الغنوشي: العصبية المذهبية دعوة للعلمانية
أجرى المقابلة : مصطفى عاشور, عبد الله الطحاوي
كتب أثناء الأزمة الأخيرة السنية الشيعية "كلنا يوسف القرضاوي"، فنَّد فيها الاتهامات التي وجهتها إحدى الوكالات الإيرانية للشيخ القرضاوي.. له رؤية مفكر وتجربة حركي، ويقيم في الغرب.. إنه الأستاذ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسية، ويحاول هذا الحوار تلمس جوانب متعددة تحيط بالإشكال الحالي، خاصة قدرة الفكر الإسلامي في تنظيم خبراتنا المدنية وإدارة مكونات الأمة الدينية والمذهبية والعرقية، لا سيما أن البديل العلماني ينتظر، والتجربة الأوروبية في ضبط الصراعات تلوح، كما أنه في هذا الحوار ما زال يرى أن فكرة التقريب ما زالت تمثل مصدرا للإلهام والتفعيل، وأن الفقه ما زال أكثر قوة من السياسة.
اختزال مشوه
* كنت طرفا في الحوار الأخير الذي دار حول العلاقات السنية الشيعية، على أي أساس بنيت موقفك في الأزمة وكيف ترى الحالة السنية الشيعية الآن في العالم الإسلامي؟
- هناك مشكلات في العلاقة بين المسلمين، وتبدو هذه المشكلات كأنها تختصر في العلاقة السنية الشيعية، لكنه في الحقيقة اختزال مشوه؛ لأنها أعمق من ذلك.
فهناك مشكلات بين الصوفية والسلفية داخل السنة، وهناك مشكلات ذات طابع منهجي بين من يعتمدون على منهج العنف في التغيير باسم الجهاد، وبين أصحاب خيار المنهج السلمي والأساليب الديمقراطية، ويكفرون بالأساليب الأخرى.
والتشيع هو الآخر ليس شيئا واحدا، كالتسنن أيضا، ولكن عندما يراد تقسيم الأمة إلى معسكرين للحرب بين سنة وشيعة يتم تذويب كل ما في الخريطة من تضاريس واختلافات، وهذه خطة العدو أن يصور الأمة وكأنها معسكران، والأمر ليس كذلك.
فهناك تشدد واعتدال على الجانبين، والخطر على الأمة ليس قائما في وجود تسنن وتشيع بحد ذاته، بل في التشدد في كل جهة، فهناك فكر إصلاحي، وهناك فكر معتدل، وعلى الأمة أن تعتبر أن عدوها هو التشدد والتكفير والجمود والتعصب.. ويجب تنمية عناصر الحوار وعناصر التواصل والتوافق والاعتدال في كل المعسكرات المذهبية والسياسية.
* معالم التشدد السني ملحوظة.. ولكن كيف تلحظ معالم التشدد الشيعي؟
- حدث في العراق مثلا تقاتل بين السنة والشيعة في ظل الاحتلال، ولكن هذا التقاتل لم يحدث من قبل، بل تعايشت كل فسيفساء المذاهب والديانات التي حفل بها المجتمع العراقي على مر التاريخ حتى بلغت الزيجات المشتركة بين السنة والشيعة أكثر من ربع الزيجات، فلما نكب العراق بالاحتلال أخضع لسياسة فرق تسد، فضرب بعضه ببعض؛ لذا أعتقد أن المسئولية الأولى عن هذا الاقتتال توجه إلى الاحتلال.
لقد تم خطأ تصوير التقاتل باعتبار أن هناك معسكرين في العراق: سني وشيعي يتقاتلان بسبب المذهب، إلا أنه سرعان ما استعر القتال بين السنة أنفسهم، بين أنصار العملية السياسية وبين أنصار المقاومة، ثم تقاتل هؤلاء الأخيرون، ثم قاتلت القاعدة العشائر السنية لإخضاعهم، مما دفع هؤلاء إلى أحضان الاحتلال الذي شكل منهم جيش الصحوات، مما تسبب في إضعاف المقاومة وحتى تصفيتها أحيانا، وأعاد سلطة الاحتلال إلى السيطرة على قلاع المقاومة في بغداد والأنبار والموصل.. فكان التقاتل السني السني بدعم مباشر من الاحتلال الأمريكي فهو من مول هذه الصحوات من أجل إضعاف المقاومة.
ثم كان التقاتل بين الشيعة بين المتحالفين مع الاحتلال وبين الصدريين المدعومين من إيران، فما ينبغي تبسيط الأمور ووضع العراق معسكرين متقاتلين سنة وشيعة، مع أن ذلك قد حدث، ولكنه ليس الصورة الوحيدة، فأوضاع البشر والمجتمعات أعقد من أن تصنف هذا التصنيف.. فهذا التبسيط غير صادق، بل يمثل خطرا.
إن الصحوة الإسلامية على امتداد المسلمين في حالة صعود وتحقق انتصارات، وتقع في إخفاقات ككل عمل بشري، وتقدم بدائل بعضها جيد، وبعضها غير موفق إلا أن محاولات وخطط النيل منها وتحريف مسارها، وحتى إجهاضها مستمرة، وربما يكون الأوان موسم تفجير التناقضات بينها، وبالخصوص بين السنة والشيعة، والسلفية والصوفية.. إلخ.
فما ينبغي تبسيط الأمور وحصر التناقضات والخلافات في قضية واحدة، وإنكار أن هناك خلافات وتحديات أخرى قد تكون أشد وطأة، بدءا بالمخطط الصهيوني الأمريكي ضد أمة العرب والمسلمين، وصولا إلى الصراع بين شعوبنا الطامحة للتغيير الديمقراطي الإسلامي وبين الحكومات الطاغوتية الممسكة بخناقها مستظهرة عليها بالقوى الدولية، فضلا عن الخلافات الموروثة، والتي تستعر بين الحين والآخر، وبالخصوص في ظروف الغزو الخارجي كالاختلاف بين الشيعة والسنة الخلاف القديم الذي تعايشت معه الأمة عموما.
والتشيع ليس حديثا ولا التسنن بطبيعة الحال، لكن الأمة تعايشت مع هذه المشكلات بضروب من الوفاقات، ويستعر الخلاف اليوم في ظروف الهجمة الدولية على الأمة بالإفادة من تيارات التشدد ورغبة البعض في التمدد في ساحة أخيه بدل اكتساب أرض جديدة للإسلام، بما يوقعه في شرك خطة دولية لضرب الأمة بعضها ببعض، وزرع بذور الفتن.. ينبغي الحذر من ذلك.
* كان لكم موقف إيجابي من الثورة الإيرانية هل هذا الموقف تغير؟
- في جوهره لم يتغير.. فما من شك أن الثورة الإيرانية كانت من أكبر أحداث القرن العشرين، إذ إنها قد أطاحت بأعتى وأظلم حكم استبداد عرفته المنطقة، طحن شعبه طحنا، وسخر موارده لخدمة قوى الهيمنة الصهيوأمريكية، واشتغل حارسا للمصالح الأجنبية في المنطقة، فعندما تطيح ثورة هكذا بنظام، وتقيم بديلا مندفعا بقوة لنصرة المقاومة الفلسطينية، متصديا لمخططات الهيمنة على المنطقة، فلا يمكن إلا دعمه، ولكن ليس بإطلاق، بل دعمه فيما هو إيجابي، والاعتراض على ما هو سلبي من سياساته.. وذلك الذي فعلناه بعد مرور مرحلة الاندفاع وتحول الثورة إلى دولة، يحكمها في أحيان غير قليلة منطق مصلحة الدولة لا المبادئ ولا مصلحة الأمة ككل.
فعلى قدر ما كانت سياساتها مبدئية تصب في مصلحة الأمة إزاء القضية الفسطينية واللبنانية والبوسنية، بقدر ما واليناها، وعارضنا سياساتها بقدر ما شابها من دخن في العراق وأذربيجان، وفي دعمها لأنظمة فاسدة على حساب مصالح الشعوب، وحتى حركات الإسلام، إلى جانب شبهة دعم جهود التبشير الشيعي في المجتمعات السنية والتضييق من حقوق السنة في إيران، وكل ذلك محكوم إما بتعصب مذهبي أو بمنطق الدولة القومية، وليس بمقاصد الإسلام العامة، ولا بمصلحة الأمة، ولا حتى مصلحة الجمهورية بعيدة المدى.
* البعض رأى أن وجود كيان سياسي للشيعة مثل إحداث فجوة في العلاقات السنية الشيعية على صعيد الولاء والتمدد المذهبي.. فهل ما زلت ترى أن الثورة الإيرانية أسهمت في التقريب؟
- لا نستطيع أن نقول إن إيران العلمانية هي أقرب إلينا من إيران الشيعية التي يحكمها علماء.. فإذا كنا نعتقد أن المسيحيين أقرب إلينا من الملحدين؛ لأنهم أهل كتاب، فكيف نقول إن من يؤمنون بأركان الإيمان مثل الإيمان بالله سبحانه وكتبه ورسله واليوم الآخر، وبأركان الإسلام كالصلاة والزكاة والحج والصوم، ويحرمون المحرمات الأساسية كالخمر والزنا.. أنهم الأبعد منا؟!
ينبغي أن نطور فكرنا وأدوات ووسائل عملنا؛ حتى نستوعب وننجح في إدارة الخلافات داخل الأمة؛ وبالخصوص خلافات السياسة، وإنما أصول هذا الاختلاف سياسية، والتحدي الكبير اليوم كما كان بالأمس، وقد فشلنا فيها غالبا وهو: كيف ندير اختلافاتنا كلها، ومنها اختلافات السياسة حول الحكم، كيف نديرها بأسلوب حضاري، حتى لا يتم تصوير أن ثمة خللا في الفكر الإسلامي السياسي قاد إلى الفشل في إدارة خلافات السياسة إدارة سلمية مدنية مدارها البحث عن المصالح ودرء المفاسد بما يجعل الاختلاف ليس بين كافر ومؤمن، وإنما مصيب ومخطئ، إلا أن أطراف الخلاف كثيرا ما أضفت على موقفها الصبغة الدينية ليسهل عليها تجييش الجماهير وراءها، وتعبئتها ضد المخالف.. ومن هذا القبيل رفع المصاحف تضليلا.
الأطراف كلها استخدمت العنصر الديني لحسم المعركة لصالحها، وكانت فرق التشيع الأكثر استعمالا حتى حولوا مبحث الإمامة وروايتهم لوقائع اختلافات الصدر الأول جزءا لا يتجزأ من الاعتقاد الإسلامي، لا عبرة بدين من لا يوافق على تلك الرواية التي حولوها دينا.. بينما نجح الغرب في تطوير فكر وأدوات لإدارة الأزمات والصراعات بشكل سلمي، فهذه أوروبا التي توحدت 35 دولة في اتحاد واحد بعد قرون من التطاحن، وإسالة الدماء أنهارا؛ بسبب الصراعات بين الكاثوليك والبروتستانت والأرثوذكس؛ مما اضطر أهل الرأي والسياسة إلى وضع الدين جانبا، وحصره في المجال الخاص باعتباره سبب تفريق وعداوة.
* ترى هل سنسمح بأن يؤدي الصراع الديني بين السنة والشيعة في بعض الأقطار الذي تفجره القوى الأجنبية إلى المناداة بالعلمانية حلا وسبيلا للتوحد، مع أن الإسلام كان دائما عامل النهوض والتوحد في أمتنا أيام عصور ازدهارها؟
- يقول العلمانيون إن الدين عامل تفرق، وإن أردنا التوحد فعلينا بالأسلوب الأوروبي، ونقول مقابل ذلك لا؛ لأن الدين عامل توحيد في الأساس، فقد قال تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ} [آل عمران : 103] أولم يوحد أقواما لم يتوحدوا قط مثل العرب، بل ألم يوحد ويدمج شعوبا متنافرة ومختلفة في وحدة سياسية وحضارية؟!
ما يحتاجه المسلمون هو تطوير أدوات العمل السلمي وإدارة الاختلافات سلميا، بما يعيد للدين دوره ومجده كعامل نهوض وتوحيد، وليس دافع خمول وتمزق.. قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام:160]، فالخطر ليس في المذهبية، ولكن الخطر في التعصب المذهبي، واعتبار البعض مذهبه وكأنه ناطق رسمي ووحيد باسم الحقيقة الإسلامية.
