الصفحات

الأربعاء، 25 مايو 2011

اين بيروت من دمشق؟

الياس خوري
لم ار بيروت حزينة كما اليوم.
لم ارها عاجزة عن الكلام، وغارقة في الخجل مثلما هي اليوم.
حتى عندما كانت تحت القصف والخوف، لم تكن بيروت خائفة كخوفها اليوم.
لا، هذه ليست بيروت.
هذه مدينة لا تشبه بيروت، مدينة تختنق فيها الكلمات ولا تجد فيها الحرية زاوية تلتجىء اليها.
هذه مدينة مخجلة ومتواطئة مع القاتل.
بيروت تعرف ان الصمت مشاركة في الجريمة، ومع ذلك تصمت.
في الشام يقتل شعب بالرصاص وتداس وجوه الناس بالأحذية، في الشام شعب كامل ينتفض لكرامته وحريته وحقه في الحياة.
والشام ليست بعيدة عن بيروت، ولكن بيروت تبتعد عن نفسها.
صحافتها نصف صامتة، واعلامها اخرس، واذا تكلمت فالخجل يتكلم من خلالها وليس الحرية.
ساحاتها خالية، واذا جرؤ بعض الشبان والشابات على تنظيم اعتصام صغير صامت، كي يضيئوا الشموع تحية لأرواح الشهداء في سورية، يأتي شبيحة النظام الأمني المشترك ويدوسون الشموع، ويزأرون بهتافات تمجد الديكتاتور.
مثقفوها يدارون خجلهم وصمتهم متعللين بالظروف، وان حكى بعض الشجعان فيهم، فان كلامه لا يبرىء الصمت من صمته.
هذه ليست بيروت.
اما السياسيون فيتصرفون كرجال المافيا. يتغرغرون بكلام سمج عن عدم التدخل في الشؤون الداخلية السورية، بينما يعرقل رجال الأمن قدوم اللاجئين السوريين الهاربين من المذبحة.
الأمن الموازي يهدد السوريين في لبنان، ويتم احصاء النازحين، وتوجه الاهانة الى من اثبت انه شعب على استعداد للموت كي لا يهان.
لن اتحدث عن ابطال 'الممانعة'، لن اسأل المقاومين كيف يغمضون عيونهم. فأنا اعرف ان الطائفية لا تغلق عيون اللبنانيين فقط بل تحولهم الى عنصريين.
كل طائفي عنصري، وكل بنية طائفية هي شكل عنصري.
لن اسأل زعماء الطوائف عن صمتهم، فالأفضل ان يصمتوا، بعدما استمعنا الى ما قالوه عبر فضيحة وثائق ويكيليكس.
والطائفيون يكررون اليوم خطيئتهم الأصلية.
حلفاء النظام السوري مخطئون في حماستهم لنظام يترنح، لأنهم يخافون من ان يكون سقوطه مقدمة لاسقاط هيمنتهم السياسية التي هي الاسم الآخر لفسادهم ونهبهم.
واعداء النظام السوري مخطئون في انتظاريتهم، لأنهم ينتظرون اشارة لم تأت من سيدهم السعودي، وهم متخوفون من اللا قرار الامريكي حول مصير النظام، ومن التعاطف الاسرائيلي مع نظام شرح لنا المليونير رامي مخلوف معانيه.
كل هذه الحثالة من السياسيين تتلوث اليوم بعار الصمت والتواطؤ.
الشعب السوري في انتفاضته البطولية المجيدة، في صبره وتفانيه وشجاعته، يعلن فضيحة مزدوجة: فضيحة النظام السوري بالقمع الوحشي والدم المراق، وفضيحة النظام اللبناني بالجبن والسفاهة.
نستطيع ان نحلل اسباب هذا الصمت المتذاكي، او اسباب الدعم المتغابي للنظام السوري، كما نستطيع ان نفهم ان لبنان الذي استطاعت الطوائف اجهاض استقلاله وتحجيم مقاومته وتصغيرها، بات عاجزا ومشلولا وفاقد الارادة.
لكنني لا استطيع ان افهم لماذا تنتحر بيروت بالصمت.
المدينة التي قاومت الغزاة الاسرائيليين واحتملت القصف والجوع والحصار، تبدو اليوم خائفة من مجموعة من الزعران والبلطجية الذين يصادرون صوتها.
شارع الحمرا، الذي كان عنوانا ثقافياً للحرية تستولي عليه مجموعة من الفاشيين الذين يروعون الناس بأسلحتهم الجاهزة للاستعمال.
هذه البيروت ليست بيروتنا،
وهذه الصورة الخانعة لثقافة الصمت ليست ثقافتنا،
وهذه اللامبالاة الذليلة ليست لا مبالاتنا.
لا اعرف كيف اداري خجلي من نفسي ومنكم ايها الناس.
السوريون والسوريات يواجهون القمع بالموت، اما بيروت التي استقالت من نفسها، وصارت مجرد زواريب للطائفيين والفاشيين فانها تموت من دون ان تواجه، تنتحر ويُنحر صوتها على مذبح الخوف والمهانة.
لا اعرف كيف انهي هذا المقال، فلقد بدأت في كتابته كرسالة اعتذار من بيروت الى دمشق، وكوعد بأن لقاء الحرية لا بد وان يجمع المدينتين اللتين عانتا كثيرا من القمع والترهيب.
كنت اريد ان استعيد صوت سمير قصير الذي كان اول من زرع ياسمين الحرية في الشام، وروى بدمه ربيع العرب قبل ان يبدأ.
لكنني عاجز عن الكلام.
اشعر بالعار والعجز، واحس ان صوتي يختنق، وان بيروت التي كتبتها وكتبتني تتلاشى امام عيني، وانا ارى كيف تغرق المدينة في الخوف وتفترسها اللامبالاة.
لكن رغم القمع والخوف فان لا شيء يستطيع ان يمحو واقعا مشتركا تعيشه المدينتان المسورتان بالتخويف.
سوف يفي الوعد بوعوده، وسيحملنا الحلم صوب الشام وفلسطين.
اما مرحلة هيمنة الخوف فستنطوي كذاكرة لا نريد لها ان تعود.

من رسالة إدوارد سعيد إلى المثقفين العرب

الرسالة مقتطعة من كتاب «صور المثقف» (دار النهار)

ان ما أسعى إليه، هو وجوب بقاء المثقف أمينا لمعايير الحق الخاصة بالبؤس الإنساني والاضطهاد، رغم انتسابه الحزبي، وخلفيته القومية، وولاءاته الفطرية... على المثقف المجازفة في سبيل تجاوز اليقينيات السهلة التي توفرها خلفيتنا، ولغتنا، وقوميتنا، كما تعني البحث عن معيار واحد للسلوك البشري ومحاولة الحفاظ عليه، عندما يتعلق الأمر بمسائل مثل السياسة الخارجية والاجتماعية. ويتحتم علينا بالتالي، إن كنا ندين عملاً عدوانيا يقوم به عدو، دونما مبرر، ان نقدر أيضاً على اتخاذ الموقف عينه عندما تنتهك حكومتنا حرمة فريق أضعف.
إن المثقف وُهب ملكة عقلية لتوضيح رسالة، أو وجهة نظر، أو موقف، أو فلسفة، أو رأي، أو تجسيد أي من هذه، لجمهور ما، وايضاً نيابة عنه. ولا يمكن القيام به من دون شعور المرء (المثقف) بأنه إنسان، مهمته أن يطرح علنا للمناقشة أسئلة محرجة، ويكون شخصاً ليس من السهل على الحكومات أو الشركات استيعابه، وأن يكون مبرر وجوده تمثيل كل تلك الفئات من الناس والقضايا التي تُنسى وتُغفل قضاياها بشكل روتيني... ان الانتهاكات المتعمدة أو الناجمة عن إهمال هذه المعايير يجب ان يشهد ضدها وان تحارب بشجاعة.
إن أقل ما يجدر المثقف عمله ان يكون همه إرضاء جمهوره: فالعبرة الأساسية برمتها ان يكون محرجاً، ومناقضا، بل حتى مكدراً للصفو العام
... وجوهر الأمر ان المثقف، حسب مفهومي للكلمة، لا هو عنصر تهدئة ولا هو خالق اجماع، وإنما هو إنسان يراهن بكينونته كلها على حس نقدي، على الإحساس بأنه على غير استعداد للقبول بالصيغ السهلة، أو الأفكار المبتذلة الجاهزة، أو التأكيدات المتملقة والدائمة لما يريد الأقوياء التقليديون قوله، ولما يفعلونه. ويجب ألا يكون عدم الاستعداد هذا مجرد رفض مستتر هامد، بل ان يكون رغبة تلقائية نشطة في الإفصاح عن ذلك علنا... ولا يعني هذا الأمر دوما ان يكون المثقف ناقداً لسياسة الحكومة، بل ان يرى المهنة الفكرية حفاظاً على حالة اليقظة المتواصلة ومن الرغبة الدائمة في عدم السماح لأنصاف الحقائق والأفكار التقليدية بأن تسيِّر المرء معها.
يقول اورويل: «ان اللغة السياسية، مصممة لجعل الأكاذيب تبدو صادقة، والإجرام يبدو جديراً بالاحترام، ولكي تضفي مظهر الحصافة على الهراء البحت.
إن مشكلة الولاء محدقة دائما بالمثقف وتتحداه بدون رحمة. وكلنا بلا استثناء منتمون إلى جماعة قومية، أو دينية، أو عرقية ما: فما من أحد، مهما كان مقدار الإصرار على عكس ذلك، يعلو فوق الروابط العضوية التي تشد المرء إلى العائلة والجماعة، وبالتأكيد إلى الجنسية... ان الشعور بأن شعبك مهدد بالانقراض السياسي، بل بالانقراض الفعلي أحياناً، يلزمك بالدفاع عنه، وببذل أقصى طاقتك لحمايته، أو لمقاتلة أعداء الأمة. (كالحالة الفلسطينية مثلاً).
الخطر الهام الذي يتهدد المثقف هذه الأيام، لا يكمن في الأكاديميا، أو الضواحي، أو الروح التجارية المروعة للصحافة ودور النشر، وإنما في مسلك سوف أسميه الاحترافية... وهو اعتبار وظيفتك كمثقف تؤديها كسباً للرزق.
ان تخدم السلطة وتكسب منها المكافآت، لا يساعد اطلاقاً على ممارسة الروح النقدية والمستقلة نسبياً للتحليل وإصدار الأحكام، التي يتحتم أن تكون، من وجهة نظري، إسهام المثقف. المثقف الحقيقي الحق، ليس موظفاً أو مستخدماً منقطعاً كليا لأهداف سياسة حكومة أو شركة كبرى... في مثل هذه الحالات، فإن الإغراءات التي يواجهها المرء لإخماد حسه الأخلاقي، أو لإجباره على التفكير ملياً من داخل حقل اختصاصه، أو لكبحِ الشك داخله لمصلحة الخضوع للأعراف، هي فعلا كثيرة، ولذلك ينبغي الحذر الدائم.
... إن حرية الرأي والتعبير المتصلبة هي المعقل الرئيس للمثقف العلماني، فالتخلي عن حمايته أو تحمل العبث بأي من أساساته، هو في الواقع خيانة لرسالة المثقف... فحرية التعبير، لا يمكن نشدانها اجحافيا في منطقة ما وإغفالها في أخرى... ومن أكثر المناورات الفكرية خسة، التحدث بعجرفة عن انتهاكات في مجتمع الغير، وتبرير الممارسات ذاتها في مجتمع المرء نفسه (يمكن تعميم ذلك على السلطات والأنظمة)... إذا رغبت في دعم العدالة الإنسانية الأساسية فعليك أن تدعمها للجميع، وليس فقط انتقائيا لمن تصنفهم جماعتك، أو حضارتك، أو أمنك، أهلاً لها.
هل من الجائز للمثقف المعاصر، الذي يعيش في زمن مرتبك فعلاً نتيجة اختفاء ما يبدو انها كانت معايير أخلاقية موضوعية وسلطة واعية، ان يكتفي، ببساطة، إما بتقديم الدعم الأعمى لسلوك بلاده (أو نظامه) والتغاضي عن جرائمها وإما القول بدون مبالاة مثلا: «أعتقد أنهم كلهم يفعلون ذلك، وأن هذه هي حال الدنيا». ما يجب ان نكون قادرين على قوله، بدل ذلك، هو ان المثقفين ليسوا محترفين مسختهم خدمتهم المتزلفة لسلطة فائقة العيوب، بل هم، مثقفون في موقع يتيح المجال للاختيار، ويقوم أكثر من غيره على المبادئ، بحيث يمكنهم قول الحق في وجه السلطة..
إذا أردت أن تراعي ولي نعمتك، فلن تستطيع ان تفكر كمثقف، انما فقط كمريد، أو كتابع، لا تغيب عن ذهنك فكرة ان عليك أن تُعجب لا تُغضب... ان التبعية العمياء للسلطة في عالم اليوم، هي أفدح الأخطار التي تهدد كينونة حياة فكرية أخلاقية نشطة.

الاثنين، 23 مايو 2011

25 أيار: يستمر التحرير ويتجدد بالعدالة والحرية والكرامة والديموقراطية

سعود المولى
في 25 أيار 2000 تحقق في جنوب لبنان ما كان العرب يحلمون بتحقيقه منذ عام 1917 (وعد بلفور المشؤوم) وما خسروه حين تم الغدر بتضحيات وبطولات أجيال وأجيال من الكادحين الفقراء ومن الجنود والثوار.. منذ ثورة 1936 وحرب 1948 وحرب العدوان الثلاثي 1956 وحتى نكسة حزيران 1967 ثم حرب تشرين الرائعة 1973 ومعركة جنوب لبنان 1978 ومعركة بيروت الخالدة 1982... لقد انهزم العدو الأسطوري الذي لا يقهر..انهزم هزيمة تامة لم يستطع معها إحداث دفرسوار ما..وكانت معركة الجنوب كرامة طويلة الأمد أكدت من جديد أن العدو قوي حين لا تقاتله وأنه أكثر من جبان حين تتوفر الإرادة والعزيمة والقيادة والوحدة والصمود وحين تتم الاستفادة من كل عناصر القوة في الأمة ومن كل نقاط الضعف عند العدو وفي النظام العالمي الجديد. نعم لم يكن الإنتصار في جنوب لبنان إنتصاراً للإيمان وللعقيدة فحسب، وهو لم يكن ثمرة للتخطيط والتدريب والتعبئة والحشد والحماس والتضحية فقط ، بل كان مع ذلك كله وفوق ذلك كله إنتصاراً للتقدير السليم للموقف وللإستراتيجية الواضحة وللتكتيكات الناجحة في إدارة الحرب، ولنوعية السياسات المتبعة من إنفتاح وتضامن وتفاعل مع المجتمع اللبناني ومع الأمة العربية، ومن حسن إستفادة من الظروف الدولية والإقليمية وحسن توظيفها لمصلحة الحرب الشعبية الطويلة الأمد ...هذا هو المعنى الأساسي للإنتصار في 25 ايار 2000..
لم يكن الإنتصار ليتحقق لولا الوحدة الوطنية اللبنانية الرائعة التي التفت حول المقاومة وتجسدت في إجماع وطني شامل عبَّر عنه إتفاق الطائف (1989) وكرسته القمة الروحية الجامعة الشاملة في بكركي (2 آب 1993) كما الموقف الرسمي للدولة اللبنانية (من خلال البيانات الوزارية منذ 1992) ما شكل الحضن الدافىء والحصن المنيع للمقاومة..إن حقيقة السلم الأهلي والوحدة الوطنية على قاعدة التعددية السياسية والتوافق الديموقراطي والحوار الدائم كانت هي أساس الصمود لتحقيق النصر...ولم يكن ذلك ممكمناً إلا في لبنان حيث الحرية والديموقراطية والتعددية ثروة حقيقية سمحت بتثمير التضحيات وهذا هو الدرس الأبلغ لكل دعاة الممانعة: لا مقاومة ولا ممانعة من غير حرية وعدالة وكرامة وديموقراطية..إن إعادة الإعتبار للكرامة الإنسانية ولقيم الحرية والعدالة ولمبادىء الديموقراطية هي كلمة السر في إنتصار 25 أيار... وهي كلمة السر في إنتفاضات الشعوب العربية اليوم التي ما كانت ممكنة لولا إنتصار الجنوب 2000...
ولم يكن الإنتصار ليتحقق لولا الإجماع الشعبي العربي ولولا الموقف العربي الرسمي الذي شكلّ غطاء ومظلة سمحت بالإستفادة من كل عناصر القوة العربية ومن عزل وتحييد عناصر الخلل والضعف ومن إستثمار ذلك كله دولياً كما ظهر بوضوح في تفاهم نيسان 1996 وفي مواقف أخرى كان عمادها التفاهم الإستراتيجي المصري-السعودي-السوري ومعه الدعم الأوروبي والعالم ثالثي لقضايانا..لقد كان ممكناً تحقيق التضامن العربي والتأييد الدولي ليس فقط بسبب عدالة القضية بل بسبب كيفية إدارة الصراع وتحقيق أوسع جبهة إستراتيجية لعزل العدو وبسبب الإستفادة من كل عناصر الوضع الدولي والاقليمي دون إنغلاق أو تحجر ودون إستعلاء أو تكبر.. وبرغم كل ما حدث منذ التحرير إلا أن هذا التضامن العربي قد صار سهل الإستعادة اليوم بعد موجة الثورات العربية التي سارت على طريق تحقيق المصالحة الحقيقية بين الشعوب وأنظمتها وإنجاز السلم الأهلي الراسخ وبناء التنمية المستدامة والتي ستعيد صياغة العلاقات الداخلية في كل بلد عربي على أساس العدالة والكرامة والحرية والديموقراطية، والعلاقات العربية-العربية والعربية-الإسلامية على أساس التضامن والتعاون والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة..
وهذا وحده هو طريق الإنتصار على الذات ثم على الظلم الدولي والعدوان الخارجي..
لا يمكن هزيمة وحش العولمة الرأسمالية وغول التجزئة والتفتيت المذهبي والقبلي بسياسات القمع والنبذ والعزل والتخوين والتكفير..لا يمكن تأمين شروط إنخراطنا السوي في مجتمع دولي أكثر عدالة ومساواة وأكثر إحتراماً لحقوقنا ومطالبنا دون بناء العدالة والحرية والكرامة لبلادنا وشعوبنا...وإلا فإن تجارب من سبقونا على طريق حرب التحرير الشعبية والنصر على الإحتلال والعدوان مليئة بالدروس والعبر.. ليس الإنتصار على العدو الخارجي المحتل منقذاً من الضلال بحد ذاته..فكم من شعب ثار وانتصر بعد قتال أسطوري وبعد ملايين الشهداء والتضحيات...ثم إنهارت التجربة وسيطر عليها الدم والمال وشهوة الجاه والسلطة وروح الإستئثار والإستحواذ.. من جزائر المليون شهيد إلى بلدان الهند الصينية..ومن روسيا إلى الصين..ومن أنغولا وكوبا إلى إيران والسودان..إنتحرت الثورات وماتت الإنتصارات تحت وطأة الإستبداد الداخلي والفساد وسياسات القمع والتخوين والتدمير...والحال أن المعيار الحاكم يكمن في الإنتصار على الذات وفي الإنتقال من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر: الجهاد السلمي في البناء والتنمية والإعمار وفي العدالة والديموقراطية والوحدة الوطنية... وقبل أي شيء: تحقيق كرامة الإنسان وحريته..

