الصفحات
▼
الخميس، 23 أغسطس 2012
كلمة الدكتور سعود المولى في حفل إفطار المركز العربي للحوار واللقاء العلمائي اللبناني
فندق البريستول غروب الثلثاء 14 آب 2012
السادة أصحاب الدولة والمعالي والسعادة...السادة أصحاب السماحة والفضيلة والسيادة.. أيها الأخوة ، أيتها الأخوات... السلام عليكم جميعاً في هذه الأمسية التي أحببنا أن تكون جامعة لمعنى الوطن الذي نعيش فيه ولمعنى الدولة المدنية التي نطمح أن تكون لنا...
أهلاً بكم جميعاً وتقبل الله صيام الصائمين منكم وطاعاتهم، وحفظكم الله جميعاً مسلمين ومسيحيين، متدينين وعلمانيين، في هذا اليوم الفضيل من أيام الله.
أود بداية أن أحيي باسمكم كل من ساهم بانجاح هذا الحفل وكل من واكب ونظم ودعم..
أحيي معكم أولاً الأخوة في اللقاء العلمائي اللبناني.. وأحيي معكم ثانياً الأخوة والأخوات في المنتديات والتجمعات الثقافية والمدنية في الجنوب والبقاع والضاحية.. وأحييكم جميعاً ثالثاً لأن تلبيتكم هذه الدعوة تقيم علينا الحجة وتلزمنا بالأمانة وبمسؤولية الوفاء.ونحن نعاهدكم بأن نكون معكم على مستوى هذه المسؤولية...
أيها الأخوة، أيتها الأخوات
اليوم تولد شعوبنا العربية من المحيط إلى الخليج ولادة جديدة بعد عقود من الموت والقمع والعقم على يد أنظمة سياسية استبدادية ، جاءت إلى الحكم باسم فلسطين والوحدة فلم تحقق لنا بعد حوالي الستين عاماً من قيامها سوى استباحة كل القيم والمقدسات وأولها وأهمها قيمة الإنسان ذلك المقدس الأساس..
اليوم تتقدم شعوبنا العربية على خط امتلاك وجودها ومستقبلها بنفسها واستعادة حقوقها المستباحة واستعادة إنسانيتها المنتهكة، واستعادة أوطانها المحتلة المغتصبة..
اليوم تعيد الشعوب العربية التي أضناها القمع والاستبداد السلطوي والمافيوي، والانقسام الطائفي والقبلي، والتنازع الحزبي والفئوي، تعيد تشكيل نفسها على أسس جديدة ليست اليوم ناجزة مكتملة ولكنها بداية مخاض حقيقي كان ينبغي أن يحصل منذ النهضة الأولى التي أجهضتها نكبة فلسطين وانقلابات الظباط الأشاوس.. وفي أتون هذه التحولات تغلبت الشعوب على الخوف واليأس والاستلاب والتهميش والمهانة والعطالة والإحباط وفقدان الهوية وضياع الذات..فاكتشفت القوة الحقيقية للوحدة والوعي والتنظيم والقيمة الحقيقية للحق والعدل..
هذه الانتفاضات والتحولات المواكبة لها تعيد تشكيل عالمنا العربي ونظامنا الإقليمي وهي فاتحة عهد جديد عنوانه العام والأساس: صياغة عقد اجتماعي جديد يقوم على حكم القانون والمؤسسات، وعلى إلغاء نظام السلطة المطلقة أو أشكال الحكم الاستبدادية، وعلى إقامة نظم سياسية لا إلغائية فيها ولا فئوية عائلية مافيوية، وعلى إقامة مجالس منتخبة تحقق تمثيل المواطنين ومساهمتهم المتساوية في حياة بلادهم، وعلى تداول السلطة سلمياً، وهي تحولات ذات أفق مفتوح على شتى الاحتمالات.. ويكفي أن المنعطف السياسي الأهم تمثل في مطلب إقامة الدولة المدنية.. لا دولة دينية ولا دولة علمانية، لا دولة فاشية أو شيوعية أو بعثية أو قومية من أي لون... الدولة المدنية... الدولة المدنية هذه هي المسألة والقضية الأساس التي ستحكم المجادلات والسياسات للعقود القادمة... وفي هذا فليتنافس المتنافسون..