ونذكر الجميع أن الأمة منذ بدايتها اختلفت في مذاهبها، وتعايشت مع تلك المذاهب المختلفة في نفس الوقت.
التبشير.. والسب
* وكيف ترى في هذا السياق موقف الشيخ القرضاوي وتصريحاته الخاصة بأزمة العلاقات السنية الشيعية خاصة التبشير المذهبي؟
- لقد دعوت منذ أكثر من عقدين إلى ألا تكون الأمة الإسلامية موضوعا للدعوة المذهبية، فلا يكون المستهدف من دعوتك أهل المذهب الإسلامي الآخر؛ لأن مثل هذه الدعوة كثيرا ما كانت تفريخا للفتنة.. والدكتور القرضاوي محق في هذا.. والإخوة الشيعة يقولون إن هذا العمل تقوم به بعض الجهات المتعصبة داخل الشيعة مثل الشيرازية، وليس سياسة رسمية للدولة الإيرانية ولا للشيعة عامة، وكما توجد في السنة بعض الجهات التي تعتقد أن مهمتها الأساسية هي دعوة الشيعة إلى التسنن فهناك في الطرف الآخر أيضا جهات تخصص الأموال والبرامج للدعوة الشيعية.
* وما الخطر في تبادل التبشير المذهبي؟
- الدعوة داخل الأمة، سواء كانت من السنة للشيعة أو العكس ضررها أكبر من نفعها، وتشكل خطرا على الأمة، وهي مشروع فتنة في المستقبل؛ ولذلك قلنا للإخوة الشيعة إننا نحن من نصر الثورة الإيرانية، ونصرنا حزب الله، ونحن لا نرتضي لبلادنا التي برئت منذ أكثر من ألف سنة من التنازع المذهبي، وما كان قد فجر من فتن، وأسال من دماء زمن حكم الفاطميين أن يأتي أحد الآن ويدعونا إلى مذهبه، وكذلك نحن لا نرى مصلحة للإسلام أن ننفق جهودنا من أجل فتنة أحد عن مذهبه، والحال أن أربعة أخماس البشرية يموتون على غير أي مذهب إسلامي.. فلماذا لا تنفق الجهود هناك لإنقاذهم؟ أوليسوا أولى بالاهتمام؟ أولسنا مسئولين عنهم أمام الله عز وجل؟.
وبالنسبة لتصريحات شيخنا القرضاوي -حفظه الله- إلى جانب هذه المؤاخذة، مؤاخذة التبشير لمن يمتهنها شيعيا كان أم سنيا مؤاخذة أخرى حقيقية لمن هو متورط فيها من أهل التشيع هي الدأب على النيل من صحابة رسول الله وأزواجه الطاهرات.. إنه لأمر غاية في القبح.. لا يمكن للأمة بحال قبوله والسكوت عليه.. وكيف يمكن للأمة أن تتوحد إذا لم تتوحد حول ذلك الجيل الفريد مؤسس الإسلام برعاية الرسول الأكرم -عليه السلام- الذي تولى بنفسه -عليه السلام- تربيته وتنشئته على أتم خلق وسجية؟؟.. وهذا عنصر آخر صحيح في دعوة الشيخ القرضاوي.
نحن لسنا مع إثارة حملة ضد التشيع عموما، ولا ضد حزب الله، ويجب أن يحصر الخلاف في قضايا محدودة، ولا يجب أن يتوسع؛ لتصبح حربا مفتوحة بين السنة والشيعة لا يستفيد منها غير المتربصين بالفريقين.
لقد اشتد غضبي على مقالة سفيهة سافلة صدرت عن وكالة أنباء إيرانية تجرأت على شيخ الأمة ورأسها، رمته بأوصاف نذلة من صهيونية وماسونية.. رددتها بما يستحق صاحبها، وما أنا بداعية حرب وشقاق بين المسلمين، ولا حتى مع غيرهم.
إدارة الأزمات
* نعود مجددا لآليات ضبط وإدارة الصراعات اجتماعيا وسياسيا.. هل الآليات الأوروبية في تهدئة المذهبيات وإيجاد البديل العلماني هو حل في المنطقة؟
- العلمانية مشكلة وليست حلا، وقد مثلت حلا، ولكنه كان جزئيا في البيئات الغربية؛ بسبب ملابسات تاريخية، كما أن التدين المنغلق هو أيضا مشكلة، ويدعو إلى حل علماني، وعندما يصبح الدين سببا للتحارب يأتي العلماني ويقول علينا حصر الدين في المسائل الشخصية، ودعونا ننظم حياتنا واختلافاتنا بشكل علماني عقلاني، وذلك عندما لم ينجح أهل الدين في إدارة الأزمات والاختلافات إدارة سلمية مدنية حضارية..
ولكن من ناحية أخرى إذا كان المشروع المجتمعي الإسلامي مشروع دولة دينية بالمعنى الضيق يستبعد الآخرين؛ أي إنه مشروع إقصائي، واختزال للأمة في مذهب واحد، فهذا مشروع حرب أهلية، بما يفتح الطريق فسيحا في وجه الحل العلماني.. بالرغم من أن العلمانية حتى في مجتمعاتها الأصلية فضلا عن مجتمعاتنا –في المحصلة- هي الداء؛ لأنها تتجاهل طبيعة الإنسان الدينية، وأن العقل وحده دون نور من الوحي يهديه لا محالة سيقع في الضلالة.
قد يعلي العقل البناء، ولكنه بناء على شفا جرف هار، وسراب يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا غير الكوارث.. وما أزمة الرأسمالية بعد انهيار الشيوعية غير شواهد على ذلك، على أن الإنسان لا يستقل عن ربه حتى يشقى.
* لكنهم في أوروبا نجحوا ووعوا الدرس، ونحن ما زلنا نعيد إنتاج وتصنيع الصراع!!
- ينبغي لشأن الدولة أن يكون شأنا مشتركا، وأن نبني الدولة على فكرة المواطنة، حيث الإيمان بأن الوطن ملك لكل أبنائه بالتساوي، وبالتالي لا نفرق بين الوظائف وتكون الكفاءة هي المعيار وليس الدين أو المذهب؛ ولذلك مطلوب من الإسلاميين تطوير فكرهم ومنظورهم للدولة على نحو تكون معه الدولة لكل مواطنيها بالتساوي.
فتاوى.. التقريب
* قدم علماء السنة من أجل التقريب اجتهادات وفتاوى، فماذا قدم علماء الشيعة من أجل التقريب؟ أم أن التقريب كان من طرف واحد؟
- حسب اطلاعي المحدود على فتاوى المراجع الشيعية، تبدو مبادراتهم المتجاوزة لموروثهم التقليدي المنشد بقوة إلى المبالغة في الحب والتقديس إلى حد اقتراف البدع الشنيعة مثل التقرب بلعن أقرب الأصحاب إلى مؤسس الدعوة كلعن أحب أزواجه وكالإساءة لصورة الإسلام بالتقرب بتعذيب النفس، وإسالة الدماء في عاشوراء، مما هو من أبغض المشاهد المجافية للإسلام.
كل ذلك في ما يشبه الصمت من المراجع ربما خشية خسارة الأتباع وأخماسهم، بما يجعل العلماء في وضع مقلوب أتباعا للعامة خلافا للأصل، وهو ربما ما جعل حجم التجديد وتجاوز إكراهات التاريخ لدى إخواننا قليلة هنا.
وفيما نعلم فإن الدعوات السلفية جرؤت على وضع التاريخ وما حفل به من مرويات موضع مساءلة نقدية جادة على محك القرآن ومقاصد الدين وبدهيات العقول، وإخضاعها لأصول النقد العلمي كما فعلت المذاهب السنية، بما لا ينفي استمرار الضلالات والبدع، ولكنه يجردها من الشرعية ويقيم جدارا فاصلا بينها وبين أصول الدين وأصول المذهب.
قليل من معاصرينا من فَعَل فِعْل الشيخ أحمد الكاتب في مراجعاته للمذهب بعرضها على أصوله، لكنه حورب وعزل.. وبسبب ثقل التاريخ هنا فقد تعرض مرجع بحجم صديقنا آية الله حسين فضل الله لحملات مسعورة من قبل أنصار المذهب المتشددين فقط؛ بسبب إقدامه على تفنيد بعض مرويات الكافي القبيحة حول ما نسبه زورا إلى الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما من تعنيفهما للزهراء رضوان الله عليها!!، حتى بلغت الحملة على المرجع حد تهديده بالقتل، وهو ما جعل مثل هذه المراجعات محدودة، وفي حاجة إلى تطوير، مع كثرة مثل هذه المرويات الساقطة المؤثرة جدا في الثقافة الشيعية والشارع الشيعي، وهي خطوة جديرة بالتشجيع رغم ما قابل صاحبها بسبب ذلك من أذى.
والمشكلة في الجو الشيعي أن التقليد يكون للحي وليس للميت، وهذا ما يجعل لعامة الناس سلطة على المشايخ، باعتبار أن عامة الناس يمكن أن ينصرفوا عن أي مرجع مجدد إلى مرجع آخر تقليدي؛ مما يحمل المرجع على أن يحافظ على أتباعه، فلا يصدم ما استقر في اعتقادهم عبر القرون من مرويات غدت من جوهر الاعتقاد ومقدساته، حتى ولو لم تحز ثقة المرجع.
* مفارقة.. إذا كنت لا تستشعر وأنت على رأس حركة إسلامية عريضة بالمغرب، ألا تجد أن رجل السنة العادي معذور بعدم استشعاره هو الآخر؟
- السنة هم الأغلبية؛ ولذلك لم يدخلوا في عناصر تثقيف أبنائهم السجال المذهبي، خاصة بيئة شمال إفريقيا ومصر، حيث انتفت منها الأقلية الشيعية منذ قرابة ألف سنة، وهذا ربما ما سهل لبعض دعاة التشيع إحداث بعض الاختراقات؛ لأن الناس ليس لديهم تحصين، ربما يكون أحدنا قد قرأ عن الشيوعيين باعتبارهم تحديا مطروحا في الساحة أكثر مما قرأ عن الشيعة الغائبين.. أما اليوم فقد تأسست في تونس جمعية تدعى جمعية أهل البيت، وهي مدعومة من جهات خارجية، وتمارس نشاطها، ونحن لسنا دعاة لحجب أي جمعية، ولكنا محتجون على التمييز، يحدث هذا التشجيع لتخليق أقلية فبينما الحركة الإسلامية الأقرب إلى (سكان البلاد الأصليين) محجوبة ومطاردة.
كما تنشر هذه الجمعية كتابات وتتمتع بحريات وهذا يثير الحساسيات، وقد كتب رأس هؤلاء كتابا سماه" ثم اهتديت" وروجته مؤسسات شيعية حول العالم بينما هو كتاب تافه محشو بالأكاذيب والنيل من صحابة الرسول الأبرار وأزواجه الأطهار، وكان ينبغي لإخواننا الشيعة أن يستنكروا هذا الكتاب الساقط ويقولوا إنه لا يمثلنا.. عيب كبير ألا يرفع الشيعة المعتدلة صوتهم باستنكار هذا الكتاب التافه بما يدل على القبول، بينما أمضى الشيخان الغزالي والقرضاوي جزء كبيرا من عمرهما في التصدي لتيارات التكفير والتطرف في حين لم يرتفع صوت واحد من علماء التشيع بالنكير على سيل من الكتابات والأدعية اللاعنة لقادة الأمة الكبار من أعلام الصحابة.. فهل يبقى لدعوات التقريب بعد ذلك من معنى؟.. حتى إن الدولة الإيرانية لم تتبرأ مما قيل بالوكالة، ولم تقل إن هذا لا يعبر عنها، وإنه كذب وبهتان ونيل من شيخ علماء العصر، لم تقله إلا متأخرة من خلال إرسال علي ولايتي يسترضي الشيخ!.