حين تسبق "الثورة المضادة" الحدث الثوري:

سوريا والبحرين والجذور الحقيقية لأزمة الديمقراطية العربية
عبد الوهاب الأفندي
يبدو واضحاً للعيان أن مسار أحداث الانتفاضات الشعبية في كل من البحرين وسوريا قد اتخذ مساراً موازياً، اختلف جذرياً عما شهدناه في كل من تونس ومصر. بل إن شأن الدولتين يختلف كذلك عن شأن اليمن وليبيا، رغم التشابه المظهري. فعلى الرغم من تشابه الدول الثلاث في التصدي للحراك الشعبي بالعنف والقمع، و "الممانعة"، إلا الشأن مختلف جداً. فاليمن يسير على خطى مصر وتونس من حيث وحدة الشعب على اختلاف مشاربه وقبائله وأحزابه وأقاليمه خلف الثورة، وعدم وجود أي تصدعات ذات شأن في صفوف الشعب. بل إن الثورة اليمنية، شأنها في ذلك شأن ثورات مصر وتونس، وحدت الفرقاء وصالحت بين المتخاصمين. فقد صمتت الأصوات التي كانت تنادي بانفصال الجنوب، ووضع السلاح من كان يرفعه، ووقفت القبائل صفاً واحداً بعد طول صراع. إذن فالمسألة في اليمن مسألة وقت ليس إلا.
نفس الشيء يمكن أن يقال عن ليبيا، فهي توحدت غربها وشرقها، وشمالها وجنوبها، وحضرها وباديتها، وكل قبائلها، خلف الثورة. وعلى الرغم مما نسمعه من دعاوى عريضة وحشد مزعوم للقبائل، فإننا لا نكاد نرى من يقف مع العقيد القذافي إلا مرتزقته المحليين والأجانب. فليبيا كلها انفضت عن العقيد، حتى أقرب المقربين منه من قادة جيشه ومخابراته، ولم يبق معه إلا مغلوب على أمره خاضع لإرهابه، أو مرتزق منبت. فالثورة وحدت ليبيا كما فعلت في كل من مصر وتونس واليمن.
ولكن الأمر مختلف جداً في كل من البحرين وسوريا، وذلك لأسباب عدة. أول هذه الأسباب أن "الثورة المضادة" في تلك البلدان، سبقت تبلور الثورة الفعلية، حيث أن قوى الثورة المضادة جمعت نفسها وتعبأت شعبياً وإعلامياً في تسابق مع الثورة الفعلية، وجندت قوى داخلية وخارجية فاعلة إلى جانبها، وضربت ضربتها الاستباقية وعود الثورة ما يزال غضاً، مع فوارق في نجاح هذه الضربة.
السبب الثاني، وهو العامل الحاسم والماثل بقوة في خلفية المشهد، هو الاصطفاف الطائفي. ففي البلدين تحكم البلاد أقلية صنفت نفسها طائفياً، وتخندقت في ذاك الخندق، معززة موقفها باحتكار القوة العسكرية والفضاء السياسي والمقدرات الاقتصادية. وقد عززت الفئة الحاكمة (وهي قد تقاصرت حتى أصبحت أسرة حاكمة مع بطانة محيطة) وضعها باستخدام سلاح الإرهاب والتخويف معاً. فهي ترهب الأغلبية باستخدام العنف المباشر أو غير المباشر (الابتزاز والمضايقات وقطع الأرزاق والإقصاء عن كل مراكز القوة)، ولكنها أيضاً، وهذا لا يقل الأهمية، تخوف الطائفة التي تتحدث باسمها من خطر داهم إذا أفلتت الأغلبية من قبضة القمع وتمكنت من السلطة.
وكما ذكرنا في مناسبة سابقة فإن سلاح الابتزاز هذا، وهو عين ما تستخدمه عصابات المافيا وما يسمى بقبضايات "الحماية"، هو سلاح مرتد، لأن الخطر الذي تحذر منه العصب الحاكمة مصدره هذه الفئات نفسها. فعندما يسلب الحكام الأغلبية حقوقها المشروعة، ثم يتحول هذا الحرمان من الحقوق إلى تهمة، أي القول بأن من سلب حقهم سيطالبون به حتماً، مما يجعلهم خطراً على سارق الحقوق (تماماً كما يرى الإسرائيليون في مجرد وجود الفلسطينيين خطراً ما حقاً، لأنهم ما لم يهلكوا سيأتون حتماً للمطالبة بحقهم المسلوب)، فإن التعامل الناتج سيكون في حد ذاته مصدر خطر. ذلك أن الفئة الحاكمة، شأن فرعون موسى، لا بد أن تقضي ليلها ونهارها في التفكير في أساليب لإضعاف الأغلبية، وترصد حركاتها، وإحصاء أنفاس أفرادها، وحرمانهم من أي مصادر قوة محتملة. وقد لا يبلغ الأمر ما بلغ من مخططات فرعون الإجرامية ("سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون) ولكنها تقترب من ذلك حين لا يكون هناك مناص.
هذه السياسيات القهرية، خاصة حين تورط فيها الأقلية تحت دعاوى أن هذا الإجرام يتم باسمها ولحمايتها من خطر داهم تمثله الأغلبية، فإنها ستصبح هي مصدر الخطر الداهم، لما ستولده من أحقاد وثأرات في نفوس المقموعين والمحرومين ضد هذه الأقلية. وكلما زاد القمع والحرمان والاستهداف، زاد الغل والحقد، وقد تصدر عنه تعبيرات تستخدمها السلطة دعماً لحجتها في أن الويل والثبور وعظائم الأمور تنتظر الأقلية إذا سمح للأغلبية بأقل قدر من الحرية. وقد تستغل السلطات الغاشمة أخطاء سابقة أو حالية وقع فيها بعض من يتحدث باسم الأغلبية أو يزعم تمثيلها، أو تتعذر بخطر خارجي، وقد تدمج الحجتين معاً. ففي سوريا صدرت، وفي أوقات سابقة طال العهد بها، من قلة المحسوبين على الإسلاميين، وبصورة غير مباشرة عن الأغلبية، أقوال وتصرفات ذات طابع طائفي. وقد استخدمت تلك التصرفات مبررات لمذابح هتلرية وقوانين هولاكية، هي بالقطع جرائم أكبر من تلك التي قامت ضدها. بل إن مثل هذه المذابح أصبحت مبررات بأثر رجعي لتلك التصرفات البشعة.
وفي البحرين استخدم بعبع الثورة الإسلامية في إيران والخطر "الشيعي" المزعوم على الخليج، وتصرفات قلة من البحرانيين قد تكون عبرت عن فتنة بالحالة الإيرانية ودعوات لاتخاذها قبلة ومثالاً، استخدمت هذه الأمور لمزيد من التخويف، ومزيد من تبرير القمع والإقصاء. وهذه حلقة مفرغة، فوق أن حكام الخليج مسؤولون مسؤولية مباشرة عن إيجاد ما يسمى الخطر الشيعي. فالوضع المضطرب اليوم وغير المتوازن في الخليج يعود من جهة إلى قيام دول الخليج بإذكاء الفتنة بين العراق وإيران، حيث قدمت الوقود الفعلي والمجازي لحرب صدام المدمرة على إيران من جهة وعلى شعبه من جهة أخرى. وقد خلقت هذه الحالة المزدوجة من الحرب والقمع احتقاناً لا مثيل له، وزادت من حدة الاستقطاب في داخل العراق، وفي داخل دول الخليج، ثم في الخليج ككل. وكأن ذلك لم يكن كافياً، فإن نفس حكام الخليج عادوا وانقلبوا على العراق، حرباً وحصاراً وتجويعاً، ثم غزواً. فكان أن شاع فيه الاضطراب، وتعمق الاستقطاب، وأينع الحصاد المر لما زرعته أنظمة يسارع أغلبها إلى التدخل إلى جانب كل إثم وعدوان، وتتوسل التدخل الأجنبي لدعم باطلها، ثم تصرخ مستنكرة لتدخل غير موجود حين تطالب الشعوب بقليل من حقها المسلوب.
وها نحن اليوم نسمع مجدداً عن خطر إيراني مزعوم، مما يجعل القوم مثل صاحب موسى الغوي المبين الذي لا يصبح عليه الصباح إلا وهو في حالة عراك مع جار له، فهو يستصرخ من ينقذه من خطر هو من افتعله.
ومهما يكن، فإن الطرف الآخر في المعادلة قد تعلم من دروس الماضي، فغير منهجه وخطابه. فالإسلاميون في سوريا في موقف قطيعة مع الماضي، وقد كانوا دائماً أدانوا ما قامت به القلة التي تصرفت باسمهم، أو على الأقل أدانوا تجاوزاتها التي تعدت الدفاع عن النفس إلى ارتكاب التجاوزات. وقد مدت قياداتهم الجديدة يد المصالحة إلى نظام ارتكب في حقهم المجازر، وجعل الإبادة الجماعية في حقهم (وهي جريمة بنصوص القانون الدولي والحس السليم) جزءاً من تركيبته القانونية. وعلى كل فإن الشارع السوري قد تجاوز الإسلاميين كما تجاوز عوامل الاستقطاب السالفة، مما يجعل هذه المعاذير غير ذات موضوع. وبنفس القدر فإن القيادات الشيعية المعتدلة التي تصدت للأمر في البحرين انتهجت طوال الفترة الماضية خطاباً وسطياً توافقياً، فاعترفت بشرعية الوضع القائم، وتبرأت من كل من يدعو إلى تغيير ثوري، ولم تزد على المطالبة بالضمانات الدستورية والحقوقية في إطار النظام. وإذا كانت هناك فئات معارضة خرجت عن هذا الإجماع، فإن اعتراضها ليس على خطاب المعتدلين، وإنما على فشلهم في تحقيق الحد الأدنى من مطالبهم "المعتدلة"، تماماً كما أن اعتراض معظم الفصائل الفلسطينية المعارضة على سلطة محمود عباس لا يتركز على كونه رضي بخمس فلسطين، بل على أنه لم يحصل حتى على هذا الخمس. ولو أن نتنياهو وبشاراً ومن سمى نفسه ملكاً على البحرين أعطوا "المعتدلين" ما يقيم أودهم، لكانوا قطعوا الطريق على "المتشددين"، ولكن الظالمين هم أعداء أنفسهم قبل غيرهم.
في الحالة السورية دخل عامل آخر، وهو ما يمكن أن نطلق عليه "طائفية المقاومة"، حيث انبرت أصوات كثيرة، معظمها من خارج سوريا، للدفاع عن قمع النظام السوري بحجة أنه نظام كان يدعم المقاومة، وهو توصيف غير صحيح، لأن الأصح أن يقال أن النظام السوري "يستخدم" المقاومة كورقة ضغط في سياسته الخارجية. فهذا هو عين النظام الذي دخل لبنان لضرب منظمة التحرير، وحارب كتفاً بكتف مع تحالف حفر الباطن، ولا يسمح حتى الآن بإطلاق طلقة واحدة من أرضه باتجاه إسرائيل. وليست مشكلة سوريا أنها لا تريد معاهدة مع إسرائيل، بل إن إسرائيل هي التي ترفض. واستخدام النظام السوري للمقاومة مشروط بحصوله على ما يريد من القوى الأجنبية، وهو بقاء النظام أولاً وأخيراً. وعلى الرغم من ذلك فإن هناك أصوات كثيرة، وبعضها يأتي من جهات لها احترامها، تؤكد بأن كون سوريا حصن للمقاومة يبرر للنظام السوري الدفاع عن بقائه بأي ثمن. وبنفس القدر فهناك جهات ترى أن النظام البحريني، باعتباره حصناً ضد الشيعة وشرورهم، يحق له البقاء بأي ثمن.
لسنا معنيين هنا بنقض هذه الحجج، بل دعنا نفترض صحتها، ولنقر بأن سوريا هي دولة المقاومة الوحيدة والأخيرة، وأن البحرين هي كذلك خط الدفاع الأخير عن الخليج والعالم السني ضد الاجتياح الشيعي الإيراني، فهل يبرر هذا الوضع، بافتراض كذلك أننا نقف مع المقاومة ضد الاستسلام، ومع السنة ضد الشيعة، هل يبرر قمع الأغلبية إلى ما لا نهاية؟ وهل يبرر ما يرتكب من فظائع وتجاوزات، من استخدام الدبابات ضد النساء والأطفال إلى خطف وتعذيب الأطباء والممرضين لمجرد أنهم كانوا شهوداً على جرائم ارتكبت (ألا تتفقون معي بأن سجون البحرين خطرة على الصحة عموماً، لأن عدداً غير قليل من روادها يصابون بوعكات صحية قاتلة، رغم كثرة الاطباء والممرضين في داخلها؟) وهل ستنجح هذه الأساليب على كل حال؟
لو كانت هذه الأساليب ذات فعالية لكانت بريطانيا ما تزال تحكم الهند، وفرنسا الجزائر، ودي كليرك جنوب افريقيا. ولكن المسألة التي نريد التنويه بها هنا هي حقيقة وجود قطاع واسع من الرأي العام في العالم العربي يؤيد القمع والتقتيل في كل من البحرين وسوريا، بمن في ذلك أقلية معتبرة في داخل البلدين أنفسهما. بمعنى آخر، فإن هناك عرب كثر يؤيدون الدكتاتورية والقمع من ناحية مبدئية. بعض هؤلاء مستعد للخروج في مظاهرة، بل والدخول في معركة وتعريض نفسه للقتل، دفاعاً عن حق السلطات في قمع وتعذيب إخوته في الوطن وإخوته في العروبة بحجة أن قتلهم واستعبادهم فيه مصلحة الأمة ونصرها على عدوها (ولعمري ما هي الخطورة من العدو إذا لم تكن القمع والاستعباد؟) ولعل في هذا الوضع إجابة على السؤال الذي حير العالم زماناً، ألا وهو: لماذا فاضت الديمقراطية على كل بقاع العالم بينما لم يصل موجها الذي شابه طوفان نوح إلى شواطئ جودي العرب الذي عصمهم من فيض الحرية والديمقراطية. والإجابة كما تظهر أمامنا اليوم واضحة وجلية وفي غاية الاختصار: لأن هناك عدداً كبيراً من العرب مستعدون للموت دفاعاً عن الدكتاتورية.
وبالمقابل فإن نجاح الثورات العربية جاء حينما ذابت كل الفوارق وكل الحواجز بين أفراد الشعب الواحد، ووقف الجميع صفاً واحداً ضد الدكتاتورية، حيث سلبوها أهم أسلحتها: سلاح فرق-تسد. بل إن الثورات ساهمت بصورة فعالة ومباشرة في هذه العملية التوحيدية

الأحد، 15 مايو 2011

القمة الروحية الاسلامية-المسيحية

البيان الختامي للقمة الروحية التي عقدت في بكركي يوم الخميس 12 ايار 2011

في الوقت الذي تجري في العديد من الدول العربية احداث مصيرية كبرى، تبدو اكثر من اي وقت مضى أهمية الصيغة اللبنانية في احترام قيم الحريات الفردية والعامة، الدينية منها والسياسية، واهمية التزامنا نحن اللبنانيين أسس النظام الديموقراطي البرلماني الذي ارتضيناه نظاما يحفظ لنا عيشنا المشترك ويصون وحدتنا الوطنية.
ولقد تنادى اصحاب الغبطة والسماحة والسيادة وعقدوا قمة في الصرح البطريركي في بكركي صباح الخميس 12 ايار 2011، لتأكيد المبادىء الكيانية التي تؤهل لبنان ليكون جديرا بحمل رسالة احترام التنوع الديني والتعدد المذهبي في اطار الالتزام الوطني. استهل المجتمعون لقاءهم بالصلاة والدعاء الى الله العلي القدير ليحفظ لبنان وشعبه ويصون وحدة ابنائه المسيحيين والمسلمين.
حرص المجتمعون على عقد اجتماعهم الاخوي في الصرح البطريركي في بكركي لمناسبة تولي غبطة البطريرك مار بشاره بطرس الراعي السدة البطريركية، وتقديرا منهم لتوجيهاته الروحية والوطنية التي تتلاقى مع توجيهاتهم المشتركة لخير لبنان وخير العلاقات الاسلامية- المسيحية، مثمنين شعار شركة ومحبة الذي اتخذه غبطته، ومتمنين له كل النجاح في تأدية مهمته، كما اعربوا عن عميق تقديرهم لغبطة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير على مجمل عطاءاته، داعين له بالصحة وطول العمر.
وقد ناشدوا بادىء ذي بدء المسؤولين السياسيين المعنيين، تأليف الحكومة اليوم قبل الغد، على الاسس والقواعد الميثاقية والدستورية بما يمكنها من اداء دورها في هذه المرحلة الدقيقة والصعبة التي يمر بها لبنان والمنطقة العربية.
وبعد تداول الاوضاع أكدوا الثوابت الوطنية الآتية:
1- الوحدة الوطنية بين اللبنانيين جميعا، والتحذير من حال التشرذم الداخلي التي يضعف استمرارها مناعة لبنان ويطعن في صدقية رسالته، وفي قدرته على مواجهة تحديات التطورات التي تشهدها المنطقة العربية، الامر الذي قد يعرضه لا سمح الله الى ان يدفع مرة جديدة الثمن الباهظ من امنه وسلامته واستقراره.
2- اعتبار الدولة اللبنانية مصدر قوة للبنانيين جميعا والحاضنة لهم، مما يفرض على المواطنين توطيد ثقتهم بها، ودعم مؤسساتها، ومن القيادات السياسية الارتفاع في اختلافاتها وفي تباين وجهات نظرها، لغة ومضمونا، وسيلة وهدفا، الى المستوى الذي يمكن لبنان من مواجهة الصعوبات السياسية والاقتصادية التي يواجهها، ومن الاستجابة لمقتضيات العيش الوطني الذي من دونه يفقد لبنان جوهر كيانه.
3- التزام ثقافة الحوار الذي يحترم وجهات النظر المختلفة مهما تباعدت، ويرمي الى تحقيق الوفاق والخير العام، والاعتماد على هذا الحوار أساسا لبت القضايا اللبنانية الكبرى، وفي طليعتها:
- التزام لبنان ميثاقه الوطني ووثيقة الوفاق في الطائف والمواثيق العربية والدولية في اطار جامعة الدول العربية ومنظمة الامم المتحدة، مما يجنبه الدخول في الخلافات والصراعات والمحاور الاقليمية والخارجية بصورة مباشرة وغير مباشرة.
- البحث في استراتيجية وطنية تمكن الدولة اللبنانية من الدفاع عن سيادتها وحقوقها وعن مصادر ثروتها الطبيعية في ارضها وفي مياهها الاقليمية، وهو حق مطلق لها.
4- تعزيز الانتماء الوطني ثقافيا وتربويا واجتماعيا وسياسيا، وتثبيت اركان الدولة واحترام دستورها وقوانينها، تمكينا لها من اداء دورها في معالجة الشأن المعيشي والاجتماعي المتسبب بالهجرة واستنزاف قوى البلاد الحية، وفي تحقيق المساواة والعدالة للمواطنين جميعا. فالعدالة قيمة مطلقة وهي صفة من صفات الله تعالى لا يمكن أي مجتمع أن يستمر ويزدهر من دونها، وتأكيد احترام القيم الأخلاقية والروحية، وناشدوا وسائل الإعلام القيام بدورها في صون هذه القيم.
5- الإحتكام الى المؤسسات الدستورية دون سواها لمعالجة أي خلاف، والاعتماد على الجيش اللبناني وعلى قوى الأمن الشرعية وحدها للمحافظة على الأمن والإستقرار ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وتوفير الإمكانات اللازمة لها للقيام بهذه المهمة.
6- تأكيد سيادة لبنان وحريته واستقلاله، وحق الدولة في تحرير اراضيها التي تحتلها اسرائيل، وهم إذ يثمنون دور قوات اليونيفيل في جنوب لبنان التي تعمل وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي 1701، يهيبون بالأمم المتحدة وبالمجتمع الدولي الضغط على إسرائيل لحملها على تنفيذ القرارات الدولية التي تطالبها بالإنسحاب الفوري وغير المشروط من كل الأراضي اللبنانية، واحترام سيادة لبنان على أرضه ومياهه وفضائه.
7- التشديد على أهمية حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، الذي هو مفتاح السلام والأمن والإستقرار، بما يضمن تحرير جميع الأراضي العربية المحتلة.
كما يهيبون بالمنظمة الدولية الإستجابة لحقوق الشعب الفلسطيني وبخاصة حق العودة الى وطنه وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، المعترف بها وطنا دائما لجميع الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة وفي الشتات، وهذا ما يتلاقى مع إرادة اللبنانيين الجامعة في رفض التوطين بكل أشكاله.
8- مناشدة جميع اللبنانيين، وبخاصة الشباب، التمسك بأرضهم في الوطن، محافظين عليها من جيل الى جيل، والتشبث بقيمهم الإيمانية وبقيم وطنهم وثقافته المنفتحة على التنوع، مبتعدين عن أخطار التزمت والتطرف الديني الذي يشوه صورة الآخر ويروج للتقوقع والإنغلاق ويزعزع الثقافة الوطنية المشتركة المبنية على اعتبار العيش معا قيمة إنسانية سامية. ودعوتهم لعدم الإستسلام الى تجربة الإنطواء على الذات في مجموعات طائفية متجانسة ومنقطعة عن التواصل في ما بينها، لأن في ذلك تقطيعا لأوصال المجتمع ولجذور الوحدة الوطنية. ومطالبة الدولة اللبنانية بتحفيز النمو الإقتصادي وتأمين فرص عمل للشباب وتبديد مشاعر الخوف لديهم حول المستقبل.
أبدى أصحاب الغبطة والسماحة والسيادة قلقهم واستنكارهم الشديدين لتداعيات الاحداث التي اتخذت بعدا طائفيا في جمهورية مصر العربية الشقيقة، ومن قبلها العراق، والتي طالت العديد من المسيحيين ووصلت الى حد الاعتداء الاثم على الكنائس، واكدوا موقفهم الثابت، وهو ان اي اعتداء على اي بيت من بيوت الله او على مقدس من مقدساتنا الدينية، هو بمثابة اعتداء عليها جميعا، وهم يؤكدون ما للمسيحيين والمسلمين في هذا الشرق من دور تاريخي بناء على مختلف الاصعدة، وما يتمتعون به من ولاء واخلاص لاوطانهم، مصرين على المشاركة في صنع مستقبل مشرق لها.
كما شدد المجتمعون على تعزيز روابط الاخوة بين لبنان والدول العربية الشقيقة وعلى حرصه على ان تحقق هذه الدول الشقيقة لنفسها ما يتمنى هو ان يحققه لنفسه ايضا من استقرار وازدهار وامن وسلام.
وقد أقر المجتمعون مبدأ عقد لقاءات دورية للقمة الروحية، والتوجه بمبادرة روحية وطنية لمعالجة الخلافات السياسية الداخلية.
وهم يرفعون الدعاء الى الله العلي الضابط الكل لكي تتخطى الدول العربية الازمات العصيبة التي تمر بها، كما يتمنون ان يوفر لقاؤهم الروحي والوطني اليوم قوة دفع جديدة للحوار السياسي الوطني على النحو الذي حققه لقاؤهم السابق الذي عقد في رحاب القصر الجمهوري في عام 2008، ويبتهلون معا الى الله العلي ان يمن على لبنان وشعبه بالخير والامان، وان يصون وحدة ابنائه ويوفقهم جميعا لسلوك طريق الخير والسلام والمحبة.

