الصفحات
▼
السبت، 21 يوليو 2012
الإخوان المسلمون السوريون يعقدون مؤتمرهم العام الأول في اسطنبول
المؤتمر السابع لحزب العدالة والتنمية في المغرب: ابن كيران رئيساً
مؤتمر حركة النهضة التونسية التاسع
الدولة العلوية: الملاذ الأخير للأسد.. بدعم إيراني وروسي؟
السبت 21 تموز (يوليو) 2012
في مقابلة مع جريدة "الفيغارو"، قال المحلّل الفرنسي "فابريس بالانش"، من جامعة ليون ٢
، إن "الملاذ العلوي" سيشكل الورقة الأخيرة للنظام في حال فقدانه السلطة أو في حال نشوب حرب اهلية مفتوحة. ولفت إلى أن حسن توركماني وهشام بختيار اللذين قُتلا في تفجير الأربعاء هم من "السنّة"، وأن عملية التفجير يمكن أن تشجّع كبار المسؤولين السنّة على الخروج على النظام خوفاً من التعرّض لنفس المصير، كما أنها قد تدفع ضباط الجيش من "السنّة" الذين ظلوا مهمّشين لسنوات طويلة إلى الإنشقاق على النظام. وهذا كله سيؤدي بنظام الأسد إلى الإنحصار في "نواته العلوية".
وأضاف الباحث الفرنسي أن "الأقلية العلوية ستكون قادرة على حماية دويلة تمتدّ على مدى الساحل السوري. فسكان المنطقة من أنصارها. كما سيكون على الجيش العلوي أن يدافع عن أرضه، وليس عن نظام فاسد كما هو الحال اليوم.
واضاف: "هنالك ارتفاع في التديّن بين العلويين اليوم. وهذا ليس بريئاً. إن بعض العلويين يتّهمون آل الأسد بأنهم دمّروا شعور الهوية العلوية. ويجري الآن تأسيس معهد ثقافي علوي في "طرطوس"، كتعبير عن تصاعد قوة حركة الهوية العلوية هذه. ويمكن لآل الأسد الإستفادة منها.
لكن، هل مثل هذه الدولة قابلة للبقاء؟
إقتصادياً، يمكن للجيب العلوي أن يعيش. فالمنطقة غنية زراعياً. وهي تملك مطاراً في "اللاذقية" ومرفأً في "طرطوس"، ومرفأ نفطياً في "بانياس". ومنذ وصول حافظ الأسد إلى السلطة، فقد تم اتخاذ كل الترتيبات اللازمة لتحويل المنطقة إلى ملاذ علوي إذا ما دعت الحاجة. كما تتمتع المنطقة بدفاعات مهمة، بفضل القواعد العسكرية المنتشرة في الجبال بين "دريكيش" و"طرطوس". وإذا ما طُردوا من دمشق، فسيكون بوسع آل الأسد أن يقيموا دويلتهم. وفي هذه الحالة، فسيتمتعون بدعم إيران، وبدعم روسيا التي ستظل محتفظة بقاعدتها في "طرطوس". وربما بدعم إسرائيل، التي يمكن أن ترحّب بانفجار جارتها واستبدالها بدولة طائفية.
أهالي 17000 مفقود ومخفي طالبوا مجدّداً بحلّ
تصريح للعلامة السيد هاني فحص عضو الهيئة الشرعية في المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى في لبنان حول الشيعة والوضع في سوريا
الاثنين، 16 يوليو 2012
حوار مع الشيخ حيدر حبّ الله حول المنهج الاجتهادي للإمام شمس الدين
أجرى الحوار شبكة اجتهاد الالكترونية
س: يشير آية الله الشيخ محمد مهدي شمس الدین إلى انعدام الرؤية الاجتماعية في الاجتهاد والاكتفاء بالتطبيق الفردي للأحكام الشرعيّة، كيف يمكننا تقعيد هذه الرؤية وبسطها وتوسعتها؟
الشيخ حيدر حب الله: يمكننا استنباط البنية الأصوليّة لنظرية العلامة شمس الدين في موضوع الفرديّة والاجتماعيّة من نظريّته فيما أسماه خطاب الأمّة وتحليل الوجوب الكفائي بما يرجعه إلى الوجوب العيني، فالمكلّف قد يكون شخصاً حقيقياً، وقد يكون هو الأمّة بما هي أمة، بمعنى أن يكون لكونها أمّة تأثير في التكليف، وهذا ما قد يحوّل الوجوب الكفائي إلى عيني بتغيير نوعية المخاطَب أو المكلف فيه من الأفراد إلى الأمّة والجماعة، وهذا التكليف المتوجّه للأمة إنما يلحق الأفراد كونهم من الأمّة، لا باعتبارهم وجودات حقيقية شخصية.
وينظّر الشيخ شمس الدين عبر هذه النظرية للفقه المجتمعي، إلى جانب الفقه الفردي السائد، وقد انتصرتُ لهذه النظرية في كتابي (فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، وقلت بأنه كما أقرّ المالك الحقوقي، كذلك يمكن تصوّر المكلّف النوعي أيضاً، فإنّ الجعل في العهدة له نحو اعتبار تماماً كما في باب الملكيات، والفرق أنّه في الواجب الكفائي بمعناه المشهور يكون الوجوب من الأوّل منحلاً إلى الأفراد، فيثبت في ذمّة كل فردٍ وجوبٌ لأداء التكليف، ولا تترابط الوجوبات بين المكلّفين، إلاّ من حيث أنّ أداء بعضهم يؤدّي إلى سقوط التكليف عن الآخر، لا أنّ ثبوته على بعضهم مشروط بثبوته أو عدم ثبوته على الآخرين، أمّا على نظرية شمس الدين فيمكن القول بأنّ الوجوب الداخل في عهدة زيد مشروط في مقام الجعل بوجوب آخر مماثل ثابت في ذمة عمرو، فالوجوبات مترابطة، لا أن السقوط مربوط بأداء الآخرين، ومعنى ذلك أنّ الجاعل والمشرّع قد تصوّر جملة وجوبات مشروطة في مقام ثبوتها على المكلّفين، فبدل أن يجعلها وجوبات حصل له منها تصوّر مجموعي، هو ما نسميّه بخطاب الجماعة أو تكليف الجماعة، فبالمآل نحن لم نتجاهل ذمم الأفراد، لكننا لاحظناها على نحو المجموع.
فالمشرّع في الواجبات العينية يلاحظ في مقام الجعل والاعتبار الأفرادَ والآحاد، ثم يدخل في عهدة الفرد الذي لاحظه الحكمَ الإلزامي، وإدخاله هذا الحكم في عهدة الفرد بما هو فرد لم يلاحظ فيه إطلاقاً في مقام الجعل انضمام الفرد الآخر إليه، بل تمّ تصوّر صدور الوضوء من الفرد بصرف النظر عن صدوره أو عدم صدوره من الفرد الآخر؛ لأنّ مبادئ الحكم من المصلحة وغيرها مركّزة على فعل الفرد، فالوضوء مصلحته الإلزامية يكفي فيها فعل الفرد له، وهي تتحقّق بفعل زيد مع عمرو أو فعله الوضوء من دون عمرو، فهذا هو البُعد الفردي في الواجبات الفردية العينية.
أمّا في الواجبات الكفائية المجتمعية، فالأمر مختلف، فإنه لا مصلحة في فعل الفرد لوحده؛ لأنّ الغرض لا يتحقّق به، فوجوب الجهاد على زيد لا قيمة له لوحده؛ إذ من الطبيعي في العادة أن لا يكون هذا الوجوب محقّقاً للغرض؛ لأنّ الجهاد ظاهرة جماعية لا يحصل الغرض منها بفعل فردٍ واحدٍ عادةً، لهذا فإنّ المشرّع عندما يشرّع فريضة الجهاد، فهو يقوم بملاحظة أكثر من فرد، وملاحظة المصلحة في فعل الجماعة لا في فعل الفرد، فيريد فعل الجماعة، فيصدر الحكم على فعل الجماعة.
وفعلُ الجماعة الذي يتحقّق به الغرض ليس سوى أفعال مترابطة، فصلها عن بعضها يلغيها، فلابد من فرضها بمقدار تحقّق الغرض، وهو ما يسمّونه مقدار من به الكفاية، لهذا عندما يجعل المولى الحكم بوجوب الجهاد، فهو لا يلاحظ زيداً لوحده، وإنما يلاحظ فعلَه منضماً إلى فعل عمرو، لهذا يربط الوجوب على زيد بالوجوب على عمرو؛ لأنّ فعلهما مترابط على مستوى تحقيق الملاكات والأغراض، بخلاف الوضوء والصلاة والصيام، فهي وإن كانت لها مصالحها بملاحظة واقعها الجماعي لكنّ مصلحتها بملاحظة واقعها الفردي كافية في إثباتها الوجوب عليها.
لكن كيف نعرف أنّ الوجوب هنا أو هناك فردي أو مجتمعي؟ أعتقد أنّ هذه مسألة مهمّة حتى لا نتوه في الفرضيات، فالخطابات الدينية متشابهة من حيث البنية والصورة، فلماذا كان الوضوء وجوباً فردياً فيما الجهاد عند شمس الدين مجتمعياً؟ وهذا السؤال بعينه يمكن أن نوجّهه إلى الاتجاه المشهور، فكيف نميّز بين الكفائي والعيني إثباتاً؟
أعتقد أنّ الحلّ يكمن في التحليل العقلاني العقلائي للموضوع تماماً كما فعل العلماء في التمييز بين الكفائي والعيني، وأزعم أنّ الوعي العقلائي يميّز بين تكليف فردي ومجتمعي مما يكون تحقّقه من الفرد الواحد غير ممكن عادة مثل تشكيل دولة إسلامية، ولزوم المشاركة في بلوغ الحاكم العادل سدّة الحكم، ووجوب الجهاد، وأمثالها مما يراه العقل العقلائي تكاليف موجّهة للجماعة، يُراد منها ذاتها وتحقّقها في الخارج.
وشاهد ذلك أننا نشعر بوجداننا بالفرق بين خطاب «صلّوا» الذي نحسّ أنه موجّه للفرد، وخطاب «أقيموا دولةً إسلامية» الذي يُشعر الفرد أنه لا يخاطبه بما هو هو، بل بما هو جزء من جماعة هي المخاطبة به، ولهذا تجد حسّ الجماعة حاضراً عنده في النوع الثاني، بينما تجده في النوع الأوّل غير معنيّ بالجماعة، وهو يمتثل أمر «صلّ» أو «طهّر الثوب قبل الصلاة».
إنّ هذا الارتكاز العقلائي في فهم أنواع النصوص هو الذي يشكّل قرينة فهم الفردية أو المجتمعية، وطبعا ليس كل وجوب كفائي هو مجتمعي فتغسيل الميت كفائي لكن لا يفهم عقلائياً كوجوب الجهاد.
من هنا يخرج العلامة شمس الدين بتنويع لخطابات القانونية في الكتاب والسنّة، إلى خطابات فردية وأخرى مجتمعيّة، بما يولد لنا الفقه الخاص والفقه العام، ويمكننا أن نضيف نوعاً ثالثاً من الخطابات هي خطابات حكوميّة ربما تتصل بالفرد الحاكم تارةً وبالمجتمع أخرى لا مجال للحديث عنها هنا، وهناك إمكانية لفتح تحليلات متعدّدة بعد ثبوت طبيعة الوجوب المجتمعي هنا أو هناك، من نوع أنّه لو لم يقم المجتمع بوظيفته فهل يجب على الفرد القيام بذلك بالقدر الذي يمكنه أم أنّ الوجوب يسقط عنه؟ وربما يثبت في حقّه وجوب أمر المجتمع بالمعروف فقط، فإذا اقتنع المجتمع بذلك تمّ إجراء التكليف خارجاً، وليس من البعيد أن يلتزم العلامة شمس الدين بمثل ذلك فيُسقط وجوب اقامة الدولة الإسلامية أو وجوب الجهاد عندما يتخلّى المجتمع ككل عن هذه الفريضة، ويثبت في هذه الحال وجوبٌ آخر مرتبط بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث لابدّ لمن تبقّى من المؤمنين أن يأمر سائر الناس بالاندفاع والانبعاث نحو تحقيق هذا التكليف المجتمعي أو ذاك، وهذا أمر له نتائج هامّة على صعيد التكاليف المجتمعيّة.
س: حبذا لو توضحون لنا حقيقة الاتجاه التقريبي الذي كان عند آية الله شمس الدين، وكيف كان ينظر لقضايا العالم الإسلامي من منظار تقريبي؟
الشيخ حب الله: يعتقد العلامة شمس الدين بأنّ مبدأ الوحدة الإسلامية والاخوّة الدينية مبدأ أصيل في التشريع الإسلامي، ويحسب أدلّتَه في ضمن ما يسمّيه الأدلّة العليا للتشريع، ويقصد شمس الدين بهذا النوع من الأدلّة أنّ التشريعات القانونية الإسلامية وكذلك منهج فهم الشريعة الإسلامية ينطلقان من مبادئ وأساسيات لا تقبل التغيير ولا التبديل، وتعبّر عنها نصوص حاسمة ورد الكثير منها في القرآن الكريم، إنّ هذه المبادئ تمثل بالنسبة للشيخ شمس الدين الأسس التي نستطيع من خلالها فهم أهداف الشريعة ومسلّماتها ومقاصدها، وعندما يقوم الفقيه من الانتهاء من مرحلة الاجتهاد في أصول الشريعة هذه يتجه نحو الفروع التفصيلية في الفقه الإسلامي، ويعمد إلى ممارسة الاجتهاد وفقاً لما تفرضه أدلّة التشريع العليا، فمثلاً يرى العلامة شمس الدين أنّ مثل قوله تعالى: (إنّما المؤمنون إخوة) يعبّر عن نصّ حاسم يقدّم لنا أحد الأدلّة العليا للتشريع، ويجعل مبدأ الأخوة الإسلامية مبدأ حاكماً في الفقه الإسلامي، لا يقبل التخصيص ولا التقييد بهذه البساطة، فإذا جاء الفقيه إلى مفردة تشريعية تفصيلية، مثل جواز غيبة المخالف أو بهتانه أو نحو ذلك، فإنّ النص القرآني أعلاه يشكّل دليلاً تشريعياً عالياً يسقط قيمة الأدلّة التفصيلية المعارضة له؛ لأنّ المبادئ الأساسية لا يمكن التخلّي عنها بهذه البساطة.
وفقاً لهذه النظرية في الاجتهاد، أي نظرية الشروع من الأدلّة العليا للتشريع والخروج بنتائجها ثم الذهاب في المرحلة اللاحقة إلى الأدلّة التفصيلية وجعل أدلّة التشريع العليا حاكمةً على الأدلّة التفصيلية بما يشبه هيمنة الدستور على تفاصيل القوانين المدنية والجزائية والجنائية وغيرها، هذه النظرية عندما يتمّ تطبيقها على مبدأ الوحدة الإسلامية عند العلامة شمس الدين ستنتج ـ تلقائيّاً ـ أنّ هذا المبدأ مبدأ أصيل ثابت في العلاقات الإسلامية ـ الإسلامية بالعنوان الأوّلي، ممّا سيضع العلامة شمس الدين في سياق الذين جعلوا الوحدة الإسلامية عنواناً أولياً في العلاقات الداخل ـ إسلامية، وبهذا فهو يرفض أن يكون التقريب بين المذاهب ناشئاً من الظروف الطارئة ومن العنوان الثانوي الذي قد يزول عندما تزول مبرّراته الاستثنائيّة، من هنا لا يكون المدخل السياسي في بلاد المسلمين في فترات معينة هو المدخل الصحيح للتقريب بين المذاهب؛ لأنّ السياسي متغيّر ولا يمكن ربط الثوابت الأوّلية ـ كالتقريب بين المذاهب ـ بالمتغيرات، فإنّ التابع للمتغيّر سيكون متغيّراً بشكل تلقائي. إنّ العلامة شمس الدين يرى التقريب نتاجاً طبيعيّاً لعملية اجتهادية داخل ـ نصيّة، وليس نتاجاً لوضع خارجي هنا أو هناك فحسب.
