الأربعاء، 12 يناير 2011

دعوة للتصالح مع المجتمع

بقلم سعود المولى
في سلسلة المراجعات التي أجرتها الجماعة الإسلامية المصرية (كبرى حركات الجهاد وأهمها) كتاب بقلم الدكتور ناجح إبراهيم (أحد أبرز قادة الجماعة)بعنوان "دعوة للتصالح مع المجتمع"، إستعاد فيه زبدة فكر وفقه المراجعات، من حيث الجمع بين الإعتذار عن الأخطاء التي وقعت فيها الجماعة من جهة، وبين تقديم إجتهادات فقهية ومرجعية جديدة، ونقلها لأبناء الجماعة والشباب المتدين بشكل عام من جهة أخرى. وقد ركّز المؤلف على فكرة التصالح ما بين الشباب المتدين وباقي فئات مجتمعاتهم، داعياً إلى نبذ كل ما من شأنه إشاعة الفرقة وبث روح الشقاق والخلاف بين أبناء الوطن الواحد والدين الواحد...ولذلك فإن صفحات الكتاب تبدو أشبه ما تكون بمناظرة مفتوحة يطرح خلالها حججه وبراهينه على طرف آخر مفترض، مكثراً من ضرب الأمثلة وسرد الاستشهادات التي تصف "دأب الكثير من الشباب المتدين على قطع الصلة بينه وبين مجتمعه إلى درجة فك الإرتباط الذي يربط بينه وبين أقاربه وجيرانه، وذلك بزعم التميَز بالإيمان".
ويشمل الكتاب أربعة فصول، يؤصل الفصل الأول المسمى: "الإنتماء إلى الأوطان لا ينافي الإنتماء للإسلام"، لمكانة الوطن في الإسلام، ضارباً الأمثلة على عظم مكانة الوطن والوطنية، ومؤكداً أن "الوطنية الحقة هي التي ينبع معناها من الدين، وتسير في نفوس الناس على هدى من تعاليمه، فنحن ننكر المغالاة فيها برفعها فوق حدود الدين، كما ننكر في ذات الوقت التهاون فيها بزعم أنها تضاد الدين وتوافق التعصب لغير الحق".
ويرصد الفصل الثاني "لا للصدام مع المجتمع" الأسباب التي توجد الخلاف بين أبناء الوطن الواحد، مشدداً على أن هذه الإختلافات يجب ألا تشكل بأي حال من الأحوال مسوغاً للصدام مع باقي المجتمع، على أساس أن الإختلاف بين بني البشر أمر مقدر من الله عز وجل.
ويعتبر أن ليس كل إختلاف يُنظر إليه على أنه شر محض، فأحياناً يكون إختلاف الآراء وتباين وجهات النظر مدعاة لإثراء الحركة الفكرية والفقهية، ولذا فإنه يقسم الخلاف الواقع بين المسلمين إلى نوعين: إختلاف التنوع وإختلاف التضاد، ويعرف النوع الأول بأنه ما لا يكون فيه أحد القولين مناقضاً للأقوال الأخرى، بل كل الأقوال صحيحة، ضارباً المثل على ذلك بالإختلاف في المستحب الذي كان يفعله النبي وغير المستحب الذي كان يتركه.
وفي الفصل الثالث يحاول طرح تصور لطبيعة العلاقة بين الدعاة وعوام الناس، والقائم أساساً على الهداية ودعوة الناس، لا الدعاء عليهم، ثم يخصص الفصل الرابع للتشديد على القيمة الضابطة للعلاقة بين الشباب المتدين وباقي أفراد المجتمع، وهي: الدين المعاملة.
وفي هذا السياق يوضح الفارق بين المداراة والمداهنة، لافتاً إلى أن الأولى تعني بذل شيء من الدنيا إبتغاء خير وصلاح الدين، وللدين، ونيلاً للأجر والمثوبة في الآخرة، كما أنها تعني حسن السياسة وكمال الكياسة؛ إذ إننا مأمورون بالإحسان إلى كل الناس، أما المداهنة: ففيها تخلٍّ عن شيء من الدين وتهاون فيه إبتغاء مصلحة دنيوية عاجلة، تعود على صاحبها بالخسران والخذلان في الدنيا في قلوب الناس، وفي الآخرة عند علام الغيوب.
وفي الخلاصة فإن الكتاب يؤكد على أن أهل الدين والتدين الحق هم أعظم الناس إخلاصاً لوطنهم وأكثر الناس عملاً لصالح بلادهم..فالوطنية الحقيقية ليست بضاعة قولية شعاراتية تستورد من الخارج وإنما هي تنبع من ثقافة الناس وحياتهم وأساسها الدين.. كما أن الإنتماء للوطن والتعايش فيه بروح الإسلام يستلزم العدل مع كل قاطنيه ويوجب الإحسان إليهم حتى لو كانوا على غير ديننا.... وعلينا أن نتمثل بأخلاق النبوة وآداب المعاملة النبيلة التي تجمع ولا تفرق، وتحنو فلا تقسو ، وتستعلي على حزازات النفوس طلباً لتأليف الناس وكسب ودهم..