الأحد 25 ديسيمبر 2011
ياسين الحاج صالح
من يُقتَلون في سورية اليوم ومنذ تسعة شهور هم من العامة، الأكثر فقراً والأدنى حماية. هذا ما يوحِّدهم وراء أية فوارق ممكنة. ومن يُعطون الأوامر بالقتل ويخططون للقضاء على تمرد الفقراء هم أغنياء وأصحاب امتيازات، ومسلحون تسليحاً هائلاً. هذا ما يجمعهم، وما يحرِّكهم في مشروع القتل الجماعي للمحكومين الثائرين.
كثير من أدوات القتل التي يستخدمها الأغنياء هم فقراء، بمن فيهم أكثر «الشبيحة»، يقتلون فقراء مثلهم، ويحصل أن يُقتَل بعضهم في مواجهة أشباههم. لكن الأكيد أن ليس بين المقتولين أغنياء مُنعمون. هؤلاء محصنون بأسلحتهم المتفوقة، وبأموالهم الوفيرة، وبسور من الفقراء يفتدونهم «بالروح والدم»، وبامتلاكهم للدولة. لا شيء في المقابل يحمي عموم السكان في سورية: لا قضاء، ولا سلاح، ولا مال؛ ولا أخلاق حاكمين لا أخلاق لهم. ليس لهم غير تضامنهم، وقد أظهروا أشكالاً رائعة منه؛ وليس لهم غير الله، واللجوء السياسي إليه يسجل اتساعاً لا جدال فيه.
لكن ليس العنف المنفلت من كل عقال هو وحده ما مارسته طغمة الأغنياء الحاكمين ضد عموم المحكومين؛ بل بخاصة الكراهية. رأى كل مهتم أمثلة مريعة عنها: الدوس على قرويين عزّل، اللعب برأس رجل مسن بأحذية العساكر، الأشكال الفظيعة من التعذيب والإذلال كتلك التي تكلم عليها تقرير لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة قبل أكثر من شهر، ومن هذه اغتصاب أطفال (في حالة واحدة على الأقل جرى ذلك أمام عيني الأب، وفي حالة أخرى تعاقب ثلاثة من سفاحي الاستخبارات على اغتصاب طفل عمره 11 عاماً)، إطفاء السجائر في مؤخرات بعض المعتقلين، والخوزقة بأجسام خشنة؛ ومنها أيضاً إجبار الأعداء المفترضين على إعلان أن لا إله إلا بشـار وأخوه. وهذا الأخير أكثر من تعبير أقصى عن الكراهية، هو بالفعل قطع رأس معنوي لمن أُكرِهوا عليه.
والدلالة نفسها للشتم المفرط في الإقذاع الذي تمرس فيه أسافل عناصر الأمن في سورية (ولا يبدو أن بينهم غير الأسافل) ضد جميع من يقعون بأيديهم، وهو شتم لا يبدأ من الأم والأخت ولا ينتهي عند الدين.
والدلالة نفسها أيضاً لتفرغ وسائل الإعلام السورية، العامة و «المستقلة»، طوال أكثر من تسعة شهور للتحريض على الثورة وإشاعة كل أنوع الأكاذيب، وتعبئة الموالين للنظام ضد الثائرين وشحنهم بالكراهية والبغض لهم، وإطلاق عبارات من نوع رعاع وحثالة وجهلة ومتخلفين ومتعصبين وسلفيين وإرهابيين عليهم، مع انخفاض شديد في عتبة التلميحات الطائفية في وسائل الإعلام العامة، التي يموّلها عموم السوريين.
الغرض من حملات الكراهية والتحريض هذه هو خفض الحواجز الأخلاقية والمعنوية التي تحمي حياة عموم الثائرين وبيئاتهم الاجتماعية، وتالياً تسهيل قتلهم. فحياة الرعاع والمتعصبين والجهلة ليست مهمة، أو أقل قيمة من حياة الأكابر، «المنفتحين» و «المثقفين»، الذين يحكمون البلد ويملكونه، ويُعرّفونه. وما يوسع الشقة بين الطرفين أن الأخيرين هم التجسد الصافي للوطنية، فوق اتصافهم بالحكمة النادرة والعبقرية الفذة والكمال الذي لا تشوبه شائبة. ولذلك، فإن الشيء العادل والصحيح هو حمايتهم، وقتل الرعاع والجهلة الذين يثورون عليهم.
لعل المفهوم المناسب لتوحيد ظواهر القتل الواسع النطاق للأفقر والأدنى حماية، وحملات الكراهية التي تشنها طغمة من الأغنياء المسلحين على قطاعات واسعة من السكان، هو الفاشية، بالدلالة التي حازها المفهوم في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي في أميركا اللاتينية. الفاشية هنا نمط لممارسة السلطة، موجه نحو حماية كبار المالكين وأصحاب الامتيازات، مع وحشية لا حدود لها في التعامل مع الضعفاء، ومع توسع بلا ضفاف في قتل الناشطين السياسيين واعتقالهم وتعذيبهم.
لقد سبق أن عرفت بلدان مثل البرازيل والأرجنتين والأورغواي والتشيلي والسلفادور مثل هذه الحكومات القاتلة. لكن للفاشية السورية خصوصيات تميزها عن الفاشيات الأميركية اللاتينية قبل حين.
أولاً، كانت هذه مدعومة من الولايات المتحدة ومندرجة في منطق الحرب الباردة، وخصت بالوطأة الأقسى لوحشيتها اليساريين ومن اعتبرتهم عملاء للشيوعية. الفاشية السورية ليست مندرجة في منطق الحرب الباردة، وحملاتها للتخوين والتحريض تنسب بالأحرى معارضي النظام إلى مؤامرة دولية كبرى، تقودها أميركا. تستفيد في هذا الشأن من توجس عريق في الثقافة والسيكولوجية العربية حيال الغرب، لكن النظام السوري اجتهد كثيراً على تغذيته وتحويله إلى بارانويا حادة، تسهيلاً لعزل محكوميه عن العالم، وتسليماً بأوضاع لم يكد يبقى ما يشبهها في العالم.
ثانياً، يمتزج المضمون الطبقي للفاشية السورية ببعد طائفي. وبينما تخاطب تعابير مثل متعصبين وجهلة ومتخلفين وسلفيين حساسيات طائفية، فإن مضمونها الطبقي أقوى في الواقع. يتعلق الأمر بازدراء شبه عنصري للقطاعات الاجتماعية الأكثر حرماناً والأضعف حماية، والتي تعيش حصراً من عملها، وتسكن في الضواحي والأحياء المتدهورة. وتلعب الإيديولوجيا الحداثية هنا دوراً مهماً في تغذية الالتباس بين الطائفي والطبقي، وإضفاء شرعية «حضارية» على التمييز الطبقي. والنقطة المهمة في الإيديولوجيا الحداثية أنها موجهة بصورة حصرية ضد «الأصولية» و «الظلامية» الإسلاميتين، بينما يقع الطغيان والفساد والطائفية على النقطة العمياء في عينها. وهذا ما يجعلها مناسبة جداً لأغراض الفاشية السورية والإيديولوجيين السائرين في ركابها. ويزيد من ملاءمتها أن قضايا القيم، الحرية والعدالة والمساواة والكرامة والإنسانية، غريبة عليها بدورها.
وفي المقام الثالث، ربما تختلف الفاشية السورية اليوم عن الفاشيات الأميركية اللاتينية في أن الأغنياء وأصحاب الامتيازات السوريين يدينون بثرواتهم ومكانتهم بصورة شبه حصرية لـ «النظام»، فليسوا بأصحاب ملكيات تقليديين، ولا هم مصنّعون مرتبطون بشركات متعددة الجنسية، ولذلك لا وزن ذاتياً لهم من غير النظام. ولذلك ارتباطهم بالنظام مصيري. وبينما قد يكون كبار أصحاب الملكيات الزراعية وصناعيون مرتبطون بالسوق الدولية هم القاعدة النوعية للفاشيات الأميركية اللاتينية، فإن القاعدة الخاصة بالفاشية السورية هي «النظام» ذاته، أي النواة السياسية الأمنية التي تدير آلة القتل اليوم. و«القاعدة المادية» للنظام هي امتلاك «السلطة العمومية».
بعبارة أخرى، أساس الفاشية لدينا هو «السلطة» (الثروة تتبعها)، فيما أساس الفاشية في أميركا اللاتينية هو «الثروة» (السلطة هي التابعة). وربما لذلك، فإن الثورة لدينا موجهة أولاً ضد نمط ممارسة السلطة، على نحو ربما يتكثف في شعار «الشعب يريد إسقاط النظام». في أميركا اللاتينية المحتوى الاجتماعي أقوى، وهو ما تأكد كظاهرة لافتة مع صعود اليسار الاجتماعي في بضع السنوات الأخيرة.
لكن الفاشية هي الــــفاشـية هنا وهناك: حرب الطغمة الثرية المسلحة ضد العامة الثائرة.
الصفحات
▼
الجمعة، 30 ديسمبر 2011
السوريون يستعيدون المجال العام والفعل السياسي
الخميس 29 ديسيمبر 2011
معتز الخطيب
تَنبهنا في التسعينات من القرن الماضي إلى أهمية «التحقيقات» العلمية للمحدّث الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، ولكن بما أن اسمه كان في اللائحة السوداء (منذ مطلع الثمانينات وحتى 1997 حين صدر عفوٌ رئاسي عنه) كنّا نحصل على نسخ من كتبه بطرق غير شرعية عبر تصويرها، وكان زميل لنا في الدراسة يتولى تلك المهمة ويتعيّش منها أثناء إقامته في دمشق، عرفنا فيما بعد أنه اختفى أو «أُخفيَ» لدى إحدى الجهات الأمنية. وفي السنوات الأولى من حكم بشار الأسد استمرت السلطات السورية في منع القادمين من ادخال الكتب بذريعة أن إدخالها ممنوعٌ قانوناً.
تدل هاتان الحقيقتان على أن شيئاً لم يتغير في بنية تفكير النظام، وهما تكثّفان العالم الذي كان ولا يزال يحرص النظام على صناعته والتحكم به، فهو يحتكر «الحقيقة» ويقرر ما يجب وما لا يجب، وإذا كان «أبو غدة» خصماً سياسيّاً له فلا بد من تصفية ذِكره مطلقاً، لا فرق بين حقل السياسة وحقل العلم، فالنظام هو الذي يقرر الحقائق بأنواعها، ولذلك ليس غريباً أن السوريين عاشوا لعقود من دون أن يتمتعوا بحق الحصول على المعلومات إلا ما تجود عليهم السلطات به؛ بوصفه الحق الذي لا يأتيه الباطل. كما أن لا وجود مستقلاً للحقيقة، فهي لا توجد إلا مسيسة عبر منتِجها الأوحد، وعبثاً يحاول غيرُ السوريين فهمَ أطروحة النظام الإطلاقية في تكذيب كلِّ من لا يقول بمثل قوله، مع إغلاق كل الأبواب في وجه الإعلام، على قاعدة: (وما أُريكم إلا ما أرى)، ليبقى المتلقي/المواطن في دوامة معضلة تضارب الروايات بين «الرواية الرسمية» و«رواية المعارضة أو قنوات الفتنة» التي هي كل قناة لا تقول (مثل) الرواية الرسمية.
عقود من الغياب
اعتاد السوريّ عبر أربعة عقود ألا يكون له رأيٌ مختلف، بل ألا يكون له رأيٌ أصلاً في مسائل الشأن العام، أو في مسائل التدبير السياسي؛ لأنه كان يعلم علم اليقين أن عليه رقيباً عتيداً، والخوف الذي نما وترعرع قضى على أي إمكانية في التعبير عن مكنونات النفس حتى في الغرف المغلقة، فكثيراً ما كان الأهل ينهوننا عن التفوه بأي كلمة مناهضة أو مخالفة للسلطة حتى في غرفة بيتنا المغلقة! وحين شرعت في مطلع العشرينات من عمري بتدريس اللغة العربية لم ألبث أن استُدعيتُ إلى أحد الفروع الأمنية للتحقيق معي، ثم فوجئت بأنهم طلبوا مني التخابر معهم عن أي حركة غريبة تصدر من الطلاب والمدرّسين في المدرسة الثانوية، وهكذا كانوا يفعلون مع كل «زائر»! بل حتى السجين السياسي أو المعارض يُفرَض عليه الإقرار على نفسه والتنصل من كل أفكاره الشيطانية المخالفة للحقيقة المطلقة الثاوية في رأس النظام، ما يعني أننا أمام إرادة سياسية طاغية طغياناً مضاعفاً؛ إذ تفرض النفاق على الدوام في المجال العام، وهي غير معنية أصلاً بالمقدرة الإقناعية للحقائق الرسمية ولا حتى بوجود المقتنعين، بل يكفي مجرد التلفظ والإقرار الظاهري، لذلك لم يكن غريباً أن انسحب السوريون من المجال العام الذي استولى عليه النظام بالكامل وتُركت للناس حريةُ «إضمار» ما يشاؤون في نفوسهم، وبهذا تحول السوري من مواطن مسيّس شديد التسييس حتى مشارف الستينات إلى مواطن مشغول بنفسه فقط ويدفع ضريبة مواطنته أوزاراً وأثقالاً لا تقف عند حد!
إلى بعض هذه المعاني نحيل حينما نتحدث عن النظام السوري بوصفه نظاماً شموليّاً، يسيطر عليه الفكر الواحد والحزب الواحد والقائد الأوحد الذي تتناسل منه كل السلطات والحقائق، والمسألة الأهم هنا، أنه في الأنظمة الشمولية لا مجال للاعتراف بوجود ما يسميه الفيلسوف الألماني يورغان هبرماس «المجال العام»، ويعني به الفضاء المشترك الذي يتجمع أو يلتقي فيه الناس معاً، ويناقشون - بحرية - المشكلات المجتمعية المحدَّدة لتشكيل رؤى وتصورات مشتركة عنها، فالتجمع ممنوع إلا على سبيل التخفي والإحساس بالجرم، وتشكيل الرأي لا يملكه إلا «أولو الأمر» الذين وحدهم يملكون الوطن وتصوراته ويقبضون على مصالحه العليا التي لا يعرفها سواهم.
اقصاء المواطنين
وانعدام المجال العام يرجع إلى أن العمومية إنما تنشأ في ظل دولة حديثة ومع وجود مجتمع مدني مستقل عن السلطة القائمة، وكلاهما مُنعدمٌ في «سورية البعث» التي عُنيت على الدوام بإقصاء المواطنين وتحويلهم إلى «رعايا» مسلوبي الرأي والفعل السياسيَّين، فهم جماعات وكيانات متعددة قبلية وعشائرية ومناطقية وطوائفية، وهو الوعي الذي تحيل إليه لقاءات رئيس الجمهورية في بدايات الثورة لاحتواء الأزمة من خلال الوفود التي التقاها، وليس أدل على انعدام المجال العام من أنه لم يُسمَح - لعقود - بنشأة معارضة حقيقية من الداخل في حين أن من لا يملك معارضة من الأنظمة السياسية الحديثة يسعى إلى صناعتها وإلا انعدمت الحياة السياسية أصلاً، ولكن في سورية جرت تصفية كل المعارضين بأساليب شتى، أشهرها تهمتا تهديد الوحدة الوطنية وتوهين عزيمة الأمة أو الإضرار بالمصالح القومية التي لا نعرف لها تعريفاً أو تحديداً، أما معارضو الخارج الذين لا يُقْدَر عليهم، فغالباً ما يلجأ النظام إلى تصفيتهم معنويّاً بتهم العمالة والتخوين والفساد الأخلاقي؛ لأنه هو الذي يحتكر الوطنية والعروبة والسياسة والوطن الذي تحول منذ عقود إلى ملك عائلي (سورية الأسد)، أليس غريباً ألا يوجَد معارض واحد ينال احترام النظام أو اعترافه، فضلاً عن أن يظهر في المجال العام أو عبر وسيلة إعلام حكومية؟!
لم يكن لهذه الممارسات كلها إلا أن تلد العقم الفكري على مدى عقود، كما حدث للاتحاد السوفياتي من قبل، الأب الروحي للنظام السوري، فنتيجة غياب المجال العام ووحدانية مصدر الحقيقة تمّ تخليق وعي نمطي مزيف أُدخل في عقول السوريين منذ طلائع البعث (المرحلة الابتدائية) مروراً بشبيبة الثورة (الإعدادية والثانوية) وصولاً إلى عضوية حزب البعث شبه الإجبارية (في الجامعة). أما عموم المواطنين فقد تكفلت بهم الصحف الرسمية وقناتا التلفزيون اللتان لم يُتَح غيرهما لعموم السوريين لسنين طويلة، وما زلت أذكر كيف كنا نتصيد - بمعاناة - بثّاً مشوّشاً للفضائية الأردنية القريبة من الحدود لمشاهدة شيء مختلف!
لم يتغير شيء في عقل النظام في ظل انفتاح الفضاء أمام القنوات وتقنيات التواصل والبث، ولم يدرك النظام أن المجال العام بدأ يتفلت من سلطانه، فقد طرأ من ينافسه على تقديم المعلومات والحقائق والرؤى والتصورات، بدأ يتشكل مجال عام خارج حدود إرادته وروايته الرسمية، حاول كثيراً فَلْتَرته، ولكن لم يجد بُدّاً من الإفساح له بحدود، بل كان الإفساح له عنواناً لحداثة يقودها الابن الشاب المثقف الذي سيصبح رئيساً، هذا المجال الذي تشكل وتبلور كان أحد إرهاصات الثورة الوليدة، أدرك النظام أنه غير قادر على سد الفضاء كالسابق، فاتبع سياسة التشويش ولجأ إلى التشكيك بكل «الآخرين» بوسائل متعددة، فتارةً يرسل معلومات مضلّلة ثم يعود فيكذّبها، وتارة يخترع «تأويلات صديقة» لواقعة من الوقائع، وثالثة يسعى إلى تشتيت الوعي وصرف الأنظار عن الجثة إلى اسم الضحية، أو عن القضية الجوهرية إلى واحدة من التفصيلات الفرعية، ورابعة يتَصَيّد أخطاء الآخرين ويُصَيّرها خطايا ومؤامرات!
وفي المقابل، صعِدت معارضات عديدة إلى المجال العام، بعضها قديم، وكثيرٌ منها جديدٌ أفرزه الواقع المتغير، قيل الكثير عن تشتت المعارضة السورية وتناقضاتها وصراعاتها، وهو ما بدا عَصِيّاً على الفهم، لكن ولادة المجال العام السوري يفسر إلى حد كبير ما جرى، بعد عقود من التغييب والتنكيل بالحياة السياسية وبالمعارضة، فلم يكن ثَمَّ فسحة لتكوين «مجتمع سياسي» سوري، وعندما سنحت الفرصة وُلدت مخاضات عديدة وبرزت أفكار ومراهقات سياسية على السطح أمام الملأ وهي آخذة في النضج أكثر فأكثر؛ لحداثة التجربة وتجدد السياقات.
الرهان على أبدية
راهنَ النظام ورأسه على أبدية الحالة السورية التي طبعت شخصية السوريين للعقود الأربعة الماضية، ولم يخالج بشارَ الأسد شكٌّ في عقائده المطلقة حول السلطة والشعب والحب والطاعة والخوف، والأهم من ذلك عن الحقيقة المسيسة على الدوام كان النظام مطمئنّاً لاستئصال السياسة، ولعقيدة الخوف، فصرّح قبيل الثورة بأنه ليست الثورة مستبعدة فقط، بل حتى الإصلاح يحتاج إلى جيل أو جيلين؛ لأن الشعب غير مُهيَّأ، لكن وقائع الشهور التسعة الماضية كشفت عن أن وعي السوريين المتظاهرين سابقٌ على وعي النظام الحاكم، وبرهنت على نضج سياسي وقيمي كبير لا يتوفر الحد الأدنى منه لدى النظام، كما أن النظام نفسه كان أول ضحايا تغييب فكرة الرأي العام المتصلة اتصالاً وثيقاً بفكرة المجال العام، فقد اخترع - على الدوام - الرأي العام الذي يريده ورَكَن إليه حتى صدّقه، وهذا ما يفسر حالة الإنكار المستعصية التي يعيشها النظام والمؤمنون به، فطول العهد كاد يُطيح فكرة الاختلاف أصلاً، فضلاً عن أن يوجد مختلفون أو مخالفون، وهو ما يفسر كذلك حالة العنف اللفظي لألسنة النظام تجاه المتظاهرين والمعارضة على السواء.
إذاً لقد تَخَلق المجال العام السوري من جديد، وقرر كثيرٌ من السوريين الانخراط فيه والإسهام في بنائه، وسنشهد مخاضات عديدة وتناقضات متنوعة العناوين حتى يستقر المجال العام نفسه ويتبلور رأي عام سوري حقيقي ومعبر عن تطلعات الشعب وقيمه.
معتز الخطيب
تَنبهنا في التسعينات من القرن الماضي إلى أهمية «التحقيقات» العلمية للمحدّث الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، ولكن بما أن اسمه كان في اللائحة السوداء (منذ مطلع الثمانينات وحتى 1997 حين صدر عفوٌ رئاسي عنه) كنّا نحصل على نسخ من كتبه بطرق غير شرعية عبر تصويرها، وكان زميل لنا في الدراسة يتولى تلك المهمة ويتعيّش منها أثناء إقامته في دمشق، عرفنا فيما بعد أنه اختفى أو «أُخفيَ» لدى إحدى الجهات الأمنية. وفي السنوات الأولى من حكم بشار الأسد استمرت السلطات السورية في منع القادمين من ادخال الكتب بذريعة أن إدخالها ممنوعٌ قانوناً.
تدل هاتان الحقيقتان على أن شيئاً لم يتغير في بنية تفكير النظام، وهما تكثّفان العالم الذي كان ولا يزال يحرص النظام على صناعته والتحكم به، فهو يحتكر «الحقيقة» ويقرر ما يجب وما لا يجب، وإذا كان «أبو غدة» خصماً سياسيّاً له فلا بد من تصفية ذِكره مطلقاً، لا فرق بين حقل السياسة وحقل العلم، فالنظام هو الذي يقرر الحقائق بأنواعها، ولذلك ليس غريباً أن السوريين عاشوا لعقود من دون أن يتمتعوا بحق الحصول على المعلومات إلا ما تجود عليهم السلطات به؛ بوصفه الحق الذي لا يأتيه الباطل. كما أن لا وجود مستقلاً للحقيقة، فهي لا توجد إلا مسيسة عبر منتِجها الأوحد، وعبثاً يحاول غيرُ السوريين فهمَ أطروحة النظام الإطلاقية في تكذيب كلِّ من لا يقول بمثل قوله، مع إغلاق كل الأبواب في وجه الإعلام، على قاعدة: (وما أُريكم إلا ما أرى)، ليبقى المتلقي/المواطن في دوامة معضلة تضارب الروايات بين «الرواية الرسمية» و«رواية المعارضة أو قنوات الفتنة» التي هي كل قناة لا تقول (مثل) الرواية الرسمية.
عقود من الغياب
اعتاد السوريّ عبر أربعة عقود ألا يكون له رأيٌ مختلف، بل ألا يكون له رأيٌ أصلاً في مسائل الشأن العام، أو في مسائل التدبير السياسي؛ لأنه كان يعلم علم اليقين أن عليه رقيباً عتيداً، والخوف الذي نما وترعرع قضى على أي إمكانية في التعبير عن مكنونات النفس حتى في الغرف المغلقة، فكثيراً ما كان الأهل ينهوننا عن التفوه بأي كلمة مناهضة أو مخالفة للسلطة حتى في غرفة بيتنا المغلقة! وحين شرعت في مطلع العشرينات من عمري بتدريس اللغة العربية لم ألبث أن استُدعيتُ إلى أحد الفروع الأمنية للتحقيق معي، ثم فوجئت بأنهم طلبوا مني التخابر معهم عن أي حركة غريبة تصدر من الطلاب والمدرّسين في المدرسة الثانوية، وهكذا كانوا يفعلون مع كل «زائر»! بل حتى السجين السياسي أو المعارض يُفرَض عليه الإقرار على نفسه والتنصل من كل أفكاره الشيطانية المخالفة للحقيقة المطلقة الثاوية في رأس النظام، ما يعني أننا أمام إرادة سياسية طاغية طغياناً مضاعفاً؛ إذ تفرض النفاق على الدوام في المجال العام، وهي غير معنية أصلاً بالمقدرة الإقناعية للحقائق الرسمية ولا حتى بوجود المقتنعين، بل يكفي مجرد التلفظ والإقرار الظاهري، لذلك لم يكن غريباً أن انسحب السوريون من المجال العام الذي استولى عليه النظام بالكامل وتُركت للناس حريةُ «إضمار» ما يشاؤون في نفوسهم، وبهذا تحول السوري من مواطن مسيّس شديد التسييس حتى مشارف الستينات إلى مواطن مشغول بنفسه فقط ويدفع ضريبة مواطنته أوزاراً وأثقالاً لا تقف عند حد!
إلى بعض هذه المعاني نحيل حينما نتحدث عن النظام السوري بوصفه نظاماً شموليّاً، يسيطر عليه الفكر الواحد والحزب الواحد والقائد الأوحد الذي تتناسل منه كل السلطات والحقائق، والمسألة الأهم هنا، أنه في الأنظمة الشمولية لا مجال للاعتراف بوجود ما يسميه الفيلسوف الألماني يورغان هبرماس «المجال العام»، ويعني به الفضاء المشترك الذي يتجمع أو يلتقي فيه الناس معاً، ويناقشون - بحرية - المشكلات المجتمعية المحدَّدة لتشكيل رؤى وتصورات مشتركة عنها، فالتجمع ممنوع إلا على سبيل التخفي والإحساس بالجرم، وتشكيل الرأي لا يملكه إلا «أولو الأمر» الذين وحدهم يملكون الوطن وتصوراته ويقبضون على مصالحه العليا التي لا يعرفها سواهم.
اقصاء المواطنين
وانعدام المجال العام يرجع إلى أن العمومية إنما تنشأ في ظل دولة حديثة ومع وجود مجتمع مدني مستقل عن السلطة القائمة، وكلاهما مُنعدمٌ في «سورية البعث» التي عُنيت على الدوام بإقصاء المواطنين وتحويلهم إلى «رعايا» مسلوبي الرأي والفعل السياسيَّين، فهم جماعات وكيانات متعددة قبلية وعشائرية ومناطقية وطوائفية، وهو الوعي الذي تحيل إليه لقاءات رئيس الجمهورية في بدايات الثورة لاحتواء الأزمة من خلال الوفود التي التقاها، وليس أدل على انعدام المجال العام من أنه لم يُسمَح - لعقود - بنشأة معارضة حقيقية من الداخل في حين أن من لا يملك معارضة من الأنظمة السياسية الحديثة يسعى إلى صناعتها وإلا انعدمت الحياة السياسية أصلاً، ولكن في سورية جرت تصفية كل المعارضين بأساليب شتى، أشهرها تهمتا تهديد الوحدة الوطنية وتوهين عزيمة الأمة أو الإضرار بالمصالح القومية التي لا نعرف لها تعريفاً أو تحديداً، أما معارضو الخارج الذين لا يُقْدَر عليهم، فغالباً ما يلجأ النظام إلى تصفيتهم معنويّاً بتهم العمالة والتخوين والفساد الأخلاقي؛ لأنه هو الذي يحتكر الوطنية والعروبة والسياسة والوطن الذي تحول منذ عقود إلى ملك عائلي (سورية الأسد)، أليس غريباً ألا يوجَد معارض واحد ينال احترام النظام أو اعترافه، فضلاً عن أن يظهر في المجال العام أو عبر وسيلة إعلام حكومية؟!
لم يكن لهذه الممارسات كلها إلا أن تلد العقم الفكري على مدى عقود، كما حدث للاتحاد السوفياتي من قبل، الأب الروحي للنظام السوري، فنتيجة غياب المجال العام ووحدانية مصدر الحقيقة تمّ تخليق وعي نمطي مزيف أُدخل في عقول السوريين منذ طلائع البعث (المرحلة الابتدائية) مروراً بشبيبة الثورة (الإعدادية والثانوية) وصولاً إلى عضوية حزب البعث شبه الإجبارية (في الجامعة). أما عموم المواطنين فقد تكفلت بهم الصحف الرسمية وقناتا التلفزيون اللتان لم يُتَح غيرهما لعموم السوريين لسنين طويلة، وما زلت أذكر كيف كنا نتصيد - بمعاناة - بثّاً مشوّشاً للفضائية الأردنية القريبة من الحدود لمشاهدة شيء مختلف!
لم يتغير شيء في عقل النظام في ظل انفتاح الفضاء أمام القنوات وتقنيات التواصل والبث، ولم يدرك النظام أن المجال العام بدأ يتفلت من سلطانه، فقد طرأ من ينافسه على تقديم المعلومات والحقائق والرؤى والتصورات، بدأ يتشكل مجال عام خارج حدود إرادته وروايته الرسمية، حاول كثيراً فَلْتَرته، ولكن لم يجد بُدّاً من الإفساح له بحدود، بل كان الإفساح له عنواناً لحداثة يقودها الابن الشاب المثقف الذي سيصبح رئيساً، هذا المجال الذي تشكل وتبلور كان أحد إرهاصات الثورة الوليدة، أدرك النظام أنه غير قادر على سد الفضاء كالسابق، فاتبع سياسة التشويش ولجأ إلى التشكيك بكل «الآخرين» بوسائل متعددة، فتارةً يرسل معلومات مضلّلة ثم يعود فيكذّبها، وتارة يخترع «تأويلات صديقة» لواقعة من الوقائع، وثالثة يسعى إلى تشتيت الوعي وصرف الأنظار عن الجثة إلى اسم الضحية، أو عن القضية الجوهرية إلى واحدة من التفصيلات الفرعية، ورابعة يتَصَيّد أخطاء الآخرين ويُصَيّرها خطايا ومؤامرات!
وفي المقابل، صعِدت معارضات عديدة إلى المجال العام، بعضها قديم، وكثيرٌ منها جديدٌ أفرزه الواقع المتغير، قيل الكثير عن تشتت المعارضة السورية وتناقضاتها وصراعاتها، وهو ما بدا عَصِيّاً على الفهم، لكن ولادة المجال العام السوري يفسر إلى حد كبير ما جرى، بعد عقود من التغييب والتنكيل بالحياة السياسية وبالمعارضة، فلم يكن ثَمَّ فسحة لتكوين «مجتمع سياسي» سوري، وعندما سنحت الفرصة وُلدت مخاضات عديدة وبرزت أفكار ومراهقات سياسية على السطح أمام الملأ وهي آخذة في النضج أكثر فأكثر؛ لحداثة التجربة وتجدد السياقات.
الرهان على أبدية
راهنَ النظام ورأسه على أبدية الحالة السورية التي طبعت شخصية السوريين للعقود الأربعة الماضية، ولم يخالج بشارَ الأسد شكٌّ في عقائده المطلقة حول السلطة والشعب والحب والطاعة والخوف، والأهم من ذلك عن الحقيقة المسيسة على الدوام كان النظام مطمئنّاً لاستئصال السياسة، ولعقيدة الخوف، فصرّح قبيل الثورة بأنه ليست الثورة مستبعدة فقط، بل حتى الإصلاح يحتاج إلى جيل أو جيلين؛ لأن الشعب غير مُهيَّأ، لكن وقائع الشهور التسعة الماضية كشفت عن أن وعي السوريين المتظاهرين سابقٌ على وعي النظام الحاكم، وبرهنت على نضج سياسي وقيمي كبير لا يتوفر الحد الأدنى منه لدى النظام، كما أن النظام نفسه كان أول ضحايا تغييب فكرة الرأي العام المتصلة اتصالاً وثيقاً بفكرة المجال العام، فقد اخترع - على الدوام - الرأي العام الذي يريده ورَكَن إليه حتى صدّقه، وهذا ما يفسر حالة الإنكار المستعصية التي يعيشها النظام والمؤمنون به، فطول العهد كاد يُطيح فكرة الاختلاف أصلاً، فضلاً عن أن يوجد مختلفون أو مخالفون، وهو ما يفسر كذلك حالة العنف اللفظي لألسنة النظام تجاه المتظاهرين والمعارضة على السواء.
إذاً لقد تَخَلق المجال العام السوري من جديد، وقرر كثيرٌ من السوريين الانخراط فيه والإسهام في بنائه، وسنشهد مخاضات عديدة وتناقضات متنوعة العناوين حتى يستقر المجال العام نفسه ويتبلور رأي عام سوري حقيقي ومعبر عن تطلعات الشعب وقيمه.
الثورة إذ تبعث الروح في الاندماج الوطني
الجمعة 30 ديسيمبر 2011
علي العبدالله
انطلقت الثورة السورية واتسع نطاق فعلها، امتدت أفقياً حتى شملت مساحة الوطن، وزاد عدد المشاركين في فعالياتها حتى بلغ الملايين فشمل رجالاً ونساء، شيوخاً وأطفالاً، وتطور شعارها وهدفها ليبلغ سقفاً واضحاً: إسقاط النظام.
أفرزت المواجهة المحتدمة مع النظام ظواهر سياسية واجتماعية وثقافية أخذت تتعمق وتتمدد في طول البلاد وعرضها. مع بداية الثورة نشأت ظاهرة التضامن بين المواطنين في المحافظات مع المدن والبلدات والقرى التي تتعرض لبطش النظام ووحشيته، فكانت أهزوجة سكان محافظة درعا تضامناً مع سكان محافظة حمص الذين تعرضوا لقمع وحشي لردعهم، بدورهم، عن المشاركة في الثورة تضامناً مع سكان درعا الذين تعرضوا للبطش والتقتيل لأنهم تظاهروا يطالبون بأولادهم.
ومع امتداد الثورة وانتشار سناها الأخّاذ استعاد المواطنون ذاكرتهم الوطنية بتحرير تاريخهم ورموزهم الوطنية الكبيرة، التي طمسها الاستبداد ومنعها من الحضور في الحياة العامة لمصلحة تكريس عبادة الرئيس الذي غلبهم على أمرهم، من الأسر، واستعادوا صورة البلاد وجغرافيتها من خلال متابعة أخبار الثورة وتضامن المتظاهرين مع الثوار في مناطقهم البعيدة بذكر أسماء المناطق في هتافاتهم وأهازيجهم. وهي مناطق ومدن وبلدات لم يكونوا قد سمعوا بها أو عرفوا عنها شيئاً. لقد انتشت الذاكرة وعادت أسماء المدن والبلدات، وحتى القرى النائية، إلى التداول، مغادرة كهوف النسيان المميتة، كما خرجت إلى العلن شخصيات ومدن وبلدات وقرى واتسعت الذاكرة لسلطان باشا الأطرش وصالح العلي وإبراهيم هنانو وحسن الخراط ومحمد الاشمر وشكري القوتلي وعبدالرحمن الشهبندر... الخ، ومدن وبلدات وقرى مثل درعا وبصر الحرير ونمر وطفس وحماة وكرناز وإدلب وجرجناز وحمص والقامشلي وسواها، التي لم تكن تحضر في حياة السوريين. لقد ضجت الذاكرة وتزاحمت بالأسماء والمسميات وصور الشهداء، وعمت البلاد أغنيات مغني الثورة الشهيد إبراهيم القاشوش وأهازيج ورقصات الحماصنة وساد بين الناس حديث حميم عن إبداعات الحماصنة وصلابتهم، وغاب التلاسن الحمصي الحموي والحديث عن يوم الأربعاء ليحل محله التضامن والتأسي والسعي لتقديم يد العون لأهل حمص المحاصرين، كما استقبال الفارين منهم من جحيم القصف واحتضانهم في البيوت والقلوب. وعندما انغرست موسى الجلاد في صدور أهل حماة تحركت السلمية لتصب دماءها في أوردة جرحاهم، وذابت في وهج الثورة حساسيات قديمة بين أهل حماة وريفها على خلفية التباين المذهبي ولم يعد هناك حديث عن إسماعيلية السلمية وعلوية الغاب أو مرشديتهم، فقد وحدهم البطش وشلال الدم الهادر من عروقهم جميعاً.
وتوالت المتغيرات تزيح قيماً نبتت في سورية في ظل الاستبداد والقهر وتزرع قيماً بديلة لها نكهة جديدة، نكهة الحرية الآتية على جناح الثورة حيث لم يشعر الثوار بالدهشة أو الغرابة عندما اختار المصوتون اسم «آزادي» (كلمة كردية معناها بالعربية الحرية) لجمعة من جمعهم المجيدة، بل إن لافتات رفعت في مدينة حمص، التي ليس فيها مواطنون كرد كثيرون، كتبت باللغة الكردية، كما صدحت حناجر الكرد في تظاهراتهم العارمة بدعوات الحرية وإسقاط النظام باللغتين الكردية والعربية، ورفعت لافتات كتبت بالكردية والعربية والسريانية. لقد أسقط الشعب الاضطهاد القومي والإقصاء السياسي الذي مارسه النظام على الكرد والأشوريين - السريان بلفتة ذكية ومباشرة وأعاد إلى سورية رونقها ونكاتها التي افتقدتها طوال عقود الاستبداد والقمع. ولعب النظام بمصير البلاد وأقدار العباد عبر تحفيز المخاوف والهواجس الطائفية بالاعتداء على المواطنين بالقتل والخطف والتنكيل والاغتصاب، لاستدراجهم إلى ردود أفعال من الجنس نفسه وإدخال البلاد في أتون حرب طائفية كي يدنس الثورة ويشوّه صورتها الأخلاقية والوطنية ويضرب شرعيتها. واستعان النظام ببعض شياطينه وشياطين حلفائه وبعض المطبّلين من اللبنانيين لتوسيع ساحة الهواجس والمخاوف الطائفية لتشمل المسيحيين. عندها رد الشعب السوري بشعاره العظيم «واحد... واحد... واحد... الشعب السوري واحد»، صدحت به حناجر الملايين وأنشدته فدوى سليمان وهي تستند إلى كتف عبدالباسط الساروت في أحياء حمص عاصمة الثورة وساحة نصرها الآتي، وحمل راية مواجهته محمد صالح حفيد المجاهد السوري الكبير صالح العلي بشجاعة وإصرار على رغم اعتقاله مرات ومرات.
لقد نجح النظام في استدراج بعض من ذاقوا مظالمه وإجرامه إلى الشرب من كأس الطائفية البغيض وانزلق بعضهم إلى ردود فعل على الخطف والاغتصاب بالقيام بالمثل، لكنها بقيت استجابة محدودة ومرذولة لم تستسغها جماهير الثورة أو تقبلها، على رغم تفهمها للظروف التي قادت إليها حيث رفعت اللافتات الرافضة للممارسة الطائفية وحمل الناطقون باسمها النظام مسؤولية أي انزلاق نحو الحرب الطائفية التي تدفع إليها سياساته وممارساته.