المسالة الأخرى التي تشكّل أساساً آخر للتقريب في وعي العلامة شمس الدين هو مسألة المواطنة؛ فإنّ مفهوم المواطنة عند العلامة شمس الدين يجعل كلّ المنضوين تحت الدولة الإسلامية متساوين في الحقوق والواجبات في الأعم الأغلب، والشيخ شمس الدين لا يميل في قضايا المواطنة إلى تكثير التمايزات بين المسلم وغيره ـ فضلاً عن أبناء المذاهب الأخرى ـ في الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، والمواطنة عنده لا تنشاً من الجانب العقدي فقط لكي تكون معياراً في منح الحقوق، وإنما من المساهمة في صناعة الاجتماع البشري ككل.
الأمر الآخر الذي أودّ الإشارة إليه هنا هو أنّ كتابات العلامة شمس الدين في المجال الفكري الإسلامي أو في مجال الاجتهاد الشرعي، تُظهر لنا حضور التراث الإسلامي بمدارسه ومذاهبه في أعماله، فعندما يعالج العلامة شمس الدين موضوعةً فقهيّة معينة فإنّه يرصدها في أعمال الباحثين والفقهاء والعلماء المسلمين على انتماءاتهم المذهبيّة، ليس بقصد الانتصار المذهبي بالضرورة، بل غالباً بقصد التدليل على أنّ الاجتهادات الإسلامية ـ على اختلافها ـ تمثل تراثاً ينبغي للفقيه وغيره وضعه أمامه، من هنا دعا العلامة شمس الدين إلى ما وصفه بالاجتهاد الإسلامي مقابل الاجتهادات المذهبية، وقال بأنّنا لا نريد مجتهداً حنفياً أو مجتهداً على المذهب الإمامي بقدر ما نريد اجتهاداً إسلاميّاً يضع الموروث الإسلامي أمامه بكلّ مدارسه، دون أن تكونه لديه عقدة من تيار دون آخر، مع حفظ حقّ الباحث أو الفقيه في النقد هنا أو هناك، أمّا عزل نتاجات المذاهب الأخرى وكأنها غير موجودة فإنّه من وجهة نظر العلامة شمس الدين غير صحيح إطلاقاً بل إنّه يعيق التنمية المنشودة في فكرنا الديني.
انطلاقاً ممّا تقدّم، ومن رؤية معمّقة للفقه والسياسة، آمن العلامة شمس الدين بالتقريب، وكان من دعاته، بل نحن نجد في تاريخه الشخصي ممارسةً عملية تقريبية، فرغم كونه في قمّة الهرم في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان، وهو مجلس مذهبي قد يسجّل عليه ـ كما فعل بعض العلماء ـ أنّه يكرّس الطائفيةّ في لبنان بدل أن يتلافاها، إلا أنّ العلامة شمس الدين استطاع في موقعه هذا أن يمارس دوراً تقريبياً مميزاً، حتى أنّه اختار ـ بصرف النظر عن موافقته في اختياره هذا ـ للمقاومة في لبنان اسم (المقاومة المدنية الشاملة) بدل أيّ اسم آخر ذو طابع مذهبي أو ديني، انطلاقاً من الخصوصيّة اللبنانية في التنوّع الطائفي والمذهبي، ومع ذلك كلّه لا نجد العلامة شمس الدين يتخلّى عن مبادئه العقدية في الاعتقاد المذهبي حيث يسوقه الدليل، فكتاباته تزخر بالتحليل التاريخي والعقدي المنتمي مذهبياً مثل ما جاء في كتابه (نظام الحكم والإدارة).
س: بماذا تختلف الدولة العلمانية في المنظومة الفكرية لآية الله شمس الدين عن نظريّة ولاية الأمّة ونظارة المراجع وإشرافهم؟
الشيخ حب الله: يميّز العلامة شمس الدين ـ من خلال تحليل نظريّته في الفكر السياسي ـ بين شرعيّة الدولة وإسلاميّتها، فشرعيّة الدولة بمعنى عدم صدق حكومة الجور والغصب عليها تكمن في كونها صادرةً من إرادة شعبيّة، فأيّ حكومة تأتي بها أصوات الجماهير ـ بصرف النظر عن كيفية العلم بهذه الأصوات سواء عبر الانتخاب أم غيره ـ ستكون حكومةً شرعيّة، لكنّ هذا لا يعني أنّها حكومة إسلاميّة؛ لأنّ إسلاميّة الدولة تكمن في إسلامية الدستور والقوانين، إذا لم نرد التدخّل في إسلامية الممارسة العمليّة.
والسبب في تمييز العلامة شمس الدين بين هذين الأمرين، أي الشرعيّة والإسلاميّة، هو أنّه يرى شرعيّة الدولة وولايتها أمراً بشريّاً غير إلهي، بمعنى أنّ الولاية الأصليّة عنده هي للمجتمع والأمّة والشعب، حيث لم يثبت عنده أيّ دليل نصّي على غير ذلك بما في ذلك نظرية ولاية الفقيه العامّة، وكما أنّ الفرد له ولاية على نفسه وسلطنة على تصرّفاته وأعماله، كذلك للجماعة التي هي الأمّة ولاية على نفسها بوصفها أمراً جمعيّاً له كيانه وظهوره الخارجي، ولكي تقوم الأمّة بممارسة ولايتها على نفسها تمنح هذا الأمر لمن تنتخبهم مثلاً ليمارسوا هذا الدور بالنيابة عنها دون أن تغيب الأمّة في فترة النيابة هذه؛ لأنّ تخلّف النائب عن القيام بما أوكل إليه يسمح للمنوب عنه أو للموكّل بعزله أو رفضه أو وضع بدائل مكانه. فالمقدّس عند العلامة شمس الدين ليس هو الدولة ولا النظام ولا السلطة، وإنّما المقّدس هو الأمّة عندما تكون مسلمةً، وفعل السلطة وممارسة الولاية تعبير بالواسطة عن قيام الأمّة بتولي أمور نفسها وتقرير مصيرها عند العلامة شمس الدين.
لكن إذا اختارت الأمّة خياراً غير إسلامي في السلطة، كان من المنطقي تخطئتها في ذلك من وجهة النظر الإسلامية، وكان من اللازم على العاملين في الخط الإسلامي السعي للأسلمة في القوانين والدساتير والممارسات، بيد أنّ هذا السعي ـ من وجهة نظر العلامة شمس الدين ـ لا يصحّ أن يكون قهريّاً أو عبر استخدام القوّة أو العنف، فالحركات الإسلامية والأحزاب الدينية ليس لها أن تمارس انقلاباً عسكريّاً مثلاً تفرض من خلالها الإسلام على الناس، كما ليس لها الدخول في ثورات دمويّة مسلّحة أيضاً، والسبيل المتعيّن هو القيام بتغييرات عبر الجمعيات الأهليّة ومؤسّسات المجتمع المدني ودوائر الدولة وعبر الإعلام وسلطاته وعبر التظاهرات السلميّة وأمثال ذلك، أي التغيير السلمي لا العنفي، فإذا استطاعت الحركة الإسلاميّة تغيير قناعات الأمّة لاختيار من هو الأصلح إسلاميّاً لتولّي السلطة من الاتجاهات الفكرية والعقديّة، كان من حقّها الحكم بإرادة شعبية عارمة، أمّا إذا فشلت فإنّ عليها أن تواصل جهدها السلمي هذا.
إنّ إسلامية الدولة يجب أن لا تعارض شرعيّتها، لأنّ الشرعية عند العلامة شمس الدين لا تنزل من الأعلى عبر نصب الحاكم من قبل الله بالاسم أو العنوان، وإنما تصعد من الأدنى إذا صحّ التعبير، أي من الأمّة نفسها، فإسلامية النظام لا تساوي شرعيّته، كما أنّ شرعيّته لا تعني إسلاميّته بالضرورة،. والعلامة شمس الدين يدعو إلى الإسلامية والشرعية معاً، فبدعوته إلى الشرعيّة يرفض الدكتاتورية والاستبداد وكلّ سبل الوصول إلى السلطة من غير طريق اختيار الشعب، وبدعوته إلى الإسلاميّة يرفض العلمانية وفصل الدين عن الدولة، لا بمعنى أنّه يرى عدم شرعيّة الدولة العلمانية، بل بمعنى أنّه يرى عدم إسلاميتها، وهذا التمييز الدقيق هو الذي يجعل العلامة شمس الدين غير علماني في نظريته حول ولاية الأمّة على نفسها؛ لأنّ إعطاء الحقّ للأمّة في تقرير مصيرها السياسي شيء، وتصويب قرارها فيما اختارته شيء آخر، فنحن نعطيها الحق في اختيار أيّ مذهب سياسي ولو كان علمانيّاً، لكننا في الوقت عينه نخطؤها في اختيارها الخطّ غير الإسلامي.
طبعاً هناك مجال واسع لتحليل ونقد بعض جوانب نظرية العلامة شمس الدين وغيره، لا يسعه هذا الحوار، لكنّني أعتقد بأنّه حاول أن يصوغ نظريّةً متوازنة نابعة من اجتهاد فقهي هادئ، بل وقد تقدّم على كثيرٍ غيره في تحليلاته هنا، وشكّلت محاولته في هذا المضمار رغبةً في التوفيق بين الدين والعصر، وجواباً عن مشكلة الاستبداد في العالم الإسلامي والعربي. لقد أراد شمس الدين الربط بين مفاهيم الديمقراطية والانتخاب والتعددية والشعب وغير ذلك مع مفاهيم الشورى والبيعة، إلى جانب أساسيات التشريعات الإسلاميّة
السيّد محمد خاتمي: الحرية والعدالة لا تنفصلان والإمام علي(ع) نموذج للحوار
الأربعاء، 11 يوليو 2012
كمـال جنبـلاط : في ما يطور ويستكمل الماركسية
نـص الخطـاب الـذي ألقــاه
كمـال جنبـلاط
رئيس الحزب التقدمي الإشتراكيفي المهرجان الذي أقيم
يوم الأحد في 27 / تشرين الأول /1974
في ذكرى نشوء الحزب الشيوعي اللبناني
حضرة الأمين العام وأعضاء اللجنة المركزية ،
أيها الأخوان ،
في عيدكم الخمسين، يطيب لنا باسم الحزب التقدمي الإشتراكي وباسمنا الشخصي أن نرفع إليكم أفضل التهاني بعبوركم المستمر لهذا الجسر الزمني من ” التعب ” على حد تعبير شاعرنا العربي ، ومن الالام والتحديات في مختلف المجالات .
وبالحقيقية كيف يستطيع الإنسان أن يعيش ، أو أن تنمو طاقاته الجسدية والفكرية والنفسية ، إن لم يواجه وتواجه التحدي الدائب الذي يبرز وظائف العقل والجسد ، ويجعلها تتطور وتنشط … وقد تكون أكبر مشاكل البشرية، في المستقبل الوسيط أو البعيد ، أن يجد الإنسان نفسه ــ بعد أن تصبح الآلة تنتج كل شيء، ويغرق هو في بحبوبة الرفاهية أن يجد الإنسان نفسه بدون عامل للتحدي يتصدى له ، أو يتجاوزه … فكل ما في الكون من أحداث وكائنات جماد أو حيَّة يقوم في كنهه على هذا التوازن بين الطاقات الداخلية للكائن أو الخاصة بصورته ومثاله ، وبين الإنفعالات التي يتلقاها من الخارج في مجرى مسيرته في الحياة .
إن نضالكم العامر بالجهد وبالتضحيات يستحق كل تقدير . وقد أسهم في توعية الناس وخاصة الفئات الكادحة إلى بعض مصالحهم الأساسية في العيش . ولكن يبقى أن تتوضح لنا جميعاً ــ في ضوء تقدم العلم الحديث ودراسة الإنسان في العالم الغربي والإشتراكي على السواء ـ المصالح التي تنتسب إلى حقيقة الإنسان إلى طبيعته ، وتلك التي لا تشكل إلا هوامش وعوائق ونفايات في طريق تقدمه وتحقق إنسانيته ومؤسساته …
إن الحياة تنقية واختيار واختبار ، ثم تجاوز واستدامة … فما هو الذي يجب أن نختاره ، وما هو الذي يتوجب أن نودعه سلة مهملات التاريخ …
تواجهنا ولا شك ، على الصعيد العربي مشاكل عديدة ، وقضايا معقدة وصعبة ، وأهمها الخروج بالقضية الفلسطينية بحل يرضي الضمير، ويتوافر فيه حق تقرير المصير، واستعادة الأرض العربية والفلسطينية كلها …
والوضع القائم يختلف اليوم، بشكل أساسي، مع الوضع السابق لحرب تشرين … فقد انقلبت إلى حد كبير المقاييس المعنوية، وأظهر العرب في مصر وفي سوريا قدرتهم على الصمود وكفاءتهم في القتال ومكنتهم من التقدم والتحرير، إذا توفر لهم السلاح الضروري لأجل ذلك، وإذا كان لهم المال الوافر لأجل تمويل المعركة، ولأجل دعمها إقتصادياً …
وإننا نرجو، بالنسبة للسلاح، أن تعود فتتوثق العلاقات بين مصر والاتحاد السوفياتي، وأن تتوطد الصداقة والتعاون، كما كانت عليه في عهد الرئيس الخالد جمال عبد الناصر، لكي يحصل العرب على كل ما يحتاجونه من عون وعتاد بما يتفوقون به كلياً على إسرائيل، فتفتح أمامهم مجالات التحرير الواسعة لجميع أرضهم المغتصبة سنة 1967 وسنة 1948 …
فالظروف قد تغيرت كثيراً في مدى سنة ونيف من التاريخ، إذ خرج العرب، في الشق المتعلق ببلدان النفط، كأقوى قوة مالية في العالم، من حيث المال المتجمع والفائض الذي سيبلغ هذه السنة ما لا يقل ــ مـالاً فائضـاً عن الحاجـات وعن التنمية فحسب ــ أكثر من خمس وأربعين ملياراً من الدولارات . كما يتوقع الخبراء أن يبلغ مجموع المال العربي المتراكم والفائض حتى سنة 1980 الستماية ملياراً من الدولارات …
لقد أضحى للعرب طاقة يستطيعون بها، ليس فقط أن يحرروا إسرائيل واحدة، بل ربما ثلاثة دول في قوة إسرائيل ..
فالمقاييس قد تبدلت منذ حرب تشرين ، فيجب أن يدرك العرب طاقتهم الهائلة ، وأن يستوعب حكام النفط مسؤوليتهم التاريخية التي تتوجب عليهم في دعم المجهود العربي كلياً ، وفي إعانة وعون العالم الثالث ، وفي إقراض أوروبا والإتحاد السوفياتي ما يحتاجونه ، لأجل التنمية المستمرة ، من مال ، ولرفع الإرتهان الصهيوني عن وسائل الإعلام العالمية وخاصة في الولايات المتحدة وفي أوروبا .
ولنقف صامدين، غير عابئين، ولا مكترثين في وجه التهديدات الإميركية باحتلال منابع النفط، لأن جميع هذه التهديدات هي عناوين سياسية لا أكثر … ولنسلك سياسية العون المادي للعالم الثالث ولأوروبا فوراً، لكي نعزل الولايات المتحدة عن العالم كله . فلتكن لنا سياسة كبيرة وعلى قدر حجمنا الحقيقي ولو مرة واحدة …
فالمطلوب، بالنسبة لدول المجابهة، هو إعطاء مصر وسوريا ما لا يقل عن عشرة مليارات من الدولارات، في مقابل وفي موازنة الخمس مليارات تقريباً التي تتألف منها موازنة إسرائيل هذه السنة والخمسة مليارات أخرى للقرض الأميركي الطويل المدى .
والمطلوب، بالنسبة للعالم الثالث، توفير مبلغ معادل أي عشرة مليارات أيضاً للهبات والإعانات المجانية، ومصرف عربي كبير للإقراض الدولي، يتجاوز، في حجمه ومكناته، المصرف الدولي العالمي .
والمطلوب، هو تمكين دول العالم الثالث ــ في افريقيا وآسيا بشكل خاص، الدول الفقيرة والنامية ــ من استرداد نصف ثمن مشتريات النفط … وإذا ما قسنا ذلك على مداخيل سنة 1974 المقدرة للعائدات النفطية ، لا تبلغ صادرات النفط العربي لدول العالم الثالث النامية أكثر من 9.3 بالماية من مجموع الصادرات العربية ، أي ما يوازي الست مليارات من الدولارات ، من مجموع الـ 64 ملياراً من الدولارات المقدر للعائدات النفطية العربية .