القمة الروحية الاسلامية-المسيحية

البيان الختامي للقمة الروحية التي عقدت في بكركي يوم الخميس 12 ايار 2011

في الوقت الذي تجري في العديد من الدول العربية احداث مصيرية كبرى، تبدو اكثر من اي وقت مضى أهمية الصيغة اللبنانية في احترام قيم الحريات الفردية والعامة، الدينية منها والسياسية، واهمية التزامنا نحن اللبنانيين أسس النظام الديموقراطي البرلماني الذي ارتضيناه نظاما يحفظ لنا عيشنا المشترك ويصون وحدتنا الوطنية.
ولقد تنادى اصحاب الغبطة والسماحة والسيادة وعقدوا قمة في الصرح البطريركي في بكركي صباح الخميس 12 ايار 2011، لتأكيد المبادىء الكيانية التي تؤهل لبنان ليكون جديرا بحمل رسالة احترام التنوع الديني والتعدد المذهبي في اطار الالتزام الوطني. استهل المجتمعون لقاءهم بالصلاة والدعاء الى الله العلي القدير ليحفظ لبنان وشعبه ويصون وحدة ابنائه المسيحيين والمسلمين.
حرص المجتمعون على عقد اجتماعهم الاخوي في الصرح البطريركي في بكركي لمناسبة تولي غبطة البطريرك مار بشاره بطرس الراعي السدة البطريركية، وتقديرا منهم لتوجيهاته الروحية والوطنية التي تتلاقى مع توجيهاتهم المشتركة لخير لبنان وخير العلاقات الاسلامية- المسيحية، مثمنين شعار شركة ومحبة الذي اتخذه غبطته، ومتمنين له كل النجاح في تأدية مهمته، كما اعربوا عن عميق تقديرهم لغبطة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير على مجمل عطاءاته، داعين له بالصحة وطول العمر.
وقد ناشدوا بادىء ذي بدء المسؤولين السياسيين المعنيين، تأليف الحكومة اليوم قبل الغد، على الاسس والقواعد الميثاقية والدستورية بما يمكنها من اداء دورها في هذه المرحلة الدقيقة والصعبة التي يمر بها لبنان والمنطقة العربية.
وبعد تداول الاوضاع أكدوا الثوابت الوطنية الآتية:
1- الوحدة الوطنية بين اللبنانيين جميعا، والتحذير من حال التشرذم الداخلي التي يضعف استمرارها مناعة لبنان ويطعن في صدقية رسالته، وفي قدرته على مواجهة تحديات التطورات التي تشهدها المنطقة العربية، الامر الذي قد يعرضه لا سمح الله الى ان يدفع مرة جديدة الثمن الباهظ من امنه وسلامته واستقراره.
2- اعتبار الدولة اللبنانية مصدر قوة للبنانيين جميعا والحاضنة لهم، مما يفرض على المواطنين توطيد ثقتهم بها، ودعم مؤسساتها، ومن القيادات السياسية الارتفاع في اختلافاتها وفي تباين وجهات نظرها، لغة ومضمونا، وسيلة وهدفا، الى المستوى الذي يمكن لبنان من مواجهة الصعوبات السياسية والاقتصادية التي يواجهها، ومن الاستجابة لمقتضيات العيش الوطني الذي من دونه يفقد لبنان جوهر كيانه.
3- التزام ثقافة الحوار الذي يحترم وجهات النظر المختلفة مهما تباعدت، ويرمي الى تحقيق الوفاق والخير العام، والاعتماد على هذا الحوار أساسا لبت القضايا اللبنانية الكبرى، وفي طليعتها:
- التزام لبنان ميثاقه الوطني ووثيقة الوفاق في الطائف والمواثيق العربية والدولية في اطار جامعة الدول العربية ومنظمة الامم المتحدة، مما يجنبه الدخول في الخلافات والصراعات والمحاور الاقليمية والخارجية بصورة مباشرة وغير مباشرة.
- البحث في استراتيجية وطنية تمكن الدولة اللبنانية من الدفاع عن سيادتها وحقوقها وعن مصادر ثروتها الطبيعية في ارضها وفي مياهها الاقليمية، وهو حق مطلق لها.
4- تعزيز الانتماء الوطني ثقافيا وتربويا واجتماعيا وسياسيا، وتثبيت اركان الدولة واحترام دستورها وقوانينها، تمكينا لها من اداء دورها في معالجة الشأن المعيشي والاجتماعي المتسبب بالهجرة واستنزاف قوى البلاد الحية، وفي تحقيق المساواة والعدالة للمواطنين جميعا. فالعدالة قيمة مطلقة وهي صفة من صفات الله تعالى لا يمكن أي مجتمع أن يستمر ويزدهر من دونها، وتأكيد احترام القيم الأخلاقية والروحية، وناشدوا وسائل الإعلام القيام بدورها في صون هذه القيم.
5- الإحتكام الى المؤسسات الدستورية دون سواها لمعالجة أي خلاف، والاعتماد على الجيش اللبناني وعلى قوى الأمن الشرعية وحدها للمحافظة على الأمن والإستقرار ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وتوفير الإمكانات اللازمة لها للقيام بهذه المهمة.
6- تأكيد سيادة لبنان وحريته واستقلاله، وحق الدولة في تحرير اراضيها التي تحتلها اسرائيل، وهم إذ يثمنون دور قوات اليونيفيل في جنوب لبنان التي تعمل وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي 1701، يهيبون بالأمم المتحدة وبالمجتمع الدولي الضغط على إسرائيل لحملها على تنفيذ القرارات الدولية التي تطالبها بالإنسحاب الفوري وغير المشروط من كل الأراضي اللبنانية، واحترام سيادة لبنان على أرضه ومياهه وفضائه.
7- التشديد على أهمية حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، الذي هو مفتاح السلام والأمن والإستقرار، بما يضمن تحرير جميع الأراضي العربية المحتلة.
كما يهيبون بالمنظمة الدولية الإستجابة لحقوق الشعب الفلسطيني وبخاصة حق العودة الى وطنه وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، المعترف بها وطنا دائما لجميع الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة وفي الشتات، وهذا ما يتلاقى مع إرادة اللبنانيين الجامعة في رفض التوطين بكل أشكاله.
8- مناشدة جميع اللبنانيين، وبخاصة الشباب، التمسك بأرضهم في الوطن، محافظين عليها من جيل الى جيل، والتشبث بقيمهم الإيمانية وبقيم وطنهم وثقافته المنفتحة على التنوع، مبتعدين عن أخطار التزمت والتطرف الديني الذي يشوه صورة الآخر ويروج للتقوقع والإنغلاق ويزعزع الثقافة الوطنية المشتركة المبنية على اعتبار العيش معا قيمة إنسانية سامية. ودعوتهم لعدم الإستسلام الى تجربة الإنطواء على الذات في مجموعات طائفية متجانسة ومنقطعة عن التواصل في ما بينها، لأن في ذلك تقطيعا لأوصال المجتمع ولجذور الوحدة الوطنية. ومطالبة الدولة اللبنانية بتحفيز النمو الإقتصادي وتأمين فرص عمل للشباب وتبديد مشاعر الخوف لديهم حول المستقبل.
أبدى أصحاب الغبطة والسماحة والسيادة قلقهم واستنكارهم الشديدين لتداعيات الاحداث التي اتخذت بعدا طائفيا في جمهورية مصر العربية الشقيقة، ومن قبلها العراق، والتي طالت العديد من المسيحيين ووصلت الى حد الاعتداء الاثم على الكنائس، واكدوا موقفهم الثابت، وهو ان اي اعتداء على اي بيت من بيوت الله او على مقدس من مقدساتنا الدينية، هو بمثابة اعتداء عليها جميعا، وهم يؤكدون ما للمسيحيين والمسلمين في هذا الشرق من دور تاريخي بناء على مختلف الاصعدة، وما يتمتعون به من ولاء واخلاص لاوطانهم، مصرين على المشاركة في صنع مستقبل مشرق لها.
كما شدد المجتمعون على تعزيز روابط الاخوة بين لبنان والدول العربية الشقيقة وعلى حرصه على ان تحقق هذه الدول الشقيقة لنفسها ما يتمنى هو ان يحققه لنفسه ايضا من استقرار وازدهار وامن وسلام.
وقد أقر المجتمعون مبدأ عقد لقاءات دورية للقمة الروحية، والتوجه بمبادرة روحية وطنية لمعالجة الخلافات السياسية الداخلية.
وهم يرفعون الدعاء الى الله العلي الضابط الكل لكي تتخطى الدول العربية الازمات العصيبة التي تمر بها، كما يتمنون ان يوفر لقاؤهم الروحي والوطني اليوم قوة دفع جديدة للحوار السياسي الوطني على النحو الذي حققه لقاؤهم السابق الذي عقد في رحاب القصر الجمهوري في عام 2008، ويبتهلون معا الى الله العلي ان يمن على لبنان وشعبه بالخير والامان، وان يصون وحدة ابنائه ويوفقهم جميعا لسلوك طريق الخير والسلام والمحبة.

