الصفحات

الأحد، 12 فبراير 2012

حوار موسّع حول تونس الثورة والدولة والإسلام

الغنوشي: لن نعترف باسرائيل
جزم رئيس حزب النهضة التونسي لشيخ راشد الغنوشي أن تونس لن تعترف أبداً بإسرائيل. وقال الغنوشي، في حوار مع المشاركين في «مؤتمر الثورات والانتقال إلى الديموقراطية» الذي ينظمه مركز دراسات الوحدة العربية والمعهد السويدي في الإسكندرية في مدينة الحمامات التونسية، إن حكومة تونس تريد الفصل بين علاقات تونس بالغرب والموقف من إسرائيل.
ورداً على سؤال عن موقفه من الاعتراف بإسرائيل، قال الغنوشي إنه لا يوجد خلاف بين الحركات الإسلامية على أن فلسطين هي القضية المركزية. وأضاف «لن نعترف أبداً لا بالاحتلال ولا بالكيان. ولا داعي للغرابة، ففلسطين موضع إجماع كل الإسلاميين والقوميين».
وعما إذا كان الغرب يوافق على هذا الفصل، قال إنه في كل مرة كان يجتمع فيها إلى المسؤولين الغربيين كانوا يضعون موضوع إسرائيل على الطاولة. وكنا نقول لهم إننا لا نريد الربط بين الموضوعين، وإلا سنضع في المقابل مسألة كوبا على الطاولة.
وعما إذا كان واثقاً من أن الغرب اقتنع بذلك أجاب أنهم في الاجتماعات الأخيرة لم يعودوا يثيرون معنا موضوع إسرائيل، مؤيداً أن الغرب ماكر ومناور. وقال «هذا موقفنا ولن نحيد عنه».
وقال الغنوشي إن من مهمات الثورة تنشيط المساعي لإقامة وحدة عربية ووحدة المغرب العربي وإقامة سوق عربية مشتركة. وأوضح انه في السابق كانت هناك اجتماعات لمجلس وزراء الداخلية العرب برئاسة زين العابدين بن علي على أساس أن الأخطار هي من الداخل وليس من الخارج، في حين لم يكن هناك مجلس لوزراء الخارجية.
ورأى الغنوشي انه «لا عودة إلى الدكتاتورية ومن يحمي الديموقراطية هو وعي الشعوب والشعوب ثارت. لكن الخطر في الصوملة وعدم قدرتنا على تنظيم أنفسنا بالحرية. هناك محاولات لحرق مصانع وقطع طرق، أي الصوملة. هناك فرق بين الحرية والفوضى».
واعتبر الغنوشي انه «ليس هناك من نموذج يحتذى به. كل دولة عليها أن تبتدع نموذجها. نحن في عالم عربي وإسلامي. نحن نتفاعل مع العالم الإسلامي الذي استفاق منذ القرن التاسع عشر على البون الشاسع بينه وبين الغرب وسعى لتلافي الخلل فكانت محاولات الإصلاح في القاهرة واسطنبول وتونس، قوامها المزاوجة بين الإسلام وقيم الحداثة». وأضاف «لكن الاستعمار والاحتلال قضيا على هذا الحلم من خلال تدفيعنا ديننا ثمناً».
واعتبر الغنوشي أن الثورات العربية الحالية استعادت الحلم في المزاوجة بين قيم الإسلام والقيم العالمية. وتساءل «هل نستطيع ذلك؟» وأجاب «نعم، إن الشعوب التي قامت بالثورات مؤهلة لذلك».

