الصفحات

الجمعة، 25 نوفمبر 2011

كيف تتراجع الامبراطورية الأقوى في العالم؟(2 من 2)

تحوّل استراتيجي أميركي إلى الشرق الأقصى والمحيط الهادئ
الثلاثاء 22 نوفمبر 2011
آمال مدللي

ليس مصادفة أن تستضيف الولايات المتحدة قمة دول آسيا – المحيط الهادئ (آبيك) للمرة الأولى منذ عشرين عاماً. فهذه القمة التي عقدت في هونولولو الأميركية في المحيط الهادئ تأتي في الوقت الذي تعلن فيه الولايات المتحدة عن تغيير استراتيجي في توجهها الخارجي في الحقلين الاقتصادي والسياسي. فالولايات المتحدة بعثت برسائل عدة خلال هذه القمة عبر الرئيس باراك أوباما ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ووزير الدفاع ليون بانيتا مفادها أن هذه المنطقة تتصدر رأس أولويات الولايات المتحدة ولا ترى منطقة في العالم أكثر حيوية من منطقة آسيا – المحيط الهادئ، وأن أميركا تتطلع غرباً إلى المحيط الهادئ والى آسيا بعد توجه استراتيجي لأكثر من ستين عاماً جعل المحيط الأطلسي حجر الزاوية في استراتيجيتها الدولية. إن التوجه إلى الهادئ لا يعني التخلي عن الأطلسي لكنه يعني أن الهادئ هو المستقبل. ولهذا التغيير تأثير هام على الشرق الأوسط وعلى أولويات أميركا فيه ولكن، لن يكون من السهل على واشنطن خفض الشرق الأوسط إلى درجات دنيا في استراتيجيتها الدولية لأن تاريخ المنطقة يشير إلى أنها تعرف دائماً كيف تعيد الكبار إلى ملعبها المؤلم وإن أرادت غير ذلك.كان الرئيس أوباما واضحاً في مؤتمره الصحافي في قمة آبيك عن رغبته في الانتقال إلى مسرح فيه كل فرص النجاح، إن لجهة النمو الاقتصادي أو لجهة التجارة، وفوائده المباشرة على الاقتصاد الأميركي.قال: «أمضينا عقداً بعد 11 أيلول في التركيز على المسائل الأمنية، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط وهذا مفهوم ولا يزال مهماً، لكننا نوجه اهتمامنا مرة أخرى إلى منطقة آسيا – المحيط الهادئ وهذا يعطي ثماراً فورية لجهة تحسن العلاقات مع بلدان المنطقة وبدأت الشركات ترى فرصاً لذلك.وشدد أوباما على أن منطقة دول آبيك التي تضم 21 اقتصاداً و3 بلايين نسمة «منطقة حيوية بالتأكيد للنمو الاقتصادي الأميركي. إننا نعتبرها على رأس أولوياتنا، لأننا لن نستطيع أن نعيد مواطنينا إلى العمل وننمّي اقتصادنا وننمّي الفرص إلا إذا كانت منطقة آسيا – المحيط الهادئ ناجحة». والمنطقة هامة لأجندة أوباما. وهو قال للمؤتمر: «إن منطقة آسيا – المحيط الهادئ هي المفتاح لتحقيق هدفي في مضاعفة الصادرات الأميركية وإيجاد وظائف جديدة».وأكد أن منطقة آبيك، التي تضم نصف تجارة العالم ونصف الناتج المحلي العالمي (55 في المئة) وتشتري 58 في المئة من الصادرات الأميركية، أولوية لأميركا سواء في البنية الأمنية أو في التجارة.وأهمية هذه المنطقة عالمياً أنها مسرح نفوذ أقوى اقتصادين في العالم، الاقتصاد الأميركي الأول في العالم والاقتصاد الصيني. لهذا شدد أوباما في كلمته على أن التعاون بين البلدين «أمر حيوي للعالم أجمع».
الرئيس الصيني جان كاو هوو تحدث عن وضع دولي معقد يمر بتغييرات جوهرية مع ارتفاع عدم الاستقرار وتزايد المخاطر الإقليمية وقال إنه في ظل هذه الظروف من المهم مضاعفة التنسيق بين الولايات المتحدة والصين. وأضاف إن الصين تتطلع إلى «الحفاظ على تقوية الحوار والتعاون مع الولايات المتحدة واحترام مخاوف بعضنا بعضاً وأن ندير بشكل مناسب المسائل الحساسة».
