الصفحات

الأربعاء، 2 يناير 2013

إبراهيم محمد مهدي شمس الدين:في الدولة والشيعة والمقاومة والطائف


لأن الوطن للناس ولأن الدولة للناس، ولأنّ الحكومة للناس، ولأن الدين أرسله الله للناس، ولأن الحرب يموت فيها الناس والسلم يحيا فيه الناس، ولأنّ الجميع يدّعي العمل باسم الناس ولمصلحة الناس، ولأنّهم هم موضوع الحياة وموضوع الأوطان وموضوع الحساب في يوم الحساب، نخاطب الناس في هذا النص ونتوجّه إليهم ونعطيهم خيارات حقيقيّة موجودة ليختاروا لأنفسم منها حتّى يكونوا أحرارا فعلاً، ولأنّ الله سيحاسبهم هم كأفراد، وليس كأعضاء في أحزاب أو تنطيمات أو حكومات. 1- إن اللبنانيين المسلمين الشيعة هم مكوّن أساس من مكوّنات لبنان الوطن والدولة، وهم كغيرهم تماماً من الطوائف اللبنانية المكونة للبنان الوطن والدولة وليسوا "غير شكل" ؛ فلا يتعامل معهم أحد على أنهم "غير شكل" أو لا يتعاملوا هم مع أنفسم على أنهم "غير شكل". 2- إن اتفاق الطائف جعل من اللبنانيين المسلمين الشيعة شركاء كاملين وعلنيين ومعترف بهم في الدولة وفي الوطن وفي القرار الوطني. وهذه الشراكة الكاملة ليست منّة من أحد الشركاء أو من جميعهم وبالتالي لا يستطيع أحد انتزاعها أو "استرجاعها". 3- إنّ اللبنانيين المسلمين الشيعة ليسوا في خطر وليسوا موضوعاً لمؤامرة من المسيحيين عامّة أو من المسلمين السنّة أو من الموحدّين الدروز، ولا وجود لما يخيفهم، وأنا أدعوهم كما كان يدعوهم الشيخ محمد مهدي شمس الدين إلى أن لا يخافوا. 4- إن المسلمين الشيعة ليسوا قوماً عابرين للأوطان وهم ليسوا عرباً من البدو، هم مواطنون في أوطانهم حيث وجدوا : هم لبنانيون حصراً في لبنان، ومصريّون حصراً في مصر، وسعوديون حصراً في السعوديّة، وكويتيّون حصراً في الكويت، وإيرانيّون حصراُ في إيران... 5- إن المسلمين الشيعة مرجعيّتهم في أوطانهم، ودولتهم الوطنيّة هي إطارهم السياسي، وحكومة بلدهم هي مرجعيتهم السياسية، ولا إمرة سياسيّة عليهم من خارج أوطانهم ولا ينبغي لهم أن يقبلوها تحت أيّ عنوان. 6- إنّ اللبنانيين المسلمين الشيعة ليسوا حزباً أبداً، هم ليسوا حزباً مملوكاً من أحد وليسوا حزباً مسلّطاً على أحد ؛ توجد في داخلهم أحزاب ولكنها لا تختصرهم ولا تملكهم مهما بلغت قوّتها، وهم ليسوا جمهوراً بل جزء مندمج ومتكامل في مجتمع متنوع . كان الأمر دائماً هكذا قبل السيد موسى الصدر ومعه وبعده. لم يمتلك السيد موسى الصدر الطائفة ولا صادرها ولا اختصرها. وكذلك الأمر مع الشيخ محمد مهدي شمس الدين، كل منهما كان حريصاً على التنوّع السياسي داخل الطائفة وكان جزءاً منه. 7- إنّ مشروع الدولة العادلة كان دائماً مطلب الشيعة اللبنانيين : بناء الدولة العادلة لمواطنين أحرار مع اللبنانيين الآخرين. هذا المشروع عمل له السيد موسى الصدر والشيخ محمد مهدي شمس الدين على مدار 30 عاماً، وحوربا واتُّهما وحوصرا وخوِّنا، وخطف الصدر وأوذي شمس الدين لإصرارهما على هذا المشروع، ولإصرارهما على حفظ لبنان متنوع وموحّد في آن معاً. 8- الفكرة المركزية للوطن أنّه لا يقوم إلا بالدولة، والفكرة المركزية للدولة أنها لا تقوم إلا بكونها، بالإضافة إلى مهامها الأخرى، المرجعية الثابتة والحصريّة للقتال وللدفاع ولاستعمال القوة المسلّحة (مشروعية استعمال العنف). وذلك كما الفكرة المركزيّة في الإسلام وجود إله واحد ووجود رسالة ودور (نبوّة) يؤدّيها نبي مكلّف من الإله الواحد، ويبقى مرتبطاً فيه ويتلقّى الإرشادات والتعاليم منه حصراً، ولا يخترع التشريعات، ولا يتصرّف بمفرده حتى لو كان نبيّاً. 