ويجب أخيراً لا آخراً تخصيص مليار من الدولارات لرفع الإرتهان الصهيوني والسيطرة الصهيونية عن الاعلام الأوروبي والاميركي .. وإذاك تسقط الضغوط، التي تتعرض إليها جميع دول العالم تقريباً، من الصهيونية الدولية، ويقف تيار الهجرة من جميع الأقطار إلى إسرائيل، هذه الهجرة التي تشكل باستمرارها عبئاً ثقيلاً على العرب وعلى الفلسطينيين .
وإذا ما فكرنا بالعلاقات السوفياتية الأميركية في بعض الشؤون المتعلقة بتنمية المساحات الهائلة السيبرية، نرى أن ما يحتاجه الإتحاد السوفياتي لأجل تحقيق هذه التنمية لا يتجاوز الست مليارات من الدولارات، وأن هذا المال متوفر لدى دول النفط، فلماذا لا تقدمه قرضاً للدولة الكبرى الصديقة التي كادت تكون السند الوحيد ــ وعملياً السند الوحيد ــ للعرب أبَّان محنتهم ونكبتهم باسرائيل .
ولماذا لا يتعاون العرب والاتحاد السوفياتي من الوجهة التقنية في استنبات محاصيل الحبوب الزراعية في السودان، وفي المساحات الواسعة القابلة للزراعة في العالم العربي، فيسهم العرب في مد العالم بما أسميه ” النفط الأصفر “، ــ وتبلغ مساحة السودان الزراعية أو القابلة للزراعة ضعفي ونصف مساحة فرنسا ــ فنلبي بذلك حاجة نصف دول العالم العربي للحبوب، وحاجة الدول الإشتراكية كلها للحبوب، ونشترك في تخفيف عبء الحرمان والجوع عن العالم الثالث . ألا يدرك حكام دول النفط العربي أن مئات الألوف يموتون هذه السنة من الجوع، وأن عدداً من الملايين الآخرين يتضورون جوعاً ؟ . وتدل تقارير الأمم المتحدة أن ملياراً من البشر سيلقون حتفهم حتى سنة 1992 نتيجة لحرمان لقمة الغذاء . ألا تتوجب الزكاة لهؤلاء، ألا يتوجب العون، ألا تتوجب النصرة باسم الإسلام، باسم المسيحية، باسم البرهمانية والبوذية، باسم كل دين، باسم حق مشاركة الإنسان لأخيه على وجه الأرض .
فلنناضل جميعنا لأجل تحقيق هذه المطالب التي يفرضها الواقع العربي المعاصر ويقضي بها الواجب ؟.
فلنناضل جميعنا لأجل إستعادة كامل الأرض العربية والوطن الفلسطيني السليب كله …
فلنناضل جميعاً لأجل الوحدة العربية الفيدرالية التي تضمن توزيع الموارد والطاقات وتمكن من وضع وتنفيذ خطة عامة لاستخدامها على الصعيد العربي، وعلى الصعيد الدولي .
فلنناضل لأجل توطيد الصداقة العربية السوفياتية، والصداقة والتعاون مع شعوب ودول العالم الثالث .
أما بالنسبة للمشاكل التي تعترض توجهاتنا، وتطرح نفسها على الصعيد النظري والعملي فلا بدَّ أنها اختلفت عما كانت عليه منذ خمسين سنة … وتطوير العقيدة الاشتراكية الماركسية أصبح متوجباً لاستيعاب هذه القضايا الجديدة . ولا أجد بدّاً من الإشارة إلى ذلك لماماً لكي ندرك جميعاً التبدلات التي طرأت ولكي نستطيع الرد عليها .
إننا نواجه في عصرنا المتقدم، وفي مرحلة تسارع نمو الإقتصاد والعلم والتطبيق التقني والمواصلات والثقافة، وتواجه الحركات الإشتراكية والدول الإشتراكية، بل الإنسان في معناه الواسع، تحدياً لم نطلع على مثيله عبر تاريخ البشرية كله، ويتشخص بألوان من الرفض، غير الرفض الناجم عن الصراع الطبقي، يتوجب علينا الجواب عليها :
أولاً : هل نقبل بإقتصاد حضـارة الإسـتهلاك لأجل الاستهلاك ــ أية كانت نوعية الأنظمة ــ أم سنرفضها ؟ إن هذا التساؤل لم يطرح نفسه على الماركسيين في القرن التاسع عشر، أو في بداية القرن العشرين ؟ .
ثانياً : كيف يكـون الرد الموافق على ما كان يعنيه ابن خلدون بظاهرة تضاد الأجيال البشرية ــ الأبن والوالد، الأجيال القديمة والجديدة ــ وأثر ذلك في المجتمع ونعني مشاكل الشباب المعاصر ومظاهر رفضهم ؟ .
ثالثاً : كيف يكون الحل لظاهرة الرفض التي يشعر بها سكان المدن وما تثيره في نفوسهم من نفـور وتشـتت ومن حساسيات فردية وجمـاهيرية ، ومن أمراض جسدية ونفسية ؟ .
رابعاً : كيف سيرد الإنسان المعاصر، والحكم الإشتراكي على استمرار إستخدام الآلة للإنسان واستعبادها إياه في أبشع صور للإرتهان شرحها وسبق أن ندد بها، بعد تصويرها لنا، كارل ماركس وسواه من علماء الإقتصاد ؟ .
خامساً : كيف سيكون ردنا على الفئات الإجتماعية الجديدة التي تولدت من هذا الرفض وفي طليعتها الطلاب والمثقفين وتلك الفئات التي انبثقت من نمو مجتمع وإقتصاد الخدمات والخبرة العلمية المتقدمة ؟ .
سادساً : كيف سيكون الرد على تفشي السلاح النووي والسلاح الجرثومي والتلاعب العلمي بالخلايا الوراثية لبعض الحشرات التي فضح أخطاره أخيراً بعض كبار العلماء ؟.
سابعاً : كيف سيرد الإنسان المعاصر على التقدم التقني، وملابساته وأخطاره، أم سيحاول إيقاف هذا التقدم، ويضع حداً لإيمانه بهذا الصنم ؟ .
ثامناً : كيف ســـنحل مشـكلة الحريـة التي تطرح نفسها بأشـكال مختلفة في العالم الإشتراكي وفي العالم الديمقراطي الغربي لكي يبرز نظام الحكم السياسي الجديد بكل مكناته التحررية ولكي يتلاءم مع الإشتراكية ويرفع الإرتهان عن حقوق الفرد والجماعة ؟.
تاسعاً : ما هو مصير التضامن الإفريقي الآسيوي ومصير العالم الثالث، في منطق ملابسات المنتصف الأول من النصف الأخير للقرن العشرين؟.
عاشراً : ما هو شكل الحكم السياسي الديمقراطي الذي يجب أن تتميز به وتحاول تحقيقه الأنظمة الإشتراكية في المقبل من هذا الجيل لكي تتحرر من بروقراطية وتستطيع باستمرار إبراز النخبة ؟.
إحدى عشر: كيف نجعل الحضارة أقل تعقيداً وأكثر عفوية وبساطة ، وأقرب من الطبقية، وأوفق للوظائف التكييفية للإنسان ــ الجسدية والنفسية ــ ؟.
إثنا عشر : ما هو مصير الإنسان المعاصر في ضوء العلم الحديث وهل يمكن ترقيته وتبديله، أم أننا سنظل، كما يرشدنا إلى ذلك العلماء، نواجه الإنسان ذاته، الذي لم يتغير أبداً عبر التاريخ، وعلينا إذن أن نحتاط للأمر في خلق المحيط المتوافق والبيئة الملائمة لهذا الإنسان ولطبيعته ؟.
ثالث عشر : ما هو ردنا الملائم، والشامل في تطبيقه، على مشكلة التلوث التي أضحت الخطر الأكبر على حياة الإنسان، وعلى بقائه واستمراره على وجه الأرض ؟ . وهل سنخلق جهازاً دولياً للرد على هذه المشكلة الخطيرة التي تهددنا ؟ .
رابع عشر: ما هو ردنا على مشكلة تكاثر السكان، التي أصبحت أيضاً خطر العالم المداهم، وقد انقضى عصر المجادلة في صحة أو عدم صحة نظريات مالتوس الشهيرة ، وأثبت الواقع أنه كان على حق ؟ إذْ المهم هو التوفيق بين الموارد الطبيعية للغذاء وحاجة الإنسان ، لا ابتكار الموارد الإصطناعية ــ بما فيها منتوجات النفط ومنتوجات الأسمدة الكيماوية ــ الذي أثبت الطب المعاصر خطرها على حياة جسد الإنسان ____! .
خامس عشر: كيف سنعالج قضية التغذية على نطاق عالمي، ومئات الملايين لا يزالون يتضورون جوعاً، وهل سنعمد إلى إنشاء وكالة عالمية للزراعة تعنى مباشرة بهذا الشأن كما يقترح علينا ذلك المؤرخ طوينبي وذلك قبل فوات الآوان ؟ .
سادس عشر: كيف سنعالج مشكلة ضرورة تحقيق الدولة العالمية التي تفترضها المشاكل العالمية المطروحة، والتي لها شمول عالمي ؟ .
سابع عشر: كيف يكون الرد على مـوجة الرفـض المتزايد للإلتزام الإجتماعي والقومي ؟ . وهل يمكن للإنسان ، في مجـال إستقامة حيـاته وتصويب تصـرفه واستقطاب ذهنيته وتوحيـدها ، أن يعيـش بدون مثل هـذا الإلـتزام الإجتمـاعي والقـومي والأخلاقي ..؟.
ثامن عشر: هل سنكتفي باقتصاد الكفاية والعدل ـ أي توفير الغذاء والثياب والمسكن للمواطن ـ
أم سنعتمد الطريق الخطر والمسلك الوعر في زيادة دخل الفرد المستمر وفي زيادة طاقته الإستهلاكية بتصاعد مثابر، فيغرق هذا الإنسان في الترف وفي البحبوحة وفي الكسل . وينجم عن ذلك ــ كما رأينا سـابقاً في التـاريخ ــ إنحلال العنصر البشـري وخاصة بـين سـكان المدينة ، وانتشار الفـوضى الفـرديـة والإجرام والأمراض ، وإنقراض الحضـارة ؟ .
تاسع عشر: كيف سنرد على سياسة التبذير الإستهلاكية للمعادن، للموارد، للطاقات، كما كان يجري ولا يزال بدون حسبان، وهي كلها محدودة محصورة، ولا يفيد أبداً تبذيرها ؟.
عشرين : كيف سنواجه العلم الحديث في إستيعاب تقريره بأن العائلة والمجتمع والقومية والنظام الأخلاقي والدين، هي ثوابت تاريخية ومفاهيم نفسية واجتماعية يفرزها كل إجتماعي بشري متقدم ..؟
واحد وعشرين: كيف سنستوجب، في عقيدتنا الفلسفية والإجتماعية، التقرير المذهل لعلماء أميركا وأوروبا والاتـحاد السوفياتي بأن المعرفة ، أي الوعي ، كانت في صميم التكوين والإبداع تواكبه وتقوده وتلازمه، وكأن الآية الشهيرة ” في البدء كان العقل وبه أبدع كل شيء” أصبحت حقيقة علمية ثابتة ؟.
هذه أسئلة عديدة ودقيقة وخطيرة تطرح نفسها علينا، وتلاحقنا إلى أي نظام انتسبنا، لأن الآلة قد فرضت نفسها وتقنيتها واقتصادها الموحد على جميع الأنظمة ..
فلنناضل جميعاً لحل هذه المعضلات .
وفقكم الله، وسدد خطانا جميعاً، وجعلنا أقرب من الواقع باستمرار قرب النظرية التي اتخذت لها من الواقع إنطلاقاً وارتكازاً ومحكاً وعودة دائمة …
وفي النهاية إن العقيدة الصحيحة العلمية يجب أن لا تتحول في أي حال إلى تمذهب، أو تحزب، أو عقدة في النفس أو تركيب إنفعالي في نطاق العاطفية … بل هي تجربة مستمرة وعودة دائمة إلى حقيقة الإنسان وإلى الواقع، وإلى إستياغة هذه الحقيقة وتحليل العلاقات التي تربط الإنسان بالمحيط، وتوفير البيئة الموافقة للإنسان ــ جسداً وحساً ونفساً ــ …
الماركسية هي نهج في التحليل والتفكير أكثر مما هي إلتزام في التعبير … ولذا توجب تطوير واستكمال الماركسية ذاتها … ألم يقـل ماركس :
” الإنسان أضخم وأثمن رأسمال في العالم “
نص الوثيقة النهائية لمؤتمر المعارضة السورية في القاهرة
يوليو 4, 2012
1- اسقاط السلطة الحاكمة :
يبدأ الحل السياسى فى سورية باسقاط بشار الاسد ورموز السلطة ومحاسبة المتورطين منهم فى قتل السورين –سيستمر الاصرار الثورى والارادة الشعبية والثورة حتى هذا سقوط السلطة الحاكمة – ضرورة توحيد جهود المعارضة على كافة الاصعدة من اجل تحقيق اسقاط النظام باسرع وقت ممكن – دعم الحراك الثورى والجيش السورى الحر والعمل على توحيد قواه وقياداته وخدمة لاهداف الثورة – دعم كافة الاطراف للعمل بأشد الحرص على حماية السلم الاهلى والوطنى 2- المرحلة الانتقالية تبدأ عند لحظة سقوط بشار الاسد ورموز السلطة الاساسين وتنتهى بانتخاب مجلس تشريعى حر على اساس دستور دائم جديد • المرجعية السياسية والقانونية فور سقوط بشار الاسد ورموز السلطة تتم اقالة الحكومة وحل مجلس الشعب الحالى وتشكيل حكومة تسيير اعمال بالتوافق بين قوى المعارضة السياسية والثورية وسلطة الامر الواقع – فور استلام حكومة تسير الاعمال يتم حل حزب البعث الحاكم والمؤسسات التابعة له والتحفظ على املاكه واعادتها للدولة على ان يسمح لاعضائه بممارسة العمل السياسى وفق القوانين الجديدة – تتم الدعوة الى مؤتمر وطنى واسع فى دمشق يشمل كل القوى السياسية بهدف اقرار تشكيل جسم تشريعى مؤقت ( هئية عامة للدفاع عن اهداف الثورة والانتقال الديمقراطى ) وحكومة انتقالية من شخصيات مشهود لها بالكفاءة – تتولى الحكومة الانتقالية ادارة شؤون البلاد – مطالبة المجتمع الدولى فور سقوط بشار الاسد بالغاء كافة العقوبات الشاملة المفروضة على سوريا ومؤسساتها
* المؤسسة العسكرية والأمن
* عند سقوط بشار الأسد ورموز السلطة يتم التوقيع بين العناصر الشريفة من الجيش النظامى ممن لم تتلطخ أيديهم بدماء السوريين وبين الجيش السورى الحروالمقاومة المسلحة على وثيقة تفاهم تنظم عمليات وقف إطلاق النار وسحب الجيش إلي ثكناته وضبط الأمن وحفظ السلم الأهلى والوطنى إشراف مجلس المن إذا اقتضى الأمر.
تشكل الحكومة الانتقالية مجلسا للأمن الوطنى بقيادة رئيس السلطة التنفيذية يضم فى عضويته قادة عسكريين شرفاء ممن لم تتلطخ أيديهم بدماء السوريين ومن الجيش السورى الحر والمقاومة المسلحة وشخصيات مدنية ذات صلة ويخضع للقواعد التى يضعها الجسم التشريعي المؤقت.
يتولى مجلس الأمن الوطنى عمليات إعادة هيكلة القوات المسلحة والأجهزة الأمنية بعد إخضاعها لسلطته بغية تطهير الأجهزة ممن ثبت تورطه وحل الميليشيات المسلحة «الشبيحة»، وسحب السلاح من المدنيين وضم من يرغب من الثوار إلي القوات المسلحة كما يحرص المجلس على الحفاظ على السجلات والوثائق من أجل تسهيل تحقيق العدالة الانتقالية وحماية السجون والحفلظ على سلامة الممتلكات العامة والخاصة من أى عبث.
* العدالة الانتقالية
* يتم تشكيل هيئة عامة للمحاسبة والمصالحة الوطنية تعمل تحت إشراف الجسم التشريعي المؤقت ثم البرلمان انطلاقا من أسس العهد الوطنى على:
تحقيق العدالة لجميع الضحايا الذين تعرضوا لانتهاكات منهجية لحقوقهم الإنسانية لإساءة المعاملة وتعويضهم ومحاسبة الفاعلين وإيجاد دآليات تعويض إضافية إجتماعية تمنع تفاقم النزاعات الاجتماعية.