واتفق هوو مع أوباما على أن منطقة آسيا – المحيط الهادئ هي أكثر المناطق حيوية في العالم وصاحبة أكبر قدرة على النمو وأمل أن يرسل اجتماع القمة رسالة إلى العالم فحواها أن دول آسيا – المحيط الهادئ سيمدون اليد لبعضهم بعضاً مثل ركاب على مركب واحد وسيعملون لضمان استمرار نمو اقتصادياتهم».
قبطان واحد
الولايات المتحدة تمدّ اليد إلى ركاب مركب المحيط الهادئ والآسيوي ولكنها تريد من الجميع ألا ينسى أن هناك قبطاناً واحداً هو أميركا، وقيادة واحدة في منطقة آسيا – المحيط الهادئ هي القيادة الأميركية. هذا واضح بجلاء في الاستراتيجية الأميركية لمنطقة آسيا – المحيط الهادئ التي أعلنت عنها هيلاري كلينتون في مقال كتبته في مجلة «سياسة خارجية» في عددها الأخير تحت عنوان «قرن أميركا الهادئ (المحيط)» وضعت كلينتون الخطوط العريضة للاستراتيجية الأميركية في المنطقة وماذا تعني للولايات المتحدة والعالم. وأكدت «أن المستقبل الجيو- سياسي سيجرى تقريره في آسيا وليس في العراق أو أفغانستان، وعلى الولايات المتحدة أن تكون في وسط الحدث».
نعرف من المقال أن هذا التحوّل في التوجه الاستراتيجي الذي يمكن وصفه بمبدأ أوباما لم يبدأ هذا الأسبوع بقمة آبيك في جزيرة هونولولو أو بمقال كلينتون. نعلم مثلاً أن الرئيس أوباما، الذي ولد وتربى في هونولولو في المحيط الهادئ، رسم هذا الطريق منذ وصوله إلى الحكم وقاد جهداً متعدد الجوانب والوجوه داخل الإدارة الأميركية كي يتم احتضان هذا الدور في المحيط الهادئ الذي «لا يمكن الاستغناء عنه» بحسب قول كلينتون. وهذا الجهد كما قالت كان جهداً هادئاً وليس على الصفحات الأولى للصحف. كسرت كلينتون التقاليد فكانت أول زيارة خارجية لها إلى آسيا، وهي زارت آسيا سبع مرات «ورأيت عن قرب التحولات السريعة في المنطقة والتي تؤكد مدى ترابط مستقبل الولايات المتحدة بمستقبل آسيا – المحيط الهادئ».
ووضعت كلينتون هذا التوجه في إطار الحفاظ على الدور العالمي للولايات المتحدة، قالت: «إن هذا التوجه الاستراتيجي إلى المنطقة يتناسب منطقياً مع جهدنا العالمي العام للضمان والحفاظ على الدور العالمي لأميركا». وشددت على أهمية آسيا لمستقبل أميركا «فالدور الأميركي حيوي لمستقبل آسيا». واعتبرت، في ما سيقابل بتشكيك لا محالة من قبل الصينيين وبعض حلفائهم في المنطقة، «إن آسيا بحاجة إلى قيادة أميركا وتجارتها أكثر من أي وقت مضى في التاريخ الحديث».
لكن الخبراء الآسيويين يرون أن مركز القوى تغيّر في العالم إلى آسيا وأن الولايات المتحدة تقوي موقعها الجديد وتضع أولويات سياستها ودفاعاتها. وهي بهذا تقوي حديقتها الخلفية لأنها دولة على المحيط الهادئ ولا تريد أن ترى نفوذها يضعف هناك. ووصف خبير آسيوي هذا التحوّل الاستراتيجي الأميركي بقوله: «إن أميركا تتراجع من الشرق الأوسط إلى آسيا».
لكن النظر إلى الاستراتيجية الجديدة التي قدمتها كلينتون لا يُظهر تراجعاً وإنما تأكيداً أميركياً على الاستعداد للقيادة. قالت كلينتون: «إن الناس في آسيا يسألون ما إذا كانت أميركا ستحافظ على التزاماتها الاقتصادية والاستراتيجية وما إذا كنا نستطيع دعم هذه الالتزامات بالفعل. الجواب إننا نستطيع وسنفعل ذلك».