نقطة الصفر
* الحوار ثم العودة إلى النقطة الصفر.. ملخص فكرة التقريب على مدار نصف قرن.. هل تجد فكرة التقريب صالحة الآن للبناء عليها، ولماذا لم ندرس خطواتنا نحن السنة، ونحاول أن نبني موقفا محددا نلتزم به؟
- التقريب ليس خطأ.. وهو بين المذاهب يقصد به التقارب الفقهي، والتقارب في مستوى الفقه أكثر بكثير من المستويات العقدية المتحولة من السياسة؛ لأن الخلاف في الأساس خلاف سياسي حول من يتولى أمر المسلمين، فانبعث فريق من المسلمين يرتفع بهذا الخلاف إلى مستوى العقائد.. فعندما يجلس فقهاء السنة والشيعية والزيدية والإباضية يجدون أن الذي يجمعهم أكثر من الذي يفرقهم، ويدل على ذلك مقدمة كتاب وهبة الزحيلي "الفقه الإسلامي وأدلته على المذاهب الثمانية"، حيث صرح بأن دراسته المقارنة لمذاهب أهل السنة والشيعة انتهت إلى أنه لم يظفر إلا بأقل من عشرين مسألة من مسائل الفقه في مذاهب الشيعة لا أصل لها في مذاهب السنة.
وهذا يدل على أن التقريب الفقهي له مجاله، وهناك أرضية واسعة لتبادل الاستفادة.. ففي العراق هناك من يعلن انتقاله إلى المذهب الشيعي إذا لم يكن له غير بنت يحرص على توريثها كل ثروته عن طريق الوصية المحظورة لوارث في مذاهب السنة، وهو مباح هناك، فعلته شخصيات عراقية سنية ولبنانية معروفة.
ففي مجال الفقه هناك مجال واسع لتبادل الإفادة؛ ولكن المشكلة تكمن في رؤية التاريخ في صدر الإسلام، حولها الشيعة إلى عقائد، فلن يتم لك إسلام ما لم تؤمن بروايتهم لوقائع الخلافات السياسية في تلك المرحلة، فتصدق معهم أن السلطة حكر على أسرة واحدة، وأن تعتقد ذلك دينا وتلعن كل من نازع في ذلك، واعتبر أن الخلافة حق للأمة تختار له من تشاء، وتلعن من لم يلعنه ويتبرأ منه.
وهكذا حكموا على تاريخ الإسلام بالتمزق الأبدي، فلا مناص إذا أردت أن تنسلك في سلك المؤمنين إلا أن تسلم بأن الإمامة كالنبوة هي هبة سماوية لأسرة واحدة ضمن تسلسل اختلفت حوله فرقهم، وهو ما حول قراءتهم لوقائع تلك المرحلة عقيدة إسلامية لا يصح لامرئ إسلام دون التسليم بمروياتها التي لفقوها، ولا تصمد أمام أي نقد علمي جاد.. فكان من ذلك عقائد العصمة والإمامة في آل البيت والغيبة والرجعة.
رؤية معينة للاختلافات السياسية التي دارت في صدر الإسلام حولوها اعتقادا لازما للمسلمين بينما جمهور الأمة نظر للإسلام نظرة شمولية لا تمزقه أجزاءه بما يجعل مشاغل الحياة -ومنها السياسي- جزءا من برنامج الإسلام لحياة الناس، إلا أنه ميز بين مواطن اليقين والثبات مثل مجالات العقيدة وبين مجالات الحركة والتطور والاجتهاد والاختلاف مثل المجال السياسي، حيث تمارس الأمة سلطتها على حكامها وسياساتها عبر الشورى، ولا ضير عليهم ولا ينال من معتقداتهم شيئا أن يختلفوا في من هو أولى بتولي أمرهم.
ومن أجل ذلك جاء الأمر بالشورى السبيل الأقوم لوحدة المسلمين بدل سلبهم حرياتهم وحقوقهم في السلطة لصالح إمام معصوم طال غيابه عنهم فنصبوا نائبا عنه هو غير معصوم، ولكن ظلالا من المعصوم الذي ينوب عنه -وقد يتصل به في خلواته لتوجيهه- تظل متلبسة بالنائب تخوله سلطانا أعلى ومطلقا أو شبه مطلق وفق القاعدة: "نائبه كهو".
وهو ما جعل فكرة ولاية الفقيه لئن كانت تخليا -ولو وقتيا في انتظار غائب قد يطول- وعودا إلى الشورى بديلا عن الوصية؛ أي انضماما إلى جمهور الأمة وإلى منطق العصر، إلا أن ظلال التاريخ وموروثات العصمة تظل مخيمة على أجواء السياسة ومربكة لها، ومنتقصة من حق الأمة الكامل والدائم في سلطة خولها لها ربها من فوق سبع سموات جاعلا لها الأمر كله أي كل السياسة {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى:39] فلا يحق لأحد بأي ذريعة أو مبرر من وصية أو عهد أن يسلبها هذا الحق أو ينتقص منه.. وعليها –دينا- أن تجاهد من أجل استرداد ذلك الحق.
* لدينا رؤية للتاريخ، وليس لدينا رؤية للمستقبل!!
- نعم، وهذه الرؤية للتاريخ تقف عقبة أمام رؤية المستقبل؛ لأن الشيعة غير قادرين على إقناع الأمة أن الصحابة خانوا الأمانة، ولا السنة قادرون على إقناع الشيعة بأن الرجال والنساء الذين صاحبوا مسيرة الرسول (صلى الله عليه وسلم) ومات وهو راض عنهم بمن فيهم أحب النساء وآثرهن في قلب النبي السيدة عائشة؛ من نزل قرآن ببراءتها، وأن هؤلاء ينبغي احترامهم، وأن النيل منهم نيل من صاحب الدعوة وعموم الأمة.
وهو ما يجعل التقريب في مواجهة جدار مسدود، ولا يتبقى غير سبيل البحث على التعايش كما ذكر بعض الإخوة.
* نصر حزب الله من عوامل التقريب أم من عوامل التبعيد؟
- صبيحة الانتصار المدوي على دولة العصابات الصهيونية عدو الأمة الألد والإنسانية، هللت الأمة له وباركته انطلقت بعض الأصوات تفتي بحظر العون والدعاء للحزب الذي تشرف بهذا الإنجاز التاريخي الرائع، فما كان من الشيخ يوسف القرضاوي إلا أن تصدى لهذه الفتوى مفندا ضمن حلقة من حلقاته الشهيرة "الشريعة والحياة"، وكيف لا تفرح الأمة لهذا النصر الذي كانت ستفرح لمثله حتى لو تحقق على يد جهة علمانية، فقد كانت الأمة تتمنى لعبد الناصر أن يكسر شوكة الصهاينة، فكيف وقد أنجزته قوة شعبية بدوافع إيمانية عالية وبتضحيات جسام؟
هل كان علينا أن نحزن ونبكي مع الصهاينة؟ أم نتحول صخرة خرساء لا تبالي بما يجري حولها ويحدد مصائرها؟
هل كان علينا أن نفرح بالانتصار الصهيوني سنة67؟ أم نلتفت لأصوات هبل لا تخجل من ترديد إنه ليس نصرا، بل تمثيلية لتلميع حزب الله والتشيع؟
لكي نصدق ذلك ونستمع مجرد السماع لمثل هذا الهراء علينا قبل ذلك أن نرمي بعقولنا جانبا، وهو ما يخشى أن تكون بعض الجماعات قد قادها التعصب الأعمى إليه..
إن الصهيونية العدو الألد والأخطر الأعظم على الأمة، فكل من يواليها منها، وكل من يعاديها منا، صديق لنا قال تعالى: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}[المائدة:52].
--------------------------------------------------------------------------------
من أسرة إسلام أون لاين
الأربعاء، 15 أبريل 2009
عبد الوهاب المسيري الانسان
"ندوة
تميز بكونه العالم العامل الذي يعد مصدر الخير وأساس التقدم وطوق النجاة لأمة محاطة بالصراعات الداخلية والخارجية.. امتلك رؤى إستراتيجية مكنته من تجاوز الحاضر إلى ما هو أبعد من خلال دراسته للقضايا والظروف المعاصرة، والتنبؤ بما ستؤدي إليه في المستقبل القريب مثلما ذكر في رؤيته للمشروع الصهيوني الغربي.
لم يكن أسيرًا لمنظومته الفكرية بل أجرى عليها مراجعات كثيرة كان آخرها مراجعته للفكر الإسلامي.. فاختار الإسلام محطة أخيرة لرحلته الفكرية، وهنا اتصل بالنبع الصافي فرأى الحقيقة وأبدع في وصفه والتعبير عنه.
وفي محاولة لإلقاء الضوء على بعض جوانب الرصيد الفكري الثري للراحل الدكتور عبد الوهاب المسيري عقد برنامج الدراسات الحضارية وحوار الثقافات ومركز الدراسات المعرفية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بالقاهرة ندوة تحت عنوان: "المسيري الإنسان" تحدث خلالها نخبة من المفكرين والباحثين حول ما خلفه المسيري من موروث ثقافي وفكري غني بالعديد من الرؤى المنهجية والفلسفية حول كثير من الظواهر السياسية والاجتماعية المؤثرة في المجتمع المصري والعربي ككل.
تعددت محاور النقاش ما بين المسيري الإنسان الذي أثر وتأثر بالبيئة المصرية وما تحويه من مضامين متنوعة وبين المسيري المناضل السياسي الذي لم يتوان عن المشاركة في الحركات السياسية الداعية إلى تغيير وإصلاح المجتمع المصري، وأخيرا المسيري الذي صارع المرض بكل جوارحه لسنوات طويلة.
السيرة والمسيرة
فؤاد السعيد، خبير الدراسات الثقافية والحضارية، رأى أن إسهامات المسيري ليست من النوع التراكمي بل من النوع العميق ذي الأسلوب المنهجي.. والدليل كتابته لموسوعة "اليهود واليهودية والصهيونية" عدة مرات بسبب اهتمامه الشديد للوصول إلى رؤية منهجية.
كما سجل السعيد من خلال كلمته ملاحظة بأن المسيري لم يقع في فخ الخلط بين العلم والأيديولوجيا السياسية؛ بل كان على وعي بأن النقد الحقيقي هو النقد المنهجي، ورأى أن التحرر من الغرب لن يتحقق من خلال النظر إليهم من بعيد، بل من خلال التعمق في فكرهم ورصد إيجابياتهم، والتمييز بين ما يلائمنا من فكرهم وما هو دون ذلك.
كما لم يكتفِ المسيري يوما بالمستوى النظري، بل كان يعمل على التقاط المواقف والأحداث النموذجية من الحياة، وتحليلها، وتفسيرها، واستخلاص الحقائق منها.
المسيري بعد الوفاة
د.هبة رؤوف تتحدث عن المسيري
وقبل استعراض الأستاذ هشام سليمان المدرس المساعد بقسم العلوم السياسية لبعض الكتابات التي كتبت عن المسيري بعد وفاته نوه على أن المسيري كان ضمن القلائل المحظوظين الذين اهتم المجتمع بهم وبإنتاجهم الفكري والثقافي وهم أحياء، عكس الكثيرين الذين توجه إليهم الأضواء وعلى إنتاجهم الفكري بعد وفاتهم.
وقد تنوعت الكتابات المختلفة التي تناولت المسيري بعد وفاته في مختلف وسائل الإعلام، التي وصفت المسيري بالمناضل السياسي والإنساني بتحديه للمرض ومقاومته له، إلى جانب تناولها له كعالم ومفكر موسوعي، وأكدت تلك الكتابات على أن تأثير المسيري لم يكن على مستوى النخبة المثقفة فقط؛ بل امتد إلى المستوى الشعبي أيضا، وركزت بعض الكتابات على البعد العلمي في فكره وكتاباته.
المسيري فخر لإيران
وفي مداخلة السيد محمد سماني المستشار الثقافي الإيراني بالندوة أكد على أن المسيري لم يكن فخرا لمصر فقط، بل كان فخرا للعالم الإسلامي ولإيران من خلال مناضلته الفكرية للكيان الصهيوني بموسوعته الشهيرة، كما أن أهمية فكر المسيري تأتي في تأكيده لخطورة المشروع الصهيوني وليس في اليهود فقط، كما أعرب عن تقديره لحرص المسيري على تحقيق العدالة الاجتماعية، ورأى أن أهم أسباب الضغط الدولي على إيران هو إخراج إيران السفارة الإسرائيلية من أراضيها.