تحقيق الشفافية فى نشر وثائق وحقائق تتعلق بسلوك مرتكبي الجرائم بالإضافة إلي تجارب الضحايا.
خلق آليات المحاسبة والشفافية ومنع حصول انتهاكات جديدة أثناء تطبيق العدالة الانتقالية واستعادة إيمان وثقة المواطنين بمؤسسات الدولة والمساهمة فى تعزيز سلطة القانون والمؤسسات الديمقراطية ومشروعيتها بغية ترسيخ بيئة خصبة لترميم الصدوع وتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة على الصعيد الوطنى والمحلى.
معالجة التاثيرات الفردية والجماعية للعنف والقمع والاستبداد وتوفير الدعم النفسى للاطفال والنساء وضحايا العنف ازالة اثار السياسات التمييزية السابقة بما فيها الغاء القانون 49 لعام 1980 وازالة الاجحاف بحق نازحى الجولان وضحايا احداث الثمانينيات وانتفاضة 2004 الكردية والمصادرات وتداعياتها ،وتعويض المتضررين وايجاد حلول عادلة للمشاكل المتراكمة ازالة اثار السياسات والقوانين التمييزية والمجحفة بحق الشعب الكردى فى سوريا وتداعياتها وتعويض المتضررين من ابناء العشب السورى كافة واعادة الحقوق لاصحابها تتضمن الهيئة العامة للمحاسبة والمصالحة الوطنية اصحاب اختصاصات مختلفة قانونية واجتماعية وحقوقية ونفسية وثقافية وشخصيات وطنية واجتماعية وفنية تتمتع بالمصداقية والقدرة على التاثير من اجل تنفيذ اليات العدالة الانتقالية عبر الخطوات التالية :
- هيئة قضائية مستقلة للبت فى الجرائم المرتكبة من قبل النظام وتشمل مسؤولى النظام الكبار بحيث تكون نزيهه وموضوعية وتحقق السرعة المنطقية فى عمليات المحاسبة – لجنة تقصى حقائق تعمل على جمع الافادات والتحقيق فى جرام النظام اثناء الثورة واحالتها للهئية القضائية وتشمل القيادات العليا والصفوف الاولى من النظام.
- لجنة تاريخية تهدف الى التحقيق فى الجرائم طويلة المدى وكشف الحقائق بما يتعلق بجرائم النظام ضد العشب السورى مثل مجزرة حماه وملف الاعتقالات السياسية والاعدامات الميدانية وملف المهجرين قسريا والمسرحين بشكل تعسفى.
- لجان مصالحة محلية تتضمن الشخصيات الوطنية والاجتماعية المؤثرة بالاستفادة من الطبيعة المجتمعية تبدأ العمل غلى عمليات المصالحة الوطنية والحوار الوطنى عبر وسائلها المتنوعة وتراعى فى تشكيلها الخصوصيات المحلية للتركيبة المجتمعية السورية – لجان تحكيم لحل النزاعات الصغيرة الاهلية الناشئة عن مرحلة الثورة فيما يتعلق بالافراد وتراعى القانون فى حل القضايا الصغيرة والخلافات الاهلية وتعمل على المصالحة الوطنية – تشكل الهئية مكتبا لتخليد الذكرى يقوم بتكريم ذكرى الشهداء والمعتقلين وانشاء الصروح التذكارية من اجل التعويض المعنوى والنفسى للمجتمع .
- ادخال مفاهيم العدالة الانتقالية ضمن العمل التربوى والمناهج الدراسية والمؤسسات الدينية والاجتماعية والثقافية .
- اصدار عفو على بعض الجرائم الصغيرة المرتبطة بالأحداث الأخيرة.
- فيما يتعلق بالجرائم المرتبطة بأحداث الثورة والتي تشمل الأفراد والعصابات «الشبيحة» يستمر عمل المحاكم العادية وفق القانون السوري متمشايًا مع اصلاحها بالطبع في عملية النظر في هذه الجرائم مع ضمان السرعة المنطقية في البت بها وضمان حق كل المواطنين باللجوء إلى القانون والادعاء الشخصي والمحاكمة العادلة.
- تشكيل فرق دعم نفسي واجتماعي تتبع لمكتب متخصص في الهيئة وبالتعاون مع منظمات المجتمع المدني المتخصصة من أجل علاج حالات الصدمة المرتبطة بكل أنواع العنف الذي مورس على النساء والأطفال والمعتقلين من اجل غعادة تأهيلهم وتقديم الرعاية الصحية الضرورية والنقاهة اللازمة لإعادة الدمج.
J تعمل هذه الهيئة بالتعاون مع القضاء على وضع قواعد المحاسبة والمصالحة بما يخص اعضاء السلطة السابقة والمجموعات المسلحة «الشبيحة» وضمان حق جميع المواطنين في محاكمة عادلة تؤمن حقوقهم.
ـ فور إسقاط بشار الأسد ورموز السلطة يتم التحفظ والحجر على أملاك أعضاء السلطة السابقة وعائلتهم أقاربهم المتورطين في نهب المال العام بالداخل والخارج كي يعالج الموضوع ضمن قواعد يضعها الجسم التشريعي المؤقت أو البرلمان بما في ذلك الأموال المحتجزة في الخارج.
*الوضع الاقتصادي والاجتماعي:
ـ يتم تشكيل هيئة عامة للتعويضات الاجتماعية وإعادة الإعمار تعمل تحت إشراف الجسم التشريعي المؤقت ثم البرلمان، انطلاقًا من أسس العهد الوطني، على:
- إعانة المنكوبين من الأحداث الحالية، وإعادة إعمار ما تهدم لهم من املاك خاصة.
- إعانة أهالي جميع الشهداء والمعتقلين والجرحى والمعاقين وتعويضهم بشكل عادل.
- إعادة النازحين والمهجرين في الداخل والخارج وتسوية اوضاعهم.
- المساهمة مع الحكومة في غعادة إعمار البنى التحتية والمنشآت العامة المتأثرة من الأحداث، وفي تمويل افجراءات الاقتصادية والاجتماعية العاجلة.
ـ توضع تحت سلطة هذه الهيئة جميع المعونات الخارجية والدولية بالتنسيق مع الجهات المانحة وتصرف من مخصصاتها مخصصات هيئة المحاسبة والمصالحة الوطنية.
مطالبة المجتمع الدولى فور سقوط بشار الأسد بإلغاء كافة العقوبات الشاملة المفروضة على سوريا ومؤسساتها ،وأن يساعد على إستعادة الدولة لأموال السلطة المحتجزة فى الخارج.
-تعمل الحكومة الانتقالية على القيام بسياسات تعالج سريعا خاصة :
- إعادة إطلاق الإنتاج الاقتصادى على كافة الصعد – تضخم الاسعار – تأمين المواد التموينية الاساسية – الفقر وتفاقمه فى المناطق المتضررة من الأحداث
الاثنين، 9 يوليو 2012
في الموقف الروسيّ من الأزمة السورية
الشيخ محمد مهدي شمس الدين :الكرامة البشرية وعلاقتها بثورة الشعوب
من الدروس القرآنية
مفهوم الكرامة البشرية في القرآن ومن ثم في الإسلام. هذا المفهوم حصل حوله جدل كثير في مدى تاريخ الإنسانية وكان دائماً موضع بحث وجدل بين الفلاسفة وبين السياسيين وبين رجال الدين والمؤسسات الدينية. هل للإنسان كرامة متميزة أو ليست له كرامة؟ هذه الكرامة هل هي ثابتة لجميع البشر أم لصنف خاص من البشر! أو لطبقة خاصة من الناس! هذه الكرامة هل هي ثابتة للرجال دون النساء أم هي ثابتة للرجال والنساء؟ هل هي ثابتة للعبيد والأحرار أو لخصوص الأحرار؟ هذا السؤال يتردد في أبحاث الفلاسفة، منذ أقدم نصوص الفكر الفلسفي هذا السؤال مطروح، في الأبحاث الدينية القديمة أيضاً مطروح في أبحاث رجال القانون في أقدم الشرائع، منذ شريعة حمورابي وقبل حمورابي في التشريع المصري القديم أيضاً مطروح.
ما هو المقصود بالكرامة البشرية، هي أن الإنسان له موقع في الكون يجعله موضع احترام وموضع صيانة، له احترام وله حقوق، ليس مهاناً وليس مهدور الحقوق. الحقوق تتناول الأمور الأساسية في البشر، حق الحياة وحق العيش وحق الأمان حق الحرية، الحقوق الأساسية التي تتقدم بها حياة البشر مع الاحترام، هذه هي الكرامة.
هذا المبدأ، مبدأ الكرامة الانسانية، ورد في سورة مكية في آية مكية. السورة هي سورة الإسراء، توجد فيها آية هي آية فريدة من نوعها وبنصها في القرآن الكريم التي نرى أنها وضعت أساساً لأول مرة في تاريخ البشر المعروف عن كرامة الانسان وهي قوله تعالى:" وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقنَا تَفضِيلاً "(الاسراء،70).
...هذه الآية هي لبيان المركز الحقوقي للإنسان، ومن ثم فإن هذا الأصل التشريعي يقاس عليه كل وضع متفرع، فكل وضع يتنافى مع مبدأ الكرامة الإنسانية يعتبر غير مشروع، وهذا أصل في باب الاستنباط قد يؤدي إلى نتائج مثيرة جداً في الفقه بالنسبة إلى المسلمين وبالنسبة إلى غير المسلمين أيضاً.
درج المفسرون على اعتبار أن هذه الآية هي من آيات التشريف وآيات المدح وأنها ليست من آيات الأحكام. نحن نعتبر أن هذه الآية هي آية تشريعية وهي من آيات الأحكام التي تضمنت حكماً شرعياً، وأنها من الآيات التي تتضمن أدلة الشريعة العليا.
ما يترتب على كون هذه الآية من آيات الأحكام أن كل أمر من الأمور يتنافى مع كون الإنسان مكرماً، سواء كان هذا الإنسان فرداً أو جماعة أو شعباً من الشعوب أو أمة من الأمم، كل ما يتنافى مع كونه مكرماً هو يكون غير مشروع في الشريعة، يكون محرماً، سواء كان من التصرفات أو من المواقف أو من الأحكام. وهذا ينطبق على المؤمن والكافر، وعلى العدو والصديق، وعلى القريب والبعيد، حتى غير المسلمين ينطبق عليهم هذا الحكم المبدئي الكبير إنهم مكرمون. وأن كل ما يتنافى مع كرامتهم، كل إهانة وكل افتئات هو محرم في الشريعة الإسلامية. وهذا يتناسب مع الكلية الكبيرة المذكورة في آيات الحرب وفي آيات القضاء من قبيل النهي عن العدوان، العدوان في الإسلام هو محرم إلا عندما يكون رداً للعدوان. وآيات القتال التي ورد فيها ...ولا تعتدوا... (البقرة، 190) (المائدة، 87)، تتناسب مع مبدأ الكرامة البشرية، ومن ذلك أننا استنتجنا في أبحاثنا في فقه الجهاد عدم مشروعية ما يسمى الجهاد الإبتدائي وهو إبتداء غير المسلمين بالحرب لمجرد أنهم غير مسلمين. ولا يجوز للمسلمين أن يشنوا حرباً إبتدائية، وهذا ينسجم مع مبدأ الكرامة البشرية، تحريم العدوان.
الكرامة البشرية هي كما قلنا حكم شرعي وضعي. ونحن في هذا الإستنتاج وفي هذا الاستنباط ننفرد في هذا الفهم عن غيرنا من الفقهاء ونرى أنه باب جديد من أبواب الاستنباط في الفقه الإسلامي.
التكريم البشري الثابت في هذه الآية هو أساس من أسس استنباط الأحكام الشرعية في باب الاجتماع السياسي والحرب والسلم والعلاقات الدولية في كل هذه المجالات الفقهية وكذلك في العلاقات الخاصة.
الأمر الشائع في الأذهان أن الكرامة هي فقط للمسلمين وأن غير المسلمين لا كرامة لهم ولا حرمة لهم، هذا أمر في نظرنا مخالف لهذا المبدأ التشريعي.
الكرامة البشرية ثابتة للإنسان مهما كان، مؤمناً أو كافراً، قريباً أو بعيداً ما دام يكرم نفسه. هذه الكرامة ثابتة للإنسان الذي يحترم كرامته. أما إذا أهان الإنسان كرامته حينئذ بطبيعة الحال هو يفقد هذه الكرامة. الإنسان يكون مكرماً وتكون لكرامته آثار تشريعية ما لم يهتك حرمة نفسه وما لم يرفع الستر المعطى له من الله سبحانه وتعالى. فلو فرضنا أن هذا الإنسان ظلم غيره لا تعود له كرامة، لو سرق أو كذب أو اعتدى يكون بطبيعة الحال قد عرض نفسه للعقاب لأن هذه الكرامة تثبت لأهلها ولا تثبت لغير أهلها.
الحرمات الأساسية للبشر هي: الدم والعرض والمال والسمعة، وهي مصونة لكل الناس، دم الإنسان البريء هو مصون، كونه غير مسلم لا يهدر دمه، عرضه مصون، ماله مصون. حينما نلاحظ من شواهد هذا الحكم الشرعي أنه ثابت في أصل الشرع لكل البشر حتى في حالة هزيمة غير المسلمين إذا اعتدوا نجد أن هناك حدود لرد العدوان وهو فقط إتقاء الخطر، كل شيء يزيد عن إتقاء الخطر وعن دفع الخطر يكون محرماً، كذلك حرمة العرض وحرمة الحريم، بحيث لا تجعل من عرض الأعداء من حريم الأعداء أمراًَ مستباحاً بأي وجه من الوجوه.
حرمة المال، كل إنسان يعيش في ظل القانون وفي ظل النظام ماله محرم، وما يشيع بين الناس أن غير المسلم هو مهدور المال هو أمر لا أساس له في الشرع على الإطلاق. وحرمة السمعة، إهانة غير المسلم، إهانته بأي معنى من معاني الإهانة يدخل في هذا الباب أيضاً.
الخطأ الذي يرتكبه الحاكم أو الدولة، الدولة إذا ارتكبت أي عمل من الأعمال يتنافى مع كرامة البشر فهذا العمل غير مشروع. الآن يُتداول أنه يطلب من الدول ومن السلطات العامة أن تحترم حقوق الإنسان والحريات العامة، ويُظن أن هذا المبدأ في القانون الدستوري أو في القانون الدولي هو من المبادئ المستحدثة من حين بدء الثورة الفرنسية أو الثورة البريطانية وأن هذا الأمر، هذا المفهوم كان غير معروف، كلا، هذا الأمر وُضعت أسسه في الشريعة الإسلامية. كل عمل من الأعمال يتنافى مع الكرامة البشرية تقوم به الدولة هو عمل غير مشروع وغير دستوري وتجب مقاومته. كل عمل من الأعمال تقوم به أي سلطة من السلطات تجاه أي مواطن أو أي جماعة يتنافى مع الكرامة البشرية هو غير مشروع. كل عمل من الأعمال يقوم به أي شخص تجاه أي شخص آخر ويتنافى مع الكرامة البشرية هو غير مشروع.
في هذه الحالة نحن نذكر بعض الخطوط التشريعية لهذا المبدأ التشريعي، في هذه الحالة إذا تعرض الإنسان لما ينتهك كرامته، الفرد أو الجماعة أو المجتمع، ولم تتوفر ضمانات الحماية وضمانات رد العدوان، يصبح من المشروع له أن يدافع عن كرامته، عن حقه في الكرامة وعن حقه في الاحترام وعن حقه في صون حقوقه، عندئذ يكون من حقه الدفاع عن نفسه. نتحدث هنا ليس عن الإنتهاك السياسي من قبيل أن يكون احتلال إسرائيلي وتتركب مقاومة جهادية ضد الإحتلال. هذا أمر يتعلق بالكرامة السياسية والسيادة الوطنية. نقول أنه حتى في المجالات الحقوقية داخل المجتمع حين يتعرض الإنسان أو الجماعة لأي انتهاك من انتهاكات الكرامة يكون له حق الدفاع عن نفسه. والآن المبدأ التشريعي لمشروعية المقاومة بكل ما تعنيه هو يرجع إلى هذا، إلى مبدأ الكرامة البشرية.