إنها سورية الجديدة بنت الثورة وحفيدة ثوار العشرينات الذين هبوا لطرد المستعمر الفرنسي ورسموا حدود البلاد وهويتها من سلطان باشا الأطرش الدرزي إلى صالح العلي العلوي وحسن الخراط ومحمد الأشمر السنيين وإبراهيم هنانو الكردي، ممن لم يجدوا غضاضة أو حرجاً في تسمية الأطرش قائداً لثورتهم.
علي العبدالله
انطلقت الثورة السورية واتسع نطاق فعلها، امتدت أفقياً حتى شملت مساحة الوطن، وزاد عدد المشاركين في فعالياتها حتى بلغ الملايين فشمل رجالاً ونساء، شيوخاً وأطفالاً، وتطور شعارها وهدفها ليبلغ سقفاً واضحاً: إسقاط النظام.
أفرزت المواجهة المحتدمة مع النظام ظواهر سياسية واجتماعية وثقافية أخذت تتعمق وتتمدد في طول البلاد وعرضها. مع بداية الثورة نشأت ظاهرة التضامن بين المواطنين في المحافظات مع المدن والبلدات والقرى التي تتعرض لبطش النظام ووحشيته، فكانت أهزوجة سكان محافظة درعا تضامناً مع سكان محافظة حمص الذين تعرضوا لقمع وحشي لردعهم، بدورهم، عن المشاركة في الثورة تضامناً مع سكان درعا الذين تعرضوا للبطش والتقتيل لأنهم تظاهروا يطالبون بأولادهم.
ومع امتداد الثورة وانتشار سناها الأخّاذ استعاد المواطنون ذاكرتهم الوطنية بتحرير تاريخهم ورموزهم الوطنية الكبيرة، التي طمسها الاستبداد ومنعها من الحضور في الحياة العامة لمصلحة تكريس عبادة الرئيس الذي غلبهم على أمرهم، من الأسر، واستعادوا صورة البلاد وجغرافيتها من خلال متابعة أخبار الثورة وتضامن المتظاهرين مع الثوار في مناطقهم البعيدة بذكر أسماء المناطق في هتافاتهم وأهازيجهم. وهي مناطق ومدن وبلدات لم يكونوا قد سمعوا بها أو عرفوا عنها شيئاً. لقد انتشت الذاكرة وعادت أسماء المدن والبلدات، وحتى القرى النائية، إلى التداول، مغادرة كهوف النسيان المميتة، كما خرجت إلى العلن شخصيات ومدن وبلدات وقرى واتسعت الذاكرة لسلطان باشا الأطرش وصالح العلي وإبراهيم هنانو وحسن الخراط ومحمد الاشمر وشكري القوتلي وعبدالرحمن الشهبندر... الخ، ومدن وبلدات وقرى مثل درعا وبصر الحرير ونمر وطفس وحماة وكرناز وإدلب وجرجناز وحمص والقامشلي وسواها، التي لم تكن تحضر في حياة السوريين. لقد ضجت الذاكرة وتزاحمت بالأسماء والمسميات وصور الشهداء، وعمت البلاد أغنيات مغني الثورة الشهيد إبراهيم القاشوش وأهازيج ورقصات الحماصنة وساد بين الناس حديث حميم عن إبداعات الحماصنة وصلابتهم، وغاب التلاسن الحمصي الحموي والحديث عن يوم الأربعاء ليحل محله التضامن والتأسي والسعي لتقديم يد العون لأهل حمص المحاصرين، كما استقبال الفارين منهم من جحيم القصف واحتضانهم في البيوت والقلوب. وعندما انغرست موسى الجلاد في صدور أهل حماة تحركت السلمية لتصب دماءها في أوردة جرحاهم، وذابت في وهج الثورة حساسيات قديمة بين أهل حماة وريفها على خلفية التباين المذهبي ولم يعد هناك حديث عن إسماعيلية السلمية وعلوية الغاب أو مرشديتهم، فقد وحدهم البطش وشلال الدم الهادر من عروقهم جميعاً.
وتوالت المتغيرات تزيح قيماً نبتت في سورية في ظل الاستبداد والقهر وتزرع قيماً بديلة لها نكهة جديدة، نكهة الحرية الآتية على جناح الثورة حيث لم يشعر الثوار بالدهشة أو الغرابة عندما اختار المصوتون اسم «آزادي» (كلمة كردية معناها بالعربية الحرية) لجمعة من جمعهم المجيدة، بل إن لافتات رفعت في مدينة حمص، التي ليس فيها مواطنون كرد كثيرون، كتبت باللغة الكردية، كما صدحت حناجر الكرد في تظاهراتهم العارمة بدعوات الحرية وإسقاط النظام باللغتين الكردية والعربية، ورفعت لافتات كتبت بالكردية والعربية والسريانية. لقد أسقط الشعب الاضطهاد القومي والإقصاء السياسي الذي مارسه النظام على الكرد والأشوريين - السريان بلفتة ذكية ومباشرة وأعاد إلى سورية رونقها ونكاتها التي افتقدتها طوال عقود الاستبداد والقمع. ولعب النظام بمصير البلاد وأقدار العباد عبر تحفيز المخاوف والهواجس الطائفية بالاعتداء على المواطنين بالقتل والخطف والتنكيل والاغتصاب، لاستدراجهم إلى ردود أفعال من الجنس نفسه وإدخال البلاد في أتون حرب طائفية كي يدنس الثورة ويشوّه صورتها الأخلاقية والوطنية ويضرب شرعيتها. واستعان النظام ببعض شياطينه وشياطين حلفائه وبعض المطبّلين من اللبنانيين لتوسيع ساحة الهواجس والمخاوف الطائفية لتشمل المسيحيين. عندها رد الشعب السوري بشعاره العظيم «واحد... واحد... واحد... الشعب السوري واحد»، صدحت به حناجر الملايين وأنشدته فدوى سليمان وهي تستند إلى كتف عبدالباسط الساروت في أحياء حمص عاصمة الثورة وساحة نصرها الآتي، وحمل راية مواجهته محمد صالح حفيد المجاهد السوري الكبير صالح العلي بشجاعة وإصرار على رغم اعتقاله مرات ومرات.
لقد نجح النظام في استدراج بعض من ذاقوا مظالمه وإجرامه إلى الشرب من كأس الطائفية البغيض وانزلق بعضهم إلى ردود فعل على الخطف والاغتصاب بالقيام بالمثل، لكنها بقيت استجابة محدودة ومرذولة لم تستسغها جماهير الثورة أو تقبلها، على رغم تفهمها للظروف التي قادت إليها حيث رفعت اللافتات الرافضة للممارسة الطائفية وحمل الناطقون باسمها النظام مسؤولية أي انزلاق نحو الحرب الطائفية التي تدفع إليها سياساته وممارساته.
إنها سورية الجديدة بنت الثورة وحفيدة ثوار العشرينات الذين هبوا لطرد المستعمر الفرنسي ورسموا حدود البلاد وهويتها من سلطان باشا الأطرش الدرزي إلى صالح العلي العلوي وحسن الخراط ومحمد الأشمر السنيين وإبراهيم هنانو الكردي، ممن لم يجدوا غضاضة أو حرجاً في تسمية الأطرش قائداً لثورتهم.
سياسيون ورجال دين وأكاديميون عراقيون يوقعون "ميثاق شرف" لنبذ التطرف
السبت 24 كانون الأول 2011
وقع سياسيون واكاديميون ورجال دين عراقيون "ميثاق شرف" ينص على محاربة التطرف ويدعو الى الوحدة الوطنية، وذلك بمبادرة من الزعيم الشيعي مقتدى الصدر. وجرى التوقيع على الميثاق في احتفال في بغداد، اعلن خلاله ان قوى سياسية اخرى ستوقع لاحقاً بدورها على هذا الميثاق.
ويشمل "ميثاق الشرف الوطني العراقي" ثلاثة عشر فقرة، تنص على "صون مال وعرض كل العراقيين لا سيما من قال الله اكبر"، واعتبار "كل الطوائف الدينية والاتنيات العراقية اخوة في الوطن والانسانية"، وهو ويحمي الميثاق "الطقوس والعادات لكل طائفة دينية"، ويمنع "الخطب والمقالات والتصريحات والمؤتمرات الاجتماعات وكل ما من شانه اثارة الفتن والنعرات الطائفية"، كما يمنع "الاعتداء على الكنائس والمساجد" ودور العبادة الاخرى، ويدعو الميثاق الى "التربية والتثقيف على الوحدة الوطنية"، ويؤكد على التعايش السلمي بين ابناء الشعب العراقي (...) ومع دول الجوار وكل المسلمين".
وتنص الورقة كذلك على "العمل لتاسيس مجلس علمائي موحد يسعى لجمع الاحاديث المشتركة الفكرية التي تنبذ العنف"، وعلى ان "يكون العمل السياسي باعثا على الوحدة الوطنية ومرسخا لها"، وعلى "مقاطعة المتطرفين". كما تدعو الى "محاربة كل انواع الفساد والمحافظة على ثروات العراق من الهدر، وتقسيم الثروات بالعدل". وبحسب نص الميثاق، سيتم "تشكيل لجنة علمائية، لمتابعة بنود الميثاق من خلال اجتماعات دورية"، وسيجري عقد "اجتماع طارئ في أوقات الأزمات والمخاطر".
وقع سياسيون واكاديميون ورجال دين عراقيون "ميثاق شرف" ينص على محاربة التطرف ويدعو الى الوحدة الوطنية، وذلك بمبادرة من الزعيم الشيعي مقتدى الصدر. وجرى التوقيع على الميثاق في احتفال في بغداد، اعلن خلاله ان قوى سياسية اخرى ستوقع لاحقاً بدورها على هذا الميثاق.
ويشمل "ميثاق الشرف الوطني العراقي" ثلاثة عشر فقرة، تنص على "صون مال وعرض كل العراقيين لا سيما من قال الله اكبر"، واعتبار "كل الطوائف الدينية والاتنيات العراقية اخوة في الوطن والانسانية"، وهو ويحمي الميثاق "الطقوس والعادات لكل طائفة دينية"، ويمنع "الخطب والمقالات والتصريحات والمؤتمرات الاجتماعات وكل ما من شانه اثارة الفتن والنعرات الطائفية"، كما يمنع "الاعتداء على الكنائس والمساجد" ودور العبادة الاخرى، ويدعو الميثاق الى "التربية والتثقيف على الوحدة الوطنية"، ويؤكد على التعايش السلمي بين ابناء الشعب العراقي (...) ومع دول الجوار وكل المسلمين".
وتنص الورقة كذلك على "العمل لتاسيس مجلس علمائي موحد يسعى لجمع الاحاديث المشتركة الفكرية التي تنبذ العنف"، وعلى ان "يكون العمل السياسي باعثا على الوحدة الوطنية ومرسخا لها"، وعلى "مقاطعة المتطرفين". كما تدعو الى "محاربة كل انواع الفساد والمحافظة على ثروات العراق من الهدر، وتقسيم الثروات بالعدل". وبحسب نص الميثاق، سيتم "تشكيل لجنة علمائية، لمتابعة بنود الميثاق من خلال اجتماعات دورية"، وسيجري عقد "اجتماع طارئ في أوقات الأزمات والمخاطر".
بيان من شبلي زيد الأطرش حول حشر بعض دروز لبنان أنفسهم في شؤون سوريا
لقد درج نفر من أبناء الطائفة الدرزية في لبنان على حشر أنفسهم في الشأن السوري، يدفعهم الى ذلك منافع شخصية ضيقة، فهؤلاء كما يحاولون شق الطائفة في لبنان، خدمة لأجندات إقليمية‘ فهم يحاولون نقل ذلك إلى الطائفة في سورية. نريد أن نقول لهم إن بضاعتكم فاسدة ولن تجد من يشتريها من الشعب السوري الذي ينشد حريته وكرامته، وهي مردودة على صانعيها ومسوقيها في آن معاً.
إن توريط مشايخ من طائفة الموحدين الدروز في لبنان في زواريب السياسة ومستنقعاتها أمر غير محمود وغير مسبوق، ولم يعوّدنا أصحاب العمائم البيضاء الظهور على عتبات السلطان وذلك حفاظاً على نقاوة وطهرية عمائمهم ومواقفهم، وليبقوا على مسافة تمكنهم من القيام بدورهم كـ"مصلاح خير" عند اللزوم.
ولكن زيارة المشايخ الأفاضل إلى سورية فعلت غير ذلك، فقد أريد لهم أن يحشروا في لعبة التكاذب، ما ينسف أول ركن في العقيدة: الصدق، ويصب الزيت على النار المشتعلة في سورية، والتي يراد لها أن تكون طائفية ليستقيم لمشعليها استمرار القتل، ويحرّض على الشحن الطائفي، في لعبة دنيئة مستمرة منذ عدة عقود، يحتقرها الشعب السوري وينبذها.
نريد أن نذكّر أهلنا في لبنان أن اللعبة الطائفية لم تكن من مفردات طائفة الموحدين الدروز في سورية يوماً من الأيام، لا بل كانت الطائفة رائدة في جمع الكلمة حول وحدة الأرض السورية ووحدة الشعب السوري وتعايش طوائفه ودياناته وقومياته بعيداً عن الأغراض الصغيرة والمرامي الكيدية للبعض، وكان شعار "الدين لله والوطن للجميع" الذي رفعته الثورة السورية1925 الراية التي انضوى تحتها جميع السوريين وما زالوا. وإذا أبطن البعض غير ذلك وما زال يذكي الفتنة الطائفية ويؤججها إلى اليوم، فالطائفة الدرزية في سورية لا ولن تربط مصيرها بمصيرهم.
إننا لا نبتغي تعليم أحد ما يجب أن يفعله ببلده، ولا نريد ان ننوه عن عدم النضوج السياسي للبعض من إخوتنا في لبنان وعدم تحررهم من التبعية؛ ولكننا نؤكد أننا لا نرغب بتلقي دروس فيما علينا أن نفعله ببلدنا، فنحن ناضجون كفاية لتدبر أمورنا، أما للذي يظهر علينا بين حين وآخر ليؤسس ميليشيا طائفية على غرار ما يقوم به في لبنان خدمة لشياطين الطائفية عبر وسائل رخيصة وخطاب رذيل وبذاءة موصوفة، فلا بد له من أن يسقط في شر أعماله.
إننا نهيب بمشايخنا الأفاضل وهيآتنا الروحية أن ينأوا بأنفسهم عن المزالق التي يحاول أن يوقعهم بها المشتغلون على الصغائر. وأن يشفقوا على نزاهة العقيدة من ارتكاب الخطأ أو التحريض على الفتنة والقتل، فهذه العمائم يجب أن تبقى بيضاء نقية كنقاء عقيدتهم وبياض قلوبهم. وليتحمل أصحاب المآرب وحدهم عواقب أفعالهم.
إن توريط مشايخ من طائفة الموحدين الدروز في لبنان في زواريب السياسة ومستنقعاتها أمر غير محمود وغير مسبوق، ولم يعوّدنا أصحاب العمائم البيضاء الظهور على عتبات السلطان وذلك حفاظاً على نقاوة وطهرية عمائمهم ومواقفهم، وليبقوا على مسافة تمكنهم من القيام بدورهم كـ"مصلاح خير" عند اللزوم.
ولكن زيارة المشايخ الأفاضل إلى سورية فعلت غير ذلك، فقد أريد لهم أن يحشروا في لعبة التكاذب، ما ينسف أول ركن في العقيدة: الصدق، ويصب الزيت على النار المشتعلة في سورية، والتي يراد لها أن تكون طائفية ليستقيم لمشعليها استمرار القتل، ويحرّض على الشحن الطائفي، في لعبة دنيئة مستمرة منذ عدة عقود، يحتقرها الشعب السوري وينبذها.
نريد أن نذكّر أهلنا في لبنان أن اللعبة الطائفية لم تكن من مفردات طائفة الموحدين الدروز في سورية يوماً من الأيام، لا بل كانت الطائفة رائدة في جمع الكلمة حول وحدة الأرض السورية ووحدة الشعب السوري وتعايش طوائفه ودياناته وقومياته بعيداً عن الأغراض الصغيرة والمرامي الكيدية للبعض، وكان شعار "الدين لله والوطن للجميع" الذي رفعته الثورة السورية1925 الراية التي انضوى تحتها جميع السوريين وما زالوا. وإذا أبطن البعض غير ذلك وما زال يذكي الفتنة الطائفية ويؤججها إلى اليوم، فالطائفة الدرزية في سورية لا ولن تربط مصيرها بمصيرهم.
إننا لا نبتغي تعليم أحد ما يجب أن يفعله ببلده، ولا نريد ان ننوه عن عدم النضوج السياسي للبعض من إخوتنا في لبنان وعدم تحررهم من التبعية؛ ولكننا نؤكد أننا لا نرغب بتلقي دروس فيما علينا أن نفعله ببلدنا، فنحن ناضجون كفاية لتدبر أمورنا، أما للذي يظهر علينا بين حين وآخر ليؤسس ميليشيا طائفية على غرار ما يقوم به في لبنان خدمة لشياطين الطائفية عبر وسائل رخيصة وخطاب رذيل وبذاءة موصوفة، فلا بد له من أن يسقط في شر أعماله.
إننا نهيب بمشايخنا الأفاضل وهيآتنا الروحية أن ينأوا بأنفسهم عن المزالق التي يحاول أن يوقعهم بها المشتغلون على الصغائر. وأن يشفقوا على نزاهة العقيدة من ارتكاب الخطأ أو التحريض على الفتنة والقتل، فهذه العمائم يجب أن تبقى بيضاء نقية كنقاء عقيدتهم وبياض قلوبهم. وليتحمل أصحاب المآرب وحدهم عواقب أفعالهم.
بيان من شبلي زيد الأطرش حول حشر بعض دروز لبنان أنفسهم في شؤون سوريا
لقد درج نفر من أبناء الطائفة الدرزية في لبنان على حشر أنفسهم في الشأن السوري، يدفعهم الى ذلك منافع شخصية ضيقة، فهؤلاء كما يحاولون شق الطائفة في لبنان، خدمة لأجندات إقليمية‘ فهم يحاولون نقل ذلك إلى الطائفة في سورية. نريد أن نقول لهم إن بضاعتكم فاسدة ولن تجد من يشتريها من الشعب السوري الذي ينشد حريته وكرامته، وهي مردودة على صانعيها ومسوقيها في آن معاً.
إن توريط مشايخ من طائفة الموحدين الدروز في لبنان في زواريب السياسة ومستنقعاتها أمر غير محمود وغير مسبوق، ولم يعوّدنا أصحاب العمائم البيضاء الظهور على عتبات السلطان وذلك حفاظاً على نقاوة وطهرية عمائمهم ومواقفهم، وليبقوا على مسافة تمكنهم من القيام بدورهم كـ"مصلاح خير" عند اللزوم.
ولكن زيارة المشايخ الأفاضل إلى سورية فعلت غير ذلك، فقد أريد لهم أن يحشروا في لعبة التكاذب، ما ينسف أول ركن في العقيدة: الصدق، ويصب الزيت على النار المشتعلة في سورية، والتي يراد لها أن تكون طائفية ليستقيم لمشعليها استمرار القتل، ويحرّض على الشحن الطائفي، في لعبة دنيئة مستمرة منذ عدة عقود، يحتقرها الشعب السوري وينبذها.
نريد أن نذكّر أهلنا في لبنان أن اللعبة الطائفية لم تكن من مفردات طائفة الموحدين الدروز في سورية يوماً من الأيام، لا بل كانت الطائفة رائدة في جمع الكلمة حول وحدة الأرض السورية ووحدة الشعب السوري وتعايش طوائفه ودياناته وقومياته بعيداً عن الأغراض الصغيرة والمرامي الكيدية للبعض، وكان شعار "الدين لله والوطن للجميع" الذي رفعته الثورة السورية1925 الراية التي انضوى تحتها جميع السوريين وما زالوا. وإذا أبطن البعض غير ذلك وما زال يذكي الفتنة الطائفية ويؤججها إلى اليوم، فالطائفة الدرزية في سورية لا ولن تربط مصيرها بمصيرهم.
إننا لا نبتغي تعليم أحد ما يجب أن يفعله ببلده، ولا نريد ان ننوه عن عدم النضوج السياسي للبعض من إخوتنا في لبنان وعدم تحررهم من التبعية؛ ولكننا نؤكد أننا لا نرغب بتلقي دروس فيما علينا أن نفعله ببلدنا، فنحن ناضجون كفاية لتدبر أمورنا، أما للذي يظهر علينا بين حين وآخر ليؤسس ميليشيا طائفية على غرار ما يقوم به في لبنان خدمة لشياطين الطائفية عبر وسائل رخيصة وخطاب رذيل وبذاءة موصوفة، فلا بد له من أن يسقط في شر أعماله.
إننا نهيب بمشايخنا الأفاضل وهيآتنا الروحية أن ينأوا بأنفسهم عن المزالق التي يحاول أن يوقعهم بها المشتغلون على الصغائر. وأن يشفقوا على نزاهة العقيدة من ارتكاب الخطأ أو التحريض على الفتنة والقتل، فهذه العمائم يجب أن تبقى بيضاء نقية كنقاء عقيدتهم وبياض قلوبهم. وليتحمل أصحاب المآرب وحدهم عواقب أفعالهم.
إن توريط مشايخ من طائفة الموحدين الدروز في لبنان في زواريب السياسة ومستنقعاتها أمر غير محمود وغير مسبوق، ولم يعوّدنا أصحاب العمائم البيضاء الظهور على عتبات السلطان وذلك حفاظاً على نقاوة وطهرية عمائمهم ومواقفهم، وليبقوا على مسافة تمكنهم من القيام بدورهم كـ"مصلاح خير" عند اللزوم.
ولكن زيارة المشايخ الأفاضل إلى سورية فعلت غير ذلك، فقد أريد لهم أن يحشروا في لعبة التكاذب، ما ينسف أول ركن في العقيدة: الصدق، ويصب الزيت على النار المشتعلة في سورية، والتي يراد لها أن تكون طائفية ليستقيم لمشعليها استمرار القتل، ويحرّض على الشحن الطائفي، في لعبة دنيئة مستمرة منذ عدة عقود، يحتقرها الشعب السوري وينبذها.
نريد أن نذكّر أهلنا في لبنان أن اللعبة الطائفية لم تكن من مفردات طائفة الموحدين الدروز في سورية يوماً من الأيام، لا بل كانت الطائفة رائدة في جمع الكلمة حول وحدة الأرض السورية ووحدة الشعب السوري وتعايش طوائفه ودياناته وقومياته بعيداً عن الأغراض الصغيرة والمرامي الكيدية للبعض، وكان شعار "الدين لله والوطن للجميع" الذي رفعته الثورة السورية1925 الراية التي انضوى تحتها جميع السوريين وما زالوا. وإذا أبطن البعض غير ذلك وما زال يذكي الفتنة الطائفية ويؤججها إلى اليوم، فالطائفة الدرزية في سورية لا ولن تربط مصيرها بمصيرهم.
إننا لا نبتغي تعليم أحد ما يجب أن يفعله ببلده، ولا نريد ان ننوه عن عدم النضوج السياسي للبعض من إخوتنا في لبنان وعدم تحررهم من التبعية؛ ولكننا نؤكد أننا لا نرغب بتلقي دروس فيما علينا أن نفعله ببلدنا، فنحن ناضجون كفاية لتدبر أمورنا، أما للذي يظهر علينا بين حين وآخر ليؤسس ميليشيا طائفية على غرار ما يقوم به في لبنان خدمة لشياطين الطائفية عبر وسائل رخيصة وخطاب رذيل وبذاءة موصوفة، فلا بد له من أن يسقط في شر أعماله.
إننا نهيب بمشايخنا الأفاضل وهيآتنا الروحية أن ينأوا بأنفسهم عن المزالق التي يحاول أن يوقعهم بها المشتغلون على الصغائر. وأن يشفقوا على نزاهة العقيدة من ارتكاب الخطأ أو التحريض على الفتنة والقتل، فهذه العمائم يجب أن تبقى بيضاء نقية كنقاء عقيدتهم وبياض قلوبهم. وليتحمل أصحاب المآرب وحدهم عواقب أفعالهم.
العراق: الثأر بدل القضاء
الجمعة 23 ديسيمبر 2011
حسام عيتاني
كرد فعل شرطي، جاءت الانفجارات في بغداد بعد اتهامات نوري المالكي لطارق الهاشمي وصالح المطلك بالتورط في أعمال إرهابية.
ما كان يصح الاعتقاد أن تصعيداً طائفياً من النوع الذي نشب في يوم الانسحاب الأميركي من العراق، يمكن أن يمر من دون أن يدفع ثمنه المدنيون العراقيون. وبعد عدد من التفجيرات التي سقط ضحيتها بعض المواطنين، جاءت تفجيرات بغداد أمس لترسم الأطر الحقيقية للأزمة التي يتجه العراق نحوها.
ربما نشهد في هذه الأيام التباين الأوسع في وجهات النظر حول تقاسم السلطة في العراق (على أساس طائفي طبعاً)، منذ الاحتلال الأميركي في 2003، فيما تلوح سمات احتراب أهلي ستبدو معه موجة المجازر والتصفيات الطائفية في العامين 2006 و2007، كنزهة في حديقة. ويخطئ من يقلل من حجم الأحقاد بين العراقيين على رغم أنهم ما زالوا يتخاطبون على شاشات الفضائيات بـ «الأخوة في القائمة العراقية» و «الأخوة في لائحة دولة القانون». فإرث الكراهية الذي لم تفعل أعوام الاحتلال غير تضخيمه، جاهز للانفجار.
لا يمكن لغير تحقيق قضائي نزيه ومستقل الجزم في صحة أو عدم صحة الاتهامات إلى الهاشمي والمطلك، لكن سيكون من المضحك الاعتقاد بغياب الأبعاد السياسية عن اتهام الرجلين في اليوم الذي أنهى فيه الأميركيون وجودهم العسكري الرسمي في البلاد. ففي بلد شهد ما لا يمكن وصفه أو تخيله من جرائم انغمس في أوحالها المسؤولون السياسيون والأمنيون من كل صنف ولون، تبدو غبية تلك الصلة التي يريد المالكي إقامتها حصراً بين الهاشمي والمطلك (واستطراداً الطائفة التي ينتميان إليها) وبين الأعمال الإرهابية. ومعروفة بالأسماء والتواريخ الجهات التي تلوثت أيديها بدماء العراقيين، من مختلف الطوائف والاتجاهات، في الأعوام الماضية.
وربما لا يبالي المالكي، باستعجاله اتهام خصميه بتصوير الاحتلال السابق كضمانة للأقليات في العراق. فالمهم عنده، على ما يبدو، إحكام القبض على نياط السلطة ومنع تسربها إلى الأطراف المشاركة شكلياً في الائتلاف الحكومي الذي ظهر بعد لأي وعسر عام 2010. وربما يجوز الرد على اتهامات رئيس الوزراء إلى نائبه المطلك ونائب رئيس الجمهورية الهاشمي، باتهامات من القاموس ذاته، كاسترجاع سجل علاقته بإيران والتجاوب الكامل مع السياسات الإيرانية في العراق وخارجه.
ويمكن التذكير أيضا أن إصرار المالكي على الاستحواذ على السلطة كاملة واحتكارها وإبعاد كل من يبدي ميلاً للتعاون مع الفئات المختلفة من أجل صوغ حياة سياسية جديدة، كعدد من قادة قائمة «العراقية»، يترافق مع فشل عام وشامل في جميع النواحي الخدمية والأمنية. وأحوال الكهرباء والماء والطرق في عراق اليوم تبدو أسوأ مما كانت أيام الحصار الدولي في التسعينات، على رغم إنفاق مئات البلايين من الدولارات على مشاريع البنى التحتية. أما الأمن فيبدو أن المالكي الممسك بخيوط جميع الأجهزة والقوات المسلحة، لا يفهمه سوى تجريد للحملات على مناطق خصومه السياسيين.
بيد أن هذا وغيره لا يجب أن يخفي الصورة العريضة للموقف في العراق. فأوان الأفراد الذين تتحكم بهم هواجسهم الطائفية والشخصية يجب أن ينتهي، بغض النظر إلى أي ملة أو طائفة أو عرق انتموا، ليحين وقت العراقيين الراغبين فعلاً في طي صفحة الاحتلال والتوجه نحو معالجة الأحقاد ومحو آثارها. هذا، أو أننا سنشهد في القريب حقول قتل تجعل العراقيين يترحمون على الماضي.
حسام عيتاني
كرد فعل شرطي، جاءت الانفجارات في بغداد بعد اتهامات نوري المالكي لطارق الهاشمي وصالح المطلك بالتورط في أعمال إرهابية.
ما كان يصح الاعتقاد أن تصعيداً طائفياً من النوع الذي نشب في يوم الانسحاب الأميركي من العراق، يمكن أن يمر من دون أن يدفع ثمنه المدنيون العراقيون. وبعد عدد من التفجيرات التي سقط ضحيتها بعض المواطنين، جاءت تفجيرات بغداد أمس لترسم الأطر الحقيقية للأزمة التي يتجه العراق نحوها.
ربما نشهد في هذه الأيام التباين الأوسع في وجهات النظر حول تقاسم السلطة في العراق (على أساس طائفي طبعاً)، منذ الاحتلال الأميركي في 2003، فيما تلوح سمات احتراب أهلي ستبدو معه موجة المجازر والتصفيات الطائفية في العامين 2006 و2007، كنزهة في حديقة. ويخطئ من يقلل من حجم الأحقاد بين العراقيين على رغم أنهم ما زالوا يتخاطبون على شاشات الفضائيات بـ «الأخوة في القائمة العراقية» و «الأخوة في لائحة دولة القانون». فإرث الكراهية الذي لم تفعل أعوام الاحتلال غير تضخيمه، جاهز للانفجار.
لا يمكن لغير تحقيق قضائي نزيه ومستقل الجزم في صحة أو عدم صحة الاتهامات إلى الهاشمي والمطلك، لكن سيكون من المضحك الاعتقاد بغياب الأبعاد السياسية عن اتهام الرجلين في اليوم الذي أنهى فيه الأميركيون وجودهم العسكري الرسمي في البلاد. ففي بلد شهد ما لا يمكن وصفه أو تخيله من جرائم انغمس في أوحالها المسؤولون السياسيون والأمنيون من كل صنف ولون، تبدو غبية تلك الصلة التي يريد المالكي إقامتها حصراً بين الهاشمي والمطلك (واستطراداً الطائفة التي ينتميان إليها) وبين الأعمال الإرهابية. ومعروفة بالأسماء والتواريخ الجهات التي تلوثت أيديها بدماء العراقيين، من مختلف الطوائف والاتجاهات، في الأعوام الماضية.
وربما لا يبالي المالكي، باستعجاله اتهام خصميه بتصوير الاحتلال السابق كضمانة للأقليات في العراق. فالمهم عنده، على ما يبدو، إحكام القبض على نياط السلطة ومنع تسربها إلى الأطراف المشاركة شكلياً في الائتلاف الحكومي الذي ظهر بعد لأي وعسر عام 2010. وربما يجوز الرد على اتهامات رئيس الوزراء إلى نائبه المطلك ونائب رئيس الجمهورية الهاشمي، باتهامات من القاموس ذاته، كاسترجاع سجل علاقته بإيران والتجاوب الكامل مع السياسات الإيرانية في العراق وخارجه.
ويمكن التذكير أيضا أن إصرار المالكي على الاستحواذ على السلطة كاملة واحتكارها وإبعاد كل من يبدي ميلاً للتعاون مع الفئات المختلفة من أجل صوغ حياة سياسية جديدة، كعدد من قادة قائمة «العراقية»، يترافق مع فشل عام وشامل في جميع النواحي الخدمية والأمنية. وأحوال الكهرباء والماء والطرق في عراق اليوم تبدو أسوأ مما كانت أيام الحصار الدولي في التسعينات، على رغم إنفاق مئات البلايين من الدولارات على مشاريع البنى التحتية. أما الأمن فيبدو أن المالكي الممسك بخيوط جميع الأجهزة والقوات المسلحة، لا يفهمه سوى تجريد للحملات على مناطق خصومه السياسيين.
بيد أن هذا وغيره لا يجب أن يخفي الصورة العريضة للموقف في العراق. فأوان الأفراد الذين تتحكم بهم هواجسهم الطائفية والشخصية يجب أن ينتهي، بغض النظر إلى أي ملة أو طائفة أو عرق انتموا، ليحين وقت العراقيين الراغبين فعلاً في طي صفحة الاحتلال والتوجه نحو معالجة الأحقاد ومحو آثارها. هذا، أو أننا سنشهد في القريب حقول قتل تجعل العراقيين يترحمون على الماضي.
حزب الله أمام السياسة وازدواجية السلطة
الجمعة 23 ديسيمبر 2011
سامر فرنجية
قامت منظومة «حزب الله» على ازدواجية المقاومة والدولة، أو ازدواجية العسكر والمدنيين، مستفيدة من الانفصام في المسؤوليات والأكلاف الذي أنتجته هذه الازدواجية. فالشق الأول من هذه المعادلة واضح بأهدافه ومقتضياته ومنطقه. أما الثاني، فكان، أو على الأقل بدا، وكأنه خارج اهتمام الحزب المقاوم، لا معايير محددة له طالما لا يتناقض مع مقتضيات المقاومة.
بقيت هذه المعادلة قائمة خلال العقدين الفائتين، مع غياب «حزب الله» عن الداخل السياسي المسيّج بمقاومته. ولكن المعادلة الركيكة لم تدم. فبدأت بالتضعضع مع اغتيال الرئيس الحريري وخروج النظام البعثي من الداخل اللبناني. وتعمّق هذا التضعضع مع قيام المحكمة الدولية والصراع المفتوح مع نظام الأسد، حتى انهارت بالكامل مع تحول مسألة سلاح «حزب الله» إلى المشكلة الأساس.
وحاول الحزب ترميم هذه المعادلة وتحصينها من خلال مبدأ حكومة «الوحدة الوطنية» وطاولات الحوار، العاملة على تحصين وجوده في المواقع الحساسة للدولة وإضاعة الوقت بالحوار وطاولاته. وعندما أصبحت هذه الاستراتيجية غير فعالة، اجتاح الداخل السياسي بالعسكر وأطلق نوعاً من المكارثية الممانعة في المجتمع بغية إجبار خصومه على القبول بمعادلة الازدواجية. لكن الحزب لم ينجح في استنساخ «نجاحاته» العسكرية في عالم السياسة، وأمام تعنت أخصامه المحليين بقيت يتيمة هذه المحاولة لإعادة إنعاش معادلة التسعينات المعدّلة.
مع فشل خيار الازدواجية، أطلق الحزب استراتيجية جديدة تقوم على استبدال الثنائية بسيطرته الكاملة، وهو خيار كان قد اتّبعه في مناطق نفوذه. ففي موازاة محاولاته ترميم معادلة الازدواجية، قام «حزب الله» بإغلاق طائفته وتولي أمرها، بخاصة بعد حرب تموز ومسلسل مساعداتها. ولئن كان المردود السياسي لتلك الخطة إيجابياً في المرحلة الأولى، كما تبين من استحالة اختراقه انتخابياً، فسرعان ما بدأت مشاكل هذه الإستراتيجية بالظهور. هكذا دخلت المقاومة في زواريب العائلات والعشائر والفعاليات وفي كيفيات إدارتها. وتحولت هذه القوى، التي تنظر إلى نفسها كأداة فعالة ورشيقة وسريعة، إلى شيء يشبه الفيل المصاب بالزكام، يتعثّر بتعقيدات الحياة اليومية.
فكما اكتشف الحزب ولا يزال، فإن قوانين السياسة، مهما كانت تافهة، مختلفة عن إدارة جبهة عسكرية، مهما كانت مهمة. لكن هذا لم يردعه من الانتقال إلى مرحلة جديدة من اتمام السيطرة المطلقة على الدولة. فعندما اقتضت المقاومة وحاجاتها الحسم في الداخل، قامت حكومة «كلنا للوطن كلنا للعمل» وتحول الحزب إلى مقاومة ودولة وأصبحت مسؤولية إدارة الجبهة والمؤخرة على عاتقه. وبعد سنوات قضاها في وضوح الجبهات العسكرية، دخل الحزب إلى غموض الحياة المدنية ورماديتها والتباسها، أي إلى السياسة.
فقد بدأ التخبّط في محاولة إدارة بلد صغير و «تافه»، هو الذي سوّق نفسه كلاعب إقليمي، أصغرُ خطاب لأمينه العام يعيد إعادة رسم المنطقة برمّتها. وكان هذا التخبط قد بدأ مع اكتشاف مواقف الحلفاء الفعلية منه في تسريبات «ويكيليكس» وظهور العمالة عند حليف عوني. وازداد هذا التخبّط في سياسته الحكومية. ففي موضوع تمويل المحكمة الدولية، اضطر الحزب الى القبول بألاعيب رئيس الوزراء، بعدما بنى كل سياسته على رفض المحكمة واعتبارها إسرائيلية. هكذا وجد نفسه في حكومة تموّل محكمة تدينه. واستمر هذا الضياع في موضوع قانون الرواتب والأجور، فبدأ الحزب بدعم مطالب النائب عون في هذا الموضوع، ليعود ويصوّت ضد قانون حليفه في مجلس الوزراء. ثم عاد ودعم الحركة الاحتجاجية ضد هذا المشروع، معتبراً أن تصويته سوء تنسيق. ومجدداً، وجد الحزب نفسه في موقع غريب، مقرّاً قانوناً يتظاهر ضده.
يتبين يوماً بعد يوم أن إدارة معركة عسكرية وجبهة مقاومة أسهل من إدارة اقتصاد ومجتمع ونظام سياسي، وإن كانت الأخيرة أقل جاذبية واستدعاء للعنفوان والشرف. فالحياة اليومية في دولة أصعب من يوميات الحروب الإقليمية، كما تتطلب أسلوباً مختلفاً من التعاطي. فهي لا تتحمل مواقف حاسمة من الغرب والعرب كما لا تدار بعقلية العدو والصديق ولا ينفع فيها الحسم والقطع. ذاك أن المهارة العسكرية التي راكمها الحزب على مدى سنوات غير مجدية في السياسة، يمكنها أن تهدم الخصم لكنها غير قادرة على تأسيس بديل منه. وخروج أمين عام «حزب الله» لمقابلة جمهوره اعترافاً منه بأن السياسة لا تدار من وراء شاشات التلفزة، ربما بدا، هو الآخر، أقل عنفواناً وقدسية.
ومع اكتشاف الحدود الموضوعية للسياسة واستحالة تبسيط التعقيدات في ثنائيات أخلاقوية، دخل الحزب في صلب السياسة. وعلى عتبة سن الرشد هذا، يجد نفسه أمام احتمال من ثلاثة: يقوم الأول على القبول بالواقع وبشروط السياسة والتحول إلى حزب طبيعي والابتعاد من مبدأ المقاومة من أجل المقاومة في دوّامة لا نهاية لها. ولكن هذا الاحتمال معدوم. فمن اعتاد على تصور نفسه كزعيم للعرب وأمين عام حزب «أشرف الناس» وقائد «الانتصارات الإلهية»، يصعب عليه التحول مجرد زعيم لكتلة نيابية، يتنافس على أكثرية نيابية مع باقي السياسيين اللبنانيين، الذين غالباً ما يكون سقف طموحاتهم السياسية كسّارة من هنا ووظيفة من هناك.