النظام السوري و"عسكرة" الانتفاضة الشعبية

ياسر الزعاترة
لم يكن بوسعنا أن نتورط في مستنقع الازدواجية في المحطة السورية، ولن نقول مثلما قال الأمين العام حسن نصر الله في معرض تعليقه على الحراك الشعبي البحريني إن الموقف في حالة دول المقاومة والممانعة قد يختلف عما عداه (لم يتحدث للأمانة عن تجاهل المطالب الشعبية، بل عن البحث عن مقاربة سياسية معقولة، مع أن تعاطي الحزب مع الأحداث لا يعبر عن هذا التوجه). وعموما لم نقتنع يوما بأن بالمقاومة والممانعة تقف حائلا دون منح الناس حريتهم، ومن يعتقد أنه يلبي بالفعل أشواق الناس في العزة والكرامة ومواجهة الأعداء لن يخشى الاحتكام إلى صناديق الاقتراع إلا إذا كان دكتاتورا في الداخل، بل إن مسار المقاومة والممانعة يغدو أكثر قوة حين يكون المقاومون والممانعون أحرارا وليسوا عبيدا لفرد أو نخبة معينة.
كنا ندافع عن النظام السوري تبعا لمواقفه المتميزة في دعم المقاومة في فلسطين ولبنان، وموقفه من العراق ودعمه للمقاومة وصولا إلى إفشال المشروع الأميركي الذي كان يخطط لإعادة تشكيل المنطقة.ولعلنا نشير هنا إلى ما كنّا نلاقيه من صعوبة في إقناع السوريين بحقيقة مواقف نظامهم المشار إليها، الأمر الذي يبدو مفهوما إلى حد ما، لأن من الصعب على المظلوم أن يرى خيرا في من يدوس على حريته وكرامته.
من هذا المنطلق تحدثنا في البداية عن الإصلاح، وليس عن التغيير الجذري، وهو ما تردد أيضا في الساحة الشعبية السورية، لكن الرئيس لم يقابل مطالب الإصلاح السورية الشعبية إلا بالسخرية كما في خطابه أمام مجلس الشعب، مع أن السخرية لم تعهد عنه، ولا نتجاوز الحق إذا قلنا إن خطابات المديح لسيادته التي سمعناها تتردد في المجلس قد أشعرتنا بالخجل كعرب ومسلمين.
دعك من الأسباب التي قادت إلى انفجار مدينة درعا، وهي أسباب لا داعي للتفصيل فيها، لكنها تعبر عن العقلية الأمنية التي تحكم البلد، بدءًا باعتقال طبيبتين والإمعان في إهانتهما، لمجرد قول إحداهما لصديقتها "عقبال عنا" في التعبير عن فرحتها بما جرى في مصر، وليس انتهاء بموقف المحافظ من توسط وجهاء المدينة من أجل الإفراج عن الأطفال الذين اعتقلوا بسبب كتابتهم على الحيطان ضد النظام احتجاجا على ما وقع للطبيبتين، وهو موقف طاعن في الازدراء كما روى القوم.
عندما خرج الناس يطالبون بالإصلاح والحرية، ردّ عليهم الرئيس بالخطاب الساخر إياه، ثم رد تاليا بالرصاص الحي، وعندما انتفضت المدن الأخرى وتواصلت عمليات القتل خرج بإصلاحات شكلية مثل إلغاء قانون الطوارئ ومحكمة أمن الدولة، وذلك بدل الحديث عن إصلاحات دستورية ذات معنى.ومع تواصل مسلسل القتل، ومعه التشويه الإعلامي للانتفاضة الشعبية والحديث عن مندسين وإرهابيين، تطورت المطالب الشعبية من إصلاح النظام إلى إسقاط النظام، الأمر الذي كان طبيعيا من دون شك، ولو اختلفت الاستجابة وتقدم النظام بإصلاحات حقيقية لاختلف الموقف برمته.بعد اتساع نطاق الاحتجاجات وتوحد مطالب الناس في شعار إسقاط النظام، تفتق ذهن النظام عن خطة لعسكرة الانتفاضة، وذلك بأن يجري تحويلها من انتفاضة سلمية إلى تمرد مسلح، وبالطبع من خلال فبركات أمنية من جهة، ومن خلال مجموعات سلفية جهادية مخترقة من جهة أخرى، ونعلم أن للنظام خبرته الطويلة في التعامل مع هذه المجموعات اكتسبها خلال عمله معها في السياق العراقي، مع أنه ما لبث أن انقلب عليها بعد الضغوط الأميركية ووضوح فشل مشروع الاحتلال لحساب الحضور الإيراني، مع إعلان النوايا الأميركية بالانسحاب.ونعيد التأكيد على أننا نتحدث عن اختراق، إذ لا يعتقد أن التيار المذكور يمكن أن يفكر بمثل هذا المسار، وقد ذهب أحد أهم منظري هذا التيار (أبو محمد المقدسي) إلى الاحتفال بالثورة الشعبية للسوريين.
الطرف الآخر المتهم بحمل السلاح من قبل النظام هو الإخوان، وهنا لا تنطلي اللعبة على أحد أيضا، ليس فقط لأن الإخوان هم الأكثر حرصا على سلمية الثورة بعدما رأوا ثمارها في تونس ومصر (دعك من مرارة تجربتهم الماضية)، بل لأنهم لا يملكون القدرة أيضا، من دون أن يقلل ذلك من دورهم وحضورهم كجزء من الشعب السوري، هم الذي دفعوا أثمانا باهظة في مواجهته طوال العقود الثلاثة الماضية.
يخطئ الرئيس السوري إن اعتقد أن هذه اللعبة (لعبة عسكرة الانتفاضة) ستكون مجدية في مواجهة الانتفاضة الشعبية، في استعادة للمواجهة التي خاضها نظام والده مع الإخوان المسلمين مطلع الثمانينيات، والتي انتهت بمجزرة حماة الشهيرة التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من الناس الأبرياء.
يخطئ في هذا التقدير لجملة من الأسباب، أولها أن ما جرى في مواجهة نظام الأب كان تمردا مسلحا بالفعل، وكان يتلقى دعما ما من بعض الدول العربية، بل كان يُسمح له بجمع التبرعات حتى في أميركا والدول الغربية، وإن تم ذلك لأغراض ابتزاز النظام وإضعافه وليس إسقاطه واستبداله بإسلاميين راديكاليين، أما اليوم فهناك إصرار على نبذ العنف، حيث يهتف الناس في الشوارع "سلمية سلمية"، أما قصص السلاح فلا يبدو أنها تمر على الناس، بما في ذلك تمثيليات الجنائز التي تبث كل يوم على تلفزيون السوري (يذهب سوريون إلى أن بعضها لعناصر من الجيش والأمن رفضت إطلاق النار على المتظاهرين).
هناك ثانيا ما يتعلق بالوضع الدولي، ففي الحالة السابقة كانت هناك الثنائية القطبية، أما اليوم فالمشهد مختلف كما يعرف الجميع، ولن يكون بوسع روسيا أو الصين الدفاع عن قتل الناس الأبرياء في الشوارع، بدليل موقفهما في السياق الليبي حيال قرار مجلس الأمن رقم 1973.
هناك ثالثا ما يتعلق بالوضع الإعلامي، وهذه نقطة بالغة الأهمية، إذ إن ثورة المعلومات والاتصالات لم تعد تسمح لأحد بقتل الناس في السر، وزمن الهواتف المحمولة ذات الكاميرات وزمن اليوتيوب يفضح كل شيء، وبالتالي يستثير الرأي العام دولا وجماهير.
الأهم من ذلك كله هو ما يتعلق بالموقف الشعبي، ففي مطلع الثمانينيات لم يكن ثمة إجماع على الثورة على النظام، أما اليوم فالإجماع شبه متحقق إلى حد كبير، وحتى الحديث عن انحياز الطائفة العلوية للنظام لا يبدو محقا، لأن جزءا كبيرا منها ليس مع النظام، مع أن جرّ الكثير من أبنائها في معركة الدفاع عن النظام لا يبدو مستبعدا، وقد رأينا كيف تم تسليح الأقلية العلوية في مدينة بانياس التي كانت الأكثر تعرضا للقمع بعد درعا، ولا قيمة للقول إن أعداد المتظاهرين ليست كبيرة مثل مصر واليمن، لأن الخوف من دولة أمنية قمعية هو السبب، وينطبق ذلك على تردد بعض المناطق عن المشاركة، الأمر الذي لن يلبث أن ينتهي لينخرط الجميع في الثورة.
في هذه الأثناء برزت مفاجأة في منتهى الإثارة تمثلت في التصريحات التي أدلى بها رامي مخلوف، المليادرير (ابن خال الرئيس)، لصحيفة نيويورك تايمز، والتي قال فيها "إذا لم يكن هناك استقرار داخلي هنا (في سوريا)، فمن المستحيل أن يكون هناك استقرار في إسرائيل"، ما يذكرنا بتصريحات مشابهة للقذافي.
كل ذلك يؤكد أن النظام لم يكن مخلصا في مقاومته وممانعته بقدر ما كان يعبر عن مصالح نخبته الحاكمة التي رأت أن كلفة المقاومة والممانعة أقل من كلفة الاستسلام كما كان يردد الرئيس السوري نفسه، الأمر الذي كنا ندركه بالطبع، من دون أن يدفعنا إلى التردد في مديح تلك المواقف قياسا بمواقف أنظمة أخرى كانت تذهب في الاتجاه الآخر، ومن أجل مصالح نخبها الحاكمة أيضا.
اليوم تبدو تصريحات رامي مخلوف محرجة إلى حد كبير للتيارات التي تدافع عن النظام وتقف معه في معركته مع شعبه، وفي مقدمتها حزب الله ومن يدور في فلكه، فضلا عن جحافل من القوميين واليساريين الذين لا يستحون من دفاعهم عن قتل النظام لأبناء شعبه، فضلا عن ترديد حكاية المؤامرة الخارجية، لكأن النظام هو وحده عنوان الوطنية والقومية، بينما السوريون مجرد جحافل من العملاء والمأجورين.
إنه منطق النخب الحاكمة التي تعلن استعدادها لحرق الأخضر واليابس من أجل مصلحتها بعد أن جمعت الثروة مع السلطة، وفي هذا الصدد يقول مخلوف في ذات المقابلة إن النخبة الحاكمة في سوريا قد تكاتفت أكثر بعد الأزمة (لا يريد الاعتراف بأنها ثورة مع أن كلامه يعكس ذلك)، مضيفا القول "نؤمن بأنه لا استمرارية من دون وحدة، وكل شخص منا يعرف أننا لا يمكن أن نستمر من دون أن نكون موحدين. لن نخرج ولن نترك مركبنا ونقامر. سنجلس هنا، نعتبرها معركة حتى النهاية". وفي النهاية يعود إلى الدولة العبرية ليقول للغرب "يجب أن يعلموا أننا حين نعاني، فلن نعاني وحدنا".
في ضوء هذه المعادلة، يمكن القول إن النظام قد قرر الذهاب بعيدا في منظومة القمع، كما يؤكد من جهة أخرى أن الانتفاضة الشعبية في سوريا قد تجاوزت فكرة الإصلاح، الأمر الذي يدركه النظام الذي أخذ يهرب إلى الأمام بتعزيز منظومة القمع والقتل، بدليل الدبابات التي أدخلها إلى مدينة درعا وبانياس وحمص ومدن أخرى، ويتوقع أن يدخلها إلى سائر المدن المنتفضة بالتدريج.
في هذا السياق جاء تحذير رئيس الوزراء التركي (أردوغان) من مغبة تكرار "حماة" أخرى، مع أن الأمر لن يكون بهذه السهولة، لكن أنقرة التي خاب أملها بسلوك النظام لم تجد غير هذا الكلام المتشدد لكي تعبر من خلاله عن مخاوفها مما يجري، وهي التي اتهمت طوال أسابيع بمحاباة النظام تبعا للعلاقة المتميزة معه، ويبدو أنها أدركت أن الشعب هو الأبقى، وأن النظام في طريقه إلى الزوال ولا يواجه أزمة محدودة النطاق وحسب.
من الصعب الحديث عن مآلات الانتفاضة الشعبية السورية بعد دخول العامل الدولي على الخط، ولا شك أن التدخل الغربي لا يمكن استبعاده، لكن الشعب السوري لن يقبل على الأرجح تكرار السيناريو الليبي، حتى لو سكت على عقوبات تطال رموز النظام.
لكن تعويل النظام على تحويل الانتفاضة الشعبية إلى تمرد مسلح، ومن ثم إصراره على هذا المسار على نحو غير مقنع للداخل والخارج، مع تصعيد آلة القمع قد يسهل لعبة التدخل، لا سيما أن أطرافا في المعارضة السورية في الخارج قد لا تجد في الأمر غضاضة بسبب قناعاتها الخاصة، ومواقفها من النظام.
هل فات أوان الإصلاح؟ من الصعب حسم جواب السؤال، وسيعتمد الموقف على ماهية الإصلاح المطروح وتطور الموقف الشعبي، إذ إن إعلان النظام عن خطوات إصلاحية حقيقية تفكك النظام الأمني، وتشمل تعديلات دستورية تطال المادة الثامنة من الدستور، وصولا إلى دستور جديد يؤسس لديمقراطية حقيقية وليس ديكورية على النمط السائد في مصر وتونس واليمن قبل الثورات، هذا الأمر قد يفضي إلى توقف الثورة في انتظار انجلاء الموقف.
لكن هامشية هذا الاحتمال، بل استحالته في واقع الحال، معطوفا على الإسراف في سفك الدماء كما وقع إلى الآن ويتوقع أن يتواصل خلال الأيام والأسابيع المقبلة، سيجعل هدف إسقاط النظام هو الوحيد المتاح.
ويبدو أن لدى الشعب ما يكفي من الجاهزية والإصرار على هذه المعركة، وهو مستعد لدفع أثمانها الباهظة. ويبقى موقف الجيش الذي نتوقع منه أن لا يقل انحيازا للشعب من موقف الجيش التونسي والجيش المصري.

السبت، 14 مايو 2011

رسالة مفتوحة من علماء سوريا

بسم الله الرحمن الرحيم
انطلاقاً من تقديرنا للظرف الاستثنائي الذي تمر به بلادنا، وانطلاقاً من إدراكنا أن الوطن موئل جميع المواطنين على اختلاف مللهم و نحلهم، وأن الحفاظ على أمنه وكرامته منوط بكل سوري حر، ومع اتساع حجم الأزمة المريرة التي نمر بها، وانطلاقاً من إدراكنا أن الخروج من الأزمة لم يعد حكراً على أجهزة الأمن ومؤسسات الدولة اللتين زادتا الأمر تعقيداً، وحرصاً منا على الدماء الزكية أن تُراق ظلماً وعدواناً ثمناً للكلمة، انطلاقاً من كل ما سبق، فإننا نبين ما يلي:
1. ندعو الله سبحانه و تعالى أن يرحم الشهداء الذين سقطوا في هذه الأحداث، وأن يفرغ على أهلهم و ذويهم الصبر والسلوان، وأن يتقبلهم في الصالحين.
2. التأكيد على أن سوريا هي بيت واحد لجميع أبنائها على اختلاف انتماءاتهم الدينية والطائفية والعرقية، وينبغي العمل على جعل هذا التنوع مصدر ثراء لثقافة المجتمع السوري، وأن لا كرامة لأحد فوق أحد إلا بالعمل الصالح.
3. نؤكد على مطالب وحقوق الشعب باختلاف أطيافه، وأبرزها:
أ‌. الرفع الفعلي لحالة الطوارئ باختلاف صورها و مسمياتها وسلوكياتها، وذلك بعدما بدت مظاهر عدم تطبيق المرسوم الصادر برفعها بالدماء والاعتقالات التي ازدادت في الأيام الأخيرة.
ب‌. البعد عن التعرض لحرية المواطن وكرامته، وعدّ المواطنة اساساً للحقوق والواجبات، وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص، والحد من صلاحيات الأجهزة الأمنية وكف أيديهم عن التدخل في كل صغيرة وكبيرة.
ت‌. إطلاق سراح معتقلي الكلمة والرأي، ممن أوقفوا قديماً أو حديثاً، والسماح للمبعدين بالعودة إلى الوطن، وللممنوعين بغير مذكرة قضائية بالسفر متى شاؤوا.
ث‌. تعديل كل فقرة تشريعية تقف عائقاً في وجه الشعب وحقوقه، كإلغاء المادة الثامنة من الدستور.
ج‌. عدم التعرض للتظاهر السلمي بضمانة الدستور، والاكتفاء بإبلاغ وزارة الداخلية عن التظاهر السلمي دون ربطه بموافقتها.
ح‌. إدانة المتورطين بالعنف ضد المواطنين، ومحاسبتهم بصورة علنية تهدئ من غضب ذوي الشهداء المقتولين برصاصهم، وتحميل المسؤولية لكل الجهات الأمنية التي تتحرك في البلد من أقصاها إلى أقصاها، والمسؤولية عن حماية أرواح المواطنين وحقن دمائهم.
خ‌. تحقيق مبدأ استقلالية القضاء وسيادة القانون، وبسط سلطة القضاء على الأجهزة الأمنية كافة، وإلغاء القوانين والمراسيم التي تخالف ذلك.
د‌. على الجهات الإعلامية تحري الدقة والموضوعية في نشر الأخبار.
ذ‌. إطلاق حرية التعبير والصحافة والنشر والإعلام.
4. في ظرفنا العصيب هناك خطوط حمراء يسعى أعداء الشعب والأمّة إلى إجهاض مطالباته من خلالها، ويكيدون للأمة عن طريقها، لذلك نؤكد على ضرورة الانتباه إلى تلك الخطوط وعدم التعرض لأي منها، وهي:
أ‌. الدماء: قال تعالى: (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا).
ب‌. التخريب للمال العام أو الخاص: لقوله صلى الله عليه وسلم: كلّ المسلم على المسلم حرام: دمُه ومالهُ وعِرضٌه.
ت‌. إثارة النعرات الطائفية: وهي أشد ما يفتك بالأمة على اختلاف فئاتها.
إننا ننبه إلى عدم الاقتراب من هذه الخطوط من جانب شرعي من جهة، وتمتيناً لجبهتنا الداخلية، ودفعاً لفتنة يُسعى إلى إيقاع البلد فيها من جهة أخرى.
نأمل أن تقع كلماتنا موقع الجديّة التي تستحقها، لنستطيع الخروج من هذه الأزمة بسلام، فالدماء التي نزفت، والاحتقان المتراكم في الصدور، لا تذهبه وعود وتأجيلات، بل سعي حقيقي وفوري، وسنكون لذلك سنداً وعوناً بإذن الله تعالى.

بيان لمثقفين عرب حول أحداث سوريا

انطلقت في سورية منذ 15 مارس 2011 مسيرات سلمية تطالب بالحرية في معظم المدن والنواحي السورية. وقد قابلت السلطات السورية هذا الحراك الشعبي السلمي بحملة قمع لا مثيل لها، فتصدت للمحتجين بالرصاص الحي وقتلت المئات وشردت الآلاف واعتقلت كل من تشك في مشاركته أو تعاطفه مع مطالب المحتجين.

وبعد مرور ستة أسابيع على هذه الحملة، صعدت السلطات السورية من سياستها القمعية فحاصرت المدن وعزلتها عن العالم من أجل ترويع المواطنين وإجبارهم على الخضوع. هذا في الوقت الذي لم يُظهر النظام السوري أي إرادة واضحة في الاستجابة ولو للحد الأدنى من مطالب المحتجين السلميين.

إن الموقعين على هذا البيان، إذ يدينون الحملة القمعية التي تواجه بها السلطة المواطنين السوريين المحتجين، وينددون بالممارسات غير الإنسانية للأجهزة الأمنية التي سممت الحياة المدنية والسياسية العربية، يؤكدون تأييدهم وتضامنهم مع إخوتهم أبطال الحرية، ويعلنون:
ضرورة وقف كل عمليات القمع فورًا، وفي مقدمتها إطلاق الرصاص الحي على المحتجين السلميين، والسماح للشعب بالتعبير عن نفسه من خلال مسيرات شعبية سلمية وحماية هذه المسيرات.الإصلاح الحقيقي يبدأ من الاعتراف بالشعب السوري كمصدر للسلطة وحقه في المشاركة في حياة سياسية طبيعية واختيار ممثليه بحرية ومن خلال انتخابات دورية ونزيهة وشفافة. الدعوة إلى بدء الحوار الوطني بمشاركة جميع الأطراف، في السلطة والمعارضة، خاصة مع ممثلي حركة الاحتجاج الديمقراطي، من أجل التوصل إلى اتفاق يسمح بالانتقال السلمي إلى نظام ديمقراطي يضمن حقوق الجميع في الحرية والعدالة والمساواة ويجنب سورية الحبيبة مخاطر الصراعات الدامية والحروب الأهلية.الحفاظ على دور سورية الطليعي في مقاومة السيطرة الأجنبية وسياسات التدخل الخارجية يستدعي اليوم أكثر من أي وقت سابق ضمان وحدة الشعب وكرامته وحرياته. والبدء بإصلاحات جذرية تزيل أسباب الانقسام والتوتر والنزاع التي تهدد مكتسبات الشعب السوري وتهيئ للتدخلات لخارجية التي سيكون النظام وحده مسؤولاً عنها.الكف عن العزف على وتر الطائفية وعن توظيفها في خدمة أغراض السلطة، والتأكيد على أن التنوع الطائفي والمذهبي هو جزء لا يتجزأ من هوية سورية، وأن وجودها حتى اليوم هو البرهان على عمق الروح المدنية التي تميز أبناءها وتجعل من التعدد الاثني والطائفي ثروة وطنية.
ويدعو الموقعون على هذا البيان جامعة الدول العربية والمنظمات الحقوقية إلى ممارسة مسؤولياتها الأخلاقية والسياسية وأخذ المبادرة من أجل حقن الدماء ووقف الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، وحث الحكومة السورية على احترام حقوق الشعب وأمنه .

9-5-2011

الموقعون:

د. برهان غليون (مفكر سوري)- د. محمد عمارة (مفكر مصري)- د. بشير نافع (مؤرخ فلسطيني)
د. حسن حنفي (مفكر مصري)-د. رضوان السيد (مفكر لبناني)-د. سعيد بن سعيد العلوي (مفكر مغربي)-
د. جلال أمين (مفكر مصري)-ياسين الحاج صالح (كاتب سوري)-إبراهيم نصر الله (روائي فلسطيني – الأردن)-
د. معتز الخطيب (أستاذ الدراسات الإسلامية - سورية)-د. رياض الشعيبي (أستاذ فلسفة تونس)-
د. طارق الكحلاوي، (جامعي تونسي مقيم في الولايات المتحدة)-د. مصطفى اللباد (مدير مركز الشرق- مصر)-
د. مازن النجار (كاتب فلسطيني)-د. سمير مرقص (كاتب مصري)-جمال سلطان (مدير صحيقة المصريون الالكترونية)- تقادم الخطيب (مدرس جامعي مصري وأحد نشطاء ثورة 25 يناير) د. باسم خفاجي (وكيل مؤسسي حزب التنمية المصري)- د. احميدة النيفر (أكاديمي تونسي – جامعة الزيتونة)- هشام جعفر (كاتب مصري)-
نبيل شبيب (كاتب فلسطيني – ألمانيا)- لطفي زيتون (إعلامي تونسي)

الأربعاء، 11 مايو 2011

أنا أو الحرب الأهليّة

خالد صاغية
يراد للعدوى التي نقلتها مصر إلى العالم العربي أن تتّخذ مساراً معاكساً. فيجري التبسّم بخبث لدى تفجير دار للعبادة في حيّ إمبابة، للإيحاء بأنّ هذا هو المصير البائس الذي ينتظر الشعوب التي تتجرّأ على أنظمتها الديكتاتوريّة. يعود شعار «أنا أو الحرب الأهليّة» ليطلّ برأسه من جديد لحماية ما بقي من أنظمة لم تهوِ بعد. وفي سبيل ذلك، يُستحضَر «الوحش» التكفيري تحت أسماء مختلفة. وما لا تستحضره الأنظمة، ترفدها به نظريّات استشراقيّة عن طبائع العرب، ساءها أن تكون الثورات الأخيرة قد حوّلتها إلى نوع من النفايات الأكاديميّة.

لنضع المبالغات التكفيريّة والاستشراق الأكاديمي جانباً. ثمّة مسألة أساسيّة ينبغي على الثورات العربيّة أن تأخذها في الاعتبار: رغم كلّ القمع الذي مارسته هذه الأنظمة، لم تتمكّن من الهيمنة على المجتمع. الدولة نفسها لم تستطع الحلول محلّ الكثير من التشكيلات الما قبل دولتيّة كالطوائف والعشائر. قمعتها بقسوة في بعض الأوقات، ودخلت معها في صفقات ذات وجوه متعدّدة في أوقات أخرى، تاركة لها الأحوال الشخصيّة حيناً، وسياسات تربويّة حيناً آخر، وإدارة أجزاء كاملة من الوطن في أحيان ثالثة... إسقاط الأنظمة الحالية يطرح مشكلة تعاقديّة من نوع آخر مع تلك التشكيلات التي لا تتأثّر بناها سلباً بانهيار النظام. لا بل قد تسعى إلى استغلال هذه اللحظة من أجل توسيع رقعة نفوذها. لكن، في جميع الأحوال، لا يمكن النظر إلى هذه البنى كعائق أمام الثورات أو السماح بتحويلها إلى «فزّاعة» تمنع سقوط الديكتاتوريّات.

حين تنتصر الثورة، أيّ ثورة، لا تصبح الحياة فجأة لونها «بمبي». لم يحصل ذلك في الثورات الكبرى، في روسيا أو فرنسا مثلاً، ولن يحصل في العالم العربي. وأبطال الثورات والمشاركون فيها لا ينتهي عملهم لحظة سقوط النظام، بل يبدأ عملهم في تلك اللحظة. لا معنى للديموقراطيّة ما لم يعدّ المطالبون بالمشاركة في السلطة أنفسَهم للمشاركة في السلطة فعلاً. والربيع الديموقراطي الذي لن يترسّخ بين ليلة وضحاها، ستسبقه رياح خريفيّة عديدة. المهمّ أنّ الشباب العرب الذين يخاطرون بحياتهم اليوم، يعرفون جيّداً أنّ الربيع آتٍ لا محالة.