الحواريون وأخوة المسيح في المصادر الانجيلية
سعود المولى
في الأناجيل القانونية (أي المعتمدة رسمياً وهي أربعة: متى، مرقس، لوقا، يوحنا) يصل عدد الحواريين إلى أربعة عشر، وهذه هي اللائحة:
في انجيل متى هم: أندراوس وبطرس-سمعان ويوحنا ويعقوب ابنا زبدي ، و"فيليبُس وبرثولماوس وتوما ومتى العشّار ويعقوب بن حلفى ولباوس الملقب تداوس وسمعان القانوني (الغيور) ويهوذا الإسخريوطي الذي سلّمه" .
وفي انجيل مرقس هم: " بطرس- سمعان، ويوحنا ويعقوب ابنا زبدي (وجعل لهما اسم بوانرجس أي ابني الرعد) وأندراوس وفيلبس وبرثولماوس ومتى وتوما ويعقوب ابن حلفى وتداوس ( لا يذكر اسمه الآخر الذي ذكره متى: لباوس) وسمعان القانوني (أو الغيورZealot) ويهوذا الإسخريوطي الذي أسلمه" .
وفي انجيل لوقا هم: سمعان- بطرس وأندراوس أخوه ويعقوب ويوحنا (لا يذكر أنهما أبناء زبدي) وفيلبس وبرثولماوس ومتى وتوما ويعقوب بن حلفى وسمعان الذي يدعى الغيور (يسميه الغيور فيما بقية الأناجيل تسميه القانوني والمقصود غيرته على تطبيق القوانين أو ناموس موسى) ويهوذا أخو يعقوب ويهوذا الإسخريوطي"..فنجد هنا عدم ذكر تداوس أو لباوس المذكور عند متى ومرقس، كما نجد اضافة اسم "يهوذا أخي يعقوب" (بحسب النص العربي المترجم، وفي الأصل اللاتيني واليوناني يسمى يهوذا المنسوب الى يعقوب = Judas de Jacques).
وفي انجيل يوحنا هم: أندراوس وأخوه سمعان-بطرس وهما بحسب الإنجيل ابنا يونا، ومعهما نثنائيل (الذي كان من قانا الجليل وهو واندراوس كانا من تلامذة يوحنا المعمدان، ونثنائيل هذا غير مذكور في الأناجيل الأخرى) ويوحنا ويعقوب ابنا زبدي وفيلبس (من صيدا الجليل) وتوما (يقول عنه: الذي يسمى التوأم) ويهوذا الإسخريوطي (ويسميه يهوذا سمعان الإسخريوطي) ويهوذا "ليس الإسخريوطي" (هكذا يسميه ولعله يهوذا من يعقوب المار ذكره) ، فيكون العدد عند يوحنا تسعة حواريين... وهو في حادثة الصلب يتحدث عن تلميذين يسميهما: "التلميذ الآخر الذي كان يسوع يحبه"، و"يوسف من الرامة وهو تلميذ يسوع ولكن خفية" .
فالمشترك بين انجيل يوحنا والأناجيل الأخرى المسماة الإزائية 6 فقط من أصل 12 هم: أندراوس وأخوه سمعان-بطرس، ويعقوب وأخوه يوحنا ابنا زبدي، وتوما ويهوذا الإسخريوطي..وهناك 2 يرد اسمهما في انجيل ولا يرد في غيره..
فلنر إلى أولئك الذين لا يحظون بالاجماع أولاً.. فهناك تداوس ويسميه مرقس لباوس أيضاً ولا يذكره يوحنا ولوقا..وهناك يهوذا "أخو يعقوب" الذي يذكره لوقا هكذا، ويذكره يوحنا بأنه ليس الإسخريوطي، ولا يذكره متى ولا مرقس... ولكن يرد اسمه في أعمال الرسل .فهل هو نفسه تداوس؟ ولكن لماذا يحمل اسماً عند مرقس ومتى واسماً آخر عند لوقا ويوحنا، علماً أن العلماء يتفقون على كون لوقا يأخذ كل معلوماته من نفس مصدر معلومات متى أساساً ثم مرقس.. وعلماً أيضاً بأن عبارة "يهوذا الذي من يعقوب" تعني ابن يعقوب بخلاف ما ذهبت اليه الترجمة العربية ..
ولا يذكر متى ومرقس اسم يعقوب ابن حلفى.. ويوحنا وحده يذكر نثنائيل الذي من قانا الجليل..
ويعقوب ابن حلفى هو أخو لاوي- متى العشار بحسب مرقس فيكون متى هو أيضاً ابن حلفى.. والغريب أن نثنائيل الذي يرد ذكره في انجيل يوحنا في رواية طويلة تُظهر أهميته وتعاطف عيسى معه، لا يحظى بأدنى ذكر في بقية الأناجيل..
في القرن الخامس للميلاد صدر مرسوم البابا جيلاسيوس الذي حدد الأناجيل القانونية بأربعة فقط وألغى أو أخفى البقية (التي صارت تُعرف باسم الأناجيل المخفية أو الأبوكريفا)..وبدءاً من القرن التاسع انتشرت قصة تُماهي بين نثنائيل وبرثولماوس من خلال القول بأن الاسم الأخير هو لقب أصله بار ثولماي وتعني ابن ثولماي.. ولا يوجد ما يؤكد هذا الزعم علماً أنه من غير المفهوم أن يلجأ انجيل يوحنا لذكره بالاسم وكذلك أعمال الرسل، في حين تذكره بقية الأناجيل باسم أسرته أو لقبه؛ ما يدل على هشاشة هذا الاستنتاج المتسرع..
أما يهوذا أخو يعقوب، فهو في الحقيقة وبحسب الأناجيل (الأصول اليونانية واللاتينية) ابن يعقوب.. أما مصدر القول بأنه أخو يعقوب فيعود الى رسالة في الأناجيل منسوبة الى يهوذا "عبد يسوع المسيح وأخو يعقوب" .. ولكننا هنا نقع على اشكالية أخرى تتمثل في الكلام عن أخوة للمسيح هم يعقوب وسمعان ويوسي ويهوذا كما يرد حرفياً في انجيل متى، وفي انجيل مرقس. كما يؤكد يوحنا أن كلمة أخوة يجب أن تؤخذ حرفياً، فهم فعلاً أخوة عيسى أبناء يوسف النجار. وبحسب الانجيل الأبوكريفي المسمى بالانجيل البدئي ليعقوب protoevangilium والمسمى أيضاً "انجيل ولادة مريم" (كما في غيره من الأناجيل والرسائل الأبوكريفية ومنها قصة يوسف النجار )، فإن يوسف كان متعلماً وعالماً في فقه الشريعة وكاهناً في المعبد إضافة الى ممارسته لمهنة نجار خشب.. وكان تزوج وهو في سن الأربعين ثم صار أرملاً وله ستة أولاد: أربعة بنين (يهوذا، يعقوب، يوسف، وسمعان) وبنتان (ليديا وآسيا) .. أما مريم فقد نذرها أبواها لخدمة الرب في المعبد منذ كانت طفلة في الثالثة من عمرها.. وحين بلغت الثانية عشرة اجتمع الكهنة في الهيكل ليدرسوا وضعها "خوفاً من أن تعاني قداسة هيكل الرب دنساً ما"... ونزل عليهم ملاك الرب يخبرهم باستدعاء الأرامل ليختاروا واحداً منهم بالقرعة ليكون زوجاً لها ليحفظها..فوقع الاختيار الرباني على يوسف الذي اعترض قائلاً: "لي أولاد وأنا شيخ بينما هي فتية جداً".. ومن الأناجيل الأبوكريفية أيضاً أن عمر يوسف حين ترمل كان 89 سنة وحين تزوج مريم كان عمره 90 سنة. . وفي الأناجيل القانونية تأكيد على وجود أخوة لعيسى من يوسف النجار... ففي انجيل متى نقرأ على لسان أهل قرى الجليل الفلسطيني: "أليس هذا ابن النجار. أليست أمه تدعى مريم وإخوته يعقوب ويوسي وسمعان ويهوذا. أوليست أخواته جميعهن عندنا" .وفي مقطع سابق يقول متى: "وفيما هو يكلم الجموع إذا أمه وأخوته قد وقفوا خارجاً طالبين أن يكلموه" .. ونجد نفس الإشارة عند مرقس "فجاءت حينئذ إخوته وأمه ووقفوا خارجاً وأرسلوا اليه يدعونه" . وقد حاول البعض القول بأن الأخوة هنا تعني التلاميذ ولكن يوحنا بدد هذا الزعم حين ميّز بوضوح بين الأخوة والتلاميذ: "وبعد هذا انحدر الى كفرناحوم هو وأمه وإخوته وتلاميذه" .
تحولات السياسة والثقافة في سوريا
شمس الدين الكيلاني
عانت الحياة الثقافية في سورية، العديد من الاحتباسات، والاحتجازات، كان في مقدمها هيمنة الشاغل السياسي، على موضوعاتها، وتساؤلها، منذ ما سمّي عصر النهضة، وتزايد هذا الشاغل مع وقوع سوريا تحت الانتداب الفرنسي، وتأسيس الدولة السورية الحديثة، إذ غدا الاستقلال وبناء الدولة، وصورة العلاقة العربية، هي المؤرق الرئيسي للفكر، لكن الاحتباس الحقيقي للثقافة، سيلازم حقبة تفرّد البعث بالسلطة، ومصادرته للحياة السياسية، فإذا كانت الثقافة كإبداع للمعنى وللأفكار، قد تشاغلت في المراحل الأولى بالسياسة ومسائلها، من موقعها المستقل عن السياسة والسلطة، فإنها في حقبة البعث، خضعت هي نفسها (لسياسة) السلطة، وخططها، فكانت النتيجة انحطاطا شاملا لها.
الحقبة الليبرالية
خضعت سورية، منذ قرنين، مثل بقية العرب، لزمن ثقافي نوعي واحد، تشابكت فيه صلاتها بالثقافة الغربية، واكتشف مثقفوها تقدم الغرب وتخلفهم، فطرحوا على أنفسهم سؤال النهضة، لماذا تقدموا وتخلفنا؟ فقدموا إجابات مختلفة حملتها: الإصلاحية الإسلامية، والتياران الليبرالي والقومي، إلا أن هذه التيارات، بما فيها الإصلاحية الإسلامية، اتفقت قبل أن تبتلى بالاستعمار المباشر على ضرورة التجديد والاقتباس من الغرب، وعلى ضرورة الحكم الدستوري فشهدت هذه الحقبة انتعاشاً للحياة الثقافية، من موقعها المستقل عن السلطة، وعن المستوى السياسي، رغم تشاغلها بالأسئلة السياسية الكبرى، وشكلت أجوبة عبد الرحمن الكواكبي عنواناً بارزاً لهذه المرحلة.
تغير الأمر بعد الاجتياح الغربي ومعه المشروع الصهيوني. تصلب الموقف تجاه الآخر، وثقافته. احتل هاجس (الهوية) مقدمة المسرح الثقافي في مواجهة الوجه الاستعماري للحداثة، وتصاعد التأكيد على (المسألة الثقافية)، والخوف على الهوية، فشهدت سوريا في الثلاثينيات ولادة السلفية تحت تأثير صفحات (المنار)، وأفكار رشيد رضا، كنواة لولادة الحركة الأخوانية في الأربعينيات، التي أعلنت القطيعة الثقافية مع الغرب، وإلى جوارها شدّد القوميون الإيديولوجيون الجدد على "الأصالة" والمعاصرة، والخصوصية الثقافية، واستنفدوا طاقاتهم الفكرية على إثبات وحدة الثقافة كعنصر جامع للأمة، أما التيار الليبرالي فكان أكثر انفتاحاً، لا سيما أنه أصبح نافذاً بحكم مشاركته في بناء الدولة الحديثة في ظل الانتداب، ثم في زمن الاستقلال، فقد شدّد على الجانب الفردي للحرية، وعلى الليبرالية الاقتصادية، أكثر من تشديده على المشاركة، والمفاهيم الديموقراطية الأخرى، أما الماركسي فقد استعار النقد الاشتراكي لنقد الوجه الاستعماري للحداثة، والتأكيد على النزعة الأممية، لكن الجميع، إذا استثنينا التيار الليبرالي، لم يفكروا بالدولة الواقعية وبتطوير عملها وتحديث آلياتها، أكثر من تفكيرهم بالدولة الطوبى. فكّر الإسلامي بدولة الشريعة، أو بدولة الخلافة، والقومي بالدولة الأمة، والاشتراكي بالدولة البروليتارية، ولا سيما أن المفكر القومي، والإسلامي لم يتعاملا مع (الكيان السوري) بجد، إذ نظرا إليه على أنه محطة مؤقتة، أو جسر لكيان أكبر (الدولة العربية)، الدولة الإسلامية، وكان لهذا التطلع السياسي الكبير، موقعه المركزي في الإنتاج الثقافي لهذه الحقبة، لهذا فإن سوريا وإن أنجبت في مجال الشعر والأدب شخصيات مهمة أمثال نزار قباني، وأدونيس، وعمر أبو ريشة، وعبد السلام العجيلي، وزكريا تامر، وحنا مينه، وفي الفنون التشكيلية أمثال المدرس والكيالي، وقشلان إلا أنها لم تقدم مؤرخين كبارا في التاريخ السوري كجمال حمدان في مصر، والعلي والعزاوي في العراق، وفيليب حتي وألبرت حوراني في لبنان، أو مفكرين اجتماعيين وصانعي أفكار، أمثال طه حسين، وزكي نجيب محمود، وأحمد أمين، غير أنها تفردت في تقديم أبرز المفكرين القوميين العرب وأشدهم تأثيراً ساطع الحصري، ميشيل عفلق، قسطنطين زريق، زكي الأرسوزي.
وعلى الرغم من سيطرة الأسئلة السياسة الكبرى، على الثقافة، إلا أنها ظلت مستقلة، عن سيطرة السلطة، والسياسي، وأكدت حضورها كفاعلية حرة لإبداع المعنى، والفكر، ومارست هيمنتها على ميدان السياسة، وعلى السلطة، وعلى الدينامية الاجتماعية، وعلى سلوك الأفراد والجماعات، واستطاع المثقفون السوريون، أن يساهموا، مع غيرهم من المثقفين العرب، في إنتاج ما يمكن اعتباره ثقافة عربية جامعة، وبلورت أهدافا كبرى للجماعة العربية في النهضة والوحدة والتقدم، وفي إيضاح الخطاب الثقافي للأيديولوجيات السياسية، وأنجزوا كثافة في التأليف تدعو إلى التبصر والتغيير، في مناخ من الحريات الديموقراطية البرلمانية والليبرالية، لا سيما في الأربعينات والخمسينات، حيث ازدهرت عشرات الصحف الحرة، والدوريات، ودور النشر.
سلطة الحزب الواحد
ثم ما لبثت (الثقافة) أن دخلت في أزمة مديدة في مرحلة حكم البعث وتفرده بالسلطة، فلم تعد الثقافة، من حينها، تقصر علاقاتها بالسياسة على الانشغال بموضوعاتها من موقعها الحر، بل غدت مسخَّرة من السياسة، ومقادة في بداية حكم البعث من النخب السياسية للسلطة، ثم لاحقاً، من مثقف أجهزتها الأمنية، فافتقدت علاقتها بالجسم الاجتماعي إلى طابعها التلقائي الحر، القائم على الاقتناع، وتحولت إلى محض إيديولوجية سياسية حزبية متصلّبة فقيرة، تُفرض قسراً على الجماعة، بواسطة (الأجهزة) الأيديولوجية للدولة. فشهدت سوريا انطفاء مُطرداً للثقافة، بعد أن احتكرت السلطة الإعلام والمنابر الثقافية، وصادرت حرية الصحافة والنشر وسخرت الدولة وأجهزتها، وهيئات المجتمع المدني لمراقبتها وهيمنتها المباشرة، فانحطت صورة مثقف السلطة مع ترسخ هيمنتة وتداخل وظائفه بالسلطة، وإن احتفظ ببعض إهاب حملة الرسالة والمبشرين بتغير العالم، وعلى مظاهر التقشف الخارجية ونظافة الكف في بداية أمره، لكن ما لبثت أن تآكلت تلك المظاهر مع شروعه في بناء صرح الدولة الأمنية العتيدة، وتطبيقه لمنهج يسراوي أفقر فيه المجتمع والدولة معاً، في خضم تنافسه مع زعامة عبد الناصر العربية، ومع الحركة الناصرية في سوريا، وقدّم اثناء بحثه المحموم للخروج من عزلته ولبناء شرعية مفتقدة، خطاباً يسراوياً علمانياً راديكالياً رثاً نفّر فيه المجتمع برمته، وحط من مستوى الثقافة والفكر، اللذين أصبحا مصادرين من قبله، عندما أغلق جميع منافذ التعبير عن الرأي، وصادر المنابر الثقافية وأجهزتها، من الصحافة إلى دور العلم، إلى المدرسة والجامعة، وسلّمها إلى الأكثر طاعة، وانقياداً، من المثقفين، الذين نقلوا ولاءهم تدريجياً إلى الأجهزة الأمنية.