ولا يترك المسؤولون الأميركيون أدنى شك حول ترابط هذا التحول الاستراتيجي بالوضع الداخلي الأميركي وبالجهود للخروج من الأزمة الاقتصادية عبر إيجاد فرص جديدة وأسواق جديدة للصادرات والمصالح الأميركية. كما انه بالدرجة الأولى يعكس قلقاً من نمو نفوذ الصين وقوتها في المنطقة اقتصادياً وسياسياً.
الأكثر مرونة
تقول نظرية التطور والنشوء إن من يبقى من المخلوقات ليس الأقوى أو الأكثر ذكاءً وإنما من لديه القدرة الأكبر على التأقلم. إن العقل الأميركي هو ربما من أكثر العقول مرونة في العالم وهو عملي ويركّز على «الآن» والـ «هنا» بحسب ملاحظة الكيسيس دو توكفيل في كتابه الشهير «الديموقراطية في أميركا». واليوم في مواجهة التحديين الاقتصادي والسياسي الداخلي والخارجي تطلعت الولايات المتحدة حول وضعها العالمي وخياراتها الموجودة. وجدت نفسها وسط أزمة اقتصاد يصعب الخروج منها بسهولة طالما بقيت أسباب وجودها لا تتغيّر. أحد أهم هذه الأسباب النزيف المالي والبشري الذي تفرضه عليها حربان في الشرق الأوسط وفي الشرق الأوسط الكبير أي العراق وأفغانستان. وجدت نزاعاً مستديماً هناك ينقل المنطقة من أزمة إلى حرب ومن حرب إلى أزمات متكررة. ووجدت حلفاءها الأوروبيين غارقين في أزمات مالية مميتة ومستقبل اقتصادي غامض.
في المقابل نظرت إلى آسيا والمحيط الهادئ ووجدت صورة مختلفة تماماً. فصادرات أميركا إلى منطقة المحيط الهادئ كانت السنة الماضية 320 بليون دولار ودعمت 850 ألف وظيفة أميركية وهناك 50 ألف جندي في اليابان وأميركا.
تقول وزيرة الخارجية في مقالها إن «أسواق آسيا المفتوحة توفر للولايات المتحدة فرصاً غير مسبوقة للاستثمار والتجارة والحصول على أحدث تكنولوجيا. «وتعافي أميركا الاقتصادي» يعتمد على قدرة الشركات الأميركية على الوصول إلى «القاعدة الاستهلاكية الهائلة التي تنمو في آسيا». والمنطقة تضم من وجهة النظر الأميركية «المفتاح للسياسة العالمية والعديد من المحركات الرئيسية للاقتصاد العالمي. كما إن أميركا لديها حلفاء قدماء وموقف في هذه المنطقة، إضافة إلى قوى صاعدة تمثل تحدياً لأميركا وإنما أيضاً فرصاً للعمل على بناء بنية استراتيجية لنظام سياسي – اقتصادي دفاعي لمنطقة تعتبرها أولويتها الأولى». والوزيرة الأميركية أكدت أن الولايات المتحدة ستساعد في بناء هذا البنيان الاستراتيجي كما فعلت في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية مثل الناتو وشبكة المؤسسات المالية والعسكرية والسياسية الأخرى. قالت: «حان الوقت لأن تستثمر أميركا استثماراً مماثلاً كقوة محيط هادئ».
فما هي الأهداف الاستراتيجية الأميركية في المحيط الهادئ – آسيا؟
تجيب كلينتون في مقالها إن «الحفاظ على السلم والأمن في آسيا – المحيط الهادئ يصبح حيوياً أكثر فأكثر للتقدم العالمي/ سواء من خلال الدفاع عن حرية الملاحة في بحر جنوب الصين ومواجهة جهود الانتشار النووي لكوريا الشمالية، وضمان الشفافية للنشاطات العسكرية للاعبين الرئيسيين في المنطقة».
أما هذه الاستراتيجية فستتقدم على 6 محاور عمل:
- تقوية التحالفات الثنائية الأمنية.
- تعميق علاقة العمل مع الدول الصادة بما فيها الصين.
- التواصل مع المؤسسات الإقليمية المتعددة الأطراف.
- توسيع نطاق التجارة والاستثمار.
- صوغ وجود عسكري واسع.
- دعم الديموقراطية وحقوق الإنسان.
