الصفحات

الجمعة، 25 نوفمبر 2011

خمسون عاما على رحيل فرانز فانون: من فانون إلى الرفاق في الثورة

من فانون إلى الرفاق في الثورة
«هيا يا رفاق، انه ليجدر بنا ان نقرر منذ الآن، ان ننتقل إلى الضفة الأخرى. الليل الطويل الذي كنا غارقين فيه، يجب ان نهزه وان نخرج منه».
«ينبغي ان نترك أحلامنا، ان نترك اعتقاداتنا القديمة... لنترك هذه الأوروبا التي لا تفرغ عن الكلام على الإنسان وهي تقتله حيثما وجدته، في جميع نواصي شوارعها وفي جميع أركان العالم».
«لقد انقضت قرون وأوروبا تجمد تقدم البشر الآخرين وتستعبدهم لتحقيق أهدافها وأمجادها. انقضت قرون وهي، باسم «مغامرة روحية» مزعومة، تخنق الإنسانية كلها تقريبا... ومع ذلك، نستطيع أن نقول انها، في بلادها، قد نجحت بكل شيء في مجال التحقيق. (لقد) رفضت أوروبا كل مذلة وكل تواضع، ولكنها رفضت ايضا كل حنان وكل رفق».
«لم تظهر بخيلة شحيحة إلا مع الإنسان».
«ان هذه الأوروبا التي لم تنقطع لحظة عن الادعاء بأنها لا تهتم إلا بالإنسان، نحن نعلم اليوم كم قاست الإنسانية من آلام، ثمناً لكل نصر من انتصارات روحها... هيا يا رفاق، لقد انتهت لعبة أوروبا تماما. وعلينا ان نجد شيئا آخر. اننا نستطيع اليوم ان نفعل كل شيء، شريطة ألا نقلد اوروبا تقليدا أعمى وأخرق. شريطة ألا تحاصرنا الرغبة في اللحاق بأوروبا. لقد بلغت أوروبا من فرط السرعة المجنونة الطائشة في سيرها ان زمامها قد أفلت من كل قيادة ومن كل عقل، وان دواراً رهيباً يعصف برأسها ويودي بها في هوة يحسن الابتعاد عنها بأقصى سرعة ممكنة».
«... منذ قرنين، قررت مستعمرة أوروبية قديمة ان تلحق بأوروبا، وقد بلغت من النجاح من ذلك، ان الولايات المتحدة الأميركية أصبحت كائنا عجيبا مشوها تضخمت فيه تضخما رهيبا عيوب أوروبا وأمراضها ولاإنسانيتها».
«أيها الرفاق، أليس علينا ان نفعل شيئا آخر غير خلق اوروبا ثالثة؟ لقد أراد الغرب ان يكون مغامرة للفكر، وباسم الفكر، فكر أوروبا طبعا، انما سوّغت أوروبا جرائمها، وجعلت استعبادها لخمسة أرباع الإنسانية شرعياً».
«... نحن لا نريد اللحاق بأحد. ولكننا نريد أن نمشي طوال الوقت، ليلا ونهاراً، في صحبة الإنسان، في صحبة جميع البشر. وعلينا ان نجعل القافلة متراصة غير متباعدة... ان على العالم الثالث ان يستأنف تاريخاً للإنسان، يحسب حساب النظرات التي جاءت بها اوروبا، وكانت بعض الأحيان رائعة، ولكنه يحسب ايضا حساب الجرائم التي قامت بها أوروبا في الوقت نفسه، وأبشع هذه الجرائم انها قد شتّتت وظائف الإنسان تشتيتاً مرضيا، وفتتت وحدته، كما أوجدت في المجتمع تحطما وتكسراً وتوترات دامية تغذيها طبقات، وكما أوجدت على مستوى الإنسانية أحقاداً عرقية واستعباداً واستغلالاً، بل قتلا هو ذلك النبذ لمليار ونصف مليار من البشر». (كان عدد سكان الأرض مليارين ونيفاً).
«فيا أيها الرفاق، يجب علينا ان لا ندفع جزية لأوروبا بخلق دول ونظم ومجتمعات تستوحي اوروبا... ان الإنسانية تنتظر منا شيئا آخر غير هذا التقليد الكاريكاتيري، الفاجر على وجه الاجمال».
«إذ أردنا ان نحيل (بلادنا) إلى اوروبا جديدة، وأن نحيل أميركا إلى أوروبا جديدة، كان علينا ان نعهد بمصائر بلداننا إلى أوروبيين، لأنهم يحسنون التصرف أكثر من أعظمنا موهبة. أما إذا أردتم ان تتقدم الإنسانية درجة، إذا أردنا ان نحمل الإنسانية إلى مستوى مختلف عن المستوى الذي بلغته اوروبا، فعندئذ يجب علينا ان نبتكر، ان نكتشف».
«إذا أردنا ان نستجيب لآمال شعوبنا فيجب علينا ان نبحث في غير اوروبا.. فمن أجل أوروبا، ومن أجل أنفسنا، ومن أجل الإنسانية، يجب علينا يا رفاق، ان نلبس جلداً جديداً، ان ننشئ فكراً جديداً، ان نحاول خلق إنسان جديد».
[[[
«... الدكتاتورية البورجوازية في البلاد المتخلفة إنما تستمد متانتها من جود زعيم. ان البورجوازية الدكتاتورية في البلاد المتطورة هي نتيجة القوة الاقتصادية التي تتمتع بها البورجوازية. أما في البلاد المتخلفة، فإن الزعيم هو القوة المعنوية التي تريد البورجوازية، الهزيلة الفقيرة، ان تغتني في ظلها وتحت حمايتها».