أما الاحتمال الثاني، فيقوم على الخروج من هذه الازدواجية من خلال الخروج من السياسة والعودة إلى ميدان المعركة. فبعد التوغل الفاشل في السياسة الداخلية، تبدو الحرب أكثر صفاء وطهارة وبساطة، وهذا ما يشكّل مخرجاً من مأزقه الحالي، اللبناني والسوري. لكن يبقى هذا الاحتمال رهناً بالتطورات الإقليمية، وكلفته، مهما كانت النتيجة، عالية. ويبقى احتمال أخير، مدعوم من الحليف العوني، وقائم على مبدأ استعمال الأسلوب الحربي الذي يتقنه الحزب في السياسة الداخلية ومعركة الإصلاح. فالخيار العوني كناية عن «٧ أيار إصلاحي»، يُستعمل الحزب فيه كقوة ضاربة إصلاحية لاقتحام أوكار الفساد واقتلاع الخونة والفاسدين، وهم وجهان للعملة نفسها وفق الأحزاب المتفاهمة. يقتضي هذا الخيار، الأشبه بتجربة «القفزة الكبرى إلى الأمام»، ذوبان الدولة في الحزب وامتداده العوني، والتضحية بالهامش الضيق للحرية في لبنان. فإذا دُعّمت الحقيقة المطلقة بالسلطة المطلقة، تصبح الديموقراطية بلا جدوى، والأخصام السياسيون عقبات على طريق الجنة، تدميرهم حلال.
وضع الحزب نفسه على مفترق طرق لا عودة عنه: إما خوض السياسة الصعبة التي تتطلب تواضعاً وقبولاً بالحدود وإعادة نظر في خيارات الماضي، أي اجتياز عتبة الرشد السياسي، أو الهروب إلى أمام من خلال العودة إلى زمن الشباب، زمن المقاومة المعمّمة. لكنْ، كما اكتشف دوريان غراي من قبل، من الذي يريد أن يكبر حين يملك القدرة على إطالة زمن الشباب؟ الفارق أن دوريان حافظ على شبابه وتعفنت الصورة. أما عندنا، فيتعفن البلد لتبقى صورة سيد المقاومة ناصعة.
سامر فرنجية
قامت منظومة «حزب الله» على ازدواجية المقاومة والدولة، أو ازدواجية العسكر والمدنيين، مستفيدة من الانفصام في المسؤوليات والأكلاف الذي أنتجته هذه الازدواجية. فالشق الأول من هذه المعادلة واضح بأهدافه ومقتضياته ومنطقه. أما الثاني، فكان، أو على الأقل بدا، وكأنه خارج اهتمام الحزب المقاوم، لا معايير محددة له طالما لا يتناقض مع مقتضيات المقاومة.
بقيت هذه المعادلة قائمة خلال العقدين الفائتين، مع غياب «حزب الله» عن الداخل السياسي المسيّج بمقاومته. ولكن المعادلة الركيكة لم تدم. فبدأت بالتضعضع مع اغتيال الرئيس الحريري وخروج النظام البعثي من الداخل اللبناني. وتعمّق هذا التضعضع مع قيام المحكمة الدولية والصراع المفتوح مع نظام الأسد، حتى انهارت بالكامل مع تحول مسألة سلاح «حزب الله» إلى المشكلة الأساس.
وحاول الحزب ترميم هذه المعادلة وتحصينها من خلال مبدأ حكومة «الوحدة الوطنية» وطاولات الحوار، العاملة على تحصين وجوده في المواقع الحساسة للدولة وإضاعة الوقت بالحوار وطاولاته. وعندما أصبحت هذه الاستراتيجية غير فعالة، اجتاح الداخل السياسي بالعسكر وأطلق نوعاً من المكارثية الممانعة في المجتمع بغية إجبار خصومه على القبول بمعادلة الازدواجية. لكن الحزب لم ينجح في استنساخ «نجاحاته» العسكرية في عالم السياسة، وأمام تعنت أخصامه المحليين بقيت يتيمة هذه المحاولة لإعادة إنعاش معادلة التسعينات المعدّلة.
مع فشل خيار الازدواجية، أطلق الحزب استراتيجية جديدة تقوم على استبدال الثنائية بسيطرته الكاملة، وهو خيار كان قد اتّبعه في مناطق نفوذه. ففي موازاة محاولاته ترميم معادلة الازدواجية، قام «حزب الله» بإغلاق طائفته وتولي أمرها، بخاصة بعد حرب تموز ومسلسل مساعداتها. ولئن كان المردود السياسي لتلك الخطة إيجابياً في المرحلة الأولى، كما تبين من استحالة اختراقه انتخابياً، فسرعان ما بدأت مشاكل هذه الإستراتيجية بالظهور. هكذا دخلت المقاومة في زواريب العائلات والعشائر والفعاليات وفي كيفيات إدارتها. وتحولت هذه القوى، التي تنظر إلى نفسها كأداة فعالة ورشيقة وسريعة، إلى شيء يشبه الفيل المصاب بالزكام، يتعثّر بتعقيدات الحياة اليومية.
فكما اكتشف الحزب ولا يزال، فإن قوانين السياسة، مهما كانت تافهة، مختلفة عن إدارة جبهة عسكرية، مهما كانت مهمة. لكن هذا لم يردعه من الانتقال إلى مرحلة جديدة من اتمام السيطرة المطلقة على الدولة. فعندما اقتضت المقاومة وحاجاتها الحسم في الداخل، قامت حكومة «كلنا للوطن كلنا للعمل» وتحول الحزب إلى مقاومة ودولة وأصبحت مسؤولية إدارة الجبهة والمؤخرة على عاتقه. وبعد سنوات قضاها في وضوح الجبهات العسكرية، دخل الحزب إلى غموض الحياة المدنية ورماديتها والتباسها، أي إلى السياسة.
فقد بدأ التخبّط في محاولة إدارة بلد صغير و «تافه»، هو الذي سوّق نفسه كلاعب إقليمي، أصغرُ خطاب لأمينه العام يعيد إعادة رسم المنطقة برمّتها. وكان هذا التخبط قد بدأ مع اكتشاف مواقف الحلفاء الفعلية منه في تسريبات «ويكيليكس» وظهور العمالة عند حليف عوني. وازداد هذا التخبّط في سياسته الحكومية. ففي موضوع تمويل المحكمة الدولية، اضطر الحزب الى القبول بألاعيب رئيس الوزراء، بعدما بنى كل سياسته على رفض المحكمة واعتبارها إسرائيلية. هكذا وجد نفسه في حكومة تموّل محكمة تدينه. واستمر هذا الضياع في موضوع قانون الرواتب والأجور، فبدأ الحزب بدعم مطالب النائب عون في هذا الموضوع، ليعود ويصوّت ضد قانون حليفه في مجلس الوزراء. ثم عاد ودعم الحركة الاحتجاجية ضد هذا المشروع، معتبراً أن تصويته سوء تنسيق. ومجدداً، وجد الحزب نفسه في موقع غريب، مقرّاً قانوناً يتظاهر ضده.
يتبين يوماً بعد يوم أن إدارة معركة عسكرية وجبهة مقاومة أسهل من إدارة اقتصاد ومجتمع ونظام سياسي، وإن كانت الأخيرة أقل جاذبية واستدعاء للعنفوان والشرف. فالحياة اليومية في دولة أصعب من يوميات الحروب الإقليمية، كما تتطلب أسلوباً مختلفاً من التعاطي. فهي لا تتحمل مواقف حاسمة من الغرب والعرب كما لا تدار بعقلية العدو والصديق ولا ينفع فيها الحسم والقطع. ذاك أن المهارة العسكرية التي راكمها الحزب على مدى سنوات غير مجدية في السياسة، يمكنها أن تهدم الخصم لكنها غير قادرة على تأسيس بديل منه. وخروج أمين عام «حزب الله» لمقابلة جمهوره اعترافاً منه بأن السياسة لا تدار من وراء شاشات التلفزة، ربما بدا، هو الآخر، أقل عنفواناً وقدسية.
ومع اكتشاف الحدود الموضوعية للسياسة واستحالة تبسيط التعقيدات في ثنائيات أخلاقوية، دخل الحزب في صلب السياسة. وعلى عتبة سن الرشد هذا، يجد نفسه أمام احتمال من ثلاثة: يقوم الأول على القبول بالواقع وبشروط السياسة والتحول إلى حزب طبيعي والابتعاد من مبدأ المقاومة من أجل المقاومة في دوّامة لا نهاية لها. ولكن هذا الاحتمال معدوم. فمن اعتاد على تصور نفسه كزعيم للعرب وأمين عام حزب «أشرف الناس» وقائد «الانتصارات الإلهية»، يصعب عليه التحول مجرد زعيم لكتلة نيابية، يتنافس على أكثرية نيابية مع باقي السياسيين اللبنانيين، الذين غالباً ما يكون سقف طموحاتهم السياسية كسّارة من هنا ووظيفة من هناك.
أما الاحتمال الثاني، فيقوم على الخروج من هذه الازدواجية من خلال الخروج من السياسة والعودة إلى ميدان المعركة. فبعد التوغل الفاشل في السياسة الداخلية، تبدو الحرب أكثر صفاء وطهارة وبساطة، وهذا ما يشكّل مخرجاً من مأزقه الحالي، اللبناني والسوري. لكن يبقى هذا الاحتمال رهناً بالتطورات الإقليمية، وكلفته، مهما كانت النتيجة، عالية. ويبقى احتمال أخير، مدعوم من الحليف العوني، وقائم على مبدأ استعمال الأسلوب الحربي الذي يتقنه الحزب في السياسة الداخلية ومعركة الإصلاح. فالخيار العوني كناية عن «٧ أيار إصلاحي»، يُستعمل الحزب فيه كقوة ضاربة إصلاحية لاقتحام أوكار الفساد واقتلاع الخونة والفاسدين، وهم وجهان للعملة نفسها وفق الأحزاب المتفاهمة. يقتضي هذا الخيار، الأشبه بتجربة «القفزة الكبرى إلى الأمام»، ذوبان الدولة في الحزب وامتداده العوني، والتضحية بالهامش الضيق للحرية في لبنان. فإذا دُعّمت الحقيقة المطلقة بالسلطة المطلقة، تصبح الديموقراطية بلا جدوى، والأخصام السياسيون عقبات على طريق الجنة، تدميرهم حلال.
وضع الحزب نفسه على مفترق طرق لا عودة عنه: إما خوض السياسة الصعبة التي تتطلب تواضعاً وقبولاً بالحدود وإعادة نظر في خيارات الماضي، أي اجتياز عتبة الرشد السياسي، أو الهروب إلى أمام من خلال العودة إلى زمن الشباب، زمن المقاومة المعمّمة. لكنْ، كما اكتشف دوريان غراي من قبل، من الذي يريد أن يكبر حين يملك القدرة على إطالة زمن الشباب؟ الفارق أن دوريان حافظ على شبابه وتعفنت الصورة. أما عندنا، فيتعفن البلد لتبقى صورة سيد المقاومة ناصعة.
اجتماع غير مسبوق لمنظمة التحرير حضرته «حماس» و«الجهاد»
الجمعة 23 ديسيمبر 2011
القاهرة - جيهان الحسيني
أنهى «الإطار القيادي الموقت» لمنظمة التحرير الفلسطينية (لجنة تفعيل المنظمة) في القاهرة أمس اجتماعاً غير مسبوق برئاسة الرئيس محمود عباس، حضرته للمرة الأولى حركتا «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، في خطوة تمهّد لتفعيل المنظمة وانضمام فصائل أخرى إليها، وتطلق التحضير لانتخاب مجلس وطني جديد.
وكان الاجتماع استمع الى تقرير موسّع قدمه الرئيس عباس عن الوضع السياسي في ظل انسداد عملية السلام والتعنت الإسرائيلي واستمرار سياسة الاستيطان وتهويد القدس، إضافة الى التحرك دولياً للاعتراف بالدولة الفلسطينية، والجهود المبذولة للدخول في الأمم المتحدة ومؤسساتها.
وحضر الاجتماع رئيس المكتب السياسي لـ «حماس» خالد مشعل والامين العام لحركة «الجهاد الاسلامي» رمضان شلح، وأعضاء اللجنة التنفيذية للمنظمة والأمناء العامين للفصائل، وشخصيات مستقلة، كما حضره وزير المخابرات المصرية مراد موافق وعدد من مساعديه.
وأعلن مفوض العلاقات الوطنية في اللجنة المركزية لحركة «فتح» عزام الأحمد ان جدول أعمال الاجتماع تضمن مناقشة المسودة الثانية لنظام انتخابات المجلس الوطني، مضيفاً انه تم الاتفاق على أن تقدم الفصائل والفعاليات الفلسطينية ملاحظاتها ومقترحاتها لرئيس المجلس الوطني باعتباره المشرف على إعداد نظام انتخابات المجلس الوطني، في مدة أقصاها أسبوعين. وقال إن اللجنة كلفت اللجنة التنفيذية للمنظمة بدء الاتصال مع الدول حيث توجد جاليات فلسطينية واسعة لأخذ موافقتها على إجراء الانتخابات الخاصة بالمجلس الوطني.
وأكد أن اللجنة ثمّنت المرسوم الرئاسي الصادر عن عباس امس القاضي بتشكيل لجنة الانتخابات المركزية في الوطن، موضحاً أن هذه اللجنة كلفت بأن تكون المسؤولة عن انتخابات المجلس الوطني داخل الوطن. واضاف: «بالنسبة الى خارج الوطن، ووفق النظام، سيكون هناك ترتيب آخر».
وقال: «المهم أن يقر الجميع، وفي المقدمة الأخوة في حماس والجهاد، أن منظمة التحرير هي الوعاء الوطني الذي يضم كل القوى والاتجاهات والشرائح الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. وحتماً بعد تشكيل المجلس الوطني الجديد ستكون هناك مشاركة مباشرة من كل الفصائل في أطرها القيادية».
وصرح رئيس المجلس الوطني سليم الزعنون لـ «الحياة» بأنه تم تشكيل لجنة فرعية تضم كلاً من رئيس المجلس الوطني والأمناء العامين ستجتمع كل أسبوعين لمتابعة القرارات التي صدرت عن الاجتماع.
من جانبه، قال القيادي في «حماس» فوزي برهوم عن الاجتماع: «أكدنا اولاً ضرورة تطبيق كل ما اتفقت عليه الفصائل وفي المواعيد المحددة لذلك، ووقّع عباس على مرسوم رئاسي باعتماد اللجنة العليا للانتخابات، اذ تم تكليف الزعنون رئاسة هذه اللجنة بعضوية شخص عن كل فصيل، وسيعقد اللقاء الأول في عمان منتصف الشهر المقبل». واوضح انه تم توزيع اقتراح في شأن قانون انتخابات المنظمة لدرسه والرد عليه، كما تم تشكيل لجنة من 4 أعضاء لبحث كيفية معالجة إشكاليات بعض الفصائل وبعض قضايا المستقلين، كما جرى نقاش في شأن الموضوع السياسي وضرورة وجود رؤية مشتركة للدفاع عن قضايا الشعب الفلسطيني.
في هذا الصدد، أكد الأمين العام لحزب «الشعب» النائب بسام الصالحي أنه تم التأكيد خلال الاجتماع على عدم الذهاب الى المفاوضات في ظل استمرار الاستيطان وفي غياب مرجعية ملزمة طبقاً لقرارات الامم المتحدة، كما تم الاتفاق على دعم التوجه الى الامم المتحدة لنيل عضويتها وعضوية مؤسساتها، وعلى اعتماد المقاومة الشعبية في هذه المرحلة.
القاهرة - جيهان الحسيني
أنهى «الإطار القيادي الموقت» لمنظمة التحرير الفلسطينية (لجنة تفعيل المنظمة) في القاهرة أمس اجتماعاً غير مسبوق برئاسة الرئيس محمود عباس، حضرته للمرة الأولى حركتا «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، في خطوة تمهّد لتفعيل المنظمة وانضمام فصائل أخرى إليها، وتطلق التحضير لانتخاب مجلس وطني جديد.
وكان الاجتماع استمع الى تقرير موسّع قدمه الرئيس عباس عن الوضع السياسي في ظل انسداد عملية السلام والتعنت الإسرائيلي واستمرار سياسة الاستيطان وتهويد القدس، إضافة الى التحرك دولياً للاعتراف بالدولة الفلسطينية، والجهود المبذولة للدخول في الأمم المتحدة ومؤسساتها.
وحضر الاجتماع رئيس المكتب السياسي لـ «حماس» خالد مشعل والامين العام لحركة «الجهاد الاسلامي» رمضان شلح، وأعضاء اللجنة التنفيذية للمنظمة والأمناء العامين للفصائل، وشخصيات مستقلة، كما حضره وزير المخابرات المصرية مراد موافق وعدد من مساعديه.
وأعلن مفوض العلاقات الوطنية في اللجنة المركزية لحركة «فتح» عزام الأحمد ان جدول أعمال الاجتماع تضمن مناقشة المسودة الثانية لنظام انتخابات المجلس الوطني، مضيفاً انه تم الاتفاق على أن تقدم الفصائل والفعاليات الفلسطينية ملاحظاتها ومقترحاتها لرئيس المجلس الوطني باعتباره المشرف على إعداد نظام انتخابات المجلس الوطني، في مدة أقصاها أسبوعين. وقال إن اللجنة كلفت اللجنة التنفيذية للمنظمة بدء الاتصال مع الدول حيث توجد جاليات فلسطينية واسعة لأخذ موافقتها على إجراء الانتخابات الخاصة بالمجلس الوطني.
وأكد أن اللجنة ثمّنت المرسوم الرئاسي الصادر عن عباس امس القاضي بتشكيل لجنة الانتخابات المركزية في الوطن، موضحاً أن هذه اللجنة كلفت بأن تكون المسؤولة عن انتخابات المجلس الوطني داخل الوطن. واضاف: «بالنسبة الى خارج الوطن، ووفق النظام، سيكون هناك ترتيب آخر».
وقال: «المهم أن يقر الجميع، وفي المقدمة الأخوة في حماس والجهاد، أن منظمة التحرير هي الوعاء الوطني الذي يضم كل القوى والاتجاهات والشرائح الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. وحتماً بعد تشكيل المجلس الوطني الجديد ستكون هناك مشاركة مباشرة من كل الفصائل في أطرها القيادية».
وصرح رئيس المجلس الوطني سليم الزعنون لـ «الحياة» بأنه تم تشكيل لجنة فرعية تضم كلاً من رئيس المجلس الوطني والأمناء العامين ستجتمع كل أسبوعين لمتابعة القرارات التي صدرت عن الاجتماع.
من جانبه، قال القيادي في «حماس» فوزي برهوم عن الاجتماع: «أكدنا اولاً ضرورة تطبيق كل ما اتفقت عليه الفصائل وفي المواعيد المحددة لذلك، ووقّع عباس على مرسوم رئاسي باعتماد اللجنة العليا للانتخابات، اذ تم تكليف الزعنون رئاسة هذه اللجنة بعضوية شخص عن كل فصيل، وسيعقد اللقاء الأول في عمان منتصف الشهر المقبل». واوضح انه تم توزيع اقتراح في شأن قانون انتخابات المنظمة لدرسه والرد عليه، كما تم تشكيل لجنة من 4 أعضاء لبحث كيفية معالجة إشكاليات بعض الفصائل وبعض قضايا المستقلين، كما جرى نقاش في شأن الموضوع السياسي وضرورة وجود رؤية مشتركة للدفاع عن قضايا الشعب الفلسطيني.
في هذا الصدد، أكد الأمين العام لحزب «الشعب» النائب بسام الصالحي أنه تم التأكيد خلال الاجتماع على عدم الذهاب الى المفاوضات في ظل استمرار الاستيطان وفي غياب مرجعية ملزمة طبقاً لقرارات الامم المتحدة، كما تم الاتفاق على دعم التوجه الى الامم المتحدة لنيل عضويتها وعضوية مؤسساتها، وعلى اعتماد المقاومة الشعبية في هذه المرحلة.
مشعل: على "حماس" و"فتح" تحمّل مسؤولية الأخطاء التي ارتكبتاها
دعا رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" خالد مشعل في تصريحات لصحيفة "الشرق الأوسط" حركتي "حماس" و"فتح" إلى "التحلّي بالشجاعة في نقد الذات وتحمل مسؤولية الأخطاء التي ارتكبتاها".
وقال مشعل قبل أن يغادر القاهرة عائداً إلى دمشق: "يجب أن نكون شجعاناً في نقد أنفسنا.. فهناك أخطاء متبادلة صدرت عن حماس وفتح يجب أن نعترف بها وفي نفس الوقت يجب ألا نلقي باللائمة على بعضنا البعض". وحول اجتماعات القاهرة مع لجنة منظمة التحرير الفلسطينية أول من أمس، أجاب مشعل: "لأول مرة منذ 2005 يوضع ملف المنظمة على الطاولة.. واتفقنا على تفعيلها وإعادة بنائها من خلال انتخاب مجلس وطني جديد ولجنة تنفيذية جديدة.. وهذا الاجتماع (الإطار القيادي المؤقت للشعب الفلسطيني) كلنا وافقنا عليه وليس مجرد انضمام أحد للآخر، فلا أحد يستطيع الآن الانفراد بالقرار السياسي فالجميع شركاء".
وقال مشعل قبل أن يغادر القاهرة عائداً إلى دمشق: "يجب أن نكون شجعاناً في نقد أنفسنا.. فهناك أخطاء متبادلة صدرت عن حماس وفتح يجب أن نعترف بها وفي نفس الوقت يجب ألا نلقي باللائمة على بعضنا البعض". وحول اجتماعات القاهرة مع لجنة منظمة التحرير الفلسطينية أول من أمس، أجاب مشعل: "لأول مرة منذ 2005 يوضع ملف المنظمة على الطاولة.. واتفقنا على تفعيلها وإعادة بنائها من خلال انتخاب مجلس وطني جديد ولجنة تنفيذية جديدة.. وهذا الاجتماع (الإطار القيادي المؤقت للشعب الفلسطيني) كلنا وافقنا عليه وليس مجرد انضمام أحد للآخر، فلا أحد يستطيع الآن الانفراد بالقرار السياسي فالجميع شركاء".
مشعل: على "حماس" و"فتح" تحمّل مسؤولية الأخطاء التي ارتكبتاها
دعا رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" خالد مشعل في تصريحات لصحيفة "الشرق الأوسط" حركتي "حماس" و"فتح" إلى "التحلّي بالشجاعة في نقد الذات وتحمل مسؤولية الأخطاء التي ارتكبتاها".
وقال مشعل قبل أن يغادر القاهرة عائداً إلى دمشق: "يجب أن نكون شجعاناً في نقد أنفسنا.. فهناك أخطاء متبادلة صدرت عن حماس وفتح يجب أن نعترف بها وفي نفس الوقت يجب ألا نلقي باللائمة على بعضنا البعض". وحول اجتماعات القاهرة مع لجنة منظمة التحرير الفلسطينية أول من أمس، أجاب مشعل: "لأول مرة منذ 2005 يوضع ملف المنظمة على الطاولة.. واتفقنا على تفعيلها وإعادة بنائها من خلال انتخاب مجلس وطني جديد ولجنة تنفيذية جديدة.. وهذا الاجتماع (الإطار القيادي المؤقت للشعب الفلسطيني) كلنا وافقنا عليه وليس مجرد انضمام أحد للآخر، فلا أحد يستطيع الآن الانفراد بالقرار السياسي فالجميع شركاء".
وقال مشعل قبل أن يغادر القاهرة عائداً إلى دمشق: "يجب أن نكون شجعاناً في نقد أنفسنا.. فهناك أخطاء متبادلة صدرت عن حماس وفتح يجب أن نعترف بها وفي نفس الوقت يجب ألا نلقي باللائمة على بعضنا البعض". وحول اجتماعات القاهرة مع لجنة منظمة التحرير الفلسطينية أول من أمس، أجاب مشعل: "لأول مرة منذ 2005 يوضع ملف المنظمة على الطاولة.. واتفقنا على تفعيلها وإعادة بنائها من خلال انتخاب مجلس وطني جديد ولجنة تنفيذية جديدة.. وهذا الاجتماع (الإطار القيادي المؤقت للشعب الفلسطيني) كلنا وافقنا عليه وليس مجرد انضمام أحد للآخر، فلا أحد يستطيع الآن الانفراد بالقرار السياسي فالجميع شركاء".
الإمام علي والتعددية وحرية الرأي
كان سلوك الإمام علي(ع) مع معارضيه والخارجين عليه هو الأساس الفقهي لفقه التنوع والإختلاف والمعارضة بين المسلمين.
يلاحظ أنه وقد امتنع عن مبايعته فريق من المسلمين ونكث بيعته فريق آخر، فلم يجبر الإمام الذين امتنعوا عن مبايعته على البيعة، ومن البارزين منهم سعد بن أبي وقاص وعبد الله ابن عمر والمغيرة بن شعبة وآخرون، بل اتسع لهم صدره وسياسته ونظامه. وحينما جاءوا إليه يطلبون مخصصاتهم المالية لم يمنعهم منها بل عاملهم في هذا الشأن معاملته لمن بايعه واعترف بشرعية خلافته. ولو أن الذين نكثوا بيعته بقي نكثهم في نطاق المعارضة السياسية ولم يتطوّر نكثهم إلى نزاع مسلح- وهو ما حدث في حرب الجمل- لما تعرّض لهم ولأتسّع لهم فكره ونظامه. ولكن حين آل أمرهم إلى الإفساد والحرب الأهلية اضطر إلى مواجهتهم وبعد ذلك حدثت ظاهرة الخوارج.
ونورد فيما يلي بعض النصوص التي تشخص موقف الإمام علي(ع) من ظاهرة المعارضة والتعددية مع الخوارج وفي حالات أخرى.
روى كثير ابن نمير قال: (بينما أنا في الجمعة وعلي ابن أبي طالب على المنبر جاء رجل وقال: لا حكم إلا لله، ثم قام آخر وقال: لا حكم إلا لله، ثم قاموا من نواحي المسجد يحكموّن الله، فأشار عليهم بيدهم إجسلوا، وقال:(نعم لا حكم إلا لله؛ كلمة حق يبتغى بها باطل، حكم الله أنتظر فيكم ؛ إلا أن لكم عندي ثلاث: ما كنتم معنا لن نمنعكم مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، ولا نمنعكم فيئاً ما كانت أيديكم مع أيدينا، ولا نقاتلكم حتى تقاتلونا). ثم أخذ في خطبته.
فمع أنهم خرجوا على ولايته وعارضوا حكومته وخلعوا طاعته، فإنه اعترف لهم مع ذلك بما لهم من الحقوق السياسية، لم يعاملهم بقمع ولا بسجن ولا بقتل ولا بأي شيء من ذلك.
لقد أعطى لهؤلاء حق النقد وحق الإعتراض حتى بالباطل ولم يمنعهم هذا الحق إطلاقاً.
تذكر مصادر التاريخ مواقف لجماعات وأفراد عارضوا الإمام علياً (ع) في بعض القرارات والمواقف فلم يتعرض لهم بسوء، بل تركهم وشأنهم.
ومنها أن الحريث ابن راشد كان عدواً للإمام، فجاءه وقال له (والله لا أطعت أمرك ولا صليت خلفك) فلم يغضب لذلك ولم يبطش به ولم يسجنه، وإنما دعاه إلى الحوار والمناظرة ،ولكن هذا الرجل رفض ذلك وانصرف.
ونلاحظ رؤيته لوضعية الخوارج حينما نهى عن قتالهم بعده وقال قولته: (لا تقاتلوا الخوارج بعدي فإنه ليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأصابه)؛ وبذلك أعطاهم حق المعارضة للنظام القائم بعده، وهو أمر طبيعي، فإذا كان يرى أن من حقهم معارضته وهو إمام الحق فمن باب أولى أن يكون له حق المعارضة لدولة الباطل التي كان يمثلها ويحكمها معاوية.
هناك نص في نهج البلاغة عند الإمام علي بن أبي طالب (ع) في تعليم أصحابه يقول لهم (إني أكره لكم أن تكونوا سبّابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم كان أصوب في القول وأبلغ في العظة).... إذن المطلوب هو الوصف الموضوعي للرأي الآخر والموقف الآخر، وليس الهوى العاطفي والإنفعالي، والموضوعية هي في التشخيص المحايد للرأي الآخر ونقده. وهذا ينطلق من قوله تعالى في سورة الحجرات الآيتان :11- 12
"يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكنّ خيراً منهنّ ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابذوا بالألقاب بئس الإسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون. يا أيها الذين آمنوا إجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله توّاب رحيم".
يلاحظ أنه وقد امتنع عن مبايعته فريق من المسلمين ونكث بيعته فريق آخر، فلم يجبر الإمام الذين امتنعوا عن مبايعته على البيعة، ومن البارزين منهم سعد بن أبي وقاص وعبد الله ابن عمر والمغيرة بن شعبة وآخرون، بل اتسع لهم صدره وسياسته ونظامه. وحينما جاءوا إليه يطلبون مخصصاتهم المالية لم يمنعهم منها بل عاملهم في هذا الشأن معاملته لمن بايعه واعترف بشرعية خلافته. ولو أن الذين نكثوا بيعته بقي نكثهم في نطاق المعارضة السياسية ولم يتطوّر نكثهم إلى نزاع مسلح- وهو ما حدث في حرب الجمل- لما تعرّض لهم ولأتسّع لهم فكره ونظامه. ولكن حين آل أمرهم إلى الإفساد والحرب الأهلية اضطر إلى مواجهتهم وبعد ذلك حدثت ظاهرة الخوارج.
ونورد فيما يلي بعض النصوص التي تشخص موقف الإمام علي(ع) من ظاهرة المعارضة والتعددية مع الخوارج وفي حالات أخرى.
روى كثير ابن نمير قال: (بينما أنا في الجمعة وعلي ابن أبي طالب على المنبر جاء رجل وقال: لا حكم إلا لله، ثم قام آخر وقال: لا حكم إلا لله، ثم قاموا من نواحي المسجد يحكموّن الله، فأشار عليهم بيدهم إجسلوا، وقال:(نعم لا حكم إلا لله؛ كلمة حق يبتغى بها باطل، حكم الله أنتظر فيكم ؛ إلا أن لكم عندي ثلاث: ما كنتم معنا لن نمنعكم مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، ولا نمنعكم فيئاً ما كانت أيديكم مع أيدينا، ولا نقاتلكم حتى تقاتلونا). ثم أخذ في خطبته.
فمع أنهم خرجوا على ولايته وعارضوا حكومته وخلعوا طاعته، فإنه اعترف لهم مع ذلك بما لهم من الحقوق السياسية، لم يعاملهم بقمع ولا بسجن ولا بقتل ولا بأي شيء من ذلك.
لقد أعطى لهؤلاء حق النقد وحق الإعتراض حتى بالباطل ولم يمنعهم هذا الحق إطلاقاً.
تذكر مصادر التاريخ مواقف لجماعات وأفراد عارضوا الإمام علياً (ع) في بعض القرارات والمواقف فلم يتعرض لهم بسوء، بل تركهم وشأنهم.
ومنها أن الحريث ابن راشد كان عدواً للإمام، فجاءه وقال له (والله لا أطعت أمرك ولا صليت خلفك) فلم يغضب لذلك ولم يبطش به ولم يسجنه، وإنما دعاه إلى الحوار والمناظرة ،ولكن هذا الرجل رفض ذلك وانصرف.
ونلاحظ رؤيته لوضعية الخوارج حينما نهى عن قتالهم بعده وقال قولته: (لا تقاتلوا الخوارج بعدي فإنه ليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأصابه)؛ وبذلك أعطاهم حق المعارضة للنظام القائم بعده، وهو أمر طبيعي، فإذا كان يرى أن من حقهم معارضته وهو إمام الحق فمن باب أولى أن يكون له حق المعارضة لدولة الباطل التي كان يمثلها ويحكمها معاوية.
هناك نص في نهج البلاغة عند الإمام علي بن أبي طالب (ع) في تعليم أصحابه يقول لهم (إني أكره لكم أن تكونوا سبّابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم كان أصوب في القول وأبلغ في العظة).... إذن المطلوب هو الوصف الموضوعي للرأي الآخر والموقف الآخر، وليس الهوى العاطفي والإنفعالي، والموضوعية هي في التشخيص المحايد للرأي الآخر ونقده. وهذا ينطلق من قوله تعالى في سورة الحجرات الآيتان :11- 12
"يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكنّ خيراً منهنّ ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابذوا بالألقاب بئس الإسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون. يا أيها الذين آمنوا إجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله توّاب رحيم".
فخري كريم لـ«الحياة»: آن أوان رحيل المالكي وطيّ صفحة حكمه العراق
الاربعاء 28 ديسيمبر 2011
http://international.daralhayat.com/internationalarticle/344195
بغداد – مشرق عباس
فخري كريم ليس صاحب أكبر دار نشر ومؤسسة اعلامية في العراق (المدى) فقط، بل هو أيضاً من المساهمين في صوغ الحكومة العراقية الحالية. وقال كريم لـ«الحياة» إن الأوان حان لرحيل رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، على خلفية الأزمة التي انطلقت في أعقاب صدور مذكرة اعتقال بحق نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي وعزل نائب رئيس الحكومة صالح المطلك. وهنا نص الحوار:
< كمقرب من مصادر القرار، كيف تصف الوضع السياسي العراقي الحالي؟ - وضع في غاية التوتر ومفتوح على كل الاحتمالات، فما يجري اليوم ينطوي على غياب الحكمة والمسؤولية ويعبر عن نزعة متعالية ومتغطرسة وطائشة لا تأخذ في الاعتبار عند اتخاذ اي قرار مآل هذا القرار ونتائجه السلبية. > من المسؤول؟
- الفرقاء جميعاً مسؤولون عما وصلنا اليه اليوم، كانوا قطعوا شوطاً في تحديد ما ينبغي أن يرسى من مفاهيم العملية السياسية خلال مؤتمر أربيل لتشكيل حكومة المالكي الثانية، لكنهم اكتفوا بالأطر العامة من دون تفصيل وتحديد وتوضيح، فتحدثوا عن التوافق من دون تحديد ملامح هذا التوافق، وتحدثوا عن الشراكة من دون توضيح آليات الشراكة، وتحدثوا عن البعث واختلفوا في ما ينبغي ان يحصل لمعالجة هذا الملف، وتطرقوا الى المصالحة وكل طرف يفهمها كما يريد.
اتفاق أربيل انقطع عند لحظة حساسة هي إنهاء صياغة مفاهيم حول القضايا الاساسية.
> أنت على اتصال بكل الاطراف السياسية الرئيسية، فهل لديك تصور عن خريطة مواقف القوى اليوم بمرور عام على تشكيل حكومة المالكي؟
- الخريطة السياسية تغيرت عما كانت عليه خلال مرحلة تشكيل الحكومة، فالبيئة التي تشكلت فيها حكومة المالكي كانت ابرزت نمطاً معيناً من الاستقطابات الإقليمية ساهمت في النهاية عبر المخاوف التي خلفها الاستقطاب، في دفع الامور باتجاه الآلية التي قادت الى اختيار السيد نوري المالكي عندما كان الخيار محصوراً بينه وبين زعيم «العراقية» اياد علاوي. لكن هناك حقائق ارتبطت بهذه المرحلة، فكل الاطراف السياسية، ومن ضمنها من هم حول المالكي، كانوا يشعرون بخطورة نزعات المالكي الانفرادية، وجرى التوقف عند هذه القضية مطولاً حينها، والمالكي أبدى في تلك اللحظة مرونة كبيرة وغير متوقعة، وقدم التزامات وتعهدات بأن المسيرة ستكون في نطاق المشاركة والتوافق. المالكي تحدث لكل طرف من الاطراف بصيغة تطمئنه، لكنه سرعان ما انتهى الى ما كان عليه في الولاية الثانية.
انعكاسات العام الماضي من ولايته كانت مؤثرة، فبرزت مرة اخرى المخاوف من الانفراد بالسلطة. وصل الى قناعة بأن لا بديل منه في العراق، وان القوى السياسية لن تتمكن من التوصل الى توافقات حول البديل، وهذا خطأ فادح دفع به الى سلوك متعال وخطوات سياسية متسرعة ولدت اجواء جادة لإبداله تكاد تشمل كل القوى السياسية العراقية، المالكي هو من دفع الامور باتجاه تولد قناعة لدى الاطراف المختلفة بأنه يغامر بشكل غير مسؤول بمستقبل البلاد، وهذا لا يعني ان الاطراف الاخرى، كالعراقية مثلاً، غير مسؤولة، عبر توتيرها الاجواء والانسحابات والسعي الى فرض طروحاتها.
> لكن رئيس الجمهورية كان قال قبل وقت قصير إن بديل المالكي هو المالكي نفسه؟
- الرئيس كان يتحدث من موقع المسؤول الاول في البلد وراعي الحياة السياسية، وهو بالاضافة الى الثقة والقناعة السابقتين فإنه يتحدث من منطلق ان الوضع العراقي لا يسمح بفراغ سياسي ولا بمغامرات، ويجب ان نتصرف بمسؤولية.
> في رأيك أين اخطأ المالكي منذ توليه رئاسة الحكومة في مثل هذا الوقت من العام الماضي وأين أصاب؟
- منذ لحظة استلامه السلطة مارس النهج الانفرادي نفسه، ما جعله بمواجهة كل القوى السياسية، ومن ضمنها تلك التي كانت حليفة له، وحين نتحدث عن انفراده بالحكم وتغييبه الآخرين، لا نقصد فقط «العراقية» بل حلفاءه ايضاً، فهو يتخذ القرارات الرئيسية من دون استشارة احد. ليس هناك دولة يترك رئيس حكومتها الوزارات الامنية الاساسية في البلد شاغرة لمدة عام، لم يكن مستعداً ابداً لإشغال هذه الوزارات حتى بمن حصلوا على ثقته وثقة الآخرين، بل رغب في التحكم بالقرار الأمني بشكل فردي. هناك مشهد يعطي انطباعاً واضحاً هو صورة مكالمته المتلفزة مع الرئيس الاميركي باراك اوباما يظهر فيها الاخير بصحبة كل طاقمه وكبار مسؤوليه لمناقشة قضية الانسحاب التي تعد من اخطر القرارات التي تخص العراق وواشنطن، فيما يظهر المالكي في الجهة الاخرى برفقة سكرتير له ولا يضع اوراقاً امامه، بل هو قرر ان يرتجل خطبه ولا يستعين بكلمات مكتوبة كما هو المفروض برئيس اي حكومة.