وعلق محمد هشام أستاذ الأدب الإنجليزي بآداب حلوان في كلمته على حرص المسيري على توجيه تلاميذه إلى الاختلاف معه، وعدم اقتصار علاقتهم به في إطار التبجيل والتأييد فقط بل إلى الارتقاء بها إلى مستوى النقاش والحوار وتبادل وجهات النظر المختلفة، مستدلا على ذلك بنقاشاته واختلاف وجهات نظره الشخصية التي كانت تدور بينه وبين المسيري قبل وفاته.
كما ذكر أن لدى معظم العلماء والمفكرين بعض النقاط والأحكام التي يجب التوقف عندها، وأن المسيري كان يعتمد على التقاط بعض المشاهدات والبناء عليها والاستنتاج منها، وأعطى مثالا على ذلك بكتاب "العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة" الذي ذكر فيه المسيري الحوار الذي دار بينه وبين ممرضة أمريكية لم تكن تعلم أي شيء عن حرب الهند وباكستان، ولا حتى موقعهما الجغرافي، فخرج المسيري من ذلك بأن هناك تضاؤلا في الوعي السياسي والثقافي لدى الأمريكيين.. وتساءل هشام: هل تكفي تلك الواقعة للدلالة على انخفاض وعي وثقافة الأمريكان، وأشار إلى أهمية إعادة النظر في تلك الأمثلة وعدم الأخذ بها كمسلمات.
أنسنة اليهودية
وجاء تعقيب د.هبة رءوف خاتما للندوة؛ حيث ذكرت أن المسيري لم ينظر إلى اليهودي كعدو بل أنسن اليهودية بمعنيين: أولهما نزع الأسطورية عنه، والثاني إعطاؤه الإمكانية بعودته كإنسان؛ لأن اليهودية ليست جينا بل هي منظومة يمكن تفكيكها، كما حاول المسيري تحويل المعرفة إلى فعل من خلال فكه لشفرة الانتفاضة والحضارة الغربية وصلتها بالصهيونية في كتابه "نهاية التاريخ" والمصطلح اليهودي إلى أن فك شفرة الفيديو كليب من خلال رؤيته بعد هيمنة الجسد على الروح، وتسليع المرأة وتحويلها إلى شيء مادي، وإفساد الذوق العام بالتركيز على بعض الجوانب الاستهلاكية حتى على مستوى الأجساد.
ثم انتقلت هبة رءوف إلى تصنيف العقل المتجاوز (الذي يبحث عن الكرامة) والعقل التوليدي (الذي ينشد تحويل ما هو موجود إلى نموذج أكثر إنسانية)، وهو ما جعل المسيري يهتم بالانتفاضة وانتصار حزب الله بجنوب لبنان.
وأشارت إلى عدم إدراك المسيري فقط أهمية السؤال بل إدراكه أيضا أهمية الإجابة والبحث في الأسئلة المطروحة عن الأجزاء التي لم يجب عنها ليجتهد هو بدوره في ذلك، فلقد حذر المسيري من التركيز على الباطن في مواجهة التركيز على الظاهر العلماني الرأسمالي المادي الحداثي وغيره، فلا يجب أن يؤدي بنا إلى الإغراق في الباطن؛ وبالتالي نجنح إلى الغنوصية وتحويل الإنسان إلى إله ذاته، وهناك تيارات في التاريخ تدل على ذلك بما فيها الصوفية اليهودية.
وأكدت أن المسيري بالغ الحساسية في الوسطية وإمكانية الجمع والتأليف والتوفيق بين الجوانب المركبة للظواهر والجوانب المركبة للقضايا الإنسانية دون إفراط ولا تفريط حتى لا يكون هناك رد، ففي مقابل الإغراق في المادية نغرق في الباطنية.
ورأت هبة رءوف أن المسيري أحدث نقلات مختلفة عن نقلات جمال حمدان وسيد قطب؛ حيث إنه كان يفضل أن يجرد الخطاب الديني تجريدا يسمح لغير المؤمنين به أن يروا فيه أنفسهم وإنسانيتهم حتى لو لم يؤمنوا به؛ لأن القرآن نزل للعالمين جميعا، ثم انتقل المسيري من النص إلى الخطاب إلى الوحي، واهتم في الفترة الأخيرة من حياته بالاقتراب من النص القرآني خاصة في كتابه "اللغة والمجاز"؛ حيث تحدث فيه عن كيفية قراءة القرآن قراءة تليق بالرؤية الإنسانية، وليست القراءة الحرفية فقط.
المؤلفات
كما قام بعض الباحثين بعرض مختصر لأهم مؤلفات المسيري وإظهار المحاور الرئيسية التي تناولتها، ككتاب "الانتفاضة الفلسطينية والأزمة الصهيونية" دراسة في الإدراك والكرامة كأحد المؤلفات المتعمقة في دراسة انتفاضة 1987- انتفاضة الحجارة-.
وكتاب "الدراسات المعرفية في الحداثة الغربية" الذي يركز على محورية البعد الإنساني في الفكر من خلال ضمه لدراسات قام بها المسيري فيما لا يقل عن ربع قرن عن الحضارة الغربية الحديثة؛ حيث ركز على محاولة استكشاف إبعاد المسيري الإنسان وخريطته المفاهيمية التي ينظر من خلالها ونموذج التفسير الذي يطبقه على الحداثة الغربية وأسئلته النابعة من رؤيتنا وتجاربنا الإنسانية.
وقدمت ورقة بحثية حول كتاب "العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة" والذي صنف المسيري من خلاله الغرب باعتباره مستقبل الشرق، فسلط المجهر عليهم ملقيا الضوء على أهم خصائص الإنسان الغربي وهي التعلم والعلمانية، مفرقا من خلال صفحاته بين جزئية العلماني وشموليتها، حيث يرى أن الجزئية تتمثل في فصل الدين عن السياسة أو الدولة وهي التي تمكنت من استقطاب أفكار العرب، بينما العلمانية الشاملة تتمثل في حشو عالم الأفكار والأشخاص والمؤسسات والرموز، أي أنها الفصل بين المعنى (القيم والروح والوجدان) وبين الحياة بمظاهرها وأصلها ومجملها.
تميز بكونه العالم العامل الذي يعد مصدر الخير وأساس التقدم وطوق النجاة لأمة محاطة بالصراعات الداخلية والخارجية.. امتلك رؤى إستراتيجية مكنته من تجاوز الحاضر إلى ما هو أبعد من خلال دراسته للقضايا والظروف المعاصرة، والتنبؤ بما ستؤدي إليه في المستقبل القريب مثلما ذكر في رؤيته للمشروع الصهيوني الغربي.
لم يكن أسيرًا لمنظومته الفكرية بل أجرى عليها مراجعات كثيرة كان آخرها مراجعته للفكر الإسلامي.. فاختار الإسلام محطة أخيرة لرحلته الفكرية، وهنا اتصل بالنبع الصافي فرأى الحقيقة وأبدع في وصفه والتعبير عنه.
وفي محاولة لإلقاء الضوء على بعض جوانب الرصيد الفكري الثري للراحل الدكتور عبد الوهاب المسيري عقد برنامج الدراسات الحضارية وحوار الثقافات ومركز الدراسات المعرفية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بالقاهرة ندوة تحت عنوان: "المسيري الإنسان" تحدث خلالها نخبة من المفكرين والباحثين حول ما خلفه المسيري من موروث ثقافي وفكري غني بالعديد من الرؤى المنهجية والفلسفية حول كثير من الظواهر السياسية والاجتماعية المؤثرة في المجتمع المصري والعربي ككل.
تعددت محاور النقاش ما بين المسيري الإنسان الذي أثر وتأثر بالبيئة المصرية وما تحويه من مضامين متنوعة وبين المسيري المناضل السياسي الذي لم يتوان عن المشاركة في الحركات السياسية الداعية إلى تغيير وإصلاح المجتمع المصري، وأخيرا المسيري الذي صارع المرض بكل جوارحه لسنوات طويلة.
السيرة والمسيرة
فؤاد السعيد، خبير الدراسات الثقافية والحضارية، رأى أن إسهامات المسيري ليست من النوع التراكمي بل من النوع العميق ذي الأسلوب المنهجي.. والدليل كتابته لموسوعة "اليهود واليهودية والصهيونية" عدة مرات بسبب اهتمامه الشديد للوصول إلى رؤية منهجية.
كما سجل السعيد من خلال كلمته ملاحظة بأن المسيري لم يقع في فخ الخلط بين العلم والأيديولوجيا السياسية؛ بل كان على وعي بأن النقد الحقيقي هو النقد المنهجي، ورأى أن التحرر من الغرب لن يتحقق من خلال النظر إليهم من بعيد، بل من خلال التعمق في فكرهم ورصد إيجابياتهم، والتمييز بين ما يلائمنا من فكرهم وما هو دون ذلك.
كما لم يكتفِ المسيري يوما بالمستوى النظري، بل كان يعمل على التقاط المواقف والأحداث النموذجية من الحياة، وتحليلها، وتفسيرها، واستخلاص الحقائق منها.
المسيري بعد الوفاة
د.هبة رؤوف تتحدث عن المسيري
وقبل استعراض الأستاذ هشام سليمان المدرس المساعد بقسم العلوم السياسية لبعض الكتابات التي كتبت عن المسيري بعد وفاته نوه على أن المسيري كان ضمن القلائل المحظوظين الذين اهتم المجتمع بهم وبإنتاجهم الفكري والثقافي وهم أحياء، عكس الكثيرين الذين توجه إليهم الأضواء وعلى إنتاجهم الفكري بعد وفاتهم.
وقد تنوعت الكتابات المختلفة التي تناولت المسيري بعد وفاته في مختلف وسائل الإعلام، التي وصفت المسيري بالمناضل السياسي والإنساني بتحديه للمرض ومقاومته له، إلى جانب تناولها له كعالم ومفكر موسوعي، وأكدت تلك الكتابات على أن تأثير المسيري لم يكن على مستوى النخبة المثقفة فقط؛ بل امتد إلى المستوى الشعبي أيضا، وركزت بعض الكتابات على البعد العلمي في فكره وكتاباته.
المسيري فخر لإيران
وفي مداخلة السيد محمد سماني المستشار الثقافي الإيراني بالندوة أكد على أن المسيري لم يكن فخرا لمصر فقط، بل كان فخرا للعالم الإسلامي ولإيران من خلال مناضلته الفكرية للكيان الصهيوني بموسوعته الشهيرة، كما أن أهمية فكر المسيري تأتي في تأكيده لخطورة المشروع الصهيوني وليس في اليهود فقط، كما أعرب عن تقديره لحرص المسيري على تحقيق العدالة الاجتماعية، ورأى أن أهم أسباب الضغط الدولي على إيران هو إخراج إيران السفارة الإسرائيلية من أراضيها.
وعلق محمد هشام أستاذ الأدب الإنجليزي بآداب حلوان في كلمته على حرص المسيري على توجيه تلاميذه إلى الاختلاف معه، وعدم اقتصار علاقتهم به في إطار التبجيل والتأييد فقط بل إلى الارتقاء بها إلى مستوى النقاش والحوار وتبادل وجهات النظر المختلفة، مستدلا على ذلك بنقاشاته واختلاف وجهات نظره الشخصية التي كانت تدور بينه وبين المسيري قبل وفاته.
كما ذكر أن لدى معظم العلماء والمفكرين بعض النقاط والأحكام التي يجب التوقف عندها، وأن المسيري كان يعتمد على التقاط بعض المشاهدات والبناء عليها والاستنتاج منها، وأعطى مثالا على ذلك بكتاب "العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة" الذي ذكر فيه المسيري الحوار الذي دار بينه وبين ممرضة أمريكية لم تكن تعلم أي شيء عن حرب الهند وباكستان، ولا حتى موقعهما الجغرافي، فخرج المسيري من ذلك بأن هناك تضاؤلا في الوعي السياسي والثقافي لدى الأمريكيين.. وتساءل هشام: هل تكفي تلك الواقعة للدلالة على انخفاض وعي وثقافة الأمريكان، وأشار إلى أهمية إعادة النظر في تلك الأمثلة وعدم الأخذ بها كمسلمات.