ونحن دعاة دولة مدنية لا دين لها، دولة الحق وسيادة القانون والمؤسسات وفصل السلطات واستقلال السلطة القضائية وقانون انتخابي عادل وتمثيلي وقانون أحزاب وطني علماني..وهذه الدولة المنشودة تحتاج إلى جهودنا جميعاً..
لقد نجح اللبنانيون، وفي أحلك الأيام والمحن، وبتصميم قوي على الحياة، في إنتاج صيغة مميزة حفظت لهم استقلالهم وانتماءهم الى محيطهم، كما نجحوا في تجديد هذه الصيغة عند كل المنعطفات. ويكفي هنا أن نستعيد محطات الثوابت الوفاقية الميثاقية وخصوصاً محطة وثيقة المجلس الشيعي 1977 التي قالت أن لبنان وطن نهائي لجميع بنيه، ومحطة الاجتماع الإسلامي في 18 آب 1982 وقد جاء في بيانه الختامي: «لبنان لا يساس بحكم العدد (...) ولو شاء المسلمون أن يحكموا العدد لتبدل وجه لبنان وتبدلت صيغته لئلا نقول هويته». ومحطة بيان الثوابت الاسلامية في 19 أيلول 1983 التي صاغها الشيخان محمد مهدي شمس الدين وحسن خالد..ومحطة وصايا الامام شمس الدين في كانون الثاني 2001.. دون أن ننسى محطات احتضان كل لبنان للمقاومة من اتفاق الطائف 1989 إلى بيان القمة الدينية اللبنانية الجامعة في 2 آب 1993 إلى الموقف الحكومي والشعبي في نيسان 1996 وفي صد اعتداءات 1998 و1999 وفي يوم استعادة الجنوب من الاحتلال عام 2000 وصولاً إلى الموقف الوطني الجامع في يوم 14 آذار 2005 وكذلك في عدوان تموز 2006 حيث أكد لبنان كله موقفه في التصدي للظلم وللعدوان وفي مقاومته بشتى السبل والوسائل، وفي احتضان اللبنانيين لبعضهم البعض من الجنوب والبقاع والضاحية إلى العاصمة والشمال والجبل ...
ونحن دعاة أن لا يكون للشيعة أو لأي مكون من مكونات هذا الوطن نظام مصالح خاصاً به يتناقض أو يتجاوز على نظام مصالح الوطن والدولة الجامعة للجميع..ونحن دعاة أن لا يكون للشيعة أو لأي مكون من مكونات هذا الوطن ما سوى الولاء للوطن وللدولة التي نقيمها معاً. ونحن دعاة مصالحة وطنية شاملة وسلم أهلي دائم وحماية حقوق الجميع والانماء المتوازن والسياسة العادلة للجميع..وأن لا يكون هناك أي احساس بظلم أو غبن أو تهميش لأي فئة ولأي منطقة من لبنان..
ولكن يهمنا اليوم بالتحديد أن نقول بأن على المواطن الشيعي والجماعة الشيعية أن لا تمثل نظام غلبة واستقواء... نقول لكل اللبنانيين وللشيعة خصوصاً: اندمجوا في دولكم، واندمجوا في شعوبكم، واندمجوا في أنظمة مصالح هذه الدول والمجتمعات، لكن لا تنشئوا نظام مصالح خاصاً بكم..التزموا بقوانين بلادكم! وهذا نقوله عن قناعة فقهية دينية اسلامية عامة وشيعية خاصة.. ونقوله عن قناعة وفقاهة سياسية وطنية لبنانية..