«... لقد كان الزعيم قبل الاستقلال، يجسد آمال الشعب بوجه عام: الاستقلال، الحريات السياسية، العزة القومية. ولكنه بعد الاستقلال، بدلاً من ان يجسد حاجات الشعب تجسيداً محسوساً... تراه يكشف عن وطنيته الصميمة ألا وهي ان يكون الرئيس العام لشركة المنتفعين المسرعين إلى التمتع، أعني البورجوازية الوطنية».
«... ان اتصال (الزعيم) بالشعب اتصال غير واقعي، وسرعان ما يقتنع بأن الشعب أصبح متنكراً لسلطته وأن الناس أخذوا يشكون من الخدمات التي قدمها لوطنه. ويقسو الزعيم قسوة شديدة في الحكم على هذه الجماهير التي لا تعترف له بالجميل، وما ينفك ينحاز يوما بعد يوم إلى معسكر المستغلين، ثم ينقلب انقلابا واعياً إلى شريك للبورجوازية الناشئة التي تتخبط في أحضان الفساد واللذة».
«... ويركد الشعب ركوداً محزناً على بؤس لا يطاق. ويدرك إدراكاً بطيئا تلك الخيانة التي يرتكبها قادته والتي لا يمكن ان تسمى باسم... ان هذا الإثراء الناضح السريع الذي لا يرحم، يوقظ الشعب إيقاظاً حاسماً. ويتصور الشعب عندئذ انه لا بد له من غد عنيف يحمل إليه الفرج ويعده بالخير...».
«... انه الزعيم (الذي يجر وراءه حياة مناضل جريء) يغمض عينيه عن وقاحة البورجوازيين. يقيم حاجزاً بين الشعب والبورجوازية الجشعة، لأنه يحمي أعمال هذه الفئة... ان الزعيم يساهم في لجم وعي الشعب، ويصبح من أشد العاملين حماسة في تضليل الجماهير وتخديرها (إعلام حديث في خدمته)... في وسعنا ان نقول ان الزعيم يوقف سير الشعب موضوعياً ويعمل جاهراً إما على طرده من التاريخ وإما على منعه من دخول التاريخ... انه يضاعف جهوده من أجل تخدير الشعب وتنويمه».
«... لقد كان هناك حزب يقوده الزعيم نفسه أثناء مرحلة الكفاح في سبيل التحرير، ولكن هذا الحزب قد تحلل بعد ذلك، ولم يبق منه إلا الشكل والاسم والرمز. ان الحزب المنظم الذي كان يتيح سريان فكرة تكوّنت على أساس الحاجات الحقيقية للجماهير، قد تحوّل الآن إلى نقابة لضمان مصالح أفراد. لقد أصبحت وظيفة الحزب الآن هي ان يوصل إلى الشعب التعليمات الآتية من القمة. وزال ذلك الذهاب والاياب من القاعدة إلى القمة ومن القمة إلى القاعدة. زال ذلك التواصل الخصب الذي هو أساس الأحزاب وضمانة ديموقراطيتها. إن ما بقي من الحزب هو نقيض ذلك تماماً: لقد أصبح الحزب حاجزاً بين الجماهير والقيادة. أصبح الحزب بغير حياة... ويوشك الحزب أن يصبح جثة هامدة. انهم الآن لا يعبّئون أعضاء الحزب إلا لتظاهرات يسمونها شعبية، ولمؤتمرات دولية، ولاحتفالات بأعياد الاستقلال. ان القيادات الحزبية المحلية قد عينت لوظائف إدارية، والحزب استحال دائرة حكومية... لقد أصبح الحزب وسيلة نجاح فردي».
... والحزب الذي أصبح أداة للسلطة في أيدي البورجوازية، يقوّي جهاز الدولة ويجمد الشعب، وما ينفك يصبح أداة قمع وعدواً للديموقراطية، ولقد أصبح الحزب شريكاً للبورجوازية المتاجرة... وكما تنسحب البورجوازية من مرحلة البناء وتغوص في حمأة الملذات، كذلك هي على الصعيد الدستوري، تقفز فوق المرحلة البرلمانية وتختار دكتاتورية من النوع الفاشستي».
«... (إنهم) يرددون في كثير من الأحيان ان من الضروري أن تقاد الأمور في البلد المتخلف بسلطة قوية وحتى بحكم دكتاتوري. وعلى هذا الأساس يكلف الحزب بمهمة مراقبة الجماهير (جواسيس) ويكون سنداً لرجال الادارة والشرطة، فيراقب الجماهير لا ليتأكد من انها تشارك في شؤون الأمة حقاً، بل ليذكرها بأن السلطة تنتظر منها الطاعة والنظام والخضوع... ويتحول الحزب شيئا فشيئا إلى مصلحة مخابرات... يحيلون العضو الحزبي إلى جاسوس، ويعهدون إليه بمهمات تأديبية في القرى... وطبيعي أن الحزب في هذه الظروف، هو حزب واحد وأوحد، والطبيعي أن يفوز مرشح الحكومة بـ99,90% من الأصوات».