الثلاثاء، 10 مايو 2011

الخوف على سوريا

نهلة الشهال
يبدو جلياً أن العقلية التي انتصرت داخل النظام السوري تنتمي الى النسق الذي قاد فيما مضى مجزرة حماة وسحق بالدبابات عدة ألوف من الناس. ربما كان العكس مفاجئاً إن لم يكن مستحيلاً. فاستجابات السلطات، كما أدواتها، جزء أصيل من مكوناتها، وهي تُبنى وتترسخ مع الزمن، فتستحيل نوعاً من المسلك الجبري. وهكذا هو القمع، مكون أساسي من مكونات بنية النظام السوري. وهو محاط بآلة كاملة من التبريرات، على رأسها الادّعاء الدائم بوجود مؤامرة أو استهداف، وهما اليوم وفي الاحداث الجارية موجودان، ولهما مؤشرات وبراهين، منها تدخلات من دول مجاورة، وإن كانت سرية أو ملموسة أو ميدانية. وتحفز هذه التدخلات حسابات متنوعة، بعضها سياسي يأمل بمكاسب معينة يمكن للنظام الحالي ان يؤديها له، أو يذهب أبعد من ذلك، فيراهن على تسهيل وقوع السلطة في قبضة أخرى، وبعضها قد يكون بصدد تقديم خدمات لأميركا واسرائيل، وآخرون يقومون بهذه المناسبة بتصفية حسابات قديمة، وهناك دعم أميركي لوجستي ومالي وسياسي لبعض القوى السورية المعارضة، وهناك السيد بيلمار الذي أعلن فجأة عن تعديل جوهري على قراره الظني بخصوص اغتيال الحريري (نعم، هذا ما زال حياً ـ أقصد القرار الظني ـ وإن شاخت مفاعيله!) سيوسع على الأرجح دائرة الاتهام لسوريا من دون أن يسقط التهمة عن حزب الله... وكل ذلك ينتمي الى ما يقال له «الاصطياد في الماء العكر»، بينما الموضوع هو لماذا تكون عكراً يا هذا!
المؤامرة ولا شك موجودة، بل افتراض غيابها يُخرج الموقــف من التحــليل السيـاسي. فهذه وظيفة الأعداء. وهو ما قاله الرئيس بشار الاسد نفسه في آخر مداخلة علنية لـه. أما السؤال الفعلي فيتعلق بطبيعة التحرك الجاري في سوريا الذي تسقط نظرية المؤامرة أهميته أو تلحقه بها، بينما هو تحرك شعبي أصيل ومشروع. ويضاف الى حسناته أنه كسر حاجز خوف كان سميكاً للغاية، بل لعله الأكثر سماكة في العالم العربي. فهل حــماة قابلة للتكرار في عالم اليوم؟ وما المكان الذي سيختاره النظام لفعلته هذه، بينما التحركات الغاضبة تعم البلاد، وآخرها في قلب دمشق، التي لولا صمتها وموافقتها الضمنية في المرة السابقة لما أمكن ارتكاب حماة. وهل النظام اليوم هو نفسه ذاك الذي ارتكب حماة؟ الإجابات بالنفي تجعل من هذا «الخيار» بطاقة انتحارية، وليس أقل.
والمفجع هو أن النظام السوري يهدر بهذا مكانة كان ينفرد بها، تمــثل سنداً كان بإمـكانه أن يفتح أمامه بأمان ـ وإن نسبي بالطبع ـ خيارات أخرى. فهو النظام العربي الوحيد الذي احيط، عند بدء التحركات الشعبية في سوريا بمـناشدات تدعوه للــجرأة على الاصــلاح (لأنه حق للناس، ولأنه وسيلة لإنقاذ النظام!)، توالت من جهات متعددة، عبر أقلام كتاب وصحافيين، وعبر مبادرات قوى وحركات مناضلة. ومبعث تلك الاندفاعة، ذات الطبيعة الإنقـاذية في العمق، اعتبارات عدة على رأسها موقف السلطة في دمشق من مسألة الصراع مع إسرائيل. علماً أن في الاندفاعة تلك تغاضياً عن حذر دمشق من الانخراط المباشر في ذلك الصــراع، إلا أنه يشفع له دعمها للقوى التي تفعل، ويشفع له موقفها السـياسي الذي نجح في تحقـيق توازن بوجه الانبطاح العربي السائد في الفترة الماضية بكاملها. وهما أمران في غاية الأهمية، ولا يمكن الاستخفاف بهما.
كذلك استفاد النظام السوري من مواقــف داعمة أو ناصــحة أو متريثة، وذلك على المستوى العام: هناك المسعى التركي للمساعدة في تجـاوز الازمة، وتركـيا هي الجــار القــوي والمهم في حياة ســوريا، الذي عقد معها اتفــاقيات متعددة ، منها تلك الدفــاعية المشــتركة. وهناك الموقف الاوروبي الذي تريث في الادانة، ليس حباً ببشار الاسد، بل لمعرفته بالنتائج التي ستترتب على انهيار الوضع في سوريا، سواء على صعيد المعطيات الداخلية للبلد أو على صعيد مجمل المنطقة. فسيادة الفوضى في سوريا تطرح مسألة تأثيرها على بلدان مهتزة أصلاً كالعراق والاردن ولبنان، بل وحتى على اسرائيل، مما يفتح الافق أمام احتمالات كلها مخيف. ومسألة مصير المسيحيين تعني الدول الاوروبية، وقد شاهدنا الاضطهاد الذي تعرض له مسيحيو العراق، حيث هُجرتهم سائرة على قدم وساق، وهي أيضاً واحدة من النتائج المفجعة لانهيار الاوضاع في ذلك البلد.
بل، وربما كدليل على حس عال بالمسؤولية الوطنية، وبسبب إدراك عميق لتعقيد المعطيات القائمة، سواء منها المحلية ـ المرتبطة بطبيعة السلطة وبتكوين سوريا ـ أو تلك الاقليمية، وخوفاً من التفكك والتصارع والفوضى في بلد انصهاره الوطني هش، بدأت التحركات الشعبية والمطلبية «تصالحية»، لا تطالب بإسقاط النظام، بل تدعوه الى خطوات كلها بديهي ومحق، ولا يمكن لكائن عاقل الدفاع عن موقف الامتناع عنها بحجة الحفاظ على السيطرة والضبط والربط. فهذا المنحى يختزن اتهام الناس بالقصور الوطني، وبأنهم متى ما امتلكوا بعض الحرية، فسيسيئون استخدامها أو سيخونون، أو أن مطالبتهم بتدابير اقتصادية تخفف من نسبة من هم من بينهم تحت خط الفقر ـ ثلث السكان ـ بوجه شبكة كاملة ومتينة تقوم بنهب منظم لاقتصاد البلد، اعتداءً وتطاول على أولي النعمة.
لقد بددت السلطة في سوريا كل هذه المميزات، بل راحت تقرأها بطريقة خاطئة. فهي تعتبر أن اللحظة تفترض «التضامن» الكامل معها، ومن لا يفعل يصنَّف عدواً، وهو منطق يبدو عشائرياً ولكنه مبتذل، حيث يقوم التضامن العشائري نفسه على سنن وقوانين تضبط السلوكيات وتجعل العشيرة تكسر عصا مَن يخالف من أبنائها تلك السنن!
سيطول تداعي الوضع في سوريا، حاملاً معه كل يوم مزيداً من الدماء ومن الاعتقالات ومن مشاهد الدبابات التي تقتحم المدن، ومن فوات الأوان، ومن نزف كل الشرعيات... ومن صمت النظام إلا عن ترداد لغة محنطة، ومبررات وهمية لا يصدقها أحد، لازمتها هذه الاسطوانة المشروخة عن المؤامرة، مما لا يجدي ولا يغير من الامر شيئاً

الاثنين، 9 مايو 2011

مرحلة انتقالية حتمية!

ميشيل كيلو

مراحل الانتقال هي أصعب المراحل على الإطلاق، ليس فقط لأنه يكون هناك دوما تيار في السلطة يريد الحفاظ على أكبر قدر ممكن من الأمر القائم، متجاهلا أنه تقادم وصار من الصعب بقاؤه، وتيار مقابل يريد الخلاص من «النظام القديم»، والوصول بسرعة إلى هدفه: النظام البديل، الجديد، واضعا في أحيان كثيرة اعتباراته ومشاعره الذاتية فوق مستلزمات الواقع الموضوعي وخصائص الحالة المشخصة التي يواجهها. وتتزايد مصاعب الانتقال ويتعاظم الصراع بقدر ما يمسك التيار الأول بقوى وأجهزة مسلحة تستطيع الحفاظ بالقوة العارية والعنف المنهجي على أمر قائم وجوده، مصلحة شخصية أيضا، بالنسبة إلى قادته، و«يكون» في الشارع جماهير وقوى مؤيدة للتيار الثاني، أو مستعدة، وإن بصورة عفوية، للذهاب في الاتجاه الذي يدعو إليه. ويشتد الصراع بدرجة كبيرة إذا كان ساد اقتناع عام لدى سادة الأمر القائم بأن من الصعب الحفاظ على جميع مفرداته القائمة ومن يمثلونها، وأن تغييره مسألة لا مهرب منها، تتطلب التخلي عن أجزاء تكوينية منه، يتوقف إنقاذ النظام على التخلص منها، فإما أن يتم تغييرها بأيدي الممسكين بزمامه، ليكون الانتقال بطيئا ومحدودا ويحقق هدفه: إنقاذ جوهر النظام وحلقاته القائدة، ويتم قطع الطريق على خصومه الراغبين في استبداله بنظام مغاير بنيويا له، يعني قيامه خسارة كل شيء. في هذا الصراع المتفاقم والمتعاظم الاحتدام، من المحال أن تبادر النخب الحاكمة إلى تبني موقف كموقف قيادات بلدان وسط وشرق أوروبا الاشتراكية، التي فهمت معنى الاحتجاج الشعبي والمجتمعي ضد نظامها، فقررت التخلي سلميا وطوعيا عن السلطة، بعد أن رأت بأم عينها استحالة الحفاظ عليها، ليس لأنه لم يكن لديها أنصار ومؤيدون، أو لعجزها عن فبركة مؤامرات تلصقها بالشعب، بل لإدراكها أن زمن السلطة التي تديرها مضى وانقضى، وأنها لن تلد غير الأزمات والمتاعب، وأن الحفاظ عليها محال دون مجازر ومذابح. هكذا، اندفعت بحرص فريد في نوعه على سلامة شعبها ووطنها إلى التخلي عن نظامها من فوق، بعد أن أيقنت أنه بلا سند من تحت، مكذبه بذلك أطروحة لماركس تقول: ما من طبقة تتخلى عن السلطة بمحض إرادتها.
وتزداد صعوبات الانتقال بقدر ما يكون النظام متقادما، لكن قادته لا يعون ذلك أو يرفضون القبول بنتائجه العملية، ويتوهمون أن بوسعهم التحايل سياسيا على الواقع، إن هم فوتوا بالعنف فرص تغييره بواسطة معارضيه ورافضيه، حتى إن كانوا أكثرية شعبية. في هذه الحالة، تنبع المشكلات من مفارقة تتسم بالتناقض، لها حدود ثلاثة: حد أول هو قوة التيار العنيف، الراغب في المحافظة على الأمر القائم، وضعف قوى التغيير داخل النظام نفسه، وحد ثان هو استحالة بقاء النظام على وضعه القائم، بسبب فواته وتلاشي شرعيته المتعاظم، وحد ثالث هو إيكال أمره إلى القوة والعنف، الذي يتصاعد بقدر ما يرغب كل طرف في التخلص من الآخر والقضاء عليه، علما بأن أحدهما منظم ومسلح، وثانيهما قليل التنظيم وغير مؤسسي، له مصلحة في تقييد العنف لأنه تقييده شرط نجاح مسعاه، الذي يتخلق في سياق ولادة قيصرية مؤلمة ومكلفة، تتجسد في انبثاق الجديد من القديم، خلال معركة موضوعها الرسمي تغيير محدود للنظام يتم في منطقة هوامشه البرانية، يبقي على هياكل وأبنية يمكّن استمرارها من احتواء التغيير أو تقويضه، أما الشعبي فتعبئة طاقات متزايدة القوة في شروط متزايدة الصعوبة، تقوي فرص مؤيدي العنف المضاد لعنف السلطة، مع ما يعنيه ذلك من تراجع في الزخم الشعبي السلمي، وتقليص لفرص التسوية بتقليص عدد أنصارها وتراجع دورهم لدى الجانبين. عند هذه النقطة، تستقل التطورات عن موازين القوى وتتجه نحو خيار صفري مهلك، يصعب أن يخرج أحد منتصرا منه، حتى إن نجح في القضاء على الآخر، ما دام انتصار التيار الأول لا ينفي الحاجة إلى التغيير، لاعتبارات قد لا تكون داخلية بالضرورة، تنبثق من الحاضنة الدولية التي تم بالأمس إنتاج النظام العربي القائم بمعونتها وفي إطارها، ويتم اليوم بموافقتها ودعمها إنتاج نظام عربي جديد لن يكون فيه مكان لنظام مغلق، مركزي واستبدادي، يحافظ أو يسعى إلى المحافظة على قوامه الحالي، الذي سيتعارض مع إعادة إنتاج النظام العالمي، وسينتج قدرا من التوتر والأزمات لا قبل له بإدارته، سيطبع وجوده بطابعه، وسيفضي إلى إضعافه وتجدد الممانعة الداخلية ضده، فضلا عن عزله وتفاقم تناقضه مع بيئته الإقليمية والقومية والدولية. السؤال الآن: إذا كان التغيير حتميا نتيجة استحالة الإبقاء على الأمر القائم على حاله الراهن، فلماذا لا يكون الهدف المباشر لجميع الأطراف، ويتم منذ البداية ودون عنف، بالتوافق السلمي الذي يراعي مصالح الجميع؟
لن يعفي الانتصار طرفا من أخذ واقع ومصالح الطرف الآخر بعين الاعتبار. لنفترض أن التيار الأول حقق نصرا كاسحا، وقضى بصورة كاملة على أي صوت شعبي أو معارض يطالب بالتغيير. هل سيمكنه الانتصار من الإبقاء على النظام الحالي؟ لن أعود هنا إلى العوامل الدولية، التي ستتحول إلى عنصر داخلي خطير، خاصة إن تم تطبيق العقوبات ضد النظام ورموزه، التي يتحدثون عنها في الغرب وكثير من دول الإقليم، وستلعب دورا متزايد الأهمية في أي صراع يبلغ درجة من الاحتجاز تتطلب تدخلا دوليا، كما يظهر من تجربة ليبيا، ربما أفضي إلى جعل التعريب / التدويل مخرج الأزمة الوحيد، كما في اليمن وربما لاحقا عندنا : في سوريا، حيث يمكن أن يقع التدخل، الذي لن يكون بالضرورة عسكريا في مراحله الأولى، رغم أي انتصار عسكري مهما كان كاسحا يحرزه النظام، ليضعه في مواجهة واقع يصعب التغلب عليه أو الخروج منه، إن واكبه حصار عربي، يقوم على تقويضه وتقليص قدراته الاقتصادية ودوره السياسي إلى درجة التهميش. سيقوم النظام بخطوات من شأنها امتصاص ما هو مطلوب من تغيير، في خطوات يراد لها أن تبدو وكأنها تنشد الحلول الوسط مع الآخر، علها تمكن الأمر القائم من إعادة إنتاج نفسه في صورة مختلفة، تشعر الطرف الآخر - أو توهمه - بأن مطالبه تتحقق وفق اعتبارات عليا يمليها «منطق الدولة» ! هذا يعني، عمليا، أن الحل الأمني لن يحقق المطلوب: الإبقاء على النظام في أكثر الأوضاع قربا من واقعه الراهن. وأنه سيكون هناك حاجة إلى استكماله بحل سياسي، سيكون التفافيا ووهميا إن تم بمفردات النظام وحده، واستعان بجهات من خارجه، محايدة أو مماثلة له في المصلحة والبنية، يعتقد أن دمجها فيه وتعاونها معه سيعيدان توسيع قاعدته المجتمعية العامة، التي ستضيق كثيرا في سياق تطبيق الحل الأمني وبسببه. في احتمال آخر، قد يمد النظام خيوطا إلى أطراف معارضة، إن هو خرج من عقلية «من ليس معنا فهو ضدنا»، ولا بد من أن يعاقب بالسجن أو بالإقصاء التام من الحياة العامة. في هاتين الحالتين، لن يخرج النظام من أزمته، التي ستستمر داخليا وستتفاقم في الحاضنة القومية والإقليمية والدولية، وستأخذ أشكالا أشد حدة وعمقا وإنهاكا من أزماته السابقة والحالية جميعها. بقول آخر: لن ينجح النظام في استعادة توازنه ووظيفيته بغير تحقيق ما هو جوهري من مطالب الشعب، وأهمها قاطبة مطلب الحرية والعدالة والمساواة، التي سيتيح له تحقيقها، إن تم بجدية وفي أجواء مصالحة وطنية عامة، انتقالا تدريجيا إلى حال انتقالي مغاير في مكوناته لواقعه الراهن، عندئذ سيطرح نفسه بقوة أكبر السؤال: ماذا أفاد الحل الأمني، ولماذا تم اعتماده أصلا، إذا كان سيؤدي إلى هذه النتائج، التي ستعني فشله؟
أصل الآن إلى الطرف الآخر: إنه لن يتمكن بدوره، ومهما فعل، من القضاء على النظام دفعة واحدة، حتى إن اسقط حكمه، فالنظام ليس فقط أشخاصا بعينهم، وإن بدا الأمر كذلك بالفعل، وهو ليس حكومة فقط، بل هو أيضا قاع مجتمعي وشعبي، وله حوامل لا يجوز أن يفكر عاقل أو محب لسوريا في التخلص منها أو تقييد دورها وإقصائها عن المشاركة الكاملة في الحياة العامة. صحيح أن قطاعا منها يقاتل الآن مع النظام، رغم أن مصلحته في الحرية والتغيير لا تقل حيوية عن مصالح غيره من مكونات الجماعة الوطنية السورية، لكن شعبا ينشد الحرية لن يحجبها عن الذين عارضوها أو قاتلوا ضدها، وسيكون مكرها، لهذا السبب، على إيجاد مراحل وتوسطات الانتقال إلى إقامتها ودفعها نحو أفقها الديموقراطي، آخذا بعين الاعتبار واقع هؤلاء ومصالحهم ورغباتهم. ثمة هنا نتيجة مهمة هي التالية: سواء انتصر تيار السلطة المحافظ، أو التيار المجتمعي المناهض للنظام، سيجد الطرفان نفسيهما مجبرين على الانخراط في مرحلة انتقالية قد تقاس بالأعوام، لكنها ستكون إجبارية ولا مهرب منها، رغم تباين مكوناتها، الذي يمكن أن يبلغ حد التناقض.
لن يكبح العنف حتمية التغيير، ولن ينجح في تقييد السعي إليه، بسبب التطورات التي طرأت على المجتمع والدولة والشعب خلال حقبة نصف القرن المنصرم، وفشل النظم الاستبدادية المزري وما سببته لشعوبها من هزائم خارجية وبلايا داخلية، وتخلق طبقة وسطى جديدة ترفض الخروج من السياسة والشأن العام، وتراهما في ضوء جديد وواقع محلي ودولي مختلف، ورفض كتل الشعب الكبرى لما تعرضت له من ظلم وعانته من إذلال وتهميش واستعباد، ونتيجة أيضا لضغط العوامل الخارجية: العربية والإقليمية والدولية. لن يمنع العنف الشعب من التمسك بالحرية، خاصة أن تطور العرب ذاهب إليها. بالمقابل، لن ينتهي النظام بضربة واحدة، وإن سقط. وسيكون هناك مرحلة تختلف عن المرحلة القائمة في الحالة الأولى، والمتخيلة في الثانية. لذلك أتساءل للمرة المليون: لماذا نجري وراء ما يبدو بجلاء أنه مستحيل، ونفعل بأنفسنا ما يقوض أسس وجودنا الوطني، ما دام النظام القائم لن يبقى مرجعيتنا لفترة طويلة، وما دامت حاجتنا إلى إعادة إنتاج وحدتنا المجتمعية والوطنية ستفرض علينا المرور في مرحلة انتقال قد لا تكون قصيرة، تغاير قواعدها تلك التي قامت حياتنا السياسية عليها خلال قرابة نصف القرن الماضي؟
يمر العالم العربي، ومنه سوريا، في طور انتقالي صعب ومعقد... وحتمي. من لا يدرك هذا ويستجب لمقتضياته ومتطلباته، ويفد منه لتجديد المشروع السياسي العربي، فسيدفع ثمنا لا يخطر له على بال، مهما حقق من انتصارات على شعبه، أو ظن أن النجاح في معركته ضده سيكون حاسما ونهائيا!

