب جداً حتى اليوم تبنّي مثل هذا المصطلح في المناخ الشيعي، وإذا كان هناك أفراد لديهم هذه العقليّة فإنّ غالبية الرموز الدينية الكبيرة في العالم الشيعي لا تحمل هذا النمط من التفكير بوصفه منهجاً نشطاً في الرؤية والممارسة.
العلاّمة الدكتور حيدر حب الله
لبناني من مدينة صور الجنوبية، انهى الدراسات الدينية في المراحل التي تُسمَّى بـ"المقدمات والسطوح" في لبنان، وانتقل إلى الدراسة العليا في الحوزة العلمية في "قم" عام 1995. وتتلمذ على أبرز الشخصيات المتخصّصة في مجال الفقه وأصول الفقه والتفسير وعلوم الحديث والرجال. وساهم بتأسيس مجلة "أصداء"، كما تولى رئاسة تحرير بعض المجلات مثل "المنهاج" و"نصوص معاصرة" و"الاجتهاد والتجديد". وصدر له عدة كتب منها: "مسألة المنهج"، و"التعدّدية الدينية"، و"بحوث في الفقه الزراعي". وترجم حب الله بعضا من الكتب الإيرانية الهامة، مثل "بين الطريق المستقيم والطرق المستقيمة" و"المجتمع الديني والمدني" و"الأسس النظرية للتجربة الدينية".