أنسنة اليهودية
وجاء تعقيب د.هبة رءوف خاتما للندوة؛ حيث ذكرت أن المسيري لم ينظر إلى اليهودي كعدو بل أنسن اليهودية بمعنيين: أولهما نزع الأسطورية عنه، والثاني إعطاؤه الإمكانية بعودته كإنسان؛ لأن اليهودية ليست جينا بل هي منظومة يمكن تفكيكها، كما حاول المسيري تحويل المعرفة إلى فعل من خلال فكه لشفرة الانتفاضة والحضارة الغربية وصلتها بالصهيونية في كتابه "نهاية التاريخ" والمصطلح اليهودي إلى أن فك شفرة الفيديو كليب من خلال رؤيته بعد هيمنة الجسد على الروح، وتسليع المرأة وتحويلها إلى شيء مادي، وإفساد الذوق العام بالتركيز على بعض الجوانب الاستهلاكية حتى على مستوى الأجساد.
ثم انتقلت هبة رءوف إلى تصنيف العقل المتجاوز (الذي يبحث عن الكرامة) والعقل التوليدي (الذي ينشد تحويل ما هو موجود إلى نموذج أكثر إنسانية)، وهو ما جعل المسيري يهتم بالانتفاضة وانتصار حزب الله بجنوب لبنان.
وأشارت إلى عدم إدراك المسيري فقط أهمية السؤال بل إدراكه أيضا أهمية الإجابة والبحث في الأسئلة المطروحة عن الأجزاء التي لم يجب عنها ليجتهد هو بدوره في ذلك، فلقد حذر المسيري من التركيز على الباطن في مواجهة التركيز على الظاهر العلماني الرأسمالي المادي الحداثي وغيره، فلا يجب أن يؤدي بنا إلى الإغراق في الباطن؛ وبالتالي نجنح إلى الغنوصية وتحويل الإنسان إلى إله ذاته، وهناك تيارات في التاريخ تدل على ذلك بما فيها الصوفية اليهودية.
وأكدت أن المسيري بالغ الحساسية في الوسطية وإمكانية الجمع والتأليف والتوفيق بين الجوانب المركبة للظواهر والجوانب المركبة للقضايا الإنسانية دون إفراط ولا تفريط حتى لا يكون هناك رد، ففي مقابل الإغراق في المادية نغرق في الباطنية.
ورأت هبة رءوف أن المسيري أحدث نقلات مختلفة عن نقلات جمال حمدان وسيد قطب؛ حيث إنه كان يفضل أن يجرد الخطاب الديني تجريدا يسمح لغير المؤمنين به أن يروا فيه أنفسهم وإنسانيتهم حتى لو لم يؤمنوا به؛ لأن القرآن نزل للعالمين جميعا، ثم انتقل المسيري من النص إلى الخطاب إلى الوحي، واهتم في الفترة الأخيرة من حياته بالاقتراب من النص القرآني خاصة في كتابه "اللغة والمجاز"؛ حيث تحدث فيه عن كيفية قراءة القرآن قراءة تليق بالرؤية الإنسانية، وليست القراءة الحرفية فقط.
المؤلفات
كما قام بعض الباحثين بعرض مختصر لأهم مؤلفات المسيري وإظهار المحاور الرئيسية التي تناولتها، ككتاب "الانتفاضة الفلسطينية والأزمة الصهيونية" دراسة في الإدراك والكرامة كأحد المؤلفات المتعمقة في دراسة انتفاضة 1987- انتفاضة الحجارة-.
وكتاب "الدراسات المعرفية في الحداثة الغربية" الذي يركز على محورية البعد الإنساني في الفكر من خلال ضمه لدراسات قام بها المسيري فيما لا يقل عن ربع قرن عن الحضارة الغربية الحديثة؛ حيث ركز على محاولة استكشاف إبعاد المسيري الإنسان وخريطته المفاهيمية التي ينظر من خلالها ونموذج التفسير الذي يطبقه على الحداثة الغربية وأسئلته النابعة من رؤيتنا وتجاربنا الإنسانية.
وقدمت ورقة بحثية حول كتاب "العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة" والذي صنف المسيري من خلاله الغرب باعتباره مستقبل الشرق، فسلط المجهر عليهم ملقيا الضوء على أهم خصائص الإنسان الغربي وهي التعلم والعلمانية، مفرقا من خلال صفحاته بين جزئية العلماني وشموليتها، حيث يرى أن الجزئية تتمثل في فصل الدين عن السياسة أو الدولة وهي التي تمكنت من استقطاب أفكار العرب، بينما العلمانية الشاملة تتمثل في حشو عالم الأفكار والأشخاص والمؤسسات والرموز، أي أنها الفصل بين المعنى (القيم والروح والوجدان) وبين الحياة بمظاهرها وأصلها ومجملها.
محتشمي: يجوز للشيعي التعبد بالمذاهب السنية
محتشمي: يجوز للشيعي التعبد بالمذاهب السنية
اجرى المقابلة مصطفى عاشور, عبد الله الطحاوي
محتشمي في حديثه لإسلام أون لاين
حجة الإسلام علي أكبر محتشمي(* )، وزير داخلية إيران الأسبق ومدير مكتب الإمام خوميني وأحد صناع الثورة الإيرانية، يحاول في هذا الحوار أن يعطي إجابات واضحة على أسئلة معقدة، لكن هل تملك تلك الإجابات أو غيرها سلطة وقف التداعي المذهبي الذي يلوح في أفق الأمة؟ وهل تكسر سرديات التطمينات حدة اليقين المغلق للمتعصبين في كل المذاهب؟! الرجل أجاب باقتضاب، هل هي عادة المسئولين الإيرانيين المتحفظين دوما؟، أم هي اللغة التي لا تسعفه، وعبء الترجمة من الفارسية إلى العربية؟.
سألنا محتشمي عما يحول دون التواصل المذهبي، وعن موقفه من الإساءات التي مست شخص ومكانة الشيخ القرضاوي، وسألناه عن تنظيمات آل البيت التي تمتد في الدول العربية السنية، وعن البلاغ المذهبي، والأهم عن جواز التعبد بالمذاهب السنية، فأجاب بالجواز، وأكد أن أئمة الثورة يقدرون السيدة عائشة، ومن بينهم السيد خامنئي، وقبلهم الإمام خوميني الذي أصدر فتوى بقتل سلمان رشدي لأنه مس شخص النبي وآل بيته.. انتهى الحوار وطويت الإجابات.. لكن هل سيبقى المشهد ملتهبا؟؟
وفيما يلي نص الحوار:
أسئلة حائرة
* كيف يرى سماحتكم العلاقة بين السنة والشيعة في العالم الإسلامي الآن، خصوصا بعد تصريحات الشيخ يوسف القرضاوي وردود الفعل من مرجعيات وجهات إيرانية؟
- قال تعالى (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّة وَاحِدَة وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء: 92] وكل هذه المذاهب المنتشرة في العالم الإسلامي تنضوي تحت الأمة الإسلامية، وهذا خطاب شامل من الله إلى كل المذاهب والأعراق، حيث يعتبرهم الخطاب القرآني حركة وتيارا وفكرا واحدا؛ فأمتنا مكونة من هذه الأمم والاتجاهات، ولديها ألوان مختلفة لكنهم يشتركون في محور التوحيد.
ومحور التوحيد هو النبي الخاتم محمد صلي الله عليه وسلم والرسالة الإسلامية التي جاء بها والتي تتلخص في القرآن الكريم والسنة النبوية للنبي العظيم.
وعلى هذا فإنني أعتبر أن المسلمين يمكن أن يقع بعضهم في الخطأ، ولكن لا ينبغي تضخيم وتعميم وتكبير هذا الخطأ على كافة من يتبع هذه الفرقة أو هذا المذهب.
علي سبيل المثال أعرض لكم عندما ألف سلمان رشدي كتابه "الآيات الشيطانية" واتهم وأهان النبي الأكرم وأصحابه وزوجاته، وارتكب التكذيب بحق القرآن الكريم وهتك حرمته.
في تلك الظروف كان الصمت والسكوت يخيم على كثير من علماء الإسلام، وقد انبرى الإمام خوميني للدفاع عن السيدة عائشة وكذلك زوجات الرسول وصحابة الرسول وأصدر فتواه المشهورة بإعدام سلمان رشدي.
تذكر أن الدول الأوروبية صعدت المشكلة حيث استدعت سفراءها من الخارج، وقتها قال الإمام خوميني ردا على استدعاء السفراء: "نحن لسنا مسرورين بأن تكون لدينا علاقات مع الغرب وسفراء لدينا..."، وقال سماحة الإمام: "إن عالم الكفر إن أراد أن يواجه ديننا فإننا سنواجهه بكل قدرة ومتانة وسندمر دنياهم...".
اقرأ أيضا:
مفتي نيجيريا: نعاني من الشيعة والوهابية
مفتي نيجيريا: التصوف والتشيع اللقاء المستحيل
بشير الفيضي: التقريب خرج من المذهب إلى السياسة
الغنوشي: العصبية المذهبية دعوة للعلمانية
همام سعيد: التقريب بين السنة والشيعة لن يتحقق
هذا نموذج من فكر وتصرف علماء الإسلام تجاه القضايا، وأنا أعتقد أن جميع أهل الإسلام من السنة والشيعة سيكونون هكذا.
النقطة الأخرى، ودعني أتساءل: هل من الصحيح أن يبادر البعض إلى تبليغ هذا المذهب ليستقطب السني ليجعله شيعيا، أو أن يستقطب الشيعي ليجعله سنيا.. هذا غير صحيح، ولا أعتقد أن هذا التيار هو الغالب بين علمائنا الشيعة، فالإمام خوميني وكذلك خليفته لم يكونوا موافقين على القيام بهذه الحركة ويعتقدون أن تكريس وتقوية الوحدة الإسلامية على صعيد العالم الإسلامي هي الأهم من كل شيء.
وبشأن المؤامرات التي يقوم بها الأعداء للتفريق بين أفراد الأمة: فللأمر تاريخ منذ كان نظام الشاه يقوم ببعض التحركات التي تهدف إلى زرع بذور الفرقة وتكريس النزاع بين الفرق والمذاهب المختلفة في داخل إيران وفي خارجها، لكي يتقوى هو، وهؤلاء يصيبهم الضعف.
على سبيل المثال كان لدينا في إيران البهائيون، وفي مقابل ذلك كان هناك الجماعة الحجاتية الذين ينتظرون الحجة ويسعون إلى مجيء الحجة.. كان الشاه يقوي هذا التيار في مقاومة التيار الآخر، وكان السافاك (المخابرات الإيرانية في عهد الشاه) يقويهم ويعطيهم الأموال على حساب الطرف الآخر، وكان يحاول نظام الشاه تأليب السنة والشيعة بعضهم على بعض، ومنذ أن انتصرت الثورة الإسلامية انتهت هذه الجهود على صعيد إيران وخارج إيران وأخذت هذه الأمور تتجه نحو التوحيد والوحدة.
وأنا على ثقة أن العلامة الشيخ القرضاوي لديه اتجاه ورؤية ثاقبة في هذا الأمر، ويدرك الأفكار التي تحيط بنا من قبل الكفار والمنافقين والصهاينة وتهدد العالم الإسلامي، مما يجعله يفكر في إقامة مظلات وحدوية مثل مؤسسة القدس لجميع الأمم والمذاهب الإسلامية لتكون مظلة لتحرير القدس بتوحيد القوى، توحيد الأديان وكذلك توحيد الأمة الإسلامية.
* لسماحتكم تاريخ في صناعة الثورة الإيرانية، وكنت قريبا من الإمام خوميني، ولك حيثياتك السياسية كوزير داخلية سابق، وإجابتك عن بعض المشكلات التي تثور في العالم السني في قبالة المذهب الشيعي ربما تسهم في تخفيض حدة الحرج المذهبي.. والجمهور السني يحتاج إلى إجابات واضحة، من هذه المشكلات مشكلة سب الصحابة، كذلك سياسة التشييع المنظم، والمسألة الثالثة مسألة ما يتعلق بالمصحف الشريف وما يقال عنه؟؟.
