لبنانيّو أستراليا يريدون إسقاط النظام
ويوجّهون ملاحظة أوّليّة إلى "رسل الطائفيّة"
نشطاء في الجالية اللبنانيّة الأستراليّة تنادوا إلى مركز تجمّع سانت جورج ـ سيدني للتداول في الحراك الدائر على أرض لبنان من أجل إسقاط النظام الطائفي والبحث في أشكال النصرة والدعم سياسياً، معنويّاً، ثقافيّاً وماليّاً.
وأجمعت الآراء أن النظام الطائفي في لبنان هو مفسدة أي أبعد ما يكون عن العدالة والإنسانيّة والشفافيّة والديمقراطيّة وأنه لا ينتج سوى التجزئة التي تبيّن الأيّام دائماً أنّها "حركة سخيفة ومنحطّة" حيث مرّة هناك "بيروت شرقيّة وبيروت غربيّة" ومرّة هناك "إبن الشمال وابن الجنوب" وإقطاع مالي، وإقطاع ديني.
وتوافق الحضور أن النظام الطائفي في لبنان له ارتدادات آثارها المدمّرة تصل إلى اللبنانيين في أستراليا حيث أنّ الأستراليين من أصل لبناني هم الوحيدون بين مكوّنات المجتمع الأسترالي الذين يهتم أي أسترالي وهو في حديث إليهم أن يعرف إلى أي دين أو مذهب أو منطقة ينتمي هذا أو ذاك منهم. واقترح البعض أن يكون في حيّز النشاط لإسقاط النظام الطائفي الدعوة على نحو متتابع إلى ندوات ثقافيّة تكشف مثالب هذا النظام السيء الصيت والسمعة، وأن إسقاط النظام الطائفي لا يعني إسقاط الطوائف التي هي نعمة وإنّما إسقاط الطائفيّة التي هي نقمة، وإسقاط الهدر ونزيف الهجرة والإفقار والتهميش والتمييز العنصري بين الجنسين حيث مثالاً لا حصراً يحق للبناني أن يمنح أبناءه من سيّدة أجنبيّةٍ الجنسيّةَ اللبنانيّة فيما تُحرم السيّدة اللبنانيّة الأصل من حق أن تمنح جنسيّتها لأبنائها من زوج غير لبناني.
وجرى التأكيد أنّ كلّ الجماعات الأقلويّة في لبنان تعاني بسبب هذا النظام الطائفي العفن إجحافاً عظيماً لا يجب القبول به بعدُ مثلما لا قبول بعدُ أن يعتبر كل سياسي أن لبنان له ولأبنائه وأقاربه إلى أبد الآبدين. وأوضح بعض آخر أهميّة التسلّح بالوعي لتبيان أن النظام اللبناني الطائفي هو نظام أثبت فشله، وأن النظام البديل الذي يستدعي الدولة المدنيّة القويّة العادلة هو فائدة لغالبيّة اللبنانيين.
وتمنى المجتمعون أن يصل صوتهم إلى الأهل في لبنان بأن لهم أبناء في المغتربات ومنها أستراليا يساندونهم في حراكهم المبارك لإسقاط النظام الطائفي وأنهم يحيّون جميع الذين شاركوا في التظاهرات الثلاث الأخيرة في بيروت ويخصّون بالتحيّة رجال الدين الذين شاركوا في هذه التظاهرات، مع التأكيد أن "رسل الطائفيّة" إلى أستراليا من نوّاب ووزراء وشخصيّات سيكونون مستقبلاً في محل ترحيب أقل، وربّما تنديد، ما لم يكونوا مجاهرين في الدعوة إلى إسقاط النظام الطائفي ومتقيّدين عمليّاً بهذه المجاهرة.
لجنة المتابعة لإسقاط النظام الطائفي في لبنان
سيدني ـ أستراليا
الصفحات
▼
الثلاثاء، 29 مارس 2011
عقد إجتماعي عربي جديد: أين لبنان؟
د. سعود المولى
يعيش اللبنانيون فرحة غامرة تملأ قلوبهم وهم يشهدون قيام الحركات الإجتماعية والشبابية والثورات الشعبية في طول البلاد العربية وعرضها، تدعو إلى الحرية والديموقراطية والكرامة الإنسانية والعدالة الإجتماعية... وقد إرتفع في كل بلد عربي صوت التغيير وشعاراته، وتضافرت جهود كل المواطنين المندمجين في أوطانهم والعاملين بمسؤولية عالية، في سبيل إعلاء شأن حقوق الإنسان وكرامته، وتحقيق المواطنة المتساوية في دولة مدنية تعزز المشاركة السياسية الشعبية في تقرير شؤون ومصائر البلاد وفي بناء التنمية الإقتصادية والإجتماعية والثقافية.
لقد كان اللبنانيون السباقين في التوكيد على كل معاني الدولة المدنية وعلى كل مندرجات الحوار والتنوع والتعددية في إطار العيش المشترك والشراكة الوطنية، وعلى كل مستلزمات بناء المواطنة السليمة، وعلى أن الحرية والكرامة والديمقراطية والعدالة هي الشروط الرئيسة لا بل الوحيدة لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين ومعضلات التنمية المستدامة في عالم شديد الإضطراب والتحول..كما لمواجهة الإمبريالية والصهيونية ومؤامراتهما!.
إلا أن السنوات الماضية قد شهدت إنتكاسة مخيفة لكل الإنجازات التي حققها اللبنانيون الذين باتوا اليوم يشعرون بأنهم مطالبون بأكثر من مجرد الإنتظار فيما العالم العربي يتغير ويتقدم من حولهم، في حين أنهم يتقهقرون بشكل مريع وعلى كل المستويات..
إن ربيع الشعوب العربية يدعونا إلى إستعادة مقومات العمل المشترك البناء الذي كنا السباقين إليه منذ تلمسنا الحاجة إلى بلورة مشتركات ينعقد عليها إجماع وطني يعيد تأسيس الوطن والكيان على قاعدة إتفاق الطائف، ويفتح في الآن نفسه آفاق التطوير والإصلاح..
اليوم تولد الشعوب العربية من جديد بعد عقود من الموت السريري على يد أنظمة سياسية إستبدادية وقهرية، جاءت إلى الحكم بإسم فلسطين والتحرر والوحدة العربية فلم تورثنا بعد أكثر من نصف قرن سوى الذل والعار وإحتقار حرية الإنسان وكرامته لا بل وحياته البائسة..ها هي الشعوب العربية تتقدم على طريق امتلاك مصيرها بنفسها أي إستعادة حقوقها المهدورة ، وإستعادة إنسانيتها المنتهكة ، وإستعادة حريتها وكرامتها المغتصبة..
هذه الثورة العربية الجديدة أعادت وتعيد تشكيل الشعوب العربية التي أضناها القمع الوحشي والإستبداد السلطوي-المافيوي والإنقسام الطائفي-العشائري والتنازع الحزبي والفئوي..
وفي أتون هذه الثورات تغلبت الشعوب العربية على الخوف واليأس والإستلاب والتهميش والمهانة والعطالة والإحباط وفقدان الهوية وضياع الذات..فإكتشفت القوة الحقيقية للوحدة والقدرة الحقيقية للوعي والتنظيم والقيمة الحقيقية للحرية والديموقراطية..
هذه الثورات العربية هي فاتحة عهد عربي جديد عنوانه العام والرئيس: صياغة عقد إجتماعي جديد يقوم على الكرامة والحرية والعدالة ، وعلى حكم القانون والمؤسسات، وعلى إلغاء نظام السلطة المطلقة أو أشكال الحكم الديكتاتورية، وعلى إقامة نظم سياسية تشاركية لا إلغائية فيها ولا حصرية عائلية مافيوية، وعلى إقامة برلمانات منتخبة ديموقراطياً تحقق مشاركة جميع الأفراد في القرارات عبر ممثليهم ، وعلى تداول السلطة سلمياً، وعلى إطلاق الحريات العامة للناس دون تمييز أو غلبة..
في خضم ما يجري من حولنا نتذكر الشهيد المعلم كمال جنبلاط ونتذكر برنامجه للإصلاح السياسي في لبنان..كما نتذكر برنامج الإمام السيد موسى الصدر ودعواته المتكررة للوحدة والتضامن كأساس لكل مقاومة..ونتذكر أخيراً دور لبنان العربي الرائد في حمل رايات التحرر والتقدم في كل المجالات....فهل فات أوان النضال الوطني والتجديد الديموقراطي والإصلاح والتغيير والتنمية والتحرير؟؟ هل صرنا أسرى الأسماء/الطواطم التي نحملها والتي ما أنزل الله بها من سلطان؟؟ متى نعيد وصل ما إنقطع بين حاضرنا وماضينا نؤسس عليه مستقبلنا؟..وكيف نستعيد تلك اللحظات الماضية التي كان فيها القول عملاً، وكان فيها السيف قلماً، وكان فيها الموقف سلاحاً، وكانت فيها الثقافة إنفتاحاً، وكانت فيها العروبة إنتماءً حضارياً وسماحة فكرية وحواراً دائماً..
يعيش اللبنانيون فرحة غامرة تملأ قلوبهم وهم يشهدون قيام الحركات الإجتماعية والشبابية والثورات الشعبية في طول البلاد العربية وعرضها، تدعو إلى الحرية والديموقراطية والكرامة الإنسانية والعدالة الإجتماعية... وقد إرتفع في كل بلد عربي صوت التغيير وشعاراته، وتضافرت جهود كل المواطنين المندمجين في أوطانهم والعاملين بمسؤولية عالية، في سبيل إعلاء شأن حقوق الإنسان وكرامته، وتحقيق المواطنة المتساوية في دولة مدنية تعزز المشاركة السياسية الشعبية في تقرير شؤون ومصائر البلاد وفي بناء التنمية الإقتصادية والإجتماعية والثقافية.
لقد كان اللبنانيون السباقين في التوكيد على كل معاني الدولة المدنية وعلى كل مندرجات الحوار والتنوع والتعددية في إطار العيش المشترك والشراكة الوطنية، وعلى كل مستلزمات بناء المواطنة السليمة، وعلى أن الحرية والكرامة والديمقراطية والعدالة هي الشروط الرئيسة لا بل الوحيدة لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين ومعضلات التنمية المستدامة في عالم شديد الإضطراب والتحول..كما لمواجهة الإمبريالية والصهيونية ومؤامراتهما!.
إلا أن السنوات الماضية قد شهدت إنتكاسة مخيفة لكل الإنجازات التي حققها اللبنانيون الذين باتوا اليوم يشعرون بأنهم مطالبون بأكثر من مجرد الإنتظار فيما العالم العربي يتغير ويتقدم من حولهم، في حين أنهم يتقهقرون بشكل مريع وعلى كل المستويات..
إن ربيع الشعوب العربية يدعونا إلى إستعادة مقومات العمل المشترك البناء الذي كنا السباقين إليه منذ تلمسنا الحاجة إلى بلورة مشتركات ينعقد عليها إجماع وطني يعيد تأسيس الوطن والكيان على قاعدة إتفاق الطائف، ويفتح في الآن نفسه آفاق التطوير والإصلاح..
اليوم تولد الشعوب العربية من جديد بعد عقود من الموت السريري على يد أنظمة سياسية إستبدادية وقهرية، جاءت إلى الحكم بإسم فلسطين والتحرر والوحدة العربية فلم تورثنا بعد أكثر من نصف قرن سوى الذل والعار وإحتقار حرية الإنسان وكرامته لا بل وحياته البائسة..ها هي الشعوب العربية تتقدم على طريق امتلاك مصيرها بنفسها أي إستعادة حقوقها المهدورة ، وإستعادة إنسانيتها المنتهكة ، وإستعادة حريتها وكرامتها المغتصبة..
هذه الثورة العربية الجديدة أعادت وتعيد تشكيل الشعوب العربية التي أضناها القمع الوحشي والإستبداد السلطوي-المافيوي والإنقسام الطائفي-العشائري والتنازع الحزبي والفئوي..
وفي أتون هذه الثورات تغلبت الشعوب العربية على الخوف واليأس والإستلاب والتهميش والمهانة والعطالة والإحباط وفقدان الهوية وضياع الذات..فإكتشفت القوة الحقيقية للوحدة والقدرة الحقيقية للوعي والتنظيم والقيمة الحقيقية للحرية والديموقراطية..
هذه الثورات العربية هي فاتحة عهد عربي جديد عنوانه العام والرئيس: صياغة عقد إجتماعي جديد يقوم على الكرامة والحرية والعدالة ، وعلى حكم القانون والمؤسسات، وعلى إلغاء نظام السلطة المطلقة أو أشكال الحكم الديكتاتورية، وعلى إقامة نظم سياسية تشاركية لا إلغائية فيها ولا حصرية عائلية مافيوية، وعلى إقامة برلمانات منتخبة ديموقراطياً تحقق مشاركة جميع الأفراد في القرارات عبر ممثليهم ، وعلى تداول السلطة سلمياً، وعلى إطلاق الحريات العامة للناس دون تمييز أو غلبة..
في خضم ما يجري من حولنا نتذكر الشهيد المعلم كمال جنبلاط ونتذكر برنامجه للإصلاح السياسي في لبنان..كما نتذكر برنامج الإمام السيد موسى الصدر ودعواته المتكررة للوحدة والتضامن كأساس لكل مقاومة..ونتذكر أخيراً دور لبنان العربي الرائد في حمل رايات التحرر والتقدم في كل المجالات....فهل فات أوان النضال الوطني والتجديد الديموقراطي والإصلاح والتغيير والتنمية والتحرير؟؟ هل صرنا أسرى الأسماء/الطواطم التي نحملها والتي ما أنزل الله بها من سلطان؟؟ متى نعيد وصل ما إنقطع بين حاضرنا وماضينا نؤسس عليه مستقبلنا؟..وكيف نستعيد تلك اللحظات الماضية التي كان فيها القول عملاً، وكان فيها السيف قلماً، وكان فيها الموقف سلاحاً، وكانت فيها الثقافة إنفتاحاً، وكانت فيها العروبة إنتماءً حضارياً وسماحة فكرية وحواراً دائماً..
الخميس، 24 مارس 2011
بيتيريم سوروكين أحد عمالقة الفكر السوسيولوجي للقرن العشرين
سعود المولى
فمؤسس ورئيس قسم علم الإجتماع في جامعة هارفارد الأميركية، وصاحب الثلاثين مؤلفاً (بعضها من عدة مجلدات في مئات الصفحات)، كان أيضاً صاحب معرفة موسوعية وذكاء خلاق، إلى جانب تمرسه الأكاديمي العميق في ست لغات أوروبية على الأقل، وفي تاريخ العالم القديم والحديث، وتاريخ الديانات والأفكار والفلسفات والحضارات.. وهو يقف إلى جانب أوغست كونت وكارل ماركس وماكس فيبر وألكسيس دوتوكفيل كعملاق سوسيولوجي من حيث كمية ونوعية كتاباته، والميادين الكثيرة التي عالجها، ومن حيث النظريات التي بلورها وصاغها..لا بل أنه يتفوق عليهم جميعاً.. وهو أضاف إلى التحليلات الإجتماعية تلك اللمسات التاريخية والإنسانية حول الحضارات وحول الموقع الرئيس للقيم الثقافية في النسق الإجتماعي الكلي..
إلا أنه كان فوق ذلك وقبل ذلك أحد كبار الثوريين الإشتراكيين الذين شاركوا في ثورة الشعب الروسي ضد القيصرية..ودفعوا ثمن مبدئيتهم وإستقامتهم سجناً وعذاباً وتشريداً ونفياً..
فهل يعقل أن لا نعرف نحن العرب شيئاً عن بيتيريم سوروكين، أو أن لا نعيره أدنى إهتمام في معاهد وكليات العلوم الإجتماعية عندنا ؟
نعم كان ذلك ممكناً طوال العقود الماضية (للأسف)! وأنا أقول ذلك عن خبرة ومعرفة وبعد دراسة فاحصة لبرامج ومقررات العلوم الإجتماعية ولمجلات ومؤسسات الدراسات السوسيولوجية في البلدان العربية وفي لبنان خصوصاً..لا بل أن موقع ويكيبيديا الكبير يخصص خمسة أسطر لا أكثر لبيتيريم سوروكين!!..هذا في حين لا تذكره مراجع وكتب علم الإجتماع الفرنسية والألمانية والبريطانية..يكفي أن نقرأ الكتاب الضخم لعالم الإجتماع البريطاني أنتوني غيدنز وعنوانه "علم الإجتماع" (وقد صدر في عشر طبعات حتى اليوم؛ وصدرت ترجمته العربية في 3 طبعات حتى اليوم) لنكتشف خلوه من مجرد ذكر إسم سوروكين؟؟؟ فهل يعقل هذا ؟
Sociology by Anthony Giddens (5th Edition, Polity press, UK, 2006).
نعم يعقل!! ولعل السبب هو أن سوروكين كان روسياً، مؤمناً متديناً، ومناضلاً ديموقراطياً، شارك في ثورة شباط المجيدة، وشارك في حكومتها إلى جانب كيرينسكي، قبل أن ينقلب عليهم البلاشفة .. تاريخه "الهرطوقي" إذن ، وموقعه "الثوري الفلاحي"، و"الإشتراكي الديموقراطي"، أسقطاه في نظر التيار الماركسي-اللينيني الذي هيمن لعقود على مجال العلوم الإجتماعية في جامعاتنا وعلى التفكير اليساري أيضاً... فهو خائن مرتد عمل مع كيرينسكي "البورجوازي"، ثم وقف ضد الثورة البلشفية، وسُجن وأُضطهد قبل أن يهرب إلى أميركا !! ولكن مصيره في الجانب الآخر لم يكن أفضل حالاً.. فلم يحظ سوروكين في حياته في جامعات أميركا (وفي الغرب الأوروبي) بالتقدير الذي يتناسب مع عبقريته وعظمته.. ولكن سوروكين برغم ذلك هو عالم إجتماع كبير ومبدع: فهو من نقل المدرسة السلوكية والأمبيريقية إلى علم الإجتماع الأميركي.. وهو نفسه من قاد عملية النقد السوسيولوجي الحاد والذكي للمجتمع الأميركي ولعلم إجتماعه ومدارسه، ولثقافته وتحولاتها في القرن العشرين..وهو من كان له المشاركة الكبيرة في نهضة العلوم الإجتماعية في الإتحاد السوفياتي ، بعد سنوات الدمار التي إستمرت من العام 1922 وحتى مطلع الستينيات...
ولكن ما يدعونا اليوم إلى إستذكار سوروكين أنه صاحب نظرية حوار وتفاعل وإنفتاح الثقافات والحضارات لا صدامها أو هيمنة واحدة عليها..فهو كان واحداً من القلائل جداً من علماء الإجتماع الذين عاشوا وكتبوا في النصف الأول من القرن العشرين وكان عندهم في تلك الايام رؤية تحليلية عميقة تشبه النبوءة حول كل التحولات التي شهدتها أميركا في الثلث الأخير من ذلك القرن، بحيث أن أفكاره ونظرياته التي صاغها وطرحها مطلع القرن وجدت مصاديقها في أواخره.. وها نحن اليوم في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين نستعيدها ونستعيد معها عظمة ذلك المفكر والفيلسوف والسوسيولوجي والإنساني المبدع.
فمؤسس ورئيس قسم علم الإجتماع في جامعة هارفارد الأميركية، وصاحب الثلاثين مؤلفاً (بعضها من عدة مجلدات في مئات الصفحات)، كان أيضاً صاحب معرفة موسوعية وذكاء خلاق، إلى جانب تمرسه الأكاديمي العميق في ست لغات أوروبية على الأقل، وفي تاريخ العالم القديم والحديث، وتاريخ الديانات والأفكار والفلسفات والحضارات.. وهو يقف إلى جانب أوغست كونت وكارل ماركس وماكس فيبر وألكسيس دوتوكفيل كعملاق سوسيولوجي من حيث كمية ونوعية كتاباته، والميادين الكثيرة التي عالجها، ومن حيث النظريات التي بلورها وصاغها..لا بل أنه يتفوق عليهم جميعاً.. وهو أضاف إلى التحليلات الإجتماعية تلك اللمسات التاريخية والإنسانية حول الحضارات وحول الموقع الرئيس للقيم الثقافية في النسق الإجتماعي الكلي..
إلا أنه كان فوق ذلك وقبل ذلك أحد كبار الثوريين الإشتراكيين الذين شاركوا في ثورة الشعب الروسي ضد القيصرية..ودفعوا ثمن مبدئيتهم وإستقامتهم سجناً وعذاباً وتشريداً ونفياً..
فهل يعقل أن لا نعرف نحن العرب شيئاً عن بيتيريم سوروكين، أو أن لا نعيره أدنى إهتمام في معاهد وكليات العلوم الإجتماعية عندنا ؟
نعم كان ذلك ممكناً طوال العقود الماضية (للأسف)! وأنا أقول ذلك عن خبرة ومعرفة وبعد دراسة فاحصة لبرامج ومقررات العلوم الإجتماعية ولمجلات ومؤسسات الدراسات السوسيولوجية في البلدان العربية وفي لبنان خصوصاً..لا بل أن موقع ويكيبيديا الكبير يخصص خمسة أسطر لا أكثر لبيتيريم سوروكين!!..هذا في حين لا تذكره مراجع وكتب علم الإجتماع الفرنسية والألمانية والبريطانية..يكفي أن نقرأ الكتاب الضخم لعالم الإجتماع البريطاني أنتوني غيدنز وعنوانه "علم الإجتماع" (وقد صدر في عشر طبعات حتى اليوم؛ وصدرت ترجمته العربية في 3 طبعات حتى اليوم) لنكتشف خلوه من مجرد ذكر إسم سوروكين؟؟؟ فهل يعقل هذا ؟
Sociology by Anthony Giddens (5th Edition, Polity press, UK, 2006).
نعم يعقل!! ولعل السبب هو أن سوروكين كان روسياً، مؤمناً متديناً، ومناضلاً ديموقراطياً، شارك في ثورة شباط المجيدة، وشارك في حكومتها إلى جانب كيرينسكي، قبل أن ينقلب عليهم البلاشفة .. تاريخه "الهرطوقي" إذن ، وموقعه "الثوري الفلاحي"، و"الإشتراكي الديموقراطي"، أسقطاه في نظر التيار الماركسي-اللينيني الذي هيمن لعقود على مجال العلوم الإجتماعية في جامعاتنا وعلى التفكير اليساري أيضاً... فهو خائن مرتد عمل مع كيرينسكي "البورجوازي"، ثم وقف ضد الثورة البلشفية، وسُجن وأُضطهد قبل أن يهرب إلى أميركا !! ولكن مصيره في الجانب الآخر لم يكن أفضل حالاً.. فلم يحظ سوروكين في حياته في جامعات أميركا (وفي الغرب الأوروبي) بالتقدير الذي يتناسب مع عبقريته وعظمته.. ولكن سوروكين برغم ذلك هو عالم إجتماع كبير ومبدع: فهو من نقل المدرسة السلوكية والأمبيريقية إلى علم الإجتماع الأميركي.. وهو نفسه من قاد عملية النقد السوسيولوجي الحاد والذكي للمجتمع الأميركي ولعلم إجتماعه ومدارسه، ولثقافته وتحولاتها في القرن العشرين..وهو من كان له المشاركة الكبيرة في نهضة العلوم الإجتماعية في الإتحاد السوفياتي ، بعد سنوات الدمار التي إستمرت من العام 1922 وحتى مطلع الستينيات...
ولكن ما يدعونا اليوم إلى إستذكار سوروكين أنه صاحب نظرية حوار وتفاعل وإنفتاح الثقافات والحضارات لا صدامها أو هيمنة واحدة عليها..فهو كان واحداً من القلائل جداً من علماء الإجتماع الذين عاشوا وكتبوا في النصف الأول من القرن العشرين وكان عندهم في تلك الايام رؤية تحليلية عميقة تشبه النبوءة حول كل التحولات التي شهدتها أميركا في الثلث الأخير من ذلك القرن، بحيث أن أفكاره ونظرياته التي صاغها وطرحها مطلع القرن وجدت مصاديقها في أواخره.. وها نحن اليوم في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين نستعيدها ونستعيد معها عظمة ذلك المفكر والفيلسوف والسوسيولوجي والإنساني المبدع.
الجماعة الإسلامية المصرية تستعد لإطلاق حزب
الجماعة الإسلامية المصرية تستعد لإطلاق حزب وتقبل برئاسة قبطي للجمهورية
أكد الشيخ الدكتور ناجح إبراهيم عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية بمصر أن من حق الأقباط الترشح للرئاسة، قائلاً إنهم "شركاء في الوطن والفيصل بيننا وبينهم هو القانون والدستور، ونؤمن بمبدأ المواطنة".
في الوقت نفسه، برأ الشيخ ناجح الرئيس السابق حسني مبارك من اغتيال سلفه الرئيس الراحل أنور السادات، نافياً بذلك بلاغاً تقدمت به ابنته رقية السادات إلى النيابة العامة مؤخراً مستندة على أقوال للوزير السابق حسب الله الكفراوي.
يذكر أن ناجح إبراهيم هو أحد أبرز القيادات التاريخية لتلك الجماعة التي كانت وراء اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، وكان ضمن الذين وضعوا مراجعاتها أثناء وجوده في السجن.
وأضاف ناجح في حوار مع قناة "الحياة" المصرية أن مبارك كان رجلاً عادياً في وقت اغتيال السادات، ولم يفكر أن يصبح رئيساً، ولكن الأمور جاءت قدراً". ووصف الاتهامات بأنها "تهريج تاريخي وشو إعلامي".
واستطرد بأن الجماعة الإسلامية أبدت ندمها بعد أن قامت بالاغتيال بخمس سنوات، "فكل المفاسد جاءت من اغتياله، حيث ضاعت الدولة والحريات وعاد قانون الطوارئ وصبت كل الإيجابيات لصالح اليساريين، في الوقت الذي أوقف السادات التعذيب وألغى قانون الطوارئ، ونحن كشباب لم ندرك قيمة السادات إلا بعد موته".
وقال ناجح إبراهيم إن الجماعة تستعد حالياً لتشكيل حزب إسلامي، وأنه سيكون عملاً سياسياً بعيداً عن العمل العقائدي والدعوي، مؤكداً أن الجماعة لن تستخدم العنف أو القتال بعد اليوم، وكانت سباقة في حل الجناح العسكري دون إراقة قطرة دم واحدة".
من جهة أخرى، تدرس الكنيسة الأرثوذكسية برئاسة البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية والكرازة المرقسية طلب الدكتور محمد بديع مرشد جماعة الإخوان المسلمين، زيارة المقر البابوي، لعقد حوار مع الشباب المسيحي لتبديد أي مخاوف من وصول الجماعة إلى الحكم في الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة.
أكد الشيخ الدكتور ناجح إبراهيم عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية بمصر أن من حق الأقباط الترشح للرئاسة، قائلاً إنهم "شركاء في الوطن والفيصل بيننا وبينهم هو القانون والدستور، ونؤمن بمبدأ المواطنة".
في الوقت نفسه، برأ الشيخ ناجح الرئيس السابق حسني مبارك من اغتيال سلفه الرئيس الراحل أنور السادات، نافياً بذلك بلاغاً تقدمت به ابنته رقية السادات إلى النيابة العامة مؤخراً مستندة على أقوال للوزير السابق حسب الله الكفراوي.
يذكر أن ناجح إبراهيم هو أحد أبرز القيادات التاريخية لتلك الجماعة التي كانت وراء اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، وكان ضمن الذين وضعوا مراجعاتها أثناء وجوده في السجن.
وأضاف ناجح في حوار مع قناة "الحياة" المصرية أن مبارك كان رجلاً عادياً في وقت اغتيال السادات، ولم يفكر أن يصبح رئيساً، ولكن الأمور جاءت قدراً". ووصف الاتهامات بأنها "تهريج تاريخي وشو إعلامي".
واستطرد بأن الجماعة الإسلامية أبدت ندمها بعد أن قامت بالاغتيال بخمس سنوات، "فكل المفاسد جاءت من اغتياله، حيث ضاعت الدولة والحريات وعاد قانون الطوارئ وصبت كل الإيجابيات لصالح اليساريين، في الوقت الذي أوقف السادات التعذيب وألغى قانون الطوارئ، ونحن كشباب لم ندرك قيمة السادات إلا بعد موته".
وقال ناجح إبراهيم إن الجماعة تستعد حالياً لتشكيل حزب إسلامي، وأنه سيكون عملاً سياسياً بعيداً عن العمل العقائدي والدعوي، مؤكداً أن الجماعة لن تستخدم العنف أو القتال بعد اليوم، وكانت سباقة في حل الجناح العسكري دون إراقة قطرة دم واحدة".
من جهة أخرى، تدرس الكنيسة الأرثوذكسية برئاسة البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية والكرازة المرقسية طلب الدكتور محمد بديع مرشد جماعة الإخوان المسلمين، زيارة المقر البابوي، لعقد حوار مع الشباب المسيحي لتبديد أي مخاوف من وصول الجماعة إلى الحكم في الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة.
رسالة جميلة الى نوري المالكي
ضياء الشكرجي
كتبت هذه الأسطر صباح اليوم، وبعد عودتي من ساحة التحرير وجدت أنها لم تنشر بعد، لذا أراجع بعض ما كتبت، وأضيف ما أجعل الإضافات بين قوسين قامين [...]. قلت صباح هذا اليوم: إني ذاهب يا أبا إسراء إلى ساحة التحرير مشيا على القدمين، إذا كنت حقا قد منعت اليوم السيارات ووسائل النقل الأخرى. [لم اكن متأكدا من الخبر] سأذهب، لكن يا أبا إسراء أنا لست بعثيا. سأذهب، ولكني لست من أعداء العملية السياسية. سأذهب، ولكني لن أنادي بإسقاط النظام، بل بإصلاحه، حتى لو كان إصلاحه يكون بالتمهيد لاستبدالك وطاقمك بمن هم خير. لكننا لن نطالب اليوم بإسقاط أحد، ولا باستبدال أحد. الذي سنرفع صوتنا به هو مجموعة مطالب مشروعة، أعيد سردها، ولو باختصار هذه المرة:
1. تقليص مجلس الوزراء إلى ما لا يزيد على 20 وزارة.
2. اعتماد نائب واحد فقط لكل من الرئاستين.
3. تخفيض رواتبكم بنسبة 70%.
4. إناطة الوزارات التي تحتاج إلى اختصاص، إلى تكنوقراط معروفين بخبرتهم ونزاهتهم.
5. وضع حد للمحسوبية الحزبية، والطائفية، والقومية، والعشائرية، والمناطقية، والأسرية.
6. تقديم وجبة أولى من كبار الفاسدين إلى القضاء العادل
7. تعديل قانون الانتخابات.
8. تشريع قانون للأحزاب.
9. الكف كليا عن كل الممارسات التي تحد من الحريات.
10. التعجيل الجاد في وضع خطط استراتيجية حقيقية لمعالجة الخدمات.
11. عرض البرنامج الحكومي على الشعب مع تحديد توقيتات واضحة للإنجاز.
12. حل مشكلة البطاقة التموينية.
أخبرني بالله عليك يا أبا إسراء، أخبروني يا حيدر العبادي وكمال الساعدي وبقية (الدعاة) الأشاوس: هل هذه بالله عليكم مطالب بعثية؟ هل هي فعلا غير مشروعة؟ لماذا كل هذا الخوف؟ لماذا أنتم مرعوبون، ولماذا أنت بالذات يا رئيس وزرائنا مرعوب إلى هذا الحد؟ لماذا هذا النداء المتشنج بالدعوة إلى عدم المشاركة في هذه التظاهرات بتهمة أنها (مريبة)؟ هل سمعت بالله عليك يوما رئيس سلطة تنفيذية في دولة ديمقراطية يطلب من الناس عدم التظاهر؟ لماذا منع الحافلات هذا اليوم؟ نحن المتظاهرين اليوم أحرص من غيرنا على الحيلولة دون عودة البعث الصدامي وغير الصدامي، ولكننا لا نرضى أن يقود سفينة العراق قادة لا يؤمنون بالديمقراطية، ولا يؤمنون بالحرية، ولا يلتزمون بمبدأ النزاهة، ولا يتحسسون معاناة الإنسان العراقي. وصلت إلى هذه العبارة، وجاءني نداء هاتفي من الأصدقاء من وسط التيار الديمقراطي، علمت منهم إنهم أو إن معظمهم لن يذهب لانقطاع السبل للوصول. [تغير الموقف بعد ذلك إلى حد ما والحمد لله] حققت انتصارك يا أبا إسراء. [ظنا مني أنه حال دون التظاهر إلى حد كبير] لكنه انتصار موقت. فإرادة الشعب، إرادة الوطنيين، إرادة المؤمنين بالديمقراطية، ستنتصر في آخر المطاف، هذا وعد علينا غير مكذوب. صدقني، يا أبا إسراء، إنك وقّعت اليوم بنفسك على الحكم بسقوطك، حتى لو حكمت مدة ما حكم زين العابدين بن علي، بل حسني مبارك، بل القذافي، دون أن أشبهك بأي منهم أعاذك الله. حكمت بسقوطك، لأنك سقطت في أعين ونفوس وقلوب كل الذين كانوا يختلفون معك، لكنهم كانوا يكنّون ثمة احترام لك. وعلى ذكر الاحترام، أمس قلت لوفد زارك إنك لا تحترم من يشارك في تظاهرة 25/2. ونحن بناءً على ذلك لا نحترمك. لأننا أحرار، ولأننا نملك نفوسا أبية، وإحساسا عميقا بالكرامة يصل إلى درجة الغرور، بل والتكبر تجاه من يتكبر علينا، لأن تكبر المتواضع على المتكبر هو أرقى أنواع العبادة، ولأننا بناءً على ذلك لا نستطيع أن نحترم من لا يحترمنا. أما قبل ذلك فكنا نختلف معك ولكننا نحترمك إلى حد ما. لن تنطلي اللعة علينا إذا أخرجتم أشخاصا يحملون صور الطاغية المقبور صدام، لتمرروا دعوى أن التظاهرة بعثية. [لم يحصل ذلك، مما كان بعضنا يتوقعه، وربما لأنهم عرفوا أنهم سيفتضح أمرهم إذا فعلوه] وأخيرا، وليس تحريفا للقرآن والمعاذ بالله، بل استعارة من وحي الآيات 8 إلى 16 من سورة البقرة، أختم بهذه العبارات صرخة غضبي هذه: ومن الإسلاميين من يقول آمنا بالديمقراطية والحريات، وما هم بمؤمنين بها، يخادعون الشعب والذين آمنوا بالديمقراطية، وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون، يعانون من مرض فزادهم طغيانهم مرضا، ولهم غضب الشعب غدا بما كانوا يكذبون ويسرقون، وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الوطن، قالوا إنما نحن مصلحون، ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون، وإذا قيل لهم آمنوا بالديمقراطية والمواطنة وحقوق الإنسان والحريات كما آمن الديمقراطيون، قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء، ألا إنهم هم كما يصفون ولكن لا يعلمون، وإذا لقوا الذين آمنوا بالديمقراطية قالوا آمنا بها، وإذا خلوا إلى أقرانهم قالوا إنا معكم، إنما نحن مستهزئون، الشعب والتاريخ سيستهزئان بهم إذا ما تمادوا في طغيانهم يعمهون، ألائك الذين اشتروا المناصب والسلطة والثروة بالوطنية، فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين. هذا ما كنت كتبته قبل خروجي إلى ساحة التحرير، لكن بعد التواصل مع بعض الأصدقاء العلمانيين، قررت الخروج، ولحسن حظي فإن سكني ليس ببعيد كل البعد، فقطعت المسافة بأقل من الساعة والنصف الساعة بقليل. لم أجد (حزب البعث العربي الاشتراكي) لا الصدامي ولا البشاري، بل وجدت شبابا، وجدت عراقيين من الجنسين ومن مختلف الطبقات والشرائح والثقافات والأعمار والأديان والمذاهب. صحيح صدرت بعض الهتافات التي تنادي بإسقاط النظام، لكن التوجه العام كان باتجاه المطالبة بـ: 1) إصلاح النظام، 2) اجتثاث الفساد، 3) توفير الخدمات، وغيرها من المطالب المشروعة. وجدنا الشباب الريفي البغدادي بهوسات الريف، ووجدنا الشباب المدني بهتافات مدنية حديثة، ووجدنا الكثير من أصدقائنا السياسيين العلمانيين والمثقفين والفنانين والإعلاميين، ووجدنا طلبة الجامعة، ووجدنا شباب الفيسبوك. التظاهرة كانت صحيح ليست بالحجم الذي كنا نتأمله، والسبب واضح، وذلك بفرض منع تنقل الحافلات، ومع هذا قدم أشخاص، ومنهم من تجاوز عمر الشباب قد قطعوا أربع ساعات مشيا ليصلوا إلى التظاهرة، ووجدت أحدهم مقطوع إحدى ساقيه وعلى عكازة وقد تجاوز متوسط العمر، فكانت التظاهرة بالآلاف، وإلا ولولا هذه الإجراءات، وتخويف الناس بكون التظاهرة مستهدفة من قبل القاعدة وغير القاعدة، لكانت التظاهرة بعشرات الآلاف، بل لا أستبعد أنها كانت قد وصلت إلى مئات الآلاف، إلم نقل مليونية. أقول إذا كان المالكي قد ربح هذا الشوط، فالشوط الأخير سيكون للجماهير.
