الصفحات

الأربعاء، 2 يناير 2013

الدستور.. الدين والدولة‏

عادل عبد المهدي

في المؤتمر حول الدساتير العربية لبلدان الصحوة (القاهرة/ 5 كانون الاول) اظهر البعض قلقه من طبيعة العلاقة بين الدين والدولة.. فهناك اتفاق عام باهمية الشريعة كمصدر اساس للتشريع او من مصادره الاساسية.. لكن بعضهم كان يخشى من استغلال الدين لاغراض الاستئثار.. يقابله قلق من التجاوز على ثوابت الامة الدينية سعياً للحداثة والعولمة. وكان للوفد العراقي شروحات طيبة.. فالدستور العراقي (المادة 2) اقام علاقة متوازنة تؤسس لدولة مدنية دينها الرسمي الاسلام وجعله مصدراً اساساً للتشريع.. فاوجب احترام هوية غالبية الشعب الاسلامية وضمان حقوق بقية الديانات والمعتقدات وممارساتها. فالدين والمدنية ليسا متناقضين الا عند التعسف في احدهما.. فمدنية المسلم، لا تنفي تدينه، او العكس.. واسلاميته لا يكسبها من انتمائه لحزب، وان انتمى فليس على حساب مدنيته.. فضمن الدستور تلازم السلوك التوحيدي لطبيعة الدولة في معاملاتها وعطلها ومراسمها، الخ.. بل والتحصن من عدم الاعتداء.. فمنع، بتكامل وتلازم، وفي آن واحد، المس بالاسلام او بمبادىء الديمقراطية والحقوق والحريات الاساسية الواردة فيه. والمنع غير المطالبة والتطبيق، كما هو معلوم.. فلو طالب احدهم ان تعطل الدولة الصلاة او الحج او الصيام فان الدستور سيتصدى لذلك بان هذا يمس بثوابت الاسلام.. بينما لو طالب انه يجب فرض الجزية او قطع يد السارق، فهذا يتعلق باحكام، للزمان والمكان اعتبار فيها. بل ان اصرار المرجعية على اصدار الدستور هو بذاته ضمانة واطمئنان للمسلمين ولغير المسلمين.. وسيعني اقراره ان البلاد ستحكم بموجبه، بعد ان استبطن الحقوق الاساسية للجميع وحمايتهم.. ولا عبرة للاصوات الصحيحة او الخاطئة التي لا حكم لها، او بالحالات الاحادية والشاذة، بل العبرة هل يكون الحكم بالدستور ام بدونه. فالمسلمون وغير المسلمين يجدون حقوقهم وضماناتهم فيه.. وان هدفه ليس قطع الالسن واثارة الفتن، بل اعتباره القانون الاسمى، بكامل نصوصه وتوازناته، لادارة البلاد.. لهذا قلنا في كلمة لنا.. ان من يرى بعين واحدة ولمصلحة جماعة او فكرة واحدة فسيرى دستورنا مليء بالتناقضات.. لكن من يرى بعيون المجتمع كله.. وثوابته ومتغيراته، وجميع جماعاته وتلاوينه واتجاهاته سيرى انه حقق توازناً وضماناً لكل المواطنين، دون ان يغلق الباب للتعديل والتطور حسب المقتضيات. وهذا انجاز تاريخي نحققه للمرة الاولى، يحمي الجميع ويضمن حقوقهم، بعيداً عن حكم الهوى واليد القاهرة.