- هذه الأشياء التي طرحتموها طرحها بهذا الشكل ليس صحيحا، كتب الروايات عندنا ليست ككتب الرواية لديكم، ففيها روايات صحيحة ودقيقة، وفيها روايات غير صحيحة وسقيمة وضعيفة، وفي كتب الصحاح عندكم صدق، وتوجد بها رواية صحيحة ورواية ضعيفة، وأنتم أيضا لا تقبلون بهذه الروايات الضعيفة؛ على هذا الأساس لا ينبغي أن نتمسك برواية ضعيفة رواها إنسان ضعيف وذلك من حيث الأمانة، مثال ذلك: تعتقدون أن بعض المذاهب أقرب إلى التشيع مثل مذهب الشافعية، وبقية المذاهب لا تقبل ببعض الروايات التي يرويها الشافعية، كذا أهل الشيعة فبعض علمائنا يرى بعض العلماء منا أيضا غلاة ولا يوافقونهم فيما يرون أو يقولون.
فالشيعة ليسوا كلهم سواء وليسوا كلهم مذهبا واحدا متشابها، وأهل السنة ليسوا مذهبا واحدا، هناك اختلاف في الرؤية ووجهات النظر في داخل السنة وفي داخل الشيعة أيضا، لا يمكن أن نتهم المذاهب في وجود وجهات نظر مختلفة فيما بينها.
* ما رأيك -بشكل شخصي- في مسألة سب الصحابة؟
- أنا ضد سب أي شخص، فما بالكم بسب أحد من الصحابة، فأنا أحرم ذلك.
* الإمام شلتوت رحمه الله كان قد أفتى بجواز التعبد بالمذهب الجعفري، فهل لديكم مثل هذه الاتجاهات نحو الاعتراف التعبدي بالمذاهب الأخرى؟.. حدثنا عن جهود التقريب من قبل الشيعة لاسيما في ضوء ما طرحنا من تساؤلات؟.
- أعلى مرجع ديني عندنا في إيران هو مقام القائد، وهو السيد خامنئي، في صلاة الجمعة وصف الإمام خامنئي السيدة عائشة بأنها أم المؤمنين حتى إن بعض المستمعين أخذ ذلك على الشيخ خامنئي، المرجعيات العليا هي تقول القول الفصل، وهو يقول إن السيدة عائشة هي أم المسلمين، ولا يحق لأي شخص أن يهين أم المؤمنين، لأن من أهان أم المؤمنين عائشة يصدر عليه حكم بالإعدام، ماذا يفعلون بعد ذلك؟
* هل تبيح في رأيك التعبد بجميع المذاهب السنية مثل الشافعية والمالكية؟
- من وصل إلى قناعة أن هذا المذهب هو تحت مظلة الإسلام، يؤمن به ويشتغل به فإنه مباح، ويجوز له العمل به سواء أكان شافعيا مالكيا أم حنبليا أم حنفيا أم جعفريا زيديا.. كل هؤلاء مسلمون، وبعض علمائنا يقولون بأنه يجوز للمسلم أن يقلد عدة مراجع في عباداته، لا إشكال في ذلك.. الاختلاف بين مذاهب أهل السنة رحمة أم لا؟ كذلك الاختلاف بين مذاهب أهل الشيعة.
تقريب.. أم تعايش
* يرى البعض أن مسألة التقريب بين السنة والشيعة هي مسألة مستحيلة، ويطرحون بديلا عن ذلك مصطلح التعايش، فما رأيكم في ذلك؟
- في حالة اعتقاده بأن هذا الحكم هو الحكم الصحيح، يجوز له ذلك، وهذا رأي ممتاز وغير معروف.. التعايش أفضل من النزاع والعداء لكن لا أعتقد به أنا، وما كان يسعى له الإمام هو الوحدة بين المسلمين، والتقريب هو طريق الوحدة.
* ما هي الجهود التي قامت بها المراجع الشيعية من أجل التقريب؟
- أنا أعتقد أن الكثير من مراجع الشيعة يسيرون في طريق التقريب، لكن البعض يكتبون وجهات نظر وردود أفعال عما يرونه وعما يصل إليهم، وهذا الأمر كذلك عند علماء السنة يسيرون في طريق التقريب والتوحيد، وبعضهم أيضا من الذين يصدرون ردود أفعال.
* ما موقفكم من التصريحات التي مست الشيخ يوسف القرضاوي في الفترة الأخيرة من قبل إحدى الوكالات الإيرانية، وموقف النظام الإيراني والمرجعيات من هذه التصريحات؟.
- بداية، هي ليست وكالة أنباء حكومية رسمية، وهي موجودة في إيران وطرحت نفسها بشكل مفاجئ دون أن يكون لديها ترخيص، ولهم موقع على الإنترنت يقولون إنهم وكالة أنباء، وليس للحكومة أي إشراف عليهم.
من جهة أخرى بعض هذه الوكالات تورد وتنشر أمورا ومواضيع هي ضد الحكومة والقيادة والنظام، وضد حتى عقائد الشيعة، وعلى سبيل المثال: فقد كتبت إحدى وكالات الأنباء مؤخرا مواضيع ضد الإمام المهدي نفسه الذي تعتقد به الأمة الإسلامية في إيران، وهذه الوكالات لا تحظى بالتأييد من علمائنا ومراجعنا.. ومن المهم القول بأن شخصياتنا الحكومية والرسمية ليس منهم أي شخص واحد اقترف إهانة، واستنكروها، ويمكن حل الأمور جميعها بالحوار الجاد.
* هل ترى أن هذه الأوصاف ليست صحيحة بالشيخ يوسف القرضاوي خصوصا اتهامه بأنه على اتصال بالصهيونية؟
- إن من قال بهذه الأمور هو شخص محرض من قبل الصهاينة.
* هل تعتقد أن السياسة والعاملين عليها هم العائق أمام التقريب أم الفقهاء؟
- الساسة ليسوا معارضين للتقريب، بينما الساسة المعارضون للدين هم المعارضون للتقريب، وكذلك العلمانيون، لأن هؤلاء يرون قوة اتجاههم العلماني في إضعاف الاتجاهات الدينية.
* لكن أي تقريب ولأبي لؤلؤة قاتل أمير المؤمنين عمر مشهد ومزار في إيران!!
- هو أبو لؤلؤ، لا، أبو لؤلؤة.. وهو شخص كان يعيش في منطقة ساسان وكان درويشا، بخلاف من قتل عمر بن الخطاب، وأبو لؤلؤ كان يعيش في هذه المنطقة ودفن هناك قبل مائتي عام، ومثل هذه المزارات للشعراء والدراويش منتشرة في إيران.. بعض العلماء من الإنجليز في إيران -وطبعا تعرفون أن سياستهم "فرق تسـد"- جاءوا وأشاعوا بين الناس أن هذا قبر أبو لؤلؤة وليس أبو لؤلؤ، وبعد هذه الحوادث والأقوال التي قيلت ووقعت أصدر سماحة القائد أمرا رسميا وصارما بغلق هذا المزار.
إيران.. وشيعة العرب
* في العالم السني ظهرت جماعات شيعية تسمى تنظيمات آل البيت أو رعاة آل البيت، هل لتلك التنظيمات علاقة بإيران؟
- لا علاقة لنا بهم أصلا، وليس لدينا أحد في مصر متفق معنا أو يتبعنا.
* هل ترى من العلامات الصحية أن يرتبط الشيعة العرب بإيران كمرجعية دينية ومذهبية.. لماذا لا تتخلي إيران عن ذلك؟
- ينبغي للمسلم أن يكون متبعا لمذهب ما، وعلماء ذلك المذهب هم الذين يقررون ويكتبون أحكام هذه الأمور، فالذي يتبع المذهب المالكي، يجب أن يأخذ أحكام الصلاة والصيام والحج من عالم مالكي، أقرأ كتبه وأطبق الأحكام الشرعية.
أهل السنة الإيرانيين
* يقال إنه لا يوجد مساجد لأهل السنة في طهران، وأهل السنة يعاملون في إيران كأنهم مواطنون درجة ثانية، فما رأي سماحتكم في ذلك؟
- أينما يعيش أهل السنة في إيران فلهم كل متطلباتهم وحرياتهم الشخصية وكذلك دور عبادتهم والطعام الذي يأكلونه... الخ، حتى القضاء في تلك المنطقة يتبع مذهب الأكثرية فيها.. أما بالنسبة للمساجد، فإنه توجد مساجد لأهل السنة في طهران.. السنة لا يعترض أحد عليهم حتى الشيعة يذهبون إلى مساجد أهل السنة وكذلك يصلي السنة في مساجد أهل الشيعة.
* هل لأهل السنة حق الترشيح في الانتخابات؟
- دعني أقول توجد في بعض المناطق تكون الأكثرية فيها للشيعة، وبسبب تنافس المرشحين الشيعة، فإن المرشح السني هو الذي يفوز في تلك المنطقة، ويأتي ويدخل المجلس، وهناك نواب سنة في مجلس الشورى الإسلامي على الرغم من كونهم أقلية، مع العلم بأنه ليس من أهل السنة وزراء أو قيادات في إيران.............
(*) التعريف بحجة الإسلام المحتشمي:
علي أكبر المحتشمي، مولود سنة 1946، منذ عام 1961 دخلت الحوزة العلمية، وفي عام 1966 ذهبت إلى النجف وغادرت إلى باريس في عام 1978 مع الإمام، وكنت رئيسا لمكتب الإمام في باريس، وبعد ذلك عدت إلى إيران، وكنت سفيرا لإيران في سوريا لمدة أربع سنوات (1981- 1985) ثم عدت إلى إيران وكنت فيها وزيرا للداخلية لمدة أربع سنوات، ثم كنت عضوا في البرلمان الإسلامي في الدورة الثالثة والسادسة، ومنذ عام 1991 قمت بتأسيس مؤتمر تأييد ودعم الانتفاضة الفلسطينية، وبعد عشر سنوات وفي 2001 أقمنا الدورة الثانية للمؤتمر "مؤتمر دعم الانتفاضة"، وفي عام 2006 قمنا بإقامة الدورة الثالثة لهذا المؤتمر وأنا الأمين العام لهذا المؤتمر، وقبل سبع سنوات تأسست هذه المنظمة "مؤسسة القدس" وكنت عضوا في الهيئة التأسيسية فيها، وأنا نائب للشيخ القرضاوي في الهيئة التأسيسية فيها "نائب في هيئة الأمناء".
اجرى المقابلة مصطفى عاشور, عبد الله الطحاوي
محتشمي في حديثه لإسلام أون لاين
حجة الإسلام علي أكبر محتشمي(* )، وزير داخلية إيران الأسبق ومدير مكتب الإمام خوميني وأحد صناع الثورة الإيرانية، يحاول في هذا الحوار أن يعطي إجابات واضحة على أسئلة معقدة، لكن هل تملك تلك الإجابات أو غيرها سلطة وقف التداعي المذهبي الذي يلوح في أفق الأمة؟ وهل تكسر سرديات التطمينات حدة اليقين المغلق للمتعصبين في كل المذاهب؟! الرجل أجاب باقتضاب، هل هي عادة المسئولين الإيرانيين المتحفظين دوما؟، أم هي اللغة التي لا تسعفه، وعبء الترجمة من الفارسية إلى العربية؟.
سألنا محتشمي عما يحول دون التواصل المذهبي، وعن موقفه من الإساءات التي مست شخص ومكانة الشيخ القرضاوي، وسألناه عن تنظيمات آل البيت التي تمتد في الدول العربية السنية، وعن البلاغ المذهبي، والأهم عن جواز التعبد بالمذاهب السنية، فأجاب بالجواز، وأكد أن أئمة الثورة يقدرون السيدة عائشة، ومن بينهم السيد خامنئي، وقبلهم الإمام خوميني الذي أصدر فتوى بقتل سلمان رشدي لأنه مس شخص النبي وآل بيته.. انتهى الحوار وطويت الإجابات.. لكن هل سيبقى المشهد ملتهبا؟؟
وفيما يلي نص الحوار:
أسئلة حائرة
* كيف يرى سماحتكم العلاقة بين السنة والشيعة في العالم الإسلامي الآن، خصوصا بعد تصريحات الشيخ يوسف القرضاوي وردود الفعل من مرجعيات وجهات إيرانية؟
- قال تعالى (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّة وَاحِدَة وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء: 92] وكل هذه المذاهب المنتشرة في العالم الإسلامي تنضوي تحت الأمة الإسلامية، وهذا خطاب شامل من الله إلى كل المذاهب والأعراق، حيث يعتبرهم الخطاب القرآني حركة وتيارا وفكرا واحدا؛ فأمتنا مكونة من هذه الأمم والاتجاهات، ولديها ألوان مختلفة لكنهم يشتركون في محور التوحيد.