كتبت هذه الأسطر صباح اليوم، وبعد عودتي من ساحة التحرير وجدت أنها لم تنشر بعد، لذا أراجع بعض ما كتبت، وأضيف ما أجعل الإضافات بين قوسين قامين [...]. قلت صباح هذا اليوم: إني ذاهب يا أبا إسراء إلى ساحة التحرير مشيا على القدمين، إذا كنت حقا قد منعت اليوم السيارات ووسائل النقل الأخرى. [لم اكن متأكدا من الخبر] سأذهب، لكن يا أبا إسراء أنا لست بعثيا. سأذهب، ولكني لست من أعداء العملية السياسية. سأذهب، ولكني لن أنادي بإسقاط النظام، بل بإصلاحه، حتى لو كان إصلاحه يكون بالتمهيد لاستبدالك وطاقمك بمن هم خير. لكننا لن نطالب اليوم بإسقاط أحد، ولا باستبدال أحد. الذي سنرفع صوتنا به هو مجموعة مطالب مشروعة، أعيد سردها، ولو باختصار هذه المرة:
1. تقليص مجلس الوزراء إلى ما لا يزيد على 20 وزارة.
2. اعتماد نائب واحد فقط لكل من الرئاستين.
3. تخفيض رواتبكم بنسبة 70%.
4. إناطة الوزارات التي تحتاج إلى اختصاص، إلى تكنوقراط معروفين بخبرتهم ونزاهتهم.
5. وضع حد للمحسوبية الحزبية، والطائفية، والقومية، والعشائرية، والمناطقية، والأسرية.
6. تقديم وجبة أولى من كبار الفاسدين إلى القضاء العادل
7. تعديل قانون الانتخابات.
8. تشريع قانون للأحزاب.
9. الكف كليا عن كل الممارسات التي تحد من الحريات.
10. التعجيل الجاد في وضع خطط استراتيجية حقيقية لمعالجة الخدمات.
11. عرض البرنامج الحكومي على الشعب مع تحديد توقيتات واضحة للإنجاز.
12. حل مشكلة البطاقة التموينية.
أخبرني بالله عليك يا أبا إسراء، أخبروني يا حيدر العبادي وكمال الساعدي وبقية (الدعاة) الأشاوس: هل هذه بالله عليكم مطالب بعثية؟ هل هي فعلا غير مشروعة؟ لماذا كل هذا الخوف؟ لماذا أنتم مرعوبون، ولماذا أنت بالذات يا رئيس وزرائنا مرعوب إلى هذا الحد؟ لماذا هذا النداء المتشنج بالدعوة إلى عدم المشاركة في هذه التظاهرات بتهمة أنها (مريبة)؟ هل سمعت بالله عليك يوما رئيس سلطة تنفيذية في دولة ديمقراطية يطلب من الناس عدم التظاهر؟ لماذا منع الحافلات هذا اليوم؟ نحن المتظاهرين اليوم أحرص من غيرنا على الحيلولة دون عودة البعث الصدامي وغير الصدامي، ولكننا لا نرضى أن يقود سفينة العراق قادة لا يؤمنون بالديمقراطية، ولا يؤمنون بالحرية، ولا يلتزمون بمبدأ النزاهة، ولا يتحسسون معاناة الإنسان العراقي. وصلت إلى هذه العبارة، وجاءني نداء هاتفي من الأصدقاء من وسط التيار الديمقراطي، علمت منهم إنهم أو إن معظمهم لن يذهب لانقطاع السبل للوصول. [تغير الموقف بعد ذلك إلى حد ما والحمد لله] حققت انتصارك يا أبا إسراء. [ظنا مني أنه حال دون التظاهر إلى حد كبير] لكنه انتصار موقت. فإرادة الشعب، إرادة الوطنيين، إرادة المؤمنين بالديمقراطية، ستنتصر في آخر المطاف، هذا وعد علينا غير مكذوب. صدقني، يا أبا إسراء، إنك وقّعت اليوم بنفسك على الحكم بسقوطك، حتى لو حكمت مدة ما حكم زين العابدين بن علي، بل حسني مبارك، بل القذافي، دون أن أشبهك بأي منهم أعاذك الله. حكمت بسقوطك، لأنك سقطت في أعين ونفوس وقلوب كل الذين كانوا يختلفون معك، لكنهم كانوا يكنّون ثمة احترام لك. وعلى ذكر الاحترام، أمس قلت لوفد زارك إنك لا تحترم من يشارك في تظاهرة 25/2. ونحن بناءً على ذلك لا نحترمك. لأننا أحرار، ولأننا نملك نفوسا أبية، وإحساسا عميقا بالكرامة يصل إلى درجة الغرور، بل والتكبر تجاه من يتكبر علينا، لأن تكبر المتواضع على المتكبر هو أرقى أنواع العبادة، ولأننا بناءً على ذلك لا نستطيع أن نحترم من لا يحترمنا. أما قبل ذلك فكنا نختلف معك ولكننا نحترمك إلى حد ما. لن تنطلي اللعة علينا إذا أخرجتم أشخاصا يحملون صور الطاغية المقبور صدام، لتمرروا دعوى أن التظاهرة بعثية. [لم يحصل ذلك، مما كان بعضنا يتوقعه، وربما لأنهم عرفوا أنهم سيفتضح أمرهم إذا فعلوه] وأخيرا، وليس تحريفا للقرآن والمعاذ بالله، بل استعارة من وحي الآيات 8 إلى 16 من سورة البقرة، أختم بهذه العبارات صرخة غضبي هذه: ومن الإسلاميين من يقول آمنا بالديمقراطية والحريات، وما هم بمؤمنين بها، يخادعون الشعب والذين آمنوا بالديمقراطية، وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون، يعانون من مرض فزادهم طغيانهم مرضا، ولهم غضب الشعب غدا بما كانوا يكذبون ويسرقون، وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الوطن، قالوا إنما نحن مصلحون، ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون، وإذا قيل لهم آمنوا بالديمقراطية والمواطنة وحقوق الإنسان والحريات كما آمن الديمقراطيون، قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء، ألا إنهم هم كما يصفون ولكن لا يعلمون، وإذا لقوا الذين آمنوا بالديمقراطية قالوا آمنا بها، وإذا خلوا إلى أقرانهم قالوا إنا معكم، إنما نحن مستهزئون، الشعب والتاريخ سيستهزئان بهم إذا ما تمادوا في طغيانهم يعمهون، ألائك الذين اشتروا المناصب والسلطة والثروة بالوطنية، فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين. هذا ما كنت كتبته قبل خروجي إلى ساحة التحرير، لكن بعد التواصل مع بعض الأصدقاء العلمانيين، قررت الخروج، ولحسن حظي فإن سكني ليس ببعيد كل البعد، فقطعت المسافة بأقل من الساعة والنصف الساعة بقليل. لم أجد (حزب البعث العربي الاشتراكي) لا الصدامي ولا البشاري، بل وجدت شبابا، وجدت عراقيين من الجنسين ومن مختلف الطبقات والشرائح والثقافات والأعمار والأديان والمذاهب. صحيح صدرت بعض الهتافات التي تنادي بإسقاط النظام، لكن التوجه العام كان باتجاه المطالبة بـ: 1) إصلاح النظام، 2) اجتثاث الفساد، 3) توفير الخدمات، وغيرها من المطالب المشروعة. وجدنا الشباب الريفي البغدادي بهوسات الريف، ووجدنا الشباب المدني بهتافات مدنية حديثة، ووجدنا الكثير من أصدقائنا السياسيين العلمانيين والمثقفين والفنانين والإعلاميين، ووجدنا طلبة الجامعة، ووجدنا شباب الفيسبوك. التظاهرة كانت صحيح ليست بالحجم الذي كنا نتأمله، والسبب واضح، وذلك بفرض منع تنقل الحافلات، ومع هذا قدم أشخاص، ومنهم من تجاوز عمر الشباب قد قطعوا أربع ساعات مشيا ليصلوا إلى التظاهرة، ووجدت أحدهم مقطوع إحدى ساقيه وعلى عكازة وقد تجاوز متوسط العمر، فكانت التظاهرة بالآلاف، وإلا ولولا هذه الإجراءات، وتخويف الناس بكون التظاهرة مستهدفة من قبل القاعدة وغير القاعدة، لكانت التظاهرة بعشرات الآلاف، بل لا أستبعد أنها كانت قد وصلت إلى مئات الآلاف، إلم نقل مليونية. أقول إذا كان المالكي قد ربح هذا الشوط، فالشوط الأخير سيكون للجماهير.
الأحد، 20 مارس 2011
في الهوية الشيعية
مقتطفات من دراسة للدكتور جابر حبيب جابر
أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، نائب في البرلمان
المشكلة الشيعية الراهنة تكمن أولاً في أن ولاية الفقيه ليست جواباً شيعياً يقبله جميع الشيعة وبالتالي فإن أصل الإشكال الأساسي المتمثل بغياب جواب شيعي لسؤال السلطة بعد الغيبة مازال قائماً لدى جزء كبير من الشيعة لا سيما في العراق. ثم أن ممكنات ولاية الفقيه ليست متاحة في العراق ولبنان والبحرين كما هي في إيران وبالتالي على الهوية السياسية الشيعية أن تعرِّف نفسها بمخارج أخرى. ثانياً إذا كانت كل الهويات الإجتماعية متغيرة وقابلة للصعود والهبوط فإن الهوية الطائفية – الدينية هي أكثر عرضة لهذا التقلب والتغير لأنها لا تقوم على عناصر إثنية أو عرقية محسومة وبالتالي فإن الهوية الشيعية مازالت تتداخل مع عناصر هوية أخرى مثل الإنتماء القومي أو الإثني أو حتى القبلي، مما يصبح لزاماً معه علاقة هذه الهويات ببعضها.. واذا ما كانت تراتبية التعريف تقضي بثانوية الهوية الطائفية مقابل الهوية الوطنية تغدو الشيعية السياسية مجرد أيديولوجية بما يعنيه ذلك من قابلية الإندثار مع تقادم الزمن أو تغير علاقات السلطة وبما يعنيه أيضاً من إمكانية توظيفها لخدمة مشروع السلطة أيضاً. مع ذلك فإن وجود وجدان شيعي يتعالى على الفروق القومية والإثنية يشي بوجود هوية شيعية حية.. أزمة هذه الهوية تكمن في حل معضلة العلاقة مع الوطن الذي لا يتطابق بالضرورة معها.. وهل يكمن الجواب في إيجاد وطن ينسجم معها عبر ما يعنيه من الإنفصال عن الآخر الذي لا تحتويه الهوية أو بتعريف الشيعية تعريفاً غير سياسي يعيدها إلى الدائرة المذهبية والتوقف عن إستنطاق تلك الدائرة حول سؤال السلطة بقبول مصدر شرعية بديل هو الدولة الديمقراطية التعددية كما في الحالتين العراقية واللبنانية... إننا هنا بصدد تحد كبير يرتبط به مصير أوطان بقدر ما يرتبط به مصير الهوية الشيعية نفسها.
لقد كان صعود الشيعية السياسية مجدداً مرتبط بسياق تاريخي لا يصح أبداً قراءته بطريقة لا تاريخية.. إنه مرتبط بأزمة مشروع الحداثة وإنغلاق المشروع القمومي وتهميش الغالبيات والأقليات الشيعية وحتمية سؤال الهوية.. لكنه ليس القاعدة وليس الجواب النهائي.. إنه كأي طرح أيديولوجي يولد وينمو ويخبو وقد يموت.. والخطر الذي أعتقد وجوده هو في النظر إلى الصعود خارج سياقه التاريخي وبالتالي الإرتماء في حضن الإغراء الأيديولوجي لتبسيط الواقع وفك العلاقة مع الإطار الزماني والمكاني معبراً عنه في فكر الثورة الدائمة. من هنا لابد من موضعة التشيع السياسي في أطره الوطنية والنظر إليه إرتباطاً بخصوصية كل بلد دون أن يعني ذلك تفكيك الوجدان الشيعي أو إلغاؤه. إن ما يشكل خطراً على الهوية الشيعية هو محاولة البعض إعطاءهاً طابعاً رسالياً وبالتالي رهنها بصراع دائم سيستنزف تدريجاً قدرة أبنائها ويرهن مصائرهم بتحولات ذلك الصراع في الوقت الذي يعمد الآخر بكل ما لديه من موارد هائلة وشبكة تحالفات إقليمية ودولية وأدوات صناعة الرأي العام والتعبئة والتحشيد إلى مواجهة شاملة ومكلفة يتم عبرها إحياء نمط الطائفية السنية التي تستمد وجودها وزخمها من شيطنة الشيعة ومن أسطورة المؤامرة الشيعية.
ليس في هذا الكلام دعوة لتحييد مطلق للبعد السياسي في الهوية الشيعية بل لعقلنته كي يكون قادراً على تمثيل مصالح من يتم تهميشهم وطنياً أو إقليماً لأنهم شيعة دون أن يهدد مصالح الآخرين الذين سيظلون ينظرون الى الشيعية السياسية بتوجس ويوظفون صعودها لإسباغ مصادر شرعية على علاقات السلطة والهيمنة القائمة لا سيما في النظام الرسمي العربي وبتوظيف الأصولية السنية بإسم مواجهة المرتدين الشيعة والأصولية القومية بإسم مواجهة المد الفارسي.
لذلك مثلما يصعب للهوية الوطنية العراقية أن تحيد الحسين أو تتجاهله ومثلما أن رمزية الحسين ستظل قادرة على الفعل في الوجدان العراقي وضاغطة على أي تكوين حقيقي للهوية الإجتماعية العراقية فإن المبالغة في تشييع السياسة وعدم مساومة الآخر الشريك في الوطن والممتلك لرموزه الخاصة وقراءته المختلفة للتاريخ ستؤدي إلى إستقطاب طائفي دائم ليس الشيعة في وضع يؤهلهم لتحمل أكلافه السياسية والمادية والإنسانية وثقله المؤذي لهويتهم كما يراها الآخر.
أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، نائب في البرلمان
المشكلة الشيعية الراهنة تكمن أولاً في أن ولاية الفقيه ليست جواباً شيعياً يقبله جميع الشيعة وبالتالي فإن أصل الإشكال الأساسي المتمثل بغياب جواب شيعي لسؤال السلطة بعد الغيبة مازال قائماً لدى جزء كبير من الشيعة لا سيما في العراق. ثم أن ممكنات ولاية الفقيه ليست متاحة في العراق ولبنان والبحرين كما هي في إيران وبالتالي على الهوية السياسية الشيعية أن تعرِّف نفسها بمخارج أخرى. ثانياً إذا كانت كل الهويات الإجتماعية متغيرة وقابلة للصعود والهبوط فإن الهوية الطائفية – الدينية هي أكثر عرضة لهذا التقلب والتغير لأنها لا تقوم على عناصر إثنية أو عرقية محسومة وبالتالي فإن الهوية الشيعية مازالت تتداخل مع عناصر هوية أخرى مثل الإنتماء القومي أو الإثني أو حتى القبلي، مما يصبح لزاماً معه علاقة هذه الهويات ببعضها.. واذا ما كانت تراتبية التعريف تقضي بثانوية الهوية الطائفية مقابل الهوية الوطنية تغدو الشيعية السياسية مجرد أيديولوجية بما يعنيه ذلك من قابلية الإندثار مع تقادم الزمن أو تغير علاقات السلطة وبما يعنيه أيضاً من إمكانية توظيفها لخدمة مشروع السلطة أيضاً. مع ذلك فإن وجود وجدان شيعي يتعالى على الفروق القومية والإثنية يشي بوجود هوية شيعية حية.. أزمة هذه الهوية تكمن في حل معضلة العلاقة مع الوطن الذي لا يتطابق بالضرورة معها.. وهل يكمن الجواب في إيجاد وطن ينسجم معها عبر ما يعنيه من الإنفصال عن الآخر الذي لا تحتويه الهوية أو بتعريف الشيعية تعريفاً غير سياسي يعيدها إلى الدائرة المذهبية والتوقف عن إستنطاق تلك الدائرة حول سؤال السلطة بقبول مصدر شرعية بديل هو الدولة الديمقراطية التعددية كما في الحالتين العراقية واللبنانية... إننا هنا بصدد تحد كبير يرتبط به مصير أوطان بقدر ما يرتبط به مصير الهوية الشيعية نفسها.
لقد كان صعود الشيعية السياسية مجدداً مرتبط بسياق تاريخي لا يصح أبداً قراءته بطريقة لا تاريخية.. إنه مرتبط بأزمة مشروع الحداثة وإنغلاق المشروع القمومي وتهميش الغالبيات والأقليات الشيعية وحتمية سؤال الهوية.. لكنه ليس القاعدة وليس الجواب النهائي.. إنه كأي طرح أيديولوجي يولد وينمو ويخبو وقد يموت.. والخطر الذي أعتقد وجوده هو في النظر إلى الصعود خارج سياقه التاريخي وبالتالي الإرتماء في حضن الإغراء الأيديولوجي لتبسيط الواقع وفك العلاقة مع الإطار الزماني والمكاني معبراً عنه في فكر الثورة الدائمة. من هنا لابد من موضعة التشيع السياسي في أطره الوطنية والنظر إليه إرتباطاً بخصوصية كل بلد دون أن يعني ذلك تفكيك الوجدان الشيعي أو إلغاؤه. إن ما يشكل خطراً على الهوية الشيعية هو محاولة البعض إعطاءهاً طابعاً رسالياً وبالتالي رهنها بصراع دائم سيستنزف تدريجاً قدرة أبنائها ويرهن مصائرهم بتحولات ذلك الصراع في الوقت الذي يعمد الآخر بكل ما لديه من موارد هائلة وشبكة تحالفات إقليمية ودولية وأدوات صناعة الرأي العام والتعبئة والتحشيد إلى مواجهة شاملة ومكلفة يتم عبرها إحياء نمط الطائفية السنية التي تستمد وجودها وزخمها من شيطنة الشيعة ومن أسطورة المؤامرة الشيعية.
ليس في هذا الكلام دعوة لتحييد مطلق للبعد السياسي في الهوية الشيعية بل لعقلنته كي يكون قادراً على تمثيل مصالح من يتم تهميشهم وطنياً أو إقليماً لأنهم شيعة دون أن يهدد مصالح الآخرين الذين سيظلون ينظرون الى الشيعية السياسية بتوجس ويوظفون صعودها لإسباغ مصادر شرعية على علاقات السلطة والهيمنة القائمة لا سيما في النظام الرسمي العربي وبتوظيف الأصولية السنية بإسم مواجهة المرتدين الشيعة والأصولية القومية بإسم مواجهة المد الفارسي.
لذلك مثلما يصعب للهوية الوطنية العراقية أن تحيد الحسين أو تتجاهله ومثلما أن رمزية الحسين ستظل قادرة على الفعل في الوجدان العراقي وضاغطة على أي تكوين حقيقي للهوية الإجتماعية العراقية فإن المبالغة في تشييع السياسة وعدم مساومة الآخر الشريك في الوطن والممتلك لرموزه الخاصة وقراءته المختلفة للتاريخ ستؤدي إلى إستقطاب طائفي دائم ليس الشيعة في وضع يؤهلهم لتحمل أكلافه السياسية والمادية والإنسانية وثقله المؤذي لهويتهم كما يراها الآخر.
شيعة البحرين
مقتطفات من دراسة للباحث البحراني الدكتور نادر كاظم
"شيعة البحرين" يمثلون حالة خاصة أو متفردة تمييزهم تاريخياً عن شيعة القطيف ولبنان وإيران.. ويمثل شيعة العراق منذ العقود الأخيرة من القرن العشرين المثال الأقرب شبهاً بشيعة البحرين. ويتمثل هذا التفرد في حالة الشتات البحريني الجماعي، وهو شتات إمتدت حركته على مدى قرن ونصف من الزمان. ومن المعروف أن الشتات يخلق حالة نفسية معينة تطبع هوية ومزاج الجماعات التي تعاني منه. إلا أنه من اللافت أن هؤلاء المشتتين كانوا يندمجون في الأقطار التي تشتتوا فيها في القطيف والإحساء والبصرة وكربلاء والنجف والمحمرة وأصفهان وشيراز وبهبهان والنجف وبوشهر وغيرها، بحيث تتناسى الأجيال اللاحقة أصولها البحرينية التي لم يتبق من شيء يذكر بها إلا لقب من بقابا بلده الأصلي مثل: "البحراني" أو "الغريفي" أو "البلادي" أو "الساري" أو "الستري" أو "التوبلاني" أو غيرها من الألقاب المنسوبة إلى منطقة معينة في البحرين، وفي كثير من الأحيان تنقرض الألقاب ويجري تناسي الأصول وخصوصاً في الشتات الهائل الذي يكون عادة إبان الحروب والهجمات المتعاقبة والتي لم تهدأ من القرن الثامن عشر.
ولعل أقدم إشارة جاء فيها وصف الحرين بأنها "بلد الإيمان"، وأن أهلها هم "أهل الإيمان" هي تلك التي جاءت في مكتوب الشيخ عبيد آل مذكور الذي حرّره إلى الشاه عباس الصفوي يستنهض به همته ويحثّه على القيام لطرد البرتغاليين من البحرين. وقد جاء فيه: "أما بعد فكيف رضيت همته العلية وشيمته القدسية بالجلوس في دار أصفهان والإغضاء عن جلب على أهل الإيمان".
وتعود هذه الإشارة إلى القرن السابع عشر الميلادي، إلا أنها سوف تتعزز في القرن الثامن عشر الذي يعد قرن الشتات الأعظم في تاريخ البحرين، ولقد كان لهجمات العُمانيين الإباضية (اليعاربة) الأثر الأكبر في هذا الشتات العظيم. وفي هذا السياق يذكر الشيخ ياسين بن صلاح الدين البلادي البحراني في ديباجة رسالته المسماة بـ "القول السديد في شرح كلمة التوحيد"، قال بعد كلام طويل في وصف الشتات البحريني: "فأضرمت نيران الفتن، في مرابع أهل الإيمان، وشنّت الغارات والمحن في معالم ذوي العلم والإحسان". وفي فترة قريبة من هذا كتب الشيخ علي البلادي كتاباً في تراجم علماء البحرين، وقال: "ومن هؤلاء وأضرابهم سميت البحرين ببلاد المؤمنين والإيمان، واشتهرت بذلك في كل مكان". ويذكر ناصر الخيري أن البحرين "في عرف الشيعيين من الأماكن المقدسة".والمرجّح أن يكون القرن السابع عشر هو الزمن المرجعي لهذه الإشارة، ويعود ترجيحنا هذا إلى حقيقة تاريخنا وهي أن البحرين دخلت في مدار النفوذ الصفوي في هذا القرن تحديداً (1602م). وهذا يعني أنه لأول مرة في التاريخ يظهر حليف إقليمي قوي لأهل البحرين، وأكثر من هذا فهو حليف شريك لهم في المذهب مما يعني أنه لن يألو جهداً في حمايتهم والذوذ عنهم ضد الهجمات المتعاقبة التي تستهدفهم.. والعلة في هذا كما يذكر محمد علي التاجر هو "أن عواطف العقائد الدينية هي أقوى رابطة تربط أهالي البحرين لذلك العهد بشاهات الدولة الصفوية".
وقد بادر أهل البحرين إلى مكاتبة الدولة الصفوية (1501 ـ 1736م) من أجل التخلّص من البرتغاليين ومن الهجمات المتعاقبة التي تشيع الفوضى والإضطراب في البلاد، ويذكر ناصر الخيري أن ظهور الدولة الصفوية واشتهارها "بعطفها على المذهب الشيعي" ومناصرته قد حمل أهل البحرين على "مكاتبة ملوكها واستصراخهم بها سرّاً وعلانية". وإذا عرفنا أن تعبير "أهل الإيمان" يتطابق مع "الشيعة" في الإستخدام اللغوي العرفي لدى الشيعة في هذه الحقبة حيث يكون معنى "الذين آمنوا هم الشيعة أهل الولاية"، أقول إذا كان ذلك كذلك فإنه لن يكون من العسير الإستنتاج بأن تعبير "أهل الإيمان" كان جزءاً من حيلة خطابية تستهدف استنهاض الدولة الصفوية لإنقاذ أهل البحرين "وعقيدة التشيع" التي يصور حالها عبيد آل مذكور في خطابه إلى الشاه عباس بقوله: "فحسبك بتشتّت شملها وإضمحلال أثرها وإندراس معالمها (...) ولم يبق من أطلالها إلا عروش خاوية وآثار متداعية، ومع ذلك فقد اكتفينا من عمرها بالخراب، ومن مائها بالتراب".
وفي القرن السابع عشر أيضاً عادت الإمامة إلى مجتمع الأباضية في عمان، حيث عقدت الإمامة في العام 1034 هـ (1624م) لناصر بن مرشد اليعربي، وهو أول إمام يعربي في عمان، وفي عهده دخلت عمان في "حقبة إستثنائية من تاريخها الحديث، وهي حقبة إستعادت فيها الإمامة بناء ذاتها وتحققت خلالها وحدة البلاد الإجتماعية". ومن نسل هذا الإمام سيخرج سلطان بن سيف الذي عقدت له الإمامة في العام 1711. وقد صرف هذا الإمام عنايته لحرب الدولة الصفوية، وانتزع من أيديها جزيرة قشم ولارك وجاش وبندر عباس وهرمز والبحرين بعد حروب طاحنة، وأهمها وقعة البحرين في العام 1717م.
وعلى هذا، فقد كتبت على أهل البحرين ان يتواجهوا ـولأول مرة أيضاً ـ مع عدو إقليمي قوي، ونجح في التغلب على بلادهم لأكثر من مرة، وهذا العدو المختلف عنهم مذهبياً هو إمام مسقط واليعاربة الإباضيون (أو الخوارج بتعبير مؤرخي البحرين في تلك الفترة). لقد تأجج هذا العداء في سياق التنافس على النفوذ الإقليمي مع الدولة الصفوية، إلا أنه لم يكن يخلو من تعصب مذهبي متبادل، وكما يقول ناصر الخيري: "وأنّى للأباضي أن يتفق مع الشيعي، وذلك يبالغ ويسرف في بغض علي بن أبي طالب بينما هذا يبالغ في مودته ويكاد أن يجعله إلهاً، فهم لهذا على طرفي نقيض، ومحال أن يجتمع الضدان ويأتلف النقيضان".
وإذا تذكرنا إشارة ألبرت حوراني عن دور الثورة في إيران وحرب الخليج الأولى في استثارة الإحساس القوي بالهوية الشيعية وإهتزاز نظام هذه المجتمعات، فإنه علينا أن نتذكر كذلك بأن هذه الإستثارة لم تكن هي الأولى من نوعها، كما لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يهتز فيها "نظام المجتمع" في البحرين. فقد شهدت بنية المجتمع البحريني إهتزازاً عميقاً في القرن الثامن عشر. والحفر "الأركيولوجي" في تاريخ هذه الإستثارة وهذا الإهتزاز كفيل بإضاءة الكثير من المناطق المظلمة والمجهولة فيما يتعلق بمعضلة الولاء وإزدواجه، وفي ما يتعلق بدور هذه الإستثارة وهذا الإهتزاز في صياغة الوجدان الجماعي و "المزاج العام" تجاه فكرة "الوطن" أو "اللاوطن/الشتات" لدى شيعة البحرين. كما ان هذا النوع من الحفر كفيل بأن يكشف لنا حقيقة أن هذا التاريخ رازح بقوة في حاضرنا، وأنّ كثيراً من هواجسنا ومخاوفنا وعقدنا النفسية اليوم إنما تضرب بجذورها في هذا التاريخ البعيد والقريب الذي يتحرك من تحت أقدامنا دون توقف. ووالمفارقة هنا أنه في كل مرة تظهر دولة شيعية قوية في المنطقة يكون نصيب شيعة البحرين من ذلك مزيداً من البلاء والضرّ والتضييق والشتات، حدث هذا حين قامت الدولة الصفوية ودخلت البحرين ضمن مناطق نفوذها في القرن السابع عشر، وحدث هذا عندما قامت الثورة الإسلامية في إيران في العام 1979م. فما أشبه الليلة بالبارحة!
وكأن من مصلحة شيعة البحرين ألا توجد دولة شيعية قوية في هذا الإقليم.
"شيعة البحرين" يمثلون حالة خاصة أو متفردة تمييزهم تاريخياً عن شيعة القطيف ولبنان وإيران.. ويمثل شيعة العراق منذ العقود الأخيرة من القرن العشرين المثال الأقرب شبهاً بشيعة البحرين. ويتمثل هذا التفرد في حالة الشتات البحريني الجماعي، وهو شتات إمتدت حركته على مدى قرن ونصف من الزمان. ومن المعروف أن الشتات يخلق حالة نفسية معينة تطبع هوية ومزاج الجماعات التي تعاني منه. إلا أنه من اللافت أن هؤلاء المشتتين كانوا يندمجون في الأقطار التي تشتتوا فيها في القطيف والإحساء والبصرة وكربلاء والنجف والمحمرة وأصفهان وشيراز وبهبهان والنجف وبوشهر وغيرها، بحيث تتناسى الأجيال اللاحقة أصولها البحرينية التي لم يتبق من شيء يذكر بها إلا لقب من بقابا بلده الأصلي مثل: "البحراني" أو "الغريفي" أو "البلادي" أو "الساري" أو "الستري" أو "التوبلاني" أو غيرها من الألقاب المنسوبة إلى منطقة معينة في البحرين، وفي كثير من الأحيان تنقرض الألقاب ويجري تناسي الأصول وخصوصاً في الشتات الهائل الذي يكون عادة إبان الحروب والهجمات المتعاقبة والتي لم تهدأ من القرن الثامن عشر.
ولعل أقدم إشارة جاء فيها وصف الحرين بأنها "بلد الإيمان"، وأن أهلها هم "أهل الإيمان" هي تلك التي جاءت في مكتوب الشيخ عبيد آل مذكور الذي حرّره إلى الشاه عباس الصفوي يستنهض به همته ويحثّه على القيام لطرد البرتغاليين من البحرين. وقد جاء فيه: "أما بعد فكيف رضيت همته العلية وشيمته القدسية بالجلوس في دار أصفهان والإغضاء عن جلب على أهل الإيمان".
وتعود هذه الإشارة إلى القرن السابع عشر الميلادي، إلا أنها سوف تتعزز في القرن الثامن عشر الذي يعد قرن الشتات الأعظم في تاريخ البحرين، ولقد كان لهجمات العُمانيين الإباضية (اليعاربة) الأثر الأكبر في هذا الشتات العظيم. وفي هذا السياق يذكر الشيخ ياسين بن صلاح الدين البلادي البحراني في ديباجة رسالته المسماة بـ "القول السديد في شرح كلمة التوحيد"، قال بعد كلام طويل في وصف الشتات البحريني: "فأضرمت نيران الفتن، في مرابع أهل الإيمان، وشنّت الغارات والمحن في معالم ذوي العلم والإحسان". وفي فترة قريبة من هذا كتب الشيخ علي البلادي كتاباً في تراجم علماء البحرين، وقال: "ومن هؤلاء وأضرابهم سميت البحرين ببلاد المؤمنين والإيمان، واشتهرت بذلك في كل مكان". ويذكر ناصر الخيري أن البحرين "في عرف الشيعيين من الأماكن المقدسة".والمرجّح أن يكون القرن السابع عشر هو الزمن المرجعي لهذه الإشارة، ويعود ترجيحنا هذا إلى حقيقة تاريخنا وهي أن البحرين دخلت في مدار النفوذ الصفوي في هذا القرن تحديداً (1602م). وهذا يعني أنه لأول مرة في التاريخ يظهر حليف إقليمي قوي لأهل البحرين، وأكثر من هذا فهو حليف شريك لهم في المذهب مما يعني أنه لن يألو جهداً في حمايتهم والذوذ عنهم ضد الهجمات المتعاقبة التي تستهدفهم.. والعلة في هذا كما يذكر محمد علي التاجر هو "أن عواطف العقائد الدينية هي أقوى رابطة تربط أهالي البحرين لذلك العهد بشاهات الدولة الصفوية".
وقد بادر أهل البحرين إلى مكاتبة الدولة الصفوية (1501 ـ 1736م) من أجل التخلّص من البرتغاليين ومن الهجمات المتعاقبة التي تشيع الفوضى والإضطراب في البلاد، ويذكر ناصر الخيري أن ظهور الدولة الصفوية واشتهارها "بعطفها على المذهب الشيعي" ومناصرته قد حمل أهل البحرين على "مكاتبة ملوكها واستصراخهم بها سرّاً وعلانية". وإذا عرفنا أن تعبير "أهل الإيمان" يتطابق مع "الشيعة" في الإستخدام اللغوي العرفي لدى الشيعة في هذه الحقبة حيث يكون معنى "الذين آمنوا هم الشيعة أهل الولاية"، أقول إذا كان ذلك كذلك فإنه لن يكون من العسير الإستنتاج بأن تعبير "أهل الإيمان" كان جزءاً من حيلة خطابية تستهدف استنهاض الدولة الصفوية لإنقاذ أهل البحرين "وعقيدة التشيع" التي يصور حالها عبيد آل مذكور في خطابه إلى الشاه عباس بقوله: "فحسبك بتشتّت شملها وإضمحلال أثرها وإندراس معالمها (...) ولم يبق من أطلالها إلا عروش خاوية وآثار متداعية، ومع ذلك فقد اكتفينا من عمرها بالخراب، ومن مائها بالتراب".