الفقيه القاضي المجاهد العلامة فيصل مولوي

إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون
فقد لبنان والعالم الإسلامي بوفاة المرحوم الشيخ فيصل مولوي فقيها حكيما وقائدا متزنا وحركيا عاقلا وسياسيا استراتيجيا لم يخالف بوصلته المرشدة إلى أصل الصراع الإسلامي مع أعداء الدين ولم يتخبط في نزاعات كما لم يداهن في موقف .
انحاز إلى المقاومة حتى في ما بدا أنه ناقد قاس بعد أحداث السابع من أيار وكان من السباقين في قيادة الحركة الإسلامية باتجاه الوحدة الإسلامية في كل مواقع عمله وفي ما كتب أو أفتى أو علَّق على مواقف.
كان في ما عرفته حليما هادئا سلس المعشر متواضعا ينقاد قلب ملاقيه إليه كما ينقاد إلى أب شفيق وناصح رقيق وأخ شقيق .
كان كبيرا حاضرا في زمن نحتاج فيه الكبار ونفتقدهم , وظلَّ على مرضه المؤلم ومعاناته حاضرا لا يمكن تجاوز فكره وتجربته ومواقفه .
أتقدم من عائلته ومن الأخ الأستاذ إبراهيم المصري الأمين العام وسائر الأخوة في الجماعة الإسلامية ومن كل محبيه بالتعزية والمواساة سائلا الله أن يلهمهم الصبر والثبات على خطه ومنهجه.
توفي رحمه الله يوم الاحد 4 جمادى الثاني 1432 , 8 أيَّار عام 2011 م , يصلى على جثمانه عصر الإثنين 5 جمادى الثاني 1432 ,9 أيَّار عام 2011 م في المسجد المنصوري الكبير، قرب ساحة النجمة، في طرابلس، ويدفن في مدافن باب الرمل.رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه
وقد وزعت الجماعة الإسلامية، نبذة عن الراحل أبرز ما فيها:
- القاضي الفقيه المستشار الشيخ فيصل مولوي من مواليد 1941 طرابلس - لبنان، داعية ومفكر إسلامي معروف في لبنان والعالم العربي والإسلامي وفي أوروبا.
- من العاملين في الحقل الإسلامي في لبنان، وكان رئيسا لجمعية التربية الإسلامية في لبنان، وقد شغل منصب الأمين عام الجماعة الإسلامية في لبنان.
- رئيس بيت الدعوة والدعاة منذ تأسيسه سنة 1990.
- عضو اللجنة الإدارية للمؤتمر القومي الإسلامي.
- رئيس لجنة الفتوى في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
- حصل على: إجازة في الحقوق من كلية الحقوق والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية العام 1967، إجازة في الشريعة الإسلامية من كلية الشريعة في جامعة دمشق العام 1968، شهادة الدراسات المعمقة من جامعة السوربون في باريس. وحاز جائزة أفضل واعظ إسلامي من الندوة العالمية للشباب الإسلامي.
- عين قاضيا شرعيا في لبنان سنة 1968. وتنقل بين المحاكم الشرعية الابتدائية في راشيا وطرابلس وبيروت. وعين مستشارا في المحكمة الشرعية العليا في بيروت سنة 1988 وبقي في هذا المركز حتى استقالته سنة 1996.
- حائز على مرتبة قاضي شرف برتبة مستشار بموجب مرسوم جمهوري رقم 5537 تاريخ 23 أيار 2001.
- أمضى في أوروبا خمس سنوات من 1980 حتى 1985. وأسس في فرنسا اتحاد الطلبة المسلمين، ثم اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، وأنشأ الكلية الأوروبية للدراسات الإسلامية. وأصبح مرشدا دينيا لاتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا ثم في أوروبا منذ سنة 1986. وبقي على تواصل مع أكثر المراكز الإسلامية في أوروبا حتى وفاته.
- ساهم في تأسيس المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث في المملكة المتحدة في آذار 1997 تحت رئاسة الشيخ يوسف القرضاوي وهو نائب الرئيس.
- أصبح العميد المؤسس للكلية الأوروبية للدراسات الإسلامية في شاتو شينون في فرنسا منذ تأسيسها سنة 1990، وهي كلية للدراسات الشرعية بالمستوى الجامعي مخصصة للمسلمين الأوروبيين أو المقيمين بصفة دائمة في أوروبا وسائر بلاد الغرب، واستمر في هذا المنصب حتى سنة 1994. وشغل منصب نائب رئيس المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث.
- بدأ العمل في الحقل الإسلامي في عام 1955، منطلقا من جماعة عباد الرحمن بطرابلس، ثم إلى الجماعة الإسلامية بعد تأسيسها سنة 1964.
- انتخب أمينا عاما للجماعة الإسلامية خلفا للدكتور فتحي يكن منذ 1992 حتى سنة 2009.
- من أبرز مؤلفاته: تيسير فقه العبادات - دراسات حول الربا والمصارف والبنوك - موقف الإسلام من الرق - أحكام المواريث، دراسة مقارنة - الأسس الشرعية للعلاقات بين المسلمين وغير المسلمين - نظام التأمين وموقف الشريعة منه - نبوة آدم - المرأة في الإسلام - حكم الدواء إذا دخل فيه الكحول - السلام على أهل الكتاب - المفاهيم الأساسية للدعوة الإسلامية في بلاد الغرب - أثر انهيار قيمة الأوراق النقدية - سلسلة مبادئ التربية الإسلامية للمرحلة الابتدائية (خمسة أجزاء) - سلسلة التربية الإسلامية للمرحلة المتوسطة (أربعة أجزاء) - الجزء الأول من كتاب التربية الإسلامية للمرحلة الثانوية.

عن مسيحيّي سوريّا

حازم صاغيّة

هناك اليوم مَن يستخدم "تأييد المسيحيّين السوريّين لنظام الأسد" حجّةً تُدان بها الانتفاضة السوريّة، ومن خلالها يُصار إلى توكيد "دور الإسلاميّين والسلفيّين" في الانتفاضة، وإلى توكيد "علمانيّة النظام" في المقابل.
وبالطبع، ليس لدينا ما يؤكّد أو ينفي هذا "التأييد" وحدوده. لكنّ وجوده، في حال صحّته، ليس سوى دليل آخر على ما زرعه نظام البعث منذ قيامه في 1963، ولا سيّما منذ "حركته التصحيحيّة" في 1970، وعلى ما تجنيه سوريّا اليوم.
فأن يكون خوف المسيحيّين هو ما قادهم إلى ما انقادوا إليه، فهذا إنّما ينمّ عن حجم التخريب الذي ألحقته العقود البعثيّة بالنسيج الاجتماعيّ السوريّ، بحيث باتت الجماعات لا تتبادل في ما بينها إلاّ الريبة والخوف، ولا ترى في المستقبل إلاّ حقول القتل المفتوحة.
وتقضي الأمانة القول إنّ الطائفيّة ومخاوف الأقليّات ليست بالطبع من إنتاج البعث وحكمه. فهي تضرب في تاريخ الملل والنحل وفي التراكيب والثقافات العصبيّة التي ازدهرت في منطقتنا. مع هذا يصعب القفز فوق ذاك الواقع المرّ القائل إنّ 48 سنة من سلطة "الوحدة والحريّة والاشتراكيّة" أطلقت هذه المشاعر وفاقمتها، بدل أن تحدّ منها وتحاصرها.
وما يمكن استنتاجه تالياً أنّ المزيد من حكم البعث هو مزيد من التفتّت الاجتماعيّ والمجتمعيّ، ومزيد من مخاوف الأقليّات التي تطالب الحاكم بـ"حمايتها"، بل مزيد من مخاوف الجميع حيال الجميع.
فإذا صحّ أنّ المسيحيّين "يؤيّدون" نظام الأسد، صحّ القول إنّهم يخطئون لأنّهم، بهذا، يؤسّسون لأوضاع أسوأ ترتدّ عليهم في مقبل الأيّام. أمّا مخاطر الانتقال، ويمكن أن تكون هناك مخاطر فعليّة على الأقلّيّات وأيضاً على الأكثريّات، فوجهها الآخر هو التأسيس لبدايات جديدة. وتبقى أكلاف عدم التسامح المصحوب باحتمالات التحوّل أقلّ من أكلاف عدم التسامح المثبّت والمكرّس والمغلق والمتعاظم.
لقد قيل سابقاً إنّ مسيحيّي العراق يؤيّدون صدّام حسين ونظامه لأنّه "يحميهم". وهذا، أيضاً في حال صحّته، دليل على الدور الذي تلعبه الأنظمة البعثيّة في تفتيت النسيج الاجتماعيّ لبلدانها وفي مقايضة ولاء الجماعات الأقليّة بحمايتها، بدلاً من تحكيم معايير المواطنة بديلاً عن ثنائيّ الخوف والحماية. ألم يكن عهد صدّام حسين، بتمييزه وبكبته المديدين، هو نفسه السبب وراء انفجار الأحقاد الدمويّة والمتعصّبة التي تبادلها العراقيّون بعد إطاحة صدّام؟.
إنّ أنظمة كهذه تنهض على نوع من عقدة استوكهولم، حيث يقع السجين في حبّ سجّانه. يكفي السجّان، في هذه الحالة، ألاّ يقضي على حياة السجين كي يبدو هو من يمنحه الحياة. والمسيحيّ السوريّ، بل أيّ كائن انسانيّ، يُفترض به أن يكون أذكى من ذلك وأعرف.

رسالة إلى دريد لحام وباسم ياخور ونضال سيجري

حكم البابا
السبت 7 أيار (مايو) 2011

عيب يا فناني سورية، هذا شعبكم الذي يتظاهر ويموت من أجل الحرية، عيب حديثكم عن مؤامرة خارجية وعصابات مسلحة، وأنتم تعرفون أن المخابرات هي التي تعتقل وتعذب وتقتل..
عيب يا أستاذ دريد لحام، وأنت تعرف أن شبيّحاً من آل شاليش عام 1999 تعرض لعائلتك بأقذع الألفاظ، وأن اللواء زهير حمد استدعاك عام 2007 للتحقيق معك من أجل تصريح صحفي ولم يحترم قيمتك الكبيرة، التي يقدرها هذا الشعب الذي أحبك وساهم في صنع نجوميتك، ولايطالب بأكثر من حريته اليوم، وينزل بصدور عارية ليواجه أشرس آلة قمع في التاريخ..
عيب يا أستاذ باسم ياخور وأنت تعرف ما الذي فعلوه بعمك في ثمانيات القرن الماضي، وكيف عذبوه في المخابرات، وتعرف إلى أي حد ضايقو والدك خلال عمله الصحفي، وكيف خوّنوك بعدما صورت "أيام الولدنة"..
عيب يا أستاذ نضال سيجري، وأنت تعرف كم سنه قضى أخوك في سجونهم وبماذا اتهموه..
أنا لا أعتب على أمثال هشام شربتجي ووائل رمضان وسلاف فواخرجي وسيف سبيعي وأمثالهم، فكلنا نعرف أنهم لا يملكون شرفاً ليبيعوه، ولا أعتب على بشار اسماعيل وعلي الديك وزهير رمضان وأمثالهم فهؤلاء أقرب إلى الشبيحة منهم إلى الفنانين، ولا أعتب على أيمن زيدان وزهير عبد الكريم وأمثالهم فهؤلاء معتادون على الانتقال من حذاء إلى حذاء لتقبيله.
ولكني أعتب عليكم أنتم بالذات لأنكم لستم بحاجة لعطايا ومنح وهبات، ولأنكم تعرفون أن البلد أكبر من أي نظام ومن أي شخص، وأن ما يحدث هو ثورة بكل معاني الثورة. وارجعوا لكتب وموسوعات التاريخ، لتقرأوا وتقارنوا، كيف اتهمت كل الثورات بالعمالة، ثم أصبح الانتساب إليها مفخرة، وناقشوا بينكم وبين أنفسكم مواقفكم المشرفة من ثورتي تونس ومصر، ومواقفكم المخجلة من ثورة شعبكم. هل برأيكم لا يستحق هذا الشعب الحرية والكرامة؟ وهل عليه أن يعيش إلى أبد الآبدين تحت أحذية المخابرات؟ فكروا على الأقل في مستقبلكم الشخصي والمهني وموقفكم الأخلاقي والوطني إذا ما انتصرت الثورة، وهي ستنتصر، لأن هذا الشعب يريد الحياة الآن. ألم ترددوا بيت أبو القاسم الشابي عن الحرية، أم أنه حلال على تونس ومصر وحرام على سورية..
أنا ومن موقع الصديق، ولأني أعرفكم جيداً، وأعرف مواقفكم الحقيقية من النظام، وأعرف أنكم أصحاب مظالم، أطالبكم على الأقل بالصمت، إن لم تكن لديكم القدرة على مساندة هذه الثورة، بدلاً من شتمها وتخوين أشخاص يواجهون بصدور عارية وبشجاعة منقطعة النظير جهاز المخابرات الأفظع والأشرس في العالم. أشخاص يشرفونني ويعيدون لي كرامتي واعتزازي وفخري بهويتي كسوري.
فأنتم بالتأكيد تعرفون من خلال خبرتكم كممثلين كيف تفبرك مشاهد الاعترافات المزيفة، وتعرفون أنه لا يوجد أحد في العالم يذهب للموت من أجل فتوى شيخ مجهول، أو من أجل الحصول على خمسين ألف ليرة، أو لأن الشيخ القرضاوي أو بندر بن سلطان أو عبد الحليم خدام أو رفعت الأسد أو سعد الحريري طلب منه ذلك. وتعرفونه لا يمكن لأحد بما فيه الشيطان نفسه أن يجمع هذه الأسماء ويضيف إليها قنوات العربية والجزيرة والبي بي سي وفرانس 24 والحرة والأورينت وبردى ليدبر مؤامرة على سورية، ثم لو اجتمع كل هؤلاء مع سكان الأرض لتحريك مظاهرة صغيرة لن يستطيعوا، ما لم يكن للمتظاهرين مصلحة في ذلك. فكيف بهذه المظاهرات التي لم تهدأ طوال خمسين يوماً، وامتدت لتشمل أغلب الأراضي السورية؟
ألم تسألوا أنفسكم كيف تحوّل أمير قطر حمد بن جاسم والرئيس الفرنسي ساركوزي ورئيس الوزراء التركي أردوغان من أصدقاء وحلفاء لسورية بين ليلة وضحاها إلى أعداء؟!
أطالبكم من موقع الصديق أن تنظروا إلى مايحدث في سورية بضمائركم، فإن لم تستطيعوا ففكروا بعقولكم، فإن لم تستطيعوا فاصمتوا..
أرجوكم قولوا خيراً في هذه الثورة أو فاصمتوا..

حوار مع فاروق مردم بيك وبرهان غليون وصبحي حديدي

إصلاح النظام الاستبدادي مُتعذّر وإرادة التغيير الشعبي تتجذّر

تتواصل المظاهرات والانتفاضات الشعبية في سوريا منذ خمسة أسابيع مطالبةً بالحرية والديمقراطية، وتصل شعاراتها منذ أسبوعين الى حدّ المطالبة بإسقاط النظام. وفي الأيام الأخيرة اتّسعت رقعة التظاهر لتشمل بلدات ومدن في أغلب المناطق السورية ساحلاً وشرقاً ووسطاً وجنوباً. وقد ردّت السلطات منذ اليوم الأول على هذه التحرّكات بعنف شديد ومتصاعد أدّى الى سقوط مئات القتلى واعتقال المئات الآخرين. كما ردّت بحملة إعلامية تقوم على اتهام "الخارج" بالتآمر على سوريا واستقرارها وتبرير اعتمادها الحل الأمني بوصفه التعامل الوحيد المناسب.
في ظل هذا الحراك، وأمام الشجاعة الاستثنائية التي يظهرها الشعب السوري في مواجهة آلة استثنائية الشراسة، يتطارح المعنيون أسئلة عدة حول ما يجري، أسبابه ومساراته، أطرافه وخصائص علاقاتهم في بلد تعدّدي التركيبة الدينية والإثنية يحكمه نظام ظنّ كثر أنه سيكون استثناءً بين الأنظمة العربية في ربيع التحوّلات الذي نشهد منذ كانون الأول الماضي.

الحوار التالي هو محاولة لشرح الوضع في سوريا اليوم ولتشريح بنية النظام الحاكم وسياساته، وهو لقاء مع ثلاثة من أبرز المثقفين السوريين (والعرب) المعارضين المقيمين في المنفى الباريسي، المؤرّخ والناشر فاروق مردم بيك، الأستاذ الجامعي برهان غليون، والناقد الأدبي والكاتب السياسي صبحي حديدي.