لقد بلغ هذا الميل حدوده القصوى في ظل (الحركة التصحيحية)، في عام 1970 حيث أصبحت هذه الاجهزه هي المشرف المباشر على الثقافة، والسياسة، وعلى المجتمع، وهو المعنى الذي عبرت عنه، بصورة مواربة، المادة الثامنة من الدستور، بقولها، ان حزب البعث هو قائد الدولة والمجتمع. واستعاضت السلطة، في هذه المرحلة، عن نهج إفقار المجتمع وتقشف النخبة، الذي اعتمدته نخب المرحلة الأولى للثورة، باستراتيجية إعادة إنتاج التركيب الهرمي للمجتمع بدءاً من ذروة الهرم، أي من النخب السياسية، والدولاتية البيروقراطية التي أمسكت بالقرار السياسي والاقتصادي والإداري، وذلك بإطلاق يدها لاكتناز الثروة والنفوذ شرط طاعتها وولائها، فأصبح صعودها السياسي، والإداري متلازمين مع تنامي ثروتها، وبذخها، وانفتح بذلك الطريق أمامها لتراكم ثروتها من نهبها للمال العام أو برعايتها لصعود قطاع خاص، لا سيما التجاري الذي غدا شريكا شرعيا لها في نهب قطاع الدولة، وفي تقديم الأتاوات ثمنا لصكوك الاستيراد والتصدير، بالإضافة إلى ما تفرضه على القطاع الصناعي من (خوة) لـ(حمايته)، و(رعايتها) له من مرحلة الإنشاء إلى مرحلة التداول مرورا بمرحلة الإنتاج!
هكذا فتح النهج الجديد باب الثراء عبر بوابة السلطة، وأجهزتها الأمنية، أو بالولاء لهما، فارتبطت الثروة والارتقاء الاجتماعي بالولاء للسلطة وأجهزتها، ثم تحول الولاء الأمني منذ الثمانينيات إلى رافعة، شبه وحيدة، للارتقاء الاجتماعي ولتنامي النفوذ، وأيضاً الثروة، فغدا "الفساد" منهجاً معتمداً وليس انحرافاً، لإعادة صياغة التركيب الاجتماعي، وهيمن بذلك نمط ريعي طفيلي على الاقتصاد. فبدلاً من اعتماد الإنتاج كمعيار للاقتصاد دخلت سوريا في دوامة إعادة توزيع الثروة لصالح المتنفذين في أجهزة السلطة، هذا هو المعنى الحقيقي لفشل التنمية، وتراجع مستوى الإنتاجية، والدخل، وهو ما جعل "القطاع الخاص"، خاصة التجاري، وهو الشريك في النهب، الأكثر بعداً عن تطلّب الديموقراطية، وحقوق الإنسان.
وهنا يكمن السر الحقيقي لانتشار أخلاقية الطاعة والانتهاز، واقتناص الفرص، بدلاً من الاعتماد على الذات، وعلى قيم الإنجاز والفاعلية والإنتاج التي هي عماد المجتمع الحديث. وبلغ الوضع قمته في الثمانينيات، في حلبة الصراع مع "الطليعة المقاتلة" للأخوان، التكفيرية الارهابية، التي كانت بمثابة الحصيلة، ورد الفعل الخاطئين على نهج النظام الأوامري الصارم، وعلى نزعته الدهرية الكلبية (لا أقول العلمانية التي لا تصح هنا) المتهافتة للسلطة، إذ أنجزت في هذه الحقبة عسكرة المجتمع برمته، وبلغ فيها نمط الدولة الأمنية ذروة اكتماله، وجرى فيها تصفية ما تبقى من رمق لقوى المعارضة الديموقراطية، المنضوية تحت يافطة (التجمع الوطني الديموقراطي)، التي طرحت مشروعاً ديموقراطياً للتغيير يعتمد نموذج النظام الديموقراطي البرلماني، وجرى خنق أي صوت معارض، في السياسة والثقافة، التي باتت موظفة، بما فيها الادب والفنون التشكيلية لإطراء السلطة ولامتداح رموزها، أو الاشتراك في مهرجاناتها الاحتفالية، وطقوس "أعيادها"، فانتشرت الأعلام والصور الهائلة، والشعارات والتماثيل في كل مكان تسبيحاً لرموز السلطة، وكأن الشعب السوري قد تحول على حين غرة إلى الديانة الوثنية، بأن كرّس نفسه لتقديس زعامته!
لم يعد ممكنا، في ظل هذا الوضع برمته، الحديث عن حياة ثقافية حقه في سوريا، بعد أن فقدت الثقافة استقلالها وأضحت تابعة للسلطة ولسياستها، في مناخ تحولت فيه السلطة، بإدارتها الحكومية، والحزبية، والنقابية وأجهزتها البيروقراطية، المنتشرة في كل مكان إلى خيوط متشابكة تحركها الأجهزة الأمنية، بطريقة أصبح فيها الجميع، في المدينة والريف، في الوظيفة أو خارجها تحت ضغط نظام الطاعة الصارم، حينها أصبح الفرد من القماط حتى الموت، تحت المراقبة والعقاب الصارمين، وبالتالي غدا التعبير عن الاختلاف عن السلطة، ناهيك عن معارضتها، له كلفته الغالية الثمن، أقلها الأقلّ ما حدث لكاتب بوزن زكريا تامر، عندما افتتح مجلة (المعرفة) الحكومية بمقتطفات من "الكواكبي" فتم عزله، ودفعه إلى الهجرة.
كما ضاقت منافذ التعبير والنشر، إذ اقتصرت الصحافة، وهي مرآة العالم الحديث، على ثلاث صحف لها مهمة واحدة، وهي ترجمة نشاط السلطة، والدفاع عن توجهاتها، واقتصرت وظيفة الإذاعة والتلفزيون على نقل هذا النشاط إلى الصورة والصوت، وانحسرت مراكز النشر والحياة المسرحية، والفنون التشكيلية، وسيطرت (التوجهات) الرسمية على الحياة الثقافية برمتها، فوصل الوضع الثقافي إلى حد الإفلاس الشامل وتكاملت تلك الصورة السوداء، مع ما حدث من تدهور للجامعة والمدرسة، بعد أن أشرفت على حياتهما الداخلية الأجهزة الأمنية، فتدهور المستوى الأكاديمي، مع استباحة استقلالها، ولولا الترجمات التي أنجزتها وزارة الثقافة، لكان التدهور أكبر.
وقد فاقم حالات التدهور هذه، أن السلطة لم تترك للقوى الثقافية، والسياسية الأخرى حق التعبير عن النفس، حين حصرت الأجهزة الثقافية ومنابرها بها، وضيقت المجال على المجتمع الأهلي والمدني، فطال التأميم حتى الأندية الرياضية، أما ما تبقى من أندية ثقافية فكانت تحت مراقبتها وسلطتها، فحُرمت المعارضة باتجاهاتها كافة من حق التعبير، فاقتصر نشاطها السياسي على صحافة بدائية تتناقلها الأيدي بسرية كاملة، وإذا كانت قد أبقت من هامش على صحافتها السلطوية، ودورياتها، في عقد السبعينيات، في المناخ الذي أعقب حرب تشرين، فهي قد حصرته في مجالات الأدب، والتاريخ والتراث، فكانت حصيلة النقاشات النظرية بائسة، ويعود ذلك إلى سيطرة النزعة (الطبقية)، وتوظيفاتها على النص الأدبي والتراثي والتاريخي، فسيطر على النقد الأدبي البحث عن الحامل الطبقي للرواية والقصة والمسرح، فتحول النقد إلى محاكمة (طبقية) لأبطال العمل الأدبي، لينتقل بعدها (ليحاكم) الكاتب، كما سيطر على دراسة التاريخ والتراث، والمنتوج الثقافي، البحث المحموم عن الحامل الطبقي للأفكار، فتحولت الثقافة إلى مسرح عرائس لصراع الطبقات الموهوم، على خلفية حرب طبقية حقيقية بين الدولة الأمنية، والمجتمع الذي جُرّد من حقوقه، بينما كانت ترتفع فوق هذا كله، ثقافة المديح لرجال السلطة، والهجاء والتخوين لخصومها.
وقد ساعد، على ذلك أيضاً، اشتراك النخبة السورية، حتى السبعينات، في كافة مشاربها، إذ استثنينا المثقف الليبرالي الذي توارى دوره، في ثقافة سياسية واحدة، تنطلق من موقف نخبوي للسياسة تجعلها مناطة بـ "الطليعة" المعبّرة عن الأمة، أو الطبقة، أو الجماعة المؤمنة، أما "الديموقراطية" ودور الشعب الحاسم في المشاركة، فكان خارج مرمى النظر حتى بداية الثمانينيات.
فالمثقف الإسلامي، وريث الإصلاح الديني، والذي بات يتمثل في الأخوان المسلمين، نظر إلى نفسه على أنها في الموقع المدافع عن الإسلام، ودولة الشريعة، وبشّر بسلطة شبه ثيوقراطية، وبالنهاية أفرز "الطليعة المقاتلة" التكفيرية التي كانت الوجه المقلوب لاستبدادية السلطة وإطلاقيتها، فكفرت المجتمع والدولة، ودعت إلى تطبيق الشريعة بالقوة.
أما المثقف القومي (الناصري) المتمثل بـ(الاتحاد الاشتراكي) الذي كان المعارض، والمنافس الأول حتى وفاة عبد الناصر، فقد ظل ينظر الى سلطة البعث على أنها سلطة غير شرعية، تجسّد الانفصال، بل كان يشكك بشرعية الدولة السورية نفسها إلى أن تعود إلى الوحدة مع مصر، ولقيادة رئيسها جمال عبد الناصر، فكان الهدف الرئيسي لهذا المثقف، قبل ما جرى له من تحول، الاستيلاء على السلطة لإعادة الوحدة، وكان المثقف الشيوعي، قبل الانقسامات التي أصابته، يعتقد نفسه طليعة البروليتاريا وجزءاً من جيش البروليتاريا العالمية، هدفه النهائي الاستيلاء على السلطة، وقد تحالف مع سلطة البعث خوفاً من المشروع الناصري الوحدوي، ولخدمة الصداقة مع الاتحاد السوفياتي، فكان (للنخب التقدمية) حاكمة ومحكومة، مفاهيم مشتركة حول دولتها التنموية المرتقبة، ودورها النخبوي، فضحّت بمرجعية الأمة، والجماعة والطبقة لصالح النخب التي تمثلها، فتضافرت، بذلك ذهنيات النخب ومواقفها، مع ضغط النظام الأمني الشامل، كي يزيدا من تدهور الحياة الثقافية.
كان لا بد من منافذ جديدة ليطل بها المثقف السوري على العالم، فكان لبنان نافذته شبه الوحيدة ليعبر بها عن نفسه، وكان لا بد من انتظار التحولات الذهنية التي ستجري على المثقف ذاته، لإعادة انطلاق روح جديدة تحيي ثقافته، وضع نقاط انطلاق جديدة لها، ففي نهاية السبعينيات، واستمراراً في الثمانينيات، شرعت النخب المعارضة تنقل خياراتها إلى الديموقراطية، فقد توصل المثقف القومي الناصري من خلال مراجعته للتجربة الناصرية، وللتجارب المخفقة للنظم التقدمية الأخرى، إلى اعتبار الديموقراطية شرطاً مهماً للتنمية والتحرر، ولتقرير مصير الجماعة العربية، كما انحازت بعض النخب الماركسية، إلى الاتجاه نفسه، ولن يطول الوقت على المثقف الإسلامي، بعد تجربته المرة في الثمانينيات، لأن يزاوج بين مفهوم الشورى والديموقراطية، وتوسعت دائرة تأثير المثقف الليبرالي، الذي ازداد ثقة، مع الانقلابات الكبرى في العالم. وكان أبرز ملامح هذه الفترة من الثمانينيات، بروز أطروحات برهان غليون المهاجر، والأطروحات المقابلة لياسين الحافظ، وجورج طرابيشي، حيث هيأت لهما الغربة سبل الإطلالة على العالم، وهما، على اختلافهما قدما النقد الأكثر جذرية لمنظورات الحقبة (التقدمية)، وأعطيا العلامة الأبرز على بزوغ وعي جديد.
تواكب مع استمرار وتعمق تلك الاتجاهات الديموقراطية، دخول السلطة في أزمة نهاية الثمانينيات العميقة، التي ترافقت مع انهيار التجربة الشيوعية، وسلطة الحزب الواحد المروعة، فشهدت سوريا بداية تراجع قبضة الدولة الأمنية، كمحاولة للتكيف، مع هذا المناخ، فتزايدت دور النشر، وتوسعت إصداراتها الثقافية، أمام الأجيال الجديدة من المثقفين في مجال الأدب والترجمة والفكر، الذين غدوا متسلحين بالمنهجيات الجديدة، وبالموجة العالمية الجديدة للديموقراطية، وانتعشت الدراما بعد أن رفعت السلطة وصايتها عنها، ثم تعزّز هذا الاتجاه الانفتاحي بقوة الحياة والأفكار وضغط أزمة شرعية سلطة الحزب الواحد، فشهدت سوريا الإفراج عن الآلاف من المعتقلين، فوجاً إثر فوج، وهو أمر لم تنتهِ السلطة منه إلى الآن.
وفي هذا الزمن الذي تهاوت فيه مرجعيات السلطة الإيديولوجية، وغدت في موقع الدفاع الاستراتيجي عن الذات، كان مثقفها قد فقد، منذ زمن بعيد، المبادرة والقدرة على صياغة الأفكار، إذ تحول إلى مثقف جهاز وحسب، يردّد ما تأتي به (الأوامر)، فانفصل قوله عن عمله، وخطابه عن ممارسته، واكتسب، بحكم وظيفته، مهارة التبرير، واقتصرت مساهمته على تكرار ما توارثه من قوالب قديمة لإلباسها الحقائق الجديدة، يخالجه شعور مهين بأن أحداً لم يعد بحاجة لتسويغاته النظرية الباهتة، حينما صار (مقامه) معتمداً على مقدار ولائه للأجهزة، وفي زمن يلح عليه في كل اتجاه بضرورة التغيير، فاكتفى هو، مسايرة للوقت، بذكر العناوين الجديدة الديموقراطية، الإصلاح... الخ كي يمنحها مضامين قديمة تافهة !..
العهد الجديد وإخفاق الرهان على التغيير
استلم الأسد الابن السلطة، في هذا المناخ، الذي كان فيه الجميع إما منتظرا الإصلاح، أو خائفاً من ضروراته، فأطلق هذا التبدل، في الموقع الرئاسي، الآمال عند الجمهور، ولا سيما عند المثقف المستقل والمعارض بإمكانية التغيير الديموقراطي، وكان هذا المثقف، على تضاؤل مكانته، وموقعه، أمام حصار السلطة له، قد انتقل إلى تربة فكرية جديدة، هي على النقيض من إيديولوجية الدولة الأمنية القائمة، وهو على ضعف حيلته، وحجم التهديد الذي أحاط تحركه، والتكلفة الغالية التي يتوجب عليه تقديمها اذا تجاوز (حدوده)، بات يمتلك نداء المستقبل، والقوة التعبيرية عن حاجات شعبه، وفي مقدمتها الديموقراطية، وحرية التعبير، وحق الشعب في إدارة مصيره.