الشيعة كائناً من كانوا، أو في أي مكان كانوا، هم ينتمون إلى أوطانهم وقومياتهم وشعوبهم ودولهم، ولا ينتمون إلى دولة ولاية الفقيه أو إلى حزب أو طائفة....الشيعة موجودون في بلدان وأوطان وهم جزء منها ومن شعبها ومجتمعها.. أما على صعيد التمذهب الخاص، فالتمايز موجود، وهو تمايز ثقافي. وهو تمايز ندعو إلى حفظه وصيانة مقوماته، لكن على أساس عدم إنشاء الشيعة نظام مصالح خاصاً بهم داخل الوطن. فنحن نقول بتحطيم هذا النظام من المصالح، وأن يستبدل بنظام مصالح وطني، اقتصادي سياسي تنظيمي، وأن يبقى التنوع الثقافي والتمذهب الخاص.
وفي لبنان وبعد اتفاق الطائف لم يعد هناك من مسوغ لادعاء أو لشكوى الغبن أو التهميش لدى الشيعة أو لدى سواهم... فالمسألة من الناحية السياسية هي من حيث المبدأ في الصيغة الأفضل لما يمكن أن يوجد... وكل اللبنانيين، سواء كانوا شيعة أو سواهم، عليهم أن يلتزموا الدولة الواحدة، ولا يوجد بديل من الدولة.... وفي يومنا هذا فإن منطق أقلية وأكثرية في لبنان بالمعنى الطائفي لا يجوز استخدامه ولا يمكن استخدامه...إن إعادة تكوين مفهوم الدولة المدنية الجامعة المانعة السيدة الحامية والضامنة لأمن لبنان واللبنانيين، هو الأفق الوحيد الذي يتطلع المسلمون الشيعة إليه. وفي سياق هذا السعي الذي يتقاسمونه مع لبنانيين من شتى الانتماءات الطائفية والأهواء السياسية، يبقى اتفاق الطائف، الذي جعله اللبنانيون سبيلاً إلى تحديث نظامهم السياسي، وإلى تأمين العدالة والمساواة في حقوق المواطنة، للجميع وبين الجميع، يبقى الميثاق الملزم لجميعهم، والناظم لشأنهم العام وحياتهم المواطنية وذلك بمعزل عن كونه نصٍّاً يحتمل النقاش والتعديل باتفاق اللبنانيين وبما يلبي طموحات التحديث.
لكن سيادة الدولة ما زالت تصطدم بعائق بنيوي يتمثل في القيد الطائفي الذي يلقي بثقله على مستقبلنا الوطني، ويحول دون بناء نظام فاعل يضمن في آن معاً المساواة بين حقوق المواطنين وبين حفظ التعدد الطائفي. ومثل هذا النظام المطلوب يستجيب لمعنى المواطنة، من خلال مساهمته في جلاء طبيعة العقد الاجتماعي الذي تقوم عليه حياتنا الوطنية، وفي تعيين طبيعة الدولة التي تستطيع تجسيد هذا العقد.
إن حق لبنان في الدفاع عن نفسه في وجه الإعتداءات مسؤولية وواجب وطني تستلزمه أصلاً مفاهيم سيادته وأمن شعبه، وتضمنه المواثيق الإقليمية والدولية.
إن مهمة الدفاع عن لبنان هي صلاحية سيادية للدولة اللبنانية وسلطاتها المنتخبة التي تمثل الأمة، وبواسطة كافة أشكال العمل السياسي والعسكري ولكن ضمن سقف المصلحة اللبنانية الوطنية المنزهة عن أية مصالح إقليمية أو أجندات أجنبية.
إن تسليح الجيش اللبناني وتعزيز قواه هو أولوية وطنية لحماية لبنان من التهديدات الصهيونية ولصيانة سيادته وسلمه الأهلي.
وإن مساهمة أي تنظيم سياسي لبناني، بالأمس أو اليوم، في الجهد المبذول للدفاع عن لبنان شأن إيجابي يمكن الإستفادة منه والبناء عليه بحيث يكون قوة إضافية للدولة إذا أصبح جزءاً من جهوزيتها وعمل ضمن كنفها وتحت سقف الوطن الواحد.
إن غاية الدفاع عن لبنان وشعبه هو قيام دولةٍ مدنيةٍ تحدد السياسة الدفاعية في عداد ما تخطط من سياساتها.