9- لا توجد دولة في العالم فيها قوّة مسلّحة خارج إطار شرعيّتها ومنفلتة من القرار السياسي المركزي للدولة ؛ حتّى في إيران توجد قوة عسكرية نظاميّة هي الجيش الإيراني، وتوجد قوة عسكرية نظاميّة أخرى لا علاقة لها بالجيش هي حرس الثورة. إن حرس الثورة ليس منفلتاً من السلطة السياسية المركزية في إيران، وهو لا يستطيع ولا يجرؤ على القيام بأي عمل عسكري أو أمني بدون قرار أو موافقة السلطة السياسية. 10- اتفاق الطائف هو اتفاق الاختيار بين اللبنانيين ارتضوه نظاماً لهم ولدولتهم وهو قطعاُ ليس مقدّساً ومقفلاً، ولكنّه ليس ألعوبة وليس خاضعاً لموازين قوى متغيّرة، وهو ليس مصحفاً يرفع على رماح التحكيم عند الشعور بالضعف ويرمى جانباً عند الشعور بالقوّة. 11- إن الدولة اللبنانية مكوّنة على أساس اتفاق الطائف برضا واختيار اللبنانيين ودون إرغام، وهو النظام الذي ينتخبون من خلاله ممثليهم إلى مجلس النواب ومن خلاله الحكومة (الحاكم)، وبالتالي فإنّ الحكومة اللبنانيّة ليست حكومة غلبة بل حكومة اختيار. 12- إن من يريد أن يدخل لبنان ينبغي أن يدخله، على قاعدة الإسلام، من بابه الذي هو حكومته : أن تؤتى البيوت من أبوابها وليس من ظهورها ولا من نوافذها ولا من شقوقها، وإلا يكون آثماً ومخالفاً للشرع ولقواعد التعامل الدولي المقبولة، وبالتالي من يريد حاجة أو مصلحة من لبنان عليه أن يطلبها من جميع اللبنانيين عبر حكومتهم وليس من فئة خاصة أو جزئية منهم، ولا أن يأخذها من الحكومة بدون علم اللبنانيين، والحكومة ملزمة أن تعمل بطريقة شفافة وبناء على أنظمة وقوانين الدولة. 13- إن النظام اللبناني هو ديموقراطي جمهوري برلماني اختاره اللبنانيون غير مرغمين، والشعب هو مصدر السلطات ولا ولاية لأحد عليه. وحكومة لبنان، حتّى من ناحية فقهية، تمثّل الولاية السياسية على اللبنانيين. 14- إن ولاية الفقيه العامة - كنظام سياسي وصيغة حكم – ليست الصيغة التي اختارها اللبنانيون، وبالتالي هم ليسوا ملزمين بها ولا يخضعون لها أو لمفاعيلها ولا ينبغي إرغامهم عليها. إنّ حدود ولاية الفقيه كسلطة سياسية هي حدود إيران التي اختارها شعبها ،غير مرغم، نظاماً سياسياً له وصيغة حكم. 15- إنّ الدخول في الدولة اللبنانيّة لأي جهة لبنانيّة أو أي مواطن لبناني شرطه قبول صيغتها وصيغة الحكم فيها التي هي اتفاق الطائف ومن يرفض اتفاق الطائف ولا يعترف به لا يحق له الدخول في صيغة الحكم. 16- عندما نحصل على تأشيرة دخول إلى أي دولة أجنبية، الافتراض الضمني فيها أنّنا نوافق على الخضوع لأنظمة هذه الدولة واحترام قوانينها والتقيّد بقيودها وإلا سوف نُمنع من دخولها. حتى الدخول في حزب من الأحزاب يقتضي الخضوع لأنظمة وقوانين وإجراءات هذا الحزب. وكذلك عندما ندخل في صيغة الدولة ومؤسسة الحكم فيها، يعني القبول بدستورها وأنظمة عمل مؤسساتها الدستورية كافّة والعمل بموجبها والانصياع لها وليس التمرّد عليها. 17- إنّ الدولة عبر الحكومة ومجلس النواب والقضاء ملزمة تطبيق اتفاق الطائف الذي هو ملك الناس وليس ملك الأحزاب أو الرؤساء. 