وعلى الرغم من عسكرة الحياة السياسية، وسيطرة النظام الأمني في الثمانينيات ومحاولة إطفاء الحياة السياسية، والثقافية، وخنق النشاط السياسي الحزبي بالاعتقالات، أو بالتهديد بها، بقيت جماعة صغيرة متحلّقة حول "التجمع الوطني الديموقراطي" الذي دعا منذ الثمانينيات إلى التحول نحو النظام الديموقراطي البرلماني، ومثل رمزاً للقوى الديموقراطية، وإلى جانبه جماعات من المثقفين الديموقراطيين المستقلين، عبروا عن تحولاتهم الجديدة، وهواجسهم في الصحافة اللبنانية، فضلا عن المثقف الليبرالي العلماني الذي زادته هذه الأيام ثقة بالذات، وقد امتلك هؤلاء على ضعف حيلتهم رصيداً من القوة، طالما أنهم باتوا يتجهون إلى الشعب ليمسك بمصيره، ويستجيبون لريح العصر.
لقد تفاعل المثقف الديموقراطي المعارض، مع الوعود التي أطلقها العهد الجديد، فبرزت في المدن السورية، ظاهرة "المنتديات"، التي مثلت مجالا جاذبا لنشاط النخب الثقافية والسياسية، والتي حولتها إلى منابر ثقافية سياسية، ما فتئت تتسع لتنضم إليها رموز جديدة، ولعلها لو استمرت، واتسع نطاق نشاطها، لشكلت مدخلاً لبعث الحياة الثقافية السياسية، وأسست مناخاً للحياة الديموقراطية، وقاعدة اجتماعية ملائمة لنجاح عملية الإصلاح أو التغيير الديموقراطي، لولا أن انقضت عليها السلطة، وخنقتها في مهدها، إلاَّ أن هذه الانكفاءة إلى الطرق الأمنية القديمة، لم تنل من عزيمة إرادة التغيير، ومن الحركية الثقافية، التي خرجت من القمقم.
فعلى الرغم من مظاهر استعراض القوة، فإن إيديولوجية "حكم الحزب الواحد والدولة الأمنية" تهاوت، والنظام الأمني برمته بدأ يصيبه التفكك، وثراء الحياة السياسية، والثقافية شرع يؤكد نفسه، في شتى المجالات، وأغتنت الحياة الثقافية في سوريا بذلك الجدل الصاخب، بدلالة مفهوم "المجتمع المدني"، وإن كانت بعض حلقات ذلك النقاش، قد فتحت محوراً ثانويا "للاختلاف" على حساب الاتجاه نحو الحريات الديموقراطية، والتي عبرها يمكن للمجتمع أن يشكل هيئاته المجتمعية الحرة، إلاَّ أن الإنجاز المهم الذي حققته النخب السياسية والثقافية، على تنوعها، من الاتجاه الإسلامي إلى العلماني، فضلاً عن المثقف اليساري والقومي، هو وصولهم إلى قناعة مفادها، أن آليات النظام الديموقراطي، هي المدخل المناسب لتصحيح علاقات الاجتماع السوري، ولمواجهة مخاطر الخارج، والمفتاح الحقيقي لحل المسألة الوطنية، وللعمل العربي الموحد، فضلاً عن رفضهم الاستقواء بالخارج والدخول بأجندته، وهو ما يسهل عملية الإصلاح الديموقراطي، والمصالحة الوطنية، ويضع الإطارات اللازمة لانتعاش الثقافة الوطنية، التي لم يعد يقتصر مسرحها على المثقف التغييري الديموقراطي، فهناك المثقف الليبرالي العلماني، وإلى جانبه المثقف الإسلامي الذي انحاز إلى الديموقراطية، والذي جمع بين توجهات الأخوان الجديدة، وتوجهات الجيل الجديد من الإسلاميين، الذين اغتنوا بالمنهجيات المعاصرة، وانفتحوا على الثقافة العالمية، كما شهدت الساحة الثقافية ظهور المثقف/ الباحث، الذي اهتم بالدراسات الاجتماعية والسياسة الميدانية، وهو ما يشي باغتناء الحياة الثقافية السورية إذا قيض لها المناخ الديموقراطي، وما يلازمه من حرية تعبير، حينها يمكن أن نتحدث عن ولادة علاقة حية بين الثقافة والاجتماع السياسي السوري، بتأكيد استقلالية الثقافة عن السلطة، وعن السياسة المباشرة، وذلك بعودة ارتباط الثقافة مجدداً بالإنتاج الحر للفكر والمعنى، وهو ما يتيح لها أن تعرض (بضاعتها) في (سوق) الأفكار والقيم، والمعاني برهافة حرة من دون وساطة، أو قهر أو وصاية، فيتداولها أفراد المجتمع ويقتنونها باختيارهم الحر، وهو ما يعيد للثقافة مهابتها وقدرتها على التأثير الاجتماعي، ويتيح للأفكار أن تندمج في الكتلة الاجتماعية، في إطار تبادلية حرة شفافة، بعيدة عن القسر، والتوظيفات السلطوية، اللذين يقتلان الثقافة، والاجتماع السياسي معا. ولعل الكثير من المسائل السياسية والثقافية يتوقف على المآل النهائي للثورة السورية الراهنة،التي تختزن إمكانية فتح الأبواب الواعدة أمام رياح الإبداع والتنوع والثراء الثقافي، وأن تضع الأرضية الصلبة لمستقبل الثقافة والسياسة في سوريا تستعيد فيه نشاطها وحيويتها وصخبها وتأثيرها المشهود الذي ألفته في العهد الليبرالي قبل أن تبتلى بحكم الأجهزة.
التجربة التنموية في لبنان ما بعد الحرب: مراجعة وتقويم
بطرس لبكي
النهار- الأحد 8 تموز 2012-07-08
عقد تسعينات القرن الماضي كان من أنشط العقود إعمارياً في تاريخ لبنان وسجل إنجازات مهمة حسنت شروط الحياة في بعض المناطق والمجالات. لكن العديد من المناطق بقيت محرومة، وكلفة الانجازات كانت مرتفعة، فيما فاعلية بعض التجهيزات كانت منخفضة...
انطلقت التجربة التنموية بعد 1990 في ظرف لبناني واقليمي ودولي مختلف: على الصعيد اللبناني كانت الخسائر التي المت بلبنان كبيرة (90 ألف قتيل و 760 ألف مهجر، 880 ألف مهاجر، نظام تربوي مخلخل، خسائر بالرأسمال المادي قدرت ما بين 6 و 12 مليار دولار، خسائر بالدخل الوطني تفوق 50 مليار دولار، انخفاض الدخل الفردي الى نصف مستواه عام 1975، نصف الخطوط الهاتفية معطلة، ثلث الطاقة الإنتاجية الكهربائية معطلة، 80% من موارد المياه ملوثة، نصف الفنادق مدمرة). والدور الإقتصادي اللبناني قد تدهور بسبب تقدم دور الدول العربية النفطية، وعولمة النشاط المصرفي وانهيار الكتلة السوفياتية، والصعود الصناعي لآسيا الجنوبية والشرقية. ولكن بعض العناصر الإيجابية كانت ظاهرة: منها تحسن كفاءة الأفراد والشركات اللبنانية وازدياد مدخراتهم، وعدم تكون مركز خدمات اقليمي متنوع كلبنان، وظهور بوادر سلام اقليمي في مطلع التسعينات.
بدأ مجلس الإنماء والإعمار، الذي اعيد تكوينه مطلع عام 1991، باعداد خطة لتأهيل البنية التحتية. سميت خطة النهوض. وكلف بذلك كونسورسيوم دار الهندسة – بكتيل. اعد هذا المخطط عام 1991 ووافق مجلس الوزراء عليه في ربيع 1992. وكان يتكون من 126 مشروعاً ضمن 15 قطاعاً ويغطي سنوات 1992-1997: قيمة الإنفاق الإستثماري فيه 4449 مليون دولار.
وكان يهدف الى تأهيل البنية التحتية في مختلف القطاعات الى اعلى مستواها بين 1975 و 1990 مع تحسين لوضع بعض القطاعات المتضررة اكثر والمحرومة نسبيا (كهرباء، مهجرين، زراعة، مصافي نفط، مرافئ في المناطق) وكان متوسط الإنفاق الإستثماري 890 مليون دولار سنوياً.
نصف الإنفاق كان على أربعة قطاعات: الطرقات، الكهرباء، الإسكان، المهجرين. والإنفاق على تطوير القطاعات الإقتصادية كان ضعيفاً (صناعة، زراعة، سياحة، نفط، خدمات القطاع الخاص): 10% من الإنفاق الإجمالي. انطلقت اعمال التأهيل منذ 1991، كذلك الحملة لتعبئة التمويل من مصادر اوروبية وعربية. وتطورت عامي 1992 و1993 بتلزيم تأهيل قطاعي الكهرباء والمواصلات.
- تغير الوضع السياسي في نهاية 1992 مع الانتخابات ووصول اول حكومة للمرحوم الرئيس رفيق الحريري الى السلطة، ومع بروز مؤشرات لسلم اقليمي (اتفاقات اوسلو ووادي عربة...). فقدرت الحكومة اللبنانية ان لبنان لا يستطيع ان يكتفي بالتأهيل، واطلقت خطة لتوسيع البنية التحتية واعداد لبنان للظرف الإقليمي المنتظر وهي خطة الالفين الهادفة الى تطوير البنية التحتية واطلاق النشاط الإقتصادي وملاقاة حاجات السكان. فأصبحت خطة الألفين تغطي فترة 1995-2007 وقيمتها الإجمالية 18 مليار دولار اي 1366 مليون سنوياً.
- وهذا المبلغ يفوق بنسبة 50% المبلغ المقرر في خطة التأهيل السابقة. انتهى اعداد خطة الألفين في خريف 1994 ووافق مجلس نواب على اطاره الماكرو اقتصادي ضمن موازنة 1995. وادرجت البرامج القطاعية في قوانين برامج اودعت في مجلس النواب ابتداءً من اواخر 1994.
لكن الظروف الإقتصادية تغيرت جذرياً: فابتداء من 1994 اخذ نمو الإقتصاد اللبناني يتراجع من 8% عام 1994 الى 6.5% عام 1995 الى 4% عام 1996، الى 3.5% عام 1997 الى 2% عام 1998 الى 1% عام 1999 الى 0% عام 2000. وذلك بسبب السياسات النقدية والمالية والتجارية للدولة: رفع الفوائد على التسليف للقطاع الخاص للتماهي مع الفوائد على سندات الخزينة، رفع سعر صرف الليرة اللبنانية نسبة للدولار واخيراً فتح الأسواق اللبنانية امام السلع الآتية من الخارج دون معاملة بالمثل: فتوقف النمو، واغلقت ابواب المؤسسات او خفض من اعداد العاملين فيها وتراجع النمو الإقتصادي وتسارعت الهجرة الخارجية. رافق ذلك نمو سريع للدين العام من مليارين آخر عام 1990 الى 30 ملياراً سنة 2000. فأصرت وزارة المال على لجم الإنفاق خارج خدمة الدين العام. وبما انه من الصعب لجم النفقات الجارية لأسباب سياسية، لم يعد من الممكن الا لجم النفقات الإستثمارية وتراجع الإستثمار في المشاريع ذات التمويل اللبناني وحتى الخارجي بسبب ارتباطها بحصة لبنانية في التثمير وفي الإستملاكات.
لذلك وبعد ان بلغ الإنفاق الإستثماري لمجلس الإنماء والإعمار مليار دولار عام 1997 بدأ هذا المؤشر يتراجع بسرعة في السنوات اللاحقة.
ترافق التغيير الإقتصادي ابتداء من 1995 بتغير سياسي في خريف 1998 مع وصول العماد اميل لحود الى رئاسة الجمهورية والدكتور سليم الحص الى رئاسة الحكومة.
طلب الرئيس الحص من مجلس الإنماء والإعمار في شباط 1999 اعداد خطة تنمية اقتصادية واجتماعية خماسية ضمن الأطر التالية:
- الأفضلية للشأن الإجتماعي،
- الأفضلية للمناطق المحرومة،
- الأفضلية للزراعة والصناعة والسياحة والتكنولوجيا،
- انهاء المشاريع قيد التنفيذ،
- تنسيق الخطة مع توجهيات وزارة المال في مجال الإصلاح المالي.
هدفت هذه الخطة للتوصل الى هذه الأهداف من خلال:
- تحسين الميزة التفاضلية والتنافسية للإقتصاد اللبناني،
- تحسين عرض الخدمات العامة.
وبالمقارنة مع خطة الألفين كانت هذه الخطة التي اعدها الاستثماري الأميركي مونيتور (MONITOR) تستوجب انفاق 1.27مليار دولار سنويا (اي اقل بـ8% من خطة الألفين) مع انخفاض في حصة القطاعات التي كانت قد جهزت في التسعينات (كهرباء، مواصلات، ابنية حكومية، مرافئ، مطار، تربية، تعليم عالٍ، صحة عامة).
هذا بينما حظيت قطاعات أخرى بحصة أهم من حصتها في الخطط السابقة: طرق واوتوسترادات، تعليم مهني، بيئة، مياه وسدود، مياه مبتذلة، سياحة، اقتصاد، خدمات القطاع الخاص.
وبرزت قطاعات جديدة في خطة 2000/2004: الحماية من الفياضانات، التكنولوجيا العالية، البحث العلمي، تكوين شبكات للإتصال مع المغتربين.
وافق مجلس الوزراء على هذه الخطة في 17/5/2000، لكن التغيرات السياسية الناتجة عن انتخابات الألفين وعودة الرئيس الحريري الى رئاسة الحكومة، رمت هذه الخطة في أدراج الرياح حتى بروز خطة ترتيب الأراضي عام 2009.
انجازات سيرورة الأعمار (1991-2001) على الصعيد العام
- 2379 مشروعاً لزّمت بمبلغ /6209/ مليار دولار.
- 1766 مشروعاً نفذت بكلفة /3078/ مليار دولار.
- 613 مشروعاً قيد التنفيذ بقيمة /3130/ مليون دولار أي ربع عدد المشاريع الملزمة ونصف القيمة الملزمة.
- 27,5 مليار دولار مجمل الانفاق التثميري أي 82.87 % من المبالغ الملزمة.
- معدل التثميرات السنوية /650/ مليون دولار أي أدنى بكثير من المخطط /850/ مليوناً في خطة التأهيل، /1366/مليوناً في خطة الألفين، /1270/ مليوناً في الخطة الخمسية. ويعود هذا التقصير لسببين:
- ضعف الطاقة الاستيعابية للاقتصاد اللبناني بقطاعيه العام والخاص وذلك رغم تقوية طاقات مجلس الانماء والأعمار وباقي الادارات وتقوية طاقات مكاتب الدراسات والاشراف وشركات التعهدات.
- أزمة المالية العامة المتفشية منذ 1997 وقد تسببت بتأخير للاستملاكات والدفع للمتعهدين مما أخر إطلاق المشاريع الممولة محلياً وحتى خارجياً.
انجازات سيرورة الأعمار (1991-2001) على الصعيد القطاعي
- حصل قطاع الكهرباء على 22.3% من الانفاق أي بين ضعفين وعشرين ضعف الحصة المخططة في خطة الألفين والخطة الخمسية.
- حصل قطاع الطرق والنقل على 50 الى 70 % من حصته المخططة (بسبب التأخير في الاستملاك ومحاولات الخصخصة).
- حصل قطاع الاتصالات على 3 و16 ضعف حصته المخططة (بسبب سهولة التثمير النسبية) وتسبب ذلك بفائض في التجهيز.
- حصل قطاع النقل البحري والجوي على ما بين ضعفي حصته وأربعة أضعاف (بسبب الحجم الزائد للحاجة لمشروع مطار بيروت).
- حصل قطاع النفايات الصلبة على ما بين أربعة اضعاف وسبعة اضعاف حصته المخططة (بسبب ارتفاع أسعار المعالجة في بيروت وجبل لبنان اضعاف سعر المنافسة في السوق).
- حصل قطاع التربية والثقافة والرياضة على حصته المخططة نفسها.
- حصل قطاع الصحة العامة على ما بين ضعفي حصته المخططة وثلاثة أضعاف (بسبب الانفاق الزائد وغير الفعال في بعض المناطق لأسباب سياسية).
انجازات سيرورة التنمية واخفاقاتها على الصعيد الإقليمي
على الصعيد الاقليمي جرى انفاق فائض عن الحاجات في الكثير من القطاعات وناقص عن الحاجات في قطاعات أخرى في المنطقة الممتدة من وسط بيروت الى الحدود الجنوبية. وجرى انفاق أقل بكثير من الحاجات في كل القطاعات في المنطقة الممتدة من وسط بيروت الى الحدود الشمالية. وكذلك الأمر في البقاع.