وفي القرن السابع عشر أيضاً عادت الإمامة إلى مجتمع الأباضية في عمان، حيث عقدت الإمامة في العام 1034 هـ (1624م) لناصر بن مرشد اليعربي، وهو أول إمام يعربي في عمان، وفي عهده دخلت عمان في "حقبة إستثنائية من تاريخها الحديث، وهي حقبة إستعادت فيها الإمامة بناء ذاتها وتحققت خلالها وحدة البلاد الإجتماعية". ومن نسل هذا الإمام سيخرج سلطان بن سيف الذي عقدت له الإمامة في العام 1711. وقد صرف هذا الإمام عنايته لحرب الدولة الصفوية، وانتزع من أيديها جزيرة قشم ولارك وجاش وبندر عباس وهرمز والبحرين بعد حروب طاحنة، وأهمها وقعة البحرين في العام 1717م.
وعلى هذا، فقد كتبت على أهل البحرين ان يتواجهوا ـولأول مرة أيضاً ـ مع عدو إقليمي قوي، ونجح في التغلب على بلادهم لأكثر من مرة، وهذا العدو المختلف عنهم مذهبياً هو إمام مسقط واليعاربة الإباضيون (أو الخوارج بتعبير مؤرخي البحرين في تلك الفترة). لقد تأجج هذا العداء في سياق التنافس على النفوذ الإقليمي مع الدولة الصفوية، إلا أنه لم يكن يخلو من تعصب مذهبي متبادل، وكما يقول ناصر الخيري: "وأنّى للأباضي أن يتفق مع الشيعي، وذلك يبالغ ويسرف في بغض علي بن أبي طالب بينما هذا يبالغ في مودته ويكاد أن يجعله إلهاً، فهم لهذا على طرفي نقيض، ومحال أن يجتمع الضدان ويأتلف النقيضان".
وإذا تذكرنا إشارة ألبرت حوراني عن دور الثورة في إيران وحرب الخليج الأولى في استثارة الإحساس القوي بالهوية الشيعية وإهتزاز نظام هذه المجتمعات، فإنه علينا أن نتذكر كذلك بأن هذه الإستثارة لم تكن هي الأولى من نوعها، كما لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يهتز فيها "نظام المجتمع" في البحرين. فقد شهدت بنية المجتمع البحريني إهتزازاً عميقاً في القرن الثامن عشر. والحفر "الأركيولوجي" في تاريخ هذه الإستثارة وهذا الإهتزاز كفيل بإضاءة الكثير من المناطق المظلمة والمجهولة فيما يتعلق بمعضلة الولاء وإزدواجه، وفي ما يتعلق بدور هذه الإستثارة وهذا الإهتزاز في صياغة الوجدان الجماعي و "المزاج العام" تجاه فكرة "الوطن" أو "اللاوطن/الشتات" لدى شيعة البحرين. كما ان هذا النوع من الحفر كفيل بأن يكشف لنا حقيقة أن هذا التاريخ رازح بقوة في حاضرنا، وأنّ كثيراً من هواجسنا ومخاوفنا وعقدنا النفسية اليوم إنما تضرب بجذورها في هذا التاريخ البعيد والقريب الذي يتحرك من تحت أقدامنا دون توقف. ووالمفارقة هنا أنه في كل مرة تظهر دولة شيعية قوية في المنطقة يكون نصيب شيعة البحرين من ذلك مزيداً من البلاء والضرّ والتضييق والشتات، حدث هذا حين قامت الدولة الصفوية ودخلت البحرين ضمن مناطق نفوذها في القرن السابع عشر، وحدث هذا عندما قامت الثورة الإسلامية في إيران في العام 1979م. فما أشبه الليلة بالبارحة!
وكأن من مصلحة شيعة البحرين ألا توجد دولة شيعية قوية في هذا الإقليم.
الخائفون من الديمقراطية
المستشار طارق البشري
ما أشبه اليوم بالبارحة، واليوم هو شهر مارس سنة 2011، والبارحة هى شهر مارس سنة 1954، والفرق بينهما سبعة وخمسون عاما قضيناها جميعها فى ظل حكم دستورى فردى، كان وطنيا يرعى المصلحة الشعبية فى ثلثه الأول، وصار لا يرعى مصالح الوطن ولا المواطنين فى ثلثيه الأخيرين.
أما البارحة، فقد كنا وقتها فى عهد السنوات الأولى لثورة 23 يوليه 1952، طُرِد الملك فاروق بعد خلعه، وتولى الجيش السلطة السياسية، وأعلنت الجمهورية، وقُضِى على الطبقة الحاكمة السابقة، قضى على ما سمى بالإقطاع الزراعى، وألغيت الأحزاب السياسية وألغى دستور 1923، وقام بحكم مصر «مجلس قيادة الثورة» بحسبانه يجمع السلطة كلها بغير برلمان ولا دستور، وبإعلان دستورى مختصر، وأن الفترة الانتقالية تستمر ثلاث سنوات تنتهى أول سنة 1956، عظم الضغط الشعبى على مجلس قيادة الثورة من خارج الجيش ومن داخل وحداته وأسلحته، يطالبون رغم تأييدهم إلغاء الملكية والقضاء على الإقطاع ــ يطالبون بإقامة نظام دستورى وعودة البرلمان وعودة الحياة الحزبية وإلغاء حالة الطوارئ (كانت تسمى حالة الأحكام العرفية). وخضعت قيادة ثورة 23 يوليو لهذه المطالب، فأعلن مجلس قيادة الثورة فى 5 مارس 1954 أنه سيلغى حالة الطوارئ وسيشكل جمعية تأسيسية لإعداد الدستور وسيلغى الرقابة على الصحافة والنشر، ثم فى 25 مارس قرر مجلس قيادة الثورة حل نفسه والسماح بقيام الأحزاب وانتخاب جمعية تأسيسية وذلك كله فى 24 يوليه سنة 1954. وبدا بهذا أن الوجه الديمقراطى لثورة 23 يوليو قد غلب وجهها الآخر وأن الأسلوب الديمقراطى والأهداف الوطنية والشعبية انتصرت على الأسلوب الآخر.
ولكن فاجأت هذه القرارات الديمقراطية الكثيرين، وقالوا إن هذه القرارات الخاصة بالحريات العامة وبصياغة نظام الحكم على أسس حزبية برلمانية منتخبة من الشعب، قالوا إن ذلك من شأنه أن يعيد العهد الماضى البغيض، وأن يعيد حكم الباشوات السابق، وأبدوا الهلع والفزع من عودة طبقة حاكمة كانت هُزمت فعلا وأطيح بها من مقاعد الحكم ومن نظام اجتماعى كانت تقوّضت قوائمه، وأبدى المنتصرون الهلع والفزع من المهزومين. وبدأت موجة من المظاهرات والإضرابات تطالب بعودة مجلس قيادة الثورة. يصف المؤرخ عبدالرحمن الرافعى ذلك: «وأضرب عمال النقل احتجاجا على عودة الأحزاب المنحلة، وقررت نقابتهم استمرار مجلس قيادة الثورة فى مباشرة سلطاته وعدم الدخول فى معارك انتخابية حتى جلاء المستعمر، فتوقفت القطارات ووسائل النقل فى البلاد، وبلغ عدد العمال المضربين مليون عامل» (كان تعداد مصر وقتها نحو 24 مليون نسمة) وقيل وقتها إن مظاهرات سارت تهتف بسقوط النظام الحزبى والديمقراطية.
وبهذا الضغط من الخائفين من الديمقراطية يذكر أيضا عبدالرحمن الرافعى: «رأوا أن الثورة مهددة بالانحلال إذا نفذت قرارات، 5 و25 مارس، وأن البلاد ستعود إلى الفوضى وإلى نفس الأحزاب المنحلة، فأصدروا قرارات اجماعية بإلغاء قرارات 5 و25 مارس، وشفعوا ذلك بالاعتصام حتى تلغى هذه القرارات. «وحملوا مجلس قيادة الثورة مسئولية ما يقع من حوادث إذا لم تجب مطالبهم».
تحدد فى هذه الأيام القليلة من شهر مارس 1954 نظام الحكم المصرى لسبع وخمسين سنة تلت. وكان وجه العجب فى هذا الموقف أن جماهير من الشعب المصرى فزعوا من عودة الديمقراطية والبرلمانية وكأنهم سيواجهون بذلك خطرا مهددا ومعضلة كبيرة، وأنهم فارقوا بين الثورة والديمقراطية الانتخابية وكأنهما ضدان لا يلتقيان، وكانوا غير واثقين من أنفسهم إزاء نظام حكم وإدارة يبشرهم بأنهم هم من سيملكون اتخاذ القرارات فيه وتكون لهم الهيمنة، والأخطر من ذلك والأشد مدعاة للعجب أنهم خافوا ممن هزموهم وأقصوهم عن الحكم وعن السيطرة الاجتماعية الاقتصادية. وصار أمامنا السؤال: كيف يخاف الإنسان ممن هزمه، وإذا كان الإنسان خائفا من خصم فكيف تقدم وهزمه وأجبره على ترك مكانه، وإذا كان هزمه وأقصاه فكيف يخاف منه من بعدُ، بعدَ أن فقد القدر الأكبر من قوته بترك السلطة ووسائطها فى القمع والترويع، وكيف يخاف الإنسان من الشبح أكثر مما يخاف من الواقع، وهل يخاف الإنسان من فلول جيش منهزم بأكثر مما نخاف من الجيش وهو بكامل عدته.
مازلت أذكر رسما كاريكاتوريا رسمه فى ذلك الزمان الرسام «عبدالسميع» بمجلة روزاليوسف. رسم أسدا داخل قفص من قضبان حديدية، وباب القفص مفتوح وفى خارجه يقف الحارس خائفا. والأسد يجلس داخل القفص المفتوح ويقول للحارس ما معناه: «أغلق الباب لأنه يدخل تيار هواء يؤذينى» وهذا بالضبط ما كان يعبر عن تناقض المواقف وقتها، والذى يفسر عدم الثقة أو فقدان الثقة فى الذات وإرادتها الجماعية الحرة وما يتاح لها من خيارات، وتركن إلى الاعتماد على الانسياق الجبرى، الحرية هى الصقيع والانسياق هو الدفء.
وهناك من «الديمقراطيين» من اعتاد على موقف المواجهة مع الحكام المستبدين مطالبا بالديمقراطية ورافضا الاستبداد، ولكنه اعتاد على موقف المطالبة، فإذا صار فى وضع التمكن من الممارسة الديمقراطية، فزع من الذات وعمل على أن يعود إلى وضعه الأول، وضع وجود الاستبداد وبقائه هو فى موقف المطالبة والاعتراض والتحدى.
عندما انتهى شهر مارس 1954، كانت مصر قد عادت إلى نظام سياسى غير حزبى وغير ديمقراطى، وبقيت فى هذا النظام طوال عهود لثلاثة حكام، ولم تبد فرجة للخروج من هذا النظام إلا أخيرا جدا فى 25 يناير 2011، أى لم تتح للمصريين فرصة جادة وحقيقية للخروج من النظام الفردى الاستبدادى إلا بعد سبع وخمسين سنة، بمعنى أن أحداث مارس 1954 حكمت نظام الحكم فى مصر طوال هذا الزمن الطويل. وأنا هنا أشير إلى مدى الجسامة والخطورة للحدث الذى نحياه الآن وما يطرح من بدائل.
وأبادر بالتنويه أننى بهذا الحديث الذى سقته آنفا، لا أقصد الحديث عن نظام الرئيس جمال عبدالناصر رحمه الله وأجزل له المثوبة على ما قدمه لبلده ووطنه، لا أقصده لسببين: أولهما: أن فترة الثمانية عشر عاما التى تمثل عهد عبدالناصر من 1952 إلى 1970، هى أكثر فترة تمتعت فيها مصر باستقلالها السياسى فى القرن العشرين، ومارست موجبات هذا الاستقلال، حفاظا على أمنها القومى وبناء أسس نظام داخلى يرعى المصالح العليا للشعب المصرى ويكفل تنمية موارده والعدالة الاجتماعية. وثانيهما: أن ثورة عبدالناصر كانت وعدت بالاستقلال الوطنى وإجلاء المحتل الإنجليزى عن مصر ووفت بهذا الوعد، وكانت وعدت بالعدالة الاجتماعية ووفت بعهدها أيضا، ووعدت بحفظ الأمن المصرى القومى وجهدت بصدق وأمانة فى الوفاء به فى مواجهة ظروف دولية شديدة الصعوبة. ولم يكن وعدها الأساسى يتعلق بالنظام الحزبى البرلمانى الانتخابى.
للديكتاتورية حصاد مر
ولكننا من تجربة مارس 1954 نظن أنه لو كان تحقق النظام الديمقراطى بمؤسساته الانتخابية مع وطنية نظام عبدالناصر وسعيه لبناء مصر بسياسات التنمية المستقلة والعدالة الاجتماعية وحفظ الأمن القومى، لكان أمكن لمصر بعد عبدالناصر أن تحفظ منجزات عهده. إنما ما آلت إليه أوضاع الحكم غير الديمقراطى فى ترسيخ سلطة الفرد الحاكم، هى ذاتها ما انتكست به كل منجزات الفترة الناصرية، فى عهدى أنور السادات وحسنى مبارك، اللذين عارضاه وخالفاه فى كل سياساته الوطنية والاجتماعية، فلم يوافقاه إلا فى نظام الحكم الفردى الاستبدادى، واستخدما سلطات هذا النظام الفردى فى تقويض كل ما شيدت مصر فى العهد الناصرى وفى عهد ثورة 1919 السابق عليه وكان مارس 1954 هو شهر الحسم بين نظام ديمقراطى انتخابى ونظام فردى.
واليوم فى مارس 2011، تسنح فرصة البناء الديمقراطى الدستورى بثورة 25 يناير، وهى ثورة لم تطرح أى هدف سياسى آخر لها فى المجالات الوطنية والاجتماعية، إنما طرحت هدفا سياسيا تنظيميا بحتا هو تحقيق النظام الديمقراطى، بشقيه الحزبى والانتخابى وتشكيل المؤسسات الدستورية الجماعية الانتخابية التى لا تتيح فرصة لظهور حكم فردى من بعد ــ إن شاء الله سبحانه ــ ومن ثم يكون ضياع هذا الهدف أو عدم تحققه هو إفشال كامل للفعل الثورى القائم.
وفى هذا الظرف نجد فى التو واللحظة فريقا من أهل مصر، المثقفين والساسة والإعلاميين، يثيرون ذات المخاوف من الديمقراطية التى ظهرت سنة 1954، ويقولون إن انتخابات فى عدة شهور قليلة من شأنها أن تفكك الثورة وأن تعيد الحزب الوطنى الحاكم السابق، وهو الحزب المهزوم بفعل ثورة لا تزال قائمة، وإن ممارسة الديمقراطية «المبكرة» من شأنها أن تفكك احتمالات البناء الديمقراطى، غير مدركين فيما يبدو ما فى هذا القول من تناقض، فلو كانت جماهير الثورة الحاصلة تخاف من الحزب الوطنى الحاكم فيما سبق، فَلِمَ قامت الثورة تتحداه؟ ومادامت هزمته فكيف تخاف من بقاياه؟
وهم يطالبون أن تطول فترة حكم مصر بغير انتخابات تشريعية، وأن تبقى محكومة إما بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى أعلن عن تحديده لمدة حكمه بالشهور والمهام المحددة أو بمجلس رئاسى لم نعرف من يقترحون أن يكون المعيِّن لهم، أو بانتخابات رئيس جمهورية لايزال مجهولا لدينا جميعا حتى الآن، ويكون انتخابه قبل كل مؤسسات الدولة التشريعية بمثابة توليه لسلطة مطلقة تجمع السلطتين التنفيذية والتشريعية بغير وجود كيان موازٍ له يحد من سلطته. ويبقى كذلك حتى تتكون المجالس التشريعية بالانتخاب، وهؤلاء المطالبون بطول مدة الحكم الفردى، يقولون ببقائها حتى تنشأ الأحزاب الجديدة وتنمو وتستعد لملء الفراغ السياسى، وكأن الحاكم الفردى المطلق المشيئة سيكون بالنسبة للأحزاب الوليدة كالأب الحنون على أولاده الصغار، فيرعاهم ويصبر عليهم وعلى تنميتهم ليقطعوا أجزاء من سلطته ويحدوا نفوذه المطلق، أى يكون حاكما يتعهد منافسيه ومقيديه بالرعاية حتى ينافسوه جيدا.
إن كل ما نصنعه الآن هو تكوين مؤسسات ديمقراطية لهذه الفترة الانتقالية المحددة لنضع من خلالها دستورا ديمقراطيا جديدا. لأن الفترة الانتقالية إن كانت مبنية على أسس نظام استبدادى أو فردى فلن تنتج إلا نظاما جديدا استبداديا وفرديا، أما إن توافر فيها عنصر الاختيار الإجماعى الحر والعمل الجماعى المشترك الممثل لجماهير الشعب، فالغالب إن شاء الله أن تنتج مثيلا لها فى الجوهر فى هيئة دستور جديد.
ثورة ناجحة استطاعت أن تجمع بعملها السلمى الثورى أكثر من عشرة ملايين مواطن فى يوم واحد بمدن مصر العديدة، وأن يبقى نفسها التجمعيى هذا أياما وأياما حتى أسقطت رءوس النظام السياسى القابض على السلطة وحتى نحقق النقل المؤقت للسلطة لإنشاء سلطة جديدة. هذه الثورة بجمهورها كيف تخاف ولا تطمئن إلى نتيجة انتخابات تجرى وهى فى عز زخمها وحركيتها الجماهرية الواسعة.
إلى من يخافون من الديمقراطية الانتخابية، أذكر لهم قول أبى العلاء المعرى:
فيا عجبا من مقالاتهم .. أيعمى عن الحق هذا البشر
والحمد لله
ما أشبه اليوم بالبارحة، واليوم هو شهر مارس سنة 2011، والبارحة هى شهر مارس سنة 1954، والفرق بينهما سبعة وخمسون عاما قضيناها جميعها فى ظل حكم دستورى فردى، كان وطنيا يرعى المصلحة الشعبية فى ثلثه الأول، وصار لا يرعى مصالح الوطن ولا المواطنين فى ثلثيه الأخيرين.
أما البارحة، فقد كنا وقتها فى عهد السنوات الأولى لثورة 23 يوليه 1952، طُرِد الملك فاروق بعد خلعه، وتولى الجيش السلطة السياسية، وأعلنت الجمهورية، وقُضِى على الطبقة الحاكمة السابقة، قضى على ما سمى بالإقطاع الزراعى، وألغيت الأحزاب السياسية وألغى دستور 1923، وقام بحكم مصر «مجلس قيادة الثورة» بحسبانه يجمع السلطة كلها بغير برلمان ولا دستور، وبإعلان دستورى مختصر، وأن الفترة الانتقالية تستمر ثلاث سنوات تنتهى أول سنة 1956، عظم الضغط الشعبى على مجلس قيادة الثورة من خارج الجيش ومن داخل وحداته وأسلحته، يطالبون رغم تأييدهم إلغاء الملكية والقضاء على الإقطاع ــ يطالبون بإقامة نظام دستورى وعودة البرلمان وعودة الحياة الحزبية وإلغاء حالة الطوارئ (كانت تسمى حالة الأحكام العرفية). وخضعت قيادة ثورة 23 يوليو لهذه المطالب، فأعلن مجلس قيادة الثورة فى 5 مارس 1954 أنه سيلغى حالة الطوارئ وسيشكل جمعية تأسيسية لإعداد الدستور وسيلغى الرقابة على الصحافة والنشر، ثم فى 25 مارس قرر مجلس قيادة الثورة حل نفسه والسماح بقيام الأحزاب وانتخاب جمعية تأسيسية وذلك كله فى 24 يوليه سنة 1954. وبدا بهذا أن الوجه الديمقراطى لثورة 23 يوليو قد غلب وجهها الآخر وأن الأسلوب الديمقراطى والأهداف الوطنية والشعبية انتصرت على الأسلوب الآخر.
ولكن فاجأت هذه القرارات الديمقراطية الكثيرين، وقالوا إن هذه القرارات الخاصة بالحريات العامة وبصياغة نظام الحكم على أسس حزبية برلمانية منتخبة من الشعب، قالوا إن ذلك من شأنه أن يعيد العهد الماضى البغيض، وأن يعيد حكم الباشوات السابق، وأبدوا الهلع والفزع من عودة طبقة حاكمة كانت هُزمت فعلا وأطيح بها من مقاعد الحكم ومن نظام اجتماعى كانت تقوّضت قوائمه، وأبدى المنتصرون الهلع والفزع من المهزومين. وبدأت موجة من المظاهرات والإضرابات تطالب بعودة مجلس قيادة الثورة. يصف المؤرخ عبدالرحمن الرافعى ذلك: «وأضرب عمال النقل احتجاجا على عودة الأحزاب المنحلة، وقررت نقابتهم استمرار مجلس قيادة الثورة فى مباشرة سلطاته وعدم الدخول فى معارك انتخابية حتى جلاء المستعمر، فتوقفت القطارات ووسائل النقل فى البلاد، وبلغ عدد العمال المضربين مليون عامل» (كان تعداد مصر وقتها نحو 24 مليون نسمة) وقيل وقتها إن مظاهرات سارت تهتف بسقوط النظام الحزبى والديمقراطية.
وبهذا الضغط من الخائفين من الديمقراطية يذكر أيضا عبدالرحمن الرافعى: «رأوا أن الثورة مهددة بالانحلال إذا نفذت قرارات، 5 و25 مارس، وأن البلاد ستعود إلى الفوضى وإلى نفس الأحزاب المنحلة، فأصدروا قرارات اجماعية بإلغاء قرارات 5 و25 مارس، وشفعوا ذلك بالاعتصام حتى تلغى هذه القرارات. «وحملوا مجلس قيادة الثورة مسئولية ما يقع من حوادث إذا لم تجب مطالبهم».
تحدد فى هذه الأيام القليلة من شهر مارس 1954 نظام الحكم المصرى لسبع وخمسين سنة تلت. وكان وجه العجب فى هذا الموقف أن جماهير من الشعب المصرى فزعوا من عودة الديمقراطية والبرلمانية وكأنهم سيواجهون بذلك خطرا مهددا ومعضلة كبيرة، وأنهم فارقوا بين الثورة والديمقراطية الانتخابية وكأنهما ضدان لا يلتقيان، وكانوا غير واثقين من أنفسهم إزاء نظام حكم وإدارة يبشرهم بأنهم هم من سيملكون اتخاذ القرارات فيه وتكون لهم الهيمنة، والأخطر من ذلك والأشد مدعاة للعجب أنهم خافوا ممن هزموهم وأقصوهم عن الحكم وعن السيطرة الاجتماعية الاقتصادية. وصار أمامنا السؤال: كيف يخاف الإنسان ممن هزمه، وإذا كان الإنسان خائفا من خصم فكيف تقدم وهزمه وأجبره على ترك مكانه، وإذا كان هزمه وأقصاه فكيف يخاف منه من بعدُ، بعدَ أن فقد القدر الأكبر من قوته بترك السلطة ووسائطها فى القمع والترويع، وكيف يخاف الإنسان من الشبح أكثر مما يخاف من الواقع، وهل يخاف الإنسان من فلول جيش منهزم بأكثر مما نخاف من الجيش وهو بكامل عدته.
مازلت أذكر رسما كاريكاتوريا رسمه فى ذلك الزمان الرسام «عبدالسميع» بمجلة روزاليوسف. رسم أسدا داخل قفص من قضبان حديدية، وباب القفص مفتوح وفى خارجه يقف الحارس خائفا. والأسد يجلس داخل القفص المفتوح ويقول للحارس ما معناه: «أغلق الباب لأنه يدخل تيار هواء يؤذينى» وهذا بالضبط ما كان يعبر عن تناقض المواقف وقتها، والذى يفسر عدم الثقة أو فقدان الثقة فى الذات وإرادتها الجماعية الحرة وما يتاح لها من خيارات، وتركن إلى الاعتماد على الانسياق الجبرى، الحرية هى الصقيع والانسياق هو الدفء.
وهناك من «الديمقراطيين» من اعتاد على موقف المواجهة مع الحكام المستبدين مطالبا بالديمقراطية ورافضا الاستبداد، ولكنه اعتاد على موقف المطالبة، فإذا صار فى وضع التمكن من الممارسة الديمقراطية، فزع من الذات وعمل على أن يعود إلى وضعه الأول، وضع وجود الاستبداد وبقائه هو فى موقف المطالبة والاعتراض والتحدى.
عندما انتهى شهر مارس 1954، كانت مصر قد عادت إلى نظام سياسى غير حزبى وغير ديمقراطى، وبقيت فى هذا النظام طوال عهود لثلاثة حكام، ولم تبد فرجة للخروج من هذا النظام إلا أخيرا جدا فى 25 يناير 2011، أى لم تتح للمصريين فرصة جادة وحقيقية للخروج من النظام الفردى الاستبدادى إلا بعد سبع وخمسين سنة، بمعنى أن أحداث مارس 1954 حكمت نظام الحكم فى مصر طوال هذا الزمن الطويل. وأنا هنا أشير إلى مدى الجسامة والخطورة للحدث الذى نحياه الآن وما يطرح من بدائل.
وأبادر بالتنويه أننى بهذا الحديث الذى سقته آنفا، لا أقصد الحديث عن نظام الرئيس جمال عبدالناصر رحمه الله وأجزل له المثوبة على ما قدمه لبلده ووطنه، لا أقصده لسببين: أولهما: أن فترة الثمانية عشر عاما التى تمثل عهد عبدالناصر من 1952 إلى 1970، هى أكثر فترة تمتعت فيها مصر باستقلالها السياسى فى القرن العشرين، ومارست موجبات هذا الاستقلال، حفاظا على أمنها القومى وبناء أسس نظام داخلى يرعى المصالح العليا للشعب المصرى ويكفل تنمية موارده والعدالة الاجتماعية. وثانيهما: أن ثورة عبدالناصر كانت وعدت بالاستقلال الوطنى وإجلاء المحتل الإنجليزى عن مصر ووفت بهذا الوعد، وكانت وعدت بالعدالة الاجتماعية ووفت بعهدها أيضا، ووعدت بحفظ الأمن المصرى القومى وجهدت بصدق وأمانة فى الوفاء به فى مواجهة ظروف دولية شديدة الصعوبة. ولم يكن وعدها الأساسى يتعلق بالنظام الحزبى البرلمانى الانتخابى.
للديكتاتورية حصاد مر
ولكننا من تجربة مارس 1954 نظن أنه لو كان تحقق النظام الديمقراطى بمؤسساته الانتخابية مع وطنية نظام عبدالناصر وسعيه لبناء مصر بسياسات التنمية المستقلة والعدالة الاجتماعية وحفظ الأمن القومى، لكان أمكن لمصر بعد عبدالناصر أن تحفظ منجزات عهده. إنما ما آلت إليه أوضاع الحكم غير الديمقراطى فى ترسيخ سلطة الفرد الحاكم، هى ذاتها ما انتكست به كل منجزات الفترة الناصرية، فى عهدى أنور السادات وحسنى مبارك، اللذين عارضاه وخالفاه فى كل سياساته الوطنية والاجتماعية، فلم يوافقاه إلا فى نظام الحكم الفردى الاستبدادى، واستخدما سلطات هذا النظام الفردى فى تقويض كل ما شيدت مصر فى العهد الناصرى وفى عهد ثورة 1919 السابق عليه وكان مارس 1954 هو شهر الحسم بين نظام ديمقراطى انتخابى ونظام فردى.
واليوم فى مارس 2011، تسنح فرصة البناء الديمقراطى الدستورى بثورة 25 يناير، وهى ثورة لم تطرح أى هدف سياسى آخر لها فى المجالات الوطنية والاجتماعية، إنما طرحت هدفا سياسيا تنظيميا بحتا هو تحقيق النظام الديمقراطى، بشقيه الحزبى والانتخابى وتشكيل المؤسسات الدستورية الجماعية الانتخابية التى لا تتيح فرصة لظهور حكم فردى من بعد ــ إن شاء الله سبحانه ــ ومن ثم يكون ضياع هذا الهدف أو عدم تحققه هو إفشال كامل للفعل الثورى القائم.
وفى هذا الظرف نجد فى التو واللحظة فريقا من أهل مصر، المثقفين والساسة والإعلاميين، يثيرون ذات المخاوف من الديمقراطية التى ظهرت سنة 1954، ويقولون إن انتخابات فى عدة شهور قليلة من شأنها أن تفكك الثورة وأن تعيد الحزب الوطنى الحاكم السابق، وهو الحزب المهزوم بفعل ثورة لا تزال قائمة، وإن ممارسة الديمقراطية «المبكرة» من شأنها أن تفكك احتمالات البناء الديمقراطى، غير مدركين فيما يبدو ما فى هذا القول من تناقض، فلو كانت جماهير الثورة الحاصلة تخاف من الحزب الوطنى الحاكم فيما سبق، فَلِمَ قامت الثورة تتحداه؟ ومادامت هزمته فكيف تخاف من بقاياه؟
وهم يطالبون أن تطول فترة حكم مصر بغير انتخابات تشريعية، وأن تبقى محكومة إما بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى أعلن عن تحديده لمدة حكمه بالشهور والمهام المحددة أو بمجلس رئاسى لم نعرف من يقترحون أن يكون المعيِّن لهم، أو بانتخابات رئيس جمهورية لايزال مجهولا لدينا جميعا حتى الآن، ويكون انتخابه قبل كل مؤسسات الدولة التشريعية بمثابة توليه لسلطة مطلقة تجمع السلطتين التنفيذية والتشريعية بغير وجود كيان موازٍ له يحد من سلطته. ويبقى كذلك حتى تتكون المجالس التشريعية بالانتخاب، وهؤلاء المطالبون بطول مدة الحكم الفردى، يقولون ببقائها حتى تنشأ الأحزاب الجديدة وتنمو وتستعد لملء الفراغ السياسى، وكأن الحاكم الفردى المطلق المشيئة سيكون بالنسبة للأحزاب الوليدة كالأب الحنون على أولاده الصغار، فيرعاهم ويصبر عليهم وعلى تنميتهم ليقطعوا أجزاء من سلطته ويحدوا نفوذه المطلق، أى يكون حاكما يتعهد منافسيه ومقيديه بالرعاية حتى ينافسوه جيدا.
إن كل ما نصنعه الآن هو تكوين مؤسسات ديمقراطية لهذه الفترة الانتقالية المحددة لنضع من خلالها دستورا ديمقراطيا جديدا. لأن الفترة الانتقالية إن كانت مبنية على أسس نظام استبدادى أو فردى فلن تنتج إلا نظاما جديدا استبداديا وفرديا، أما إن توافر فيها عنصر الاختيار الإجماعى الحر والعمل الجماعى المشترك الممثل لجماهير الشعب، فالغالب إن شاء الله أن تنتج مثيلا لها فى الجوهر فى هيئة دستور جديد.
ثورة ناجحة استطاعت أن تجمع بعملها السلمى الثورى أكثر من عشرة ملايين مواطن فى يوم واحد بمدن مصر العديدة، وأن يبقى نفسها التجمعيى هذا أياما وأياما حتى أسقطت رءوس النظام السياسى القابض على السلطة وحتى نحقق النقل المؤقت للسلطة لإنشاء سلطة جديدة. هذه الثورة بجمهورها كيف تخاف ولا تطمئن إلى نتيجة انتخابات تجرى وهى فى عز زخمها وحركيتها الجماهرية الواسعة.
إلى من يخافون من الديمقراطية الانتخابية، أذكر لهم قول أبى العلاء المعرى:
فيا عجبا من مقالاتهم .. أيعمى عن الحق هذا البشر
والحمد لله
نــتــعـــرف مجـــدداً عـــلى الــنــخـــبــــة المصـــريــــة
بقلم: جهاد الزين -النهار-بيروت
منذ اندلاع الانتفاضة المصرية في 25 كانون الثاني وانا امضي وقتاً طويلاً نسبياً امام عدد من اقنية التلفزيون المصرية. استطيع القول ان هذه الشاشات - مضافا اليها البرامج المتعلقة بمصر على شاشتي "الجزيرة" و"العربية" كما على الـCNN والـBBC - لا تزال تستحوذ على تسعين بالماية تقريباً من وقتي التلفزيوني في البيت والمكتب. اعني تحديداً من الشاشات المصرية التي هي بمتناولي، قناة "دريم" والتلفزيون المصري الرسمي وبعض برامج "التوك شو" (الحوارية) المصرية التي تنقلها "قناة اليوم" عبر مجموعة خليجية... مقابل ذلك تراجعت نسبة متابعتي للشاشات اللبنانية بشكل كبير خصوصا ان التفاقم المتزايد لتفاهة السياسة الداخلية اللبنانية – والتي تبدو منذ فترة غير قصيرة على الهامش المتخلف للوضع العربي – قد ساهم في هذا الابتعاد.
اتاح لي شبه الانصراف التلفزيوني هذا منذ بضعة اسابيع الى الشؤون المصرية – بل حتى الى الافلام السينمائية المصرية على شاشات متخصصة بها – ولا زال يتيح ان ادخل في تجربة من نوع خاص، دعوني اسمِّها تجربة اعادة التعرف على النخبة المصرية خلال الانتفاضة وما بعد بدء المرحلة الجديدة.
كانت ولا تزال اسابيع استماع الى كل فئات النخب المصرية: عسكريين، سياسيين، فايسبوكيين، ادباء، مثقفين، قضاة، صحافيين، فنانين، وزراء، اقتصاديين، اكاديميين. جميعهم باتت تحفل بهم التلفزيونات المصرية وغير المصرية، عقائديين، قادة احزاب، ولاسيما "الاخوان المسلمين" الذين اخذنا نراهم ونسمع آراءهم، بل نتفرس في وجوههم ولحاهم وكلماتهم... في هذا المحفل النقاشي الهائل الذي افتتحته الانتفاضة بل "الثورة المصرية" كما بات اهلها – وهم هؤلاء انفسهم – يحبون تسميتها، محفل متواصل ليل نهار كأننا نتعرف مجددا على هذه النخبة بل النخب حتى لو كنا نعرف – بما فيه على المستوى الشخصي - اسماء عديدة بينها منذ زمن طويل.
من هذه المناظرة الدائمة التي اطلقتها "الثورة المصرية" تولدت لدي بضع ملاحظات لا شفاء لي من وطأتها او من قلقها اذا لم اضعها في الضوء.
1- بدءا من ميدان التحرير – الذي اصبح عاصمة المستقبل العربي مهما آل إليه هذا المستقبل؟! - وحتى في ذروة الاحتشاد الذي قيل انه ذات يوم تجاوز المليون (فعلا وليس على الطريقة اللبنانية في الاحتساب الـ8 والـ14 آذاري) كان لدي انطباع ان هذه الحشود هي اساسا انتفاضة النخب المصرية بأقصى ما تعنيه الكلمة: اوسع تجمع للطبقة الوسطى بكل شرائحها، ولكن طبعا تحت قيادة اذكيائها وموسريها ونشطائها ومثقفيها ومعظم موظفيها في القطاعين العام والخاص وبعقائدييها من كل الاطياف وابناء عقائدييها الذين يمارسون الآن حرية يغبطهم عليها آباؤهم... والذين كان بعضهم يمشي الى جانب ولده "الفايسبوكي" وهو – اي الأب – على عكاز او كرسي مدولب! (واعرف حالات محددة).
