الصفحات

الخميس، 23 أغسطس 2012

طاولة الحوار: الأزمة والحل

سعود المولى

حدث منذ اتفاق الطائف أن تأزمت الأوضاع وحصلت تدخلات خارجية وصراعات داخلية بين طوائف وأحزاب، ولكن ولا مرة وصل فيها الوضع إلى حدّ التهديد بالفوضى والدمار والخراب كما هو حاصل اليوم.. ولا مرة كان هناك طرف يرفع جهاراً نهاراً صوت التهديد والوعيد، وشعار التخوين والتكفير، ويقود حملة التوتير دافعاً بالبلاد نحو حافة الحرب الأهلية، بلا وازع من دين أو ضمير، وبلا رادع من دولة وقانون.. ونحن اليوم أمام هكذا وضع ندعو إلى إعادة الوعي الوطني إلى سويته الطبيعية، وعياً دستورياً ديموقراطياً لا إنقلابياً إرهابياً، وإلى تخليص اللبنانيين من ذلك الوعي الشقي (الذي ما زال يُمثله الجنرال عون) ومن الذاكرة المثقوبة الاستنسابية الدمارية (التي ما تزال خزاناً للشحن الطائفي والمذهبي).. لقد أخرج الاحتلال السوري اللبنانيين جميعاً من المشاركة في الوطن والدولة، وأخضعهم للوصاية الأمنية الارهابية تحت عنوان "وحدة المسار والمصير" في مواجهة العدو الصهيوني. إلا ان إنجاز التحرير في 25 أيار 2000 جاء ليحرر كل اللبنانيين من هذا الشرط- القيد، وهو ما أعلنه بوضوح البيان الأول للمطارنة الموارنة في 20 أيلول من نفس العام، ومصالحة الجبل في 5 آب 2001، ثم موقف الزعيم وليد جنبلاط ضد قرار التمديد للحود 2004، وصولاً إلى انتفاضة 14 آذار المجيدة. اليوم يدعو رئيس الجمهورية إلى استمرار الحوار الوطني لتأكيد ما جرى التوافق عليه سابقاً، مع السعي لتجنيب البلاد حالة الحرب الأهلية المتنقلة. ولكن بعض اللبنانيين ما زال يصر أن علينا أن نكون في صف "المحور" الممتد من طهران الى دمشق مروراً بالضاحية الجنوبية من بيروت، وأن ما سوى ذلك عمالة للأميركان ولإسرائيل. وبهذا الاعتبار يرى هذا الفريق أن موقع الرئاسة يعكس هذا الصراع بين الخطين وأنه كان الأولى وجود رئيس يحافظ على نهج إميل لحود في البقاء تحت ظل الوصاية السورية.. ولذلك نراهم يستهدفون موقع الرئاسة وشخص الرئيس من خلال ما جرى الأسبوع الفائت ومن خلال فضيحة ميشال سماحة... ويبدو من وراء ذلك أيضاً هدف إبقاء موقع رئاسة الجمهورية أسيراً لهم ما يساعد على استمرار حجز حرية رئاسة المجلس النيابي وشلّ المجلس نفسه والحكومة معه. وهذا كله يعني في ما يعنيه نسف النظام الجمهوري البرلماني الديموقراطي وإدخال البلاد في هاوية التفكك والاضمحلال دولة ومؤسسات واجتماعاً مدنياً وأهلياً. أمام خطر كهذا ينبغي أن نعيد تأكيد أمور أساسية: 1 ـ إن السلم الأهلي والمصالحة الوطنية والتسوية العادلة المتوازنة هي أسس العقد الاجتماعي اللبناني ما يعني نبذ لغة التخوين والتكفير وعمليات نبش الذاكرة واستحضار الماضي استنسابياً. 2 ـ إن العقد الاجتماعي اللبناني يتأسس على مقولة الحياد الإيجابي: نحن قلب العرب ومعهم ولكننا لسنا ساحة أو ملعباً. نحن نلتزم التضامن العربي والاستراتيجية العربية الموحدة، والمشروع العربي الواحد، للسلم كما للحرب، ولإعادة موضعة العرب في عالم اليوم، وفي النظام العالمي الجديد الذي نريده عادلاً متوازناً. 3 ـ إن إعادة تحديد ورسم دور لبنان وموقعه في المعادلة العربية اليوم هو الأساس لصوغ الاستراتيجية الدفاعية التي كثر الحديث عنها. وهذا الأمر يُشارك فيه رئيس الجمهورية ويعكسه. 4 ـ إن سلاح المقاومة صار اليوم موضع نقاش باتجاه حل يعتبر السلاح قوة للبنان تحت سقف الدستور والمؤسسات وفي إطار التوافق الميثاقي. فيكون قرار السلم والحرب قرار الدولة في لبنان ضمن إطار استراتيجيتها الدفاعية. 5 ـ إن طاولة الحوار ، قد تكون محطة لحفظ التسوية على الأسس المذكورة أعلاه. ولكنها قد تكون أيضاً محطة لتدمير التسوية وتدمير لبنان إذا لم يتغلب منطق المصلحة الوطنية والوحدة والوفاق، منطق العقل وبُعد النظر. وبذا فإن طاولة الحوار هي في الآن نفسه عنوان الأزمة وعنوان الحل.