ومحور التوحيد هو النبي الخاتم محمد صلي الله عليه وسلم والرسالة الإسلامية التي جاء بها والتي تتلخص في القرآن الكريم والسنة النبوية للنبي العظيم.
وعلى هذا فإنني أعتبر أن المسلمين يمكن أن يقع بعضهم في الخطأ، ولكن لا ينبغي تضخيم وتعميم وتكبير هذا الخطأ على كافة من يتبع هذه الفرقة أو هذا المذهب.
علي سبيل المثال أعرض لكم عندما ألف سلمان رشدي كتابه "الآيات الشيطانية" واتهم وأهان النبي الأكرم وأصحابه وزوجاته، وارتكب التكذيب بحق القرآن الكريم وهتك حرمته.
في تلك الظروف كان الصمت والسكوت يخيم على كثير من علماء الإسلام، وقد انبرى الإمام خوميني للدفاع عن السيدة عائشة وكذلك زوجات الرسول وصحابة الرسول وأصدر فتواه المشهورة بإعدام سلمان رشدي.
تذكر أن الدول الأوروبية صعدت المشكلة حيث استدعت سفراءها من الخارج، وقتها قال الإمام خوميني ردا على استدعاء السفراء: "نحن لسنا مسرورين بأن تكون لدينا علاقات مع الغرب وسفراء لدينا..."، وقال سماحة الإمام: "إن عالم الكفر إن أراد أن يواجه ديننا فإننا سنواجهه بكل قدرة ومتانة وسندمر دنياهم...".
اقرأ أيضا:
مفتي نيجيريا: نعاني من الشيعة والوهابية
مفتي نيجيريا: التصوف والتشيع اللقاء المستحيل
بشير الفيضي: التقريب خرج من المذهب إلى السياسة
الغنوشي: العصبية المذهبية دعوة للعلمانية
همام سعيد: التقريب بين السنة والشيعة لن يتحقق
هذا نموذج من فكر وتصرف علماء الإسلام تجاه القضايا، وأنا أعتقد أن جميع أهل الإسلام من السنة والشيعة سيكونون هكذا.
النقطة الأخرى، ودعني أتساءل: هل من الصحيح أن يبادر البعض إلى تبليغ هذا المذهب ليستقطب السني ليجعله شيعيا، أو أن يستقطب الشيعي ليجعله سنيا.. هذا غير صحيح، ولا أعتقد أن هذا التيار هو الغالب بين علمائنا الشيعة، فالإمام خوميني وكذلك خليفته لم يكونوا موافقين على القيام بهذه الحركة ويعتقدون أن تكريس وتقوية الوحدة الإسلامية على صعيد العالم الإسلامي هي الأهم من كل شيء.
وبشأن المؤامرات التي يقوم بها الأعداء للتفريق بين أفراد الأمة: فللأمر تاريخ منذ كان نظام الشاه يقوم ببعض التحركات التي تهدف إلى زرع بذور الفرقة وتكريس النزاع بين الفرق والمذاهب المختلفة في داخل إيران وفي خارجها، لكي يتقوى هو، وهؤلاء يصيبهم الضعف.
على سبيل المثال كان لدينا في إيران البهائيون، وفي مقابل ذلك كان هناك الجماعة الحجاتية الذين ينتظرون الحجة ويسعون إلى مجيء الحجة.. كان الشاه يقوي هذا التيار في مقاومة التيار الآخر، وكان السافاك (المخابرات الإيرانية في عهد الشاه) يقويهم ويعطيهم الأموال على حساب الطرف الآخر، وكان يحاول نظام الشاه تأليب السنة والشيعة بعضهم على بعض، ومنذ أن انتصرت الثورة الإسلامية انتهت هذه الجهود على صعيد إيران وخارج إيران وأخذت هذه الأمور تتجه نحو التوحيد والوحدة.
وأنا على ثقة أن العلامة الشيخ القرضاوي لديه اتجاه ورؤية ثاقبة في هذا الأمر، ويدرك الأفكار التي تحيط بنا من قبل الكفار والمنافقين والصهاينة وتهدد العالم الإسلامي، مما يجعله يفكر في إقامة مظلات وحدوية مثل مؤسسة القدس لجميع الأمم والمذاهب الإسلامية لتكون مظلة لتحرير القدس بتوحيد القوى، توحيد الأديان وكذلك توحيد الأمة الإسلامية.
* لسماحتكم تاريخ في صناعة الثورة الإيرانية، وكنت قريبا من الإمام خوميني، ولك حيثياتك السياسية كوزير داخلية سابق، وإجابتك عن بعض المشكلات التي تثور في العالم السني في قبالة المذهب الشيعي ربما تسهم في تخفيض حدة الحرج المذهبي.. والجمهور السني يحتاج إلى إجابات واضحة، من هذه المشكلات مشكلة سب الصحابة، كذلك سياسة التشييع المنظم، والمسألة الثالثة مسألة ما يتعلق بالمصحف الشريف وما يقال عنه؟؟.
- هذه الأشياء التي طرحتموها طرحها بهذا الشكل ليس صحيحا، كتب الروايات عندنا ليست ككتب الرواية لديكم، ففيها روايات صحيحة ودقيقة، وفيها روايات غير صحيحة وسقيمة وضعيفة، وفي كتب الصحاح عندكم صدق، وتوجد بها رواية صحيحة ورواية ضعيفة، وأنتم أيضا لا تقبلون بهذه الروايات الضعيفة؛ على هذا الأساس لا ينبغي أن نتمسك برواية ضعيفة رواها إنسان ضعيف وذلك من حيث الأمانة، مثال ذلك: تعتقدون أن بعض المذاهب أقرب إلى التشيع مثل مذهب الشافعية، وبقية المذاهب لا تقبل ببعض الروايات التي يرويها الشافعية، كذا أهل الشيعة فبعض علمائنا يرى بعض العلماء منا أيضا غلاة ولا يوافقونهم فيما يرون أو يقولون.
فالشيعة ليسوا كلهم سواء وليسوا كلهم مذهبا واحدا متشابها، وأهل السنة ليسوا مذهبا واحدا، هناك اختلاف في الرؤية ووجهات النظر في داخل السنة وفي داخل الشيعة أيضا، لا يمكن أن نتهم المذاهب في وجود وجهات نظر مختلفة فيما بينها.
* ما رأيك -بشكل شخصي- في مسألة سب الصحابة؟
- أنا ضد سب أي شخص، فما بالكم بسب أحد من الصحابة، فأنا أحرم ذلك.
* الإمام شلتوت رحمه الله كان قد أفتى بجواز التعبد بالمذهب الجعفري، فهل لديكم مثل هذه الاتجاهات نحو الاعتراف التعبدي بالمذاهب الأخرى؟.. حدثنا عن جهود التقريب من قبل الشيعة لاسيما في ضوء ما طرحنا من تساؤلات؟.
- أعلى مرجع ديني عندنا في إيران هو مقام القائد، وهو السيد خامنئي، في صلاة الجمعة وصف الإمام خامنئي السيدة عائشة بأنها أم المؤمنين حتى إن بعض المستمعين أخذ ذلك على الشيخ خامنئي، المرجعيات العليا هي تقول القول الفصل، وهو يقول إن السيدة عائشة هي أم المسلمين، ولا يحق لأي شخص أن يهين أم المؤمنين، لأن من أهان أم المؤمنين عائشة يصدر عليه حكم بالإعدام، ماذا يفعلون بعد ذلك؟
* هل تبيح في رأيك التعبد بجميع المذاهب السنية مثل الشافعية والمالكية؟
- من وصل إلى قناعة أن هذا المذهب هو تحت مظلة الإسلام، يؤمن به ويشتغل به فإنه مباح، ويجوز له العمل به سواء أكان شافعيا مالكيا أم حنبليا أم حنفيا أم جعفريا زيديا.. كل هؤلاء مسلمون، وبعض علمائنا يقولون بأنه يجوز للمسلم أن يقلد عدة مراجع في عباداته، لا إشكال في ذلك.. الاختلاف بين مذاهب أهل السنة رحمة أم لا؟ كذلك الاختلاف بين مذاهب أهل الشيعة.
تقريب.. أم تعايش
* يرى البعض أن مسألة التقريب بين السنة والشيعة هي مسألة مستحيلة، ويطرحون بديلا عن ذلك مصطلح التعايش، فما رأيكم في ذلك؟
- في حالة اعتقاده بأن هذا الحكم هو الحكم الصحيح، يجوز له ذلك، وهذا رأي ممتاز وغير معروف.. التعايش أفضل من النزاع والعداء لكن لا أعتقد به أنا، وما كان يسعى له الإمام هو الوحدة بين المسلمين، والتقريب هو طريق الوحدة.
* ما هي الجهود التي قامت بها المراجع الشيعية من أجل التقريب؟
- أنا أعتقد أن الكثير من مراجع الشيعة يسيرون في طريق التقريب، لكن البعض يكتبون وجهات نظر وردود أفعال عما يرونه وعما يصل إليهم، وهذا الأمر كذلك عند علماء السنة يسيرون في طريق التقريب والتوحيد، وبعضهم أيضا من الذين يصدرون ردود أفعال.
* ما موقفكم من التصريحات التي مست الشيخ يوسف القرضاوي في الفترة الأخيرة من قبل إحدى الوكالات الإيرانية، وموقف النظام الإيراني والمرجعيات من هذه التصريحات؟.
- بداية، هي ليست وكالة أنباء حكومية رسمية، وهي موجودة في إيران وطرحت نفسها بشكل مفاجئ دون أن يكون لديها ترخيص، ولهم موقع على الإنترنت يقولون إنهم وكالة أنباء، وليس للحكومة أي إشراف عليهم.
من جهة أخرى بعض هذه الوكالات تورد وتنشر أمورا ومواضيع هي ضد الحكومة والقيادة والنظام، وضد حتى عقائد الشيعة، وعلى سبيل المثال: فقد كتبت إحدى وكالات الأنباء مؤخرا مواضيع ضد الإمام المهدي نفسه الذي تعتقد به الأمة الإسلامية في إيران، وهذه الوكالات لا تحظى بالتأييد من علمائنا ومراجعنا.. ومن المهم القول بأن شخصياتنا الحكومية والرسمية ليس منهم أي شخص واحد اقترف إهانة، واستنكروها، ويمكن حل الأمور جميعها بالحوار الجاد.
* هل ترى أن هذه الأوصاف ليست صحيحة بالشيخ يوسف القرضاوي خصوصا اتهامه بأنه على اتصال بالصهيونية؟
- إن من قال بهذه الأمور هو شخص محرض من قبل الصهاينة.
* هل تعتقد أن السياسة والعاملين عليها هم العائق أمام التقريب أم الفقهاء؟
- الساسة ليسوا معارضين للتقريب، بينما الساسة المعارضون للدين هم المعارضون للتقريب، وكذلك العلمانيون، لأن هؤلاء يرون قوة اتجاههم العلماني في إضعاف الاتجاهات الدينية.
* لكن أي تقريب ولأبي لؤلؤة قاتل أمير المؤمنين عمر مشهد ومزار في إيران!!
- هو أبو لؤلؤ، لا، أبو لؤلؤة.. وهو شخص كان يعيش في منطقة ساسان وكان درويشا، بخلاف من قتل عمر بن الخطاب، وأبو لؤلؤ كان يعيش في هذه المنطقة ودفن هناك قبل مائتي عام، ومثل هذه المزارات للشعراء والدراويش منتشرة في إيران.. بعض العلماء من الإنجليز في إيران -وطبعا تعرفون أن سياستهم "فرق تسـد"- جاءوا وأشاعوا بين الناس أن هذا قبر أبو لؤلؤة وليس أبو لؤلؤ، وبعد هذه الحوادث والأقوال التي قيلت ووقعت أصدر سماحة القائد أمرا رسميا وصارما بغلق هذا المزار.
إيران.. وشيعة العرب
* في العالم السني ظهرت جماعات شيعية تسمى تنظيمات آل البيت أو رعاة آل البيت، هل لتلك التنظيمات علاقة بإيران؟
- لا علاقة لنا بهم أصلا، وليس لدينا أحد في مصر متفق معنا أو يتبعنا.