ورفض الغنوشي النظرة القائلة بوجود فكر إسلامي واحد. وقال «هذا خارج القانون. الحركة الإسلامية ظاهرة اجتماعية خاضعة للتطور. كنا ننظر بريبة إلى مجلة الأحوال الشخصية، وانتهينا إلى المساواة بين المرأة والرجل. البعض حاول حشر الحركة الإسلامية في زاوية أنها ضد الحداثة والمساواة. لكن في الألفية الجديدة عادت خيوط الحوار بين الحركة الإسلامية والحركة الحداثية وهذه جزئية مهمة. وانتهت في تونس مثلا إلى وثائق أكتوبر (تشرين الأول) عام 2005 مع أحزاب أخرى بينها الحزب الشيوعي وغيره. كان الاتفاق على نموذج ديموقراطي ورفض العنف والمساواة بين الجنسين».
وعن علاقة الدين بالدولة، قال الغنوشي إن «المشكلة في تونس كانت في أن الدولة كانت توظف الدين. الغرب عاش مشكلة كيف يحرر الدولة من سلطة الكنيسة بينما نحن نحاول تحرير الدين من هيمنة الدولة».
وعن الثورة التونسية، قال الغنوشي إنه لم يقدها حزب واحد ولا شخص واحد بل كل الناس رفعوا الشعارات، وعندما انتصرنا لم نضيع وقتاً حول نموذج الدولة الذي نريد بل كنا متفقين عليه.
وحول العلاقة مع الفكر القومي، قال إنه «ليس عندنا مجافاة بين فكرة العروبة والإسلام. نحن في شمال أفريقيا تعرّبنا أولاً ثم أسلمنا». وأضاف إن بعض الأحزاب القومية ترفض الإسلام جزءاً من الهوية العربية، وهذا شكل صدمة لنا فيما يقبله مفكرون مسيحيون.
وعن التحديات التي تواجه الثورة، قال الغنوشي «إننا نرتاد أرضا جديدة. نحن نحاول أن نوفق بين قيمنا والحداثة. البعض خرج من المعسكر الماركسي ولا يحق له أن يعلمنا الديموقراطية. كلنا مبتدئون في الديموقراطية. ونحن في سنة أول ابتدائي من التجربة الديموقراطية، فلا أحد يزايد على أحد، كلنا مبتدئون».
ورفض الغنوشي منطق الانقلابات العسكرية، موضحاً انه «من الخطأ الوصول إلى السلطة عن طريق الانقلاب العسكري. الطريق الوحيد هو الشورى، والشورى هي الديموقراطية. ألله أعطانا الشورى لكنه لم يعطنا الأدوات فهذا مجال العقل». وقال «إن الخطر الكبير هو كيف نوفق بين الحرية والنظام. النظام في عهد زين العابدين بن علي كان محفوظاً بسوط السلطان. السلطان طار. السؤال هو كيف ننظم أنفسنا بالحرية لا بسوط السلطان. هذا تحد كبير. التحدي الآخر كيف نقبل بنتائج الانتخابات الديموقراطية. البعض لم يهضم نفسياً أن الإسلاميين جزء من البلاد. الإسلاميون أدركوا أن التحديات كبيرة، لذا لا يمكنهم الحكم وحدهم. وكان يجب أن نبتعد عن صورة حكم الحزب الواحد وينسى الناس أنهم كانوا في ظل حكم حزب واحد. وقد أظهرت الثورة انه يمكن للإسلاميين العمل مع العلمانيين المعتدلين. مجتمعاتنا متعددة ولا مناص سوى أن نقبل بعضنا البعض حتى لا تغرق السفينة».
واعتبر أن الأولوية «كيف نوطّن أنفسنا على الديموقراطية والتعايش وعدم الإقصاء والحرية. منذ سقوط الخلافة الراشدية ونحن نحل خلافاتنا بحد السيف. أما التحدي الآخر فهو الاقتصادي حيث لا كرامة من دون عمل».
من جهته، قال وزير الخارجية التونسي الجديد رفيق عبد السلام إن تونس لن تعترف بإسرائيل وبالأمس كنت مع وزير الخارجية الألماني غيدو فيسترفيله واتفقنا على 90 في المئة من القضايا واختلفنا على إسرائيل.
وبسؤاله عن إعجاب التونسيين بالنموذج التركي وهل يقبلون بدعوة رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان من القاهرة إلى إقامة نظام علماني وعدم الخوف منه، قال الوزير الشاب «إن موقف اردوغان يخصه وحده. وتونس ليست مضطرة لتكون علمانية. تونس نظامها جمهوري ولغتها عربية ودينها الإسلام». وأضاف «إن لتركيا وضعاً خاصاً والقاعدة الشرعية هناك هي اللائيكية. نحن نقدر نجاح التجربة التركية لكننا لسنا مضطرين لاستيراد النماذج. وهناك نماذج حداثة أخرى فرنسية وأميركية. الحداثة انفتاح على إمكانيات متعددة. وتونس منفتحة على كل الحداثات وسوف تتحرك عبر فضائها العربي». وأضاف «إن إيران ليست عدواً، لكنها ليست صديقاً مطلقاً فهناك مساحات التقاء ومساحات خلاف».