إن المقاومة واجب ديني وأخلاقي إنساني ووطني في مواجهة الإحتلال وهو ما تكفله المواثيق الدولية كافة..ولكن المقاومة ليست غاية في ذاتها... المقاومة هي أداة أو وسيلة في خدمة هدف أو أهداف الإنسان والمجتمع والأمة.. المقاومة هي وظيفة نضالية محددة محكومة بأسلوب وبضوابط ، وبسقف سياسي واضح من حيث حفظ المصالح وجلبها ومن حيث درء المفاسد وتجنبها.. وفي المعنى الوطني، أو السياسي الوضعي، فان المقاومة، أية مقاومة، هي قوة سياسية مسلحة تلتزم سقفاً ناظماً شاملاً وعميقاً هو ميثاق البلاد ودستورها وما اتفق عليه أهلها من نظام حكم ومؤسسات، وما تعاهدوا عليه من أهداف عليا وغايات..
أيها الأخوة والأخوات: إننا نؤكد لكم التزامنا المسلمين اللبنانيين ووحدتهم وذلك ضمن الالتزام الأعمق بالشعب اللبناني وقضاياه الوطنية .وإن انتماءنا إلى الوسط الإسلامي الشيعي لا يعني اختزال عملنا في الوظيفة المذهبية أو الطائفية الخاصة بل يعني تجاوز المهمة الداخلية الخاصة لحمل هموم الوطن والشعب ومعالجة كل القضايا من موقع وطني جامع وعلى قاعدة الإسلام السمح والتشيع العادل والمواطنة المدنية المتساوية.
إن هدفنا هو تحقيق الاندماج الواعي والقوي ومن موقع إسلامي شيعي في عملية بناء الوطن والدولة وفي عملية إعادة تشكيل الشخصية الثقافية والسياسية للمواطن والمجتمع في لبنان.
إننا ننطلق من كون الطوائف والجماعات المكونّة للمجتمع ، نوافذ ثقافية لا كهوفاً يحتبس فيها أتباعها ، ومن حقيقة أن تنوع وتعدد المجتمع الأهلي هو قوتنا التي لا يجوز التنازل عنها ، كما لا يجوز المبالغة في صنميتها.
إن مسؤوليتنا ليست في الحفاظ على التنوع فهو حقيقة قائمة ، بل أن المسؤولية هي في الحؤول دون تحول هذا التنوع إلى تعدد نزاعي أو إلى أدوات لنزاعات غقليمية أو دولية أو إلى انغلاق فوقي استعلائي. إن واجبنا هو حفظ التنوع في المجتمع الأهلي ووضعه في سياق بناء العيش الواحد والدولة الواحدة والثقافة الوطنية الواحدة.
إن بناء مجتمع سياسي واحد لمجتمع أهلي شديد التنوع لهو مهمة شاقة. إن قيام الدولة المدنية العادلة المتكاملة والمجتمع السياسي الوطني الموحد على أساس المواطنة دون توسيط لمذهب أو طائفة أو انتماء مناطقي أو عائلي في علاقة المواطن بالوطن وبالدولة، يتمثل في قيام صيغة متوازنة للعلاقة بين الدولة والمجتمع وبين الدولة والدين.
إننا جزء من المجتمع الأهلي والمدني ونلتزم حمل هموم وتطلعات اللبنانيين على قاعدة الحق والعدل ، دون الوقوع في نزعات الغائية أو إقصائية. إن إطلالتنا على الشؤون الإسلامية الشيعية الخاصة تتم من موقع وطني جامع يبحث عن العام المدني ولا يغفل الخاص المتفاعل المندمج. وإن إطلالتنا على الشؤون الوطنية تتم من موقع إسلامي شيعي أصيل يعيد إلى التشيع وجهه الحقيقي، وللوطنية الحقة نكهتها المميزة، ضمن الانتماء الإسلامي والقومي العام.
وفقكم الله وسدد خطانا جميعاً لما فيه مصلحة هذا الشعب وهذا الوطن.. عشتم وعاش لبنان..