الصفحات

الأربعاء، 2 يناير 2013

أربعة إعتبارات للعدالة الدستورية الاجتماعية

بقلم البروفسور انطوان مسرّه

كيف يكون القضاء الدستوري في خدمة اوسع للمواطن في اطار تحولات اليوم في القانون والمجتمع؟ بعد الدراسة المقارنة الصادرة عن "اللجنة الاوروبية للديموقراطية من خلال القانون"، والمسماة ايضًا "لجنة البندقية"، وبعد مداخلات المشاركين في المؤتمر السادس "لجمعية المحاكم الدستورية التي تشارك في استعمال اللغة الفرنسية" ACCPUF، أعرض اطارًا مرجعيًا لاشكالية مراجعة القضاء الدستوري من المواطنين من خلال الادعاء او الدفع في ضوء التحولات القانونية والاجتماعية. القانون: بين "الدولنة" والفردية والوظيفة الاجتماعية ما هي التحولات التي يُسميها البعض تحديات والتي تتطلب التوسع في اللجوء الى القضاء الدستوري؟ انشئ القضاء الدستوري اساسًا في سبيل المزيد من انتظام العمل البرلماني في حين تواجه اليوم الانظمة الدستورية تحديّين او خطرين في الانحراف: 1. خطر "دولنة" القانون étatisation du droit من خلال وسائل عديدة ومنها حصر مراجعة القضاء الدستوري بالاجهزة المؤسسية. 2. خطر فردنة القانون individualisation du droit من خلال فتح مجال مراجعة القضاء، الدستوري للمواطنين كافة، دون آليات تصفية، مع ما قد يستتبع ذلك من تضخم وتجاوز. مع الاقرار بضرورة ان تكون العدالة الدستورية في خدمة المواطن، تطرح المبالغة في المراجعة الفردية وانطلاقًا من الاختبار اشكاليات تنظيمية عديدة. تنمي العولمة الهويات الفردية والجماعية وايضًا الحاجة الى مزيد من الصلة الاجتماعية والتضامن. هل نحن بالفعل مجتمع؟ ما الذي يجعل من مجموعة مجتمعًا؟ الحالة التي قد نعيشها في عالم اليوم، وفي ذكرى الثلاثمئة على مولد جان جاك روسو Rousseau J.J، ان يعيش الانسان الحالة الطبيعية، بالمعنى الهمجي، اذا لم تترافق هذه الحالة مع عقد اجتماعي Contrat social. لا "دولنة" تاليًا للقانون ولا "فردنته"، بل اعتماد سياق وسطي في مراجعة العدالة الدستورية يُعيد الاعتبار الى وظيفة القانون المجتمعية. مراجعة هيئات المجتمع المدني تُبرر الاعتبارات الاربعة التالية توسيع مراجعة القضاء الدستوري لمصلحة التنظيمات الاجتماعية mouvements sociaux، أي الاحزاب والنقابات والهيئات المهنية والجمعيات الاهلية: 1. العولمة: في سياق العولمة اصبحت القوى الاربع في السياسة والمال والاعلام والانتلجنسيا كتلة واحدة متراصة يستحيل زعزعتها الا من خلال قوة خامسة مواطنية. 2. الالتزام: تعاني اليوم جمعيات الدفاع عن الحريات وحقوق الانسان، بعد مرحلة طويلة من المناصرة والانجازات، من تراجع الالتزام بعد رحيل الآباء المؤسسين. وقد يُفسد التنافس على تمويل برامج في الدمقرطة الاهداف السامية لوظائف الجمعيات الاهلية. 3. وظائف النائب: ينحو النواب الذين هم من ابرز من يحق لهم مراجعة القضاء الدستوري وفي العديد من البلدان الى تغليب اهتماماتهم الانتخابية على حساب حماية الحقوق. في كتاب جان جاك روسو العقد الاجتماعي (1762) تحذير من الانزلاق الانتخابي: "يظن الشعب الانكليزي انه حر ولكنه مخطئ. انه ليس حرًا الا خلال فترة انتخاب اعضاء مجلس النواب وبعد انتخابهم مباشرة يصبح عبدًا وهو لا شيء". يمارس النواب ثلاث وظائف: التشريع ومراقبة السلطة التنفيذية والوساطة لمصلحة الدفاع عن حقوق مشروعة لناخبيهم. وظيفة النائب، بصفته مدافعًا عن الحقوق من خلال مراجعة دستورية من مؤسسات المجتمع المدني، تقرّب السياسة من المواطنين ومن المجتمع. يقتضي هنا ربط مراجعة هيئات المجتمع المدني بدعم نائبين او ثلاثة تجنبًا لاستغلال سبل المراجعة ولتضخم المراجعات ودعمًا للعلاقة الضرورية بين مجلس النواب والمجتمع المدني. 4. اللاقانون: قد تحد التوافقات بين النخب، بخاصة في الانظمة البرلمانية المركبة التي تدمج سياقات تنافسية وتعاونية في آن واحد (لبنان، بلجيكا...)، من المراجعات المؤسسية للمجالس الدستورية. يُستنتج من ذلك الحاجة الى اعتماد مراجعات للقضاء الدستوري خارج المرجعيات المؤسسية. يندرج في هذا الاطار الحق في لبنان في مراجعة المجلس الدستوري لرؤساء الطوائف في الشؤون المتعلقة بالاحوال الشخصية والحريات الدينية (المادة 19 من الدستور) وحق مراجعة المجلس الدستوري لرئيس الجمهورية الذي "يسهر على احترام الدستور" (المادة 49) بموجب تعديلات 1990. عندما تندرج مساومات بين النخب القممية في اللاقانون non-droit فلا يمكن الحد منها الا في سياق مشاركة مواطنية اكثر فاعلية. ■■■ المجتمع المدني بالرغم من حيويته، في ديموقراطيات قيد التحول او مُهددة، هو غالبًا عاجز عن تحقيق تغييرات تشريعية في انسجام مع القواعد الدنيا لحقوق الانسان لأنه يواجه غالبًا سدودًا صلبة من التقاليد وعلاقات النفوذ. تندرج تنمية المجتمع المدني في صلب التعديل الدستوري في المغرب. تنص المادة 33 من الدستور الجديد في المغرب على انشاء مجلس استشاري للشباب والعمل الاهلي. وقُدمت مُذكرة على اثر اجتماع ضم 163 جمعية في 22/6/2012 تنص على مساهمة المجلس في "مأسسة العمل الاهلي وانجازاته". وتنص المادة 170 على "تحفيز المشاركة في الحياة العامة".