اكثر من هذا، حاول المالكي الايحاء للناس بأنه يتبنى سياسة مواجهة حزب البعث، وهذا غير صحيح، فهناك بعثان في العراق: احدهما البعث الموجود في «القائمة العراقية» التي توحي بأنها تتبنى البعث، والبعث الآخر هو الذي يحميه المالكي نفسه فيضع بعثيين كباراً في كل المفاصل الامنية. معظم قادة الاجهزة الامنية والمخابراتية المقربين من المالكي هم بعثيون سابقون ومشمولون باجتثاث البعث، وهذا انعكس على أداء الاجهزة الامنية وسلوكها الذي ينتمي بالضرورة الى الثقافة البعثية، على غرار استخدام أبشع أساليب نظام صدام حسين في التعامل مع المتظاهرين عبر تلفيق التهم، نحن نعاني من المعايير المزدوجة في التعامل مع البعث، فهو تهمة، ومع هذا يستخدم المالكي الضباط البعثيين بكثافة، لكنه يلوح لهم بملفات الاجتثاث كأداة لإخضاعهم، ما جعلهم تحت سطوة اعضاء مكتبه الذي يضم ابنه واقاربه.
من الاخطاء الاخرى المهمة لرئيس الوزراء، انه رفض ورقة الاصلاح السياسي التي اقرها البرلمان، كما انه يخرج يومياً للقول ان هناك ملفات يحتفظ بها ضد قادة متهمين بالفساد والارهاب لكنه يمتنع عن اظهار اي ملف من هذه الملفات، حتى في مؤتمره الصحافي الذي اعقب اتهام الهاشمي (نائب رئيس الجمهورية) تحدث عن امتلاكه ملفات جرمية هدد باخراجها. والسؤال: كيف لرئيس حكومة إخفاء ملفات بهذه الخطورة؟ واذا كان القضاء مستقلاًّ، كيف يمكن ان تصل مثل هذه الملفات الى رئيس الوزراء ليقرر ان يحفظها او يلوح بها؟
هناك ملف «المصالحة»، فكل يوم يجلب مستشار المالكي مجموعة افراد ويقول ان هؤلاء مجموعة مسلحة ألقت السلاح وانضمت الى العملية السياسية، فيما شوارع بغداد تتعرض يومياً لحوادث اجرامية كبرى. وأيضا نتحدث عن محاولة السيطرة على الهيئات المستقلة، والتسلط على الاجهزة الاعلامية والإخفاقات في ملف الخدمات.
> لكن ألا تعتقد ان هذا التقويم ظالم... على الأقل في جانب نجاح المالكي في إخراج القوات الاميركية؟
- كنا نعيِّر صدام حسين بأن لديه مليون عسكري واليوم لدينا مليون ونصف المليون منهم ومازال الامن منتكساً، فأين هو الإنجاز الامني؟ اما في موضوع سحب القوات الأميركية، فإنه جرى في نطاق توافق كل القوى السياسية، ولا يحسب للمالكي، فلولا تماسك الشعب العراقي وقواه حول هذه القضية لما حصل الانسحاب، كما ان الفضل يعود لأوباما (الرئيس الاميركي) الذي أصر على سحب القوات. وحتى هذا المنجز كيف انتهى؟ ففي وقت كان المفروض ان يتحول الانسحاب الأميركي الى عرس لكل العراقيين، حوَّله المالكي الى يوم حزين، عبر تدخله في قضايا قضائية بحتة وتحويلها الى مادة اعلامية وتصعيدية، أدت بنا الى هذا الوضع الخطير.
> ماذا تتوقع لنهاية هذه الأزمة؟
- البيئة السياسية في العراق لن تسمح لشخص بالانفراد بالبلد، ولهذا فإن هناك حراكاً لم يظهر الى السطح بعد من كل القوى السياسية منذ بداية الازمة الاخيرة، لإعادة تقويم الوضع السياسي، وهناك عناصر من داخل دولة القانون تشعر بخطورة سياسة الهيمنة والانفراد. الاوساط الشيعية الرئيسية نفسها باتت تدرك اليوم أن ما يحصل ليس من مصلحة الشيعة، فليس من مصلحة الشيعة محاولة طرف ما الإيحاء بأنه منقذ وحام لهم من البعثيين وغيرهم، في مقابل ان توحي قيادات سنية بأنها حامية لهذه الطائفة من بطش الآخرين. الحكماء في المشهد السياسي لن يسمحوا باستمرار هذه الازمة.
> ألا تعتقد ان ما يحصل في العراق يعدّ استجابة لتطورات الوضع الإقليمي، خصوصاً ما يحصل في سورية مثلاً؟
- هناك بالتأكيد استقطاب طائفي إقليمي يستهدف العراق، لكن مواجهة هذا الاستقطاب تتم عبر تأمين الصف الداخلي للبلد وليس الإسهام في دفع الأطراف للخضوع الى أجندات إقليمية، السياسة الحالية لا تساهم في حماية هذه الاطراف من الاستقطاب الخارجي، كما ان المواقف العراقية تجاه القضايا الاقليمية ومتغيرات الربيع العربي لا تساهم بدورها في حماية العراق. إن خطوة كالتي اتخذت اخيراً في قضية التعامل مع قادة «العراقية» كفيلة بإعادة العراق الى العزلة الاقليمية.
> لكن العراق نجح في فرض وجوده الاقليمي في الازمة السورية الاخيرة، عبر المبادرة الاخيرة؟
- المبادرة العراقية «شائعة رخيصة»، ليس هناك مبادرة، الخارجية العراقية سعت الى اقناع سورية بقبول المبادرة العربية ولم تطرح اي مبادرة خاصة. ومن ثم، من قال ان هذا في مصلحة العراق؟ العراق يجب ألا يتدخل في شؤون دول الجوار، وأن يؤكد كبلد ديموقراطي دعمه لحق الشعوب في الوقوف بوجه الأنظمة المستبدة.
> والدور الأميركي؟
- الاميركون لم يفهموا العراق وتوازناته، ومازالوا غير قادرين على ذلك، كانوا يضغطون عند تشكيل الحكومة لتولي علاوي رئاسة الجمهورية، وتصور لو كان هذا حدث، ماذا سيحصل اليوم؟ أكاد اجزم ان الحرس الجمهوري التابع لرئاسة الجمهورية سيخوض حرباً في الشوارع مع حمايات المالكي على خلفية اتهام الهاشمي. اليوم، الأميركيون يجرون اتصالات مع الاطراف كلها، ومنهم كتلة علاوي، لإقناعها بقبول المبادرة التي اطلقها المالكي قبل ايام. والسؤال: أليس المالكي طرفاً في الازمة؟ فكيف يكون صاحب المبادرة؟ في وقت كانت اطراف مثل الرئيس طالباني والصدر والحكيم بادروا مسبقاً الى الدعوة لحوار لتجاوز الازمة الحالية.
> ما هي الخيارات التي تدور في الوسط السياسي حالياً؟
- غالبية القوى تتحدث عن ضرورة إنهاء ما بدأت به في اتفاق أربيل من خلال وضع منهج رصين للحكم والتداول السلمي للسلطة، الأطراف تتحدث عن ضرورة تشكيل وزارة مكتملة وصوغ مفاهيم لأسلوب أدائها ومنع إمكانات التفرد بالسلطة، أي لقاء جديد لقادة الكتل سيحسم هذه القضية الشائكة ويعيد بناء الحكومة، سواء كما هي عليه الآن ام باختيار بديل منها.
> لكن الاجواء السياسية وأمزجة القوى ليست مهيئة كما يبدو لإجراء تغيير حكومي؟
- برأيي آن الاوان ليرحل المالكي إذا أرادت القوى وقف الانهيار في العملية السياسية ومعالجة الاخطاء التي ارتكبت. وحين اقول يرحل، يجب ان لا تبقى سياسته ولا آليات الحكم التي أوصلتنا الى هذه النقطة.
> لكن هناك خياراً آخر طرحه المالكي نفسه هو حكومة «غالبية سياسية» تدفع «العراقية» الى المعارضة؟
- أجزم بأن القيادة الكردية لن تقبل بحكومة تقسم البلد، كما أن مغامرة جذب عناصر من هنا وهناك لإكمال ديكور الحكومة والإيحاء بوجود تمثيل للمكونات ستدفع العراق الى متاهات غير معروفة النتائج. أمام المالكي خيار إعادة النظر علناً بكل سياساته الخاطئة او المغادرة، لا يمكن المالكي عزل هيئة سياسية كاملة مثل «العراقية» جاء افرادها عبر الانتخابات وانتخبهم المحيط السني، ولا يمكن عزل السنة عن المعادلة السياسية، لان هذا قد يدفعهم كما قال النجيفي (رئيس البرلمان) الى الانفصال. بالتأكيد هناك عناصر يجب عزلها في «العراقية»، ولكن ذلك يتم عبر المحيط السني نفسه، الوقت حان لنخاطب المحيط السني والقائمة العراقية لحسم الموقف من البعث وحقبة صدام حسين، وتصفية هذه المرحلة عبر الاتفاق على اسلوب موحد للتعامل مع البعث.
> والانتخابات المبكرة؟
- لا أعتقد ان هذا الخيار مطروح، فما يجري اليوم بين مختلف الأطراف هو محاولة تقويم العملية السياسية ووضع حد للثغرات التي سمحت بتسلل الأزمات.
> بعضهم يعتقد ان الامور ستستمر مشحونة الى الانتخابات المقبلة؟
- هذه المرة الوضع لا يحتمل، وطمس قضية كبرى مثل اتهام الهاشمي لم تعد ممكنة، فإما ان يكون الهاشمي مداناً جرمياً ويحاكم، أو أنه بريء وتم تلفيق القضية بحقه، ومن لفق القضية يجب ان يحاسب أمام القانون ايضاً.
> أنت قريب من الرئيس جلال طالباني، فما صحة المعلومات عن علمه بقضية اتهام الهاشمي؟
- الرئيس أبلغ بالاتهامات من قبل رئيس الوزراء وبما توصلت له اللجنة التحقيقية ودعا الى ان لا تعلن هذه المعلومات في وسائل الاعلام وتبقى في اطار القضاء، وطلب ان لا تتخذ إجراءات باقتحام بيت الهاشمي والتعرض لعائلته وان تعالج هذه القضية بحكمة، والمالكي وافق، لكنه في اليوم التالي توجه الى وسائل الاعلام.
http://international.daralhayat.com/internationalarticle/344195
بغداد – مشرق عباس
فخري كريم ليس صاحب أكبر دار نشر ومؤسسة اعلامية في العراق (المدى) فقط، بل هو أيضاً من المساهمين في صوغ الحكومة العراقية الحالية. وقال كريم لـ«الحياة» إن الأوان حان لرحيل رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، على خلفية الأزمة التي انطلقت في أعقاب صدور مذكرة اعتقال بحق نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي وعزل نائب رئيس الحكومة صالح المطلك. وهنا نص الحوار:
< كمقرب من مصادر القرار، كيف تصف الوضع السياسي العراقي الحالي؟ - وضع في غاية التوتر ومفتوح على كل الاحتمالات، فما يجري اليوم ينطوي على غياب الحكمة والمسؤولية ويعبر عن نزعة متعالية ومتغطرسة وطائشة لا تأخذ في الاعتبار عند اتخاذ اي قرار مآل هذا القرار ونتائجه السلبية. > من المسؤول؟
- الفرقاء جميعاً مسؤولون عما وصلنا اليه اليوم، كانوا قطعوا شوطاً في تحديد ما ينبغي أن يرسى من مفاهيم العملية السياسية خلال مؤتمر أربيل لتشكيل حكومة المالكي الثانية، لكنهم اكتفوا بالأطر العامة من دون تفصيل وتحديد وتوضيح، فتحدثوا عن التوافق من دون تحديد ملامح هذا التوافق، وتحدثوا عن الشراكة من دون توضيح آليات الشراكة، وتحدثوا عن البعث واختلفوا في ما ينبغي ان يحصل لمعالجة هذا الملف، وتطرقوا الى المصالحة وكل طرف يفهمها كما يريد.
اتفاق أربيل انقطع عند لحظة حساسة هي إنهاء صياغة مفاهيم حول القضايا الاساسية.
> أنت على اتصال بكل الاطراف السياسية الرئيسية، فهل لديك تصور عن خريطة مواقف القوى اليوم بمرور عام على تشكيل حكومة المالكي؟
- الخريطة السياسية تغيرت عما كانت عليه خلال مرحلة تشكيل الحكومة، فالبيئة التي تشكلت فيها حكومة المالكي كانت ابرزت نمطاً معيناً من الاستقطابات الإقليمية ساهمت في النهاية عبر المخاوف التي خلفها الاستقطاب، في دفع الامور باتجاه الآلية التي قادت الى اختيار السيد نوري المالكي عندما كان الخيار محصوراً بينه وبين زعيم «العراقية» اياد علاوي. لكن هناك حقائق ارتبطت بهذه المرحلة، فكل الاطراف السياسية، ومن ضمنها من هم حول المالكي، كانوا يشعرون بخطورة نزعات المالكي الانفرادية، وجرى التوقف عند هذه القضية مطولاً حينها، والمالكي أبدى في تلك اللحظة مرونة كبيرة وغير متوقعة، وقدم التزامات وتعهدات بأن المسيرة ستكون في نطاق المشاركة والتوافق. المالكي تحدث لكل طرف من الاطراف بصيغة تطمئنه، لكنه سرعان ما انتهى الى ما كان عليه في الولاية الثانية.
انعكاسات العام الماضي من ولايته كانت مؤثرة، فبرزت مرة اخرى المخاوف من الانفراد بالسلطة. وصل الى قناعة بأن لا بديل منه في العراق، وان القوى السياسية لن تتمكن من التوصل الى توافقات حول البديل، وهذا خطأ فادح دفع به الى سلوك متعال وخطوات سياسية متسرعة ولدت اجواء جادة لإبداله تكاد تشمل كل القوى السياسية العراقية، المالكي هو من دفع الامور باتجاه تولد قناعة لدى الاطراف المختلفة بأنه يغامر بشكل غير مسؤول بمستقبل البلاد، وهذا لا يعني ان الاطراف الاخرى، كالعراقية مثلاً، غير مسؤولة، عبر توتيرها الاجواء والانسحابات والسعي الى فرض طروحاتها.
> لكن رئيس الجمهورية كان قال قبل وقت قصير إن بديل المالكي هو المالكي نفسه؟
- الرئيس كان يتحدث من موقع المسؤول الاول في البلد وراعي الحياة السياسية، وهو بالاضافة الى الثقة والقناعة السابقتين فإنه يتحدث من منطلق ان الوضع العراقي لا يسمح بفراغ سياسي ولا بمغامرات، ويجب ان نتصرف بمسؤولية.
> في رأيك أين اخطأ المالكي منذ توليه رئاسة الحكومة في مثل هذا الوقت من العام الماضي وأين أصاب؟
- منذ لحظة استلامه السلطة مارس النهج الانفرادي نفسه، ما جعله بمواجهة كل القوى السياسية، ومن ضمنها تلك التي كانت حليفة له، وحين نتحدث عن انفراده بالحكم وتغييبه الآخرين، لا نقصد فقط «العراقية» بل حلفاءه ايضاً، فهو يتخذ القرارات الرئيسية من دون استشارة احد. ليس هناك دولة يترك رئيس حكومتها الوزارات الامنية الاساسية في البلد شاغرة لمدة عام، لم يكن مستعداً ابداً لإشغال هذه الوزارات حتى بمن حصلوا على ثقته وثقة الآخرين، بل رغب في التحكم بالقرار الأمني بشكل فردي. هناك مشهد يعطي انطباعاً واضحاً هو صورة مكالمته المتلفزة مع الرئيس الاميركي باراك اوباما يظهر فيها الاخير بصحبة كل طاقمه وكبار مسؤوليه لمناقشة قضية الانسحاب التي تعد من اخطر القرارات التي تخص العراق وواشنطن، فيما يظهر المالكي في الجهة الاخرى برفقة سكرتير له ولا يضع اوراقاً امامه، بل هو قرر ان يرتجل خطبه ولا يستعين بكلمات مكتوبة كما هو المفروض برئيس اي حكومة.
اكثر من هذا، حاول المالكي الايحاء للناس بأنه يتبنى سياسة مواجهة حزب البعث، وهذا غير صحيح، فهناك بعثان في العراق: احدهما البعث الموجود في «القائمة العراقية» التي توحي بأنها تتبنى البعث، والبعث الآخر هو الذي يحميه المالكي نفسه فيضع بعثيين كباراً في كل المفاصل الامنية. معظم قادة الاجهزة الامنية والمخابراتية المقربين من المالكي هم بعثيون سابقون ومشمولون باجتثاث البعث، وهذا انعكس على أداء الاجهزة الامنية وسلوكها الذي ينتمي بالضرورة الى الثقافة البعثية، على غرار استخدام أبشع أساليب نظام صدام حسين في التعامل مع المتظاهرين عبر تلفيق التهم، نحن نعاني من المعايير المزدوجة في التعامل مع البعث، فهو تهمة، ومع هذا يستخدم المالكي الضباط البعثيين بكثافة، لكنه يلوح لهم بملفات الاجتثاث كأداة لإخضاعهم، ما جعلهم تحت سطوة اعضاء مكتبه الذي يضم ابنه واقاربه.
من الاخطاء الاخرى المهمة لرئيس الوزراء، انه رفض ورقة الاصلاح السياسي التي اقرها البرلمان، كما انه يخرج يومياً للقول ان هناك ملفات يحتفظ بها ضد قادة متهمين بالفساد والارهاب لكنه يمتنع عن اظهار اي ملف من هذه الملفات، حتى في مؤتمره الصحافي الذي اعقب اتهام الهاشمي (نائب رئيس الجمهورية) تحدث عن امتلاكه ملفات جرمية هدد باخراجها. والسؤال: كيف لرئيس حكومة إخفاء ملفات بهذه الخطورة؟ واذا كان القضاء مستقلاًّ، كيف يمكن ان تصل مثل هذه الملفات الى رئيس الوزراء ليقرر ان يحفظها او يلوح بها؟
هناك ملف «المصالحة»، فكل يوم يجلب مستشار المالكي مجموعة افراد ويقول ان هؤلاء مجموعة مسلحة ألقت السلاح وانضمت الى العملية السياسية، فيما شوارع بغداد تتعرض يومياً لحوادث اجرامية كبرى. وأيضا نتحدث عن محاولة السيطرة على الهيئات المستقلة، والتسلط على الاجهزة الاعلامية والإخفاقات في ملف الخدمات.
> لكن ألا تعتقد ان هذا التقويم ظالم... على الأقل في جانب نجاح المالكي في إخراج القوات الاميركية؟
- كنا نعيِّر صدام حسين بأن لديه مليون عسكري واليوم لدينا مليون ونصف المليون منهم ومازال الامن منتكساً، فأين هو الإنجاز الامني؟ اما في موضوع سحب القوات الأميركية، فإنه جرى في نطاق توافق كل القوى السياسية، ولا يحسب للمالكي، فلولا تماسك الشعب العراقي وقواه حول هذه القضية لما حصل الانسحاب، كما ان الفضل يعود لأوباما (الرئيس الاميركي) الذي أصر على سحب القوات. وحتى هذا المنجز كيف انتهى؟ ففي وقت كان المفروض ان يتحول الانسحاب الأميركي الى عرس لكل العراقيين، حوَّله المالكي الى يوم حزين، عبر تدخله في قضايا قضائية بحتة وتحويلها الى مادة اعلامية وتصعيدية، أدت بنا الى هذا الوضع الخطير.
> ماذا تتوقع لنهاية هذه الأزمة؟
- البيئة السياسية في العراق لن تسمح لشخص بالانفراد بالبلد، ولهذا فإن هناك حراكاً لم يظهر الى السطح بعد من كل القوى السياسية منذ بداية الازمة الاخيرة، لإعادة تقويم الوضع السياسي، وهناك عناصر من داخل دولة القانون تشعر بخطورة سياسة الهيمنة والانفراد. الاوساط الشيعية الرئيسية نفسها باتت تدرك اليوم أن ما يحصل ليس من مصلحة الشيعة، فليس من مصلحة الشيعة محاولة طرف ما الإيحاء بأنه منقذ وحام لهم من البعثيين وغيرهم، في مقابل ان توحي قيادات سنية بأنها حامية لهذه الطائفة من بطش الآخرين. الحكماء في المشهد السياسي لن يسمحوا باستمرار هذه الازمة.
> ألا تعتقد ان ما يحصل في العراق يعدّ استجابة لتطورات الوضع الإقليمي، خصوصاً ما يحصل في سورية مثلاً؟
- هناك بالتأكيد استقطاب طائفي إقليمي يستهدف العراق، لكن مواجهة هذا الاستقطاب تتم عبر تأمين الصف الداخلي للبلد وليس الإسهام في دفع الأطراف للخضوع الى أجندات إقليمية، السياسة الحالية لا تساهم في حماية هذه الاطراف من الاستقطاب الخارجي، كما ان المواقف العراقية تجاه القضايا الاقليمية ومتغيرات الربيع العربي لا تساهم بدورها في حماية العراق. إن خطوة كالتي اتخذت اخيراً في قضية التعامل مع قادة «العراقية» كفيلة بإعادة العراق الى العزلة الاقليمية.
> لكن العراق نجح في فرض وجوده الاقليمي في الازمة السورية الاخيرة، عبر المبادرة الاخيرة؟
- المبادرة العراقية «شائعة رخيصة»، ليس هناك مبادرة، الخارجية العراقية سعت الى اقناع سورية بقبول المبادرة العربية ولم تطرح اي مبادرة خاصة. ومن ثم، من قال ان هذا في مصلحة العراق؟ العراق يجب ألا يتدخل في شؤون دول الجوار، وأن يؤكد كبلد ديموقراطي دعمه لحق الشعوب في الوقوف بوجه الأنظمة المستبدة.
> والدور الأميركي؟
- الاميركون لم يفهموا العراق وتوازناته، ومازالوا غير قادرين على ذلك، كانوا يضغطون عند تشكيل الحكومة لتولي علاوي رئاسة الجمهورية، وتصور لو كان هذا حدث، ماذا سيحصل اليوم؟ أكاد اجزم ان الحرس الجمهوري التابع لرئاسة الجمهورية سيخوض حرباً في الشوارع مع حمايات المالكي على خلفية اتهام الهاشمي. اليوم، الأميركيون يجرون اتصالات مع الاطراف كلها، ومنهم كتلة علاوي، لإقناعها بقبول المبادرة التي اطلقها المالكي قبل ايام. والسؤال: أليس المالكي طرفاً في الازمة؟ فكيف يكون صاحب المبادرة؟ في وقت كانت اطراف مثل الرئيس طالباني والصدر والحكيم بادروا مسبقاً الى الدعوة لحوار لتجاوز الازمة الحالية.
> ما هي الخيارات التي تدور في الوسط السياسي حالياً؟
- غالبية القوى تتحدث عن ضرورة إنهاء ما بدأت به في اتفاق أربيل من خلال وضع منهج رصين للحكم والتداول السلمي للسلطة، الأطراف تتحدث عن ضرورة تشكيل وزارة مكتملة وصوغ مفاهيم لأسلوب أدائها ومنع إمكانات التفرد بالسلطة، أي لقاء جديد لقادة الكتل سيحسم هذه القضية الشائكة ويعيد بناء الحكومة، سواء كما هي عليه الآن ام باختيار بديل منها.
> لكن الاجواء السياسية وأمزجة القوى ليست مهيئة كما يبدو لإجراء تغيير حكومي؟
- برأيي آن الاوان ليرحل المالكي إذا أرادت القوى وقف الانهيار في العملية السياسية ومعالجة الاخطاء التي ارتكبت. وحين اقول يرحل، يجب ان لا تبقى سياسته ولا آليات الحكم التي أوصلتنا الى هذه النقطة.
> لكن هناك خياراً آخر طرحه المالكي نفسه هو حكومة «غالبية سياسية» تدفع «العراقية» الى المعارضة؟
- أجزم بأن القيادة الكردية لن تقبل بحكومة تقسم البلد، كما أن مغامرة جذب عناصر من هنا وهناك لإكمال ديكور الحكومة والإيحاء بوجود تمثيل للمكونات ستدفع العراق الى متاهات غير معروفة النتائج. أمام المالكي خيار إعادة النظر علناً بكل سياساته الخاطئة او المغادرة، لا يمكن المالكي عزل هيئة سياسية كاملة مثل «العراقية» جاء افرادها عبر الانتخابات وانتخبهم المحيط السني، ولا يمكن عزل السنة عن المعادلة السياسية، لان هذا قد يدفعهم كما قال النجيفي (رئيس البرلمان) الى الانفصال. بالتأكيد هناك عناصر يجب عزلها في «العراقية»، ولكن ذلك يتم عبر المحيط السني نفسه، الوقت حان لنخاطب المحيط السني والقائمة العراقية لحسم الموقف من البعث وحقبة صدام حسين، وتصفية هذه المرحلة عبر الاتفاق على اسلوب موحد للتعامل مع البعث.
> والانتخابات المبكرة؟
- لا أعتقد ان هذا الخيار مطروح، فما يجري اليوم بين مختلف الأطراف هو محاولة تقويم العملية السياسية ووضع حد للثغرات التي سمحت بتسلل الأزمات.
> بعضهم يعتقد ان الامور ستستمر مشحونة الى الانتخابات المقبلة؟
- هذه المرة الوضع لا يحتمل، وطمس قضية كبرى مثل اتهام الهاشمي لم تعد ممكنة، فإما ان يكون الهاشمي مداناً جرمياً ويحاكم، أو أنه بريء وتم تلفيق القضية بحقه، ومن لفق القضية يجب ان يحاسب أمام القانون ايضاً.
> أنت قريب من الرئيس جلال طالباني، فما صحة المعلومات عن علمه بقضية اتهام الهاشمي؟
- الرئيس أبلغ بالاتهامات من قبل رئيس الوزراء وبما توصلت له اللجنة التحقيقية ودعا الى ان لا تعلن هذه المعلومات في وسائل الاعلام وتبقى في اطار القضاء، وطلب ان لا تتخذ إجراءات باقتحام بيت الهاشمي والتعرض لعائلته وان تعالج هذه القضية بحكمة، والمالكي وافق، لكنه في اليوم التالي توجه الى وسائل الاعلام.
الأربعاء، 21 ديسمبر 2011
نحو حوار إسلامي- إسلامي قبل الطوفان
سعود المولى
في واقعنا الإسلامي المعاصر أمور خطيرة تحتاج إلى مصارحة ومكاشفة وإلى حوار صادق مخلص شفاف قبل أن يجرفنا الطوفان وكي لا نكون كمن يبكي على شيء كان بالإمكان تجنبه.... فخلال العقد المنصرم (أي منذ حادثة 11 أيلول 2001 فاحتلال أفغانستان ثم العراق) غرقت البلاد العربية والاسلامية في بحر الظلمات وكان سهلاً إذكاء روح العصبية المذهبية العشائرية المقيتة وبث السموم الطائفية واستخدام لغة التخوين والتكفير وصولاً حتى الى تشريع سفك الدم وقتل المخالف أو المعترض..
ولقد عشنا عقداً طائفياً مذهبياً دموياً بامتياز جرى فيه نبش وتوتير كل الأحقاد الدفينة وكل العصبيات الجاهلية وكل العنعنات الضيقة والتحزبات الغرضية... وذلك باسم الإسلام وباسم الانتماء الى مذهب معين أو الدفاع عن تاريخ مضى ومضت معه ظروفه وشعاراته ورجاله..ودفع الأفغان والعراقيون والباكستانيون ثمن هذه الطائفية المقيتة...كما بدأ اللبنانيون والسوريون يعيشون على حافة السقوط فيها بما ينذر بأشد الأخطار وبأفدح الأثمان...ما يستدعي وقفة حق وجرأة كلام...
إن الاختلاف في المنطلقات والرؤى وفي القناعات والآراء والمواقف بين أهل المذاهب الإسلامية ،هو حقيقة تاريخية موضوعية وهو حقيقة واقعية ما تزال قائمة ، ولا يمكن نكرانها أو القفز فوقها.. ولكن هذا الإختلاف التاريخي لم يعد اليوم إختلافاً في مناهج النظر العقلي والفقهي ولا في الآراء الكلامية والفلسفية بقدر ما أنه صار إختلافاً بين عصبيات وعشائر وأقاليم وطوائف... والاختلاف بذاته ليس مشكلة ، لأنه من لوازم الحياة التي أرادها الخالق لنا هكذا (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين، إلا من رحم ربك، ولذلك خلقهم)..إنما المشكلة تكمن في عدم مراعاة حقوق الإختلاف وموجباته وعدم معرفة كيفية إدارته حفظاً للتنوع والتعدد واحتراماً للحقوق ودرءاً للانقسام وصيانة للوجود وإعماراً للدنيا.
المشكلة الحقيقية تبدأ حينما يعمل أحد أطراف الاختلاف أو كلاهما معاً ، لحسم قضايا الاختلاف ، واعتبار كل واحد منهما أن رأيه هو رأي الإسلام ، وأن رأي الطرف الآخر هو خارج دائرة الإسلام .. وفي عملية الحسم هذه يجري استحضار التاريخ أو بالأحرى الذاكرة الجماعية لطرف ما وقد صارت هي التاريخ...وهذا بطبيعة الحال يقود إلى التعصب الأعمى الذي يفضي إلى ممارسة الظلم والافتئات على الطرف الآخر .. مما يفاقم من التوتير والحقد ومن اشتعال المعارك الوهمية يخوضها الناس تحت رايات التاريخ وذكرياته وقداسة بعض محطاته أو تحت عنوان الدفاع عن الهوية الخاصة لجماعة طائفية..
الاختلاف حالة طبيعية ، هو سنّة إلهية لمن كان مؤمناً، وسنّة تاريخية كونية لمن كان ملحداً، ولكنه لا يسوغ لأحد ممارسة الظلم بحق الآخرين أو إمتهان كراماتهم وحقوقهم ..
وآيات القرآن الكريم كما التوراة والأنجيل وكتب الحكمة، وعلى مر التاريخ، تؤكد على حقيقة الاختلاف بين الناس.. وفي القرآن أن بعض هذه الاختلافات،لا يحسمها إلا الله، وأن أي جهد إنساني لحسمها ، سيكون على حساب حقوق وكرامات الآخرين ( وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب ) ( الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون )..
والمعنى الدنيوي المباشر لهذه الآيات أننا جميعاً سواسية أمام القانون والحق والحقيقة ، فلا يجوز مهما تباينت أقوالنا ومواقفنا أن نفتئت على حقوق الآخرين ، أو نهين مقدساتهم أو نمتهن كراماتهم ..
والمطلوب دائما الإقرار بحق الاختلاف مع ضرورة المساواة في الفرص والواجبات والحقوق، وسيادة قيم الإحترام المتبادل والعدل في القول والعمل ولو على النفس أو ذي قربى ( ولا يجرمنّكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا ، إعدلوا هو أقرب للتقوى ) ..
في واقعنا الإسلامي المعاصر أمور خطيرة تحتاج إلى مصارحة ومكاشفة وإلى حوار صادق مخلص شفاف قبل أن يجرفنا الطوفان وكي لا نكون كمن يبكي على شيء كان بالإمكان تجنبه.... فخلال العقد المنصرم (أي منذ حادثة 11 أيلول 2001 فاحتلال أفغانستان ثم العراق) غرقت البلاد العربية والاسلامية في بحر الظلمات وكان سهلاً إذكاء روح العصبية المذهبية العشائرية المقيتة وبث السموم الطائفية واستخدام لغة التخوين والتكفير وصولاً حتى الى تشريع سفك الدم وقتل المخالف أو المعترض..
ولقد عشنا عقداً طائفياً مذهبياً دموياً بامتياز جرى فيه نبش وتوتير كل الأحقاد الدفينة وكل العصبيات الجاهلية وكل العنعنات الضيقة والتحزبات الغرضية... وذلك باسم الإسلام وباسم الانتماء الى مذهب معين أو الدفاع عن تاريخ مضى ومضت معه ظروفه وشعاراته ورجاله..ودفع الأفغان والعراقيون والباكستانيون ثمن هذه الطائفية المقيتة...كما بدأ اللبنانيون والسوريون يعيشون على حافة السقوط فيها بما ينذر بأشد الأخطار وبأفدح الأثمان...ما يستدعي وقفة حق وجرأة كلام...
إن الاختلاف في المنطلقات والرؤى وفي القناعات والآراء والمواقف بين أهل المذاهب الإسلامية ،هو حقيقة تاريخية موضوعية وهو حقيقة واقعية ما تزال قائمة ، ولا يمكن نكرانها أو القفز فوقها.. ولكن هذا الإختلاف التاريخي لم يعد اليوم إختلافاً في مناهج النظر العقلي والفقهي ولا في الآراء الكلامية والفلسفية بقدر ما أنه صار إختلافاً بين عصبيات وعشائر وأقاليم وطوائف... والاختلاف بذاته ليس مشكلة ، لأنه من لوازم الحياة التي أرادها الخالق لنا هكذا (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين، إلا من رحم ربك، ولذلك خلقهم)..إنما المشكلة تكمن في عدم مراعاة حقوق الإختلاف وموجباته وعدم معرفة كيفية إدارته حفظاً للتنوع والتعدد واحتراماً للحقوق ودرءاً للانقسام وصيانة للوجود وإعماراً للدنيا.
المشكلة الحقيقية تبدأ حينما يعمل أحد أطراف الاختلاف أو كلاهما معاً ، لحسم قضايا الاختلاف ، واعتبار كل واحد منهما أن رأيه هو رأي الإسلام ، وأن رأي الطرف الآخر هو خارج دائرة الإسلام .. وفي عملية الحسم هذه يجري استحضار التاريخ أو بالأحرى الذاكرة الجماعية لطرف ما وقد صارت هي التاريخ...وهذا بطبيعة الحال يقود إلى التعصب الأعمى الذي يفضي إلى ممارسة الظلم والافتئات على الطرف الآخر .. مما يفاقم من التوتير والحقد ومن اشتعال المعارك الوهمية يخوضها الناس تحت رايات التاريخ وذكرياته وقداسة بعض محطاته أو تحت عنوان الدفاع عن الهوية الخاصة لجماعة طائفية..
الاختلاف حالة طبيعية ، هو سنّة إلهية لمن كان مؤمناً، وسنّة تاريخية كونية لمن كان ملحداً، ولكنه لا يسوغ لأحد ممارسة الظلم بحق الآخرين أو إمتهان كراماتهم وحقوقهم ..
وآيات القرآن الكريم كما التوراة والأنجيل وكتب الحكمة، وعلى مر التاريخ، تؤكد على حقيقة الاختلاف بين الناس.. وفي القرآن أن بعض هذه الاختلافات،لا يحسمها إلا الله، وأن أي جهد إنساني لحسمها ، سيكون على حساب حقوق وكرامات الآخرين ( وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب ) ( الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون )..
والمعنى الدنيوي المباشر لهذه الآيات أننا جميعاً سواسية أمام القانون والحق والحقيقة ، فلا يجوز مهما تباينت أقوالنا ومواقفنا أن نفتئت على حقوق الآخرين ، أو نهين مقدساتهم أو نمتهن كراماتهم ..
والمطلوب دائما الإقرار بحق الاختلاف مع ضرورة المساواة في الفرص والواجبات والحقوق، وسيادة قيم الإحترام المتبادل والعدل في القول والعمل ولو على النفس أو ذي قربى ( ولا يجرمنّكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا ، إعدلوا هو أقرب للتقوى ) ..
د.حنا جريس: موقفي من المجلس الاستشاري - لماذا قبلت ولماذا استقلت ؟
عندما تلقيت الدعوة للانضمام للمجلس الاستشاري كان ردي أن الوطن يمر بمرحلة حرجة جدا من تاريخه ، وأنه ينبغي علينا جميعا أن ندعم اي جهد يساعد في تأمين ما تبقى من الفترة الانتقالية حتى يتم تسليم السلطة بكاملها من المجلس العسكري إلى السلطات المدنية المنتخبة بسلام.
ومما ساعدني على قبول العضوية ما أكده لي أعضاء من المجلس الاستشاري أثق بهم وبأحكامهم ، وأحترم أراؤهم ورؤاهم السياسية، بأن المجلس العسكري جاد في طلب المشورة وأنه سيكون جادا في تنفيذ ما يتفق عليه معنا من توصيات.
كان أملي من الاشتراك في المجلس الاستشاري أن نستطيع أن نجمع الفرقاء في هذا الوطن معا في حالة من التوافق الوطني يعالج ما هو قائم بالفعل من صدام بين قطاع كبير من الشباب من ثوار التحرير والمجلس الأعلى للقوات المسلحة، ويمنع ما يتوقعه الجميع من صدامات قادمة .
وفي أول جلسة رسمية للمجلس ، تلك التي عقدت منذ خمسة أيام، طلبت رسميا أن يكون على رأس جدول أعمالنا حل الأزمة القائمة بين ثوار التحرير و المجلس العسكري ، وقلت حرفيا " إن هذا لغم موقوت سينفجر وأن علينا تفكيكه عبر حل مشاكل المصابين وأسر الشهداء وإطلاق سراح المعتقلين ووقف المحاكمات الاستثنائية ومد جسور الحوار مع الثوار الراديكلين "
وعندما حدثت الاعتداءات العنيفة على معتصمي مجلس الوزرا ء تخيلت أن المجلس الاستشاري والمجلس العسكري سيتعاونان في تحويل هذه الكارثة إلى فرصة لحل الصدام حلا نهائيا يراعي طلبات المعتصمين ويحسن من صورة المجلس العسكري لدي الثوار ويحرر الحكومة من مشكلة مزمنة تعرقل عملها.
وفي صباح يوم الجمعة كنت أول طلب من الأمين العام الدكتور محمد نور فرحات إدراج الأحداث على جدول أعمال المجلس في أقرب فرصة وساهمت في سلسلة من المشاورات التليفونية إلى أن تحددت الجلسة الاستثنائية للمجلس والتي دعي إليها من يمثل المجلس العسكري.
وما أن بدأ الاجتماع حتى بدا واضحا ان هناك اختلاف في توصيف الأحداث على الأرض وفي تشخيص الأسباب وفي تصور العلاج. وبدا واضحا أن الرواية الرسمية تتحدث فقط عن عنف يمارس ضد القوات المسلحة وتنفي تماما استخدامها لأي شكل من أشكال العنف ، كان هذا في الوقت الذي وصلتنا معلومات عن سقوط شهداء جدد وازدياد في اعداد الجرحى.
عند هذه النقطة كتب الاستاذ - زياد علي - خطاب الاستقالة الذي وقعه ثمانية أعضاء كنت أحدهم. وعندما علم المجتمعون بهذه الاستقالة وافقوا على اقتراح تقدم به السيد عمرو موسى بتقديم توصيات محددة للمجلس العسكري وتعليق أعمال المجلس الاستشاري لحين الاستجابة للتوصيات.