كما تقول كلينتون إن اليابان هي حجر الأساس في السلام والاستقرار في المنطقة وإن البلدان اتفقا على ترتيبات جديدة «بما فيها مساهمة من طوكيو قيمتها 5 بلايين دولار لضمان استمرار وجود القوات الأميركية في اليابان. أما أستراليا فيجري توسيع العلاقة معها في جميع المجالات حيث مشورة أستراليا لا غنى عنها». أما الصين فتمثل «إحدى العلاقات الثنائية الأكثر تحدياً التي أدارتها الولايات المتحدة في تاريخها». وهذه تحتاج إلى سياسة متأنية وثابتة وحيوية من الولايات المتحدة، لهذا، أضافت كلينتون، «كانت الصين إحدى أبرز أولوياتي على مدى السنتين الماضيتين ولهذا بدأت مع وزير المال تيموثي غايشنر الحوار الاستراتيجي والاقتصادي معها». أما الهند فتذكّر كلينتون «أن أوباما أخبر البرلمان الهندي أن العلاقة بين الهند وأميركا ستكون واحدة من الشراكات التي ستحدد القرن الحادي والعشرين وأن أميركا تضع الرهان على مستقبل الهند وعلى الدور الأكبر الذي ستلعبه على المسرح الدولي والذي سيساهم في دعم السلام والأمن». ووسعت إدارة أوباما الشراكة الثنائية مع الهند في «الهند تتطلع إلى الشرق» بما فيها من خلال حوار ثلاثي جديد بين الهند واليابان وأميركا. كما توسع الولايات المتحدة علاقة شراكة جديدة مع أندونيسيا ثالث أكبر ديموقراطية وأكبر بلد مسلم بحسب قول الوزيرة الأميركية. وأشارت إلى أن الرئيس الأميركي سيحضر قمة شرق آسيا لأول مرة في أندونيسيا حيث عاش لفترة في صغره. إن هؤلاء هم شركاء أميركا الجدد وأسس بنيانها الاستراتيجي الجديد.
الشرق الأوسط ليس أولوية ولكن
أين هو الشرق الأوسط في استراتيجية أميركا الجديدة؟
بالتأكيد إنه ليس أولوية.
خصصت الوزيرة الأميركية فقرة من بضعة أسطر قصيرة عن الشعوب في المنطقة وليس عن الحكومات. قالت: «إن شعوب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يخطون طريقاً جديداً له تبعات عالمية عميقة، والولايات المتحدة ملتزمة بشراكة نشطة ودائمة بينما المنطقة تشهد هذا التحول». من الواضح أن سياسة أميركا هي انتظار ما سيتمخض عنه هذا التحول. تاريخياً كان الالتزام يتركز على ثلاث قضايا أساسية للمصالح الأميركية في المنطقة وهي: النفط وإسرائيل وانتشار السلاح النووي (إيران).
هذه القضايا حيوية للولايات المتحدة ومترابطة ومن الصعب تخيّل ضعف اهتمام واشنطن بأي منها. حتى لو أرادت الولايات المتحدة أن تبتعد قليلاً وتحاول إخراج نفسها من رمال الشرق الأوسط فإن المنطقة لديها سجل تاريخي في إعادة اللاعبين الكبار إلى ساحتها وإغراقهم حتى أكثر مما كانوا فيه قبل أن يبتعدوا، فالرئيس جورج بوش مثلاً أمضى الأشهر التسعة الأولى من ولايته لا يريد أن يولي السياسة الخارجية عموماً والشرق الأوسط على وجه الخصوص أي اهتمام. كان يريد التركيز على الوضع الداخلي. بعد أحداث 11 أيلول دخلت أميركا في حربين في أفغانستان ثم في العراق ولا تزال تدفع ثمنهما يومياً من الدم والمال.
أما الآن والولايات المتحدة تحاول إيجاد طريق جديد لها لا يتخلى عن الشرق الأوسط ولكن يضع أميركا أولاً في الاعتبارات الاستراتيجية، يتجه الشرق الأوسط إلى فوهة بركان وهو بأمس الحاجة إلى استمرار قيادة أميركية ترى فيه مجالاً حيوياً، على رغم توجهاتها الجديدة.