… انها اذن انتفاضة نخب... واسعة... "جماهير نخب" في القاهرة اساساً والاسكندرية والسويس والعديد من المدن... وليست انتفاضة كل الشعب المصري الذي لا تزال اغلبيته الريفية، اي المقيمة في الارياف، تتلقى نتائج ثورة النخب المدينية والقطاعات المتصلة بها، كما تلقت عام 1952 انقلاب "الضباط الاحرار" باسم الدفاع عنها وببرنامج اجتماعي اقتصادي جذري وغير ديموقراطي نفذه الجيش... مع فارق ان عام 1952 كان عام مجموعة صغيرة قادت المؤسسة العسكرية التي حكمت مصر حتى سقوط الرئيس حسني مبارك وان كانت شريحة من "رجال الاعمال – السماسرة" دخلت على خط القرار السياسي في السنوات الاخيرة من عهد الرئيس مبارك بينما ثورة 1919 التي كانت ثورة وطنية لتحقيق استقلال مصر اعتمدت على نخبة مدينية بقيادة بورجوازية المجتمع المتنورة.
اليوم... نحن امام ثورة لا شك ان صفتها الاولى انها ثورة ديموقراطية... وطنيتها – اي السياسة الخارجية – هي حصيلة غير معلنة لديموقراطيتها... في هذه المصالحة التاريخية التي يقدمها لنا ميدان التحرير للمرة الاولى منذ العام 1948 تاريخ تأسيس اسرائيل بين الديموقراطية والوطنية.
ازعم... ان كل هذه الانطباعات بل هذا التقييم هي وهو حصيلة مشاهداتي التلفزيونية. فالذي رأيته وأراه ثورة نخب، ثورة الشرائح الاكثر وعياً وحداثة وحيوية في المجتمع المصري... الذي تنتظر ملايينه الثمانون ان تحملها الديموقراطية الى واقع معاشي افضل؟!
انها هذه النخب المجمعة على قنوات التلفزيون على منع الفلتان الامني حيث يختلط تآمر "النظام القديم" بانفجار احتقان الفقراء والعشوائيات، او بانفجار الامية الطائفية التي يتسبب بها مواطن غيور على شقيقته المسلمة التي احبها شاب قبطي وأحبته... فقتله مفجراً رغم وعي النخب ازمة علاقات تهدد النسيج الوطني المسلم المسيحي... وادت الى سقوط عدد من القتلى في القاهرة نفسها.
الخلاصة التلفزيونية الاولى: هي ثورة نخب واسعة، ثورة طبقة وسطى، لا ثورة فقراء وفلاحين.
2- الخلاصة التلفزيونية الثانية: هي ان هذه الثورة الديموقراطية الهامة والواعدة مصريا وعربيا، لا تحمل حتى الآن برنامجها الاقتصادي. جميع الذين اسمعهم على التلفزيونات، بمن فيهم الاقتصاديون والمسؤولون الرسميون، يركزون على استمرار تشجيع الاستثمارات، زيادة الحد الادنى للأجور، الحفاظ على الاقتصاد الحر و"دولة الرعاية" معا. لكن هذه ليست برنامج وضع جديد واستراتيجية شاملة. انها افكار تشبه في المجال الامني الدعوة الى اعادة الشرطة الى الشوارع. الجدل الوحيد الجديد هو الجدل الدستوري لأنه البرنامج الوحيد للثورة منذ لحظة قيامها.
3- تُظهر الثورات العظيمة على ما يبدو افضل ما في الافراد... ما في النخب:
فبمعزل عن التنوع الهائل بين القيادات والشخصيات والناشطين والشباب... الجميع يظهر حساً عالياً بالمسؤولية في الكلام العام... كأنما كل هؤلاء من مختلف مواقعهم، يعبرون عن نضج كبير في الشأن العام... ولفت نظري بصورة خاصة – بعد انتهاء الانفعال الشخصي في لحظات محددة وخطرة – ان الشباب الفايسبوكيين كانوا لا يقلون نضجاً ومسؤولية عن الأجيال الأخرى... والكل تحفل بهم قنوات التلفزيون، بل استطيع ان اقول ان بعض من انشر لهم في صفحة "القضايا" كتبوا مقالات مهمة وجذابة خلال الاسابيع المنصرمة...
4- الخلاصة الرابعة التي لا بد من التوقف عندها هي المتعلقة بالزملاء الصحافيين التلفزيونيين المصريين. فقد سمحت الاحداث لي بالتعرف على كفاءات مميزة لعدد من مقدمي البرامج، نساء ورجالا... وفي مجالات مختلفة... كان اداؤهم قويا وتحضيرهم لامعا وذا مجهود، كما ان ملاحظاتهم الحوارية كانت كفوءة وندية. وأخص بالذكر هنا السيدة منى الشاذلي التي اصبح برنامجها "الساعة العاشرة" على "قناة دريم" بالنسبة لي مرجعاً يومياً للمتابعة... وهذه مناسبة لأنصح عددا من زملائنا اللبنانيين بمتابعة هذه التجربة المصرية الجديدة أو المتجددة في البرامج السياسية والثقافية والحوارية ودراستها...
منذ اندلاع الانتفاضة المصرية في 25 كانون الثاني وانا امضي وقتاً طويلاً نسبياً امام عدد من اقنية التلفزيون المصرية. استطيع القول ان هذه الشاشات - مضافا اليها البرامج المتعلقة بمصر على شاشتي "الجزيرة" و"العربية" كما على الـCNN والـBBC - لا تزال تستحوذ على تسعين بالماية تقريباً من وقتي التلفزيوني في البيت والمكتب. اعني تحديداً من الشاشات المصرية التي هي بمتناولي، قناة "دريم" والتلفزيون المصري الرسمي وبعض برامج "التوك شو" (الحوارية) المصرية التي تنقلها "قناة اليوم" عبر مجموعة خليجية... مقابل ذلك تراجعت نسبة متابعتي للشاشات اللبنانية بشكل كبير خصوصا ان التفاقم المتزايد لتفاهة السياسة الداخلية اللبنانية – والتي تبدو منذ فترة غير قصيرة على الهامش المتخلف للوضع العربي – قد ساهم في هذا الابتعاد.
اتاح لي شبه الانصراف التلفزيوني هذا منذ بضعة اسابيع الى الشؤون المصرية – بل حتى الى الافلام السينمائية المصرية على شاشات متخصصة بها – ولا زال يتيح ان ادخل في تجربة من نوع خاص، دعوني اسمِّها تجربة اعادة التعرف على النخبة المصرية خلال الانتفاضة وما بعد بدء المرحلة الجديدة.
كانت ولا تزال اسابيع استماع الى كل فئات النخب المصرية: عسكريين، سياسيين، فايسبوكيين، ادباء، مثقفين، قضاة، صحافيين، فنانين، وزراء، اقتصاديين، اكاديميين. جميعهم باتت تحفل بهم التلفزيونات المصرية وغير المصرية، عقائديين، قادة احزاب، ولاسيما "الاخوان المسلمين" الذين اخذنا نراهم ونسمع آراءهم، بل نتفرس في وجوههم ولحاهم وكلماتهم... في هذا المحفل النقاشي الهائل الذي افتتحته الانتفاضة بل "الثورة المصرية" كما بات اهلها – وهم هؤلاء انفسهم – يحبون تسميتها، محفل متواصل ليل نهار كأننا نتعرف مجددا على هذه النخبة بل النخب حتى لو كنا نعرف – بما فيه على المستوى الشخصي - اسماء عديدة بينها منذ زمن طويل.
من هذه المناظرة الدائمة التي اطلقتها "الثورة المصرية" تولدت لدي بضع ملاحظات لا شفاء لي من وطأتها او من قلقها اذا لم اضعها في الضوء.
1- بدءا من ميدان التحرير – الذي اصبح عاصمة المستقبل العربي مهما آل إليه هذا المستقبل؟! - وحتى في ذروة الاحتشاد الذي قيل انه ذات يوم تجاوز المليون (فعلا وليس على الطريقة اللبنانية في الاحتساب الـ8 والـ14 آذاري) كان لدي انطباع ان هذه الحشود هي اساسا انتفاضة النخب المصرية بأقصى ما تعنيه الكلمة: اوسع تجمع للطبقة الوسطى بكل شرائحها، ولكن طبعا تحت قيادة اذكيائها وموسريها ونشطائها ومثقفيها ومعظم موظفيها في القطاعين العام والخاص وبعقائدييها من كل الاطياف وابناء عقائدييها الذين يمارسون الآن حرية يغبطهم عليها آباؤهم... والذين كان بعضهم يمشي الى جانب ولده "الفايسبوكي" وهو – اي الأب – على عكاز او كرسي مدولب! (واعرف حالات محددة).
… انها اذن انتفاضة نخب... واسعة... "جماهير نخب" في القاهرة اساساً والاسكندرية والسويس والعديد من المدن... وليست انتفاضة كل الشعب المصري الذي لا تزال اغلبيته الريفية، اي المقيمة في الارياف، تتلقى نتائج ثورة النخب المدينية والقطاعات المتصلة بها، كما تلقت عام 1952 انقلاب "الضباط الاحرار" باسم الدفاع عنها وببرنامج اجتماعي اقتصادي جذري وغير ديموقراطي نفذه الجيش... مع فارق ان عام 1952 كان عام مجموعة صغيرة قادت المؤسسة العسكرية التي حكمت مصر حتى سقوط الرئيس حسني مبارك وان كانت شريحة من "رجال الاعمال – السماسرة" دخلت على خط القرار السياسي في السنوات الاخيرة من عهد الرئيس مبارك بينما ثورة 1919 التي كانت ثورة وطنية لتحقيق استقلال مصر اعتمدت على نخبة مدينية بقيادة بورجوازية المجتمع المتنورة.
اليوم... نحن امام ثورة لا شك ان صفتها الاولى انها ثورة ديموقراطية... وطنيتها – اي السياسة الخارجية – هي حصيلة غير معلنة لديموقراطيتها... في هذه المصالحة التاريخية التي يقدمها لنا ميدان التحرير للمرة الاولى منذ العام 1948 تاريخ تأسيس اسرائيل بين الديموقراطية والوطنية.
ازعم... ان كل هذه الانطباعات بل هذا التقييم هي وهو حصيلة مشاهداتي التلفزيونية. فالذي رأيته وأراه ثورة نخب، ثورة الشرائح الاكثر وعياً وحداثة وحيوية في المجتمع المصري... الذي تنتظر ملايينه الثمانون ان تحملها الديموقراطية الى واقع معاشي افضل؟!
انها هذه النخب المجمعة على قنوات التلفزيون على منع الفلتان الامني حيث يختلط تآمر "النظام القديم" بانفجار احتقان الفقراء والعشوائيات، او بانفجار الامية الطائفية التي يتسبب بها مواطن غيور على شقيقته المسلمة التي احبها شاب قبطي وأحبته... فقتله مفجراً رغم وعي النخب ازمة علاقات تهدد النسيج الوطني المسلم المسيحي... وادت الى سقوط عدد من القتلى في القاهرة نفسها.
الخلاصة التلفزيونية الاولى: هي ثورة نخب واسعة، ثورة طبقة وسطى، لا ثورة فقراء وفلاحين.
2- الخلاصة التلفزيونية الثانية: هي ان هذه الثورة الديموقراطية الهامة والواعدة مصريا وعربيا، لا تحمل حتى الآن برنامجها الاقتصادي. جميع الذين اسمعهم على التلفزيونات، بمن فيهم الاقتصاديون والمسؤولون الرسميون، يركزون على استمرار تشجيع الاستثمارات، زيادة الحد الادنى للأجور، الحفاظ على الاقتصاد الحر و"دولة الرعاية" معا. لكن هذه ليست برنامج وضع جديد واستراتيجية شاملة. انها افكار تشبه في المجال الامني الدعوة الى اعادة الشرطة الى الشوارع. الجدل الوحيد الجديد هو الجدل الدستوري لأنه البرنامج الوحيد للثورة منذ لحظة قيامها.
3- تُظهر الثورات العظيمة على ما يبدو افضل ما في الافراد... ما في النخب:
فبمعزل عن التنوع الهائل بين القيادات والشخصيات والناشطين والشباب... الجميع يظهر حساً عالياً بالمسؤولية في الكلام العام... كأنما كل هؤلاء من مختلف مواقعهم، يعبرون عن نضج كبير في الشأن العام... ولفت نظري بصورة خاصة – بعد انتهاء الانفعال الشخصي في لحظات محددة وخطرة – ان الشباب الفايسبوكيين كانوا لا يقلون نضجاً ومسؤولية عن الأجيال الأخرى... والكل تحفل بهم قنوات التلفزيون، بل استطيع ان اقول ان بعض من انشر لهم في صفحة "القضايا" كتبوا مقالات مهمة وجذابة خلال الاسابيع المنصرمة...
4- الخلاصة الرابعة التي لا بد من التوقف عندها هي المتعلقة بالزملاء الصحافيين التلفزيونيين المصريين. فقد سمحت الاحداث لي بالتعرف على كفاءات مميزة لعدد من مقدمي البرامج، نساء ورجالا... وفي مجالات مختلفة... كان اداؤهم قويا وتحضيرهم لامعا وذا مجهود، كما ان ملاحظاتهم الحوارية كانت كفوءة وندية. وأخص بالذكر هنا السيدة منى الشاذلي التي اصبح برنامجها "الساعة العاشرة" على "قناة دريم" بالنسبة لي مرجعاً يومياً للمتابعة... وهذه مناسبة لأنصح عددا من زملائنا اللبنانيين بمتابعة هذه التجربة المصرية الجديدة أو المتجددة في البرامج السياسية والثقافية والحوارية ودراستها...
السبت، 12 مارس 2011
نداء من مثقفين سعوديين إلى القيادة السياسية
إعلان وطني للإصلاح
لا يخفى على أحد ما ترتب على الثورتين التونسية والمصرية من تفاعلات ، وما ظهر بسببهما من تأزمات وحراك سياسي في العديد من الأقطار العربية – وبلادنا في القلب منها - ، الأمر الذي أوجد ظروفا تفرض علينا جميعا مراجعة أوضاعنا ، وبذل أقصى الجد في إصلاحها قبل أن تزداد تفاقما ، ونجد أنفسنا أمام تطورات لا يمكن درؤها ولا التنبؤ بعواقبها.
وقد سبق لنخبة من المثقفين السعوديين أن قدموا لخادم الحرمين الشريفين في يناير 2003 مقترحات محددة ضمن وثيقة "رؤية لحاضر الوطن ومستقبله". وقد رحب بها سلمه الله ووعد بالنظر فيها. كما أعلن عدد من كبار المسئولين في أوقات لاحقة بان الحكومة عازمة على تبني سياسات إصلاح واسع النطاق في جهاز الدولة ، وفي علاقتها مع المجتمع السعودي.
الآن، وبعد مرور عقد على تلك الوعود ، فان الإصلاحات الموعودة لم يتحقق منها إلا النزر اليسير، ونعتقد آن المشكلات التي أشير إليها في وثيقة الرؤية وما تبعها من خطابات مطلبية ، قد تفاقمت بسبب تأخر الإصلاح السياسي.
إن الوضع الراهن مليء بالمحاذير و أسباب القلق. و إننا نشهد مع سائر أبناء الشعب السعودي انحسار الدور الإقليمي البارز الذي عرفت به بلادنا ، وترهل الجهاز الحكومي ، وتدهور كفاءة الإدارة ، وشيوع الفساد و المحسوبيات ، وتفاقم العصبيات ، واتساع الفجوة بين الدولة والمجتمع ، ولا سيما الأجيال الجديدة من شباب الوطن ، الأمر الذي يُخشى أن يؤدي إلى نتائج كارثية على البلاد والعباد ، وهذا ما لا نرضاه لوطننا و أبنائنا.
إن معالجة هذه الأوضاع تستوجب مراجعة جادة ، و الإعلان الفوري عن تبني الدولة والمجتمع معا لبرنامج إصلاحي واسع النطاق ، يركز على معالجة العيوب الجوهرية في نظامنا السياسي ، ويقود البلاد نحو نظام ملكي دستوري راسخ البنيان.
إن رضا الشعب هو الأساس لشرعية السلطة ، وهو الضمان الوحيد للوحدة والاستقرار وفاعلية الإدارة الرسمية ، وصون البلاد من التدخلات الأجنبية . وهذا يتطلب إعادة صياغة العلاقة بين المجتمع والدولة ، بحيث يكون الشعب مصدرا للسلطة ، وشريكا كاملا في تقرير السياسات العامة عبر ممثليه المنتخبين في مجلس الشورى ، وأن يكون غرض الدولة هو خدمة المجتمع وصيانة مصالحه والارتقاء بمستوى معيشته ، وضمان كرامة أفراده وعزتهم ومستقبل أبنائهم.
لهذا فإننا نتطلع إلى إعلان ملكي يؤكد بوضوح على التزام الدولة بالتحول إلى " ملكية دستورية" ، ووضع برنامج زمني يحدد تاريخ البدء بالإصلاحات المنشودة والشروع في تطبيقها وتاريخ الانتهاء منها. كما يؤكد تبنيها للأهداف الكبرى للإصلاح ، أي : سيادة القانون ، والمساواة التامة بين أفراد الشعب ، والضمان القانوني للحريات الفردية والمدنية ، والمشاركة الشعبية في القرار ، والتنمية المتوازنة ، واجتثاث الفقر ، والاستخدام الأمثل للموارد العامة.
ومما نراه في هذا الصدد أن يتضمن البرنامج الإصلاحي العناصر التالية:
أولاً : تطوير النظام الأساسي للحكم إلى دستور متكامل يكون بمثابة عقد اجتماعي بين الشعب والدولة. بحيث ينص على أن الشعب هو مصدر السلطة ، والفصل بين السلطات الثلاث: التنفيذية والقضائية والتشريعية ، وكون السلطات محددة ، وربط الصلاحيات بالمسؤولية والمحاسبة ، وعلى المساواة بين المواطنين كافة ، والحماية القانونية للحريات الفردية والمدنية ، وضمان العدالة ، وتكافؤ الفرص. والتأكيد على مسؤولية الدولة في ضمان حقوق الإنسان ، وكفالة حق التعبير السلمي عن الرأي ، وتعزيز الحريات العامة ، بما فيها الحق في تكوين الجمعيات السياسية والمهنية.
ثانيا: التأكيد على مبدأ سيادة القانون ووحدته ، وخضوع الجميع - رجال الدولة وعامة المواطنين - له ، على نحو متساو ومن دون تمييز، وتحريم التصرفات الشخصية في موارد الدولة أو استعمالها خارج إطار القانون.
ثالثا: اعتماد الانتخاب العام والمباشر وسيلة لتشكيل المجالس البلدية ومجالس المناطق ومجلس الشورى ، ومشاركة النساء في الترشيح والانتخاب.
رابعا: إقرار مبدأ اللامركزية الإدارية ، وتخويل الإدارات المحلية في المناطق والمحافظات جميع الصلاحيات اللازمة لإقامة حكم محلي فعال ومتفاعل مع مطالب المواطنين في كل منطقة.
خامسا: تفعيل مبدأ استقلال السلطة القضائية، بإلغاء جميع الهيئات التي تقوم بادوار موازية خارج إطار النظام القضائي، وإشراف المحاكم على التحقيق مع المتهمين و أوضاع المساجين، وعلى هيئة الادعاء العام، و إلغاء التعليمات و الأنظمة التي تحد من استقلال القضاء وفعاليته، أو تحد من حصانة القضاة، أو تفتح الباب للتدخل في اختصاصات القضاء. كما يجب الإسراع بتدوين الأحكام وتوحيدها. وتقنين التعزيرات، واعتبار ما وقعت عليه حكومتنا من عهود ومواثيق دولية لحقوق الإنسان جزءاً من منظومة الأحكام القضائية.
فكل ذلك يضمن العدل والمساواة والانضباط في تطبيق الأحكام. كما يجب تفعيل نظام الإجراءات الجزائية ونظام المرافعات لتحقيق ما ذكر، ومنع أي إجراء أو تصرف خارج إطارهما، أو انتهاك لحدودهما.
سادسا: التعجيل بإصدار نظام الجمعيات الأهلية الذي اقره مجلس الشو رى ، وفتح الباب أمام إقامة مؤسسات المجتمع المدني بكل إشكالها و إغراضها ، باعتبارها قناة لترشيد و تأطير الرأي العام ، وتفعيل المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار.
سابعا: رغم اتساع النقاش حول حقوق المرأة السعودية ، إلا أن الحكومة لم تتخذ ما يكفي من إجراءات للوفاء بمتطلبات هذا الملف المقلق ، لأن إهمال حقوق النساء أو تأجيلها يساهم في تعميق مشكلة الفقر والعنف ، كما يضعف من مساهمة الأسرة في الارتقاء بمستوى التعليم. والمطلوب اتخاذ الإجراءات القانونية والمؤسسية الكفيلة بتمكين النساء من نيل حقوقهن في التعلم والتملك والعمل والمشاركة في الشأن العام دون تمييز.
ثامنا: إصدار قانون يحرم التمييز بين المواطنين ، لأي سبب وتحت أي مبرر ، ويجرم أي ممارسة تنطوي على تمييز طائفي أو قبلي أو مناطقي أو عرقي أو غيره ، كما يجرم الدعوة إلى الكراهية لأسباب دينية أو غيرها. ووضع إستراتيجية اندماج وطني ، تقر صراحة بالتعدد الثقافي والاجتماعي القائم في المجتمع السعودي ، وتؤكد على احترامه ، وتعتبره مصدر إثراء للوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي . نحن بحاجة إلى إستراتيجية فعالة للاندماج الوطني تعالج وضع الشرائح التي تتعرض للإقصاء والتهميش أو انتقاص الحقوق لأي من الأسباب المذكورة أعلاه ، وتعويضها عما تعرضت له في الماضي.
تاسعا: لقد كان قرار خادم الحرمين الشريفين تشكيل هيئة لحقوق الإنسان ، والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان ، من الخطوات المبشرة التي علقت عليها الآمال. لكننا نجد الآن أن كلا من الهيئة والجمعية قد تحولتا إلى ما يشبه دائرة بيروقراطية تقوم بدور محدود في الدفاع عن حقوق المواطنين، وتغفل الكثير. ومن أسباب هذا التراجع تدخل الحكومة في تعيين أعضائهما ، فضلا عن رفض الكثير من الأجهزة الحكومية للتعامل معهما.
لذلك يجب أن تكون صيانة حقوق المواطن والمقيم وحمايتهم من العسف و الإذلال في رأس الأولويات لأي حكومة ومجتمع. ولهذا نطالب بإلغاء القيود الحكومية المفروضة على الهيئة والجمعية ، وضمان استقلالهما في إطار القانون، كما نطالب بتشريع حق تكوين جمعيات أهلية أخرى للدفاع عن حقوق الإنسان.
عاشرا: لا كرامة من دون عيش كريم . لقد انعم الله على بلادنا بخير كثير ، لكن شريحة كبيرة من مواطنينا تشكو الفقر وضيق ذات اليد. وشهدنا تأخر الحكومة في علاج مشكلة البطالة والسكن ، وتحسين مستوى المعيشة، ولا سيما في المناطق القروية وحواشي المدن، وبين المتقاعدين وكبار السن، ولا نرى مبرراً للفشل في وضع حلول لهذه المشكلات. ونعتقد إن عدم طرح هذه القضايا للنقاش العام، و إغفال دور القطاع الخاص والمجتمع المدني عند التفكير في مثل هذه المشكلات ، والنظر إليها بمنظار تجاري بحت ، قد حولها من مشكلات إلى معضلات ، و أصبحت من ثم أسباباً لإذلال المواطنين والتضييق عليهم.
حادي عشر: كشفت السنوات الماضية عن تفاقم العبث بالمال العام ، وسوء إدارته ، الأمر الذي يستوجب قيام مجلس الشورى المنتخب باستخدام صلاحياته في مراقبة ومحاسبة كافة الأجهزة الحكومية. وله أن ينشئ الهياكل والأجهزة الإدارية المستقلة والقادرة على تأدية مهامها الرقابية، وإعلان ما تتوصل إليه للشعب، وخاصة ما يتعلق منها بالفساد الإداري وسوء استخدام السلطة و العبث بالمال العام من قبل الأجهزة الحكومية.
ونؤكد في هذا المجال على ضرورة اعتماد مبدأ الشفافية والمحاسبة، و إقامة إطار مؤسسي لضمان هذين المبدأين ، يتمثل في:
أ) إقامة هيئة وطنية للنزاهة ، تتمتع باستقلالية وحصانة في المراقبة ، و إعلان نتائج التحقيق إمام الرأي العام.
ب) تمكين المواطنين من الاطلاع على استخدامات المال العام من جانب الأجهزة الحكومية ، و إلغاء القيود التي تمنع الصحافة من كشف المعاملات التي يشتبه في كونها تنطوي على فساد.
ثاني عشر: لقد قفزت عائدات البترول خلال الأعوام الخمسة الماضية إلى مستويات عالية، وتوفرت للحكومة أموال طائلة، كان ينبغي الاستفادة منها، وترشيد إنفاقها ، بدلاً من تبذيرها في مشاريع باهظة الكلفة وقليلة الجدوى. لهذا نطالب بضرورة إعادة النظر في الأسس التي توضع على أساسها خطط التنمية الخمسية ، وتبني إستراتيجية طويلة الأمد للتنمية الشاملة ، تركز على توسيع قاعدة الإنتاج الوطني ، ووضع الأساس لمصادر اقتصادية بديلة ، وتوفير الوظائف، وتعميق مشاركة القطاع الخاص في تقرير السياسات الاقتصادية.
في الختام نؤكد على دعوتنا للقيادة السياسية ، لتبني برنامج الإصلاح المقترح. ولكي يثق الجميع في صدق النية والعزم على الإصلاح فانه يتوجب البدء بأربع خطوات فورية :
1- صدور إعلان ملكي يؤكد عزم الحكومة على الأخذ ببرنامج الإصلاح السياسي، ووضع برنامج زمني محدد للشروع فيه وتطبيقه.
2- الإفراج الفوري عن السجناء السياسيين ، وتقديم من ثبت ارتكابهم لجنايات إلى المحاكمة دون تأخير ، مع تامين الضمانات القضائية الضرورية لكل متهم.
3- إلغاء أوامر حظر السفر التي فرضت على عدد كبير من أصحاب الرأي .
4- رفع القيود المفروضة على حرية النشر والتعبير ، وتمكين المواطنين من التعبير عن آرائهم بصورة علنية وسلمية. ووقف الملاحقات التي يتعرض لها أولئك الذين يعبرون عن رأيهم بصورة سلمية .
إننا إذ نوجه هذا الخطاب لقيادتنا السياسية و مواطني بلادنا ، فإننا نؤكد على تضامن الجميع ، الشعب والحكومة ، في مواجهة الإخطار المحدقة بنا ، وتلافي أي مفاجآت غير متوقعة . ونثق في استيعاب الجميع للدروس المستفادة مما جرى في الدول العربية الشقيقة .
إن مواجهة التحديات لا تتم إلا بإصلاح جدي وشامل وفوري، يجسد المشاركة الشعبية في القرار ، ويعزز اللحمة الوطنية، ويحقق آمال الشعب في وطن مجيد وجدير بكل خير.
والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.
يلي ذلك أسماء الموقعين على النداء وعددهم 133 من المثقفين والمثقفات والناشطين والناشطات في العمل العام وفي النهوض الديمقراطي المدني
لا يخفى على أحد ما ترتب على الثورتين التونسية والمصرية من تفاعلات ، وما ظهر بسببهما من تأزمات وحراك سياسي في العديد من الأقطار العربية – وبلادنا في القلب منها - ، الأمر الذي أوجد ظروفا تفرض علينا جميعا مراجعة أوضاعنا ، وبذل أقصى الجد في إصلاحها قبل أن تزداد تفاقما ، ونجد أنفسنا أمام تطورات لا يمكن درؤها ولا التنبؤ بعواقبها.
وقد سبق لنخبة من المثقفين السعوديين أن قدموا لخادم الحرمين الشريفين في يناير 2003 مقترحات محددة ضمن وثيقة "رؤية لحاضر الوطن ومستقبله". وقد رحب بها سلمه الله ووعد بالنظر فيها. كما أعلن عدد من كبار المسئولين في أوقات لاحقة بان الحكومة عازمة على تبني سياسات إصلاح واسع النطاق في جهاز الدولة ، وفي علاقتها مع المجتمع السعودي.
الآن، وبعد مرور عقد على تلك الوعود ، فان الإصلاحات الموعودة لم يتحقق منها إلا النزر اليسير، ونعتقد آن المشكلات التي أشير إليها في وثيقة الرؤية وما تبعها من خطابات مطلبية ، قد تفاقمت بسبب تأخر الإصلاح السياسي.
إن الوضع الراهن مليء بالمحاذير و أسباب القلق. و إننا نشهد مع سائر أبناء الشعب السعودي انحسار الدور الإقليمي البارز الذي عرفت به بلادنا ، وترهل الجهاز الحكومي ، وتدهور كفاءة الإدارة ، وشيوع الفساد و المحسوبيات ، وتفاقم العصبيات ، واتساع الفجوة بين الدولة والمجتمع ، ولا سيما الأجيال الجديدة من شباب الوطن ، الأمر الذي يُخشى أن يؤدي إلى نتائج كارثية على البلاد والعباد ، وهذا ما لا نرضاه لوطننا و أبنائنا.
إن معالجة هذه الأوضاع تستوجب مراجعة جادة ، و الإعلان الفوري عن تبني الدولة والمجتمع معا لبرنامج إصلاحي واسع النطاق ، يركز على معالجة العيوب الجوهرية في نظامنا السياسي ، ويقود البلاد نحو نظام ملكي دستوري راسخ البنيان.
إن رضا الشعب هو الأساس لشرعية السلطة ، وهو الضمان الوحيد للوحدة والاستقرار وفاعلية الإدارة الرسمية ، وصون البلاد من التدخلات الأجنبية . وهذا يتطلب إعادة صياغة العلاقة بين المجتمع والدولة ، بحيث يكون الشعب مصدرا للسلطة ، وشريكا كاملا في تقرير السياسات العامة عبر ممثليه المنتخبين في مجلس الشورى ، وأن يكون غرض الدولة هو خدمة المجتمع وصيانة مصالحه والارتقاء بمستوى معيشته ، وضمان كرامة أفراده وعزتهم ومستقبل أبنائهم.
لهذا فإننا نتطلع إلى إعلان ملكي يؤكد بوضوح على التزام الدولة بالتحول إلى " ملكية دستورية" ، ووضع برنامج زمني يحدد تاريخ البدء بالإصلاحات المنشودة والشروع في تطبيقها وتاريخ الانتهاء منها. كما يؤكد تبنيها للأهداف الكبرى للإصلاح ، أي : سيادة القانون ، والمساواة التامة بين أفراد الشعب ، والضمان القانوني للحريات الفردية والمدنية ، والمشاركة الشعبية في القرار ، والتنمية المتوازنة ، واجتثاث الفقر ، والاستخدام الأمثل للموارد العامة.
ومما نراه في هذا الصدد أن يتضمن البرنامج الإصلاحي العناصر التالية:
أولاً : تطوير النظام الأساسي للحكم إلى دستور متكامل يكون بمثابة عقد اجتماعي بين الشعب والدولة. بحيث ينص على أن الشعب هو مصدر السلطة ، والفصل بين السلطات الثلاث: التنفيذية والقضائية والتشريعية ، وكون السلطات محددة ، وربط الصلاحيات بالمسؤولية والمحاسبة ، وعلى المساواة بين المواطنين كافة ، والحماية القانونية للحريات الفردية والمدنية ، وضمان العدالة ، وتكافؤ الفرص. والتأكيد على مسؤولية الدولة في ضمان حقوق الإنسان ، وكفالة حق التعبير السلمي عن الرأي ، وتعزيز الحريات العامة ، بما فيها الحق في تكوين الجمعيات السياسية والمهنية.
ثانيا: التأكيد على مبدأ سيادة القانون ووحدته ، وخضوع الجميع - رجال الدولة وعامة المواطنين - له ، على نحو متساو ومن دون تمييز، وتحريم التصرفات الشخصية في موارد الدولة أو استعمالها خارج إطار القانون.
ثالثا: اعتماد الانتخاب العام والمباشر وسيلة لتشكيل المجالس البلدية ومجالس المناطق ومجلس الشورى ، ومشاركة النساء في الترشيح والانتخاب.
رابعا: إقرار مبدأ اللامركزية الإدارية ، وتخويل الإدارات المحلية في المناطق والمحافظات جميع الصلاحيات اللازمة لإقامة حكم محلي فعال ومتفاعل مع مطالب المواطنين في كل منطقة.
خامسا: تفعيل مبدأ استقلال السلطة القضائية، بإلغاء جميع الهيئات التي تقوم بادوار موازية خارج إطار النظام القضائي، وإشراف المحاكم على التحقيق مع المتهمين و أوضاع المساجين، وعلى هيئة الادعاء العام، و إلغاء التعليمات و الأنظمة التي تحد من استقلال القضاء وفعاليته، أو تحد من حصانة القضاة، أو تفتح الباب للتدخل في اختصاصات القضاء. كما يجب الإسراع بتدوين الأحكام وتوحيدها. وتقنين التعزيرات، واعتبار ما وقعت عليه حكومتنا من عهود ومواثيق دولية لحقوق الإنسان جزءاً من منظومة الأحكام القضائية.
فكل ذلك يضمن العدل والمساواة والانضباط في تطبيق الأحكام. كما يجب تفعيل نظام الإجراءات الجزائية ونظام المرافعات لتحقيق ما ذكر، ومنع أي إجراء أو تصرف خارج إطارهما، أو انتهاك لحدودهما.
سادسا: التعجيل بإصدار نظام الجمعيات الأهلية الذي اقره مجلس الشو رى ، وفتح الباب أمام إقامة مؤسسات المجتمع المدني بكل إشكالها و إغراضها ، باعتبارها قناة لترشيد و تأطير الرأي العام ، وتفعيل المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار.
سابعا: رغم اتساع النقاش حول حقوق المرأة السعودية ، إلا أن الحكومة لم تتخذ ما يكفي من إجراءات للوفاء بمتطلبات هذا الملف المقلق ، لأن إهمال حقوق النساء أو تأجيلها يساهم في تعميق مشكلة الفقر والعنف ، كما يضعف من مساهمة الأسرة في الارتقاء بمستوى التعليم. والمطلوب اتخاذ الإجراءات القانونية والمؤسسية الكفيلة بتمكين النساء من نيل حقوقهن في التعلم والتملك والعمل والمشاركة في الشأن العام دون تمييز.
ثامنا: إصدار قانون يحرم التمييز بين المواطنين ، لأي سبب وتحت أي مبرر ، ويجرم أي ممارسة تنطوي على تمييز طائفي أو قبلي أو مناطقي أو عرقي أو غيره ، كما يجرم الدعوة إلى الكراهية لأسباب دينية أو غيرها. ووضع إستراتيجية اندماج وطني ، تقر صراحة بالتعدد الثقافي والاجتماعي القائم في المجتمع السعودي ، وتؤكد على احترامه ، وتعتبره مصدر إثراء للوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي . نحن بحاجة إلى إستراتيجية فعالة للاندماج الوطني تعالج وضع الشرائح التي تتعرض للإقصاء والتهميش أو انتقاص الحقوق لأي من الأسباب المذكورة أعلاه ، وتعويضها عما تعرضت له في الماضي.
تاسعا: لقد كان قرار خادم الحرمين الشريفين تشكيل هيئة لحقوق الإنسان ، والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان ، من الخطوات المبشرة التي علقت عليها الآمال. لكننا نجد الآن أن كلا من الهيئة والجمعية قد تحولتا إلى ما يشبه دائرة بيروقراطية تقوم بدور محدود في الدفاع عن حقوق المواطنين، وتغفل الكثير. ومن أسباب هذا التراجع تدخل الحكومة في تعيين أعضائهما ، فضلا عن رفض الكثير من الأجهزة الحكومية للتعامل معهما.