وبناءا على هذا الاقتراح قررت وأخرون اعطاء فرصة أخيرة بتجميد الاستقالة لمنح المجلس الفرصة لتنفيذ ما اتفقنا فعلا عليه وهو إيقاف العنف فورا وبصورة نهائية والاعتذار والتحقيق.
غير أنه على مدى الساعات التالية لم يقف العنف بل زادت حدته وخرج من سارع مجلس الشعب ليجتاح ميدان التحرير ، وخرج علينا بيان المجلس العسكري لـ"يأسف" عما حدث .
لم أحضر الاجتماع الاستثانئي الذي جرى يوم السبت للنظر في رد المجلس العسكري على المجلس الاستشاري ولكل من يتساءل عن موقفى الحالي من المجلس الاستشاري فأنا الآن في عداد المستقيلين .
18/12/2011
ومما ساعدني على قبول العضوية ما أكده لي أعضاء من المجلس الاستشاري أثق بهم وبأحكامهم ، وأحترم أراؤهم ورؤاهم السياسية، بأن المجلس العسكري جاد في طلب المشورة وأنه سيكون جادا في تنفيذ ما يتفق عليه معنا من توصيات.
كان أملي من الاشتراك في المجلس الاستشاري أن نستطيع أن نجمع الفرقاء في هذا الوطن معا في حالة من التوافق الوطني يعالج ما هو قائم بالفعل من صدام بين قطاع كبير من الشباب من ثوار التحرير والمجلس الأعلى للقوات المسلحة، ويمنع ما يتوقعه الجميع من صدامات قادمة .
وفي أول جلسة رسمية للمجلس ، تلك التي عقدت منذ خمسة أيام، طلبت رسميا أن يكون على رأس جدول أعمالنا حل الأزمة القائمة بين ثوار التحرير و المجلس العسكري ، وقلت حرفيا " إن هذا لغم موقوت سينفجر وأن علينا تفكيكه عبر حل مشاكل المصابين وأسر الشهداء وإطلاق سراح المعتقلين ووقف المحاكمات الاستثنائية ومد جسور الحوار مع الثوار الراديكلين "
وعندما حدثت الاعتداءات العنيفة على معتصمي مجلس الوزرا ء تخيلت أن المجلس الاستشاري والمجلس العسكري سيتعاونان في تحويل هذه الكارثة إلى فرصة لحل الصدام حلا نهائيا يراعي طلبات المعتصمين ويحسن من صورة المجلس العسكري لدي الثوار ويحرر الحكومة من مشكلة مزمنة تعرقل عملها.
وفي صباح يوم الجمعة كنت أول طلب من الأمين العام الدكتور محمد نور فرحات إدراج الأحداث على جدول أعمال المجلس في أقرب فرصة وساهمت في سلسلة من المشاورات التليفونية إلى أن تحددت الجلسة الاستثنائية للمجلس والتي دعي إليها من يمثل المجلس العسكري.
وما أن بدأ الاجتماع حتى بدا واضحا ان هناك اختلاف في توصيف الأحداث على الأرض وفي تشخيص الأسباب وفي تصور العلاج. وبدا واضحا أن الرواية الرسمية تتحدث فقط عن عنف يمارس ضد القوات المسلحة وتنفي تماما استخدامها لأي شكل من أشكال العنف ، كان هذا في الوقت الذي وصلتنا معلومات عن سقوط شهداء جدد وازدياد في اعداد الجرحى.
عند هذه النقطة كتب الاستاذ - زياد علي - خطاب الاستقالة الذي وقعه ثمانية أعضاء كنت أحدهم. وعندما علم المجتمعون بهذه الاستقالة وافقوا على اقتراح تقدم به السيد عمرو موسى بتقديم توصيات محددة للمجلس العسكري وتعليق أعمال المجلس الاستشاري لحين الاستجابة للتوصيات.
وبناءا على هذا الاقتراح قررت وأخرون اعطاء فرصة أخيرة بتجميد الاستقالة لمنح المجلس الفرصة لتنفيذ ما اتفقنا فعلا عليه وهو إيقاف العنف فورا وبصورة نهائية والاعتذار والتحقيق.
غير أنه على مدى الساعات التالية لم يقف العنف بل زادت حدته وخرج من سارع مجلس الشعب ليجتاح ميدان التحرير ، وخرج علينا بيان المجلس العسكري لـ"يأسف" عما حدث .
لم أحضر الاجتماع الاستثانئي الذي جرى يوم السبت للنظر في رد المجلس العسكري على المجلس الاستشاري ولكل من يتساءل عن موقفى الحالي من المجلس الاستشاري فأنا الآن في عداد المستقيلين .
18/12/2011
عادل عبدالمهدي: الاستبداد.. الديمقراطية المُبطَنة.. الديمقراطية الدستورية
مر العراق بظروف عصيبة من الاستبداد والتفرد.. ودفع الشيعة والسنة والكرد والتركمان والمسيحيون وغيرهم تضحيات كبيرة.. وعانت الاحزاب الاسلامية كالمجلس والدعوة والاسلامي والصدريين والعمل.. والكردية كالبارت واليكتي.. والقومية واليسارية كـ "البعثيين" المناهضين لصدام والشيوعي والقوميين وبقية التشكيلات العسكرية والمدنية، الكثير من الاجراءات التعسفية من تعذيب لانتزاع الاعترافات.. والتشهير بالاعلام وباساليب البراءة المهينة.. والاتهام بالتآمر حقيقة او بالشك والظنة.. وتطبيق الاحكام الجائرة بالسجن والاعدام عبر قضاء مسيس وخارجه. فالاستبداد والطائفية والعنصرية هي السياسة، و"الديمقراطية الموجهة" هي الديكور.
وبعد التغيير والاستفتاء لدستور يضمن الحقوق الخاصة والعامة وتوزيع السلطات والموارد والانتخابات، بقي المطبق فعلاً خليط من ماض لم يصفَ تماماً.. ومن مبانٍ لم تستكمل حسب الدستور. فتجاهلنا التوازنات الضرورية لعمل النظام، كمجلس الاتحاد وتوازن الاقاليم والمحافظات وتحديد صلاحية كل سلطة.. واخضعنا الدستور لتوافقاتنا الهشة واحياناً الشخصية وليس العكس، متحصنين بـ "ديمقراطية مبطنة". ليس "موجهة".. ولا "دستورية" ايضاً. فكثير من القرارات الاساسية تتخذ في الكتل على حدة.. وكأن لكل طرف (وليس كردستان فقط) برلمانه وسلطته وشعبه.. فاجتماعات وقرارات الباطن (وبدون استثناء احد) تجعل شرعيتها الخاصة فوق كل شيء.. لتبرهن مرات عديدة انها اعلى من الشرعية الدستورية.. وقادرة على تعطيلها.. والتكلم باسمها واسم الشعب.
تاسيس الاقليم حق. لكن ما يجري فعلاً اعتقاد البعض ان الاقاليم تؤسس كرد فعل ومجرد قرار يتخذه حزب او مجلس، بدون مشاورات جدية واستكمال اجراءات دستورية.. بينما يعتبر اخرون، ان من حقهم حجز الطريق بشرعيتهم الخاصة.. وليس بالوسائل القانونية. لذلك ازدادت الامور توتراً في الاسابيع والايام الاخيرة لدرجة تنذر بعواقب وخيمة. فالجمهور السني يشعر ان هناك اجراءات امنية وسياسات محددة واغتيالات تنال منه ويشعر بالخوف على حاضره ومستقبله.. لكن الجمهور الشيعي يشعر ايضاً بالخوف وبان هناك من يتلبس باغطية الدولة.. ويستغل الديمقراطية والحريات لمواصلة ارهابه وقتله الجماعي والعودة للماضي. والكرد والتركمان والمسيحيون وغيرهم ليسوا بمنأى عن هذه المخاوف. فاذا لم نعد لسياسات المصالحة، وقبول الاخر حسبما هو وليس وفق مقاساتنا، مع التمسك الصارم بالدستور لنا وعلينا، فستتضخم المخاوف. فان عبرت حاجز اللاعودة، فلن تنفع اغلى الاثمان لترميم ما نحطمه اليوم. وسنكرر اخطاء غيرنا ولن نتجاوز اخطائنا. وسنخذل الشعب والبلاد ومصالحنا مرة اخرى.
وبعد التغيير والاستفتاء لدستور يضمن الحقوق الخاصة والعامة وتوزيع السلطات والموارد والانتخابات، بقي المطبق فعلاً خليط من ماض لم يصفَ تماماً.. ومن مبانٍ لم تستكمل حسب الدستور. فتجاهلنا التوازنات الضرورية لعمل النظام، كمجلس الاتحاد وتوازن الاقاليم والمحافظات وتحديد صلاحية كل سلطة.. واخضعنا الدستور لتوافقاتنا الهشة واحياناً الشخصية وليس العكس، متحصنين بـ "ديمقراطية مبطنة". ليس "موجهة".. ولا "دستورية" ايضاً. فكثير من القرارات الاساسية تتخذ في الكتل على حدة.. وكأن لكل طرف (وليس كردستان فقط) برلمانه وسلطته وشعبه.. فاجتماعات وقرارات الباطن (وبدون استثناء احد) تجعل شرعيتها الخاصة فوق كل شيء.. لتبرهن مرات عديدة انها اعلى من الشرعية الدستورية.. وقادرة على تعطيلها.. والتكلم باسمها واسم الشعب.
تاسيس الاقليم حق. لكن ما يجري فعلاً اعتقاد البعض ان الاقاليم تؤسس كرد فعل ومجرد قرار يتخذه حزب او مجلس، بدون مشاورات جدية واستكمال اجراءات دستورية.. بينما يعتبر اخرون، ان من حقهم حجز الطريق بشرعيتهم الخاصة.. وليس بالوسائل القانونية. لذلك ازدادت الامور توتراً في الاسابيع والايام الاخيرة لدرجة تنذر بعواقب وخيمة. فالجمهور السني يشعر ان هناك اجراءات امنية وسياسات محددة واغتيالات تنال منه ويشعر بالخوف على حاضره ومستقبله.. لكن الجمهور الشيعي يشعر ايضاً بالخوف وبان هناك من يتلبس باغطية الدولة.. ويستغل الديمقراطية والحريات لمواصلة ارهابه وقتله الجماعي والعودة للماضي. والكرد والتركمان والمسيحيون وغيرهم ليسوا بمنأى عن هذه المخاوف. فاذا لم نعد لسياسات المصالحة، وقبول الاخر حسبما هو وليس وفق مقاساتنا، مع التمسك الصارم بالدستور لنا وعلينا، فستتضخم المخاوف. فان عبرت حاجز اللاعودة، فلن تنفع اغلى الاثمان لترميم ما نحطمه اليوم. وسنكرر اخطاء غيرنا ولن نتجاوز اخطائنا. وسنخذل الشعب والبلاد ومصالحنا مرة اخرى.
الجامعة اللبنانية وليدة نضال الطلاب والأساتذة
الانهيار الذي شهده الوضع اللبناني عموماً، ووضع الجامعة اللبنانية خصوصاً، عبّر عن نفسه بوضوح في السيرة التي يسردها الدكتور سعود المولى هنا..
يقول سعود المولى: "فكرة انشاء جامعة وطنية وردت لأول مرة في خطاب ألقاه حميد فرنجية في 11 كانون الأول 1948 وكان يومها وزيراً للتربية والخارجية، وذلك في حفل اختتام مؤتمر منظمة الأونسيكو الثالث الذي انعقد في بيروت. ثم كرر الفكرة الرئيس رياض الصلح في أحد أيام العام 1949 حين زاره وفد من دار المعلمين والمعلمات الابتدائية (وكانت قد صارت تكميلية) وهي يومها كانت أعلى مؤسسة تربوية رسمية. ضم الوفد مدير الدار فؤاد افرام البستاني وأمين سرها أحمد مكي وأحد أساتذتها قيصر الجميل. وفي 17 كانون الثاني 1950 قررت لجنة التربية البرلمانية برئاسة يوسف حتي بقاء بنايات الأونيسكو تحت تصرف وزارة التربية لتكون جامعة للدراسات العليا. وخلال مناقشة موازنة وزارة التربية في شباط 1950 أيد معظم النواب انشاء جامعة وطنية باشراف الحكومة. وفي 5 كانون الأول أحيل على مجلس النواب مشروع قانون بفتح اعتماد اضافي في موازنة 1950 بقيمة 625 ألف ليرة منها 256 ألف لموازنة الجامعة اللبنانية. وقبلت لجنة المال المشروع بالاجماع. وفي 23 كانون الثاني 1951 أعلن طلاب التعليم العالي في لبنان (ومعظمهم من الجامعة اليسوعية) الاضراب لجعل التعليم العالي مجانياً بانتظار انشاء الجامعة اللبنانية. وكانت الحكومة الفرنسية قد توقفت عن تقديم المنح والمساعدات لطلاب الطب والهندسة في اليسوعية في حين أن الدولة اللبنانية كانت تدفع مئة ألف ليرة سنوياً توزع على من يتقدم بطلب منحة ويثبت حاجته المادية لها وذلك تحت اشراف ادارة الكليات القائمة في اليسوعية. وفي أول شهر شباط خاض طلاب دار المعلمين والمعلمات ومعهم طلاب كليات اليسوعية اضراباً للمطالبة بانشاء الجامعة اللبنانية. نتج عن الاضراب قرار مجلس الوزراء في5 شباط "بانشاء جامعة لبنانية في قصر الاونيسكو" تتولى تدريس الحقوق، الهندسة، العلوم السياسية، العلوم الرياضية، الآداب العالية، والأبحاث الطبيعية. أما الطب والصيدلة فتساهم الحكومة بتعليمها بمنح داخلية وخارجية". لكن الاضراب استمر حتى 13 شباط فقررت الحكومة في 8 شباط فتح اعتمادات للبدء بالعمل في انشاء الجامعة وتعيين لجنة مولجة بدرس أنظمة الجامعة ومناهجها. وقد انضم مجلس الجامعة الاميركية يوم 9 شباط الى المطالبين بالجامعة بعد ان كان موقفه سلبياً.وشارك الثانويون في الاضراب والتحركات .وطبعاً ذهبت حكومات وجاءت حكومات ولم يتم تنفيذ أي شيء من قرارات انشاء الجامعة.ولكن الدولة قررت انشاء دار المعلمين العليا وأصدرت وزارة التربية في 5 تشرين الاول 1951 بيانا حددت فيه شروط الدخول الى الدار قبل صدور مراسيم تنظيمها وتعيين موظفين لها.وشكلت لجنة ادارية من 3 موظفين للاشراف عليها هم نقولا بسترس وواصف بارودي وخليل الجر الذي عين مديراً للدار في ما بعد. وأعفي خريجو دار المعلمين والمعلمات من حملة البكالوريا القسم الثاني من امتحانات الدخول. في 15 تشرين الثاني 1951 أعلنت النتائج النهائية لامتحانات الدخول الى دار المعلمين العليا: الفرع الادبي 57 طالباً- الفرع العلمي 10 طلاب- الفرع الفني: طالبة واحدة. هكذا ولدت كلية التربية. وقد خاض طلاب السنة أولى للدار اضراباً في شباط 1952 بسبب عدم دفع المنح. وكان ذلك أول اضراب في تاريخ الجامعة اللبنانية!!! ثم أعلن الطلاب اضرابهم الثاني في آذار احتجاجاً على خفض قيمة المنحة. وفي العام 1952-1953 تظاهر الطلاب في كل لبنان مطالبين بالجامعة اللبنانية. هكذا بدأت تنشأ الجامعة اللبنانية على وقع اضرابات الطلاب والأساتذة.
وفي ذلك العام أيضاً أجرى طلاب دار المعلمين العليا أول انتخابات وشكلوا لجنتهم الطلابية (وكانت برئاسة فؤاد الترك). وفي كانون الثاني 1953 قادت اللجنة اضراباً واجهته الدولة بالشدة مذكرة الطلاب بأنهم موظفون في الدولة اذ يتقاضون منها المنح والرواتب وبالتالي فان قوانين الموظفين تطبق عليهم. ولكن الاضراب استمر واحتل الطلاب مبنى الدار واعتصموا داخله.وقامت الحكومة بفصل عدد كبير من الطلاب المضربين مستثنية بالاسم أولئك الذين لم يشاركوا في الاضراب.وحين قرر المضربون بدء الصيام عن الطعام قرر الذين لم يشملهم قرار الطرد دعم رفاقهم والتضامن مع المفصولين.أدى ذلك الى سجالات عنيفة في مجلس النواب. وتراجعت الوزارة عن قراراتها وأوقف الطلاب اضرابهم في 19 كانون الثاني 1953. ولكن الوزارة لم تنفذ الوعود فعادت الجامعة الى الاضراب في 9 شباط على أثر جمعية عمومية. وتضامن الثانويون مجدداً مع طلاب دار المعلمين العليا داعين الى الاسراع في انشاء الجامعة اللبنانية، وأيدهم طلاب اليسوعية والأميركية ورابطات الثانويين، ثم انضمت اليهم الهيئات النسائية بقيادة السيدة ابتهاج قدورة، وجاءهم التأييد أيضاً من الطلاب اللبنانيين الموفدين للتخصص في الخارج وخصوصاً من فرنسا.كما أن معظم نقابات العمال اشتركت في حملة التأييد. وبتاريخ 6 شباط 1953 صدرت المراسيم الاشتراعية التي نظمت الجامعة اللبنانية في عهد الرئيس كميل شمعون وحكومة خالد شهاب وكان سليم حيدر وزيراً للتربية. وتم تعيين فؤاد افرام البستاني أول رئيس للجامعة اللبنانية. وفي تشرين 1953 تغير اسم دار المعلمين العليا الى معهد المعلمين العالي ودخل اليه 36 طالباً جديداً. وبين العامين 1953 و1959 كان المعهد هو الجامعة اللبنانية حتى صدرت المراسيم الاشتراعية بانشاء كلية الآداب والعلوم الانسانية، وكلية العلوم، وكلية الحقوق والعلوم السياسية والادارية، ومعهد العلوم الاجتماعية، في 16 كانون الأول 1959، وقد جرى تنظيم معهد المعلمين العالي في العام 1964 لفصله عن كليات الآداب والعلوم ، ثم ليتحول ويصير اسمه كلية التربية في العام 1967.
إنشاء الجامعة وسياسة "اللامبالاة" الرسمية
ويؤكد المولى انه، على الرغم من إنشاء الجامعة اللبنانية، اتبعت الدولة سياسة "عدم المبالاة" تجاه التعليم الرسمي بشكل عام، وتجاه الجامعة اللبنانية بشكل خاص، الأمر الذي دفع طلاب وأساتذة الجامعة في العامين 1967 و1968 (كليات التربية والآداب والعلوم والحقوق ومعهد العلوم الاجتماعية) إلى تنفيذ سلسلة من الإضرابات نجحوا خلالها في تحقيق مطالب عدة، منها تأمين مشاركة الأساتذة والطلاب في إدارة الجامعة، وتسيير الإدارة ذاتيا عن طريق المجالس التنفيذية، بالإضافة إلى تحقيق استقلالها المالي والإداري تحت إشراف المجالس مما يمنع تدخل السلطة، ويحقق حرية الرأي والنشر وحق تشكيل الأدوات النقابية.
واستكمل الطلاب إضراباتهم وتظاهراتهم في العام 1970، فأرغموا الدولة على إصدار قرارات تتعلق بنظام المنح للمتفوقين والمحتاجين، وإيفاد الطلاب المتفوقين للتخصص في الخارج في مختلف الاختصاصات العلمية، بالإضافة إلى إصدار قانون التفرغ للأساتذة الذين كانوا حتى ذلك الوقت بالتعاقد. ثم بدأت مراسيم الكليات التطبيقية بالظهور، وتم بناء كلية العلوم في الحدث كخطوة أولية نحو بناء المدينة الجامعية، فضلا عن وضع خطة لبناء كلية الآداب وعدد آخر من الكليات.
وقد شهد العام 1971، حراكا طلابيا اعتبر الأقوى في تاريخ النضال الطلابي. ففي هذا العام قام طلاب الجامعة اللبنانية بقطع طريق المطار لمدة ساعة، واشتبكوا مع رجال الأمن ما أدى إلى سقوط 40 جريحا بحسب الصحف التي قدرت عدد الطلاب بعشرة آلاف. كما قام الطلاب باحتلال كل مباني الكليات في الجامعة اللبنانية التي بلغ عددها آنذاك 5 كليات والمعاهد التي بلغ عددها 3 فيما عقد مجلس الجامعة أول اجتماع بمشاركة 6 طلاب، وتم تشكيل لجنة من الطلاب والأساتذة لتحضير مشروع قانون معجل في غضون 24 ساعة يقضي بتعديل نظام الجامعة اللبنانية، بغية إشراك الطلاب في مجالس الكليات والمعاهد وفي مجلس إدارة الجامعة.
وفي ذلك العام أيضاً أقام الطلاب استفتاء واسعا أقرّ صيغة التمثيل النقابي المنتخب ديموقراطيا (وهي الصيغة التي اقترحتها حركة الوعي بقيادة بول شاوول وانطوان دويهي وعصام خليفة)، وتم انتخاب أول لجنة تنفيذية للاتحاد برئاسة عصام خليفة، بعدما تم وضع النظام الداخلي للاتحاد، وفاز فيها تحالف الوعي مع ما يسمى باليمين على تحالف اليسار، قبل أن يتبادل الطرفان الربح والخسارة في السنوات اللاحقة. وهو ما دل على وحدة الحركة النقابية الطالبية، إذ كان الصراع يتمحور بين القوى على البرامج ولم يكن صراعا أو خلافا طائفيا. فقد كان يجري الالتزام من كافة الأطراف بقرارات اللجنة التنفيذية برغم الخلافات السائدة، وهذه هي القاعدة التي ارتكز عليها الصراع بين اليمين واليسار وغيرهما من المجموعات الطالبية.
وفي العام 1974 أصدر مجلس الوزراء مرسوما ببعض المطالب منها إنشاء كلية هندسة وكلية زراعة، بالإضافة إلى رصد مبلغ من المال لإنشاء البناء الجامعي - كلية التربية، كلية الآداب - والضمان الصحي. أما في العام 1975، فكانت آخر انتخابات للاتحاد قبل اندلاع الحرب الأهلية.
"حرب" المراسيم على مجلس الجامعة والاتحاد
ويتابع "في العام 1977، أصدر مجلس الوزراء المرسوم رقم 122 الذي أدخل تعديلات أساسية على هيكلية الجامعة وقلص من صلاحيات مجلس الجامعة وقام بتفريع الكليات بسبب مخاطر التنقل بين المناطق، كما صدر المرسوم رقم 115 الذي كرّس عملياً حل الاتحاد الوطني لطلاب الجامعة اللبنانية، وحدّ من صلاحياته ودوره في مجلس الجامعة، ما أثر على الحياة الديموقراطية التي عرفتها الجامعة.والتي انتهت منذ ذلك التاريخ لندخل عصر أمراء الطوائف وميليشياتها وفسادها.
فقد صار عدد فروع الجامعة اللبنانية 48 فرعاً في مختلف أنحاء لبنان. وأصبح لكل طائفة قواها الطلابية الخاصة بأحزابها وميليشياتها وقد بسطت سيطرتها على فروع الجامعة كل تبعاً للمنطقة التي يتواجد فيها الفرع.
وقد عانى القطاع التعليمي في الثمانينيات، من ضربات متتالية: مثل انهيار مستوى الشهادة الرسمية وتراجع القدرة المعيشية عند المعلمين، وسيطرة الطوائف على إدارة الجامعة اللبنانية. وتراجعت موازنة الجامعة وتوقفت المنح عن الطلاب المتفوقين والمعوزين، وتوقف الضمان الصحي، ونهبت المكتبات والمختبرات، وتوقفت الحياة الديموقراطية.
وبعد اتفاق الطائف، استمر ضعف الحركة الطلابية التي سقطت رهينة الانقسام الطائفي والميليشياوي وتحولت الجامعة اللبنانية الى مخزن كبير (لعله الأكبر في لبنان اليوم) لتقاسم المنافع والحصص والوظائف والخدمات وحتى الشهادات.
لم تعد الكفاءة ولا الجدارة ولا المناقبية ولا المعرفة هي معيار التفرغ أو الدخول الى الملاك، بل هي الانتماء الى هذا الحزب أو ذاك.
كلية التربية كانت كل حياتنا
اما كلية التربية فيصفها المولى بأنها كانت "شغلة كبيرة". ويقول: "دخلت كلية التربية في تشرين الأول 1971 بعد امتحان دخول كنت فيه من بين الناجحين المطلوبين لقسم الفلسفة العامة وعلم النفس (والامتحانات كانت تجري باللغة الفرنسية). وقد حاول السياسيون التدخل لحصر اعلان نتائج امتحان الدخول بجماعتهم، لكن مجلس الطلبة كان حاضراً بقوة ومنع التدخل في النتائج لا بل أنه أوقف اعلانها حتى التأكد من شرعيتها وقانونيتها وفقاً للنتائج الفعلية. وكان المجلس يومها تحت سيطرة حركة الوعي وبرئاسة بول شاوول. ولولا تدخل مجلس الطلاب ورئيسه بول شاوول لكان شطب اسمي وحل محلي طالب راسب مدعوم من أحد الزعماء السياسيين.
كانت كلية التربية شغلة كبيرة في تلك الأيام.إذ كان يتم اختيار 30 طالباً للدراسة في كل اختصاص من مناهج التعليم الثانوي ولمدة خمس سنوات يحصل فيها الطالب على شهادة الكفاءة في التعليم الثانوي (ما يعادل الماجستير اليوم) يدخل بموجبها ملاك التعليم الرسمي كأستاذ ثانوي ملزم بالتدريس 5 سنوات على الأقل وإلا يدفع للدولة قيمة المنحة التي قبضها خلال سنوات الدراسة الخمس، ونظام التفرغ للدراسة خمس سنوات مع وجود منحة تدفعها الدولة للطلاب (كانت 100 ثم 200 ثم 300 ليرة) نظام عظيم لم يعد موجوداً اليوم للأسف. حتى أن الدراسة خمس سنوات وشهادة الكفاءة وضرورة امتلاك اللغات الاجنبية لم تعد اليوم شروطاً وفقدت كلية التربية معناها ومبرر وجودها حين صارت كغيرها من الكليات، لا بل أن بعض الأساتذة اليوم لا يجيد اية لغة أجنبية وبعضهم يتباهي بذلك من باب مقارعة الامبريالية العالمية والمؤامرات الصهيو-أميركية.
كلية التربية كانت قرب الأونيسكو حيث كلية الاعلام اليوم وكانت مكتبتها عامرة قبل أن تنهبها عصابات "الثوار" في حروب لبنان الطائفية. وكنا نقضي معظم نهاراتنا وأمسياتنا في الكلية ما بين الكافيتريا والمكتبة والصفوف، وكانت الكلية تستقبل طلاباً من الآداب والعلوم (القريبتين) نظراً للأجواء الخاصة التي شهدتها كلية التربية خلال تلك المرحلة. في كلية التربية درسنا على أدونيس والأب سليم عبو والأب بشارة صارجي وأدمون نعيم والشيخ عبدالله العلايلي والشيخ صبحي الصالح وناصيف نصار وخليل الجر وعادل فاخوري وفريد جبرائيل نجار وفؤاد افرام البستاني وجورج طعمه ونايف معلوف وألبير نصري نادر، وغيرهم من كبار أساتذة الفلسفة والتربية والفكر العربي المعاصر، وهناك أعلام كبار أيضاً كانوا أساتذة في بقية الفروع التي لم أكن على تماس معها وخصوصاً الفروع العلمية.
في كلية التربية تجاور وتحاور الياس الخوري وبول شاوول وانطوان دويهي وجبور دويهي وعصام خليفة وغسان شربل وبشارة شربل وجورج سمعان وشربل داغر ومحمد العبدالله وحسن العبدالله وجودت فخرالدين وشوقي بزيع وحسن داوود وحمزة عبود وزهوة مجذوب وحسن بزون وأنور الفطايري وسعدالله مزرعاني والياس عطا الله وطانيوس دعيبس وسهيل عبود وطلال طعمه وطوني فرنسيس وعبدالوهاب بدرخان وحنا غريب وانطوان حداد وحارث سليمان ونزيه خياط ودلال بزري وعلوية صبح وحسنية صبح وربى كبارة وبهية بعلبكي وبيار عقل وجورج كتورة ومحمد شيا وسميح دغيم وهيام المولى ورالف غضبان وديب القرح وعقل العويط ومحمد أبي سمرا وحسن الشامي ونجوى حيدر وضحى سليمان وشادية الحلو وسامي عون و(الشيخ) ماهر حمود و(الشيخ) نعيم قاسم، وليعذرني من نسيت اسمه عن غير قصد، فاللائحة طويلة جداً وهي إن دلت على شيء فإنما تدل على مدى تأثير طلاب كلية التربية في الحياة السياسية والثقافية والاعلامية والعلمية في البلد خلال النصف قرن الماضي..
في كافيتريا كلية التربية كانت الحوارات والمناقشات بين هؤلاء الطلاب - المثقفين - المناضلين، وغيرهم ممن كان يحضر من بقية الكليات والجامعات ومن كل أنحاء لبنان، تملأ فضاء الوطن، فتتشكل على طاولة الكافيتريا أحزاب وجماعات وتنشق أحزاب وجماعات وتقوم تحالفات وتفرط تحالفات، حتى أن سفير الاتحاد السوفياتي كان يتدخل شخصياً في انتخاباتنا الطلابية.
اليوم لم تعد كلية التربية ما كانت عليه. ولم تعد الجامعة اللبنانية ما كانت عليه. لم يعد الطلاب والاساتذة ما كانوا عليه.
يقول سعود المولى: "فكرة انشاء جامعة وطنية وردت لأول مرة في خطاب ألقاه حميد فرنجية في 11 كانون الأول 1948 وكان يومها وزيراً للتربية والخارجية، وذلك في حفل اختتام مؤتمر منظمة الأونسيكو الثالث الذي انعقد في بيروت. ثم كرر الفكرة الرئيس رياض الصلح في أحد أيام العام 1949 حين زاره وفد من دار المعلمين والمعلمات الابتدائية (وكانت قد صارت تكميلية) وهي يومها كانت أعلى مؤسسة تربوية رسمية. ضم الوفد مدير الدار فؤاد افرام البستاني وأمين سرها أحمد مكي وأحد أساتذتها قيصر الجميل. وفي 17 كانون الثاني 1950 قررت لجنة التربية البرلمانية برئاسة يوسف حتي بقاء بنايات الأونيسكو تحت تصرف وزارة التربية لتكون جامعة للدراسات العليا. وخلال مناقشة موازنة وزارة التربية في شباط 1950 أيد معظم النواب انشاء جامعة وطنية باشراف الحكومة. وفي 5 كانون الأول أحيل على مجلس النواب مشروع قانون بفتح اعتماد اضافي في موازنة 1950 بقيمة 625 ألف ليرة منها 256 ألف لموازنة الجامعة اللبنانية. وقبلت لجنة المال المشروع بالاجماع. وفي 23 كانون الثاني 1951 أعلن طلاب التعليم العالي في لبنان (ومعظمهم من الجامعة اليسوعية) الاضراب لجعل التعليم العالي مجانياً بانتظار انشاء الجامعة اللبنانية. وكانت الحكومة الفرنسية قد توقفت عن تقديم المنح والمساعدات لطلاب الطب والهندسة في اليسوعية في حين أن الدولة اللبنانية كانت تدفع مئة ألف ليرة سنوياً توزع على من يتقدم بطلب منحة ويثبت حاجته المادية لها وذلك تحت اشراف ادارة الكليات القائمة في اليسوعية. وفي أول شهر شباط خاض طلاب دار المعلمين والمعلمات ومعهم طلاب كليات اليسوعية اضراباً للمطالبة بانشاء الجامعة اللبنانية. نتج عن الاضراب قرار مجلس الوزراء في5 شباط "بانشاء جامعة لبنانية في قصر الاونيسكو" تتولى تدريس الحقوق، الهندسة، العلوم السياسية، العلوم الرياضية، الآداب العالية، والأبحاث الطبيعية. أما الطب والصيدلة فتساهم الحكومة بتعليمها بمنح داخلية وخارجية". لكن الاضراب استمر حتى 13 شباط فقررت الحكومة في 8 شباط فتح اعتمادات للبدء بالعمل في انشاء الجامعة وتعيين لجنة مولجة بدرس أنظمة الجامعة ومناهجها. وقد انضم مجلس الجامعة الاميركية يوم 9 شباط الى المطالبين بالجامعة بعد ان كان موقفه سلبياً.وشارك الثانويون في الاضراب والتحركات .وطبعاً ذهبت حكومات وجاءت حكومات ولم يتم تنفيذ أي شيء من قرارات انشاء الجامعة.ولكن الدولة قررت انشاء دار المعلمين العليا وأصدرت وزارة التربية في 5 تشرين الاول 1951 بيانا حددت فيه شروط الدخول الى الدار قبل صدور مراسيم تنظيمها وتعيين موظفين لها.وشكلت لجنة ادارية من 3 موظفين للاشراف عليها هم نقولا بسترس وواصف بارودي وخليل الجر الذي عين مديراً للدار في ما بعد. وأعفي خريجو دار المعلمين والمعلمات من حملة البكالوريا القسم الثاني من امتحانات الدخول. في 15 تشرين الثاني 1951 أعلنت النتائج النهائية لامتحانات الدخول الى دار المعلمين العليا: الفرع الادبي 57 طالباً- الفرع العلمي 10 طلاب- الفرع الفني: طالبة واحدة. هكذا ولدت كلية التربية. وقد خاض طلاب السنة أولى للدار اضراباً في شباط 1952 بسبب عدم دفع المنح. وكان ذلك أول اضراب في تاريخ الجامعة اللبنانية!!! ثم أعلن الطلاب اضرابهم الثاني في آذار احتجاجاً على خفض قيمة المنحة. وفي العام 1952-1953 تظاهر الطلاب في كل لبنان مطالبين بالجامعة اللبنانية. هكذا بدأت تنشأ الجامعة اللبنانية على وقع اضرابات الطلاب والأساتذة.
وفي ذلك العام أيضاً أجرى طلاب دار المعلمين العليا أول انتخابات وشكلوا لجنتهم الطلابية (وكانت برئاسة فؤاد الترك). وفي كانون الثاني 1953 قادت اللجنة اضراباً واجهته الدولة بالشدة مذكرة الطلاب بأنهم موظفون في الدولة اذ يتقاضون منها المنح والرواتب وبالتالي فان قوانين الموظفين تطبق عليهم. ولكن الاضراب استمر واحتل الطلاب مبنى الدار واعتصموا داخله.وقامت الحكومة بفصل عدد كبير من الطلاب المضربين مستثنية بالاسم أولئك الذين لم يشاركوا في الاضراب.وحين قرر المضربون بدء الصيام عن الطعام قرر الذين لم يشملهم قرار الطرد دعم رفاقهم والتضامن مع المفصولين.أدى ذلك الى سجالات عنيفة في مجلس النواب. وتراجعت الوزارة عن قراراتها وأوقف الطلاب اضرابهم في 19 كانون الثاني 1953. ولكن الوزارة لم تنفذ الوعود فعادت الجامعة الى الاضراب في 9 شباط على أثر جمعية عمومية. وتضامن الثانويون مجدداً مع طلاب دار المعلمين العليا داعين الى الاسراع في انشاء الجامعة اللبنانية، وأيدهم طلاب اليسوعية والأميركية ورابطات الثانويين، ثم انضمت اليهم الهيئات النسائية بقيادة السيدة ابتهاج قدورة، وجاءهم التأييد أيضاً من الطلاب اللبنانيين الموفدين للتخصص في الخارج وخصوصاً من فرنسا.كما أن معظم نقابات العمال اشتركت في حملة التأييد. وبتاريخ 6 شباط 1953 صدرت المراسيم الاشتراعية التي نظمت الجامعة اللبنانية في عهد الرئيس كميل شمعون وحكومة خالد شهاب وكان سليم حيدر وزيراً للتربية. وتم تعيين فؤاد افرام البستاني أول رئيس للجامعة اللبنانية. وفي تشرين 1953 تغير اسم دار المعلمين العليا الى معهد المعلمين العالي ودخل اليه 36 طالباً جديداً. وبين العامين 1953 و1959 كان المعهد هو الجامعة اللبنانية حتى صدرت المراسيم الاشتراعية بانشاء كلية الآداب والعلوم الانسانية، وكلية العلوم، وكلية الحقوق والعلوم السياسية والادارية، ومعهد العلوم الاجتماعية، في 16 كانون الأول 1959، وقد جرى تنظيم معهد المعلمين العالي في العام 1964 لفصله عن كليات الآداب والعلوم ، ثم ليتحول ويصير اسمه كلية التربية في العام 1967.
إنشاء الجامعة وسياسة "اللامبالاة" الرسمية
ويؤكد المولى انه، على الرغم من إنشاء الجامعة اللبنانية، اتبعت الدولة سياسة "عدم المبالاة" تجاه التعليم الرسمي بشكل عام، وتجاه الجامعة اللبنانية بشكل خاص، الأمر الذي دفع طلاب وأساتذة الجامعة في العامين 1967 و1968 (كليات التربية والآداب والعلوم والحقوق ومعهد العلوم الاجتماعية) إلى تنفيذ سلسلة من الإضرابات نجحوا خلالها في تحقيق مطالب عدة، منها تأمين مشاركة الأساتذة والطلاب في إدارة الجامعة، وتسيير الإدارة ذاتيا عن طريق المجالس التنفيذية، بالإضافة إلى تحقيق استقلالها المالي والإداري تحت إشراف المجالس مما يمنع تدخل السلطة، ويحقق حرية الرأي والنشر وحق تشكيل الأدوات النقابية.
واستكمل الطلاب إضراباتهم وتظاهراتهم في العام 1970، فأرغموا الدولة على إصدار قرارات تتعلق بنظام المنح للمتفوقين والمحتاجين، وإيفاد الطلاب المتفوقين للتخصص في الخارج في مختلف الاختصاصات العلمية، بالإضافة إلى إصدار قانون التفرغ للأساتذة الذين كانوا حتى ذلك الوقت بالتعاقد. ثم بدأت مراسيم الكليات التطبيقية بالظهور، وتم بناء كلية العلوم في الحدث كخطوة أولية نحو بناء المدينة الجامعية، فضلا عن وضع خطة لبناء كلية الآداب وعدد آخر من الكليات.