18- إن الدخول في إيّة اتفاقات جانبية داخل الحكومة لنفوذ أو حكم أوسلطة تتعارض مع صيغة الطائف وخارجة عليه، هو خداع للناس وتخريب للدولة. 19- إنّ التغيير أو التجديد والتطوير في صيغة الحكم أو في الحكومة يتم من داخل مؤسسات الدولة وباستعمال أدواتها القانونية ووسائلها وآلياتها، ولا يتم من خارجها وإلا يكون الأمر إرغاماً واستيلاء وبالتالي تخريباً لمنظومة الدولة. وهذا الأمر كحركة الاجتهاد عند المسلمين بما هو تطوير وتجديد في الفكر والفقه الإسلاميين : "فالاجتهاد هو حركة داخل الدليل" وليس خارجه، أي إن عمليّة التجديد والتطوير تتم من داخل المنظومة الدينية ومسلّماتها الشرعية ومنهجها وإلا تكون استنساباً خاصاً وشخصياً وإضعافاً للصيغة الشرعية. 20- أطروحة أن قوّة لبنان في ضعفه مرفوضة، كذلك أطروحة أن قوة المقاومة في ضعف الدولة مرفوضة. إن الدولة الضعيفة هي التي سمحت بالتفسّخ الداخلي والحرب الأهلية والتغلغل الإسرائيلي والاجتياح الإسرائيلي. 21- المقاومة حق للناس حين الاحتلال كما الحياة حق للمولود بعد الحياة. هي لا تنشأ بقرار أو بطلب من أحد، هي حركة الناس وحريتهم كمواطنين، وهي واجب وطني مُلزم للجميع وواجب ديني ملزم للبعض بشروطه الفقهية، وهي ليست أداة لغير المواطنين. 22- المقاومة لا تكون ضد شيء فقط، بل هي أصلاً تقوم دفاعاً عن شيء وهو الوطن وشعبه، وينبغي على العمل العسكري الدفاعي الحرص من أذية الناس في استقرارهم وأرزاقهم ودمائهم : هناك شروط فقهية لمشروعية أي عمل عسكري. 23- الجيش هو أداة الشعب والدولة في الدفاع هن الوطن، ووظيفته أن يقاتل وأن يُقتل دفاعاً عن حياة الناس، وليست وظيفة الناس أن يُقتلوا حفظاً للجيش بحجّة عجزه. 24- لا نستطيع أن نقبل فكرة أن اللبنانيين المسلمين الشيعة هم أكثر وطنية من غيرهم وبالتالي يجب أن يموتوا دون غيرهم وأكثر من غيرهم وقبل غيرهم دفاعاً عن لبنان. 25- المقاومة ليست حزباً والحزب ليس دولة، وتجريد المقاومة (كعمل دفاعي وليس كعمل حزبي) من سلاحها يقتضي تجريد الجيش من سلاحه، وكلاهما مرفوض. 26- المسألة ليست في أن الجيش قادر أو غير قادر، وهو قادر ؛ المسألة في أنه كافٍ أو غير كافٍ، وهو غير كافٍ، وبالتالي يجب أن يتوسّع مفهوم الدفاع عن لبنان ليشمل المقاومة الدفاعية الشعبية المندمجة في الدولة والمنضبطة في الجيش، وهكذا يصبح الجيش كمؤسسة نظامية قادراً، ويصبح كمنظومة دفاعية كافياً. 27- لا يفقأُ عينَ الفتنة إلا الناس. لا تحدث حرب أهلية في لبنان ولا فتنة مذهبية لأن الناس أحرص على حياتهم ومصالحهم من قادتهم وأحزابهم. 28- إن من يريد أن يبني شرق أوسط جديد فليشتر إحدى الجزر في أحد المحيطات المحاذية له، وليستورد بعض الصقالبة والفالاشا إليها وليصنع الشرق الأوسط الذي يريده هناك ؛ وإلا فليأتِ بجديد إلينا في سياسته الخارجية ونحن نضمن بناءً جديداً نرتضيه جميعاً. 29- إنّ تحصين لبنان في الداخل ومن الخارج هو تكليف الدولة الأوّل والأكبر، وهو واجب ملزم للدول العربية الكبيرة بشكل خاص التي يجب أن تحزم أمرها وأن تمتنع عن مجاملة بعض الجهات في الداخل والخارج، تلك المجاملات التي كلّفت لبنان والناس خسائر فادحة. 30- إنّ لبنان يحتاج فعلاً إلى دولة قوية وعادلة، وهو قطعاً يحتاج إلى رجال دولة.