لذلك يجب أن تكون صيانة حقوق المواطن والمقيم وحمايتهم من العسف و الإذلال في رأس الأولويات لأي حكومة ومجتمع. ولهذا نطالب بإلغاء القيود الحكومية المفروضة على الهيئة والجمعية ، وضمان استقلالهما في إطار القانون، كما نطالب بتشريع حق تكوين جمعيات أهلية أخرى للدفاع عن حقوق الإنسان.
عاشرا: لا كرامة من دون عيش كريم . لقد انعم الله على بلادنا بخير كثير ، لكن شريحة كبيرة من مواطنينا تشكو الفقر وضيق ذات اليد. وشهدنا تأخر الحكومة في علاج مشكلة البطالة والسكن ، وتحسين مستوى المعيشة، ولا سيما في المناطق القروية وحواشي المدن، وبين المتقاعدين وكبار السن، ولا نرى مبرراً للفشل في وضع حلول لهذه المشكلات. ونعتقد إن عدم طرح هذه القضايا للنقاش العام، و إغفال دور القطاع الخاص والمجتمع المدني عند التفكير في مثل هذه المشكلات ، والنظر إليها بمنظار تجاري بحت ، قد حولها من مشكلات إلى معضلات ، و أصبحت من ثم أسباباً لإذلال المواطنين والتضييق عليهم.
حادي عشر: كشفت السنوات الماضية عن تفاقم العبث بالمال العام ، وسوء إدارته ، الأمر الذي يستوجب قيام مجلس الشورى المنتخب باستخدام صلاحياته في مراقبة ومحاسبة كافة الأجهزة الحكومية. وله أن ينشئ الهياكل والأجهزة الإدارية المستقلة والقادرة على تأدية مهامها الرقابية، وإعلان ما تتوصل إليه للشعب، وخاصة ما يتعلق منها بالفساد الإداري وسوء استخدام السلطة و العبث بالمال العام من قبل الأجهزة الحكومية.
ونؤكد في هذا المجال على ضرورة اعتماد مبدأ الشفافية والمحاسبة، و إقامة إطار مؤسسي لضمان هذين المبدأين ، يتمثل في:
أ) إقامة هيئة وطنية للنزاهة ، تتمتع باستقلالية وحصانة في المراقبة ، و إعلان نتائج التحقيق إمام الرأي العام.
ب) تمكين المواطنين من الاطلاع على استخدامات المال العام من جانب الأجهزة الحكومية ، و إلغاء القيود التي تمنع الصحافة من كشف المعاملات التي يشتبه في كونها تنطوي على فساد.
ثاني عشر: لقد قفزت عائدات البترول خلال الأعوام الخمسة الماضية إلى مستويات عالية، وتوفرت للحكومة أموال طائلة، كان ينبغي الاستفادة منها، وترشيد إنفاقها ، بدلاً من تبذيرها في مشاريع باهظة الكلفة وقليلة الجدوى. لهذا نطالب بضرورة إعادة النظر في الأسس التي توضع على أساسها خطط التنمية الخمسية ، وتبني إستراتيجية طويلة الأمد للتنمية الشاملة ، تركز على توسيع قاعدة الإنتاج الوطني ، ووضع الأساس لمصادر اقتصادية بديلة ، وتوفير الوظائف، وتعميق مشاركة القطاع الخاص في تقرير السياسات الاقتصادية.
في الختام نؤكد على دعوتنا للقيادة السياسية ، لتبني برنامج الإصلاح المقترح. ولكي يثق الجميع في صدق النية والعزم على الإصلاح فانه يتوجب البدء بأربع خطوات فورية :
1- صدور إعلان ملكي يؤكد عزم الحكومة على الأخذ ببرنامج الإصلاح السياسي، ووضع برنامج زمني محدد للشروع فيه وتطبيقه.
2- الإفراج الفوري عن السجناء السياسيين ، وتقديم من ثبت ارتكابهم لجنايات إلى المحاكمة دون تأخير ، مع تامين الضمانات القضائية الضرورية لكل متهم.
3- إلغاء أوامر حظر السفر التي فرضت على عدد كبير من أصحاب الرأي .
4- رفع القيود المفروضة على حرية النشر والتعبير ، وتمكين المواطنين من التعبير عن آرائهم بصورة علنية وسلمية. ووقف الملاحقات التي يتعرض لها أولئك الذين يعبرون عن رأيهم بصورة سلمية .
إننا إذ نوجه هذا الخطاب لقيادتنا السياسية و مواطني بلادنا ، فإننا نؤكد على تضامن الجميع ، الشعب والحكومة ، في مواجهة الإخطار المحدقة بنا ، وتلافي أي مفاجآت غير متوقعة . ونثق في استيعاب الجميع للدروس المستفادة مما جرى في الدول العربية الشقيقة .
إن مواجهة التحديات لا تتم إلا بإصلاح جدي وشامل وفوري، يجسد المشاركة الشعبية في القرار ، ويعزز اللحمة الوطنية، ويحقق آمال الشعب في وطن مجيد وجدير بكل خير.
والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.
يلي ذلك أسماء الموقعين على النداء وعددهم 133 من المثقفين والمثقفات والناشطين والناشطات في العمل العام وفي النهوض الديمقراطي المدني
A Call from Saudi Intellectuals to the Political Leadership
Declaration of National Reform
It is no secret that the revolutions in Tunisia and
Egypt have led to crises and political agitations in
many Arab countries- at the heart of which is our
country. This has imposed new conditions on us to
reevaluate our current state of affairs, and do our
best to reform them before they worsen and we find
ourselves facing consequences we can neither prevent
nor predict.
A group of Saudi intellectuals had previously submitted
specific proposals in a document titled "Vision for the
Present and Future of the Nation" to the Custodian of
the Two Holy Mosques in January 2003, which he welcomed
and promised to look into. Soon afterwards, several
senior officials announced that the government was
determined to adopt comprehensive reform policies
within the government apparatus as well as its
relationship with Saudi society.
And now, a decade later, very little of the promised
reforms have been implemented. We believe that the
problems indicated in the "Vision document" and
subsequent demands for reforms have been exacerbated by
the delays in political reform.
The current situation is full of risks and reasons for
concern. We are witnessing with the rest of the Saudi
population the receding of Saudi Arabia's prominent
regional role; the deterioration of the government
apparatus and administrative competence; the prevalence
of corruption and nepotism; the exacerbation of
factionalism; and the widening gap between state and
society, particularly among the new generation of youth
in the country. This threatens to lead to catastrophic
results for the country and the people, which we will
never accept for our nation and its children.
Resolving these conditions requires a serious review
and an immediate announcement that both government and
society will together adopt a comprehensive reform
project that focuses on structural shortcomings in our
political system, and that leads our country towards a
constitutional monarchy.
The people's consent is the basis for the legitimacy of
authority, and the only guarantee for unity, stability,
and the efficiency of public administration, as well as
the protection of the country from foreign
intervention. This requires a reformulation of the
state-society relationship, whereby the people will be
a source of authority, and a full partner in deciding
public policies through their elected representatives
in the Shura (Consultative) Council, and whereby the
purpose of the state is to serve society, secure its
interests, improve its standard of living, and ensure
the dignity of its members, their pride, and the future
of their children.
We therefore look forward to a royal declaration that
clearly demonstrates the state's commitment to becoming
a "Constitutional Monarchy," and that puts in place a
timeline that delineates the beginning, implementation,
and finalizing of the desires reforms. The royal
declaration should also confirm the adoption of the
major reform goals, namely: the rule of law, full
equality between members of the population, the legal
guarantee of individual and civil freedoms, popular
participation in decision-making, even development, the
eradication of poverty, and the optimal use of public
resources.
In this vein, the reform program should include:
First: Developing the Basic Law into a comprehensive
constitution that serves as a social contract between
the people and the state. It should state that the
people are the source of authority and guarantee the
separation of the three powers: executive, judicial
and legislative, while limiting their authorities, and
linking their powers to responsibility and
accountability. The constitution should also guarantee
justice and equality among all citizens, legally
protect individual and civil liberties, and ensure
equal opportunities, as well as confirm the state's
responsibility to guarantee human rights and the right
to freedom of expression and to strengthen public
liberties, including the right to form political and
professional associations.
Second: Confirming the principle of the rule of law,
and that it applies to everyone- government officials
and citizens- equally and without discrimination, and
the prohibition of improper or illegal use of public
resources.
Third: Adopting universal suffrage for the formation of
municipal, provincial, and Shura councils, and allowing
women to participate in nomination and election.
Fourth: Adoption of the principle of administrative
decentralization, granting local administrations in the
regions and provinces all necessary powers to establish
efficient local rule that is in line with the demands
of citizens in each region.
Fifth: Applying the principle of the independence of
the judicial authority, by ending the role of all
bodies that carry similar roles outside the judicial
framework. Courts must preside over investigations with
defendants; prison conditions; and public prosecution.
All rules and organizations that limit the independence
and efficiency of the judiciary or the immunity of the
judges must be cancelled. There should also be an
accelerated process for recording verdicts and
centralizing it, as well as rationing judicial
sentences, and including all international human rights
charters and conventions signed by our government
within the jurisdiction of the judiciary.
All of the above safeguards justice, equality, and
discipline in the application of the provisions.
Further, the Law of Criminal Procedure and the system
of pleas must also be activated to accomplish these
safeguards and prevent any procedure or conduct outside
their framework.
Sixth: Accelerating the issuance of the system of civil
associations passed by the Shura Council, and opening
the door for the establishment of civil society
institutions in all its forms and purposed, as a
channel to framing public opinion and activating
popular participation in decision-making.
Seventh: Despite the growing debate on women's rights
in Saudi Arabia, the government has not taken
sufficient measurements to fulfill the demands of this
disconcerting issue. Neglecting or postponing women's
rights exacerbates the problems of poverty and
violence, and weakens family contribution to raising
the quality of education. We demand taking the proper
legal and institutional measures that will empower
women to attain their rights to education, owning
property, employment, and participation in public
affairs without any discrimination.
Eighth: Issuing legislation that forbids discrimination
among citizens under any circumstances, and
criminalizes practices of sectarian, tribal, regional,
or racist discrimination, as well as inciting hatred on
religious or other grounds. We also demand the
implementation of a national integration strategy that
speaks to and respects multiculturalism and diversity
in Saudi society and considers them a source of
enrichment for national unity and social peace. We are
in need of an effective national integration strategy
that addresses the marginalization of and
discrimination against particular groups within society
and that compensates them for past grievances.
Ninth: The decision of the Custodian of the Two Holy
Mosques to establish the Human Rights Commission and
the National Society for Human Rights was a welcome
step in the right direction. But we now find that both
the HRC and the NSHR have become a pseudo-bureaucratic
body with a limited role in defending the rights of
some citizens, while ignoring most. Some of the reasons
that have led to this failure are the interference of
the government in appointing the members of the HRC and
NSHR, as well as the refusal of many government
agencies to deal with either.
Therefore, the protection and safeguarding of the
rights of citizens and residents from cruelty and
humiliation should be the top priority for any
government and society. For this reason, we demand the
elimination of all government restrictions imposed on
the HRC and the NSHR and the safeguarding of their
independence under the law. We also demand the right to
form other civil associations for the defense of human
rights.
Tenth: There is no dignity without a decent living. God
has bestowed great riches upon our country, but a large
portion of our citizens suffer from poverty and
neediness. We have witnessed the government's delay in
treating the problems of unemployment and housing, or
improving people's living standards, particularly in
rural areas and suburbs and among the retired and the
elderly. We do not see any justification for the
failure to implement solutions to these problems. We
believe that neglecting to put these issues up for
public debate, ignoring the role that the private
sector and civil society can play, and tackling these
problems from a purely commercial point of view, has
turned them from problems to dilemmas that have led to
the humiliation of citizens.
Eleventh: The last few years exposed an increasing
tendency towards tampering with public money and its
mismanagement. This requires that the elected Shura
Council use its authorities to monitor and hold all
government agencies accountable. The Shura Council can
establish independent administrative structures and
bodies capable of accomplishing their monitoring
duties, and announce their conclusions to the people,
especially when it comes to administrative corruption,
abuse of power, and government agencies' tampering with
public money. Here we stress the importance of the
principles of transparency and accountability, and of
establishing an institutional framework that safeguards
these two principles by: a) establishing a National
Commission for Integrity that enjoys full independence
and immunity and that will announce its findings to the
public; and b) Giving citizens access to public
financial records by government agencies, and ending
all restrictions that forbid the press from revealing
corrupt practices.
Twelfth: Oil revenues in the last five years have
reached record numbers, providing the government with
enormous financial resources that should have been used
for the public good in efficient ways instead of
squandering them in extremely expensive yet ineffective
projects. For this reason, we demand a review of the
foundations on which the "five year plans" are
developed and to instead adopt a long-term strategy for
comprehensive development that focuses on expanding the
base of national production, diversifying the economy,
providing employment opportunities, and increasing the
private sector's participation in economic
policy-making.
In conclusion, we reaffirm our call to our political
leadership to adopt the proposed reform program. In
order for everyone to trust the serious intentions and
determination for reform, four steps must be taken
immediately:
1- The issuance of a royal declaration that confirms
the government's determination to undertake a program
of political reform, and to develop a specific
timetable for its implementation.
2- The immediate release of political prisoners, and
prompt referral to trial of all those who have
committed crimes, while providing the necessary
judicial guarantees to all each of the accused.
3- The elimination of travel bans imposed on a large
number of those who have expressed they political
opinions.
4- Lifting all restrictions imposed on the freedom of
the press and of expression, allowing citizens to
express their opinions publicly in a peaceful manner.
And stopping the prosecutions suffered by those who
express their opinions in a peaceful manner.
We thus address this letter to our political leadership
and the citizens of our country, for we reaffirm the
solidarity of the people and the government in facing
upcoming dangers and avoiding any unexpected surprises.
We are also confident that everyone has learned their
lessons from the developments in neighboring Arab
countries.
Facing the challenges can only be achieved through
serious, comprehensive, and immediate reform that
embodies popular participation in decision-making,
solidifies national cohesion, and accomplishes
citizens' hopes in a glorious and worthy homeland.
[For the names of the signatories and other details,
please see the group's website at
http://www.saudireform.com (in Arabic).]
It is no secret that the revolutions in Tunisia and
Egypt have led to crises and political agitations in
many Arab countries- at the heart of which is our
country. This has imposed new conditions on us to
reevaluate our current state of affairs, and do our
best to reform them before they worsen and we find
ourselves facing consequences we can neither prevent
nor predict.
A group of Saudi intellectuals had previously submitted
specific proposals in a document titled "Vision for the
Present and Future of the Nation" to the Custodian of
the Two Holy Mosques in January 2003, which he welcomed
and promised to look into. Soon afterwards, several
senior officials announced that the government was
determined to adopt comprehensive reform policies
within the government apparatus as well as its
relationship with Saudi society.
And now, a decade later, very little of the promised
reforms have been implemented. We believe that the
problems indicated in the "Vision document" and
subsequent demands for reforms have been exacerbated by
the delays in political reform.
The current situation is full of risks and reasons for
concern. We are witnessing with the rest of the Saudi
population the receding of Saudi Arabia's prominent
regional role; the deterioration of the government
apparatus and administrative competence; the prevalence
of corruption and nepotism; the exacerbation of
factionalism; and the widening gap between state and
society, particularly among the new generation of youth
in the country. This threatens to lead to catastrophic
results for the country and the people, which we will
never accept for our nation and its children.
Resolving these conditions requires a serious review
and an immediate announcement that both government and
society will together adopt a comprehensive reform
project that focuses on structural shortcomings in our
political system, and that leads our country towards a
constitutional monarchy.
The people's consent is the basis for the legitimacy of
authority, and the only guarantee for unity, stability,
and the efficiency of public administration, as well as
the protection of the country from foreign
intervention. This requires a reformulation of the
state-society relationship, whereby the people will be
a source of authority, and a full partner in deciding
public policies through their elected representatives
in the Shura (Consultative) Council, and whereby the
purpose of the state is to serve society, secure its
interests, improve its standard of living, and ensure
the dignity of its members, their pride, and the future
of their children.
We therefore look forward to a royal declaration that
clearly demonstrates the state's commitment to becoming
a "Constitutional Monarchy," and that puts in place a
timeline that delineates the beginning, implementation,
and finalizing of the desires reforms. The royal
declaration should also confirm the adoption of the
major reform goals, namely: the rule of law, full
equality between members of the population, the legal
guarantee of individual and civil freedoms, popular
participation in decision-making, even development, the
eradication of poverty, and the optimal use of public
resources.
In this vein, the reform program should include:
First: Developing the Basic Law into a comprehensive
constitution that serves as a social contract between
the people and the state. It should state that the
people are the source of authority and guarantee the
separation of the three powers: executive, judicial
and legislative, while limiting their authorities, and
linking their powers to responsibility and
accountability. The constitution should also guarantee
justice and equality among all citizens, legally
protect individual and civil liberties, and ensure
equal opportunities, as well as confirm the state's
responsibility to guarantee human rights and the right
to freedom of expression and to strengthen public
liberties, including the right to form political and
professional associations.
Second: Confirming the principle of the rule of law,
and that it applies to everyone- government officials
and citizens- equally and without discrimination, and
the prohibition of improper or illegal use of public
resources.
Third: Adopting universal suffrage for the formation of
municipal, provincial, and Shura councils, and allowing
women to participate in nomination and election.
Fourth: Adoption of the principle of administrative
decentralization, granting local administrations in the
regions and provinces all necessary powers to establish
efficient local rule that is in line with the demands
of citizens in each region.
Fifth: Applying the principle of the independence of
the judicial authority, by ending the role of all
bodies that carry similar roles outside the judicial
framework. Courts must preside over investigations with
defendants; prison conditions; and public prosecution.
All rules and organizations that limit the independence
and efficiency of the judiciary or the immunity of the
judges must be cancelled. There should also be an
accelerated process for recording verdicts and
centralizing it, as well as rationing judicial
sentences, and including all international human rights
charters and conventions signed by our government
within the jurisdiction of the judiciary.
All of the above safeguards justice, equality, and
discipline in the application of the provisions.
Further, the Law of Criminal Procedure and the system
of pleas must also be activated to accomplish these
safeguards and prevent any procedure or conduct outside
their framework.
Sixth: Accelerating the issuance of the system of civil
associations passed by the Shura Council, and opening
the door for the establishment of civil society
institutions in all its forms and purposed, as a
channel to framing public opinion and activating
popular participation in decision-making.
Seventh: Despite the growing debate on women's rights
in Saudi Arabia, the government has not taken
sufficient measurements to fulfill the demands of this
disconcerting issue. Neglecting or postponing women's
rights exacerbates the problems of poverty and
violence, and weakens family contribution to raising
the quality of education. We demand taking the proper
legal and institutional measures that will empower
women to attain their rights to education, owning
property, employment, and participation in public
affairs without any discrimination.
Eighth: Issuing legislation that forbids discrimination
among citizens under any circumstances, and
criminalizes practices of sectarian, tribal, regional,
or racist discrimination, as well as inciting hatred on
religious or other grounds. We also demand the
implementation of a national integration strategy that
speaks to and respects multiculturalism and diversity
in Saudi society and considers them a source of
enrichment for national unity and social peace. We are
in need of an effective national integration strategy
that addresses the marginalization of and
discrimination against particular groups within society
and that compensates them for past grievances.
Ninth: The decision of the Custodian of the Two Holy
Mosques to establish the Human Rights Commission and
the National Society for Human Rights was a welcome
step in the right direction. But we now find that both
the HRC and the NSHR have become a pseudo-bureaucratic
body with a limited role in defending the rights of
some citizens, while ignoring most. Some of the reasons
that have led to this failure are the interference of
the government in appointing the members of the HRC and
NSHR, as well as the refusal of many government
agencies to deal with either.
Therefore, the protection and safeguarding of the
rights of citizens and residents from cruelty and
humiliation should be the top priority for any
government and society. For this reason, we demand the
elimination of all government restrictions imposed on
the HRC and the NSHR and the safeguarding of their
independence under the law. We also demand the right to
form other civil associations for the defense of human
rights.
Tenth: There is no dignity without a decent living. God
has bestowed great riches upon our country, but a large
portion of our citizens suffer from poverty and
neediness. We have witnessed the government's delay in
treating the problems of unemployment and housing, or
improving people's living standards, particularly in
rural areas and suburbs and among the retired and the
elderly. We do not see any justification for the
failure to implement solutions to these problems. We
believe that neglecting to put these issues up for
public debate, ignoring the role that the private
sector and civil society can play, and tackling these
problems from a purely commercial point of view, has
turned them from problems to dilemmas that have led to
the humiliation of citizens.
Eleventh: The last few years exposed an increasing
tendency towards tampering with public money and its
mismanagement. This requires that the elected Shura
Council use its authorities to monitor and hold all
government agencies accountable. The Shura Council can
establish independent administrative structures and
bodies capable of accomplishing their monitoring
duties, and announce their conclusions to the people,
especially when it comes to administrative corruption,
abuse of power, and government agencies' tampering with
public money. Here we stress the importance of the
principles of transparency and accountability, and of
establishing an institutional framework that safeguards
these two principles by: a) establishing a National
Commission for Integrity that enjoys full independence
and immunity and that will announce its findings to the
public; and b) Giving citizens access to public
financial records by government agencies, and ending
all restrictions that forbid the press from revealing
corrupt practices.
Twelfth: Oil revenues in the last five years have
reached record numbers, providing the government with
enormous financial resources that should have been used
for the public good in efficient ways instead of
squandering them in extremely expensive yet ineffective
projects. For this reason, we demand a review of the
foundations on which the "five year plans" are
developed and to instead adopt a long-term strategy for
comprehensive development that focuses on expanding the
base of national production, diversifying the economy,
providing employment opportunities, and increasing the
private sector's participation in economic
policy-making.
In conclusion, we reaffirm our call to our political
leadership to adopt the proposed reform program. In
order for everyone to trust the serious intentions and
determination for reform, four steps must be taken
immediately:
1- The issuance of a royal declaration that confirms
the government's determination to undertake a program
of political reform, and to develop a specific
timetable for its implementation.
2- The immediate release of political prisoners, and
prompt referral to trial of all those who have
committed crimes, while providing the necessary
judicial guarantees to all each of the accused.
3- The elimination of travel bans imposed on a large
number of those who have expressed they political
opinions.
4- Lifting all restrictions imposed on the freedom of
the press and of expression, allowing citizens to
express their opinions publicly in a peaceful manner.
And stopping the prosecutions suffered by those who
express their opinions in a peaceful manner.
We thus address this letter to our political leadership
and the citizens of our country, for we reaffirm the
solidarity of the people and the government in facing
upcoming dangers and avoiding any unexpected surprises.
We are also confident that everyone has learned their
lessons from the developments in neighboring Arab
countries.
Facing the challenges can only be achieved through
serious, comprehensive, and immediate reform that
embodies popular participation in decision-making,
solidifies national cohesion, and accomplishes
citizens' hopes in a glorious and worthy homeland.
[For the names of the signatories and other details,
please see the group's website at
http://www.saudireform.com (in Arabic).]
بطريرك الحرية والديموقراطية والكرامة
لن أضيف الكثير إلى ما قيل وسيقال عن هذا الرجل التاريخي الإستثنائي.. إنما سأشهد معه وله بمقدار ما عرفته وعايشت مواقفه. لقد أحببته وإحترمته منذ عرفته مطراناً يجهر بالحق ويحمل صليب المحرومين والمظلومين في هذا الوطن..وإزداد حبي وإحترامي له من وقفته إلى جانب السيد موسى الصدر ثم إلى جانب الشيخ محمد مهدي شمس الدين من أجل وطن الحرية والعدالة والكرامة لجميع اللبنانيين..إن تاريخية وإستثنائية هذه القامة السامقة في سجل الخالدين تنبع من عناوين ثلاثة: الحرية والديموقراطية والكرامة: وهذه إرث آبائه وأجداده من الموارنة الذين عمروا هذا الجبل الأشم وسقوه من عرقهم ودمائهم لكي يكون لبنان ولكي يبقى لبنان..أذكر أنني كنت يوماً في مجلس للشيخ الإمام حين دخل علينا أحد المعممين القادمين من ماكينات تفقيس العمائم وهو يشتم ويلعن الموارنة وبطريركهم بسبب خطاب أو موقف لم يعجبه...يومها نظر سماحة الإمام إلى ذلك المعمم وقال له بلهجته النجفية الحلوة: "عمي! لولا الموارنة وبطركهم لما كان لبنان ولما كنت أنت اليوم تتنعم بالحرية في التعبيرعن رأيك هذا"..
لقد كان قدَر الموارنة وبطركهم الدفاع عن خصوصية لبنان وعن دوره في محيطه العربي والعالم...وكان قدَرغيرهم من الطوائف اللبنانية الدفاع عن عروبة لبنان الحضارية..وفرادة العظماء في تاريخ لبنان المعاصر تكمن في فهمهم لخصوصية لبنان وفي وعيهم لدوره ولرسالته التي قال فيها الإمام الصدر والبابا يوحنا بولس الثاني والإمام شمس الدين والبطريرك صفير إنها رسالة الحوار والتعايش والمحبة ضمن الحرية والكرامة والديموقراطية.. ولم يكن للموارنة أن ينجحوا في حمل هذه الرسالة لولا قادة بطاركة تاريخيين وإستثنائيين يقف مار نصرالله بطرس صفير في مقدمتهم..لولا هؤلاء البطاركة وأولهم بطركنا صفير لم يكن من الممكن التلاقي والتلاقح بين اللبنانية الحوارية المنفتحة غير العنصرية ولا الإنعزالية، وبين العروبة السمحة الحضارية غير الإستبدادية ولا الإلغائية...فبين الميثاق الوطني ومعركة الإستقلال وبين وثيقة الطائف ومعركة الجمهورية الجديدة، أكثر من مجرد توازنات دولية وإقليمية..إذ لولا إرادة العيش المشترك، وإرادة الشراكة الإسلامية-المسيحية، وإرادة حفظ صيغة لبنان في الحرية والتنوع والكرامة والديموقراطية، لما تحقق وفاق ولما قام دستور ولما بقي لبنان أصلاً في زمن تلاشي أمبراطوريات ودول كبرى..وهذه الإرادة الوطنية الجامعة كان البطريرك صفير خير من عبّر عنها خصوصاً بعد غياب المرجعيات الإسلامية الكبرى: رفيق الحريري وكمال جنبلاط وحسن خالد وصائب سلام ورشيد كرامي وتقي الدين الصلح وصبري حمادة وعادل عسيران وموسى الصدر ومحمد مهدي شمس الدين ومحمد أبو شقرا وحليم تقي الدين.. ونحن ندين لهؤلاء الرجال الكبار سعيهم ومبادراتهم في توحيد إرادة اللبنانيين الوطنية العربية وفي التعبير عنها عند كل المنعطفات التاريخية.. وقد كان على البطريرك صفير أن يحمل وحده هذا العبء في أحلك الظروف وأصعب الأوقات بعد رحيل كل هؤلاء الكبار...فكان هو مرجعيتنا الوطنية والأخلاقية والحوارية نحن المسلمين أيضاً..
يكفي أن نذكر له موقفه يوم الهجوم على الطائف والجمهورية أعوام 1989-1992..فلولا البطريرك صفير لما كان طائف ولا كان دستور جديد.. يكفي أن نذكر له موقفه في عقد القمة الروحية التاريخية في صرح بكركي يوم 2 آب 1993 (إبان حرب السبعة أيام الصهيونية الشرسة) لإعلان تلاقي وتفاهم القيادات الروحية اللبنانية قاطبة في إحتضان المقاومة وحمايتها وجعلها مقاومة كل اللبنانين لا مقاومة طائفة أو فئة واحدة منهم... يكفي أن نذكر له موقفه يوم عقدنا المؤتمر العالمي الإسلامي المسيحي "مسلمون ومسيحيون معاً من أجل القدس" في 14-16 حزيران 1996 وبعد شهر فقط على مجزرة قانا وحرب نيسان.. يكفي أن نذكر موقفه في رفض الوصاية ورفض الدولة البوليسية ورفض الظلم، وفي رفع لواء العدالة والحرية والديموقراطية، يوم كان غيره يخشى مجرد التعبير عن هواجسه وأفكاره في وجه التمديد ولغة التهديد والوعيد والسجن والنفي والتشريد أعوام 1998-2004..
يكفي أن نذكر له موقفه ودوره في إحتضان ورعاية كل أعمال وهيئات الحوار الإسلامي المسيحي التي كنا نبادر إلى إطلاقها وذلك منذ العام 1989 وإلى يومنا هذا..
يكفي أن نذكر له موقفه التاريخي الإستثنائي في إطلاق معركة التحرر من الوصاية والتبعية ومن الدولة البوليسية في أيلول من العام 2000 وبعد أربعة أشهر فقط على تحرير الجنوب من رجس الإحتلال الصهيوني، صارخاً بأعلى الصوت: آن الأوان لكي يلتقي التحريران ويتعانق الإستقلالان في حركة وطنية واحدة تحقق المصالحة الشاملة النهائية والسلم الأهلي الحقيقي، وتبني لبنان الذي نريد: دولة سيدة حرة مستقلة، عربية الهوية والإنتماء، إنسانية الهم والمشاعر..دولة الحق وحكم القانون والمؤسسات..دولة تحمي ولا تهدد..تصون ولا تبدد.. تقف مع شعب فلسطين لإستعادة حقوقه وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، ترفض التوطين كما ترفض التهجير والعنصرية، وتقف مع كل العرب في معارك التنمية والعدالة والحرية والديموقراطية...
يكفي أن نذكر له دوره في السينودوس التاريخي من أجل لبنان، وفي المجمع البطريركي الماروني، وفي المجامع البطريركية الكاثوليكية، وفي السينودوس من أجل مسيحيي الشرق، وفي كل المحافل الكنسية والعلمانية، دفاعاً عن دور الموارنة التاريخي في هذا الشرق العربي..حتى صار الموارنة ولبنان واحداً..فكما أنه لا يمكن تصور دور الموارنة والمسيحيين في المحيط العربي والعالمي لولا وجود لبنان..فإن ما يعطي لبنان خصوصيته وفرادته هو الوجود الماروني على قاعدة الشراكة الاسلامية المسيحية فيه..وإن إستعادة الموارنة وكل المسيحيين لحضورهم ولدورهم في لبنان والعرب، وفي صنع القرارات وفي تسيير حركة التاريخ العربي، لم تكن ممكنة أبداً لولا وجود أمثال البطريرك هزيم والبطاركة حكيم ولحام وإخوانهم بطاركة الشرق..وفي القلب منهم وأمامهم ومعهم البطريرك صفير العظيم..
نعم يكفي أن يكون البطريرك صفير قد أنجز كل ماسبق حتى نتوجه بطريركاً لكل العرب ولكل اللبنانيين، مسلمين ومسيحيين...
عشت يا بطريركنا حتى ترى حلم حياتك يتحقق.. فتكتمل الفرحة.. وتهنأ بالاً وترتاح.. بعد طول تعب وسنين...
لقد كان قدَر الموارنة وبطركهم الدفاع عن خصوصية لبنان وعن دوره في محيطه العربي والعالم...وكان قدَرغيرهم من الطوائف اللبنانية الدفاع عن عروبة لبنان الحضارية..وفرادة العظماء في تاريخ لبنان المعاصر تكمن في فهمهم لخصوصية لبنان وفي وعيهم لدوره ولرسالته التي قال فيها الإمام الصدر والبابا يوحنا بولس الثاني والإمام شمس الدين والبطريرك صفير إنها رسالة الحوار والتعايش والمحبة ضمن الحرية والكرامة والديموقراطية.. ولم يكن للموارنة أن ينجحوا في حمل هذه الرسالة لولا قادة بطاركة تاريخيين وإستثنائيين يقف مار نصرالله بطرس صفير في مقدمتهم..لولا هؤلاء البطاركة وأولهم بطركنا صفير لم يكن من الممكن التلاقي والتلاقح بين اللبنانية الحوارية المنفتحة غير العنصرية ولا الإنعزالية، وبين العروبة السمحة الحضارية غير الإستبدادية ولا الإلغائية...فبين الميثاق الوطني ومعركة الإستقلال وبين وثيقة الطائف ومعركة الجمهورية الجديدة، أكثر من مجرد توازنات دولية وإقليمية..إذ لولا إرادة العيش المشترك، وإرادة الشراكة الإسلامية-المسيحية، وإرادة حفظ صيغة لبنان في الحرية والتنوع والكرامة والديموقراطية، لما تحقق وفاق ولما قام دستور ولما بقي لبنان أصلاً في زمن تلاشي أمبراطوريات ودول كبرى..وهذه الإرادة الوطنية الجامعة كان البطريرك صفير خير من عبّر عنها خصوصاً بعد غياب المرجعيات الإسلامية الكبرى: رفيق الحريري وكمال جنبلاط وحسن خالد وصائب سلام ورشيد كرامي وتقي الدين الصلح وصبري حمادة وعادل عسيران وموسى الصدر ومحمد مهدي شمس الدين ومحمد أبو شقرا وحليم تقي الدين.. ونحن ندين لهؤلاء الرجال الكبار سعيهم ومبادراتهم في توحيد إرادة اللبنانيين الوطنية العربية وفي التعبير عنها عند كل المنعطفات التاريخية.. وقد كان على البطريرك صفير أن يحمل وحده هذا العبء في أحلك الظروف وأصعب الأوقات بعد رحيل كل هؤلاء الكبار...فكان هو مرجعيتنا الوطنية والأخلاقية والحوارية نحن المسلمين أيضاً..
يكفي أن نذكر له موقفه يوم الهجوم على الطائف والجمهورية أعوام 1989-1992..فلولا البطريرك صفير لما كان طائف ولا كان دستور جديد.. يكفي أن نذكر له موقفه في عقد القمة الروحية التاريخية في صرح بكركي يوم 2 آب 1993 (إبان حرب السبعة أيام الصهيونية الشرسة) لإعلان تلاقي وتفاهم القيادات الروحية اللبنانية قاطبة في إحتضان المقاومة وحمايتها وجعلها مقاومة كل اللبنانين لا مقاومة طائفة أو فئة واحدة منهم... يكفي أن نذكر له موقفه يوم عقدنا المؤتمر العالمي الإسلامي المسيحي "مسلمون ومسيحيون معاً من أجل القدس" في 14-16 حزيران 1996 وبعد شهر فقط على مجزرة قانا وحرب نيسان.. يكفي أن نذكر موقفه في رفض الوصاية ورفض الدولة البوليسية ورفض الظلم، وفي رفع لواء العدالة والحرية والديموقراطية، يوم كان غيره يخشى مجرد التعبير عن هواجسه وأفكاره في وجه التمديد ولغة التهديد والوعيد والسجن والنفي والتشريد أعوام 1998-2004..
يكفي أن نذكر له موقفه ودوره في إحتضان ورعاية كل أعمال وهيئات الحوار الإسلامي المسيحي التي كنا نبادر إلى إطلاقها وذلك منذ العام 1989 وإلى يومنا هذا..