وقد شهد العام 1971، حراكا طلابيا اعتبر الأقوى في تاريخ النضال الطلابي. ففي هذا العام قام طلاب الجامعة اللبنانية بقطع طريق المطار لمدة ساعة، واشتبكوا مع رجال الأمن ما أدى إلى سقوط 40 جريحا بحسب الصحف التي قدرت عدد الطلاب بعشرة آلاف. كما قام الطلاب باحتلال كل مباني الكليات في الجامعة اللبنانية التي بلغ عددها آنذاك 5 كليات والمعاهد التي بلغ عددها 3 فيما عقد مجلس الجامعة أول اجتماع بمشاركة 6 طلاب، وتم تشكيل لجنة من الطلاب والأساتذة لتحضير مشروع قانون معجل في غضون 24 ساعة يقضي بتعديل نظام الجامعة اللبنانية، بغية إشراك الطلاب في مجالس الكليات والمعاهد وفي مجلس إدارة الجامعة.
وفي ذلك العام أيضاً أقام الطلاب استفتاء واسعا أقرّ صيغة التمثيل النقابي المنتخب ديموقراطيا (وهي الصيغة التي اقترحتها حركة الوعي بقيادة بول شاوول وانطوان دويهي وعصام خليفة)، وتم انتخاب أول لجنة تنفيذية للاتحاد برئاسة عصام خليفة، بعدما تم وضع النظام الداخلي للاتحاد، وفاز فيها تحالف الوعي مع ما يسمى باليمين على تحالف اليسار، قبل أن يتبادل الطرفان الربح والخسارة في السنوات اللاحقة. وهو ما دل على وحدة الحركة النقابية الطالبية، إذ كان الصراع يتمحور بين القوى على البرامج ولم يكن صراعا أو خلافا طائفيا. فقد كان يجري الالتزام من كافة الأطراف بقرارات اللجنة التنفيذية برغم الخلافات السائدة، وهذه هي القاعدة التي ارتكز عليها الصراع بين اليمين واليسار وغيرهما من المجموعات الطالبية.
وفي العام 1974 أصدر مجلس الوزراء مرسوما ببعض المطالب منها إنشاء كلية هندسة وكلية زراعة، بالإضافة إلى رصد مبلغ من المال لإنشاء البناء الجامعي - كلية التربية، كلية الآداب - والضمان الصحي. أما في العام 1975، فكانت آخر انتخابات للاتحاد قبل اندلاع الحرب الأهلية.
"حرب" المراسيم على مجلس الجامعة والاتحاد
ويتابع "في العام 1977، أصدر مجلس الوزراء المرسوم رقم 122 الذي أدخل تعديلات أساسية على هيكلية الجامعة وقلص من صلاحيات مجلس الجامعة وقام بتفريع الكليات بسبب مخاطر التنقل بين المناطق، كما صدر المرسوم رقم 115 الذي كرّس عملياً حل الاتحاد الوطني لطلاب الجامعة اللبنانية، وحدّ من صلاحياته ودوره في مجلس الجامعة، ما أثر على الحياة الديموقراطية التي عرفتها الجامعة.والتي انتهت منذ ذلك التاريخ لندخل عصر أمراء الطوائف وميليشياتها وفسادها.
فقد صار عدد فروع الجامعة اللبنانية 48 فرعاً في مختلف أنحاء لبنان. وأصبح لكل طائفة قواها الطلابية الخاصة بأحزابها وميليشياتها وقد بسطت سيطرتها على فروع الجامعة كل تبعاً للمنطقة التي يتواجد فيها الفرع.
وقد عانى القطاع التعليمي في الثمانينيات، من ضربات متتالية: مثل انهيار مستوى الشهادة الرسمية وتراجع القدرة المعيشية عند المعلمين، وسيطرة الطوائف على إدارة الجامعة اللبنانية. وتراجعت موازنة الجامعة وتوقفت المنح عن الطلاب المتفوقين والمعوزين، وتوقف الضمان الصحي، ونهبت المكتبات والمختبرات، وتوقفت الحياة الديموقراطية.
وبعد اتفاق الطائف، استمر ضعف الحركة الطلابية التي سقطت رهينة الانقسام الطائفي والميليشياوي وتحولت الجامعة اللبنانية الى مخزن كبير (لعله الأكبر في لبنان اليوم) لتقاسم المنافع والحصص والوظائف والخدمات وحتى الشهادات.
لم تعد الكفاءة ولا الجدارة ولا المناقبية ولا المعرفة هي معيار التفرغ أو الدخول الى الملاك، بل هي الانتماء الى هذا الحزب أو ذاك.
كلية التربية كانت كل حياتنا
اما كلية التربية فيصفها المولى بأنها كانت "شغلة كبيرة". ويقول: "دخلت كلية التربية في تشرين الأول 1971 بعد امتحان دخول كنت فيه من بين الناجحين المطلوبين لقسم الفلسفة العامة وعلم النفس (والامتحانات كانت تجري باللغة الفرنسية). وقد حاول السياسيون التدخل لحصر اعلان نتائج امتحان الدخول بجماعتهم، لكن مجلس الطلبة كان حاضراً بقوة ومنع التدخل في النتائج لا بل أنه أوقف اعلانها حتى التأكد من شرعيتها وقانونيتها وفقاً للنتائج الفعلية. وكان المجلس يومها تحت سيطرة حركة الوعي وبرئاسة بول شاوول. ولولا تدخل مجلس الطلاب ورئيسه بول شاوول لكان شطب اسمي وحل محلي طالب راسب مدعوم من أحد الزعماء السياسيين.
كانت كلية التربية شغلة كبيرة في تلك الأيام.إذ كان يتم اختيار 30 طالباً للدراسة في كل اختصاص من مناهج التعليم الثانوي ولمدة خمس سنوات يحصل فيها الطالب على شهادة الكفاءة في التعليم الثانوي (ما يعادل الماجستير اليوم) يدخل بموجبها ملاك التعليم الرسمي كأستاذ ثانوي ملزم بالتدريس 5 سنوات على الأقل وإلا يدفع للدولة قيمة المنحة التي قبضها خلال سنوات الدراسة الخمس، ونظام التفرغ للدراسة خمس سنوات مع وجود منحة تدفعها الدولة للطلاب (كانت 100 ثم 200 ثم 300 ليرة) نظام عظيم لم يعد موجوداً اليوم للأسف. حتى أن الدراسة خمس سنوات وشهادة الكفاءة وضرورة امتلاك اللغات الاجنبية لم تعد اليوم شروطاً وفقدت كلية التربية معناها ومبرر وجودها حين صارت كغيرها من الكليات، لا بل أن بعض الأساتذة اليوم لا يجيد اية لغة أجنبية وبعضهم يتباهي بذلك من باب مقارعة الامبريالية العالمية والمؤامرات الصهيو-أميركية.
كلية التربية كانت قرب الأونيسكو حيث كلية الاعلام اليوم وكانت مكتبتها عامرة قبل أن تنهبها عصابات "الثوار" في حروب لبنان الطائفية. وكنا نقضي معظم نهاراتنا وأمسياتنا في الكلية ما بين الكافيتريا والمكتبة والصفوف، وكانت الكلية تستقبل طلاباً من الآداب والعلوم (القريبتين) نظراً للأجواء الخاصة التي شهدتها كلية التربية خلال تلك المرحلة. في كلية التربية درسنا على أدونيس والأب سليم عبو والأب بشارة صارجي وأدمون نعيم والشيخ عبدالله العلايلي والشيخ صبحي الصالح وناصيف نصار وخليل الجر وعادل فاخوري وفريد جبرائيل نجار وفؤاد افرام البستاني وجورج طعمه ونايف معلوف وألبير نصري نادر، وغيرهم من كبار أساتذة الفلسفة والتربية والفكر العربي المعاصر، وهناك أعلام كبار أيضاً كانوا أساتذة في بقية الفروع التي لم أكن على تماس معها وخصوصاً الفروع العلمية.
في كلية التربية تجاور وتحاور الياس الخوري وبول شاوول وانطوان دويهي وجبور دويهي وعصام خليفة وغسان شربل وبشارة شربل وجورج سمعان وشربل داغر ومحمد العبدالله وحسن العبدالله وجودت فخرالدين وشوقي بزيع وحسن داوود وحمزة عبود وزهوة مجذوب وحسن بزون وأنور الفطايري وسعدالله مزرعاني والياس عطا الله وطانيوس دعيبس وسهيل عبود وطلال طعمه وطوني فرنسيس وعبدالوهاب بدرخان وحنا غريب وانطوان حداد وحارث سليمان ونزيه خياط ودلال بزري وعلوية صبح وحسنية صبح وربى كبارة وبهية بعلبكي وبيار عقل وجورج كتورة ومحمد شيا وسميح دغيم وهيام المولى ورالف غضبان وديب القرح وعقل العويط ومحمد أبي سمرا وحسن الشامي ونجوى حيدر وضحى سليمان وشادية الحلو وسامي عون و(الشيخ) ماهر حمود و(الشيخ) نعيم قاسم، وليعذرني من نسيت اسمه عن غير قصد، فاللائحة طويلة جداً وهي إن دلت على شيء فإنما تدل على مدى تأثير طلاب كلية التربية في الحياة السياسية والثقافية والاعلامية والعلمية في البلد خلال النصف قرن الماضي..
في كافيتريا كلية التربية كانت الحوارات والمناقشات بين هؤلاء الطلاب - المثقفين - المناضلين، وغيرهم ممن كان يحضر من بقية الكليات والجامعات ومن كل أنحاء لبنان، تملأ فضاء الوطن، فتتشكل على طاولة الكافيتريا أحزاب وجماعات وتنشق أحزاب وجماعات وتقوم تحالفات وتفرط تحالفات، حتى أن سفير الاتحاد السوفياتي كان يتدخل شخصياً في انتخاباتنا الطلابية.
اليوم لم تعد كلية التربية ما كانت عليه. ولم تعد الجامعة اللبنانية ما كانت عليه. لم يعد الطلاب والاساتذة ما كانوا عليه.
عادل عبد المهدي: التجرد.. الحقيقة.. طريق الاصلاح
السياسي والاجتماعي، كالفيزيائي والكيميائي، له مختبره يدقق افكاره وخططه قبل طرحها وتجربتها. والمختبر والاختبار هو تجريد وعزل لمعرفة حقيقة الاشياء وخصائصها، ثم خلط، وتجربة، وتحليل، واستنباط، ونتائج، ونظريات. ولعلنا نحتاج ان نعزل ونجرد في "مختبرنا" او محاكاتنا الخاصة عدداً من االامور، أهمها:
• الانوية والعائلية.. ان "نتخيل" الانفصال عن اي تكوين ذاتي او اسري. بكل خصوصياته وصناعته الداخلة في صلب نشأتنا واخلاقياتنا وانحيازاتنا. لنموضع عقلنا "حراً" "منطلقاً" "متفكراً" بدون "بديهيات" و "حمايات" طبيعية او غريبة، لنخرج الى البيئة الاوسع لنفهمها كما هي.. لا ان نسقط فهمنا عليها قبل تدقيقها.
• الحزبوية والتيارية.. ان "نفترض" انفسنا باخلاص خارج الانتماء الحزبي والسياسي الذي قد يقيد رؤيتنا ويدفعنا لان نقرر خيارات، اولوياتها واهدافها الحزب او التيار، وليس ما يقرره وجداننا وضميرنا، ومصالح البلاد والشعب اولاً.
• المناطقية والجهوية والجغرافيا.. ان "نتأمل" في تحيزاتنا المحلية، و"نعبر" جغرافيتنا بكل اطرها وابعادها، وما غرسته فينا من حب وكراهية، لنعي التيارات الكبرى والاتجاهات الصاعدة.
• التاريخية.. ان "نضبط" التاريخ ببعديه الماضوي والمستقبلي.. وما نسجته ثقافتنا ومداركنا، بايجابياتها وسلبياتها.. والتي قد تشكل حواجز امام الاتجاهات الصاعدة والحاكمة. ولا تقل تجريدية المستقبل عن الماضي.. فلا قدريات وحتميات –عدا ما يقدره الله سبحانه وتعالى-.. فنتحرر من تصورات البعض بان العالم قد رسمت اتجاهاته. واننا مضطرون –بدون تدقيق ومصلحة- للتكيف المصطنع والاندماج القسري بكل خسائره وتشوهاته.
• المذهبية والدينية.. يقول ابن المقفع، "الدين يسلم بالايمان، والراي يتبث بالخصومة "(الراي الاخر).. والايمان في وعيه، هو تدقيق في تلقين الانتماء والمحيط... "فنتصور" انفسنا قبل التلقي والتلقين.. لنراها (النفس) على فطرتها الاولى مُخاطبين ووارثين ومُحاسبين.. فنتعرف مجردين على خالقنا وانفسنا، فنؤكد الاصيل ونعزل الدخيل، لنرتقي بايماننا وفطرتنا وعلمنا ومعرفتنا ورأينا، بعد ان اعيد تأكيدها وتدقيقها وتجديدها.
الكل، بحاجة ان يقف امام ضميره ووجدانه وخالقه مجرداً، متجرداً، غير متلبس ليدقق الحقائق وطرق الوصول اليها. ان فعلنا ذلك حقاً فسنعود لانتماءاتنا الطبيعية ونحن اكثر ثقة واخلاصاً وايماناً بان ما نقوم به هو الصواب او ما يدور حوله. وسنرى امكانياتنا وامكانيات غيرنا بكل قوتها وضعفها.. وسنرى مناهجنا وطرقنا بشكل ادق وانفع. التجرد.. الحقيقة.. طريق الاصلاح
السياسي والاجتماعي، كالفيزيائي والكيميائي، له مختبره يدقق افكاره وخططه قبل طرحها وتجربتها. والمختبر والاختبار هو تجريد وعزل لمعرفة حقيقة الاشياء وخصائصها، ثم خلط، وتجربة، وتحليل، واستنباط، ونتائج، ونظريات. ولعلنا نحتاج ان نعزل ونجرد في "مختبرنا" او محاكاتنا الخاصة عدداً من االامور، اهمها.
• الانوية والعائلية.. ان "نتخيل" الانفصال عن اي تكوين ذاتي او اسري. بكل خصوصياته وصناعته الداخلة في صلب نشأتنا واخلاقياتنا وانحيازاتنا. لنموضع عقلنا "حراً" "منطلقاً" "متفكراً" بدون "بديهيات" و "حمايات" طبيعية او غريبة، لنخرج الى البيئة الاوسع لنفهمها كما هي.. لا ان نسقط فهمنا عليها قبل تدقيقها.
• الحزبوية والتيارية.. ان "نفترض" انفسنا باخلاص خارج الانتماء الحزبي والسياسي الذي قد يقيد رؤيتنا ويدفعنا لان نقرر خيارات، اولوياتها واهدافها الحزب او التيار، وليس ما يقرره وجداننا وضميرنا، ومصالح البلاد والشعب اولاً.
• المناطقية والجهوية والجغرافيا.. ان "نتأمل" في تحيزاتنا المحلية، و"نعبر" جغرافيتنا بكل اطرها وابعادها، وما غرسته فينا من حب وكراهية، لنعي التيارات الكبرى والاتجاهات الصاعدة.
• التاريخية.. ان "نضبط" التاريخ ببعديه الماضوي والمستقبلي.. وما نسجته ثقافتنا ومداركنا، بايجابياتها وسلبياتها.. والتي قد تشكل حواجز امام الاتجاهات الصاعدة والحاكمة. ولا تقل تجريدية المستقبل عن الماضي.. فلا قدريات وحتميات –عدا ما يقدره الله سبحانه وتعالى-.. فنتحرر من تصورات البعض بان العالم قد رسمت اتجاهاته. واننا مضطرون –بدون تدقيق ومصلحة- للتكيف المصطنع والاندماج القسري بكل خسائره وتشوهاته.
• المذهبية والدينية.. يقول ابن المقفع، "الدين يسلم بالايمان، والراي يتبث بالخصومة "(الراي الاخر).. والايمان في وعيه، هو تدقيق في تلقين الانتماء والمحيط... "فنتصور" انفسنا قبل التلقي والتلقين.. لنراها (النفس) على فطرتها الاولى مُخاطبين ووارثين ومُحاسبين.. فنتعرف مجردين على خالقنا وانفسنا، فنؤكد الاصيل ونعزل الدخيل، لنرتقي بايماننا وفطرتنا وعلمنا ومعرفتنا ورأينا، بعد ان اعيد تأكيدها وتدقيقها وتجديدها.
الكل، بحاجة ان يقف امام ضميره ووجدانه وخالقه مجرداً، متجرداً، غير متلبس ليدقق الحقائق وطرق الوصول اليها. ان فعلنا ذلك حقاً فسنعود لانتماءاتنا الطبيعية ونحن اكثر ثقة واخلاصاً وايماناً بان ما نقوم به هو الصواب او ما يدور حوله. وسنرى امكانياتنا وامكانيات غيرنا بكل قوتها وضعفها.. وسنرى مناهجنا وطرقنا بشكل ادق وانفع.
• الانوية والعائلية.. ان "نتخيل" الانفصال عن اي تكوين ذاتي او اسري. بكل خصوصياته وصناعته الداخلة في صلب نشأتنا واخلاقياتنا وانحيازاتنا. لنموضع عقلنا "حراً" "منطلقاً" "متفكراً" بدون "بديهيات" و "حمايات" طبيعية او غريبة، لنخرج الى البيئة الاوسع لنفهمها كما هي.. لا ان نسقط فهمنا عليها قبل تدقيقها.
• الحزبوية والتيارية.. ان "نفترض" انفسنا باخلاص خارج الانتماء الحزبي والسياسي الذي قد يقيد رؤيتنا ويدفعنا لان نقرر خيارات، اولوياتها واهدافها الحزب او التيار، وليس ما يقرره وجداننا وضميرنا، ومصالح البلاد والشعب اولاً.
• المناطقية والجهوية والجغرافيا.. ان "نتأمل" في تحيزاتنا المحلية، و"نعبر" جغرافيتنا بكل اطرها وابعادها، وما غرسته فينا من حب وكراهية، لنعي التيارات الكبرى والاتجاهات الصاعدة.
• التاريخية.. ان "نضبط" التاريخ ببعديه الماضوي والمستقبلي.. وما نسجته ثقافتنا ومداركنا، بايجابياتها وسلبياتها.. والتي قد تشكل حواجز امام الاتجاهات الصاعدة والحاكمة. ولا تقل تجريدية المستقبل عن الماضي.. فلا قدريات وحتميات –عدا ما يقدره الله سبحانه وتعالى-.. فنتحرر من تصورات البعض بان العالم قد رسمت اتجاهاته. واننا مضطرون –بدون تدقيق ومصلحة- للتكيف المصطنع والاندماج القسري بكل خسائره وتشوهاته.
• المذهبية والدينية.. يقول ابن المقفع، "الدين يسلم بالايمان، والراي يتبث بالخصومة "(الراي الاخر).. والايمان في وعيه، هو تدقيق في تلقين الانتماء والمحيط... "فنتصور" انفسنا قبل التلقي والتلقين.. لنراها (النفس) على فطرتها الاولى مُخاطبين ووارثين ومُحاسبين.. فنتعرف مجردين على خالقنا وانفسنا، فنؤكد الاصيل ونعزل الدخيل، لنرتقي بايماننا وفطرتنا وعلمنا ومعرفتنا ورأينا، بعد ان اعيد تأكيدها وتدقيقها وتجديدها.
الكل، بحاجة ان يقف امام ضميره ووجدانه وخالقه مجرداً، متجرداً، غير متلبس ليدقق الحقائق وطرق الوصول اليها. ان فعلنا ذلك حقاً فسنعود لانتماءاتنا الطبيعية ونحن اكثر ثقة واخلاصاً وايماناً بان ما نقوم به هو الصواب او ما يدور حوله. وسنرى امكانياتنا وامكانيات غيرنا بكل قوتها وضعفها.. وسنرى مناهجنا وطرقنا بشكل ادق وانفع. التجرد.. الحقيقة.. طريق الاصلاح
السياسي والاجتماعي، كالفيزيائي والكيميائي، له مختبره يدقق افكاره وخططه قبل طرحها وتجربتها. والمختبر والاختبار هو تجريد وعزل لمعرفة حقيقة الاشياء وخصائصها، ثم خلط، وتجربة، وتحليل، واستنباط، ونتائج، ونظريات. ولعلنا نحتاج ان نعزل ونجرد في "مختبرنا" او محاكاتنا الخاصة عدداً من االامور، اهمها.
• الانوية والعائلية.. ان "نتخيل" الانفصال عن اي تكوين ذاتي او اسري. بكل خصوصياته وصناعته الداخلة في صلب نشأتنا واخلاقياتنا وانحيازاتنا. لنموضع عقلنا "حراً" "منطلقاً" "متفكراً" بدون "بديهيات" و "حمايات" طبيعية او غريبة، لنخرج الى البيئة الاوسع لنفهمها كما هي.. لا ان نسقط فهمنا عليها قبل تدقيقها.
• الحزبوية والتيارية.. ان "نفترض" انفسنا باخلاص خارج الانتماء الحزبي والسياسي الذي قد يقيد رؤيتنا ويدفعنا لان نقرر خيارات، اولوياتها واهدافها الحزب او التيار، وليس ما يقرره وجداننا وضميرنا، ومصالح البلاد والشعب اولاً.
• المناطقية والجهوية والجغرافيا.. ان "نتأمل" في تحيزاتنا المحلية، و"نعبر" جغرافيتنا بكل اطرها وابعادها، وما غرسته فينا من حب وكراهية، لنعي التيارات الكبرى والاتجاهات الصاعدة.
• التاريخية.. ان "نضبط" التاريخ ببعديه الماضوي والمستقبلي.. وما نسجته ثقافتنا ومداركنا، بايجابياتها وسلبياتها.. والتي قد تشكل حواجز امام الاتجاهات الصاعدة والحاكمة. ولا تقل تجريدية المستقبل عن الماضي.. فلا قدريات وحتميات –عدا ما يقدره الله سبحانه وتعالى-.. فنتحرر من تصورات البعض بان العالم قد رسمت اتجاهاته. واننا مضطرون –بدون تدقيق ومصلحة- للتكيف المصطنع والاندماج القسري بكل خسائره وتشوهاته.
• المذهبية والدينية.. يقول ابن المقفع، "الدين يسلم بالايمان، والراي يتبث بالخصومة "(الراي الاخر).. والايمان في وعيه، هو تدقيق في تلقين الانتماء والمحيط... "فنتصور" انفسنا قبل التلقي والتلقين.. لنراها (النفس) على فطرتها الاولى مُخاطبين ووارثين ومُحاسبين.. فنتعرف مجردين على خالقنا وانفسنا، فنؤكد الاصيل ونعزل الدخيل، لنرتقي بايماننا وفطرتنا وعلمنا ومعرفتنا ورأينا، بعد ان اعيد تأكيدها وتدقيقها وتجديدها.
الكل، بحاجة ان يقف امام ضميره ووجدانه وخالقه مجرداً، متجرداً، غير متلبس ليدقق الحقائق وطرق الوصول اليها. ان فعلنا ذلك حقاً فسنعود لانتماءاتنا الطبيعية ونحن اكثر ثقة واخلاصاً وايماناً بان ما نقوم به هو الصواب او ما يدور حوله. وسنرى امكانياتنا وامكانيات غيرنا بكل قوتها وضعفها.. وسنرى مناهجنا وطرقنا بشكل ادق وانفع.
برهان غليون: الشعب اللبناني متعاطف مع الثورة السوريّة..
أكّد رئيس "المجلس الوطني السوري" برهان غليون أنّ "النظام السوري يعمل على تقويض أسس المبادرة العربيّة لارهاب الشعب"، مشيرًا إلى أنّه "في دير الزور وحمص القصف مستمر كما وحملة الإعتقالات". وأضاف: "الموت تحت التعذيب يستمر ودمشق شهدت اليوم آلاف المشيّعين لهالة منجد التي استشهدت وعمرها 11 عامًا وقتلت بيد الغدر امس في الميدان".
غليون، وفي مؤتمر صحافي عقده مع أعضاء "المجلس الوطني السوري" بعيد توقيع دمشق على بروتوكول إرسال بعثة مراقبين عربيّة إلى سوريا، قال: "إسمحوا لي أن أحيّي الشعب أبطال الجيش الحر الذين رفضوا تطبيق الاوامر بقتل اخوانهم وأحيّي "التنسيقيّات" الذين يبدعون وسائل كل يوم مقاومة سلمية جديدة لمقاومة الإرهاب الرسمي وفتح طريق الإنتصار لشعبنا البطل، ونحيّي الشعب الذي انتفض ليمنحنا الحرية وفتح للمنطقة طريقًا جديدًا نحو الديمقراطيّة".
وإذ لفت إلى أنّ "المجلس الوطني أعلن قبوله بالمبادرة العربية وشروط تطبيق هذه المبادرة واهمها ان يبدأ الالتزام بتطبيق بنودها مباشرة مثل سحب الجيش واطلاق المعتقلين واطلاق الحريات العامة وحق التعبير للشعب السوري"، أشار غليون إلى أنّه "بعد أكثر من شهر ونصف على اطلاق المبادرة لا نرى سوى مراوغة النظام السوري"، وقال: "نحن مستغربون من موقف "الجامعة العربية" التي اتاحت اكثر من فرصة للتهرّب من التزاماته ومسؤولياته ونريد ان تتّخذ موقفًا أقوى وأن لا تُخدع الجامعة بمراوغة النظام وكذبه، فما قاله (وزير الخارجيّة السوري وليد) المعلّم يدل دلالة كاملة على أنّ ليس في نيتهم تطبيق أيّ مبادرة". وأوضح أنّ المعلّم "يتحدث عن خطة لم يسمع بها أحد ويهدّد المراقبين قبل ان يأتوا بوجود مناطق آمنة وأخرى غير آمنة ربما تتعرضون فيها للأذى وبالتالي المؤتمر الصحافي بيّن ما يحصل مراوغة".
غليون الذي اعتبر أنّ "الحكومة الإنتقالية ستكون من المعارضة و"المجلس الوطني" ولكن بالتعاون مع الشعب"، قال: "نريد الحفاظ على مؤسسات الدولة ونساعد على تماسك اجهزة الأمن ونريد ان تكون للمؤسسة العسكرية دورًا في تطمين جميع فئات الشعب واطيافه على ان الثورة لن تكون انتقامية ولن تقود إلى الفوضى، بل إنّ مؤسّسات الدولة ستكون فاعلة وعاملة وستكون للحكومة معارضة ديمقراطيّة وكل ذلك سيتم بالتعاون مع الجيش وأجهزة الدولة المختلفة".
وأضاف: "هذه صيغة رسميّة لخداع النفس لا يكذبون على أنفسهم بل على الشعب أيضًا ولا نعترف بأي كلام من جهة المعلم لأنّه من جهة واحدة ولن نصدّق أيّ كلمة ما لم تقلها جامعة الدول العربية". وأردف: "برنامج المجلس الوطني السوري أقرّ بالإجماع وسيوزّع"، وقال: "نحن نريد ان ندافع عن ابنائنا نحن نعمل من اجل الشعب وليس من أجل إسقاط (الرئيس السوري بشّار) الأسد وهناك الكثير من الدول والأطراف من يبحث لهذا المجرم عن ملجأ وهذا ليس شغلنا".
وتابع غليون: "قلنا اننا لا نريد ان تكون سوريا حماية المدنيين عندما يتعرّضون إلى حرب لا انسانيّة وحرب وحشية وانتهاكات تعادل الجرائم ضد الإنسانيّة هذا واجب على المجتمع الدولي وعلى منظمات الأمم المتحدة ولن نطالب كجزء في أن تصان حياة ابنائه وجريّاته". وأضاف: "غايتنا وقف القتل وحماية المدنيين والوسائل نناقشها مع حلفائنا واصدقائنا في الأمم المتحدة ومجلس الامن و"الجامعة العربية" ونناقش ذلك بحسب الحاجة وهناك فرضيات متعددة عن مراقبين دوليين واطلاق حرية تحرك الصحافيين والإستعانة بقوات ردع عربي وإذا أمكن نحتاج إلى استخدام القوة وليس حرب شاملة بل بشكل محدود إذا اضطر الامر وربما يزيد استخدام القوة في منطقة ومواقع محددة نحن نريد ان نكون اسياد امرنا في تحديد الوسائل التي يقر فيها استخدام القوة، ولم نسلم سيادتنا لا للأمم المتحدة ولا لمجلس الأمن وهذا الأمر يناقش معنا كسوريين وكمجلس وطني".
وقال غليون: "نحن نريد أن نحرّر الشعب السوري وليس لدينا عدو آخر بالمطلق، وهناك تصريحات رسمية من قبل بعض القوى السياسيّة وبعض القوى الإقليميّة تجمع على النظام السوري وعلى دعم النظام وذلك جزء من سياساتهم وليس فقط للتحالف الإستراتيجي وهم يوحّدون بين الثورة الشعب المقهور والمؤامرة الخارجيّة وهم في خطابهم يعلنون انهم يعتزمون المشاركة في القضاء وهم يدينون انفسهم بخطابهم"، وأردف: "لا اتصور أنّ أبناء الشعب اللبناني يستطيعون أن يُغمضون أعينهم عمّا يحدث في سوريا فكل ابناء الشعب اللبناني متعاطفون مع الثورة السورية ومع معاناة شعبه".
وأضاف: "إذا طبّق الأسد شروطنا سترجع الثورة السورية سلميّة 100% ولن يعود هناك حاجة لاستخدام القوّة. وقال: "أفدنا الآن عن مجزرة وتدمير مستشفى في جبل الزاوية على رؤوس المرضى فرياض الأسعد قائد الجيش السوري الحر يسمعنا الآن وهو أرسل لنا الخبر مباشرة من الميدان".
واعتبر غليون أنّ "سوريا مقبلة على ولادة حرة بثورة حقيقيّة اذا لم تأت بولادة طبيعية فيجب الإستعانة من أجل مصلحتها ومصلحة الوليد بعملية قيصرية ولن نوفّر جهدًا في سبيل انقاذ الوليد وهو وليدنا وحريتنا وفي انقاذ وليدنا وهو الوطني وهو وطننا".
وأضاف: "نحن مستعجلون في تعبئة المجتمع الدولي هذا محور أول والمحور الثاني هو التعاون مع الأمم المتحدة لتأمين هذه الحماية، مع محور "الجيش الوطني السوري الحر" بالإضافة إلى العقوبات الإقتصادية فالنظام في طريقه إلى التصدّع تحت هذه الضغوط سواء أتانا الغيث من الخارج أو لم يأتنا فهناك قوى منظمة حقيقية ضد الشبّيحة وهناك تصميم لا نهائي من قبل شبابنا للقتال حتى النهاية وقطيعة دولية متزايدة مع النظام لاخراجه والطلب مستمر للأسد بالتنحي".
وتابع غليون: "العراقيون طلبوا ان يتحدثوا معنا وطلبوا منا التواصل والتعرف على الثورة ونحن طلبنا منهم في المقابل ان يعلنوا انهم لا يحملون أي مبادرة كشرط للتواصل معهم، ونحن من الآن فصاعدًا نرفض أي مبادرة جديدة لتقطيع الوقت وتمرير الوقت".
من جهتها، حيّت عضو "المجلس الوطني السوري" بسمة قدماني "تونس وشعبها وطريق محمّد البوعزيزي (المواطن التونسي الذي أحرق نفسه وسبّب بشرارة الثورات العربيّة) التي نمشي عليها حتى تتكلل ثورتنا بالنصر". وأضافت: "هناك حوار دائم منذ فترة في القاهرة وتقدّم وتقريبًا توصّلنا إلى رؤية مشتركة وموحّدة، وقد تمّ توحيد هذه الرؤية حول مبادئ هي مشتركة السقف والرؤية للمرحلة الإنتقالية ولحماية المدنيين ايضا وهناك اتفاق على الصيغة الموحدة بالنسبة إلى كل المعارضة".
وأضافت: "بالمضمون توصّلنا تحديدًا إلى أنّ المرحلة الإنتقالية تبدأ بتنحي الأسد أي رأس النظام لتبدأ المرحلة الانتقاليّة بحماية المدنيين، وهي إما أن تتم أو أن نطالب بها بجميع الوسائل المشروعة وحول هذين البندين سنذهب إلى مؤتمر المعارضة لصياغة الورقة الأخيرة و"الجامعة العربيّة" تُعوّل على ذلك وتنتظر هذا الموقف والمجلس يرى أن التطبيق اصبح مفتوحًا أمام تبنّي المعارضة حقيقة كبديل للنظام ونزع الشرعيّة عن هذا النظام". وتابعت: "المجلس يسير على هذا الطريق والتنسيق مع "الجامعة العربيّة" كان منذ بداية المبادرة جيّدًا وعملنا بصدق وبالتنسيق الكامل".
إلى ذلك، قال عضو المجلس هيثم المالح: "هذا النظام الذي يدير سوريا منذ سنوات وعقود خارج إطار القانون والمؤسسات لا يحترم القانون ولا يحترم المعاهدات الدوليّة ويدير البلاد خارج كل هذه المفاهيم وهو فاشل وساقط من الناحية القانونيّة عندما يبدأ أي نظام حربًا على شعبه ينشر ثلاث آلاف دبابة في سوريا ويهاجم الثوار السلميّين بالطائرات ماذا بقي له".
وتابع: "أيّ نظام يستمد شرعيّته من الشعب والشعب قال كلمته في الشارع إرحل وبالتالي فقد شرعيّته القانونيّة في الداخليّة، ومن الناحية الدوليّة كل الدول سحبت النظام من تحت أقدامه وقالت له هذا النزاع غير شرعي وساقط دوليًا وقانونًا الحبل يضيق على هذا النظام ونطلب من الدول العربية كافة ان تسحب سفراءها ودول اوروبا ان تسحب سفراءها وأن تطرد السفراء الذين هم جواسيس للنظام السوري وليسوا دبلوماسيين".
وبعده شدّد عضو المجلس عمر ادلبي على أنّ "شباب الثورة الذين تهجروا لم يخرجوا ولم يضحوا بدمائهم من اجل ألا يسقط النظام". وأضاف: "هذا النظام اسقطته أول مجموعة من الأولاد الذين كتبوا على الجدار "الشعب يريد اسقاط النظام" في حماة الأبيّة".
وإذ كشف عن أنّه "تمّ اعتقال ناشط محمد الوزير عضو في المجلس الاعلى للثورة السوريّة وهو عضو في المجلس الوطني السوري"، قال إدلبي "الجامعة العربية التي ذهبت اليوم الى قبول مبادرة أتمنى ان يكون السؤال عن هذا المناضل والشاب الثائر في طليعة الأسئلة إلى اركان النظام واجهزته الامنيّة". وأضاف: "بمناسبة التوقيع على بروتوكول التعاون ومنذ إعلان النظام عن قبول المبادرة العربية سقط منذ ذلك الوقت 137 شهيدًا نسمّيهم "شهداء الموافقة على البروتوكول"، ومن بين هؤلاء الشهداء ستون شهيدًا هم طفلة و29 سيدة و39 ماتوا تحت التعذيب وهذه حقائق نضعها حتى تتصرّف الجامعة وأن لا تمنح النظام مزيدًا من الوقت لقتل شبابنا الثائر
غليون، وفي مؤتمر صحافي عقده مع أعضاء "المجلس الوطني السوري" بعيد توقيع دمشق على بروتوكول إرسال بعثة مراقبين عربيّة إلى سوريا، قال: "إسمحوا لي أن أحيّي الشعب أبطال الجيش الحر الذين رفضوا تطبيق الاوامر بقتل اخوانهم وأحيّي "التنسيقيّات" الذين يبدعون وسائل كل يوم مقاومة سلمية جديدة لمقاومة الإرهاب الرسمي وفتح طريق الإنتصار لشعبنا البطل، ونحيّي الشعب الذي انتفض ليمنحنا الحرية وفتح للمنطقة طريقًا جديدًا نحو الديمقراطيّة".
وإذ لفت إلى أنّ "المجلس الوطني أعلن قبوله بالمبادرة العربية وشروط تطبيق هذه المبادرة واهمها ان يبدأ الالتزام بتطبيق بنودها مباشرة مثل سحب الجيش واطلاق المعتقلين واطلاق الحريات العامة وحق التعبير للشعب السوري"، أشار غليون إلى أنّه "بعد أكثر من شهر ونصف على اطلاق المبادرة لا نرى سوى مراوغة النظام السوري"، وقال: "نحن مستغربون من موقف "الجامعة العربية" التي اتاحت اكثر من فرصة للتهرّب من التزاماته ومسؤولياته ونريد ان تتّخذ موقفًا أقوى وأن لا تُخدع الجامعة بمراوغة النظام وكذبه، فما قاله (وزير الخارجيّة السوري وليد) المعلّم يدل دلالة كاملة على أنّ ليس في نيتهم تطبيق أيّ مبادرة". وأوضح أنّ المعلّم "يتحدث عن خطة لم يسمع بها أحد ويهدّد المراقبين قبل ان يأتوا بوجود مناطق آمنة وأخرى غير آمنة ربما تتعرضون فيها للأذى وبالتالي المؤتمر الصحافي بيّن ما يحصل مراوغة".
غليون الذي اعتبر أنّ "الحكومة الإنتقالية ستكون من المعارضة و"المجلس الوطني" ولكن بالتعاون مع الشعب"، قال: "نريد الحفاظ على مؤسسات الدولة ونساعد على تماسك اجهزة الأمن ونريد ان تكون للمؤسسة العسكرية دورًا في تطمين جميع فئات الشعب واطيافه على ان الثورة لن تكون انتقامية ولن تقود إلى الفوضى، بل إنّ مؤسّسات الدولة ستكون فاعلة وعاملة وستكون للحكومة معارضة ديمقراطيّة وكل ذلك سيتم بالتعاون مع الجيش وأجهزة الدولة المختلفة".
وأضاف: "هذه صيغة رسميّة لخداع النفس لا يكذبون على أنفسهم بل على الشعب أيضًا ولا نعترف بأي كلام من جهة المعلم لأنّه من جهة واحدة ولن نصدّق أيّ كلمة ما لم تقلها جامعة الدول العربية". وأردف: "برنامج المجلس الوطني السوري أقرّ بالإجماع وسيوزّع"، وقال: "نحن نريد ان ندافع عن ابنائنا نحن نعمل من اجل الشعب وليس من أجل إسقاط (الرئيس السوري بشّار) الأسد وهناك الكثير من الدول والأطراف من يبحث لهذا المجرم عن ملجأ وهذا ليس شغلنا".