حوار أجراه زياد ماجد، "لوريان ليترير"، عدد أيار 2011 -

ثمة من قال في الأيام التي تلت اندلاع الثورتين التونسية والمصرية إن لسوريا خصوصية ستجنّبها الحراك الشعبي المتوقّع انتقاله من بلد عربي الى آخر. وجرت الإشارة في معرض هذا القول الى عامل رئيسي يبرّر هذه الخصوصية: تماثل موقف النظام في السياسة الخارجية مع موقف أكثرية السوريين. ما رأيكم؟ وما هي وظائف السياسة الخارجية بالنسبة للنظام؟ وكيف يمكن فهم أدائه منذ بدء الانتفاضة الشعبية في وجهه وتصاعدها؟

فاروق مردم بيك
يهدف المتحدّثون عن "خصوصية" سوريا الى التركيز على ما يسمّونه خيار "الممانعة" الذي يدّعي النظام تبنّيه، وهو الخيار النقيض بعرفهم لما اعتمده نظاما تونس ومصر. على أن التدقيق في كلامهم يُظهر تهافت منطقه، كما أن تشريح النظام السوري ببنيته القائمة يظهر أن له فعلاً خصوصية، لكنها مختلفة تماماً عن تلك المشار إليها في ما خصّ سياساته الخارجية. فالنظام السوري منذ حوالي الأربعين عاماً هو نظام عشائري لا يشبه اليوم في مافياويّته العائلية إلا النظام الليبي. وهو النظام الجمهوري الوحيد الذي نجح في التوريث. وقد جرى تأسيسه على مبدأ عبادة الفرد وتركيز السلطة في شخص الرئيس وبعض أفراد أسرته، مما يجعل إصلاحه مستحيلاً لأن الإصلاح يعني الإنهيار، ومما يجعل الصدام معه مكلفاً جداً لأنه يستشرس في الدفاع عن نفسه وتتماسك الدوائر الأمنية الضيقة داخله في مواجهة المجتمع.
وإن تناولنا السياسة الخارجية التي يتحدّث عنها دعاة الخصوصية أو الاستثناء، نرى أن النظام، وعلى العكس من مقولتهم، يسعى الى الاندراج في "المنظومة الامبريالية الدولية"، والأخيرة هي التي تمانع لأسباب عديدة. لذلك، تراه يضع البلاد سياسياً وقانونياً في حالة حرب من دون أي نية لخوض الحرب... ولا مرة تجاوز هذا النظام الخطوط الحمر في الصراع مع إسرائيل منذ العام 1974. جلّ ما يفعله هو دعم حزب الله وحماس لنقل الجبهة من عنده وإبقائها مشتعلة أو متوترة في لبنان وفي فلسطين، ومن ثم تثمير ذلك لتحسين وظائفه الإقليمية.
وباستعراض لمواقفه ولأشكال استفادته من التطورات في المنطقة يمكننا التوقّف عن عدة أمور. في الموضوع الفلسطيني، قامت معادلة النظام على أساس طُرفة تردّدت كثيراً مفادها أنه "يعشق فلسطين ويكره الفلسطينيين". منع حافظ الأسد الغطاء الجوّي عن القوات البرية السورية التي حاولت التدخّل لإنقاذ الفلسطينيين في الأردن في أيلول عام 1970، واجتاحت قواته لبنان عام 1976 وضربت الفلسطينيين، وأسقطت مخيم تل الزعتر. ويمكن بعد ذلك استذكار كل فصول الحرب اللبنانية ودور جيشه فيها، من طرابلس الى حروب المخيمات.
وفي المواضيع أو المعادلات الإقليمية، استفاد نظام الأسد في أواخر السبعينات وطيلة الثمانينات من تراجع الدور المصري بعد كامب ديفيد وعزلة القاهرة، ومن حرب صدام حسين مع إيران وتراجع الدور العراقي. وترجم حضوره الإقليمي نتيجة هذه التراجعين في الداخل السوري استبداداً وقمعاً دموياً لشعبه. وحين انهار اقتصاد سوريا وبدا النظام في حالة إفلاس في النصف الثاني من الثمانينات، جاءته حرب الكويت بمثابة الفرج. شارك في عاصفة الصحراء بقيادة الأميركيين، ونعم بالمساعدات المالية الخليجية، ونال تفويضاً بالسيطرة على لبنان، ثم صدّر في التسعينات مئات آلاف العمّال السوريين الى بيروت مستفيداً من ورش إعادة الإعمار هناك ومقلّصاً من معدّلات البطالة داخل سوريا.
بهذا المعنى، أقام حافظ الأسد شراكة مع الأميركيين ومع الخليج ومع إيران مقابل تثبيت مشروعية حكمه في سوريا وتحكّمه بالشأن اللبناني.
واستمر وريثه بشار على نفس النهج. فاستفاد من حرب بوش في العراق ثم من أحداث لبنان ورقاعة الطبقة السياسية اللبنانية، وعمل على توسيع شبكات الفساد والإفساد بالترافق مع استكمال ما سُمّي بالانفتاح الاقتصادي، والذي هو في الحقيقة توزيع مغانم على الأقارب والأعوان، من دون أي قدرة شعبية بالطبع على الرقابة أو المحاسبة.

برهان غليون
أودّ أن أضيف الى ما إشار إليه فاروق أن جانباً من خصوصية النظام السوري يقوم في الحقيقة على اختلافه عن سائر الأنظمة العربية الاستبدادية بكونه قضى على أي مساحة انفتاح سياسي ولو ضيقة داخل البلاد. فالسلطة مطلقة عند شخص الحاكم. كانت عند حافظ الأسد، وصارت اليوم عند ابنه وريثه. في تونس ومصر مثلاً، لم تلتهم السلطة الديكتاتورية جميع المساحات السياسية أو المدنية. ففي مصر، ظلّ للأحزاب وجود وللمنظمات المجتمعية نشاط وللصحف حرية نسبية أو مقيّدة. وفي تونس بقيت بعض النقابات والتجمعات المهنية المستقلة موجودة. أما في سوريا، فمنذ نصف قرن تقريباً، لا وجود لأي تنظيم مدني أو سياسي ولا حياة نقابية مستقلة. أكثر من ذلك، لا سلطة سياسية بالمعنى الدقيق للكلمة تدير البلاد. كل ما نجده، وبخاصة منذ الثمانينات، هو أجهزة أمن متعدّدة تدير كل شيء، تعيّن الأشخاص في كل المواقع، تحرّك الملفات الأساسية، وتتحكّم بكل مفاصل الحياة. وحتى حين قام النظام بانفتاح نيوليبرالي في الاقتصاد، لم يترافق الأمر مع أي انفتاح سياسي. بل جلّ ما تبدّل هو أن مركّب السلطة توسّع بعض الشيء ليضمّ رجال أعمال يضافون الى رجال الأمن وعدد محدود من الأفراد المقرّبين الى الرئيس، وهم غالباً من عائلته. بذلك، شدّد النظام من قبضته وسحق كل حيوية في البلد وصار حضوره اشبه بالاحتلال الداخلي للدولة والاستعمار للمجتمع: مئات المثقفين ممنوعون من السفر، 150 ألف سوري منفي عن البلاد، 17 ألف مفقود ومعتقل رأي، لجان حزبية تسيطر على الجمعيات الأهلية والنوادي وتتحرّك بوحي من أجهزة الأمن والمخابرات. هذا بالإضافة الى وجود برلمان مهزلة رأينا تصفيقه وتهليله للرئيس، وحكومات لا يعرف المواطن أياً من أعضائها.
أكثر من ذلك، يمكننا أن نقول إن ما يميز النظام السوري عن معظم الأنظمة في العالم، هو أن لا سياسة فيه، بل مؤسسة أمنية لا وسطاء بينها وبين ما يفترض أن يكون المؤسسة السياسية المدنية. لذلك فلا مرونة عند النظام ولا قدرة على التفاوض. حتى أننا اليوم، في ظل المظاهرات والقمع والتحرّكات، لا نجد أي مسؤول سوري يتحدّث أو يعلّق على الأوضاع. لا نائبي الرئيس (فاروق الشرع ونجاح العطار) ولا الوزراء ولا رئيس الوزراء، ولا أحد من المفترض أنهم من قيادات النظام.
حتى أن الرئيس نفسه لا يتوجّه الى الشعب ولا يتحدّث بالسياسة. هو يخطب في مجلس الشعب ثم يستقبل وفوداً، ولا يتحدّث معها إلا ببعض الخدمات. يعد الشيخ البوطي بفضائية دينية، ويعد بعض وجهاء حوران بمشاريع، ويقول لجماعة من حمص إنه سيعزل المحافظ، إلخ. لكن في كل ذلك، لا مساحة للسياسة وللحقوق المواطنية ليلتفت إليها. وهو فعلاً لا يفقه بوجود معنى للسياسة أو بمنظومة إسمها الشعب. أعتقد أنه فوجئ بالأحداث، ولأنه لا يحسن التعامل في الشأن السياسي، لم يقل مثلاً "فهمتكم" على ما قال مبارك أو بن علي، ويستحيل عليه أن يقول "إنني لن أجدّد أو أمدّد" كما حاول رؤساء آخرون القول، لأن سوريا بالنسبة إليه ملك شخصي وعائلي ولا مفهوم للوطن في هكذا ملك.

صبحي حديدي
سأضيف الى ما قيل، ومن دون اختلاف معه، بضع ملاحظات.
نظام بشار الأسد هو امتداد عضوي للحركة التصحيحية بقيادة والده. فالأب أنشأ نظامه بعد نهاية حرب ال73 على ركيزتين: الأولى هي الأجهزة الأمنية الشديدة الولاء له بمختلف الرتب فيها، ومعظم ضبّاطها من أبناء الطائفة العلوية. والثانية هي السياسة الخارجية كمصدر مشروعية وتمويل للنظام: أموال من دول الخليج، تحالف مع إيران وأموال منها، تدخل في لبنان وشبكات نفعية واسعة، تعاون مع الولايات المتحدة في عاصفة الصحراء للحصول على دعم وتكريس للحضور الإقليمي الذي يُترجم داخل سوريا مزيداً من إحكام القبضة على الدولة والمجتمع.
وقد بلور النظام بعد استتباب الحكم له نظرّية قسّمت الناس الى فئات ثلاث. الفئة الأولى هي لأولئك الباحثين يومياً عن رزقهم غير القادرين على ممارسة أي نشاط سياسي. الثانية هي لأولئك الباحثين عن مكاسب وأرباح، وهو يمكن استيعابهم وإشغالهم ورشوتهم وبالتالي كسب ولائهم من خلال ربطهم بشبكة زبائنية واسعة. أما الثالثة، فهي للمثقفين والمعارضين الناشطين ممّن اعتبرهم النظام "حمقى يتمسّكون بمبادئ"، وهؤلاء خصّص لهم السجون، وسجن المزّة كان لفترة مقتصراً عليهم.
وحين دخل النظام مرحلة تحضير التوريث، دُفعت جميع الأجهزة الأمنية وشبكات الانتفاع فيه للولاء لباسل الأسد. لكن مقتله في حادث السير المعروف، أدخل النظام في دوّامة. واستُحضر بشار على عجل، لكنه لم يكن مجهّزاً للحكم. بل كان عليه الاتكال على المؤسسة الأمنية العسكرية القائمة، المدّعمة برجال أعمال ممّن انضمّوا الى التركيبة السلطوية بعد مسار "الانفتاح" الاقتصادي. لذلك اعتبر أن واجبه يقوم على الحفاظ على "أمانة الوالد"، وتأمين الاستمرارية، وهذا ما عبّر عنه القول السائد في سوريا من أن "حافظ الأسد ما زال يحكمنا من قبره". على أن المؤسسة الحاكمة التي لم تكن جاهزة تماماً لموالاة بشار عادت ووجدت ضالتها فيه وتوطّدت العلاقة بينه وبين أركانها، واقتاتوا معاً من مغانم السياسة الخارجية تحت مسمّى "الممانعة"، كما اعتمدوا نظرية جديدة تقسّم الشارع السوري الى فئتين (بدل الثلاث السابقة). فئة الشارع المدجّن/المحاصر إمّا القابل بالوضع الراهن أو المحال عبر القضاء العسكري-الأمني الى السجون، وفئة الجمهور الصامت (وهو الأكثرية) الخائف من أن مواجهة النظام تعني الوقوع في السيناريو العراقي البائس أو في المشاكل على الطريقة اللبنانية. وإن عطفنا هذا على السياسة الخارجية وسياسة المحاور، نفهم لماذا اعتقد النظام أنه محصّن لفترة ليست بالقصيرة، ونفهم أيضاً تصريح بشار قبل أشهر الى "الوول ستريت جورنال" وتأكيده على استقرار حكمه.
وبرأيي فإن المؤسسة الحاكمة (من الأجهزة الى بشار الى شبكات الانتفاع الاقتصادي) فوجئت بالانتفاضة الشعبية السورية، وربما فوجئت بها أكثر منا. وقد أصابها الأمر بارتجاج في البداية لأنها غير معتادة على مواجهة المظاهرات والاحتجاجات الشعبية السلمية. كما أن الجهاز الأمني (وليس العسكري) الذي لا تراتبية حقيقية فيه، يبدو تائهاً لجهة مرجعية القرار التي يمكن أن يكون ضباط متوسّطو الرتب هم المسؤولون عن بلورته نتيجة ارتباطهم المباشر بماهر الأسد أو ببشار. وقد بوغت أيضاً ركن الاقتصاد والأعمال في النظام المسيطر على مرافق حيوية، ابن خال الرئيس، رامي مخلوف. ولعل المعلومات عن الأسئلة التي طرحتها المخابرات على أوائل الموقوفين بعد انتفاضة درعا - والتي تدرّجت من المعهود في بروباغاندا النظام (إسرائيل ثم قوى 14 آذار اللبنانية) الى أسباب شتم رامي مخلوف "حامي الليرة السورية من الأنهيار" على ما ردّد المحقّقون - تظهر حجم الحضور للمكوّن المالي في مركّب السلطة وحجم "الخشية عليه".
في أي حال، يبدو أن القرار اليوم داخل النظام هو في عهدة مجموعة أشخاص هم بشار وماهر وكبار الضباط، وهم جميعاً يتخبّطون ضمن الخيار الأمني، ولا خيار أمامهم أصلاً غير اللجوء الى العنف. وهم لن يستسلموا بسهولة، لذلك أعتقد أن ثمن المواجهة والتحرّر من حكمهم سيكون فادحاً. والأرجح أن لديهم ثلاثة خطوط دفاع. الأول، العنف السافر والوحشي ضد المتظاهرين. الثاني: إثارة تناقضات داخل الجيش والدفع الى صراعات محدودة بين وحداته لإخافة الناس من إمكان انفجار المؤسسة العسكرية، والثالث: التوتير الطائفي في أقصى درجاته، والتلويح بالفوضى الشاملة في البلاد...

لكن ماذا عن الشق الثاني من المعادلة. المجتمع السوري: هل هناك خشية جدية من وقوع صدامات طائفية أو من تحوّل الانتفاضة السورية الى ما يشبه التنازع الطائفي المتأتّي من تركيبتي المجتمع والنظام على حدّ سواء؟ وهل يشكّل الإسلاميون اليوم عماد الحركة الشعبية؟

فاروق مردم بيك
لا يمكن نفي التوتّر في مجتمع مقموع. لكن حتى الآن يبدو حرص الناس على تجنّب كل شعار طائفي جلياً في التحرّكات وفي الأدبيات المتداولة. أما بالنسبة لمسألة الإسلاميين ودورهم، ففي الموضوع مبالغات وتعميمات وشمل لقوى وتيارات شديدة الاختلاف بعباءة واحدة. ويجب التذكير أن النظام السوري نفسه شجّع أسلمة المجتمع على نحو متزمّت. ذلك أنه في معرض ردّه على الأخوان المسلمين، قرّر منافستهم داخل الحقل الديني، وأنشأ مدارس قرآنية بإسم حافظ الأسد، وراح يزايد على بعض الفئات المحافظة من خلال تبنّي إسلام سلفي غير جهادي. واقتراح بشار الأسد الأخير بإنشاء قناة دينية إسلامية كهدية للشيخ البوطي ورجال الدين الموالين له لافت لجهة إظهاره دعماً لإسلام ظلامي وموال للسطلة. هذا ناهيك عن السلفيين الجهاديين الذين تلاعبت بهم المخابرات السورية وصدّرتهم الى العراق ولبنان في أكثر من مرحلة.

برهان غليون
المجتمع السوري متعدّد ومتنوع، وهذا مصدر غنى ثقافي واجتماعي كبير إن أدير على نحو يحفظ الوحدة ويحترم التنوّع والتسامح. وإنما واقع الأمر اليوم، يشير الى كون النظام الحاكم الذي ينفي - كما قلنا - وجود الشعب بمفهومه السياسي عمّق في سوريا الانقسامات الأهلية ويعمل الآن على تجييش العصبيات. ولا شك أنه نجح الى حدّ بعيد في ذلك إذ لا يمكن نفي التوتّر الطائفي الموجود. لكن ليس هذا، على أهمّيته جوهر الموضوع. فباعتقادي أن أغلبية السوريين اليوم يريدون المواطنة والحداثة السياسية، وأقلية في كل طائفة منغلقة وتفكّر على أسس طائفية. والنظام يراهن على فتنة ويهدّد بحصولها وبوصولها الى حال الحرب والفوضى إن استمرّ الحراك الشعبي وإن تحرّر الناس من سطوة الإستبداد. وهو بهذا بنفي وجود أي أفق إصلاحي ومواطني، ويحافظ على الجاهزية القمعية لدى أجهزة الامن لمنع كل تشكّل للمجتمع السياسي كي تبقى الانقسامات الأهلية. التحدي الفعلي إذن هو الوحدة الوطنية.
أما الإسلاميون، فكما أشار فاروق، عمد النظام الى تبني بعض حركاتهم السلفية الدعوية واستخدامها، إضافة الى عمله المخابراتي مع جماعات أخرى. وبالنسبة للأخوان المسلمين، فهم كتنظيم غير موجودين في سوريا، إذ استأصل النظام كل أطرهم، وتحكم المادة 49 الشهيرة على كل عضو في التنظيم بالإعدام. لكنهم كأفراد حكماً موجودون في البلاد، وخطابهم السياسي صار منذ زمن خطاباً معتدلاً يتحدّث عن الدولة المدنية ويقترب من النموذج التركي. ولا أعتقد بالتالي أننا أمام خطر سيطرة أصولية كما يحاول البعض أن يصوّر الأمور.

صبحي حديدي
تقتضي الصراحة أن نقول إن النظام السوري نجح الى حد لا بأس به في إقناع أكثرية أبناء الطائفة العلوية بأن مصيرهم من مصيره. وما يرد من كلام اليوم من الساحل السوري على ألسنة أناس من الطبقة الوسطى ومفاده "نحن نكره نظام الأسد، ولكن... إن سقط هذا النظام، فلا نعرف ماذا سيحلّ بنا" يشير الى تنامي شعور بالانتماء الطائفي يعمل النظام على تجذيره وتعميمه لتعميق الانقسامات العامودية. لكن في نفس الوقت، علينا أن نقول إن في الطائفة العلوية تنوّع وتعدّد، وإن المعارضين للنظام من هذه الطائفة دفعوا أثماناً باهظة لمواقفهم، وأعداد المعتقلين من حزبنا مثلاً، حزب الشعب الديمقراطي، من أبناء الطائفة كبير، والمعاملة الوحشية التي يتعرّضون لها تفوق قسوة كل معاملة أخرى. كما أن في الطائفة تناقضات طبقية ومظاهر ثراء فاحش عند البعض مقابل فقر مدقع عند البعض الآخر، وهناك عشائر ومصالح متناقضة لقوى من داخل النظام، وهناك المرشديون وهم معارضون لبعض زعامات ومشايخ الطائفة. يعني نجد تنوّعاً واختلافاً في الأوساط العلوية تماماً كما في كل الجماعات الأهلية في سوريا، ويمكن له في حال وصول الامور الى صدامات أن يتفسّخ رغم الرُهاب الطائفي.
حتى الآن، الشارع السوري يفاجئنا بشجاعته وعزيمته، لكن أيضاً بوعيه ووحدته. وسوريا، المختلفة عن مصر وتونس واليمن وليبيا حيث تركّزت المظاهرات والانتفاضات في عدد من المدن الكبرى أو المتوسطة، تنتشر فيها التحركات اليوم على مستوى جغرافي واسع جداً، من حمص وحماه ودير الزور الى بانياس وجبلة ودوما ودرعا وعدد كبير من المناطق الأخرى. وهذا يعني في ظل التعددية الموجودة في المجتمع السوري مشاركة سوريين من طوائف وشرائح عمرية وفئات اجتماعية مختلفة تضم العلمانيين والإسلاميين وغيرهم. كما تضمّ طبعاً أناساً لم يخوضوا أي تجربة حزبية أو تنظيمية. ولا أعتقد أن الكلام عن تهديد إسلامي هو كلام جدي، حتى في الغرب، حيث الحسابات تبدو أكثر ارتباطاً بمواقف إسرائيل مما يجري وتأكيد معظم التقارير والمقالات في صحافتها على تفضيل الأسد على المجهول.