يكفي أن نذكر له موقفه التاريخي الإستثنائي في إطلاق معركة التحرر من الوصاية والتبعية ومن الدولة البوليسية في أيلول من العام 2000 وبعد أربعة أشهر فقط على تحرير الجنوب من رجس الإحتلال الصهيوني، صارخاً بأعلى الصوت: آن الأوان لكي يلتقي التحريران ويتعانق الإستقلالان في حركة وطنية واحدة تحقق المصالحة الشاملة النهائية والسلم الأهلي الحقيقي، وتبني لبنان الذي نريد: دولة سيدة حرة مستقلة، عربية الهوية والإنتماء، إنسانية الهم والمشاعر..دولة الحق وحكم القانون والمؤسسات..دولة تحمي ولا تهدد..تصون ولا تبدد.. تقف مع شعب فلسطين لإستعادة حقوقه وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، ترفض التوطين كما ترفض التهجير والعنصرية، وتقف مع كل العرب في معارك التنمية والعدالة والحرية والديموقراطية...
يكفي أن نذكر له دوره في السينودوس التاريخي من أجل لبنان، وفي المجمع البطريركي الماروني، وفي المجامع البطريركية الكاثوليكية، وفي السينودوس من أجل مسيحيي الشرق، وفي كل المحافل الكنسية والعلمانية، دفاعاً عن دور الموارنة التاريخي في هذا الشرق العربي..حتى صار الموارنة ولبنان واحداً..فكما أنه لا يمكن تصور دور الموارنة والمسيحيين في المحيط العربي والعالمي لولا وجود لبنان..فإن ما يعطي لبنان خصوصيته وفرادته هو الوجود الماروني على قاعدة الشراكة الاسلامية المسيحية فيه..وإن إستعادة الموارنة وكل المسيحيين لحضورهم ولدورهم في لبنان والعرب، وفي صنع القرارات وفي تسيير حركة التاريخ العربي، لم تكن ممكنة أبداً لولا وجود أمثال البطريرك هزيم والبطاركة حكيم ولحام وإخوانهم بطاركة الشرق..وفي القلب منهم وأمامهم ومعهم البطريرك صفير العظيم..
نعم يكفي أن يكون البطريرك صفير قد أنجز كل ماسبق حتى نتوجه بطريركاً لكل العرب ولكل اللبنانيين، مسلمين ومسيحيين...
عشت يا بطريركنا حتى ترى حلم حياتك يتحقق.. فتكتمل الفرحة.. وتهنأ بالاً وترتاح.. بعد طول تعب وسنين...
اللقاء اللبناني للحوار: إلى أين نتقدم وكيف ؟
د. سعود المولى
خلال إجتماعاتنا ما بين 2001 و2007 لم يكن هناك نقاط اختلاف رئيسية بيننا. فكلنا يُقر بخصوصية الصيغة اللبنانية وبضرورتها من حيث إنجاز عيش مشترك قائم على الحرية وعلى العدالة والمساواة ، ومن حيث التسليم بالوطن- الكيان في حدوده الحاضرة ، وبالدولة الجمهورية الديموقراطية البرلمانية..
وكلنا يعترف بأوجه القصور والخلل في ممارسة الحكم وفي إدارة الشأن العام؛ وبظاهرة الفساد المستشري في البلاد. لا بل أننا نقر جميعاً بإختلال المعايير والموازين وبحدوث تطبيق إستنسابي ومجتزأ لإتفاق الطائف..
ولا شك أن حوارنا قد أفضى إلى تسجيل صفحات فكرية قيّمة تحتاج الى صياغات نظرية مكتملة تضيف الى الفكر السياسي والثقافة السياسية الوطنية.
وللتقدم في الحوار، ولرسم معالم الطريق نحو بلورة الأفكار وتنظيم الطروحات والصياغات، فإني أقترح ما يلي :
1- التركيز على حسم معنى العلاقة بين الهوية والإنتماء: ماذا تعني عروبة لبنان والإنتماء الى المحيط العربي في ضوء المساهمة المسيحية المميّزة في صياغة هويته ؟ وكيف يكون الإنتماء والتفاعل مع المحيط العربي والمشاركة في همومه وقضاياه من ضمن القرار الحر والسيادة والإستقلال ؟ هل قرار الحرب والسلم قرار عربي- إسلامي خارجي تفرضه قوى داخلية (خارج الدولة) أم هو محصلة توافقات داخلية وتقاطعات خارجية ؟ ما هو الداخل وما هو الخارج في هذا الإطار؟ وما هي سياقات إنتاج معادلة متوازنة تحفظ حرية القرار السيادي وإستقلال لبنان وتصون مشاركته في القضية أو القضايا العربية في آن معاً؟ ما هو موقع "التضامن العربي" وآلياته ؟ ما هي شروطه الفعلية وإنعكاساتها على لبنان؟ هل يبقى لبنان "ساحة عربية" ؟ أم يعود "وطناً عربياً" له ما للعرب وعليه ما عليهم؟
2- ماذا تعني العلاقات المميّزة مع سوريا ؟ ماذا يعني أن لبنان لا يُمكن ان يُحكم من سوريا ولا ضد سوريا؟ هل يُمكن تطوير علاقة نموذجية تقوم على أقصى مقومات القرار الحر والسيادة وأعلى مستويات التعاون والتضامن ؟ كيف يمكن بناء خطة مشتركة لمواجهة قضايا التخلف والتنمية، الديموقراطية وتطوير المجتمع المدني، الحريات والثقافة والتعليم؟ كيف يمكن المشاركة في المشروع العربي للعدالة والسلام المرتكز إلى الشرعية الدولية (القرارات 242-338- مؤتمر مدريد- مواثيق وقرارات الأمم المتحدة وجنيف وشرعة حقوق الإنسان) ؟
3- كيف السبيل إلى إقامة دولة الحق وحكم القانون والعدالة والمؤسسات؟ كيف يُمكن إصلاح الخلل الناتج عن سوء تطبيق إتفاق الطائف ؟ كيف يمكن إنجاز مصالحة وطنية حقيقية وشاملة ؟ ماذا عن قانون انتخابي عادل ومتوازن ؟ ماذا عن تطبيق اللامركزية الادارية ؟ ماذا عن مجلس الشيوخ ؟ ماذا عن إلغاء المحاكم العسكرية وشبه قانون الطوارئ وتدخل الاجهزة الامنية ؟
4- كيف يمكن تأمين الإنسجام بين الدين والدولة ؟ ما هي حدود الضمانات المطلوبة للطوائف وكيف يمكن التوفيق بينها وبين حقوق الأفراد والحرية والديموقراطية وحكم القانون والمؤسسات ؟ كيف يمكن تأمين مدنية ووطنية ونزاهة وكفاءة وشفافية الوظيفة العامة؟ هل تفعيل عمل وصلاحيات المجالس المدنية والرقابية والتفتيشية يكفي؟ وكيف السبيل إلى إلغاء طائفية أو زبائنية الوظيفة مع المحافظة على التوازن وعلى حقوق وضمانات الطوائف؟
5- كيف يمكن التوفيق بين متطلبات الميثاق (لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك) وإلزامات الدستور (لبنان جمهورية ديموقراطية برلمانية)؟ كيف يمكن تطمين الطوائف ذات الخوف الأقلوي إلى أن لبنان لن يتحول إلى ديموقراطية غلبة عددية؟ كيف السبيل إلى النهوض مجدداً لإستعادة معنى لبنان ودوره وتجديد عقد التسوية التوافقية وإعادة بناء المجتمع والدولة وإعمار الحياة وتطمين النفوس؟
خلال إجتماعاتنا ما بين 2001 و2007 لم يكن هناك نقاط اختلاف رئيسية بيننا. فكلنا يُقر بخصوصية الصيغة اللبنانية وبضرورتها من حيث إنجاز عيش مشترك قائم على الحرية وعلى العدالة والمساواة ، ومن حيث التسليم بالوطن- الكيان في حدوده الحاضرة ، وبالدولة الجمهورية الديموقراطية البرلمانية..
وكلنا يعترف بأوجه القصور والخلل في ممارسة الحكم وفي إدارة الشأن العام؛ وبظاهرة الفساد المستشري في البلاد. لا بل أننا نقر جميعاً بإختلال المعايير والموازين وبحدوث تطبيق إستنسابي ومجتزأ لإتفاق الطائف..
ولا شك أن حوارنا قد أفضى إلى تسجيل صفحات فكرية قيّمة تحتاج الى صياغات نظرية مكتملة تضيف الى الفكر السياسي والثقافة السياسية الوطنية.
وللتقدم في الحوار، ولرسم معالم الطريق نحو بلورة الأفكار وتنظيم الطروحات والصياغات، فإني أقترح ما يلي :
1- التركيز على حسم معنى العلاقة بين الهوية والإنتماء: ماذا تعني عروبة لبنان والإنتماء الى المحيط العربي في ضوء المساهمة المسيحية المميّزة في صياغة هويته ؟ وكيف يكون الإنتماء والتفاعل مع المحيط العربي والمشاركة في همومه وقضاياه من ضمن القرار الحر والسيادة والإستقلال ؟ هل قرار الحرب والسلم قرار عربي- إسلامي خارجي تفرضه قوى داخلية (خارج الدولة) أم هو محصلة توافقات داخلية وتقاطعات خارجية ؟ ما هو الداخل وما هو الخارج في هذا الإطار؟ وما هي سياقات إنتاج معادلة متوازنة تحفظ حرية القرار السيادي وإستقلال لبنان وتصون مشاركته في القضية أو القضايا العربية في آن معاً؟ ما هو موقع "التضامن العربي" وآلياته ؟ ما هي شروطه الفعلية وإنعكاساتها على لبنان؟ هل يبقى لبنان "ساحة عربية" ؟ أم يعود "وطناً عربياً" له ما للعرب وعليه ما عليهم؟
2- ماذا تعني العلاقات المميّزة مع سوريا ؟ ماذا يعني أن لبنان لا يُمكن ان يُحكم من سوريا ولا ضد سوريا؟ هل يُمكن تطوير علاقة نموذجية تقوم على أقصى مقومات القرار الحر والسيادة وأعلى مستويات التعاون والتضامن ؟ كيف يمكن بناء خطة مشتركة لمواجهة قضايا التخلف والتنمية، الديموقراطية وتطوير المجتمع المدني، الحريات والثقافة والتعليم؟ كيف يمكن المشاركة في المشروع العربي للعدالة والسلام المرتكز إلى الشرعية الدولية (القرارات 242-338- مؤتمر مدريد- مواثيق وقرارات الأمم المتحدة وجنيف وشرعة حقوق الإنسان) ؟
3- كيف السبيل إلى إقامة دولة الحق وحكم القانون والعدالة والمؤسسات؟ كيف يُمكن إصلاح الخلل الناتج عن سوء تطبيق إتفاق الطائف ؟ كيف يمكن إنجاز مصالحة وطنية حقيقية وشاملة ؟ ماذا عن قانون انتخابي عادل ومتوازن ؟ ماذا عن تطبيق اللامركزية الادارية ؟ ماذا عن مجلس الشيوخ ؟ ماذا عن إلغاء المحاكم العسكرية وشبه قانون الطوارئ وتدخل الاجهزة الامنية ؟
4- كيف يمكن تأمين الإنسجام بين الدين والدولة ؟ ما هي حدود الضمانات المطلوبة للطوائف وكيف يمكن التوفيق بينها وبين حقوق الأفراد والحرية والديموقراطية وحكم القانون والمؤسسات ؟ كيف يمكن تأمين مدنية ووطنية ونزاهة وكفاءة وشفافية الوظيفة العامة؟ هل تفعيل عمل وصلاحيات المجالس المدنية والرقابية والتفتيشية يكفي؟ وكيف السبيل إلى إلغاء طائفية أو زبائنية الوظيفة مع المحافظة على التوازن وعلى حقوق وضمانات الطوائف؟
5- كيف يمكن التوفيق بين متطلبات الميثاق (لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك) وإلزامات الدستور (لبنان جمهورية ديموقراطية برلمانية)؟ كيف يمكن تطمين الطوائف ذات الخوف الأقلوي إلى أن لبنان لن يتحول إلى ديموقراطية غلبة عددية؟ كيف السبيل إلى النهوض مجدداً لإستعادة معنى لبنان ودوره وتجديد عقد التسوية التوافقية وإعادة بناء المجتمع والدولة وإعمار الحياة وتطمين النفوس؟
اللقاء اللبناني للحوار: كيف نستعيد المبادرة؟
د. سعود المولى
في حزيران 2001 إنعقد في مونترو بسويسرا اللقاء اللبناني للحوار وضم 30 شخصية من شتى التيارات والطوائف والتكتلات (وخصوصاً حزب الله وقرنة شهوان)..وقد توافق المجتمعون على جعل اللقاء نواة لهيئة أهلية-مدنية للحوار تجتمع دورياً للتبصر في المتغيرات وتسعى إلى ترسيخ التضامن الوطني وتحقيق وحدة اللبنانيين حول ثوابتهم الرئيسة.
ولكن أعمال اللقاء تعطلت بعد تموز 2006 وكنتيجة لتفاقم الإنقسام بين كتلتي 8 و 14 آذار وخصوصاً مع تصاعد الميل إلى تضخيم الفروقات ومع تفشي ظاهرة التراشق بالتهم والتخوين والتكفيرعند كل حدث يشهده الواقع الإجتماعي أو السياسي..وهكذا وقفنا جميعاً عاجزين ونحن نشهد تراجع مجالات التلاقي بين اللبنانيين وخصوصاً لدى الشباب، وإنقطاع كل سبل الإتصال والتواصل بين أهل الرأي والفكر والسياسة وبين المهتمين بالشأن العام..
مؤخراً تنادى مؤسسو اللقاء (وأنا واحد منهم) إلى إعادة إطلاق هذا الجمع الحواري الوطني فالتقوا مرات عدة وحددوا موعداً مقبلاً (12 آذار) لجمعية عامة لكل أعضاء اللقاء هدفها التشاور في حالنا وحال بلادنا وفي ضرورة اللقاء وجدواه.
لقد حاول اللقاء اللبناني للحوار عند إطلاقه أن يكون إطاراً واعياً ومبادراً للبحث في أشكال مقاومة التطييف وآلياته، ورصد مواقع التوترات قبل إنفجارها، وتحليل الخطاب السياسي الطائفي تحليلاً تقويمياً قبل تفاقمه..كما سعى لأن يكون أيضاً هيئة وطنية تعمل على تعزيز ثقافة الحوار وقيم الحوار بين اللبنانيين، وعلى درء مخاطر إنقلاب الإختلافات السياسية إلى إنقسامات طائفية ومذهبية وإلى عنف ظاهر أو مستتر.. كان الهدف من اللقاء إذن منع الحريق قبل وقوعه، أو بالأحرى ضبط التوترات ومنع تحولها إلى عنف، وإيجاد آليات حوار وتواصل بين الناس في لحظات التأزم. والمهمة الثانية كانت الحوار الفكري السياسي حول تطوير الصيغة السياسية للنظام اللبناني (وهذا ما قمنا به في مراحل الهدوء في البلاد حين ناقشنا عدة عناوين وطنية خلافية حول دور لبنان ومعناه وحول التسوية الداخلية وشروطها الإقليمية والدولية وإمكاناتها المستقلة).
وقد فشل اللقاء في أهدافه الأولى بدليل توقف أعماله في أحرج الأوقات التي كانت تستدعي وجوده... ولكننا اليوم نعود فستشعر جميعاً الحاجة والضرورة لوجود هكذا مطرح للحوار...
فنحن (بحسب الدكتور أنطوان حداد، أحد مؤسسي اللقاء) مجتمع منقسم إنقساماً عمودياً لا شفاء منه ما يستدعي وجود آلية لإمتصاص الصدمات الطائفية ووجود دور للوساطة والتوسط ولتسهيل التواصل والتقريب بين المنقسمين.. ونحن أيضاً مثقفون فاعلون نتعاطى الشأن العام من باب ضرورة الإسهام في صياغة جدول أعمال وطني يكسر الإنقسام العمودي في البلاد وألا نترك الناس فريسة للذئاب الطائفية..
نعم لم يعمل اللقاء بوضوح على آليات الوساطة والحوار بين أطراف الصراع في وقت الأزمات..ولا على آليات إستباق الصدمات وضبط التوترات ومعالجة النزاعات قبل وقوعها...
واليوم تشهد بلادنا عدمية حوارية أو ثرثرة مقيتة ترقص فوق جثث الشهداء..إذ أنه (وبحسب الوزير الدكتور طارق متري أحد مؤسسي اللقاء) ساد مؤخراً 3 أشكال من الحوار: الأول هو حوار التفاوض الذي عادة ما يكون مرآة لميزان القوى الفعلي على الأرض، ومثاله هيئة الحوار أو جلسات مجلس الوزراء..وحوار المبارزة والسجال والتنابذ وإستعراض العضلات، وهو ما عممته محطات التلفزة في ما يسمى التوك شو..ثم حوار المقاربات المتوازية الذي تعممه منتديات الحوار والمجتمع المدني حيث يتم تقديم أوراق متعددة حول موضوع واحد دون حصول حوار فعلي...
من هنا نخلص إلى القول بضرورة إيجاد نمط مختلف من الحوار..فالحوار الصادق الشفاف المنتج هو ذاك الذي يقوم على قواعد واضحة محددة لإدارة الحوار..وعلى إلتزام المتحاورين بإحترام هذه القواعد.. وعلى السعي المشترك لبناء الثقة والتضامن بين المتحاورين..
وإلا: فلا حياة لمن تنادي..وإلا: فعلى لبنان ألف سلام...
في حزيران 2001 إنعقد في مونترو بسويسرا اللقاء اللبناني للحوار وضم 30 شخصية من شتى التيارات والطوائف والتكتلات (وخصوصاً حزب الله وقرنة شهوان)..وقد توافق المجتمعون على جعل اللقاء نواة لهيئة أهلية-مدنية للحوار تجتمع دورياً للتبصر في المتغيرات وتسعى إلى ترسيخ التضامن الوطني وتحقيق وحدة اللبنانيين حول ثوابتهم الرئيسة.
ولكن أعمال اللقاء تعطلت بعد تموز 2006 وكنتيجة لتفاقم الإنقسام بين كتلتي 8 و 14 آذار وخصوصاً مع تصاعد الميل إلى تضخيم الفروقات ومع تفشي ظاهرة التراشق بالتهم والتخوين والتكفيرعند كل حدث يشهده الواقع الإجتماعي أو السياسي..وهكذا وقفنا جميعاً عاجزين ونحن نشهد تراجع مجالات التلاقي بين اللبنانيين وخصوصاً لدى الشباب، وإنقطاع كل سبل الإتصال والتواصل بين أهل الرأي والفكر والسياسة وبين المهتمين بالشأن العام..
مؤخراً تنادى مؤسسو اللقاء (وأنا واحد منهم) إلى إعادة إطلاق هذا الجمع الحواري الوطني فالتقوا مرات عدة وحددوا موعداً مقبلاً (12 آذار) لجمعية عامة لكل أعضاء اللقاء هدفها التشاور في حالنا وحال بلادنا وفي ضرورة اللقاء وجدواه.
لقد حاول اللقاء اللبناني للحوار عند إطلاقه أن يكون إطاراً واعياً ومبادراً للبحث في أشكال مقاومة التطييف وآلياته، ورصد مواقع التوترات قبل إنفجارها، وتحليل الخطاب السياسي الطائفي تحليلاً تقويمياً قبل تفاقمه..كما سعى لأن يكون أيضاً هيئة وطنية تعمل على تعزيز ثقافة الحوار وقيم الحوار بين اللبنانيين، وعلى درء مخاطر إنقلاب الإختلافات السياسية إلى إنقسامات طائفية ومذهبية وإلى عنف ظاهر أو مستتر.. كان الهدف من اللقاء إذن منع الحريق قبل وقوعه، أو بالأحرى ضبط التوترات ومنع تحولها إلى عنف، وإيجاد آليات حوار وتواصل بين الناس في لحظات التأزم. والمهمة الثانية كانت الحوار الفكري السياسي حول تطوير الصيغة السياسية للنظام اللبناني (وهذا ما قمنا به في مراحل الهدوء في البلاد حين ناقشنا عدة عناوين وطنية خلافية حول دور لبنان ومعناه وحول التسوية الداخلية وشروطها الإقليمية والدولية وإمكاناتها المستقلة).
وقد فشل اللقاء في أهدافه الأولى بدليل توقف أعماله في أحرج الأوقات التي كانت تستدعي وجوده... ولكننا اليوم نعود فستشعر جميعاً الحاجة والضرورة لوجود هكذا مطرح للحوار...
فنحن (بحسب الدكتور أنطوان حداد، أحد مؤسسي اللقاء) مجتمع منقسم إنقساماً عمودياً لا شفاء منه ما يستدعي وجود آلية لإمتصاص الصدمات الطائفية ووجود دور للوساطة والتوسط ولتسهيل التواصل والتقريب بين المنقسمين.. ونحن أيضاً مثقفون فاعلون نتعاطى الشأن العام من باب ضرورة الإسهام في صياغة جدول أعمال وطني يكسر الإنقسام العمودي في البلاد وألا نترك الناس فريسة للذئاب الطائفية..
نعم لم يعمل اللقاء بوضوح على آليات الوساطة والحوار بين أطراف الصراع في وقت الأزمات..ولا على آليات إستباق الصدمات وضبط التوترات ومعالجة النزاعات قبل وقوعها...
واليوم تشهد بلادنا عدمية حوارية أو ثرثرة مقيتة ترقص فوق جثث الشهداء..إذ أنه (وبحسب الوزير الدكتور طارق متري أحد مؤسسي اللقاء) ساد مؤخراً 3 أشكال من الحوار: الأول هو حوار التفاوض الذي عادة ما يكون مرآة لميزان القوى الفعلي على الأرض، ومثاله هيئة الحوار أو جلسات مجلس الوزراء..وحوار المبارزة والسجال والتنابذ وإستعراض العضلات، وهو ما عممته محطات التلفزة في ما يسمى التوك شو..ثم حوار المقاربات المتوازية الذي تعممه منتديات الحوار والمجتمع المدني حيث يتم تقديم أوراق متعددة حول موضوع واحد دون حصول حوار فعلي...
من هنا نخلص إلى القول بضرورة إيجاد نمط مختلف من الحوار..فالحوار الصادق الشفاف المنتج هو ذاك الذي يقوم على قواعد واضحة محددة لإدارة الحوار..وعلى إلتزام المتحاورين بإحترام هذه القواعد.. وعلى السعي المشترك لبناء الثقة والتضامن بين المتحاورين..
وإلا: فلا حياة لمن تنادي..وإلا: فعلى لبنان ألف سلام...
عهد المواطنة العربي الجديد
د. برهان غليون
كالعنقاء التي تنبعث من رمادها، تولد الشعوب العربية اليوم من الحطام الذي آلت إليه في العقود الطويلة الماضية على يد نظم سياسية واجتماعية قاهرة وقهرية، وتتقدم على مسرح التاريخ طامحة إلى امتلاك مصيرها. ويعني امتلاك المصير استعادة الحق الأصلي في التصرف والسيادة التي نازعتها عليها قبل أن تنتزعها منها النخب الحاكمة في سياق تاريخي استثنائي كسرت فيه إرادة الشعوب العربية، ونجحت فيه الدول الكبرى في استتباع النخب الحاكمة واستخدامها للعمل على أجندتها الخاصة.
هي إذن في الجوهر ثورة سياسية عميقة تعيد تشكيل الشعوب التي صارت خلال العقود الماضية في حكم الرعايا والأتباع والموالي والعبيد المنقسمين والمتنازعين والمهمشين والشاكّين بعضهم ببعض واليائسين من مصيرهم ومستقبلهم والمحتقرين لأنفسهم والمنخلعين عن ذواتهم بسبب عمق المهانة والعطالة والإحباط، وصهرها في أتون الحركة الاحتجاجية والثورة المستمرة على أشباه أسيادها أو أسيادها الزائفين، إلى أمم أو شعوب أمم يوحدها العمل المشترك والأمل الجامع في استلام زمام أمورها وانتزاع حقوقها.
ففي هذه الثورة ومن خلالها اكتشفت الشعوب التي دفعت إلى الشك في نفسها، وحدتها وقدراتها -أي ذاتها- ووقعّت دون أن يستدعي ذلك أي مفاوضات مسبقة أو حوارات سابقة أو تنظير، على عقدها أو عهدها الوطني الجديد: عهد الخبر والكرامة والحرية، تماما كما كانت الثورة الفرنسية عام 1789 قد أسست لعهد الديمقراطية الغربية الجديد بشعارات تحولت في ما بعد إلى جدول أعمال جميع الشعوب الغربية والديمقراطية: الحرية والمساواة والإخاء.
وقصدي من ذلك أن أقول أيضا إن هذه الثورة هي بالتأكيد ثورة الديمقراطية العربية كما وصفها العديد من المحللين، بما تعنيه الديمقراطية من إلغاء نظام السلطة المطلقة أو أشكال الحكم الدكتاتورية، وإقامة نظم سياسية تقوم على مشاركة جميع الأفراد في القرارات العمومية عبر ممثلين ينتخبونهم بحرية.
وهذا ما حصل في أوروبا الشرقية في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، وما حصل في أميركا اللاتينية وبعض الدول الأفريقية قبل ذلك في السبعينيات. لكنها ليست كذلك فحسب، ولا تقتصر على عملية إطلاق الحريات لشعب انتزعت منه.. إنها أكثر شبها بالثورة الفرنسية التي لم تكن هي أيضا مجرد إطلاق للحريات أو تغيير نظام سياسي دكتاتوري بنظام ديمقراطي آخر، وإنما كانت إطارا لولادة أمة من هشيم الرجال والطوائف والجماعات المحلية والطبقات المتنابذة التي ينكر بعضها بعضا.
ومن حيث هي كذلك، كانت في الوقت نفسه ثورة نفسية وأخلاقية وفكرية وسياسية واجتماعية واقتصادية تستبطن بالضرورة انقلابا جيوستراتيجيا أيضا.
فما حصل في البلاد العربية في العقود الأربعة الماضية على يد بعض النخب التي استلمت السلطة في ظروف تاريخية وبوسائل استثنائية، هو إعادة توطين الملكية المطلقة والتعسفية فيها كما لم يحصل في أي منطقة من مناطق العالم الأخرى، فوضعت العالم العربي بالفعل في حالة شاذة معاكسة لحركة التاريخ واتجاهها.
وأقصد بالملكية المطلقة هنا نفي أي حقوق مهما كانت للشعوب في المشاركة في تقرير الشؤون العامة، وتحويلها إلى شعوب قاصرة أو فرض حالة القصور عليها، وتحويل البلدان إلى ما يشبه الإقطاعات القرسطوية التي يتحكم فيها أولياء نعمة من الملوك والسلاطين والرؤساء المبجلين الذين يفرضون سيطرتهم عبر ترويع السكان بالمليشيات المسلحة التي لا تخضع لقانون غير إرادتهم، ويستحلون جميع الحقوق ويتعاملون مع البلاد كما لو كانت ملكية خاصة لهم، ولهم عليها حق التصرف الكامل، لهم ولأبنائهم وأقربائهم، كما يملكون حق الموت والحياة على السكان ويحولونهم بالجملة إلى عبيد وأتباع.
وربما كانت نكتة توريث الأبناء الحكم من قبل الآباء في الجمهوريات العربية أكبر مؤشر على نوعية هذه العلاقة التي نشأت بين أصحاب الحكم وبين الأرض والشعب، وكان من نتيجتها تصفية الإرث الفكري والسياسي الوطني أو المواطني العميق الذي تراكم منذ عصر النهضة في القرن التاسع عشر وعزز الشعور بوجود شعب وأمة عربيتين لدى الأفراد وفي نظر الرأي العام العالمي أيضا، بعد الانتصار على الاستعمار ونيل الاستقلال، ثم في مرحلة ثانية، الثورة الوطنية التي تفجرت في الخمسينيات والستينيات بهدف تعميق أسس الاستقلال الاقتصادي والاجتماعي ودمج الأرياف في الحياة العامة، وقادتها الحركة القومية العربية، والناصرية منها بشكل خاص.
ونجم عن انحطاط نموذج الحكم والسلطة في البلاد العربية تدمير منظم للنسيج الوطني، وتفجير نواة الوطنية الجديدة التي ولدت في إطار الصراع ضد الاستعمار والهيمنة الأجنبية وفي سياق الطموح إلى الانخراط في العصر ومسايرة القيم السياسية الحديثة.
وحلت السلطة الشخصية المستندة إلى الولاء للحزب الواحد أو الطائفة أو العشيرة محلّ سلطة القانون، وفرغت مؤسسات الدولة جميعا من مضمونها، واحتلت الجماعات الزبائنية ذات الأصول الحزبية أو الطائفية أو العشائرية، الدولة واستعمرت مؤسساتها وطردت أي أثر لروح السياسة الوطنية وللقانون فيها، وتحولت الجيوش إلى مليشيات تأتمر بأوامر النخب الحاكمة ولا تخدم سوى مصالحها، وأخضعت نظم التعليم لحاجات تعزيز سيطرة هذه النخب وهيمنتها، ووظفت المعارضات السياسية ذاتها -بعد عمليات إخضاع وإذلال وتدجين طويلة ومتواصلة- في خدمة السلطة شبه الإقطاعية الجديدة، وحيل بين الأفراد وإمكانية التواصل والتعارف والتفاهم والعمل المشترك والتعبير عن الرأي أو المصالح الخاصة، فما بالك بالتنظيم والتظاهر والاحتجاج.
ووصل الأمر حدّ منع الناس من التضامن في ما بينهم أثناء الكوارث الطبيعية من زلازل وغيرها، حتى لا يقلل ذلك من هيبة الدولة أو القائمين عليها. وتفنن النظام في تفريغ الثقافة العربية من محتواها التحرري والإنساني أيضا، وفي تعميم ثقافة تجمع بين تعميم الخوف الشامل من كل شيء ولأي سبب أو من دون سبب، نتيجة العسف المعمم وغياب أي حماية سياسية أو قانونية للفرد، والانكفاء على النفس، والاستقالة من أي مسؤولية عمومية، والانطواء على قيم العصبية الأسرية أو العائلية أو الطائفية أو العشائرية، واليأس من المستقبل والانسحاب من العالم، وإدارة الظهر لكل ما يشير إلى قيم التحرر الحديثة.
وفي هذا العالم الاجتماعي الجديد الذي صاغه النظام، وفرغه من أي لحمة مدنية تجمع بين الأفراد، وأقامه على تعميم الخوف الدائم والتهديد المنظم الذي يضمنه الحضور الشامل لأجهزة الأمن والقهر والمخابرات، والاستخدام المفرط للعنف الرمزي والمادي معا، والقطيعة مع العالم الخارجي نفسيا وفكريا وأحيانا ماديا، وسن قوانين المراقبة على كل ما يتعلق بالاتصالات الحديثة والقديمة، وتنويع القيود المفروضة على تنقل الأفراد وحركتهم داخل بلدانهم وخارجها، وكسر حلقات التواصل الاجتماعي والثقافي بتضييق هامش العمل الجمعوي والإنساني والخيري، وكل ما يتعلق بما نسميه اليوم منظمات المجتمع المدني، وتجنيد قسم كبير من النخب المثقفة لبث أيدولوجية القهر الذاتي التي تقوم على تغذية مشاعر كراهية الذات وتشجع على الانخلاع عن الهوية والتبرم بالانتماء للجماعة التاريخية والثقافية، من خلال الانتقاص من قدر الحضارة العربية وتشويه التاريخ وتسويد الثقافة وتقزيم الإنسان والتشكيك في تاريخ العرب ومقدرتهم العقلية على تمثل قيم الحضارة الحديثة أو معانقة القيم المدنية، وتكبيلهم بمشاعر الفشل والعجز واللافاعلية، وتوجيه الدراسة التاريخية والاجتماعية نحو ميادين لا هدف منها سوى إفقاد الفرد الثقة بنفسه ومقدرة مجتمعاته على الانخراط في العصر، مثل ما اعتدنا على قراءته عن الجروح النرجسية والعصاب والماضوية والانطواء على النفس والعداء للآخر، مما حفلت به المكتبة العربية في العقود الثلاثة الماضية ولم تعرفه الدراسات الاجتماعية عن أي شعب آخر خلال التاريخ.. أقول في هذا العالم الاجتماعي الجديد الذي ساهم في خلقه واستمراره الطغاة الكاسرون والأجهزة الأمنية الضاربة والمتمولون الشرهون والمثقفون والدعاة المحبطون والناقمون أو المستفيدون، انحلت جميع العرى الاجتماعية، وقضي على أي أثر للروح العمومية، للوعي الجمعي والإرادة العامة.
لم يعد هناك شعب ولم تعد هناك أمة ولم يعد هناك مجتمع.. ما بقي هو هشيم من الأفراد الذين يتعامل معهم النظام كزبائن، يجازيهم أو يعاقبهم حسب ولائهم له أو ابتعادهم عنه. وبمقدار ما فقد المجتمع مرجعياته السياسية والقانونية، وقتل فيه معنى الإنسان والإنسانية، أصبح أفراده يتعاملون في ما بينهم أيضا كزبائن، يشترون ولاء بعضهم حتى داخل الأسرة الواحدة، ويبيعون بعضهم ويشترون بعضهم كما يبيعهم النظام ويشتريهم.
في هذا السياق تشكل استعادة الشعوب لسيادتها وحقها في تقرير مصيرها من يد الطغاة والطغم التي حولتها إلى رعاع حتى تتحول هي إلى ملوك وسلاطين وأسياد السلطة والمال والجاه، إطارا لاستعادة الوجود كأمة وشعب ومجتمع وجماعة حية، وفي السياق نفسه إطارا لاستعادة الملكية على الأوطان التي انتزعت وحولت إلى إقطاعات قرسطوية. وهي تنطوي بالضرورة -في ما وراء نداء الحريات المدنية والسياسية وبرامج تطبيقها وتعميمها على كل فرد- على ثورة أخلاقية واجتماعية وسياسية بالمعنى العميق للكلمة.
فأول أبعاد هذه الثورة التاريخية، والأكثر وضوحا في الأحداث اليومية المستمرة لها، هو من دون شك قلب التوازنات السياسية القائمة، بحيث يصبح عاليها سافلها والعكس. فقد انقلبت الآية وصار الشعب منذ الآن سيد الموقف بعدما كانت السيادة للنخب الحاكمة المسلحة بأجهزة الأمن والمخابرات، وهو الذي يقود الآن اللعبة السياسية ويحدد برنامج عمل الحكومة وجدول أعمالها.
ولأول مرة في تاريخ العرب يتعرف الشعب على نفسه، ويتصرف بالفعل كمصدر للسلطات، ولا يتضرع إلى الحاكمين أو يستجديهم احترام حقوقه، كما لا يتطلع إلى الدول الأجنبية لاستجداء بيان الإدانة أو الشجب أو المساعدة، وإنما يعتمد على نفسه ويحرص على عدم السماح لأي قوة داخلية أو خارجية أن تنتقص من سيادته.
ولأول مرة تجد النخب الحاكمة نفسها في وضعية التبعية لإرادة الشعب والخادمة له. ولعل أفضل ما يعبر عن ذلك هذا الشعار الذي انتشر أيضا كالثورة في جميع أصقاع العالم العربي كشعار رئيسي ودائم "الشعب يريد". في البداية كانت الإرادة متمثلة في إسقاط النظام، والآن جميع المطالب الاجتماعية تبدأ بفكرة الشعب وبالشعب.
لكن في ما وراء هذا الانقلاب التاريخي الذي نشأ من إعادة تعريف العلاقة أو تحديدها بين الشعب والنخبة الحاكمة، أو بين السلطة والجمهور، هناك ثورة أخلاقية أعمق من ذلك تتعلق بإعادة تعريف العلاقة بين الفرد والفرد في إطار هذه السلطة التي يملك الشعب زمامها ويشكل مصدرها.