وتابع غليون: "قلنا اننا لا نريد ان تكون سوريا حماية المدنيين عندما يتعرّضون إلى حرب لا انسانيّة وحرب وحشية وانتهاكات تعادل الجرائم ضد الإنسانيّة هذا واجب على المجتمع الدولي وعلى منظمات الأمم المتحدة ولن نطالب كجزء في أن تصان حياة ابنائه وجريّاته". وأضاف: "غايتنا وقف القتل وحماية المدنيين والوسائل نناقشها مع حلفائنا واصدقائنا في الأمم المتحدة ومجلس الامن و"الجامعة العربية" ونناقش ذلك بحسب الحاجة وهناك فرضيات متعددة عن مراقبين دوليين واطلاق حرية تحرك الصحافيين والإستعانة بقوات ردع عربي وإذا أمكن نحتاج إلى استخدام القوة وليس حرب شاملة بل بشكل محدود إذا اضطر الامر وربما يزيد استخدام القوة في منطقة ومواقع محددة نحن نريد ان نكون اسياد امرنا في تحديد الوسائل التي يقر فيها استخدام القوة، ولم نسلم سيادتنا لا للأمم المتحدة ولا لمجلس الأمن وهذا الأمر يناقش معنا كسوريين وكمجلس وطني".
وقال غليون: "نحن نريد أن نحرّر الشعب السوري وليس لدينا عدو آخر بالمطلق، وهناك تصريحات رسمية من قبل بعض القوى السياسيّة وبعض القوى الإقليميّة تجمع على النظام السوري وعلى دعم النظام وذلك جزء من سياساتهم وليس فقط للتحالف الإستراتيجي وهم يوحّدون بين الثورة الشعب المقهور والمؤامرة الخارجيّة وهم في خطابهم يعلنون انهم يعتزمون المشاركة في القضاء وهم يدينون انفسهم بخطابهم"، وأردف: "لا اتصور أنّ أبناء الشعب اللبناني يستطيعون أن يُغمضون أعينهم عمّا يحدث في سوريا فكل ابناء الشعب اللبناني متعاطفون مع الثورة السورية ومع معاناة شعبه".
وأضاف: "إذا طبّق الأسد شروطنا سترجع الثورة السورية سلميّة 100% ولن يعود هناك حاجة لاستخدام القوّة. وقال: "أفدنا الآن عن مجزرة وتدمير مستشفى في جبل الزاوية على رؤوس المرضى فرياض الأسعد قائد الجيش السوري الحر يسمعنا الآن وهو أرسل لنا الخبر مباشرة من الميدان".
واعتبر غليون أنّ "سوريا مقبلة على ولادة حرة بثورة حقيقيّة اذا لم تأت بولادة طبيعية فيجب الإستعانة من أجل مصلحتها ومصلحة الوليد بعملية قيصرية ولن نوفّر جهدًا في سبيل انقاذ الوليد وهو وليدنا وحريتنا وفي انقاذ وليدنا وهو الوطني وهو وطننا".
وأضاف: "نحن مستعجلون في تعبئة المجتمع الدولي هذا محور أول والمحور الثاني هو التعاون مع الأمم المتحدة لتأمين هذه الحماية، مع محور "الجيش الوطني السوري الحر" بالإضافة إلى العقوبات الإقتصادية فالنظام في طريقه إلى التصدّع تحت هذه الضغوط سواء أتانا الغيث من الخارج أو لم يأتنا فهناك قوى منظمة حقيقية ضد الشبّيحة وهناك تصميم لا نهائي من قبل شبابنا للقتال حتى النهاية وقطيعة دولية متزايدة مع النظام لاخراجه والطلب مستمر للأسد بالتنحي".
وتابع غليون: "العراقيون طلبوا ان يتحدثوا معنا وطلبوا منا التواصل والتعرف على الثورة ونحن طلبنا منهم في المقابل ان يعلنوا انهم لا يحملون أي مبادرة كشرط للتواصل معهم، ونحن من الآن فصاعدًا نرفض أي مبادرة جديدة لتقطيع الوقت وتمرير الوقت".
من جهتها، حيّت عضو "المجلس الوطني السوري" بسمة قدماني "تونس وشعبها وطريق محمّد البوعزيزي (المواطن التونسي الذي أحرق نفسه وسبّب بشرارة الثورات العربيّة) التي نمشي عليها حتى تتكلل ثورتنا بالنصر". وأضافت: "هناك حوار دائم منذ فترة في القاهرة وتقدّم وتقريبًا توصّلنا إلى رؤية مشتركة وموحّدة، وقد تمّ توحيد هذه الرؤية حول مبادئ هي مشتركة السقف والرؤية للمرحلة الإنتقالية ولحماية المدنيين ايضا وهناك اتفاق على الصيغة الموحدة بالنسبة إلى كل المعارضة".
وأضافت: "بالمضمون توصّلنا تحديدًا إلى أنّ المرحلة الإنتقالية تبدأ بتنحي الأسد أي رأس النظام لتبدأ المرحلة الانتقاليّة بحماية المدنيين، وهي إما أن تتم أو أن نطالب بها بجميع الوسائل المشروعة وحول هذين البندين سنذهب إلى مؤتمر المعارضة لصياغة الورقة الأخيرة و"الجامعة العربيّة" تُعوّل على ذلك وتنتظر هذا الموقف والمجلس يرى أن التطبيق اصبح مفتوحًا أمام تبنّي المعارضة حقيقة كبديل للنظام ونزع الشرعيّة عن هذا النظام". وتابعت: "المجلس يسير على هذا الطريق والتنسيق مع "الجامعة العربيّة" كان منذ بداية المبادرة جيّدًا وعملنا بصدق وبالتنسيق الكامل".
إلى ذلك، قال عضو المجلس هيثم المالح: "هذا النظام الذي يدير سوريا منذ سنوات وعقود خارج إطار القانون والمؤسسات لا يحترم القانون ولا يحترم المعاهدات الدوليّة ويدير البلاد خارج كل هذه المفاهيم وهو فاشل وساقط من الناحية القانونيّة عندما يبدأ أي نظام حربًا على شعبه ينشر ثلاث آلاف دبابة في سوريا ويهاجم الثوار السلميّين بالطائرات ماذا بقي له".
وتابع: "أيّ نظام يستمد شرعيّته من الشعب والشعب قال كلمته في الشارع إرحل وبالتالي فقد شرعيّته القانونيّة في الداخليّة، ومن الناحية الدوليّة كل الدول سحبت النظام من تحت أقدامه وقالت له هذا النزاع غير شرعي وساقط دوليًا وقانونًا الحبل يضيق على هذا النظام ونطلب من الدول العربية كافة ان تسحب سفراءها ودول اوروبا ان تسحب سفراءها وأن تطرد السفراء الذين هم جواسيس للنظام السوري وليسوا دبلوماسيين".
وبعده شدّد عضو المجلس عمر ادلبي على أنّ "شباب الثورة الذين تهجروا لم يخرجوا ولم يضحوا بدمائهم من اجل ألا يسقط النظام". وأضاف: "هذا النظام اسقطته أول مجموعة من الأولاد الذين كتبوا على الجدار "الشعب يريد اسقاط النظام" في حماة الأبيّة".
وإذ كشف عن أنّه "تمّ اعتقال ناشط محمد الوزير عضو في المجلس الاعلى للثورة السوريّة وهو عضو في المجلس الوطني السوري"، قال إدلبي "الجامعة العربية التي ذهبت اليوم الى قبول مبادرة أتمنى ان يكون السؤال عن هذا المناضل والشاب الثائر في طليعة الأسئلة إلى اركان النظام واجهزته الامنيّة". وأضاف: "بمناسبة التوقيع على بروتوكول التعاون ومنذ إعلان النظام عن قبول المبادرة العربية سقط منذ ذلك الوقت 137 شهيدًا نسمّيهم "شهداء الموافقة على البروتوكول"، ومن بين هؤلاء الشهداء ستون شهيدًا هم طفلة و29 سيدة و39 ماتوا تحت التعذيب وهذه حقائق نضعها حتى تتصرّف الجامعة وأن لا تمنح النظام مزيدًا من الوقت لقتل شبابنا الثائر
الدعوة السلفية: نحتاج إلى طمأنة المتخوفين من مشاركتنا السياسية
علي عبدالعال
قال الشيخ علي حاتم -المتحدث الرسمي باسم مجلس إدارة الدعوة السلفية- إننا نحتاج إلى طمأنة المتخوفين من مشاركتنا في العمل السياسي ممن لم يؤيدنا، ولا يعرف حقيقة دعوتنا، مضيفا: أن هذا يستلزم مد الجسور بيننا وبينهم، على أن تكون البداية من طرفنا، خاصة وأن هؤلاء خليط كبير من البشر، له احتياجاته ومصالحه، ويبحث عمن يخاطب مشاعره، وله درجته من التدين، ويحتاج من يأخذ بيده، ويصبر على تعليمه، ويرفق به.
وفي رسالة وجهها إلى الفائزين في الانتخابات من مرشحي حزب "النور" قال الداعية السلفي: إن النجاح الذي حققه الحزب ينبغي ألا يشغلنا عن التعرف على أخطائنا وعيوبنا، وإدراك سبل علاجها وتلافيها في المستقبل، وإزالة آثارها قبل الدخول في معترك جديد وهي تصحبنا كما هي؛ لئلا تؤثر على عملنا الحزبي والدعوي.
وقال الشيخ حاتم ـ وهو عضو مجلس شورى الدعوة السلفية ـ لقد دخلنا عالم السياسة ونحن نعلم ما فيه من تجاوزات تعارف الناس عليها من قديم، ولكننا دخلنا عالم السياسة؛ لنطهره مما فيه، وأضاف: مَن أيَّدنا ومنحنا صوته يتوقع منا ذلك، ويثق في قدرتنا على تحقيقه، وتابع: علينا أن نسعى جاهدين بلا تقصير أو تفريط في تحقيق المرجو من دخولنا في عالم السياسة، فلا نقابل إساءات الآخرين بإساءات منا، ولا نواجه تجاوزات الآخرين بتجاوزات مماثلة، وإذا دخلنا معهم في مناقشات فلا نحتد عليهم ولا نوسع هوة الخلاف معهم، ونلتزم بأخلاق الإسلام وآدابه، مع الحرص على الإقناع والبيان وإقامة الحجة.
واعتبر حاتم وجود هذا العدد الكبير من مرشَّحي "حزب النور" في مجلس الشعب يعكس مدى ثقة الجماهير في "الدعوة السلفية" وحزبها مع أنها أول مشاركة للحزب في الانتخابات. ودلل على ذلك بأن هذه النتيجة جاءت على بالرغم من كل الحملات الدعائية ضد السلفيين عامة والدعوة السلفية خاصة، والتي سبقت وصاحبت وتبعت الجولة الأولى من الانتخابات من الإعلام المغرض: المرئي، والمسموع، والمكتوب
ونبه القيادي السلفي إلى أن البرلمان القادم سيتحمل مسئولية وضع دستور البلاد، وإعادة بناء الدولة، والخروج بها مما هي فيه من أوضاع متردية. وقال إن هذا يتطلب الكثير من الجهد، والعمل الدءوب والمثابرة، خاصة في توضيح المنهج الإسلامي المستمد من الكتاب والسنة في بناء الدولة في الإسلام، والتعرف على القدر المتاح والممكن في ضوء ظروفنا الحالية وواقعنا الحاضر، مع الأخذ في الاعتبار السبل الممهدة لتحقيق ما لا يمكننا حاليًا تحقيقه، ورأى أن هذا ليس من باب التدرج في التطبيق بقدر ما هو إتيان ما في الوسع والطاقة، وقال "كلما أمكن تطبيق أمر؛ أدخلناه في حيز التطبيق حتى يأذن الله -تعالى- بكمال تطبيق شرعه".
كما توقع الشيخ السلفي أن يضم المجلس القادم "اتجاهات عديدة متباينة، منها: ما يحمل العداء السافر للتيار الإسلامي. ومنها: ما يحمل فكرًا تبناه من الفكر الغربي وتربى عليه، ويراه منهجًا للإصلاح على ما فيه. ومنها: من له أهداف ومصالح وأطماع يسعى لتنفيذها، لا يراعي فيها مصلحة الأمة والوطن". مشيرا إلى أن كل هذه الأطياف تتطلب أن يبذل النواب السلفيون مزيدا من الجهد والعمل الدءوب والمثابرة، خاصة في توضيح المنهج الإسلامي المستمد من الكتاب والسنة في بناء الدولة في الإسلام.
وأيضا ما يلزم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإرشاد والنصح والتوجيه، وبيان ما يحتاج إلى بيان من أحكام الشرع، والدلالة عليها، وإظهار مقاصد الشرع ومحاسنه في كل ما أمر به أو نهى عنه، والرد على شبهات المخالفين، والتصدي لألاعيب وافتراءات أهل الأهواء الذين ستظهر نواياهم من خلال ما يعرضونه من أفكار وآراء يريدون بها فتح أبواب الفساد والإفساد على الأمة.
وقال إن كل ذلك يحتاج إلى التعامل معه بالحكمة والموعظة الحسنة بعيدًا عن الشدة والعنف، وفق ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الشرع، فيكون لكل مخاطب منا يناسبه أخذًا بالأسباب، والهداية والتوفيق من عند الله -تعالى-.واستدل الشيخ بقول الله -تعالى- لنبيه -صلى الله عليه وسلم- معلمًا للأمة في شخص النبي: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) (آل عمران:159).
ووضع الشيخ علي حاتم أمام النواب السلفيين أعمال كبيرة عليهم أن ينجزوها، مثل: الدخول في مناقشة دستور البلاد وسن القوانين الجديدة، ومراجعة التركة الموروثة من القوانين السيئة التي وضعها النظام السابق، والأخذ بما يصحح من أوضاع الأمة ويخرجها من أزمتها الحالية. وقال إن ذلك يستدعي من كل نائب تم اختياره من حزب النور "أن يسارع بإعداد نفسه لذلك"، كما يتطلب من الحزب "التعجيل بتهيئة نوابه المختارين لهذه المهمة الخطيرة تهيئة مناسبة". خاصة وأن الجماهير العريضة تتطلع إلى رؤية أداء نواب الحزب، وأن أعداء الدعوة على اختلاف مشاربهم يتربصون بهم، فهي مرحلة دقيقة وحرجة في حسابات الأمة والدعوة، لا نقول: لا تحتمل الخطأ، فالخطأ من البشر وارد، ولكن ينبغي تفادي الأخطاء والإقلال منها بقدر الاستطاعة، وسرعة معالجة ما يقع منها إن وقع، وفي الوقت المناسب بدون تأخير.
وتابع أن هذا يحتاج إلى بصيرة وعلم، وتدبر وحكمة، وهمة وعزيمة، وأخذ بالأسباب، وتجرد للحق، وتحمل للمسئولية، وقبل ذلك وبعده إخلاص لله -تعالى-؛ ليوفقنا إلى الاجتهاد الصائب الذي يضع الحق في نصابه. وقال حاتم: إننا ما زلنا نحتاج إلى الكثير والكثير من الوقت لاستخراج ما عندنا من الكفايات والطاقات وزيادة الإمكانيات، وتوظيفها في أماكنها المناسبة، وحسن الاستفادة منها.
وأضاف: علينا بعد ذلك أن نحذر من الفشل ما استطعنا؛ حتى لا تضيع منا فرصة الإصلاح الذي نتمناه، فيشمت فينا من يشمت، ويتعلل بفشلنا من يتعلل أمام من يحاول إعادة التجربة بعدنا. وأنهى رسالته إلى نواب الحزب قائلا: وعلى أي فستبقى لنا دعوتنا، نحافظ على حريتنا في ممارستها ونعمل من خلالها، فهي الأساس الذي بدأنا منه، ونبني عليه، ونضيف إليه، وما زلنا نتمسك به، بل ما عملنا بالسياسة وشاركنا فيها إلا لكوننا نتطلع إلى نجاح فيها يكون رافدًا من روافد هذه الدعوة، يقويها، ويحولها من دعوة عملت فيما مضى لبناء الفرد المسلم إلى دعوة تعمل كذلك لبناء المجتمع المسلم بقدر المتاح على كتاب الله -تعالى-، وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وفهم سلفنا الصالح.
قال الشيخ علي حاتم -المتحدث الرسمي باسم مجلس إدارة الدعوة السلفية- إننا نحتاج إلى طمأنة المتخوفين من مشاركتنا في العمل السياسي ممن لم يؤيدنا، ولا يعرف حقيقة دعوتنا، مضيفا: أن هذا يستلزم مد الجسور بيننا وبينهم، على أن تكون البداية من طرفنا، خاصة وأن هؤلاء خليط كبير من البشر، له احتياجاته ومصالحه، ويبحث عمن يخاطب مشاعره، وله درجته من التدين، ويحتاج من يأخذ بيده، ويصبر على تعليمه، ويرفق به.
وفي رسالة وجهها إلى الفائزين في الانتخابات من مرشحي حزب "النور" قال الداعية السلفي: إن النجاح الذي حققه الحزب ينبغي ألا يشغلنا عن التعرف على أخطائنا وعيوبنا، وإدراك سبل علاجها وتلافيها في المستقبل، وإزالة آثارها قبل الدخول في معترك جديد وهي تصحبنا كما هي؛ لئلا تؤثر على عملنا الحزبي والدعوي.
وقال الشيخ حاتم ـ وهو عضو مجلس شورى الدعوة السلفية ـ لقد دخلنا عالم السياسة ونحن نعلم ما فيه من تجاوزات تعارف الناس عليها من قديم، ولكننا دخلنا عالم السياسة؛ لنطهره مما فيه، وأضاف: مَن أيَّدنا ومنحنا صوته يتوقع منا ذلك، ويثق في قدرتنا على تحقيقه، وتابع: علينا أن نسعى جاهدين بلا تقصير أو تفريط في تحقيق المرجو من دخولنا في عالم السياسة، فلا نقابل إساءات الآخرين بإساءات منا، ولا نواجه تجاوزات الآخرين بتجاوزات مماثلة، وإذا دخلنا معهم في مناقشات فلا نحتد عليهم ولا نوسع هوة الخلاف معهم، ونلتزم بأخلاق الإسلام وآدابه، مع الحرص على الإقناع والبيان وإقامة الحجة.
واعتبر حاتم وجود هذا العدد الكبير من مرشَّحي "حزب النور" في مجلس الشعب يعكس مدى ثقة الجماهير في "الدعوة السلفية" وحزبها مع أنها أول مشاركة للحزب في الانتخابات. ودلل على ذلك بأن هذه النتيجة جاءت على بالرغم من كل الحملات الدعائية ضد السلفيين عامة والدعوة السلفية خاصة، والتي سبقت وصاحبت وتبعت الجولة الأولى من الانتخابات من الإعلام المغرض: المرئي، والمسموع، والمكتوب
ونبه القيادي السلفي إلى أن البرلمان القادم سيتحمل مسئولية وضع دستور البلاد، وإعادة بناء الدولة، والخروج بها مما هي فيه من أوضاع متردية. وقال إن هذا يتطلب الكثير من الجهد، والعمل الدءوب والمثابرة، خاصة في توضيح المنهج الإسلامي المستمد من الكتاب والسنة في بناء الدولة في الإسلام، والتعرف على القدر المتاح والممكن في ضوء ظروفنا الحالية وواقعنا الحاضر، مع الأخذ في الاعتبار السبل الممهدة لتحقيق ما لا يمكننا حاليًا تحقيقه، ورأى أن هذا ليس من باب التدرج في التطبيق بقدر ما هو إتيان ما في الوسع والطاقة، وقال "كلما أمكن تطبيق أمر؛ أدخلناه في حيز التطبيق حتى يأذن الله -تعالى- بكمال تطبيق شرعه".
كما توقع الشيخ السلفي أن يضم المجلس القادم "اتجاهات عديدة متباينة، منها: ما يحمل العداء السافر للتيار الإسلامي. ومنها: ما يحمل فكرًا تبناه من الفكر الغربي وتربى عليه، ويراه منهجًا للإصلاح على ما فيه. ومنها: من له أهداف ومصالح وأطماع يسعى لتنفيذها، لا يراعي فيها مصلحة الأمة والوطن". مشيرا إلى أن كل هذه الأطياف تتطلب أن يبذل النواب السلفيون مزيدا من الجهد والعمل الدءوب والمثابرة، خاصة في توضيح المنهج الإسلامي المستمد من الكتاب والسنة في بناء الدولة في الإسلام.
وأيضا ما يلزم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإرشاد والنصح والتوجيه، وبيان ما يحتاج إلى بيان من أحكام الشرع، والدلالة عليها، وإظهار مقاصد الشرع ومحاسنه في كل ما أمر به أو نهى عنه، والرد على شبهات المخالفين، والتصدي لألاعيب وافتراءات أهل الأهواء الذين ستظهر نواياهم من خلال ما يعرضونه من أفكار وآراء يريدون بها فتح أبواب الفساد والإفساد على الأمة.
وقال إن كل ذلك يحتاج إلى التعامل معه بالحكمة والموعظة الحسنة بعيدًا عن الشدة والعنف، وفق ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الشرع، فيكون لكل مخاطب منا يناسبه أخذًا بالأسباب، والهداية والتوفيق من عند الله -تعالى-.واستدل الشيخ بقول الله -تعالى- لنبيه -صلى الله عليه وسلم- معلمًا للأمة في شخص النبي: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) (آل عمران:159).
ووضع الشيخ علي حاتم أمام النواب السلفيين أعمال كبيرة عليهم أن ينجزوها، مثل: الدخول في مناقشة دستور البلاد وسن القوانين الجديدة، ومراجعة التركة الموروثة من القوانين السيئة التي وضعها النظام السابق، والأخذ بما يصحح من أوضاع الأمة ويخرجها من أزمتها الحالية. وقال إن ذلك يستدعي من كل نائب تم اختياره من حزب النور "أن يسارع بإعداد نفسه لذلك"، كما يتطلب من الحزب "التعجيل بتهيئة نوابه المختارين لهذه المهمة الخطيرة تهيئة مناسبة". خاصة وأن الجماهير العريضة تتطلع إلى رؤية أداء نواب الحزب، وأن أعداء الدعوة على اختلاف مشاربهم يتربصون بهم، فهي مرحلة دقيقة وحرجة في حسابات الأمة والدعوة، لا نقول: لا تحتمل الخطأ، فالخطأ من البشر وارد، ولكن ينبغي تفادي الأخطاء والإقلال منها بقدر الاستطاعة، وسرعة معالجة ما يقع منها إن وقع، وفي الوقت المناسب بدون تأخير.
وتابع أن هذا يحتاج إلى بصيرة وعلم، وتدبر وحكمة، وهمة وعزيمة، وأخذ بالأسباب، وتجرد للحق، وتحمل للمسئولية، وقبل ذلك وبعده إخلاص لله -تعالى-؛ ليوفقنا إلى الاجتهاد الصائب الذي يضع الحق في نصابه. وقال حاتم: إننا ما زلنا نحتاج إلى الكثير والكثير من الوقت لاستخراج ما عندنا من الكفايات والطاقات وزيادة الإمكانيات، وتوظيفها في أماكنها المناسبة، وحسن الاستفادة منها.
وأضاف: علينا بعد ذلك أن نحذر من الفشل ما استطعنا؛ حتى لا تضيع منا فرصة الإصلاح الذي نتمناه، فيشمت فينا من يشمت، ويتعلل بفشلنا من يتعلل أمام من يحاول إعادة التجربة بعدنا. وأنهى رسالته إلى نواب الحزب قائلا: وعلى أي فستبقى لنا دعوتنا، نحافظ على حريتنا في ممارستها ونعمل من خلالها، فهي الأساس الذي بدأنا منه، ونبني عليه، ونضيف إليه، وما زلنا نتمسك به، بل ما عملنا بالسياسة وشاركنا فيها إلا لكوننا نتطلع إلى نجاح فيها يكون رافدًا من روافد هذه الدعوة، يقويها، ويحولها من دعوة عملت فيما مضى لبناء الفرد المسلم إلى دعوة تعمل كذلك لبناء المجتمع المسلم بقدر المتاح على كتاب الله -تعالى-، وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وفهم سلفنا الصالح.
التحول الكبير: ولاية المتغلّب استنفدت أغراضها
خالد الدخيل -- كاتب وأكاديمي سعودي
نبدأ بالسؤال البديهي مباشرة: ما هي ولاية المتغلب؟ هي نظرية أهل السنّة في الحكم، وفي كيفية تداول السلطة. وهي نظرية واقعية مفرطة في واقعيتها، خصوصاً في ضيق الزاوية التي تنظر من خلالها إلى هذا الواقع. أصحاب هذه النظرية هم الفقهاء، أو أساطين الفكر الديني. والفكرة الرئيسية لنظريتهم في الحكم واضحة ومباشرة: إضفاء المشروعية الدينية على عامل القوة والغلبة في الاستيلاء على السلطة، مع تجاهل شبه كامل لكل العوامل الأخرى في واقع المجتمع، وأبرزها عامل اختيار الأمة وقبولها لمن يتولى السلطة عليها. ربما أن الفقهاء لم يختاروا طوعاً استبعاد آلية اختيار الحاكم تماماً، وإنما خضعوا للواقع الاجتماعي للسلطة السياسية. وقد سهل عليهم ذلك سكوت القرآن، النص الأول والمؤسس، عن موضوع الحكم، وطريقة تداوله في المجتمع الإسلامي. وقد اشترط الفقهاء على سلطة المتغلب التزام صاحبها بتطبيق الشرع، وأوامر الدين ونواهيه. لكن كيف يمكن تحقيق ذلك خارج إطار ومقتضيات التحالف السياسي بين الاثنين؟ والدافع الأهم وراء موقف الفقهاء هذا هو، كما يقال في الأدبيات، درء الفتنة. وذلك لأن الاعتراف بعامل اختيار الحاكم (ولي الأمر) يحمل معه في الثقافة السياسية العربية مخاطر الاختلاف، وفتنة الصراع. وعليه، وقطعاً لدابر هذه الفتنة من أصلها، كان في نظر الفقهاء لا بد من قبول الأمر الواقع القائم على القهر والغلبة، أو مقتضيات توازنات القوة في المجتمع، بغض النظر عن أية عوامل أخرى، أخلاقية، أو سياسية أو اقتصادية، أو اجتماعية. في هذا الإطار تبدو نظرية ابن خلدون عن الدولة الإسلامية بأنها نوع من التفسير لبروز ولاية المتغلب، وفرضها لنفسها على التاريخ، وأنها تعبير مباشر وأمين لبنية المجتمع العربي الذي ترتكز توازنات القوة فيه إلى العصبية. وقد ذهب هذا المؤرخ إلى حد القول بأنه حتى «الدعوة الدينية من غير عصبية لا تتم»، مستشهداً بالحديث الصحيح «ما بعث الله نبياً إلا في منعة من قومه».
هيمنت نظرية ولاية المتغلب على المشهد السياسي العربي منذ الدولة الأموية وحتى أيامنا هذه، وإن بصيغ وأشكال مختلفة للدولة تبعاً للمرحلة التاريخية التي تنتمي إليها. مع بداية الربيع العربي أواخر العام الماضي بدأت التجربة السياسية العربية تأخذ منحى مختلفاً بعيداً عن هذه النظرية، ولصالح نظرية، أو نظريات أخرى تقطع مع الموروث الفقهي لنظرية الدولة، ومع ولاية المتغلب تحديداً. في هذا السياق تعتمل ثلاثة تطورات تمثل معاً مؤشراً واضحاً على هذا التحول السياسي الذي يمر به العالم العربي هذه الأيام. هذه المؤشرات هي: تزامن موجة الثورات الشعبية العربية بشكل متتابع في خمس دول عربية. المؤشر الثاني، هو فوز الإسلام السياسي، خصوصاً جماعات «الإخوان المسلمين»، في الانتخابات البرلمانية التي أعقبت نجاح الثورة في إسقاط رأس النظام، وفرض مسار التغير السياسي المنشود من خلال صندوق الاقتراع. وبإعلان فوز حزب الحرية والعدالة (الذراع السياسية لـ «الإخوان»)، وحزب «النور» السلفي بأكبر نسبة من الأصوات في أول انتخابات برلمانية حقيقية في تاريخ مصر، يتشكل الآن هلال من الإسلام السياسي يمتد من تونس إلى مصر. ربما أن هذا الفوز للإسلام السياسي يقلق البعض، لكن هذا الفوز جاء بآليات ديموقراطية، وبحرية اختيار واضحة، وبالتالي يجب الاعتراف بشرعيته، والاطمئنان إليه، خصوصاً لأن الفائز هنا هو الإسلام السياسي، وليس أي تيار آخر.
هنا تأتي أهمية التطور الثالث، وهو صدور وثيقتين عن الجامع الأزهر في مصر وسط الجدل السياسي الذي احتدم هناك حول طبيعة الدولة التي يجب أن تقوم في مصر في أعقاب تنحي الرئيس حسني مبارك. فبما أن الثورات الشعبية العربية هي ثورة على الاستبداد، فإنها لا يمكن أن تكون كذلك، من دون أن تكون أيضاً ثورة على الفكر السياسي الذي كان الاستبداد يستظل بظله. ووثيقة الأزهر الأخيرة هي أوضح تعبير عما يمكن أن يكون بداية لهذه الثورة الفكرية، لأنها تمثل استجابة الفكر الديني للتحول السياسي الذي اجترحته ثورات الربيع العربي. وهي وثيقة أجمع أبرز مثقفي مصر على اختلاف انتماءاتهم الفكرية مع عدد من كبار العلماء والمفكرين في الأزهر، لتكون وثيقة استرشادية عند كتابة الدستور بعد إتمام الانتخابات البرلمانية. ماذا تقول هذه الوثيقة؟ تشمل الوثيقة 11 بنداً أجمع عليها الموقعون. من أهمها «تأسيس الدولة الوطنية الدستورية الديموقراطية الحديثة»، و «اعتماد النظام الديموقراطي القائم على الانتخاب الحر المباشر» كآلية لتداول السلطة، و «الالتزام بمنظومة الحريات الأساسية في الفكر والرأي». ومع أن الوثيقة أكدت أن سلطة التشريع في الدولة الجديدة يجب أن تتوافق مع «المفهوم الإسلامي الصحيح»، وهذه جملة واسعة في معناها، ومفتوحة في دلالاتها، إلا أن تبني الوثيقة بكليتها يعتبر تحولاً فكرياً كبيراً من الأزهر كمؤسسة دينية، ومن «الإخوان» الذين كانوا يرفضون فكرة الديموقراطية، ويدعون إلى دولة الخلافة.
تعتبر الوثيقة بهذا المعنى أول وثيقة سياسية صادرة عن واحدة من أكبر المؤسسات الدينية في العالم العربي لا تعترف بمشروعية الثورة التي أرغمت الرئيس (ولي الأمر) على التنحي وحسب، بل تؤسس فكرياً لانتهاء صلاحية نظرية ولاية المتغلب، وأنها استنفدت أغراضها، وتجاوزها الزمن، ولم تعد مقبولة لا شرعياً ولا سياسياً في هذا العصر. وقد ذهب الأزهر أبعد من ذلك لتأكيد تخليه عن هذه النظرية عندما أصدر وثيقة أخرى اتفقت على مواثيقها الستة المجموعة نفسها التي توافقت على الوثيقة الأولى. وأبرز ما جاء في الوثيقة الثانية قولها أن شرعية السلطة الحاكمة من الوجهة الدينية والدستورية «على رضا الشُّعوب، واختيارها الحرّ، من خلال اقتراع عَلَنِي يَتمُّ في نزاهة وشفافية ديموقراطية، باعتباره البديل العصري المنظِّم لما سبقت به تقاليد البَيْعَة الإسلامية الرّشيدة». في هذا النص تخلّ كامل عن الإرث السياسي الإسلامي الذي حدد تولي السلطة بثلاث طرق هي: «بيعة أهل الحل والعقد، أو الاستخلاف، أو بالقوة والغلب». واللافت أن الوثيقة تعتبر ذلك الإرث من «التقاليد» التي حان وقت تجاوزها، وأنها ليست من موجبات الشريعة وملزماتها. بعد ذلك تتحدث عن ولاية المتغلب بشكل مباشر، وإن بصيغة تبرر ما كانت عليه هذه النظرية، عندما تقول: «ومن قال من فقهائنا بوجوب الصبر على المتغلب المستبد من الحكام حرصاً على سلامة الأمة من الفوضى والهرج والمرج، فقد أجاز في الوقت نفسه عزل المستبد الظالم إذا تحققت القدرة على ذلك، وانتفى احتمال الضرر والإضرار بسلامة الأمة ومجتمعاتها». لكن الوثيقة تقرر بعد ذلك من دون لبس بأن الأزهر ترك هذه النظرية، إذ تنص على أن «مواجهة أي احتجاج وطني سِلمي بالقوّة والعُنفِ المسلَّح (تعد) نقضاً لميثاق الحكْم بين الأمّة وحكّامها، (و) إذا تمادتِ السُّلطةُ في طُغيانها، واستهانت بإراقة دِماء المواطنينَ الأبرياء، حِفاظاً على بقائها غير المشروع، أصبح من حق الشعوب المقهورة أن تعمل على عزل الحكام المتسلطين وعلى محاسبتهم، بل تغيير النِّظام بأكمله، مهما كانت المعاذير...»، ثم تضيف: «فانتهاكُ حرمة الدَّم المعصوم هو الخطّ الفاصل بين شرعية الحكم وسقوطه في الإثم والعدوان». بعبارة أخرى، أسقط الأزهر مبدأ «عدم جواز الخروج على ولي الأمر» حتى ولو كان ظالماً أو فاجراً، ومعه أسقط شرعية تغلب الشوكة وقهرها كوسيلة لتولي السلطة، واستبدلها بشرعية الاقتراع، ورضا الشعوب وحريتها في الاختيار.
ماذا يعني ذلك؟ إذا أخذنا تطورات أحداث الربيع العربي، بما فيها التحول الفكري في موقف الأزهر كممثل رئيس للفكر الديني، وانتظام حركات الإسلام السياسي في هذا التحول، فإنه يؤكد أن مسار التغير السياسي للمجتمعات عبر حقب التاريخ، ومراحل الخلاف والصراع المتتابعة بين القوى الفاعلة فيه، يتجه، بشكل تدريجي وتراكمي أحياناً، أو طفرة تاريخية في عنفها أحياناً أخرى، نحو تأكيد الاختلاف والتعددية بدل أحادية الرأي، وتداول السلطة بدل الاستبداد بها، ونحو الاعتراف بحق الحرية للجميع بدل أن تستأثر بهذا الحق فئة من دون أخرى. بعبارة أخرى، يتجه مسار التغير الاجتماعي للإنسان بشكل تصاعدي ومستمر نحو المزيد من العقلانية. ومن حيث أن المحرك الأساسي للتاريخ في مساره هذا هو صراع القوى الفاعلة فيه، فإنه لا يتبع خطاً مستقيماً واحداً من دون تعرجات. التاريخ العربي، كما تاريخ الأمم الأخرى، يؤكد ذلك. وبالتالي إذا كان التغير حتمية تاريخية، فإن التغير في هذا الاتجاه التراكمي هو الآخر حتمية أخرى، وإن عبر تعرجات وانكسارات، وانحسارات متتالية أو متقطعة، وبأكلاف باهظة أحياناً لمجتمعات أو أمم من دون أخرى. بهذا المعنى، يبقى التاريخ في جوهره حركة متصلة تبعاً للعلاقة الجدلية بين القوى الفاعلة فيه، والطبيعة التي تأخذها هذه العلاقة من مرحلة تاريخية لأخرى، ومن مجتمع لآخر. وما الربيع العربي بتحولاته إلا امتداد طبيعي لهذا التاريخ. وإذا كان هذا التحول قد أفضى إلى وضع حد لصلاحية ولاية المتغلب، وبما أن هذه النظرية تستند إلى العصبية، فإنه يعني أيضاً وضع حد لصلاحية نظرية ابن خلدون عن الدولة.
نبدأ بالسؤال البديهي مباشرة: ما هي ولاية المتغلب؟ هي نظرية أهل السنّة في الحكم، وفي كيفية تداول السلطة. وهي نظرية واقعية مفرطة في واقعيتها، خصوصاً في ضيق الزاوية التي تنظر من خلالها إلى هذا الواقع. أصحاب هذه النظرية هم الفقهاء، أو أساطين الفكر الديني. والفكرة الرئيسية لنظريتهم في الحكم واضحة ومباشرة: إضفاء المشروعية الدينية على عامل القوة والغلبة في الاستيلاء على السلطة، مع تجاهل شبه كامل لكل العوامل الأخرى في واقع المجتمع، وأبرزها عامل اختيار الأمة وقبولها لمن يتولى السلطة عليها. ربما أن الفقهاء لم يختاروا طوعاً استبعاد آلية اختيار الحاكم تماماً، وإنما خضعوا للواقع الاجتماعي للسلطة السياسية. وقد سهل عليهم ذلك سكوت القرآن، النص الأول والمؤسس، عن موضوع الحكم، وطريقة تداوله في المجتمع الإسلامي. وقد اشترط الفقهاء على سلطة المتغلب التزام صاحبها بتطبيق الشرع، وأوامر الدين ونواهيه. لكن كيف يمكن تحقيق ذلك خارج إطار ومقتضيات التحالف السياسي بين الاثنين؟ والدافع الأهم وراء موقف الفقهاء هذا هو، كما يقال في الأدبيات، درء الفتنة. وذلك لأن الاعتراف بعامل اختيار الحاكم (ولي الأمر) يحمل معه في الثقافة السياسية العربية مخاطر الاختلاف، وفتنة الصراع. وعليه، وقطعاً لدابر هذه الفتنة من أصلها، كان في نظر الفقهاء لا بد من قبول الأمر الواقع القائم على القهر والغلبة، أو مقتضيات توازنات القوة في المجتمع، بغض النظر عن أية عوامل أخرى، أخلاقية، أو سياسية أو اقتصادية، أو اجتماعية. في هذا الإطار تبدو نظرية ابن خلدون عن الدولة الإسلامية بأنها نوع من التفسير لبروز ولاية المتغلب، وفرضها لنفسها على التاريخ، وأنها تعبير مباشر وأمين لبنية المجتمع العربي الذي ترتكز توازنات القوة فيه إلى العصبية. وقد ذهب هذا المؤرخ إلى حد القول بأنه حتى «الدعوة الدينية من غير عصبية لا تتم»، مستشهداً بالحديث الصحيح «ما بعث الله نبياً إلا في منعة من قومه».
هيمنت نظرية ولاية المتغلب على المشهد السياسي العربي منذ الدولة الأموية وحتى أيامنا هذه، وإن بصيغ وأشكال مختلفة للدولة تبعاً للمرحلة التاريخية التي تنتمي إليها. مع بداية الربيع العربي أواخر العام الماضي بدأت التجربة السياسية العربية تأخذ منحى مختلفاً بعيداً عن هذه النظرية، ولصالح نظرية، أو نظريات أخرى تقطع مع الموروث الفقهي لنظرية الدولة، ومع ولاية المتغلب تحديداً. في هذا السياق تعتمل ثلاثة تطورات تمثل معاً مؤشراً واضحاً على هذا التحول السياسي الذي يمر به العالم العربي هذه الأيام. هذه المؤشرات هي: تزامن موجة الثورات الشعبية العربية بشكل متتابع في خمس دول عربية. المؤشر الثاني، هو فوز الإسلام السياسي، خصوصاً جماعات «الإخوان المسلمين»، في الانتخابات البرلمانية التي أعقبت نجاح الثورة في إسقاط رأس النظام، وفرض مسار التغير السياسي المنشود من خلال صندوق الاقتراع. وبإعلان فوز حزب الحرية والعدالة (الذراع السياسية لـ «الإخوان»)، وحزب «النور» السلفي بأكبر نسبة من الأصوات في أول انتخابات برلمانية حقيقية في تاريخ مصر، يتشكل الآن هلال من الإسلام السياسي يمتد من تونس إلى مصر. ربما أن هذا الفوز للإسلام السياسي يقلق البعض، لكن هذا الفوز جاء بآليات ديموقراطية، وبحرية اختيار واضحة، وبالتالي يجب الاعتراف بشرعيته، والاطمئنان إليه، خصوصاً لأن الفائز هنا هو الإسلام السياسي، وليس أي تيار آخر.