ويمكن إعطاء تفاصيل قطاعية على هذا التقويم.
خلاصة
ان عقد تسعينات القرن الماضي كان من أنشط العقود اعمارياً في تاريخ لبنان وسجل انجازات مهمة حسنت من شروط الحياة في بعض المناطق والمجالات: التلفونات، المياه، الطرق، المستوصفات، المستشفيات، المطار، المرفأ، النفايات الصلبة في عدد من المناطق.
لكن العديد من المناطق لا تزال محرومة في مجال الصحة العامة والطرق وعودة المهجرين والسكن والمياه والري ومعالجة المياه الآسنة.
وكلفة الانجازات كانت مرتفعة جداً في مجالات الكهرباء والنفايات الصلبة وبعض الأوتوسترادات وعودة المهجرين. كذلك فاعلية بعض التجهيزات كانت منخفضة في بعض المجالات المجهزة (كهرباء، مستشفيات، مستوصفات، مدارس، السير، مياه الشفة) وذلك لأسباب متنوعة: عدم استكمال التجهيز، ضعف الصيانة وضعف الإدارة.
بعض القطاعات جُهِّزت أكثر من الحاجة: الكهرباء في السنوات الأولى، الهاتف الثابت، المطار وبعض الطرقات.
الفوارق بين القطاعات الموروثة من قبل الحرب ازدادت.
لكن هذا الجهد الكبير وغير الكامل في مجال الاعمار أطاحته الأزمة الأقتصادية العائدة الى سوء الادارة المالية والنقدية والتجارية والتي ألغت مفاعيل الأعمار ولجمت النمو وأعادت اللبنانيين الى الهجرة بأحجام غير مسبوقة، اي باضعاف اعدادهم اثناء فترة 1975-1990.
باحث – نائب رئيس مجلس الانماء والاعمار سابقاً
الاسلاميون والربيع العربي
محاضرة سعود المولى في النادي الثقافي العربي- بيروت، الأربعاء 29/2/2012
منذ بداية الربيع العربي والحملة على الاسلاميين لا تتوقف... يتلاقى فيها الليبرالي الأميركي المتفذلك باليساري التروتسكي النزق بالشيوعي الروسي المتخلف.. ناهيك عن بقايا مخابرات العروبة القومجية (حزبي البعث العراقي والسوري ومخلفات العقيد القذافي الكثيرة، وقد التقوا جميعاً في حضن الأصولية "النظيفة").. الحملة على الاسلاميين تبدأ بشيطنتهم أولاً مقدمة لتحويلهم الى شماعة تعلق عليها كل نكبات ونكسات وخطايا التيارات القومية واليسارية التي حكمت بلادنا لأكثر من 60 عاماً... صحافة الثرثرة والديماغوجية تنظر الى الاسلاميين وترسم صورتهم وكأنهم قوى خارج التاريخ والجغرافيا وخارج أي سياق اجتماعي اقتصادي ديني سياسي الخ... فتارة هم "خطفوا الثورة"، وتارة هم "سلفيون"، وتارة هم "عملاء النظام"، وفي أطوار كثيرة هم "يقبضون من السعودية وقطر"..الخ... وينسى أبطال اليسار المزيف ما كانوا يرددونه من أبجديات التحليل والتنظير في المادية التاريخية والجدلية...وينسى أبطال اليمين الليبرالي ما كانوا يقولونه عن الديموقراطية وتداول السلطة..ولا بأس من الاعادة والتكرار.
1- التيار الاسلامي العربي هو أولاً حركات وجماعات واتجاهات بعضها محافظ وبعضها ثوري وبعضها راديكالي وبعضها سلفي وبعضها رجعي وبعضها عقلاني... فهو إذن تيارات واسلامات وسلفيات وليس تياراً واحداً أو سلفية جامدة محددة.. التيار الاسلامي هو ككل تيار سياسي عربي معاصر ظاهرة اجتماعية سياسية معقدة متشابكة لها ديناميتها الخاصة وأطرها ومرجعياتها وسياقاتها... تماماً مثل القومية العربية وتمظهراتها المختلفة أو الشيوعية وتجاربها المتعددة..
2- التيار الاسلامي العربي المعاصر لم يكن في نشأته متطرفاً أو تكفيرياً أو حتى سلفياً...برغم وجود تطرف وسلفية في بعض محطاته ولحظاته التأسيسية...بل لعله نشأ ليبرالياً وطنياً (مثال حسن البنا وحسن الهضيبي ونجم الدين أربكان) ممتزجاً باشتراكية طوبوية (مثال مصطفى السباعي وسيد قطب) وبديموقراطية يسارية غربية (مثال مالك بن نبي وجلال آل أحمد وعلي شريعتي)..
3- جماعة الإخوان المسلمين التي أسسها حسن البنا في مصر (1928) هي أم الحركات والتيارات السياسية الاسلامية.. ولكن الى جانبها وقبل نشوئها كانت حركة (جيش الإخوان) السعودية الوهابية مثالاً آخر حمل السلفية التطهرية (البيوريتانية) العنفية إلى مصاف التنظيم المسلح المقاتل باسم الشريعة الصافية (الملك عبد العزيز قام بتصفية جيش الاخوان في معركة السبلة عام 1929)..
4- الحركة الاسلامية الاخوانية المعاصرة نشأت رداً على انهاء الخلافة الاسلامية (آذار 1924) وحملات التبشير وبداية التغلغل الصهيوني ومسألة التجزئة الاستعمارية والانتدابات والاحتلالات.. وفي الرد على نفس التحديات نشأ التيار القومي السوري ثم القومي العربي، والى جانبهما لا بل قبلهما التيار الماركسي والاشتراكي.. فكان من الطبيعي ولادة ظاهرة سياسية اسلامية لسبب بسيط ينساه المتمركسون اليسراويون وهو أن مجتمعاتنا مسلمة أصلاً...فالإسلام أصل وليس استثناء...
5- التيار القومي سطع في بلاد الشام ولم تعرفه مصر والسودان وبلاد المغرب العربي التي شهدت مزيجاً وطنياً اسلامياً اصلاحياً (مدرسة محمد عبده ومدارس علال الفاسي ومصالي الحاج والدستور التونسي والشيخ بن باديس وجمعية العلماء الجزائرية) تطور لاحقاً الى حركة وطنية تحررية استقلالية نشأ من داخلها وإلى جانبها "الإسلام السياسي الحركي"، وذلك بوحي مباشر من التجارب الفاشية والنازية والبلشفية التي كانت قبلة أنظار التيارات القومية والماركسية يومذاك..
6- التيار الاسلامي الحركي كان رداً ثقافياً في البداية ركّز على السعي لاعادة بناء الهوية الاسلامية والشخصية الوطنية في وجه التبشير والشعور بالهزيمة وانهيار الخلافة الجامعة وفي وجه الهجوم الغربي الاستعماري الكاسح في تلك المرحلة ما بين الحربين . ولم تختلف تجربة التيار الاسلامي في تلك الفترة عن تجربة مصر الفتاة أو الاستقلال او الحزب الوطني أو حتى حزب الوفد من حيث الشعارات وأساليب الحشد والتعبئة والتنظيم اللهم الا مع إدخال الرموز الاسلامية في الشعارات السياسية.
7- لم يطرح الاخوان مسألة الدولة والحكم ولا حتى تطبيق الشريعة الاسلامية كمطلب سياسي راهن بل تعاملوا مع الدولة المصرية على اعتبار انها دولة وطنية مسلمة ودخلوا الانتخابات وتحالفوا وشاركوا في الحياة الوطنية العامة الى جانب غيرهم ولم يطرحوا العنف كخيار حتى في موضوع فلسطين قبل انهيار الثورة الفسطينية الكبرى 1936-1939 وبروز نذر الحرب العالمية الثانية حيث تشكل النظام الخاص على وقع طبول الحرب وتقدم الألمان (1940-1941). ولم يتجذّر طرح الاخوان نحو الراديكالية والعنف الا مع تصاعد الصراع الداخلي مع الانكليز المحتلين، وتصاعد دور ضباط الجيش حتى داخل الاخوان، وآنقلاب النظام الخاص عن سيطرة المرشد (البنا)، ثم تجذّر أكثر مع تطور القتال في فلسطين وصولاً الى النكبة عام 1948 ومشاركة الاخوان في حرب فلسطين..أما التحول الجذري فجاء مع الانقلاب الذي قاده الضباط الاحرار (1952) وغالبيتهم كانوا من الاخوان..
8- لم يطور الاخوان تنظيراً او تأصيلاً لموضوعات الثورة والعنف والصراع والحكم والسلطة ولم يستخدموا التراث الديني في هذا الاطار الا بعد عام 1965 ومع تصاعد صراعهم مع النظام ودخولهم السجون بالآلاف وصولاً الى اعدام سيد قطب عام 1966.. فالقمع الناصري العنيف هو البذرة التي ولدت فكر العنف الجهادي في السجون على يد سيد قطب( المفاصلة وجاهلية المجتمع وحاكمية الله) وصولاً الى الغلو والتكفير مع جماعة المسلمين بقيادة مصطفى شكري بعد نكسة حزيران ( المعروفة باسم جماعة التكفير والهجرة).
9- في العام 1971 أطلق الرئيس السادات الآف السجناء من الاخوان وبينهم تيارات عنف وتكفير وتيارات حزب تحرير، وبدأوا العمل السياسي العلني والسري ناهيك عن التسلل داخل الجيش والمشاركة في حرب اكتوبر 1973.
10- العامل الفلسطيني شكل مجدداً عامل تجذير وتثوير من خلال ضباط منظمة التحرير الذين شاركوا في احداث لبنان عام 1973 ثم1975-1976، وتبلور الدعوة الى العنف الثوري على يد مجموعات فلسطينية ( خطف طائرات واحتجاز رهائن) وليس صدفة ان اول الجهاديين المصريين كانوا فلسطينين خدموا في حركة فتح ومنظمة التحرير وتأثروا بحزب التحرير( الفلسطيني النشأة والجذور والهوية) أمثال صالح سرية (قائد عملية الكلية الفنية العسكرية) وسالم رحال( أحد قادة الجهاد).
11- حرب لبنان وتصاعد السجال والخطاب الطائفي والمذهبي، وانقسام العرب، ثم زيارة السادات للقدس 1977 واندلاع الثورة الايرانية بخطاب اسلامي ثوري جذري 1978-1979 ونجاحها في اسقاط الشاه، كل ذلك أجج الغليان الثوري.
12- لم يستطع هذا الحراك الاسلامي الثوري الجذري ان يجد له متنفساً في فلسطين بسبب اغلاق الحدود ايامها من مصر الى الاردن الى سوريا ولبنان فكانت افغانستان هي الملجأ والحضن. وليس صدفة ايضاً ان يبداً التجمع الجهادي في افغانستان على يد الفلسطيني عبد الله عزام الذي خدم ايضاً لفترة في صفوف وقواعد منظمة التحرير الفسلطينية في الاردن.
13- اغتيال السادات (6 اكتوبر 1981) دفع بالناجين من تنظيم الجهاد المصري للهرب الى افغانستان حيث شكلوا مع المتطوعين السعوديين والخليجيين بقيادة بن لادن اطار العمل الجهادي حول عبدالله عزام مع انضمام مجموعات سلفية كثيرة من شتى بلدان العرب والمسلمين، وعلى أرض أفغانستان تبلورت طلائع القاعدة والسلفية الجهادية.
14- الاخوان المسلمون كانوا خارج هذا التطور بل وضده فركزوا جهودهم على مجتمعاتهم عبر العمل الاجتماعي الانساني والخدماتي والنقابي والمدني السلمي وليس صدفة أيضاً وأيضاً انهم سيطروا على معظم نقابات المهن الحرة في مصر وأمسكوا ببنية المجتمع في تركيا ومصر والمغرب وغيرها، وخصوصاً عند الطبقة الوسطى من محامين وقضاة واطباء ومهندسين وتجار صغار ومتوسطين واساتذة جامعيين وعبر تأسيس مشاريع صحية وتعليمية واسكانية وتوظيفية.
15- الازمة العامة التي عصفت بالدول العربية كنتاج لأزمة العولمة وأزمة الكرامة وازمة الحرية والديموقراطية، سمحت بانطلاق ثورات الربيع العربية وفي قلبها اسلاميون من شتى الأطياف، فهم أبناء هذا المجتمع وهذا الحراك وهذا الوضع الثوري المتأزم.
16- لم يكن التيار الاسلامي اذن غريباً عن الحراك الاجتماعي بل كان في قلبه. ففي مصر شارك الاسلاميون في تشكيل حركة كفاية وفي اضرابات معظم قطاعات المهن الحرة والجامعات والعمال.. وفي تونس والمغرب كانوا الاكثر تعرضاً للقمع والاعتقال.. ومنذ التسعينات تطورت لغتهم وتقدم خطابهم نحو تبني شعارت ومقولات الحوار والتعددية والتسامح والانفتاح والدولة المدنية والسلم الأهلي والديمقراطية، والتيار الاسلامي حمل ويحمل في داخله توجهات وخيارات وبرامج ومشاريع واسعة ومتعددة تبرز فيها تناقضاته وحدوده..
17- ليس التيار الاسلامي بالظاهرة الغريبة التي تحاول خطف الثورة او حرفها عن مسارها.. هو احدى قوى الثورة بل لعله أهمها واكثرها تنظيمأً وحراكاً وتطوراً وحضوراً.. وليس التيار الاسلامي بالبعبع المخيف. فهو مثله مثل غيره، فيه المحافظ الرجعي والتقدمي الثوري، والسلفي التقليدي والمدني الحديث، فيه الديموقراطي والاستبدادي، فيه الالهي والبشري، فيه من كل تنوعات الثورة والربيع وألوانه .
18- المهم والمفيد التعامل مع هذا التيار كواقع اجتماعي سياسي شرعي له حق الوجود والعمل وحق الوصول الى السلطة كغيره، وعلى قوى اليسار والديموقراطية والليبرالية التي تخشى على مكتسبات الثورة والربيع ان تعيد تنظيم نفسها ومراجعة خطابها وأدائها وطرح لغة جديدة وبنية جديدة تستطيع معها ان تستعيد حضورها ورياديتها.. ولا تبكي على وصول الاسلاميين الى السلطة، فهذا هو الصح وليس شواذاً او استثناء.. وككل وصول الى السلطة (سبقهم اليه القوميون والماركسيون) سيواجه التيار الاسلامي تحديات بناء الدولة والمجتمع، واقامة التحالفات، وصوغ السياسات، وتحديد الاصدقاء والاعداء، وتوضيح البرامج والشعارات، وسيتفاعل معها مثل غيره من التيارات، سلباً وايجاباً.. والنتيجة لن تكون معروفة سلفاً بل هي تتوقف على جهدنا المشترك وعملنا معاً للدفاع عن مكتسبات ثورة الربيع ولصون الاوطان وحفظ وحدة المجتمع ولحماية الديموقراطية والحرية والتعددية ولبناء توافقات وتفاهمات استراتيجية من اجل الوطن والشعب في كل بلد، ومن اجل قضايا العرب والمسلمين، خصوصاً فلسطين، والتنمية والتقدم.
19- لذا فان المطلوب هو التركيز على الشافية والديموقراطية والمحاسبة والرقابة وعلى الحريات وعلى التعددية والتداول السلمي للسلطة ونبذ العنف بكل اشكاله وعلى التنمية البشرية وعلى المجتمع المدني وعلى تشجيع قيام مراجعات نقدية لدى كل التيارات اسوة بمراجعات جماعة الجهاد والجماعة الاسلامية في مصر التي تحولت من العنف الجهادي الى الديموقراطية المدنية السلمية..
20- المطلوب من كل القوى وعلى رأسها العلمانية القومية واليسارية والليبرالية، مع الاسلامية، التواضع، والنقد الذاتي، ونبذ التطرف والاصولية، ونبذ العنف والتكفير والتخوين، والدخول في مرحلة مصالحة وطنية شاملة، ومراجعة نقدية جذرية، وتحول سلمي ديموقراطي، ولبناء دولة مدنية عادلة لمصلحة تقدم وازدهار مجتمعاتنا وشعوبنا، ولمصلحة الاستقلال الوطني والتنمية والحرية والديموقراطية مع الكرامة....