ويعني الانقلاب هنا الانتقال من تعريف الناس أو تصورهم لأنفسهم في ما يتعلق بالعلاقات بين بعضهم البعض، كزبائن وأتباع وموال ومحاسيب وأزلام، داخل الأحزاب وخارجها، في وسط النخب الحاكمة وداخل صفوف الشعب والمعارضة معا، إلى تعريفهم كمواطنين. وجوهر المواطنة الاعتراف بالمساواة في إطار القانون أولا، لكن أبعد من ذلك، على المستوى الفكري والأخلاقي. ولا مساواة من دون الحرية التي تشكل جوهر المواطنة كحقيقة سياسية ومسؤولية عمومية.
ومن منطلق المسؤولية التي تؤسسها الحرية والمساواة ينبع التكافل الضامن لإعادة إنتاج علاقة المواطنة، أي الشعب بوصفه أفرادا أحرارا ومتساوين، أو استمرارها. وأي إلغاء للحريات والمساواة القانونية والأخلاقية أو انتقاص منها أو مس بقداستها، يهدد تماسك الأمة ووحدة إرادتها ووجودها.
في هذا السياق الذي تكونت فيه الأمة، أي روح المواطنية الجامعة، من خلال التضامن النشط الذي ما كان للثورة أن تنتصر وتحقق أهدافها من دونه، برزت القيم الجديدة التي صقلت الأفراد وأعادت تربيتهم في لحظة واحدة، اللحظة التأسيسية المنبثقة في زمن الثورة المحررة، وهي في طريقها لإعادة تشكيل القيم والعلاقات الاجتماعية على أنقاض ثقافة الزبائنية والمحسوبية التي ورثتها من الحقبة الاستبدادية البائدة.
فعادت الأمور إلى نصابها الطبيعي، لم تلغ العائلية ولا الانتماءات الطائفية والقبلية، ولكنها رجعت إلى حجمها الطبيعي أمام صعود مشاعر الانتماء الوطني والهوية الجامعة والمصالح والقيم الاجتماعية. فوجدنا الناس يتصرفون بعفوية وبساطة كأعضاء في مجتمع أو شعب واحد، يدافع كل فرد عن الآخر ويضحي من أجله، كما شاهدنا تسامي الأفراد والجماعات على مصالحها الخاصة والزمنية والارتفاع إلى مستوى المبادئ المحركة والملهمة، فتراجعت -وفي بعض الأحيان ذابت- التمايزات والتناقضات الدينية وغير الدينية والحزازات الطائفية والعشائرية، وسار الجميع في حركة واحدة وعلى قلب واحد تحملهم موجة الانعتاق من ذل القهر والجوع والخوف الذي دمر لحمتهم الاجتماعية والوطنية.
لقد ولدت الأمة الحرة من تلك النواة الشبابية الصغيرة التي نجحت في التحرر من نظام العبودية وملحقاته الثقافية والسياسية والاجتماعية، وتعامل فيها كل فرد مع ذاته كرجل حر مسؤول، ومع أقرانه كأفراد أحرار متساوين، بصرف النظر عن أصولهم وأفكارهم واعتقاداتهم.
ما جمع بين هؤلاء كافة لم يكن العقيدة الواحدة ولا الأصل الواحد ولا الدين أو المذهب الواحد، وإنما الإرادة الواحدة في العيش بكرامة وحرية، أي الطموح المقدس لمعانقة أفق القيم الإنسانية، والذي لا يمكن لفرد أن يحترم فيه ذاته من دون أن يحترم غيره، ولا أن يضفي الشرعية على حقوقه -وأولها الحرية- من دون أن يعترف بشرعية حقوق الآخر، وبالتالي مساواته معه، وتقاسمه مع أعضاء مجتمعه جميعا حياة الكرامة والمسؤولية.
كان من الطبيعي أن لا تخرج ثورة التكوين الجديد للشعب الأمة، أو انبعاثه كمجتمع مواطنين أحرار ومتساوين، من رحم تلك البؤر السياسية والثقافية والاجتماعية التي نشأت في ظل العلاقات الزبائنية وترعرت في ثقافة الاستقالة السياسية والأخلاقية، وإنما في وسط أجيال جديدة شابة لم تعرف حياة الذل والمهانة والزبائنية ولم تتعامل معها، بقيت متحررة من تجارب الماضي السلبية، ومن القيود الذاتية المفروضة على العقل والمانعة له من معانقة أفق الكونية الإنسانية. فمن الكرم الذي يحرك روح الشباب في كل زمان ومكان ويجعل منهم الأسرع إلى التضحية ونكران الذات، ومن روح الحرية الطبيعية التي تسكن أجيالا لم تلوثها النزاعات الفكرية المديدة وتمزقها الحزازات المذهبية القديمة، ستولد ثورة الحرية والكرامة والأخوة العربية.
وهي في الواقع وطنية عربية جديدة، أي مشروع أمة جديدة، تولد الآن من وراء الحدود الجغرافية وعبرها، تجمع بين العرب من دون استثناء وتوحدهم من جديد حول مبادئ وقيم أساسية ستشكل المرجعية في تعامل الأفراد مع بعضهم بعضا، وفي تعاملهم مع النخب الحاكمة والسلطات السياسية، وتشكل بالتالي العقد أو العهد العربي الوطني الجديد.
وهي وطنية لا يتناقض فيها القطري والقومي، وإنما يتكاملان بمقدار ما يعزز تحرر شعب عربي من نظام الإذلال والقهر والعبودية والجوع تحرر الشعب الآخر، ويزيد من قدرته على مقاومة الضغوط الداخلية والخارجية.
كما لا تنفي فيها ممارسة الحريات الفردية الحقوق الجماعية، سواء أتجسدت هذه الحقوق في تأكيد تكافل الجميع في مواجهة الفقر والجوع، أو في تعاونهم للحفاظ على السيادة والاستقلال في مواجهة الضغوط الأجنبية.
هنا تتكامل الأجندة الديمقراطية مع الأجندة الوطنية والأجندة الاجتماعية وتنشئ أو تدفع إلى ولادة نموذج لنظام مجتمعي وإقليمي جديد يشكل الالتزام بما سميته العهد الوطني العربي الجديد، عهد الخبز والكرامة والحرية، وتحقيق أهدافه وإنجاحه والفوز فيه، أساسَ وحدة مشاعر عرب اليوم وغاياتهم ومحور اجتماعهم، وقريبا الأساس العقدي لاتحادهم كافة، داخل كل قطر، وعلى مستوى الأقطار جميعا.
ويعني عهد الخبز في هذا البرنامج المؤسس لوطنية عربية وأمة جديدة، أنه لا يجوز بعد اليوم أن يقبل العربي بأن يكون هناك في بلاد العرب من يجوع، وأن تأمين الحد الأدنى للحياة التزام جماعي أخلاقي، وليس سياسة حكومية فحسب، وهو ما يساوي في العهد الجمهوري القديم شعار الإخاء والتكافل والتضامن كحق طبيعي للأضعف وواجب على الأقدر، وما لا يستقيم من دونه بناء اجتماعي حي وقابل للحياة.
وتعني الكرامة أن احترام كل فرد -بصرف النظر عن أصله وفصله ومهنته ووضعه الاجتماعي- واجب وطني، وأنه لا يجوز أن يبقى في بلاد العرب من يقبل الذل أو يتعرض للإذلال، سواء أجاء ذلك من قبل إهانة فرد لآخر أو جماعة لأخرى أو الانتقاص من كرامتهما أو حقوقهما، او ممارسة أي أشكال حاطة بالكرامة الإنسانية تجاه أحد، سلطة كان أم فردا أو جماعة مدنية. وأن أساس هذا الاحترام المتبادل للإنسان في كل إنسان، هو مساواة الجميع، من وراء اختلافات البشر والأفراد في اللون أو الجنس أو الطبقة الاجتماعية أو الديانة أو الثقافة أو المذهب أو الفكر أو العقيدة السياسية.
وأخيرا تعني الحرية الاعتراف بالحق المقدس لأي فرد في التصرف بشؤونه وتحكيم ضميره والتعبير عن نفسه وفكره والتواصل مع أقرانه والمشاركة المتساوية مع غيره في النشاطات العامة السياسية وغير السياسية، كما تعني كفالة تأمين ممارسة هذا الحق للجميع من دون تمييز، وأن أي انتهاك لهذا الحق والحريات المدنية والسياسية والاجتماعية المرتبطة به هو انتهاك لحق الجماعة والمجتمع وليس لحق الضحية فحسب، وتهديد للعهد الوطني وخيانة للمبادئ التي قامت على أساسها وحدة المجتمع والشعب.
من هنا، في ما وراء مظاهر التحرر السياسية البارزة اليوم، تشكل هذه الثورة/الثورات مرجلا عظيما لإعادة صهر الشعوب العربية التي شوهها الطغيان والاستقالة المعنوية والفساد، وحولها إلى أشباه أمم وأشباه رجال وأشباه دول، وإعادة صوغها في قالب جديد، إنساني واجتماعي، أي إعادة صقلها بالقيم والمبادئ والمثل العليا التي انتزعت منها أو فرض عليها الانخلاع عنها، حتى تتحول إلى ما يحتاج إليه الطغاة من انحطاط ليتمكنوا من وضع أنفسهم في موضع المبدأ الأخلاقي الملهم والروح المحركة والجامعة لهشيم الأمم وركامها.
كالعنقاء التي تنبعث من رمادها، تولد الشعوب العربية اليوم من الحطام الذي آلت إليه في العقود الطويلة الماضية على يد نظم سياسية واجتماعية قاهرة وقهرية، وتتقدم على مسرح التاريخ طامحة إلى امتلاك مصيرها. ويعني امتلاك المصير استعادة الحق الأصلي في التصرف والسيادة التي نازعتها عليها قبل أن تنتزعها منها النخب الحاكمة في سياق تاريخي استثنائي كسرت فيه إرادة الشعوب العربية، ونجحت فيه الدول الكبرى في استتباع النخب الحاكمة واستخدامها للعمل على أجندتها الخاصة.
هي إذن في الجوهر ثورة سياسية عميقة تعيد تشكيل الشعوب التي صارت خلال العقود الماضية في حكم الرعايا والأتباع والموالي والعبيد المنقسمين والمتنازعين والمهمشين والشاكّين بعضهم ببعض واليائسين من مصيرهم ومستقبلهم والمحتقرين لأنفسهم والمنخلعين عن ذواتهم بسبب عمق المهانة والعطالة والإحباط، وصهرها في أتون الحركة الاحتجاجية والثورة المستمرة على أشباه أسيادها أو أسيادها الزائفين، إلى أمم أو شعوب أمم يوحدها العمل المشترك والأمل الجامع في استلام زمام أمورها وانتزاع حقوقها.
ففي هذه الثورة ومن خلالها اكتشفت الشعوب التي دفعت إلى الشك في نفسها، وحدتها وقدراتها -أي ذاتها- ووقعّت دون أن يستدعي ذلك أي مفاوضات مسبقة أو حوارات سابقة أو تنظير، على عقدها أو عهدها الوطني الجديد: عهد الخبر والكرامة والحرية، تماما كما كانت الثورة الفرنسية عام 1789 قد أسست لعهد الديمقراطية الغربية الجديد بشعارات تحولت في ما بعد إلى جدول أعمال جميع الشعوب الغربية والديمقراطية: الحرية والمساواة والإخاء.
وقصدي من ذلك أن أقول أيضا إن هذه الثورة هي بالتأكيد ثورة الديمقراطية العربية كما وصفها العديد من المحللين، بما تعنيه الديمقراطية من إلغاء نظام السلطة المطلقة أو أشكال الحكم الدكتاتورية، وإقامة نظم سياسية تقوم على مشاركة جميع الأفراد في القرارات العمومية عبر ممثلين ينتخبونهم بحرية.
وهذا ما حصل في أوروبا الشرقية في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، وما حصل في أميركا اللاتينية وبعض الدول الأفريقية قبل ذلك في السبعينيات. لكنها ليست كذلك فحسب، ولا تقتصر على عملية إطلاق الحريات لشعب انتزعت منه.. إنها أكثر شبها بالثورة الفرنسية التي لم تكن هي أيضا مجرد إطلاق للحريات أو تغيير نظام سياسي دكتاتوري بنظام ديمقراطي آخر، وإنما كانت إطارا لولادة أمة من هشيم الرجال والطوائف والجماعات المحلية والطبقات المتنابذة التي ينكر بعضها بعضا.
ومن حيث هي كذلك، كانت في الوقت نفسه ثورة نفسية وأخلاقية وفكرية وسياسية واجتماعية واقتصادية تستبطن بالضرورة انقلابا جيوستراتيجيا أيضا.
فما حصل في البلاد العربية في العقود الأربعة الماضية على يد بعض النخب التي استلمت السلطة في ظروف تاريخية وبوسائل استثنائية، هو إعادة توطين الملكية المطلقة والتعسفية فيها كما لم يحصل في أي منطقة من مناطق العالم الأخرى، فوضعت العالم العربي بالفعل في حالة شاذة معاكسة لحركة التاريخ واتجاهها.
وأقصد بالملكية المطلقة هنا نفي أي حقوق مهما كانت للشعوب في المشاركة في تقرير الشؤون العامة، وتحويلها إلى شعوب قاصرة أو فرض حالة القصور عليها، وتحويل البلدان إلى ما يشبه الإقطاعات القرسطوية التي يتحكم فيها أولياء نعمة من الملوك والسلاطين والرؤساء المبجلين الذين يفرضون سيطرتهم عبر ترويع السكان بالمليشيات المسلحة التي لا تخضع لقانون غير إرادتهم، ويستحلون جميع الحقوق ويتعاملون مع البلاد كما لو كانت ملكية خاصة لهم، ولهم عليها حق التصرف الكامل، لهم ولأبنائهم وأقربائهم، كما يملكون حق الموت والحياة على السكان ويحولونهم بالجملة إلى عبيد وأتباع.
وربما كانت نكتة توريث الأبناء الحكم من قبل الآباء في الجمهوريات العربية أكبر مؤشر على نوعية هذه العلاقة التي نشأت بين أصحاب الحكم وبين الأرض والشعب، وكان من نتيجتها تصفية الإرث الفكري والسياسي الوطني أو المواطني العميق الذي تراكم منذ عصر النهضة في القرن التاسع عشر وعزز الشعور بوجود شعب وأمة عربيتين لدى الأفراد وفي نظر الرأي العام العالمي أيضا، بعد الانتصار على الاستعمار ونيل الاستقلال، ثم في مرحلة ثانية، الثورة الوطنية التي تفجرت في الخمسينيات والستينيات بهدف تعميق أسس الاستقلال الاقتصادي والاجتماعي ودمج الأرياف في الحياة العامة، وقادتها الحركة القومية العربية، والناصرية منها بشكل خاص.
ونجم عن انحطاط نموذج الحكم والسلطة في البلاد العربية تدمير منظم للنسيج الوطني، وتفجير نواة الوطنية الجديدة التي ولدت في إطار الصراع ضد الاستعمار والهيمنة الأجنبية وفي سياق الطموح إلى الانخراط في العصر ومسايرة القيم السياسية الحديثة.
وحلت السلطة الشخصية المستندة إلى الولاء للحزب الواحد أو الطائفة أو العشيرة محلّ سلطة القانون، وفرغت مؤسسات الدولة جميعا من مضمونها، واحتلت الجماعات الزبائنية ذات الأصول الحزبية أو الطائفية أو العشائرية، الدولة واستعمرت مؤسساتها وطردت أي أثر لروح السياسة الوطنية وللقانون فيها، وتحولت الجيوش إلى مليشيات تأتمر بأوامر النخب الحاكمة ولا تخدم سوى مصالحها، وأخضعت نظم التعليم لحاجات تعزيز سيطرة هذه النخب وهيمنتها، ووظفت المعارضات السياسية ذاتها -بعد عمليات إخضاع وإذلال وتدجين طويلة ومتواصلة- في خدمة السلطة شبه الإقطاعية الجديدة، وحيل بين الأفراد وإمكانية التواصل والتعارف والتفاهم والعمل المشترك والتعبير عن الرأي أو المصالح الخاصة، فما بالك بالتنظيم والتظاهر والاحتجاج.
ووصل الأمر حدّ منع الناس من التضامن في ما بينهم أثناء الكوارث الطبيعية من زلازل وغيرها، حتى لا يقلل ذلك من هيبة الدولة أو القائمين عليها. وتفنن النظام في تفريغ الثقافة العربية من محتواها التحرري والإنساني أيضا، وفي تعميم ثقافة تجمع بين تعميم الخوف الشامل من كل شيء ولأي سبب أو من دون سبب، نتيجة العسف المعمم وغياب أي حماية سياسية أو قانونية للفرد، والانكفاء على النفس، والاستقالة من أي مسؤولية عمومية، والانطواء على قيم العصبية الأسرية أو العائلية أو الطائفية أو العشائرية، واليأس من المستقبل والانسحاب من العالم، وإدارة الظهر لكل ما يشير إلى قيم التحرر الحديثة.
وفي هذا العالم الاجتماعي الجديد الذي صاغه النظام، وفرغه من أي لحمة مدنية تجمع بين الأفراد، وأقامه على تعميم الخوف الدائم والتهديد المنظم الذي يضمنه الحضور الشامل لأجهزة الأمن والقهر والمخابرات، والاستخدام المفرط للعنف الرمزي والمادي معا، والقطيعة مع العالم الخارجي نفسيا وفكريا وأحيانا ماديا، وسن قوانين المراقبة على كل ما يتعلق بالاتصالات الحديثة والقديمة، وتنويع القيود المفروضة على تنقل الأفراد وحركتهم داخل بلدانهم وخارجها، وكسر حلقات التواصل الاجتماعي والثقافي بتضييق هامش العمل الجمعوي والإنساني والخيري، وكل ما يتعلق بما نسميه اليوم منظمات المجتمع المدني، وتجنيد قسم كبير من النخب المثقفة لبث أيدولوجية القهر الذاتي التي تقوم على تغذية مشاعر كراهية الذات وتشجع على الانخلاع عن الهوية والتبرم بالانتماء للجماعة التاريخية والثقافية، من خلال الانتقاص من قدر الحضارة العربية وتشويه التاريخ وتسويد الثقافة وتقزيم الإنسان والتشكيك في تاريخ العرب ومقدرتهم العقلية على تمثل قيم الحضارة الحديثة أو معانقة القيم المدنية، وتكبيلهم بمشاعر الفشل والعجز واللافاعلية، وتوجيه الدراسة التاريخية والاجتماعية نحو ميادين لا هدف منها سوى إفقاد الفرد الثقة بنفسه ومقدرة مجتمعاته على الانخراط في العصر، مثل ما اعتدنا على قراءته عن الجروح النرجسية والعصاب والماضوية والانطواء على النفس والعداء للآخر، مما حفلت به المكتبة العربية في العقود الثلاثة الماضية ولم تعرفه الدراسات الاجتماعية عن أي شعب آخر خلال التاريخ.. أقول في هذا العالم الاجتماعي الجديد الذي ساهم في خلقه واستمراره الطغاة الكاسرون والأجهزة الأمنية الضاربة والمتمولون الشرهون والمثقفون والدعاة المحبطون والناقمون أو المستفيدون، انحلت جميع العرى الاجتماعية، وقضي على أي أثر للروح العمومية، للوعي الجمعي والإرادة العامة.
لم يعد هناك شعب ولم تعد هناك أمة ولم يعد هناك مجتمع.. ما بقي هو هشيم من الأفراد الذين يتعامل معهم النظام كزبائن، يجازيهم أو يعاقبهم حسب ولائهم له أو ابتعادهم عنه. وبمقدار ما فقد المجتمع مرجعياته السياسية والقانونية، وقتل فيه معنى الإنسان والإنسانية، أصبح أفراده يتعاملون في ما بينهم أيضا كزبائن، يشترون ولاء بعضهم حتى داخل الأسرة الواحدة، ويبيعون بعضهم ويشترون بعضهم كما يبيعهم النظام ويشتريهم.
في هذا السياق تشكل استعادة الشعوب لسيادتها وحقها في تقرير مصيرها من يد الطغاة والطغم التي حولتها إلى رعاع حتى تتحول هي إلى ملوك وسلاطين وأسياد السلطة والمال والجاه، إطارا لاستعادة الوجود كأمة وشعب ومجتمع وجماعة حية، وفي السياق نفسه إطارا لاستعادة الملكية على الأوطان التي انتزعت وحولت إلى إقطاعات قرسطوية. وهي تنطوي بالضرورة -في ما وراء نداء الحريات المدنية والسياسية وبرامج تطبيقها وتعميمها على كل فرد- على ثورة أخلاقية واجتماعية وسياسية بالمعنى العميق للكلمة.
فأول أبعاد هذه الثورة التاريخية، والأكثر وضوحا في الأحداث اليومية المستمرة لها، هو من دون شك قلب التوازنات السياسية القائمة، بحيث يصبح عاليها سافلها والعكس. فقد انقلبت الآية وصار الشعب منذ الآن سيد الموقف بعدما كانت السيادة للنخب الحاكمة المسلحة بأجهزة الأمن والمخابرات، وهو الذي يقود الآن اللعبة السياسية ويحدد برنامج عمل الحكومة وجدول أعمالها.
ولأول مرة في تاريخ العرب يتعرف الشعب على نفسه، ويتصرف بالفعل كمصدر للسلطات، ولا يتضرع إلى الحاكمين أو يستجديهم احترام حقوقه، كما لا يتطلع إلى الدول الأجنبية لاستجداء بيان الإدانة أو الشجب أو المساعدة، وإنما يعتمد على نفسه ويحرص على عدم السماح لأي قوة داخلية أو خارجية أن تنتقص من سيادته.
ولأول مرة تجد النخب الحاكمة نفسها في وضعية التبعية لإرادة الشعب والخادمة له. ولعل أفضل ما يعبر عن ذلك هذا الشعار الذي انتشر أيضا كالثورة في جميع أصقاع العالم العربي كشعار رئيسي ودائم "الشعب يريد". في البداية كانت الإرادة متمثلة في إسقاط النظام، والآن جميع المطالب الاجتماعية تبدأ بفكرة الشعب وبالشعب.
لكن في ما وراء هذا الانقلاب التاريخي الذي نشأ من إعادة تعريف العلاقة أو تحديدها بين الشعب والنخبة الحاكمة، أو بين السلطة والجمهور، هناك ثورة أخلاقية أعمق من ذلك تتعلق بإعادة تعريف العلاقة بين الفرد والفرد في إطار هذه السلطة التي يملك الشعب زمامها ويشكل مصدرها.
ويعني الانقلاب هنا الانتقال من تعريف الناس أو تصورهم لأنفسهم في ما يتعلق بالعلاقات بين بعضهم البعض، كزبائن وأتباع وموال ومحاسيب وأزلام، داخل الأحزاب وخارجها، في وسط النخب الحاكمة وداخل صفوف الشعب والمعارضة معا، إلى تعريفهم كمواطنين. وجوهر المواطنة الاعتراف بالمساواة في إطار القانون أولا، لكن أبعد من ذلك، على المستوى الفكري والأخلاقي. ولا مساواة من دون الحرية التي تشكل جوهر المواطنة كحقيقة سياسية ومسؤولية عمومية.
ومن منطلق المسؤولية التي تؤسسها الحرية والمساواة ينبع التكافل الضامن لإعادة إنتاج علاقة المواطنة، أي الشعب بوصفه أفرادا أحرارا ومتساوين، أو استمرارها. وأي إلغاء للحريات والمساواة القانونية والأخلاقية أو انتقاص منها أو مس بقداستها، يهدد تماسك الأمة ووحدة إرادتها ووجودها.
في هذا السياق الذي تكونت فيه الأمة، أي روح المواطنية الجامعة، من خلال التضامن النشط الذي ما كان للثورة أن تنتصر وتحقق أهدافها من دونه، برزت القيم الجديدة التي صقلت الأفراد وأعادت تربيتهم في لحظة واحدة، اللحظة التأسيسية المنبثقة في زمن الثورة المحررة، وهي في طريقها لإعادة تشكيل القيم والعلاقات الاجتماعية على أنقاض ثقافة الزبائنية والمحسوبية التي ورثتها من الحقبة الاستبدادية البائدة.
فعادت الأمور إلى نصابها الطبيعي، لم تلغ العائلية ولا الانتماءات الطائفية والقبلية، ولكنها رجعت إلى حجمها الطبيعي أمام صعود مشاعر الانتماء الوطني والهوية الجامعة والمصالح والقيم الاجتماعية. فوجدنا الناس يتصرفون بعفوية وبساطة كأعضاء في مجتمع أو شعب واحد، يدافع كل فرد عن الآخر ويضحي من أجله، كما شاهدنا تسامي الأفراد والجماعات على مصالحها الخاصة والزمنية والارتفاع إلى مستوى المبادئ المحركة والملهمة، فتراجعت -وفي بعض الأحيان ذابت- التمايزات والتناقضات الدينية وغير الدينية والحزازات الطائفية والعشائرية، وسار الجميع في حركة واحدة وعلى قلب واحد تحملهم موجة الانعتاق من ذل القهر والجوع والخوف الذي دمر لحمتهم الاجتماعية والوطنية.
لقد ولدت الأمة الحرة من تلك النواة الشبابية الصغيرة التي نجحت في التحرر من نظام العبودية وملحقاته الثقافية والسياسية والاجتماعية، وتعامل فيها كل فرد مع ذاته كرجل حر مسؤول، ومع أقرانه كأفراد أحرار متساوين، بصرف النظر عن أصولهم وأفكارهم واعتقاداتهم.
ما جمع بين هؤلاء كافة لم يكن العقيدة الواحدة ولا الأصل الواحد ولا الدين أو المذهب الواحد، وإنما الإرادة الواحدة في العيش بكرامة وحرية، أي الطموح المقدس لمعانقة أفق القيم الإنسانية، والذي لا يمكن لفرد أن يحترم فيه ذاته من دون أن يحترم غيره، ولا أن يضفي الشرعية على حقوقه -وأولها الحرية- من دون أن يعترف بشرعية حقوق الآخر، وبالتالي مساواته معه، وتقاسمه مع أعضاء مجتمعه جميعا حياة الكرامة والمسؤولية.
كان من الطبيعي أن لا تخرج ثورة التكوين الجديد للشعب الأمة، أو انبعاثه كمجتمع مواطنين أحرار ومتساوين، من رحم تلك البؤر السياسية والثقافية والاجتماعية التي نشأت في ظل العلاقات الزبائنية وترعرت في ثقافة الاستقالة السياسية والأخلاقية، وإنما في وسط أجيال جديدة شابة لم تعرف حياة الذل والمهانة والزبائنية ولم تتعامل معها، بقيت متحررة من تجارب الماضي السلبية، ومن القيود الذاتية المفروضة على العقل والمانعة له من معانقة أفق الكونية الإنسانية. فمن الكرم الذي يحرك روح الشباب في كل زمان ومكان ويجعل منهم الأسرع إلى التضحية ونكران الذات، ومن روح الحرية الطبيعية التي تسكن أجيالا لم تلوثها النزاعات الفكرية المديدة وتمزقها الحزازات المذهبية القديمة، ستولد ثورة الحرية والكرامة والأخوة العربية.
وهي في الواقع وطنية عربية جديدة، أي مشروع أمة جديدة، تولد الآن من وراء الحدود الجغرافية وعبرها، تجمع بين العرب من دون استثناء وتوحدهم من جديد حول مبادئ وقيم أساسية ستشكل المرجعية في تعامل الأفراد مع بعضهم بعضا، وفي تعاملهم مع النخب الحاكمة والسلطات السياسية، وتشكل بالتالي العقد أو العهد العربي الوطني الجديد.
وهي وطنية لا يتناقض فيها القطري والقومي، وإنما يتكاملان بمقدار ما يعزز تحرر شعب عربي من نظام الإذلال والقهر والعبودية والجوع تحرر الشعب الآخر، ويزيد من قدرته على مقاومة الضغوط الداخلية والخارجية.
كما لا تنفي فيها ممارسة الحريات الفردية الحقوق الجماعية، سواء أتجسدت هذه الحقوق في تأكيد تكافل الجميع في مواجهة الفقر والجوع، أو في تعاونهم للحفاظ على السيادة والاستقلال في مواجهة الضغوط الأجنبية.
هنا تتكامل الأجندة الديمقراطية مع الأجندة الوطنية والأجندة الاجتماعية وتنشئ أو تدفع إلى ولادة نموذج لنظام مجتمعي وإقليمي جديد يشكل الالتزام بما سميته العهد الوطني العربي الجديد، عهد الخبز والكرامة والحرية، وتحقيق أهدافه وإنجاحه والفوز فيه، أساسَ وحدة مشاعر عرب اليوم وغاياتهم ومحور اجتماعهم، وقريبا الأساس العقدي لاتحادهم كافة، داخل كل قطر، وعلى مستوى الأقطار جميعا.
ويعني عهد الخبز في هذا البرنامج المؤسس لوطنية عربية وأمة جديدة، أنه لا يجوز بعد اليوم أن يقبل العربي بأن يكون هناك في بلاد العرب من يجوع، وأن تأمين الحد الأدنى للحياة التزام جماعي أخلاقي، وليس سياسة حكومية فحسب، وهو ما يساوي في العهد الجمهوري القديم شعار الإخاء والتكافل والتضامن كحق طبيعي للأضعف وواجب على الأقدر، وما لا يستقيم من دونه بناء اجتماعي حي وقابل للحياة.
وتعني الكرامة أن احترام كل فرد -بصرف النظر عن أصله وفصله ومهنته ووضعه الاجتماعي- واجب وطني، وأنه لا يجوز أن يبقى في بلاد العرب من يقبل الذل أو يتعرض للإذلال، سواء أجاء ذلك من قبل إهانة فرد لآخر أو جماعة لأخرى أو الانتقاص من كرامتهما أو حقوقهما، او ممارسة أي أشكال حاطة بالكرامة الإنسانية تجاه أحد، سلطة كان أم فردا أو جماعة مدنية. وأن أساس هذا الاحترام المتبادل للإنسان في كل إنسان، هو مساواة الجميع، من وراء اختلافات البشر والأفراد في اللون أو الجنس أو الطبقة الاجتماعية أو الديانة أو الثقافة أو المذهب أو الفكر أو العقيدة السياسية.
وأخيرا تعني الحرية الاعتراف بالحق المقدس لأي فرد في التصرف بشؤونه وتحكيم ضميره والتعبير عن نفسه وفكره والتواصل مع أقرانه والمشاركة المتساوية مع غيره في النشاطات العامة السياسية وغير السياسية، كما تعني كفالة تأمين ممارسة هذا الحق للجميع من دون تمييز، وأن أي انتهاك لهذا الحق والحريات المدنية والسياسية والاجتماعية المرتبطة به هو انتهاك لحق الجماعة والمجتمع وليس لحق الضحية فحسب، وتهديد للعهد الوطني وخيانة للمبادئ التي قامت على أساسها وحدة المجتمع والشعب.
من هنا، في ما وراء مظاهر التحرر السياسية البارزة اليوم، تشكل هذه الثورة/الثورات مرجلا عظيما لإعادة صهر الشعوب العربية التي شوهها الطغيان والاستقالة المعنوية والفساد، وحولها إلى أشباه أمم وأشباه رجال وأشباه دول، وإعادة صوغها في قالب جديد، إنساني واجتماعي، أي إعادة صقلها بالقيم والمبادئ والمثل العليا التي انتزعت منها أو فرض عليها الانخلاع عنها، حتى تتحول إلى ما يحتاج إليه الطغاة من انحطاط ليتمكنوا من وضع أنفسهم في موضع المبدأ الأخلاقي الملهم والروح المحركة والجامعة لهشيم الأمم وركامها.
أحمد الطيب: الأزهر فوق الثورة والسلطة
الحديث عن المادة الثانية ينذر بـ"فتنة"
خرج شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب عن الصمت الذي أحاط بمؤسسة الأزهر خلال فترة المظاهرات والاحتجاجات التي انتهت بالإطاحة بنظام الرئيس السابق حسني مبارك، وأوضح العديد من النقاط التي تخص موقف الأزهر من تلك الأحداث، وموقفه من الجدل الدائر حول تغيير المادة الثانية من الدستور المصري، التي تنص على أن الدين الإسلامي هو الدين الرسمي للدولة، ورأيه حول كيفية اختيار شيخ الأزهر.
وأوضح الدكتور الطيب في حلقة من برنامج "مصر بعد مبارك" بثتها قناة العربية الخميس 3-3-2011، أن الأزهر مؤسسة علمية وتعليمية، وليس مؤسسة سياسية، لأن تحويلها لمؤسسة سياسية يعني خضوعها لسلطة أو جهة ما داخل الدولة، وأن دور الأزهر ليس أن يكون جزءا من النظام أو ثائرا عليه.
وقال الدكتور الطيب إن الأزهر كان له دور رائع في مقاومة الطغيان إذا تعلق الأمر باحتلال أو عدوان خارجي على البلاد، وإنه إذا حدث مثل هذا الأمر فسيكون أول من يتصدى له، ولكن إذا تعلق الأمر بمسألة داخلية فالأمر يكون ختلفا تماما، نافيا أن يكون الأزهر قد تملق أو داهن النظام السابق خلال أيام المظاهرات، مشيرا إلى أن المتحدث الرسمي باسم الأزهر كان يشارك في المظاهرات، ويخطب في المحتجين في ميدان التحرير، وأنه رفض الاستقالة التي تقدم بها، ما يعني أن الأزهر كان مساندا للثورة وليس للنظام.
وحول بيانه في يوم الجمعة الأخير الذي سبق سقوط مبارك، قال شيخ الأزهر إنه كان يخشى أن تقع مواجهة بين الشباب الثائرين والجيش، ونفى أن يكون السبب وراء البيان تملق النظام، لأنه ببساطة لم يكن هناك نظام في ذلك الوقت، حتى يتملقه، وأن البيان كان دافعه الخوف على دماء الشباب.
وقال الشيخ الطيب إن الأزهر فوق الثورة وفوق السلطة الماضية وفوق السلطة المقبلة، فهو مؤسسة تعلو كل تلك الاعتبارات.
وتطرق شيخ الأزهر لمسألة المادة الثانية من الدستور المصري، وقال إن مصر تاريخيا دولة إسلامية المرجعية والحضارة والثقافة، ومن حق مصر أن تكون لها تلك الخلفية، مبينا أن دساتير العديد من الدول الغربية تنص على الدين في موادها، متسائلا لماذ يرفض البعض أن تكون لمصر نفس الحق.
وشدّد على أنه يرفض تغيير تلك المادة، محذرا من أن الحديث عن تلك المادة يهدف لفتنة جديدة، وعبر عن سعادته لموقف البابا شنودة الذي حث المسيحيين على عدم الحديث عن تغيير تلك المادة، وأن لايطالبوا بتغييرها، لأن ذلك يستفز المسلمين، مبينا أن النص لا يعني أن مصر دولة دينية، لأنه ليس في الإسلام دولة دينية، فحتى الخلفية الأول في الإسلام جاء بالانتخاب.
وقال إن من حق المسيحيين في مصر الاحتكام لشرائعهم، وأن ينص على ذلك في الدستور المصري, وهذا يمثل حلا لمشلكة المادة الثانية.
وحول الاختلاف مع جماعة الإخوان، قال إن هناك خلافات كبيرة معهم، وأولها أن الأزهر يختلف مع التوجه السياسي للجماعة, فالأزهر ليس له حزب ولن يكون حزبا، وأضاف أنه إذا تم تأسيس دولة مدنية في مصر بالمفهوم الغربي، فسوف يكون الأزهر أول من يتصدى لها.