هنا تأتي أهمية التطور الثالث، وهو صدور وثيقتين عن الجامع الأزهر في مصر وسط الجدل السياسي الذي احتدم هناك حول طبيعة الدولة التي يجب أن تقوم في مصر في أعقاب تنحي الرئيس حسني مبارك. فبما أن الثورات الشعبية العربية هي ثورة على الاستبداد، فإنها لا يمكن أن تكون كذلك، من دون أن تكون أيضاً ثورة على الفكر السياسي الذي كان الاستبداد يستظل بظله. ووثيقة الأزهر الأخيرة هي أوضح تعبير عما يمكن أن يكون بداية لهذه الثورة الفكرية، لأنها تمثل استجابة الفكر الديني للتحول السياسي الذي اجترحته ثورات الربيع العربي. وهي وثيقة أجمع أبرز مثقفي مصر على اختلاف انتماءاتهم الفكرية مع عدد من كبار العلماء والمفكرين في الأزهر، لتكون وثيقة استرشادية عند كتابة الدستور بعد إتمام الانتخابات البرلمانية. ماذا تقول هذه الوثيقة؟ تشمل الوثيقة 11 بنداً أجمع عليها الموقعون. من أهمها «تأسيس الدولة الوطنية الدستورية الديموقراطية الحديثة»، و «اعتماد النظام الديموقراطي القائم على الانتخاب الحر المباشر» كآلية لتداول السلطة، و «الالتزام بمنظومة الحريات الأساسية في الفكر والرأي». ومع أن الوثيقة أكدت أن سلطة التشريع في الدولة الجديدة يجب أن تتوافق مع «المفهوم الإسلامي الصحيح»، وهذه جملة واسعة في معناها، ومفتوحة في دلالاتها، إلا أن تبني الوثيقة بكليتها يعتبر تحولاً فكرياً كبيراً من الأزهر كمؤسسة دينية، ومن «الإخوان» الذين كانوا يرفضون فكرة الديموقراطية، ويدعون إلى دولة الخلافة.
تعتبر الوثيقة بهذا المعنى أول وثيقة سياسية صادرة عن واحدة من أكبر المؤسسات الدينية في العالم العربي لا تعترف بمشروعية الثورة التي أرغمت الرئيس (ولي الأمر) على التنحي وحسب، بل تؤسس فكرياً لانتهاء صلاحية نظرية ولاية المتغلب، وأنها استنفدت أغراضها، وتجاوزها الزمن، ولم تعد مقبولة لا شرعياً ولا سياسياً في هذا العصر. وقد ذهب الأزهر أبعد من ذلك لتأكيد تخليه عن هذه النظرية عندما أصدر وثيقة أخرى اتفقت على مواثيقها الستة المجموعة نفسها التي توافقت على الوثيقة الأولى. وأبرز ما جاء في الوثيقة الثانية قولها أن شرعية السلطة الحاكمة من الوجهة الدينية والدستورية «على رضا الشُّعوب، واختيارها الحرّ، من خلال اقتراع عَلَنِي يَتمُّ في نزاهة وشفافية ديموقراطية، باعتباره البديل العصري المنظِّم لما سبقت به تقاليد البَيْعَة الإسلامية الرّشيدة». في هذا النص تخلّ كامل عن الإرث السياسي الإسلامي الذي حدد تولي السلطة بثلاث طرق هي: «بيعة أهل الحل والعقد، أو الاستخلاف، أو بالقوة والغلب». واللافت أن الوثيقة تعتبر ذلك الإرث من «التقاليد» التي حان وقت تجاوزها، وأنها ليست من موجبات الشريعة وملزماتها. بعد ذلك تتحدث عن ولاية المتغلب بشكل مباشر، وإن بصيغة تبرر ما كانت عليه هذه النظرية، عندما تقول: «ومن قال من فقهائنا بوجوب الصبر على المتغلب المستبد من الحكام حرصاً على سلامة الأمة من الفوضى والهرج والمرج، فقد أجاز في الوقت نفسه عزل المستبد الظالم إذا تحققت القدرة على ذلك، وانتفى احتمال الضرر والإضرار بسلامة الأمة ومجتمعاتها». لكن الوثيقة تقرر بعد ذلك من دون لبس بأن الأزهر ترك هذه النظرية، إذ تنص على أن «مواجهة أي احتجاج وطني سِلمي بالقوّة والعُنفِ المسلَّح (تعد) نقضاً لميثاق الحكْم بين الأمّة وحكّامها، (و) إذا تمادتِ السُّلطةُ في طُغيانها، واستهانت بإراقة دِماء المواطنينَ الأبرياء، حِفاظاً على بقائها غير المشروع، أصبح من حق الشعوب المقهورة أن تعمل على عزل الحكام المتسلطين وعلى محاسبتهم، بل تغيير النِّظام بأكمله، مهما كانت المعاذير...»، ثم تضيف: «فانتهاكُ حرمة الدَّم المعصوم هو الخطّ الفاصل بين شرعية الحكم وسقوطه في الإثم والعدوان». بعبارة أخرى، أسقط الأزهر مبدأ «عدم جواز الخروج على ولي الأمر» حتى ولو كان ظالماً أو فاجراً، ومعه أسقط شرعية تغلب الشوكة وقهرها كوسيلة لتولي السلطة، واستبدلها بشرعية الاقتراع، ورضا الشعوب وحريتها في الاختيار.
ماذا يعني ذلك؟ إذا أخذنا تطورات أحداث الربيع العربي، بما فيها التحول الفكري في موقف الأزهر كممثل رئيس للفكر الديني، وانتظام حركات الإسلام السياسي في هذا التحول، فإنه يؤكد أن مسار التغير السياسي للمجتمعات عبر حقب التاريخ، ومراحل الخلاف والصراع المتتابعة بين القوى الفاعلة فيه، يتجه، بشكل تدريجي وتراكمي أحياناً، أو طفرة تاريخية في عنفها أحياناً أخرى، نحو تأكيد الاختلاف والتعددية بدل أحادية الرأي، وتداول السلطة بدل الاستبداد بها، ونحو الاعتراف بحق الحرية للجميع بدل أن تستأثر بهذا الحق فئة من دون أخرى. بعبارة أخرى، يتجه مسار التغير الاجتماعي للإنسان بشكل تصاعدي ومستمر نحو المزيد من العقلانية. ومن حيث أن المحرك الأساسي للتاريخ في مساره هذا هو صراع القوى الفاعلة فيه، فإنه لا يتبع خطاً مستقيماً واحداً من دون تعرجات. التاريخ العربي، كما تاريخ الأمم الأخرى، يؤكد ذلك. وبالتالي إذا كان التغير حتمية تاريخية، فإن التغير في هذا الاتجاه التراكمي هو الآخر حتمية أخرى، وإن عبر تعرجات وانكسارات، وانحسارات متتالية أو متقطعة، وبأكلاف باهظة أحياناً لمجتمعات أو أمم من دون أخرى. بهذا المعنى، يبقى التاريخ في جوهره حركة متصلة تبعاً للعلاقة الجدلية بين القوى الفاعلة فيه، والطبيعة التي تأخذها هذه العلاقة من مرحلة تاريخية لأخرى، ومن مجتمع لآخر. وما الربيع العربي بتحولاته إلا امتداد طبيعي لهذا التاريخ. وإذا كان هذا التحول قد أفضى إلى وضع حد لصلاحية ولاية المتغلب، وبما أن هذه النظرية تستند إلى العصبية، فإنه يعني أيضاً وضع حد لصلاحية نظرية ابن خلدون عن الدولة.
الخميس، 15 ديسمبر 2011
هاني فحص: كمال جنبلاط مات.. بل شُبّه لهم
كمال جنبلاط مات.. بل شُبّه لهم
لكم حيرني إلحاح وجيه من قريتي على الحديث مع والدي عن كمال جمبلاط. كلما كنا عائدين من دكان القرية، قبيل الغروب، الى بيوتنا، وأنا متعلق بذيل أبي خوفاً، من لا شيء، لم يكن في قرانا وقتها ما يخيف سوى الأفعى والضبع التي لم تقتل ولم تأكل أحداً.. وهناك دائماً خوف عميق من اسرائيل، والظالم، ثم حدث ما حدث ويحدث.. وصار الواحد منا يخاف من الآخر، جاره أو شقيقه، أكثر من الضبع.. أما الواوية والثعالب فقد (كانوا) حرامية لطفاء. ونشتاق إلى أصوات كورالهم الآن أكثر من الماضي.
وكان لي ترب يجيء من بيروت صيفاً من أجل التين والعنب وأعشاش العصافير، يعرف في الأخبار أكثر مني، ويتحدث كما سمع من جاره، عن كمال جنبلاط، وأنه نحيف جداً، ضعيف الجسد قوي العقل جداً، وعنيد جداً، ومحيِّر جداً، وإن بدا حائراً جداً.. ثابت مقيم على الزمان المطلق، على المطلق :« بأني أزل». «أنا المطلق».. متغير أكثر من المتغير، حيث يصبح المتغير حافظاً للثابت، ونسبي أكثر من النسبية، ومن أي نسبة، طالما أن النسبية هي شرط المطلق، والمقام الذي يستبين به المطلق لأنه يباينه، ليغدو المباين، المختلف، شرطاً وجودياً ومعرفياً لمباينه.. هذه تعبيراتي الآن عما فهمته قبل ستين سنة أو أكثر بقليل، من حديث تربي.. بعد عشرين سنة أو أكثر، عندما قرأت وسمعت ورأيت وبدأت أسأل، وحلمت بفلسطين والعدالة الاجتماعية والتقدم والحرية، وأنا على حذر شديد، ولأسباب (حوزوية) من أن أقول (اشتراكية) لأنها مربوطة بالإلحاد. ولكني في الفقراء، هنا وهناك، ومنهم، والنجف كحوزة، أكدت لي أن المسافات الطبقية مسلمة تاريخية، ولم تستطع تدجيني وإن لطفتني، مع حسن نيتي وميلي الى السلام، وعشقي للنجف والكوفة والبصرة، والعراق حتى كردستان.. وعندما سقطت أو زمّت أو انكشفت، احزاب الكادحين، بقي الكادحون يكدحون. صاروا يكدحون أكثر ويأكلون أقل. وهنا يحلو أن أنتظر كمال جمبلاط، ولكنه لا يأتي، قد يأتي وقد لا يأتي. وأنا لن أصبر طويلاً، لأن المنظور الطبقي لم يعد في وعيي مدخلاً مجدياً في حل المسألة، وصارت قناعتي أن التنوير (أي العصرنة) هي الحل.
الجذاب
في شبابي.. شدني كمال جنبلاط، شداً خفيفاً، كنت أخشى على إيماني، من أهل الأسئلة والقلق المعرفي، لا من أهل الأجوبة الإلحادية السهلة. ولا أرى ان الخلاص الأخروي، فضلاً عن الدنيوي، محصور بجماعتي المذهبية أو خياراتها العقدية.. وكنت حائراً- انتهت حيرتي- بهذه المليارات من البشر، كيف تذهب جميعها الى الجحيم، من دون تفريق بين صالح وطالح، أو بين مبدع ومجرم؟ وهو، كمال جنبلاط، الزعيم العالم، درزي، وأنا هاني فحص طالب العلم الآن وغداً والى الأبد، شيعي إثنا عشري. درزي دلف من الإثنا عشرية الى الإسماعيلية فوصل الى إخوان الصفا، ووجد في رسائلهم فضاء معرفياً مركباً، متعدد الآفاق والأمداء، يتعدد إذ يتوحد، ويتوحد إذ يتعدد.. وطار الى الهند جامعاً كل شيء في بقجة الحب، من دون أن يتخطى صين (لاوتسو) وما قبله وما بعده، عابراً حدود (الفتوحات المكية) مطلاً منها على بودا والطاو والشنتو وبراهما، كائناً كل شيء في لا شيء، الذي إمّا بلغته، وهداك الله، عرفت وعاينت الشيء في اللاشيء.. وعرفت الواحد في كثير مطابقاً لكثير في واحد..
وعندما تحرر كمال جنبلاط، أو تحرروا (رهطه الموحدون) بالطريقة، جانحين الى الحقيقة، ليدركوا وإن لم يصلوا، وظلوا في مسيس الحاجة الى أن يدركوا، لأن كل إدراك هو إغراء أو إلزام بإدراك آخر، وإلا ذوى، واتخذوا اسماً لهم من التوحيد.. وعاشوا، حائرين حيرة الذي يراود المعارف، قلقين قلق الباحث عن تعريف.. فمرة هنا ومرة هناك ومرة هنالك. وهم هنا دائماً، في هذا المشرق، المطرز بالثقافات والرسالات واللغات والهجرات والإبداعات والبدع والهرطقات والفلسفات واللوحات والأيقونات والشرائع والأساطير والخرافات والمعلقات، الذي- المشرق- ينتظر يومياً، شمساً، تسافر الى الغرب يحمّلها شكاواه وأوجاعه وأحلامه وأسئلته وأشواقه، وينتظر عودتها حاملة له شيئاً من حقيقة لا تنمو إلا بالتواصل والتبادل.
موجودون في هذا الإيمان الذي كان التوحيد الإبراهيمي ناظمه، وكانت التوحيديات اللاحقة تجليات ومسالك للخلق، كل الخلق، الى الخالق.. وفي هذا الإسلام، الذي لو كان فيه سائد غالب قاهر، لكان يابساً، لا مكان فيه لشك لا يحلو اليقين إلا به.. وفي هذه العروبة، عروبة الانتماء، العروبة التي ترقى الى مستوى الوظيفة الحضارية، عندما تستخدم وجدانها ومخزونها المعرفي وبصيرتها في تجديد وعيها بذاتها وبالآخر.. وهم الدروز الموحدون.. وهو كمال جنبلاط، في هذا اللبنان البدعة البديعة التي يحسن للعرب جميعاً أن يتبعوها لا أن يزعزعوها. وفي هذا الجبل، ذي العمة البيضاء شتاءً، والعمة الخضراء ربيعاً وصيفاً.. وانتظار المطر خريفاً.. وتد الوطن، الذي به يثبت على الهزاهز، لأنه القمة التي يرى الناظر منها كل شيء دونه، ويرى الناظر اليها كل شيء فوقه. وهو، كمال جنبلاط، تقدمي، وأنا أريد أن أتقدم.. قال لي رسول الله (ص) «من تساوى يوماه فهو مغبون».. وأرى عوائق في وجهي وعلى طريقي، عرفت ما سموه لي إقطاعاً قياساً على مصطلح الغرب وتاريخه، قلت اسلم بأنه إقطاع ولكنه إقطاع مشرقي، على طريقة ماركس في الكلام عن أسلوب الإنتاج الآسيوي. ولكن المفهوم الطبقي لا يصلح وحده للإحاطة بالحقيقة ورسم الاحتمال أو مسار حركة التاريخ والمجتمع، والاختيار الشخصي، الفرادة، حاسمة في كثير من الأحيان، وكثيرون من أسلاف كمال جنبلاط، استمتعوا وأمتعونا باختيارات شجاعة سميت خيانات طبقية. واتفق أهل النظر ورضي أهل النضال بهذا الاتفاق، على أن الكادحين ليسوا هم الذين يبدعون نظريات خلاصهم، لأن أسباب ومستلزمات المعرفة لا تتوفر لهم، فيبدعها أولئك الذين هم فوق ولكن بصائرهم مفتوحة وضمائرهم عاملة دائبة.. من هذا الصنف كان كمال جنبلاط.
جان فولاذ أو بولاد
لاحقاً، وعندما سمعته بعيني بليغاً، ورأيته بأذني صامتاً، كان يرخي عينيه في صدره، كأنه سليل الحلاج، يرى الى النور الداخل.. تذكرت حيرتي في تفسير لقبه (جنبلاط). وكان عليّ أن أنتظر الذهاب الى طهران بعد نجاح الثورة لأتعلم الفارسية لزوم الثورة، التي تمحو ذاتها إن لم تجددها، لأفكك اللقب (جان بولاد) الفولاذي.. أو الروح الفولاذية.. القوي.. الصلب واللين الملمس. وعندما قتل كمال جنبلاط، كان بإمكانه أن لا يقتل، وأنا هنا أقترب من الاعتزال وأظنه أقرب الى الاعتزال مني، لأنه عقل عقلاني، أي يؤثر العقل الذي خلقه ربه وقال له: أقبل فأقبل وأدبر فأدبر (لأنه يعلم حقيقة الألوهة) فقال له: اي قال الله للعقل: إذهب، بك أثيب وبك أعاقب.. ولكنه كان يخاف أن يموت، فبقي على فولاذه، وقتل ليبقى حياً. ولكن لا تشعرون. هم لا يشعرون.. أي الذين قتلوه.
مواعيد وجدل
اقتربت منه وإليه من حقل التبغ.. وسهر الليالي وعذاب الأيام ومرارة الطعام وظلم الظلاّم وآكلي الحرام، ومستغلي الأنام. وعشت معه أياماً وهو مهتم ومهموم ومستبشر بترشيحي للانتخابات الفرعية في النبطية. مستأنساً برأي ورؤية محسن ابراهيم وحسيب عبد الجواد لهذا الأمر.. واعتذرت وأسلفته في بيان اعتذاري حباً وشكراً. فتكرم بالتنويه بي في مؤتمر الحزب العام بعدها.. أما أين وجدته أو شاهدته أو عاينته أو واعدته أكثر، ففي فلسطين، مع أبي عمار وأبي جهاد وسائر الأشباه والنظائر، يحب ويختلف، يحب ويخالف، يحب ويعترض، يحب ويخلص.. ووجدته في الحبكة الحائرة المحيرة بين السياسي والثقافي، بين السياسي المحترف، والمثقف القلق، الذي يرى ولا يكتفي بالنظر.
كيف وفـّق.. وفرض ظله هنا وهناك؟ حتى شعرنا بفراغ ثقافي في المجال السياسي، وبفراغ سياسي في المجال الثقافي، بعد أن تجرأ الأموات على حياته فاستقر في حياتنا. وكيف وفق؟ وبهذا المستوى الدرامي المفاجئ والذي لا يمكن تفسيره أحياناً.. وأنا لم أقطع في الثقافة ما قطع من مسافة. أما في السياسة فما زلت وسوف أبقى في أول الدرب. ومع ذلك فإن الحيرة تأكلني والقلق يساورني في كل شيء. لولا أني ثابت على أصول وأسس وأحلام، معضوداً بواقعية، وحس نقدي، ولا أصل الى واقعيته، لأني أقل قوى عضلية ونفسية منه، لأنه لم يكن يقبل على أكل اللحم وكان مفتوناً بالقمح الأخضر، وأحبّ اليوغا وأحبّ التأمل وأحبّ المعنى ومعنى المعنى.. أحبّ الحب وأنا أسلّم بأنه دين يدان به. ولكني أخاف من الذهاب الى الهند، ولا يمكن أن أتصور نفسي في شوارع نيويوك، وأحب القاهرة التي أحبها وأحبته كثيراً، وأهديه سلاماً، من ميدان التحرير، وأتذكر أنه في افتتاح دورة نيابية في مجلس الشعب المصري أواسط السبعينيات، وفي ذكرى وفاة جمال عبد الناصر (28 سبتمبر) ذكرى الانفصال أيضاً، وكنت في القاهرة، توجه الرئيس المصري الى كمال جنبلاط الجالس في الصف الأمامي وقال: يشرفني حضور رفيق درب جمال عبد الناصر، المناضل الكبير الاستاذ كمال جنبلاط. وأراه الآن في ميدان التحرير، وفي أمكنة اخرى كثيرة، لا يغادر إلا عندما يطمئن الى أن الديموقراطية والعدالة في البلاد العربية قد وجدتا طريقهما الصعب والمتعرج والباهظ.
القتل وموجباته
هذا الرجل.. من هذا البلد الصغير، من هذه الجماعة المذهبية الصغيرة.. من هذا الإرث الأرستقراطي الجميل وهذا الحنان الإنساني العميق. هذا اليتيم (وفي لغتنا اليتم هو الفرادة) يتجاوز ظروفه ويصبح شخصية عالمية!
إذن فيجب أن يقتل. لأن لبنان المطلوب يجب أن يكون بلا ذاكرة ولا حلم. وهنا تذكرت السيد موسى الصدر. سبحان الله! وهذا لبنان الآن على قلقه تصب ذاكرته في أحلامه وتنبع أحلامه من ذاكرته. ومن غده. من مشهد الربيع العربي الذي في كل وردة من وروده لون وعطر من لبنان. ووعد للبنان بلبنان. للعرب بلبنان. وللبنان بالعرب. وللبنان والعرب والربيع.. لكمال جنبلاط الذي نلقي على ضريحه كلماتنا. فإذا ما لامسته تفتحت زهوراً من بابونج وزوفى وجوري وإكليل الجبل وشعر كثير الشعر وإن كان أقل شعراً من الشاعر «كيف لهمس عطر الياسمين، مغنى الشعراء، أن يكون إلا شمِّي وأحساسي به، عند فيض الشعر مني، أنا الجمال؟» كمال جنبلاط.. هذا الكون من الحب.
مات؟
ابداً.. لقد شُبّه لهم.
زعيم الحب
» وهل الدين إلا الحب» الإمام جعفر الصادق
العبور إلى جنبلاط
»ولكن في الصمت الذي لا يوصف، تحت الأنا المضمحل، تحت كومة الرماد، تسكن الذات الراسخة في ليل حبي» (ص 32).
» وضعت على باب قلبي مشكاتين» . (ص 49).
»سيكون طريق الحب مفتوحاً أبداً ، لكل من يريد التغلغل في حجرة الكنز» (ص 59).
هذا البحر من الحب، هذا الكون من الحب مات!! لا .. بل شُبّه لهم.
(أناندا) لكمال جنبلاط
»
يا حاصد النار من أشلاء، قتلانا منك الضحايا وإن كانوا ضحايانا
إن العيون التي طفَّأتَ أنجمها عجّلن بالشمس أن تختار دنيانا»
بدر شاكر السياب
أمير المعنى
» لأجلك عشت، لأجلك أعطيت، كما يعطى الفرح لكل الناس» (ص 28).
» ليس النسيان من الوردة سوى أريج محض، فالأغنية لا الشكل، هي روح القيثارة» (ص 64).
» أن تتأمـل ذاتـك، هكذا في العري الأعـظم، هو أن تكون في السكيـنة دون بـدء ودون ختام» (ص 66).
» أنت الحقيقة خلف ورقة الشجر، أنت غلاف الحياة في الثمرة الفجة» (ص 98).
عابر الزمان والمكان
» ليكن إدراكك بأني قلب القلب، بأني أزل، لم يقطع جسراً، بين ظاهر وباطن، لكن مغلِّف ذلك، بثوب مولاك، أنا المطلق.. أنا الكل، أنا الجزء أنا نور عينيك، أنا سمع أذنيك، أنا المستيقظ أبداً ».
أناندا (ص 100(.
لكم حيرني إلحاح وجيه من قريتي على الحديث مع والدي عن كمال جمبلاط. كلما كنا عائدين من دكان القرية، قبيل الغروب، الى بيوتنا، وأنا متعلق بذيل أبي خوفاً، من لا شيء، لم يكن في قرانا وقتها ما يخيف سوى الأفعى والضبع التي لم تقتل ولم تأكل أحداً.. وهناك دائماً خوف عميق من اسرائيل، والظالم، ثم حدث ما حدث ويحدث.. وصار الواحد منا يخاف من الآخر، جاره أو شقيقه، أكثر من الضبع.. أما الواوية والثعالب فقد (كانوا) حرامية لطفاء. ونشتاق إلى أصوات كورالهم الآن أكثر من الماضي.
وكان لي ترب يجيء من بيروت صيفاً من أجل التين والعنب وأعشاش العصافير، يعرف في الأخبار أكثر مني، ويتحدث كما سمع من جاره، عن كمال جنبلاط، وأنه نحيف جداً، ضعيف الجسد قوي العقل جداً، وعنيد جداً، ومحيِّر جداً، وإن بدا حائراً جداً.. ثابت مقيم على الزمان المطلق، على المطلق :« بأني أزل». «أنا المطلق».. متغير أكثر من المتغير، حيث يصبح المتغير حافظاً للثابت، ونسبي أكثر من النسبية، ومن أي نسبة، طالما أن النسبية هي شرط المطلق، والمقام الذي يستبين به المطلق لأنه يباينه، ليغدو المباين، المختلف، شرطاً وجودياً ومعرفياً لمباينه.. هذه تعبيراتي الآن عما فهمته قبل ستين سنة أو أكثر بقليل، من حديث تربي.. بعد عشرين سنة أو أكثر، عندما قرأت وسمعت ورأيت وبدأت أسأل، وحلمت بفلسطين والعدالة الاجتماعية والتقدم والحرية، وأنا على حذر شديد، ولأسباب (حوزوية) من أن أقول (اشتراكية) لأنها مربوطة بالإلحاد. ولكني في الفقراء، هنا وهناك، ومنهم، والنجف كحوزة، أكدت لي أن المسافات الطبقية مسلمة تاريخية، ولم تستطع تدجيني وإن لطفتني، مع حسن نيتي وميلي الى السلام، وعشقي للنجف والكوفة والبصرة، والعراق حتى كردستان.. وعندما سقطت أو زمّت أو انكشفت، احزاب الكادحين، بقي الكادحون يكدحون. صاروا يكدحون أكثر ويأكلون أقل. وهنا يحلو أن أنتظر كمال جمبلاط، ولكنه لا يأتي، قد يأتي وقد لا يأتي. وأنا لن أصبر طويلاً، لأن المنظور الطبقي لم يعد في وعيي مدخلاً مجدياً في حل المسألة، وصارت قناعتي أن التنوير (أي العصرنة) هي الحل.
الجذاب
في شبابي.. شدني كمال جنبلاط، شداً خفيفاً، كنت أخشى على إيماني، من أهل الأسئلة والقلق المعرفي، لا من أهل الأجوبة الإلحادية السهلة. ولا أرى ان الخلاص الأخروي، فضلاً عن الدنيوي، محصور بجماعتي المذهبية أو خياراتها العقدية.. وكنت حائراً- انتهت حيرتي- بهذه المليارات من البشر، كيف تذهب جميعها الى الجحيم، من دون تفريق بين صالح وطالح، أو بين مبدع ومجرم؟ وهو، كمال جنبلاط، الزعيم العالم، درزي، وأنا هاني فحص طالب العلم الآن وغداً والى الأبد، شيعي إثنا عشري. درزي دلف من الإثنا عشرية الى الإسماعيلية فوصل الى إخوان الصفا، ووجد في رسائلهم فضاء معرفياً مركباً، متعدد الآفاق والأمداء، يتعدد إذ يتوحد، ويتوحد إذ يتعدد.. وطار الى الهند جامعاً كل شيء في بقجة الحب، من دون أن يتخطى صين (لاوتسو) وما قبله وما بعده، عابراً حدود (الفتوحات المكية) مطلاً منها على بودا والطاو والشنتو وبراهما، كائناً كل شيء في لا شيء، الذي إمّا بلغته، وهداك الله، عرفت وعاينت الشيء في اللاشيء.. وعرفت الواحد في كثير مطابقاً لكثير في واحد..
وعندما تحرر كمال جنبلاط، أو تحرروا (رهطه الموحدون) بالطريقة، جانحين الى الحقيقة، ليدركوا وإن لم يصلوا، وظلوا في مسيس الحاجة الى أن يدركوا، لأن كل إدراك هو إغراء أو إلزام بإدراك آخر، وإلا ذوى، واتخذوا اسماً لهم من التوحيد.. وعاشوا، حائرين حيرة الذي يراود المعارف، قلقين قلق الباحث عن تعريف.. فمرة هنا ومرة هناك ومرة هنالك. وهم هنا دائماً، في هذا المشرق، المطرز بالثقافات والرسالات واللغات والهجرات والإبداعات والبدع والهرطقات والفلسفات واللوحات والأيقونات والشرائع والأساطير والخرافات والمعلقات، الذي- المشرق- ينتظر يومياً، شمساً، تسافر الى الغرب يحمّلها شكاواه وأوجاعه وأحلامه وأسئلته وأشواقه، وينتظر عودتها حاملة له شيئاً من حقيقة لا تنمو إلا بالتواصل والتبادل.
موجودون في هذا الإيمان الذي كان التوحيد الإبراهيمي ناظمه، وكانت التوحيديات اللاحقة تجليات ومسالك للخلق، كل الخلق، الى الخالق.. وفي هذا الإسلام، الذي لو كان فيه سائد غالب قاهر، لكان يابساً، لا مكان فيه لشك لا يحلو اليقين إلا به.. وفي هذه العروبة، عروبة الانتماء، العروبة التي ترقى الى مستوى الوظيفة الحضارية، عندما تستخدم وجدانها ومخزونها المعرفي وبصيرتها في تجديد وعيها بذاتها وبالآخر.. وهم الدروز الموحدون.. وهو كمال جنبلاط، في هذا اللبنان البدعة البديعة التي يحسن للعرب جميعاً أن يتبعوها لا أن يزعزعوها. وفي هذا الجبل، ذي العمة البيضاء شتاءً، والعمة الخضراء ربيعاً وصيفاً.. وانتظار المطر خريفاً.. وتد الوطن، الذي به يثبت على الهزاهز، لأنه القمة التي يرى الناظر منها كل شيء دونه، ويرى الناظر اليها كل شيء فوقه. وهو، كمال جنبلاط، تقدمي، وأنا أريد أن أتقدم.. قال لي رسول الله (ص) «من تساوى يوماه فهو مغبون».. وأرى عوائق في وجهي وعلى طريقي، عرفت ما سموه لي إقطاعاً قياساً على مصطلح الغرب وتاريخه، قلت اسلم بأنه إقطاع ولكنه إقطاع مشرقي، على طريقة ماركس في الكلام عن أسلوب الإنتاج الآسيوي. ولكن المفهوم الطبقي لا يصلح وحده للإحاطة بالحقيقة ورسم الاحتمال أو مسار حركة التاريخ والمجتمع، والاختيار الشخصي، الفرادة، حاسمة في كثير من الأحيان، وكثيرون من أسلاف كمال جنبلاط، استمتعوا وأمتعونا باختيارات شجاعة سميت خيانات طبقية. واتفق أهل النظر ورضي أهل النضال بهذا الاتفاق، على أن الكادحين ليسوا هم الذين يبدعون نظريات خلاصهم، لأن أسباب ومستلزمات المعرفة لا تتوفر لهم، فيبدعها أولئك الذين هم فوق ولكن بصائرهم مفتوحة وضمائرهم عاملة دائبة.. من هذا الصنف كان كمال جنبلاط.
جان فولاذ أو بولاد
لاحقاً، وعندما سمعته بعيني بليغاً، ورأيته بأذني صامتاً، كان يرخي عينيه في صدره، كأنه سليل الحلاج، يرى الى النور الداخل.. تذكرت حيرتي في تفسير لقبه (جنبلاط). وكان عليّ أن أنتظر الذهاب الى طهران بعد نجاح الثورة لأتعلم الفارسية لزوم الثورة، التي تمحو ذاتها إن لم تجددها، لأفكك اللقب (جان بولاد) الفولاذي.. أو الروح الفولاذية.. القوي.. الصلب واللين الملمس. وعندما قتل كمال جنبلاط، كان بإمكانه أن لا يقتل، وأنا هنا أقترب من الاعتزال وأظنه أقرب الى الاعتزال مني، لأنه عقل عقلاني، أي يؤثر العقل الذي خلقه ربه وقال له: أقبل فأقبل وأدبر فأدبر (لأنه يعلم حقيقة الألوهة) فقال له: اي قال الله للعقل: إذهب، بك أثيب وبك أعاقب.. ولكنه كان يخاف أن يموت، فبقي على فولاذه، وقتل ليبقى حياً. ولكن لا تشعرون. هم لا يشعرون.. أي الذين قتلوه.
مواعيد وجدل
اقتربت منه وإليه من حقل التبغ.. وسهر الليالي وعذاب الأيام ومرارة الطعام وظلم الظلاّم وآكلي الحرام، ومستغلي الأنام. وعشت معه أياماً وهو مهتم ومهموم ومستبشر بترشيحي للانتخابات الفرعية في النبطية. مستأنساً برأي ورؤية محسن ابراهيم وحسيب عبد الجواد لهذا الأمر.. واعتذرت وأسلفته في بيان اعتذاري حباً وشكراً. فتكرم بالتنويه بي في مؤتمر الحزب العام بعدها.. أما أين وجدته أو شاهدته أو عاينته أو واعدته أكثر، ففي فلسطين، مع أبي عمار وأبي جهاد وسائر الأشباه والنظائر، يحب ويختلف، يحب ويخالف، يحب ويعترض، يحب ويخلص.. ووجدته في الحبكة الحائرة المحيرة بين السياسي والثقافي، بين السياسي المحترف، والمثقف القلق، الذي يرى ولا يكتفي بالنظر.
كيف وفـّق.. وفرض ظله هنا وهناك؟ حتى شعرنا بفراغ ثقافي في المجال السياسي، وبفراغ سياسي في المجال الثقافي، بعد أن تجرأ الأموات على حياته فاستقر في حياتنا. وكيف وفق؟ وبهذا المستوى الدرامي المفاجئ والذي لا يمكن تفسيره أحياناً.. وأنا لم أقطع في الثقافة ما قطع من مسافة. أما في السياسة فما زلت وسوف أبقى في أول الدرب. ومع ذلك فإن الحيرة تأكلني والقلق يساورني في كل شيء. لولا أني ثابت على أصول وأسس وأحلام، معضوداً بواقعية، وحس نقدي، ولا أصل الى واقعيته، لأني أقل قوى عضلية ونفسية منه، لأنه لم يكن يقبل على أكل اللحم وكان مفتوناً بالقمح الأخضر، وأحبّ اليوغا وأحبّ التأمل وأحبّ المعنى ومعنى المعنى.. أحبّ الحب وأنا أسلّم بأنه دين يدان به. ولكني أخاف من الذهاب الى الهند، ولا يمكن أن أتصور نفسي في شوارع نيويوك، وأحب القاهرة التي أحبها وأحبته كثيراً، وأهديه سلاماً، من ميدان التحرير، وأتذكر أنه في افتتاح دورة نيابية في مجلس الشعب المصري أواسط السبعينيات، وفي ذكرى وفاة جمال عبد الناصر (28 سبتمبر) ذكرى الانفصال أيضاً، وكنت في القاهرة، توجه الرئيس المصري الى كمال جنبلاط الجالس في الصف الأمامي وقال: يشرفني حضور رفيق درب جمال عبد الناصر، المناضل الكبير الاستاذ كمال جنبلاط. وأراه الآن في ميدان التحرير، وفي أمكنة اخرى كثيرة، لا يغادر إلا عندما يطمئن الى أن الديموقراطية والعدالة في البلاد العربية قد وجدتا طريقهما الصعب والمتعرج والباهظ.
القتل وموجباته
هذا الرجل.. من هذا البلد الصغير، من هذه الجماعة المذهبية الصغيرة.. من هذا الإرث الأرستقراطي الجميل وهذا الحنان الإنساني العميق. هذا اليتيم (وفي لغتنا اليتم هو الفرادة) يتجاوز ظروفه ويصبح شخصية عالمية!
إذن فيجب أن يقتل. لأن لبنان المطلوب يجب أن يكون بلا ذاكرة ولا حلم. وهنا تذكرت السيد موسى الصدر. سبحان الله! وهذا لبنان الآن على قلقه تصب ذاكرته في أحلامه وتنبع أحلامه من ذاكرته. ومن غده. من مشهد الربيع العربي الذي في كل وردة من وروده لون وعطر من لبنان. ووعد للبنان بلبنان. للعرب بلبنان. وللبنان بالعرب. وللبنان والعرب والربيع.. لكمال جنبلاط الذي نلقي على ضريحه كلماتنا. فإذا ما لامسته تفتحت زهوراً من بابونج وزوفى وجوري وإكليل الجبل وشعر كثير الشعر وإن كان أقل شعراً من الشاعر «كيف لهمس عطر الياسمين، مغنى الشعراء، أن يكون إلا شمِّي وأحساسي به، عند فيض الشعر مني، أنا الجمال؟» كمال جنبلاط.. هذا الكون من الحب.
مات؟
ابداً.. لقد شُبّه لهم.
زعيم الحب
» وهل الدين إلا الحب» الإمام جعفر الصادق
العبور إلى جنبلاط
»ولكن في الصمت الذي لا يوصف، تحت الأنا المضمحل، تحت كومة الرماد، تسكن الذات الراسخة في ليل حبي» (ص 32).
» وضعت على باب قلبي مشكاتين» . (ص 49).
»سيكون طريق الحب مفتوحاً أبداً ، لكل من يريد التغلغل في حجرة الكنز» (ص 59).
هذا البحر من الحب، هذا الكون من الحب مات!! لا .. بل شُبّه لهم.
(أناندا) لكمال جنبلاط
»
يا حاصد النار من أشلاء، قتلانا منك الضحايا وإن كانوا ضحايانا
إن العيون التي طفَّأتَ أنجمها عجّلن بالشمس أن تختار دنيانا»
بدر شاكر السياب
أمير المعنى
» لأجلك عشت، لأجلك أعطيت، كما يعطى الفرح لكل الناس» (ص 28).
» ليس النسيان من الوردة سوى أريج محض، فالأغنية لا الشكل، هي روح القيثارة» (ص 64).
» أن تتأمـل ذاتـك، هكذا في العري الأعـظم، هو أن تكون في السكيـنة دون بـدء ودون ختام» (ص 66).
» أنت الحقيقة خلف ورقة الشجر، أنت غلاف الحياة في الثمرة الفجة» (ص 98).
عابر الزمان والمكان
» ليكن إدراكك بأني قلب القلب، بأني أزل، لم يقطع جسراً، بين ظاهر وباطن، لكن مغلِّف ذلك، بثوب مولاك، أنا المطلق.. أنا الكل، أنا الجزء أنا نور عينيك، أنا سمع أذنيك، أنا المستيقظ أبداً ».
أناندا (ص 100(.