ويدعو خبراء السياسة الخارجية الولايات المتحدة الى تحديد أولوياتها واستثمار قوتها بطريقة حكيمة بحسب قول ستيفن والت الذي كتب في مجلة «ذي ناشونال انتريست» مقالاً في عنوان: «انتهاء الحقبة الأميركية». قال فيه: «بدلاً من أن تكون الولايات المتحدة القوة التي لا يستغنى عنها في كل مكان تقريباً فهي بحاجة إلى اكتشاف كيف يمكن أن تكون قوة حاسمة في الأماكن التي لديها قيمة وتهمها أكثر من غيرها».
ويدعو للعودة إلى «الاستراتيجية الكبرى»، أي خلق توازن بعيداً عن الشطآن وهو يؤدي إلى الحفاظ على ميزان قوى بين الدول القوية في أوراسيا والدول الغنية نفطياً ويقول إن «هذه هي الوحيدة اليوم التي تستحق أن نرسل القوات الأميركية لتقاتل وتموت فيها».
ولكن بدلاً من السيطرة على هذه المناطق مباشرة يقترح والت أن يكون التوجه الأول «حمل الحلفاء المحليين على الحفاظ على ميزان القوى من أجل مصالحهم الذاتية».
بثمن رخيص
إن هذه الاستراتيجية الجديدة كما يصفها أطلق عليها بعضهم في النقاش الدائر حول الامبراطورية الأميركية اسم «امبراطورية بثمن رخيص». حيث يتحمل الحلفاء العبء على أكتافهم والولايات المتحدة تشجعهم من الخلف وتتدخل عند الحاجة. يقول والت: «بدلاً من أن نوفر لهم رحلة مجانية يجب أن نركب معهم مجاناً قدر المستطاع، ونتدخل فقط بقوات أرضية وجوية عندما تقوم قوة واحدة بالتهديد بالسيطرة على منطقة حيوية».
وهناك فريق آخر من الخبراء يتحدث عن «الحكمة في الانكماش» أي انه يجب على الولايات المتحدة أن تخفف من عبئها لكي تتحرك إلى الأمام (في مجلة «شؤون خارجية»). ويدعو هؤلاء إلى تقليص أكبر في الموازنة العسكرية وإعادة تحديد الأولويات في السياسة الخارجية الأميركية وإعادة توجيه هذه الموارد إلى حل مشاكل أميركا الداخلية.
ويرى كثيرون أن انكماش الدور الأميركي سيؤدي إلى نتائج سلبية سترتد على أميركا وأبرزها: طغيان قوى أخرى غير ديموقراطية، انخفاض التجارة، إيجاد عدم استقرار دولي، فقدان الولايات المتحدة قدرتها الردعية وحتى انقسام سياسي في واشنطن وإرسال رسالة خاطئة للحلفاء حول التزام أميركي ويقوي القوى الناشئة. لكن الذين يريدون من واشنطن ترتيب أوضاعها الاستراتيجية يستبعدون هذه النتائج ويرون على العكس أن سياسة الترشيد يمكن أن تؤدي إلى توفير متنفس للإصلاحات والتعافي الاقتصادي وزيادة المرونة الاستراتيجية.
أميركا إدارة أوباما ترتكز على استراتيجية أمن قومي تعكس توجهاً مختلفاً عن سابقاتها لجهة الرغبة في العمل مع الآخرين ومشاركة الأعباء. تقول الوثيقة الصادرة عام 2010 إن «أعباء القرن الجديد لا يمكن أن تقع على أكتاف أميركا وحدها»، «ولا يمكن لأي بلد وحده أن يواجه تحديات القرن الواحد والعشرين أو أن يملي شروطه على العالم».
إنها أميركا متواضعة تلك التي تسعى للعمل مع الآخرين، يقول الرئيس أوباما في مقدمة التقرير – الاستراتيجية: «إن الولايات المتحدة أقامت علاقات تجارية ودعمت بنياناً دولياً يتكوّن من قوانين ومؤسسات، وسال الدم الأميركي في بلاد أجنبية ليس من أجل بناء امبراطورية وإنما لكي نقوم بتشكيل عالم يقوم فيه أشخاص وأمم بتقرير مصيرهم والعيش بالسلام وبالكرامة التي يستحقون».
الرئيس أوباما يدير دفة أميركا نحو المحيط الهادئ آملاً بأن تحمل أمواجه خيرات آسيا عوضاً عن هموم الأطلسي والشرق الأوسط، فهل ينجح؟
شعاره «نعم نستطيع»، لكن تجربته في الحكم علمته أن الشعارات عبارات تمن في معظم الأحيان.