وحول خطاب المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي أثناء الثورة المصرية، وعدم وجود خطاب مماثل من الأزهرن قال الشيخ الطيب إن ذلك سببه التزام بقيم وضوابط الأزهر، فمرجعية إيران غير الأزهر، لأن المرجعية الإيرانية تتحدث باسم عشرة بالمئة من المسلمين، بينما يتحدث الأزهر باسم تسعين بالمئة من المسلمين، فحديثه أكثر تأثيرا من المرجع الإيراني، وأنه لو فعل الأزهر وأصدر بيانا يكون قد تخندق ودخل في خانة مع أو ضد.
ونفى شيخ الأزهر أن يكون تريثه وقت المظاهرات سببه أنه معين من الدولة، فهو لم يأت راغب سلطة، ولا يخشى فقد منصب أو وظيفة، وبالتالي فهو غير مسيس.
وتحفظ شيخ الأزهر على فكرة اختيار شيخ الأزهر عن طريق الانتخاب، لأن المال يمكن أن يلعب دورا في الاختيار، مشيرا إلى أن منصب شيخ الأزهر لم يكن أبدا بالانتخاب كما يتردد، وقال إن نظام الانتخاب له عيوب، والتعيين له عيوب أيضا، وأن الأفضل من وجهة نظره أن يتم شغل المنصب بالتعيين على أن يمنح شيخ الأزهر بعد تعيينه الاستقلال الكامل عن الدولة.
وحول سبب تخوفه من دور المال في انتخاب شيخ الأزهر، قال الطيب إنه يوجد حاليا إسلام سياسي ممول، وحركات إسلامية ممولة، ودعاة لديهم أموال، فما الذي يمكن أن يحدث لو انتخب أحد هؤلاء شيخا للأزهر, وأضاف أنه لو أصبح للمجتمع الأمانة في الانتخاب، فسوف يكون مقتنعا بفكرة الانتخاب.
خرج شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب عن الصمت الذي أحاط بمؤسسة الأزهر خلال فترة المظاهرات والاحتجاجات التي انتهت بالإطاحة بنظام الرئيس السابق حسني مبارك، وأوضح العديد من النقاط التي تخص موقف الأزهر من تلك الأحداث، وموقفه من الجدل الدائر حول تغيير المادة الثانية من الدستور المصري، التي تنص على أن الدين الإسلامي هو الدين الرسمي للدولة، ورأيه حول كيفية اختيار شيخ الأزهر.
وأوضح الدكتور الطيب في حلقة من برنامج "مصر بعد مبارك" بثتها قناة العربية الخميس 3-3-2011، أن الأزهر مؤسسة علمية وتعليمية، وليس مؤسسة سياسية، لأن تحويلها لمؤسسة سياسية يعني خضوعها لسلطة أو جهة ما داخل الدولة، وأن دور الأزهر ليس أن يكون جزءا من النظام أو ثائرا عليه.
وقال الدكتور الطيب إن الأزهر كان له دور رائع في مقاومة الطغيان إذا تعلق الأمر باحتلال أو عدوان خارجي على البلاد، وإنه إذا حدث مثل هذا الأمر فسيكون أول من يتصدى له، ولكن إذا تعلق الأمر بمسألة داخلية فالأمر يكون ختلفا تماما، نافيا أن يكون الأزهر قد تملق أو داهن النظام السابق خلال أيام المظاهرات، مشيرا إلى أن المتحدث الرسمي باسم الأزهر كان يشارك في المظاهرات، ويخطب في المحتجين في ميدان التحرير، وأنه رفض الاستقالة التي تقدم بها، ما يعني أن الأزهر كان مساندا للثورة وليس للنظام.
وحول بيانه في يوم الجمعة الأخير الذي سبق سقوط مبارك، قال شيخ الأزهر إنه كان يخشى أن تقع مواجهة بين الشباب الثائرين والجيش، ونفى أن يكون السبب وراء البيان تملق النظام، لأنه ببساطة لم يكن هناك نظام في ذلك الوقت، حتى يتملقه، وأن البيان كان دافعه الخوف على دماء الشباب.
وقال الشيخ الطيب إن الأزهر فوق الثورة وفوق السلطة الماضية وفوق السلطة المقبلة، فهو مؤسسة تعلو كل تلك الاعتبارات.
وتطرق شيخ الأزهر لمسألة المادة الثانية من الدستور المصري، وقال إن مصر تاريخيا دولة إسلامية المرجعية والحضارة والثقافة، ومن حق مصر أن تكون لها تلك الخلفية، مبينا أن دساتير العديد من الدول الغربية تنص على الدين في موادها، متسائلا لماذ يرفض البعض أن تكون لمصر نفس الحق.
وشدّد على أنه يرفض تغيير تلك المادة، محذرا من أن الحديث عن تلك المادة يهدف لفتنة جديدة، وعبر عن سعادته لموقف البابا شنودة الذي حث المسيحيين على عدم الحديث عن تغيير تلك المادة، وأن لايطالبوا بتغييرها، لأن ذلك يستفز المسلمين، مبينا أن النص لا يعني أن مصر دولة دينية، لأنه ليس في الإسلام دولة دينية، فحتى الخلفية الأول في الإسلام جاء بالانتخاب.
وقال إن من حق المسيحيين في مصر الاحتكام لشرائعهم، وأن ينص على ذلك في الدستور المصري, وهذا يمثل حلا لمشلكة المادة الثانية.
وحول الاختلاف مع جماعة الإخوان، قال إن هناك خلافات كبيرة معهم، وأولها أن الأزهر يختلف مع التوجه السياسي للجماعة, فالأزهر ليس له حزب ولن يكون حزبا، وأضاف أنه إذا تم تأسيس دولة مدنية في مصر بالمفهوم الغربي، فسوف يكون الأزهر أول من يتصدى لها.
وحول خطاب المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي أثناء الثورة المصرية، وعدم وجود خطاب مماثل من الأزهرن قال الشيخ الطيب إن ذلك سببه التزام بقيم وضوابط الأزهر، فمرجعية إيران غير الأزهر، لأن المرجعية الإيرانية تتحدث باسم عشرة بالمئة من المسلمين، بينما يتحدث الأزهر باسم تسعين بالمئة من المسلمين، فحديثه أكثر تأثيرا من المرجع الإيراني، وأنه لو فعل الأزهر وأصدر بيانا يكون قد تخندق ودخل في خانة مع أو ضد.
ونفى شيخ الأزهر أن يكون تريثه وقت المظاهرات سببه أنه معين من الدولة، فهو لم يأت راغب سلطة، ولا يخشى فقد منصب أو وظيفة، وبالتالي فهو غير مسيس.
وتحفظ شيخ الأزهر على فكرة اختيار شيخ الأزهر عن طريق الانتخاب، لأن المال يمكن أن يلعب دورا في الاختيار، مشيرا إلى أن منصب شيخ الأزهر لم يكن أبدا بالانتخاب كما يتردد، وقال إن نظام الانتخاب له عيوب، والتعيين له عيوب أيضا، وأن الأفضل من وجهة نظره أن يتم شغل المنصب بالتعيين على أن يمنح شيخ الأزهر بعد تعيينه الاستقلال الكامل عن الدولة.
وحول سبب تخوفه من دور المال في انتخاب شيخ الأزهر، قال الطيب إنه يوجد حاليا إسلام سياسي ممول، وحركات إسلامية ممولة، ودعاة لديهم أموال، فما الذي يمكن أن يحدث لو انتخب أحد هؤلاء شيخا للأزهر, وأضاف أنه لو أصبح للمجتمع الأمانة في الانتخاب، فسوف يكون مقتنعا بفكرة الانتخاب.
نحو دولة الحقوق و المؤسسات في السعودية
خادم الحرمين الشريفين حفظه الله
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته، أما بعد:
فنهنئكم بما منّ الله به عليكم من الشفاء و نسأله لكم مزيد العافية و أن يعينكم على تحقيق ما وعدتم به من الإصلاح و العدل و رفع الظلم و اجتثاث الفساد.
خادمَ الحرمين الشريفين: إنّ الثورات التي بدأها الشباب و أنضم لهم الشعب بكل فئاته و مكوناته في كلٍ من تونس و مصر و ليبيا و غيرها لتؤذن بأنّ القائمين على الأمر في البلاد العربية مالم يستمعوا لصوت الشباب و تطلعاتهم و طموحاتهم و يصغوا لمطالب شعوبهم في الإصلاح و التنمية و الحرية و الكرامة و رفع الظلم و مقاومة الفساد فإنّ الأمور مرشحة لأن تؤول إلى عواقب وخيمة و فوضى عارمة تسفك فيها الدماء و تنتهك فيه الحرمات و يختل فيها الأمن.
إنّ بلادنا بحاجة شديدة إلى إصلاح جذري جادٍ و سريع يعزز وحدة هذا الوطن و يحفظ مكاسبه و يحقق له الأمن و الاستقرار. و نرى أن هذا الإصلاح يرتكز على معالم منها:
1. أن يكون مجلس الشورى منتخباً بكامل أعضائه، و أن تكون له الصلاحية الكاملة في سنّ الأنظمة و الرقابة على الجهات التنفيذية بما في ذلك الرقابة على المال العام، و له حق مساءلة رئيس الوزراء و وزرائه.
2. فصل رئاسة الوزراء عن الملك على أن يحظى رئيس مجلس الوزراء و وزارته بتزكية الملك وبثقة مجلس الشورى.
3. . العمل على إصلاح القضاء وتطويره ومنحه الاستقلالية التامة، وزيادة عدد القضاة بما يتناسب مع ارتفاع عدد السكان وما يترتب على ذلك من كثرة القضايا.
4. محاربةُ الفساد المالي و الإداري بكل صرامة و منع استغلال النفوذ أياً كان مصدره و مقاومة الإثراء غير المشروع و تفعيلُ هيئة مكافحة الفساد لتقوم بواجبها في الكشف عن الفساد و مساءلةُ من يقع منه ذلك و إحالته إلى القضاء.
5. الإسراع بحلّ مشكلات الشباب و وضع الحلول الجذرية للقضاء على البطالة و توفير المساكن لتتحقق لهم بذلك الحياة الكريمة.
6. تشجيع إنشاء مؤسسات المجتمع المدني و النقابات و إزالة كافة العوائق التنظيمية التي تحول دون قيامها.
7. . إطلاق حرية التعبير المسؤولة وفتح باب المشاركة العامة وإبداء الرأي، وتعديل أنظمة المطبوعات ولوائح النشر.
8. المبادرة إلى الإفراج عن مساجين الرأي و عن كل من انتهت محكوميته أو لم يصدر بحقه حكم قضائي دون تأخير. و تفعيل " الأنظمة العدلية" بما فيها " نظام الإجراءات الجزائية" و التزام الأجهزة الأمنية و "المباحث العامة" بتلك الأنظمة في الايقاف و التحقيق و السجن و المحاكمة و تمكين السجناء من اختيار محامين للدفاع عنهم و تيسير الاتصال بهم و محاكمتهم محاكمة علنية حسب ما نصت عليه تلك الأنظمة.
و في الختام فإنّنا نؤكد تمسكنا بوحدة هذا الوطن و الحفاظ على كيانه و الحرص على أمنه و منجزاته و نبذ العنف و الإخلال بالأمن و الالتزام بصور التعبير السلمي.
وفقكم الله و سدد خطاكم و أعانكم على كل خير،،
مرفق 1554 توقيع حتى الآن
http://dawlaty.info
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته، أما بعد:
فنهنئكم بما منّ الله به عليكم من الشفاء و نسأله لكم مزيد العافية و أن يعينكم على تحقيق ما وعدتم به من الإصلاح و العدل و رفع الظلم و اجتثاث الفساد.
خادمَ الحرمين الشريفين: إنّ الثورات التي بدأها الشباب و أنضم لهم الشعب بكل فئاته و مكوناته في كلٍ من تونس و مصر و ليبيا و غيرها لتؤذن بأنّ القائمين على الأمر في البلاد العربية مالم يستمعوا لصوت الشباب و تطلعاتهم و طموحاتهم و يصغوا لمطالب شعوبهم في الإصلاح و التنمية و الحرية و الكرامة و رفع الظلم و مقاومة الفساد فإنّ الأمور مرشحة لأن تؤول إلى عواقب وخيمة و فوضى عارمة تسفك فيها الدماء و تنتهك فيه الحرمات و يختل فيها الأمن.
إنّ بلادنا بحاجة شديدة إلى إصلاح جذري جادٍ و سريع يعزز وحدة هذا الوطن و يحفظ مكاسبه و يحقق له الأمن و الاستقرار. و نرى أن هذا الإصلاح يرتكز على معالم منها:
1. أن يكون مجلس الشورى منتخباً بكامل أعضائه، و أن تكون له الصلاحية الكاملة في سنّ الأنظمة و الرقابة على الجهات التنفيذية بما في ذلك الرقابة على المال العام، و له حق مساءلة رئيس الوزراء و وزرائه.
2. فصل رئاسة الوزراء عن الملك على أن يحظى رئيس مجلس الوزراء و وزارته بتزكية الملك وبثقة مجلس الشورى.
3. . العمل على إصلاح القضاء وتطويره ومنحه الاستقلالية التامة، وزيادة عدد القضاة بما يتناسب مع ارتفاع عدد السكان وما يترتب على ذلك من كثرة القضايا.
4. محاربةُ الفساد المالي و الإداري بكل صرامة و منع استغلال النفوذ أياً كان مصدره و مقاومة الإثراء غير المشروع و تفعيلُ هيئة مكافحة الفساد لتقوم بواجبها في الكشف عن الفساد و مساءلةُ من يقع منه ذلك و إحالته إلى القضاء.
5. الإسراع بحلّ مشكلات الشباب و وضع الحلول الجذرية للقضاء على البطالة و توفير المساكن لتتحقق لهم بذلك الحياة الكريمة.
6. تشجيع إنشاء مؤسسات المجتمع المدني و النقابات و إزالة كافة العوائق التنظيمية التي تحول دون قيامها.
7. . إطلاق حرية التعبير المسؤولة وفتح باب المشاركة العامة وإبداء الرأي، وتعديل أنظمة المطبوعات ولوائح النشر.
8. المبادرة إلى الإفراج عن مساجين الرأي و عن كل من انتهت محكوميته أو لم يصدر بحقه حكم قضائي دون تأخير. و تفعيل " الأنظمة العدلية" بما فيها " نظام الإجراءات الجزائية" و التزام الأجهزة الأمنية و "المباحث العامة" بتلك الأنظمة في الايقاف و التحقيق و السجن و المحاكمة و تمكين السجناء من اختيار محامين للدفاع عنهم و تيسير الاتصال بهم و محاكمتهم محاكمة علنية حسب ما نصت عليه تلك الأنظمة.
و في الختام فإنّنا نؤكد تمسكنا بوحدة هذا الوطن و الحفاظ على كيانه و الحرص على أمنه و منجزاته و نبذ العنف و الإخلال بالأمن و الالتزام بصور التعبير السلمي.
وفقكم الله و سدد خطاكم و أعانكم على كل خير،،
مرفق 1554 توقيع حتى الآن
http://dawlaty.info
الثلاثاء، 1 مارس 2011
القبائل..عامل الحسم في إسقاط القذافي
(خريطة معلوماتية)
موقع أون إسلام
تتوالى الأنباء عن انضمام قبائل ليبية كبرى للثورة الشعبية في ليبيا بشكل يقلب موازين القوى على الأرض لصالح الثورة مما قد يسرع بسقوط النظام الليبي في وقت قياسي. هذه التحولات على الأرض أربكت حسابات النظام الليبي لتضعه في موقف ضعيف للغاية.
ومما لا شك فيه أن العامل القبلي الذي يميز ليبيا عن ثورتي تونس ومصر سيكون له الكلمة الفصل في حسم المواجهة بين القذافي والمحتجين . فعلى عكس مصر وتونس يغلب على المجتمع الليبي الطابع القبلي مثله تماماً مثل المجتمع اليمني، حيث يلعب هذا العامل دوراً كبيراً في نجاح الثورة أو فشلها، في بقاء النظام أو سقوطه.
وتزيد أهمية دور القبائل الليبية في حسم الصراع بسبب عدم وجود جيش قوي في ليبيا على غرار مصر وبدرجة أقل تونس. فالزعيم الليبي كان يخشى الجيش، ولا يثق به، ويعتبره خطراً على نظامه، ولهذا قرر حله تحت مسمى 'الشعب المسلح' كبديل. هذا لا ينفي ان هناك بقايا للجيش في ليبيا، ولكنه ضعيف التسليح، ومشكوك في ولائه، وهذا ما يفسر لجوء الزعيم الليبي الى تعزيز دور الميليشيات وكتائب الأمن الخاصة التي يرأسها أبناؤه أو أفراد قبيلته.
وعلى الرغم من سياسة النظام الليبي المعتادة في الإيقاع بين القبائل المختلفة لضمان عدم توحدهم ضده، إلا أن هناك عاملين رئيسيين دفعا القبائل لتناسي خلافاتهم والاتفاق على مناهضة النظام وهما فداحة المجازر التي قام بها النظام لسحق الاحتجاجات، مما دعا العديد من القبائل إلى أن تنوء بنفسها عن تلك الجريمة التي يصعب نسيانها ودعوة أبنائها المنضوية في الكتائب الأمنية التابعة للقذافي لترك الخدمة والانضمام للمتظاهرين، أما العامل الثاني فهو استعانة النظام ببلطجية من دول إفريقية... فقيام أجانب بقتل ليبيين حتى وإن كانوا من قبائل أخرى أو على خلاف معهم، أمر غير مقبول لدى القبائل العربية الأصيلة.
للمجتمع الليبي نسيج متشابك من الجماعات والقبائل التي لا يمكن حصرها، وتمثل القبائل العربية نسبة (97%)، بينما لا تتجاوز نسبة قبائل البربر (3%).
وفيما يلي استعراض لأهم وأكبر القبائل الليبية ومواقفها من حركة الإحتجاجات الشعبية المنتشرة عبر أرجاء ليبيا:
قبيلة القذاذفة...معقل رأس النظام
ينحدر الزعيم الليبي معمر القذافى من قبيلة القذاذفة والتى تسيطر على أجهزة الأمن والمليشيات التابعة للنظام، وهناك أتهامات لهم بالضلوع فى إطلاق نار على المتظاهرين، وتتركز قبيلة القذاذفه في سرت وسبها وينتشرون في طرابلس وبنغازي.
وهناك أنباء عن وجود مظاهرات منددة بالقذافي في مدينة سبها والتي ينحدر منها الزعيم الليبي.
قبيلة ورفلة.....تقلب الموازين
أعلنت قبيلة ورفلة أكبر قبائل ليبيا ويقدر عددها مليون نسمه مساء الأحد الموافق 20 فبراير الانضمام إلى الاحتجاجات المناهضة للنظام. وتنتشر قبيلة ورفلة فى مدن بني وليد وسرت وطرابلس وبنغازي.
انتفضت قبيلة ورفلة أكبر قبائل المنطقة الغربية وانضمت للثوار مما يقلب الموازين لصالح الثورة، ويعجل بسقوط نظام القذافى لما لهذه القبيلة من تأثير لكثرة عددها وتاريخها السابق فى محاولة الثورة والانقلاب على نظام القذافى بمساعدة أبنائها الضباط الذين كانوا منتشرين في الجيش وقتها وتعرضوا للقتل والسجن والتضييق عليهم من وقتها.أكد مراقبون وسياسيون إن موقف القذافى بعد انضمام هذه القبيلة إلى الاحتجاجات، قد ضعف لدرجة كبيرة، لما لهذه القبيلة من أصول عرقية متجذرة فى كافة المناطق الليبية.
قبيلة ترهونة ...تنضم إلى الثورة
انضمت قبيلة ترهونة إلى ورفلة، وهما أكبر قبيلتين في ليبيا ويناهز عددهم مليونين، إلى المتظاهرين ضد نظام معمر القذافي. وتنحدر ترهونة من قبيلة هوارة والتى تنتشر من تاورغاء حتى مدينة طرابلس.
في الوقت نفسه، صرح المتحدث باسم قبيلة ترهونة عبد الحكيم أبوزويدة أن شيوخ قبيلته، التي تشكل ثلث سكان العاصمة طرابلس، أعلنوا تبرؤهم من النظام وانضمام القبيلة للمتظاهرين ضد "الطاغية" ودعوا أبناء القبيلة للانضمام إلى الثورة.
وأضاف أن شيوخ القبيلة التي ينتسب إليها معظم جنود الجيش سعوا إلى توعية أبنائها خاصة الجنود بتاريخ قبيلتهم وعدم الانسياق وراء الفتنة التي دعا إليها سيف الإسلام بعد أن قام النظام بتسليح العديدين.
قبيلة الزوية...تهدد بوقف تدفق النفط
انضمت قبيلة زوية، والتي تقطن جنوب ليبيا في المناطق النفطية، إلى الثوار وهددت بوقف تدفق النفط إلى البلدان الغربية في حال عدم وقف قوات الأمن إطلاق النار على المتظاهرين.
وقال فرج الله الزوي أحد مشايخ قبيلة الزوي إن القبيلة "توجه إنذارا" إلى القذافي ومهلة 24 ساعة لحقن الدماء وقمع المتظاهرين، وإلا فستضطر القبيلة إلى وقف تدفق النفط إلى البلدان الغربية.
قبائل الطوارق...تهاجم مقرات النظام
قامت قبائل الطوارق في الجنوب بالانضمام للثورة ومهاجمة مقرات تابعة للنظام، يعيش الطوارق والملقبين بـرجال الصحراء الزرق في الجنوب الليبي حول غدامس وفي غات وجانيت وسهول ادرار، ولهم امتداد في دول الجوار- وخاصة الجزائر و النيجر و مالي - ويشتهرون بزيهم واللثام، والطوارق مسلمون سنيون مالكيون ، ولهم نفس هوية سكان شمال افريقيا ويتحدثون اللغة الأمزيغية بلهجتها الطوارقية.
وبدورها أكدت قبائل الطوارق جنوب ليبيا -في اتصال هاتفي لأحد أبنائها آكلي الشيخا مع الجزيرة من بروكسل- تأييدها للمطالبين بإسقاط نظام القذافي.
قبيلة الزنتان ....وقوة الجيش
وكانت قبيلة الزنتان قد سبقت بالانضمام للثورة، إضافة إلى حدوث انشقاقات واسعة بالكتائب الأمنية وانضمام كثير منها للثوار والتصدي للمرتزقة وبعض حرس القذافى الذين يشنون حربا على الشعب مستخدمين الأسلحة العسكرية الخفيفة والثقيلة، وقبيلة الزنتان من كبريات القبائل الليبية العربية وتقتن في منطقة جبال نفوسة.
قبيلة بنى وليد...ترفع راية العصيان
بادرت بنى وليد بسحب أبناءها من القوات الأمنية، عندما علم المواطنون في بني وليد بأن العميد عبدالله السنوسي صهر القذافي المكلف بالسيطرة على مصراته يستخدم أبناء بني وليد في الكتائب الأمنية مع المرتزقة الأفارقة لقمع المتظاهرين في المدن الأخرى.
اتصلت العائلات من بني وليد بالجنود وطالبوهم بالرجوع و عدم التعرض لأي متظاهر في مصراته أو أي مدينة أخرى و الرجوع إن أمكنهم ذلك. فعندما وصلت بعض الحافلات الناقلة لهم الى مصراته تركوا مواقعهم و التحقوا بالمتظاهرين. أما الذين لازالوا في بني وليد فعلموا هم أيضا بالأمر فتمردوا وفروا من المعسكر. فمن المعلوم أن مصراته و بني وليد تعتبران مدينتان مترابطتان إداريا و اجتماعيا.
قبيلة العبيدات...تحدث إنشقاقات فى قوات الأمن
مارست قبيلة العبيدات الضغط على أبنائها للانسحاب من القوات الأمنية الموالية للنظام. وتواردت أنباء تفيد أن اللواء عبد الفتاح يونس العبيدي، وزير الأمن العام قد انشق على القذافي، بضغط من قبيلته العبيدات، وهي أحد أكبر القبائل الليبية. كما نشرت أخبار عن انشقاق اللواء سليمان محمود العبيدي، بضغط من قبيلته والتي وعدته بتناسي كل ما فعله منذ انقلاب سبتمبر 1969. كل هذا أسهم في زيادة وتيرة الإنشقاقات فى صفوف القوات الموالية لعبد السلام جلود وتفتيتها.
قبيلة المقارحة...لم تحسم موقفها بعد
ويرى بعض الليبيين أنه يبقى الأمل في انضمام قبيلة المقارحة بالمنطقة الغربية المنتمي إليها رجل القذافي عبد السلام جلود، والتي ستعجل بسقوط النظام، ومن المتوقع انضمامها للثوار في أي لحظة بعدما تأكد الجميع أن الثورة في طريقها للنجاح. وتعد قبيلة المقارحة من أهم القبائل الليبية.
وفى النهاية، التحول في مواقف كبريات القبائل الليبية نحو خيار الثورة قد يدفع باقى القبائل الأخرى إلى حسم موقفها فى القريب العاجل لصالح الثورة، ويحاول العقيد معمر القذافى تدارك الموقف بأى طريقة عبر عقد اجتماعات موسعة مع شيوخ القبائل لدعوتهم لوقف الاحتجاجات. ولكن يبدوا أن الانتفاضة الشعبية الليبية قد وصلت لمرحلة اللاعودة!.
موقع أون إسلام
تتوالى الأنباء عن انضمام قبائل ليبية كبرى للثورة الشعبية في ليبيا بشكل يقلب موازين القوى على الأرض لصالح الثورة مما قد يسرع بسقوط النظام الليبي في وقت قياسي. هذه التحولات على الأرض أربكت حسابات النظام الليبي لتضعه في موقف ضعيف للغاية.
ومما لا شك فيه أن العامل القبلي الذي يميز ليبيا عن ثورتي تونس ومصر سيكون له الكلمة الفصل في حسم المواجهة بين القذافي والمحتجين . فعلى عكس مصر وتونس يغلب على المجتمع الليبي الطابع القبلي مثله تماماً مثل المجتمع اليمني، حيث يلعب هذا العامل دوراً كبيراً في نجاح الثورة أو فشلها، في بقاء النظام أو سقوطه.
وتزيد أهمية دور القبائل الليبية في حسم الصراع بسبب عدم وجود جيش قوي في ليبيا على غرار مصر وبدرجة أقل تونس. فالزعيم الليبي كان يخشى الجيش، ولا يثق به، ويعتبره خطراً على نظامه، ولهذا قرر حله تحت مسمى 'الشعب المسلح' كبديل. هذا لا ينفي ان هناك بقايا للجيش في ليبيا، ولكنه ضعيف التسليح، ومشكوك في ولائه، وهذا ما يفسر لجوء الزعيم الليبي الى تعزيز دور الميليشيات وكتائب الأمن الخاصة التي يرأسها أبناؤه أو أفراد قبيلته.
وعلى الرغم من سياسة النظام الليبي المعتادة في الإيقاع بين القبائل المختلفة لضمان عدم توحدهم ضده، إلا أن هناك عاملين رئيسيين دفعا القبائل لتناسي خلافاتهم والاتفاق على مناهضة النظام وهما فداحة المجازر التي قام بها النظام لسحق الاحتجاجات، مما دعا العديد من القبائل إلى أن تنوء بنفسها عن تلك الجريمة التي يصعب نسيانها ودعوة أبنائها المنضوية في الكتائب الأمنية التابعة للقذافي لترك الخدمة والانضمام للمتظاهرين، أما العامل الثاني فهو استعانة النظام ببلطجية من دول إفريقية... فقيام أجانب بقتل ليبيين حتى وإن كانوا من قبائل أخرى أو على خلاف معهم، أمر غير مقبول لدى القبائل العربية الأصيلة.
للمجتمع الليبي نسيج متشابك من الجماعات والقبائل التي لا يمكن حصرها، وتمثل القبائل العربية نسبة (97%)، بينما لا تتجاوز نسبة قبائل البربر (3%).
وفيما يلي استعراض لأهم وأكبر القبائل الليبية ومواقفها من حركة الإحتجاجات الشعبية المنتشرة عبر أرجاء ليبيا:
قبيلة القذاذفة...معقل رأس النظام
ينحدر الزعيم الليبي معمر القذافى من قبيلة القذاذفة والتى تسيطر على أجهزة الأمن والمليشيات التابعة للنظام، وهناك أتهامات لهم بالضلوع فى إطلاق نار على المتظاهرين، وتتركز قبيلة القذاذفه في سرت وسبها وينتشرون في طرابلس وبنغازي.
وهناك أنباء عن وجود مظاهرات منددة بالقذافي في مدينة سبها والتي ينحدر منها الزعيم الليبي.
قبيلة ورفلة.....تقلب الموازين
أعلنت قبيلة ورفلة أكبر قبائل ليبيا ويقدر عددها مليون نسمه مساء الأحد الموافق 20 فبراير الانضمام إلى الاحتجاجات المناهضة للنظام. وتنتشر قبيلة ورفلة فى مدن بني وليد وسرت وطرابلس وبنغازي.
انتفضت قبيلة ورفلة أكبر قبائل المنطقة الغربية وانضمت للثوار مما يقلب الموازين لصالح الثورة، ويعجل بسقوط نظام القذافى لما لهذه القبيلة من تأثير لكثرة عددها وتاريخها السابق فى محاولة الثورة والانقلاب على نظام القذافى بمساعدة أبنائها الضباط الذين كانوا منتشرين في الجيش وقتها وتعرضوا للقتل والسجن والتضييق عليهم من وقتها.أكد مراقبون وسياسيون إن موقف القذافى بعد انضمام هذه القبيلة إلى الاحتجاجات، قد ضعف لدرجة كبيرة، لما لهذه القبيلة من أصول عرقية متجذرة فى كافة المناطق الليبية.
قبيلة ترهونة ...تنضم إلى الثورة
انضمت قبيلة ترهونة إلى ورفلة، وهما أكبر قبيلتين في ليبيا ويناهز عددهم مليونين، إلى المتظاهرين ضد نظام معمر القذافي. وتنحدر ترهونة من قبيلة هوارة والتى تنتشر من تاورغاء حتى مدينة طرابلس.
في الوقت نفسه، صرح المتحدث باسم قبيلة ترهونة عبد الحكيم أبوزويدة أن شيوخ قبيلته، التي تشكل ثلث سكان العاصمة طرابلس، أعلنوا تبرؤهم من النظام وانضمام القبيلة للمتظاهرين ضد "الطاغية" ودعوا أبناء القبيلة للانضمام إلى الثورة.
وأضاف أن شيوخ القبيلة التي ينتسب إليها معظم جنود الجيش سعوا إلى توعية أبنائها خاصة الجنود بتاريخ قبيلتهم وعدم الانسياق وراء الفتنة التي دعا إليها سيف الإسلام بعد أن قام النظام بتسليح العديدين.
قبيلة الزوية...تهدد بوقف تدفق النفط
انضمت قبيلة زوية، والتي تقطن جنوب ليبيا في المناطق النفطية، إلى الثوار وهددت بوقف تدفق النفط إلى البلدان الغربية في حال عدم وقف قوات الأمن إطلاق النار على المتظاهرين.
وقال فرج الله الزوي أحد مشايخ قبيلة الزوي إن القبيلة "توجه إنذارا" إلى القذافي ومهلة 24 ساعة لحقن الدماء وقمع المتظاهرين، وإلا فستضطر القبيلة إلى وقف تدفق النفط إلى البلدان الغربية.
قبائل الطوارق...تهاجم مقرات النظام
قامت قبائل الطوارق في الجنوب بالانضمام للثورة ومهاجمة مقرات تابعة للنظام، يعيش الطوارق والملقبين بـرجال الصحراء الزرق في الجنوب الليبي حول غدامس وفي غات وجانيت وسهول ادرار، ولهم امتداد في دول الجوار- وخاصة الجزائر و النيجر و مالي - ويشتهرون بزيهم واللثام، والطوارق مسلمون سنيون مالكيون ، ولهم نفس هوية سكان شمال افريقيا ويتحدثون اللغة الأمزيغية بلهجتها الطوارقية.
وبدورها أكدت قبائل الطوارق جنوب ليبيا -في اتصال هاتفي لأحد أبنائها آكلي الشيخا مع الجزيرة من بروكسل- تأييدها للمطالبين بإسقاط نظام القذافي.
قبيلة الزنتان ....وقوة الجيش
وكانت قبيلة الزنتان قد سبقت بالانضمام للثورة، إضافة إلى حدوث انشقاقات واسعة بالكتائب الأمنية وانضمام كثير منها للثوار والتصدي للمرتزقة وبعض حرس القذافى الذين يشنون حربا على الشعب مستخدمين الأسلحة العسكرية الخفيفة والثقيلة، وقبيلة الزنتان من كبريات القبائل الليبية العربية وتقتن في منطقة جبال نفوسة.
قبيلة بنى وليد...ترفع راية العصيان
بادرت بنى وليد بسحب أبناءها من القوات الأمنية، عندما علم المواطنون في بني وليد بأن العميد عبدالله السنوسي صهر القذافي المكلف بالسيطرة على مصراته يستخدم أبناء بني وليد في الكتائب الأمنية مع المرتزقة الأفارقة لقمع المتظاهرين في المدن الأخرى.
اتصلت العائلات من بني وليد بالجنود وطالبوهم بالرجوع و عدم التعرض لأي متظاهر في مصراته أو أي مدينة أخرى و الرجوع إن أمكنهم ذلك. فعندما وصلت بعض الحافلات الناقلة لهم الى مصراته تركوا مواقعهم و التحقوا بالمتظاهرين. أما الذين لازالوا في بني وليد فعلموا هم أيضا بالأمر فتمردوا وفروا من المعسكر. فمن المعلوم أن مصراته و بني وليد تعتبران مدينتان مترابطتان إداريا و اجتماعيا.
قبيلة العبيدات...تحدث إنشقاقات فى قوات الأمن
مارست قبيلة العبيدات الضغط على أبنائها للانسحاب من القوات الأمنية الموالية للنظام. وتواردت أنباء تفيد أن اللواء عبد الفتاح يونس العبيدي، وزير الأمن العام قد انشق على القذافي، بضغط من قبيلته العبيدات، وهي أحد أكبر القبائل الليبية. كما نشرت أخبار عن انشقاق اللواء سليمان محمود العبيدي، بضغط من قبيلته والتي وعدته بتناسي كل ما فعله منذ انقلاب سبتمبر 1969. كل هذا أسهم في زيادة وتيرة الإنشقاقات فى صفوف القوات الموالية لعبد السلام جلود وتفتيتها.
قبيلة المقارحة...لم تحسم موقفها بعد
ويرى بعض الليبيين أنه يبقى الأمل في انضمام قبيلة المقارحة بالمنطقة الغربية المنتمي إليها رجل القذافي عبد السلام جلود، والتي ستعجل بسقوط النظام، ومن المتوقع انضمامها للثوار في أي لحظة بعدما تأكد الجميع أن الثورة في طريقها للنجاح. وتعد قبيلة المقارحة من أهم القبائل الليبية.
وفى النهاية، التحول في مواقف كبريات القبائل الليبية نحو خيار الثورة قد يدفع باقى القبائل الأخرى إلى حسم موقفها فى القريب العاجل لصالح الثورة، ويحاول العقيد معمر القذافى تدارك الموقف بأى طريقة عبر عقد اجتماعات موسعة مع شيوخ القبائل لدعوتهم لوقف الاحتجاجات. ولكن يبدوا أن الانتفاضة الشعبية الليبية قد وصلت لمرحلة اللاعودة!.