سؤال أخير لكم، هو عن مدى تمثيل انتشار المظاهرات والتحركّات الشعبية المواجهة للنظام لما يمكن أن نسمّيه سوسيولوجيا سوريا، إن لجهة التركيبة الإجتماعية أو لجهة ثنائية الريف والمدينة. ذلك أن ما قد يتبادر الى ذهن المراقب هو ضعف الحراك في كل من دمشق وحلب، واشتداده في مناطق تعدّ ريفية أو طرفية. فهل هذا صحيح؟

فاروق مردم بيك:
هناك مفارقة لافتة في الوضع السوري هذه الأيام. وهي مفارقة مرتبطة بما يُسمّى "بارادوكس الريف والمدينة". الدراسات الأكاديمية والكتابات البارزة عن سورية كانت تركّز في الماضي عند تحليل القواعد الاجتماعية للنظام على كون العديد من قادة البعث وضباط الجيش الداعمين للإنقلابات في حقبة الستينات مثلاً من أرياف حماه وحوران. ثم كان تحليل سياسات النظام في السبعينات وحتى الثمانينات يقوم على دراسة سعيه المستمر الى ترييف المدن أو محاصرتها بضواح ومناطق مريّفة نتيجة النزوح إليها وتشجيعه. وكان الافتراض أن ريف دمشق بتكوينه الاجتماعي يبدو وكأنه يحاصر العاصمة بوصفها "مدينة معادية"... الواقع اليوم، أن أبرز التحرّكات والمظاهرات ضد النظام انطلق من المناطق المذكورة، ووجد له خزاناً وبيئة داعمة فيها. وهذا يشير الى تبدّلات جوهرية في سوريا يعجز النظام عن استيعابها وينتهج العنف والانتقام كأسلوب تعامل وحيد مع المنتفضين.
وبالنسبة لحجم التحرّك، أعتقد أن أعداد المتظاهرين كبيرة، وهي كانت في الجمعة العظيمة مثلاً ضخمة في العديد من المدن والبلدات نسبة لعدد السكان الإجمالي في هذه المدن والبلدات، كما أن حجم الانتشار على صعيد الخريطة السياسية كان واسعاً، والشعارات المرفوعة جذرية.
أما في ما خص حلب ودمشق، فسأترك لزميليّ شرح وضعيهما، لكن أودّ الإشارة الى نقطة ينساها البعض في تحليلهم، وهي أن نسبة المسيحيين في هاتين المدينتين عالية مقارنة بنسبتهم على الصعيد الوطني. وأكثرية هؤلاء يبدون حالياً في وضع ترقّب وقلق، ويعمل النظام على تخويفهم من كون بديله إن قام فسيكون سلفياً متطرّفاً، ويقول لهم إن مصيرهم عندها لن يكون بأفضل حال من مصير مسيحيي العراق. وهذا، مضافاً الى أسباب أخرى، يحول دون مشاركتهم الفاعلة حتى الآن في الانتفاضات.

برهان غليون:
تشهد الثورة السورية إنتشاراً كبيراً على صعيد جغرافيا سوريا ومناطقها. وفي هذا ظاهرة جديدة لجهة كثافة المشاركة المحلية أو الجهوية مقارنة بما كنّا قد شهدناه في الحالتين المصرية والتونسية من مظاهرات ضخمة، ولكنها متركّزة في 3 أو 4 مدن كحد أقصى.
بالنسبة للمدن الكبرى تحرّكت حمص وكان فيها مظاهرات حاشدة، ومن أحياء مختلفة، وحاول المتظاهرون تحويل الساحة الأكبر في المدينة الى ساحة اعتصام كي يأخذ التحرّك بعداً يشبه ما جرى في القاهرة أو ما يجري في صنعاء مثلاً. لكن القتل وإطلاق النار وهجوم الأجهزة الأمنية على المتظاهرين حالت دون ذلك. ومع هذا لم تهدأ المظاهرات في المدينة. أما دمشق وحلب، فلهما وضع خاص. أوّلاً، فيهما طبقات مستفيدة من النظام، وفيهما كذلك أناس متردّدون، يفضّلون الانتظار ويخشون مما يسمّونه الفوضى. كما أن بين سكان المدينتين من استسلم للسلطة الشديدة الحضور بمؤسساتها ورموزها عنده. وثانياً، تقيم السلطات في كل جمعة طوقاً أمنياً هائلاً حول المدينتين وتمنع الدخول إليهما. كما أنها أقامت في ساحة العباسيين في دمشق متاريس لسدّ المنافذ المؤدّية الى الساحة. والقوى الأمنية فتحت النيران أكثر من مرة على مسيرات خرجت من المساجد وقتلت واعتقلت عشرات الأشخاص، وهي جاهزة لفعل أي شيء لمنع المتظاهرين من الوصول الى قلب العاصمة كي لا يكون حضورهم محرّضاً لآخرين على الانضمام إليهم. لذلك، ليس من السهل التحرّك ميدانياً في دمشق ولا في حلب.
لكن، وفي كل الأحوال لا يشير القمع المتصاعد إلا الى الخوف المتصاعد عند معتمديه، وهو لم يحل دون تسيير مظاهرات في عدد من أحياء المدينتين وفي ضواحيهما القريبة، وخاصة ضواحي دمشق، المتّصلة بها عمرانياً.

صبحي حديدي:
سأضيف الى ما قيل، أن لكبار التجار في حلب ودمشق سيطرة واضحة على التراتبية التجارية في سوريا. ولبعضهم، خاصة في حلب، علاقات مع الأتراك بمليارات الدولارات. وتركيا تريد التهدئة وتحثّهم على الالتزام بها. مع ذلك، يجب أن نتذكّر أن بدايات الحراك الشعبي في سوريا وأول شعارات الانتفاضة على النظام السوري انطلقت من منطقة الحريقة، في وسط دمشق التجاري، ثم من الجامع الأموي في قلب العاصمة. كما أنه، وربطاً بما ذكره فاروق من تبدّل في وظائف العلاقات الريفية- البدوية- المدينية، تمكن الإشارة الى أن الضباط الأمنيين كانوا يهدّدون المعتصمين القلائل في دمشق تضامناً مع الثورات العربية أو مع أهالي معتقلي الرأي، وذلك قبل بدء المظاهرات في سوريا بأسابيع قليلة، بأنهم سيرسلون "الشوايا" لتأديبهم. والشوايا هم بدو من منطقة الجزيرة انتقلوا للعيش في المدن، وخاصة في دير الزور، وشاركوا في العمليات العسكرية في أوائل الثمانينات دعماً للنظام في مواجهة مدينة حماه. ومع بدء الانتفاضة السورية، وانخراط دير الزور فيها، تبيّن أن الشهيد الأول في المظاهرات هناك كان شاوياً... هناك إذن جيل جديد في كل المناطق يعيد خلط التعريفات والحدود المتعارف عليها سابقاً.
وأيضاً ربطاً بالحديث عن وضع دمشق الصعب والحضور الأمني الهائل فيها، هناك إجراءات تُعتمد على نحو سوريالي أحياناً. فإضافة الى بناء المتاريس ومنع الوصول الى وسط المدينة، يقوم الأمن بالتمركز على أبواب المساجد، وخاصة المسجد الأموي والباحات المحيطة به، ويطلب من المصلّين الذين يقنّن دخولهم ويفتّشهم تسليمه هواتفهم الخليوية وبطاقات هويتهم قبل الدخول ويعيدها لهم عند خروجهم ليضمن عدم تظاهرهم وعدم قدرتهم على تصوير أي هتافات يمكن أن تُطلق داخل المسجد أو باحاته ذاتها.
باعتقادي، وسأختم هنا، أننا أمام مرحلة لن يعود من بعدها شيء الى ما كان عليه سابقاً، لا في المدن ولا في الأرياف ولا في أي فئة اجتماعية أو طائفية. المعركة اليوم هي معركة إرادات وصمود، وبطش النظام سيكون مروّعاً. لكن الشجاعة الاستثنائية للناس في الشارع، وتراكم النضالات رغم المصاعب الكبيرة، والكفاءة العالية لجيل جديد من السوريين والسوريات من خلفيات مختلفة (يتجلّى الأمر على الانترنت وفضاءات التواصل الاجتماعي كما في المظاهرات وفي فعاليات التضامن)، ستعيل سوريا والسوريين في الداخل على الاستمرار في مسيرتهم من أجل الخلاص من الاستبداد.

... سوريا اليوم هي إذن غير سوريا السنوات الماضية. وإن كان الامر بديهياً إن قيل في بلدان تعيش الحرية فيها ويمارس أهلها حياتهم بشكل عادي، إلا أن قوله في "مملكة الصمت" ليس على هذا النحو. ولعلّ هذا الحوار مع فاروق مردم بيك وبرهان غليون وصبحي حديدي دليل على ذلك، وهو يضيء على عدد من الأمور التي يفيدنا جميعاً أن نتعرّف إليها.
على أمل أن يكون اللقاء المقبل معهم في سوريا، بين أهلهم وأصحابهم ورفاقهم، في مقهى أو في منزل استعاد روحه وهواءه وياسمينه...
ز.م.

فنانون سوريون ..نداء عاجل للحكومة السورية "من اجل اطفالنا في درعا"

الجمعة 6 أيار (مايو) 2011
أصدرت مجموعة من الفنانين السوريين بياناً يطالبون فيه بـ "إيقاف الحظر الغذائي المفروض على درعا وقراها"، والي اعتبروا أنه "يؤثر سلباً على الأطفال الأبرياء في المحافظة".وحمل البيان، الذي وقع عليه أكثر من ثلاثمئة من نجوم الدراما السورية وصنّاعها، عنوان «نداء عاجل للحكومة السورية "من أجل أطفالنا في درعا»، ونشر على الصفحة الشخصية للكاتبة ريما فليحان على موقع التواصل الاجاتماعي "فيس بوك"، وكان نصه كالتالي:
«نحن الموقعون أدناه على هذا النداء نطالب الحكومة السورية بإيقاف الحصار الغذائي المفروض على درعا وقراها منذ خمسة أيام، والذي أدى إلى نقص المواد التموينية والضرورية لاستمرار الحياة وأثر سلباً على الأطفال الأبرياء الذين لا يمكن أن يكونوا مندسين في أي من العصابات أو المشاريع الفتنوية بكل أنواعها..! مما تقدم فنحن نطالب بدخول إمدادات غذائية من مواد تموينية وأدوية وأغذية أطفال وبإشراف وزارة الصحة السورية أو الهلال الأحمر، لا نريد لأطفال بلدنا أن يجوعوا أو يتعرضوا للأذى، نرجو الاستجابة بالسرعة الكلية فأطفال درعا جائعون ويحتاجون للأغذية والأدوية بشكل عاجل وطارئ».
وقع على البيان عدد كبير من الفنانين والعاملين في مجال الدراما السورية، وما زال باب التوقيع على البيان مفتوحاً، والموقعون إلى لحظة نشر البيان هم:
«ريما فليحان، يم مشهدي، رشا عمران، يارا صبري، إياد شهاب أحمد، رشا شربتجي، كاريس بشار، كندة علوش، الفارس الذهبي، إياد إبراهيم النجار، ماهر صليبي، سهير الذهبي، حكم البابا، عبير الذهبي، لويز عبد الكريم، رواد إبراهيم، لارا علي، عدنان عودة، خالد خليفة، علا ملص، إياد شربجي، برار أبو درغم، سارة فياض، منى غانم، تيما محمد نور، صباح حلاق، يمن أبو الحسن، ليندا أحمد، ضياء الأشقر، زاهر هاشم، سهاد بدر، أحمد بقدونس، باسل عصيدة، دانا بقدونس، سيرين الخطيب، زينة سالم، رهادة عبدوش، إياد عيسى، فادي الداهوك، عمر أنور العليوي، كندة فليحان، رغد مخلوف، زينة بيطار، مضر فياض، فاتنة نورس مزيد، كاد نظام الدين، شهد صالحة، أحمد الخطيب، أسامة مسالمة، ماء السماء صالحة، يامن القضماني، رهان ناصيف، مروان حمزة، إيمان الحجار، ماهر أبو عاصي، ميلان الحاج علي، نزار أبو فخر، رواد عزام، برهان زيدان، بلال خلقي، سلام حجاز، هويدة حجاز، عاطف رضوان، محمد ماشطة، تمام مزهر، علاء الشوفي، هيا الشبل، عماد البني، ربيع البني، رامي سالم، هشام البديوي، صابر العظمة، علاء الغفير، رانيا القاري، منال الجنابي، عمر بريك، تينا أبو الفضل، صخر فياض، عمر سخيطة، رزان أحمد، مصطفى كاكو، أميرة أبو الحسن، نسرين الجنابي، رهف الشريف، طارق الحناوي، مؤيد النابلسي، فواز حمادي، كرم الأطرش، أحمد باسل، سليم زيدان، رامي العرموني، رامي سلام، آمال فياض، مؤيد فياض، ثمر فياض، شذى العبد، عمر فياض، علاء صيموعة، هالة الأتاسي، ياسر الأطرش، جهان قطيش، لواء يازجي، عمار مصارع، محمد منصور، إيهاب غسان اسعيد، فادي بدير، ريم عامر، سعد شجاع، منار شعبوق، نسرين طرابلسي، هيا كلاس، تهاني المعلم، عزت إبراهيم، محمد الفحام، رشا فائق، محمد الشرع، هند مرشد، تغريد الزعبي، محمد ملص، أحمد ملص، لبنى القلعاني، عمر شعيب، أماني الحيوك، نور فضلون، محمد حومد، أنس زرزر، عروة الأحمد، سلافة حجازي، خلود سابا، إيناس عزي، حازم سليمان، بشر إدلبي، سعد الله مقصود، وفاء علوش، عليا رمضان، زينة مارتيني، حكمة شافي الأسعد، عماد حورية، إبراهيم زرقة، ربى بلال، قاسم بلال، ثروة الحافظ، مي أبو عمار، حازم أبو عمار، ناديا أبو عمار، غادة الأحمد، نسرين أبو عمار، غادة أبو عمار، جميل السراج، أمل عبود، نورا مراد، محمد عمران، عتاب عواد، حاتم عروق، كندة مفتي، عزة البحرة، ثائر موسى، رفيف السليم، سليم مخول، ميسا جبور، ليال العتيري، مجدولين طنوس، علي طه، سوسن السليم، سارة السليم، كريما أليتسكي، أليكساندر أليتسكي، أغنيشكا أليتسكي، نبيل سلطان، ثائر دليلة، أيمن جبر، جمال السابا، جميلة الشماس، مريم السابا، أيهم أبو شقرة، د. جمال خليل صبح، إيناس الخياط، يشار بشارة، يزن زيدان، محمود بي، رشا مسالخي، عمار ملص، أيمن جابر، مها حسن، رشا القتابي، مي اسكاف، دانا نصر، بسام القاضي، رجائي القوجا، غالية قباني، نينار حسن، نوار قاسم، باسل قنديل، آداد قنديل، عائدة عثمان، لين الحمد، هالة الأحمد، نهلة الأحمد، فاتن سليلاتي، سالار أوسي، لمى الأحمد، هانيبال عزوز، عمر إدلبي، هلا آل رشي، شاهر خضرة، إبراهيم العلوش، أسامة العساف، ياسر أبو شكر، نوال يازجي، سوسن زكزك، سعاد حلاق، ريما بديوي، لبنى مشلح، هالة العبد الله، فادي لاذقاني، حسام عزام، أليسار حسن، أمجد الزغبي، سهى رحال، محسن الحلاق، لؤي حسين، أنوار العمر، رشا العابد، رندة بعث، متولي أبو ناصر، شيرين حاتم، سارة فتاحي، سناء المر، مرام المصري، آداد خضور، كنان أبو عفش، نور أتاسي، أيمن مارديني، مية الرحبي، غيداء العويدات، قيس زكريا، رقيا قضماني، رؤيا عبدلكي، هاني عرقسوسي، مريام ريس، طلال ديركي، بنانة سنجقدار، سوزان الديري، حسام الديري، روعة عطار، نوال الرفاعي، يسرى المسالمة، سليمان عوكان، ناهد بدوية، هبه طه، سلمى الديري، ديمتري أفيرينوس، علا عبد الحميد، مهند عبد الحميد، عمار عبد الحميد، أمجد ناجي، منى واصف، محمد سمير ناجي، أحمد ناجي، إيمان الجابر، لينا الطيبي، خولة يوسف، سمر يزبك، وليد بني، علاء محمود، إبراهيم محمد، سمر علوش، كندة كوكش، وائل القاق، طارق صفية، نجيب جورج عوض، روى الحموي، عبير فرهود، لمى محمد، غسان الصحناوي، تهامة ياسين حسن، نانسي خوري، هيفاء خوري، نوار محمود، محمد علي، ميادة الرهونجي، سوريا مبارك، زبيدة خربطلي، رشا عباس، حلا عمران، حنان شقير، ماهر الجندي، عمرو كوكش، رامي مغربي، سعد أسعد، رامي الجلبي، زينة طعما، سرى علوش، هلا ميوس، خلود الزغير، دشاد عثمان، نيرمين فريحات، راشد دحنول، نانيت خوري، هيفاء خوري، خليل خوري، هنادي مبارك، خالد المشرقي، محمد حسن المصري، سناء طابا، رشا علوش، خالد قطاع، محمد وطفة، أرز الأسمر، حسان الديري، منار العودة الله، أحمد كنعان، خليل درويش، صخر حاج حسين، عارف حمزة، أحمد المحاميد، زويا بوستان، نوار بركات، جديع دواره، قاسم ملحو، خطيب بدلة، يزن أتاسي، صبا مبارك، ناندا محمد».

سينمائيون دوليون يتضامنون مع المتظاهرين السوريين

الخميس 5 أيار (مايو) 2011
رويترز - شارك عشرات السينمائيين الدوليين في التوقيع مع سينمائيين سوريين على إعلان يشجب حملة القمع ضد متظاهرين مطالبين بالديموقراطية في سورية.ونشر الإعلان هذا الأسبوع على موقع «فايسبوك» الاجتماعي على الإنترنت وجاء فيه «يقتل المواطنون السوريون العزل المسالمون وتغتال أحلامهم في التغيير لمجرد مطالبتهم السلمية بمواطنتهم. إن الاستبداد والفساد الأمني الذي اعتقل السوريين وعذبهم وابتلع أحلامهم وأموالهم وعيشهم يقتل اليوم أجسادهم وأرواحهم بالرصاص».واستطرد الإعلان: «ننادي كل سينمائيي البلدان العربية وفي العالم للمساهمة في وقف القتل بكشفه وشجبه وبإعلان التضامن مع شعب سورية ومع حلمه بالعدالة والحرية والمساواة».
ووقع الإعلان المخرج اليوناني كوستا جافراس والمخرج الفرنسي السويسري جان لوك جودار والكاتب الأميركي هاوارد رودمان والممثلتان الفرنسيتان كاثرين دونوف وجولييت بينوشيه من بين مئات آخرين من أوروبا والولايات المتحدة والشرق الأوسط. ومن بين السوريين الذين وقعوا الإعلان المخرجان محمد ملص وأسامة محمد اللذان ساعدا المخرج السوري عمر اميرلاي في إخراج أفلام عن المشاكل الاجتماعية والسياسية في سورية. كما وقع الإعلان أيضاً المخرج نبيل المالح الذي تناولت أفلامه أيضاً قضية التهميش الاقتصادي والاجتماعي.