* هل ترى من العلامات الصحية أن يرتبط الشيعة العرب بإيران كمرجعية دينية ومذهبية.. لماذا لا تتخلي إيران عن ذلك؟
- ينبغي للمسلم أن يكون متبعا لمذهب ما، وعلماء ذلك المذهب هم الذين يقررون ويكتبون أحكام هذه الأمور، فالذي يتبع المذهب المالكي، يجب أن يأخذ أحكام الصلاة والصيام والحج من عالم مالكي، أقرأ كتبه وأطبق الأحكام الشرعية.
أهل السنة الإيرانيين
* يقال إنه لا يوجد مساجد لأهل السنة في طهران، وأهل السنة يعاملون في إيران كأنهم مواطنون درجة ثانية، فما رأي سماحتكم في ذلك؟
- أينما يعيش أهل السنة في إيران فلهم كل متطلباتهم وحرياتهم الشخصية وكذلك دور عبادتهم والطعام الذي يأكلونه... الخ، حتى القضاء في تلك المنطقة يتبع مذهب الأكثرية فيها.. أما بالنسبة للمساجد، فإنه توجد مساجد لأهل السنة في طهران.. السنة لا يعترض أحد عليهم حتى الشيعة يذهبون إلى مساجد أهل السنة وكذلك يصلي السنة في مساجد أهل الشيعة.
* هل لأهل السنة حق الترشيح في الانتخابات؟
- دعني أقول توجد في بعض المناطق تكون الأكثرية فيها للشيعة، وبسبب تنافس المرشحين الشيعة، فإن المرشح السني هو الذي يفوز في تلك المنطقة، ويأتي ويدخل المجلس، وهناك نواب سنة في مجلس الشورى الإسلامي على الرغم من كونهم أقلية، مع العلم بأنه ليس من أهل السنة وزراء أو قيادات في إيران.............
(*) التعريف بحجة الإسلام المحتشمي:
علي أكبر المحتشمي، مولود سنة 1946، منذ عام 1961 دخلت الحوزة العلمية، وفي عام 1966 ذهبت إلى النجف وغادرت إلى باريس في عام 1978 مع الإمام، وكنت رئيسا لمكتب الإمام في باريس، وبعد ذلك عدت إلى إيران، وكنت سفيرا لإيران في سوريا لمدة أربع سنوات (1981- 1985) ثم عدت إلى إيران وكنت فيها وزيرا للداخلية لمدة أربع سنوات، ثم كنت عضوا في البرلمان الإسلامي في الدورة الثالثة والسادسة، ومنذ عام 1991 قمت بتأسيس مؤتمر تأييد ودعم الانتفاضة الفلسطينية، وبعد عشر سنوات وفي 2001 أقمنا الدورة الثانية للمؤتمر "مؤتمر دعم الانتفاضة"، وفي عام 2006 قمنا بإقامة الدورة الثالثة لهذا المؤتمر وأنا الأمين العام لهذا المؤتمر، وقبل سبع سنوات تأسست هذه المنظمة "مؤسسة القدس" وكنت عضوا في الهيئة التأسيسية فيها، وأنا نائب للشيخ القرضاوي في الهيئة التأسيسية فيها "نائب في هيئة الأمناء".
الحالة السلفية في الكويت.. البدايات والمآلات
الحالة السلفية في الكويت.. البدايات والمآلات
رجب الدمنهوري / 07-04-2009
يتميز المشهد السلفي الكويتي بالتنوعالمتابع للساحة الكويتية يجد أنها تمور بالعديد من الحركات والتجمعات الإسلامية على اختلاف مواقفها الفكرية والسياسية، وتباين رؤاها وأفكارها واجتهاداتها الشرعية، ويعد التيار السلفي بجميع مدارسه التقليدية والانفتاحية من أبرز هذه القوى بعد أن دشن ثقلا كبيرا وحضورا فاعلا في المشهد الإسلامي الكويتي اجتماعيا وسياسيا، مستفيدا من هامش الحرية الواسع نسبيا في الكويت، وتغاضي الحكومة عن تشكيل التيارات السياسية ونشاطاتها التي يحظرها القانون الكويتي.
بدايات التيار السلفي في الكويت تعود إلى أوائل القرن الرابع عشر الهجري وعشرينيات القرن الميلادي الماضي؛ حيث ظهر عدد من دعاة السلف وشيوخهم الذين نهلوا العلم الشرعي من علماء السعودية، وارتبطوا معهم بعلاقات وطيدة، ومنهم الشيخ عبد الله خلف الدحيان (1292 - 1349 هـ) والشيخ عبد العزيز الرشيد (1301 – 1327 هـ) والشيخ محمد بن سليمان الجراح (1322- 1417 هـ) والشيخ يوسف العيسى القناعي وغيرهم، وظلت دعوة هؤلاء مجرد جهود فردية إلى وقت طويل، كما تعد الحركة السلفية في الكويت امتدادا للفكر نفسه الذي حمل رايته في السعودية وأسسه الشيخ محمد بن عبد الوهاب (1703 - 1792 م).
وفي أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات قدم إلى الكويت السلفي البارز الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق، وإليه يرجع الفضل في انتشار الفكر السلفي والعمل على ترشيد انكفائيته وانغلاقه من خلال تأليف الكتب ودروس العلم والفتاوى وأشرطة الكاسيت، وعزز مسيرة التيار السلفي عودة الطلبة الكويتيين إلى بلدهم في أواخر السبعينيات بعد دراستهم العلم الشرعي السلفي على كبار العلماء في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، إذ مع رجوعهم ترعرع الفكر السلفي في ما يعرف بالمناطق الخارجية في الكويت؛ أي المناطق غير الحضرية وكثر رواده ومريدوه، وقد كان للخصائص البيئية المشتركة والثقافات المتقاربة لهذه المناطق مع البيئة السعودية عامل إضافي أشاع هذا الفكر ونشر أدبياته، بينما بقيت المناطق الداخلية "الحضر" إلى يومنا هذا لا تشكل ثقلا للتيار السلفي.
ومما شكل -أيضا- أساسا كبيرا في انخراط العديد من الكويتيين في النشاط الدعوي والخيري والإقبال على تعلم العلم الشرعي السلفي تركيز السلفيين في بداية النشأة على الدعوة للعقيدة الصافية ومحاربة "البدع والخرافات والشركيات" بعيدا عن السياسة ودهاليزها، في وقت كان الكويتيون يعزفون فيه عن المشاركة في التيارات والتجمعات السياسية أو الانتماء إليها.
القوى والتيارات السلفية
الاستعانة بالأجانب لتحرير الكويت أدى إلى شق الصف السلفي الخليجي
ولأن النوازل والكوارث والمصائب غالبا ما تلعب دورها في إعادة تقييم المناهج والفرز على أساس المواقف وإنتاج طروحات وأفكار جديدة، فقد أدت قضية الاستعانة بالقوات الأجنبية لتحرير الكويت عام 1991 م إلى شق الصف السلفي الخليجي وبروز آراء معارضة للنهج السلفي التقليدي، إذ انقسم سلفيو السعودية إلى تيارات عدة، تيار رأى عدم جواز الاستعانة بالقوات الأجنبية، ومن رموزه الشيخ سفر الحوالي والشيخ سلمان العودة والشيخ ناصر العمر والشيخ عائض القرني وآخرون، وتيار آخر أجاز الاستعانة، وكان على رأسه الشيخان عبد العزيز بن باز ومحمد بن عثيمين رحمهما الله، وظهر تيار ثالث تصدى لنظيره الأول بخطاب حاد ولغة مفرطة في النقد والهجوم على الآخرين وتزعمه الشيخ ربيع بن هادي المدخلي، وكانت هذه الانقسامات بمثابة الشرارة التي قادت إلى الانقلاب على الأفكار التقليدية ونقدها والتجرؤ على النظر في الموروث السلفي.
ولما كانت المتبنيات السلفية لأبناء شبه الجزيرة العربية مشتركة، فقد أدى طغيان تأثير البيئة السعودية على المنطقة وتداخل العائلات والقبائل الخليجية، إلى انتقال هذه الخلافات إلى الكويت، وهو الأمر الذي قاد إلى تشظي التيار السلفي إلى تيارات مختلفة في الفكر والرؤية، كما مثلت وفاة علماء التيار السلفي البارزين الشيخ بن باز والشيخ ناصر الدين الألباني والشيخ بن عثيمين عاملا كبيرا في تكريس الانقسامات والاختلافات في المنظومة السلفية الكويتية نظرا للدور الكبير الذي كان يقوم به هؤلاء في تجميع الشتات السلفي وتوحيد الآراء.
واختلف كثيرون حول ما إذا كانت الحالة السلفية في الكويت تعاني انشقاقا وانقساما أم مجرد تباينات في الرأي والاجتهاد والمنهج، لكن الواقع يؤكد أن هناك انقسامات حادة بلغت حد التجاذبات في وسائل الإعلام وتبادل الاتهامات، فقد وصف رموز في التيار السلفي المنشقين عنه بالخوارج والمرجئة والمروق عن منهج السلف، وهؤلاء الذين جددوا في طروحاتهم اتهموا التقليديين بالجمود والانغلاق والانسحابيين، وعلى أي حال فهناك تجمعات كثيرة متباينة الاجتهادات ترفع راية السلفية وتشكل معالمها ولكل منها تصوراته وآراؤه واجتهاداته.
السلفية الأم
طارق العيسى رئيس جمعية إحياء التراث
يعبر هذا التيار عن النسق السلفي التقليدي الذي يمارس نشاطه الدعوي والخيري من خلال جمعية إحياء التراث الإسلامي التي أسست عام 1981م كجمعية نفع عام، وتتمحور أهدافها وأنشطتها في الدعوة إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عله وسلم ومنهج السلف، والدعوة إلى عبادة الله وحده، والعمل على تعاون المسلمين على البر والتقوى، ونشر الخير والفضيلة، وإحياء التراث من خلال نشر كتب السلف، وتحذير المسلمين من البدع والمحدثات التي شوهت جمال الإسلام وحالت من دون تقدم المسلمين، وإنشاء المساجد والمؤسسات الصحية والتعليمية والمشاريع الخيرية والإنسانية في جميع أنحاء العالم عبر مجموعة من اللجان المتخصصة.
المهندس طارق العيسي رئيس الجمعية، ونائبه الدكتور وائل الحساوي والشيخ ناظم المسباح والشيخ خالد السلطان والشيخ أحمد الكوس من قيادات السلفية الذين لهم باع كبير في التنظير لمواقف الجمعية والدفاع عن أدبياتها ومنطلقاتها الفكرية، وترتبط الجمعية بعلماء السعودية ارتباطا وثيقا في مجال الفتوى وتنمية الوعي السلفي لدى أنصارها؛ إذ تستضيفهم في منتدياتها وأنشطتها ومحافلها.
ورغم بعض النداءات من داخل التيار السلفي نفسه والتيار الإسلامي بشكل عام التي تدعو إلى ضرورة أن تكون الفتوى في القضايا الشائكة والمحورية صادرة عن علماء الكويت لدرايتهم بالشأن المحلي وتفاصيله؛ فإن السلفية التراثية لم تلتفت لهذه المطالب، ومازالت ترجع إلى كتب ابن باز وابن عثيمين في بناء الثقافة الشرعية للمنتمين إليها، وإلى هيئة كبار العلماء في السعودية لاستفتائها في عظائم الأمور خاصة بعد إنكارها على الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق الذي كان بمثابة الأب الروحي لها ما قدمه من اجتهادات ورؤى متقدمة في مجموعة من الرسائل والكتب؛ إذ أصل لمشروعية العمل الجماعي في كتابيه "أصول العمل الجماعي" و"شيخ الإسلام بن تيمية والعمل الجماعي"، كما أصل الاشتغال بالعمل البرلماني والسياسي في كتبه "المسلمون والعمل السياسي" و"فصول من السياسة الشرعية في الدعوة إلى الله" و"الشورى في ظل نظام الحكم الإسلامي"، وقد رأى السلفيون أن الاجتهادات تخرج من مشكاة فكر الإخوان المسلمين ولهذا حكموا عليه بأنه سلفي العقيدة إخواني المنهج.
التجمع السلفي
خالد سلطان بن عيسى الأمين العام للتجمع السلفي
التجمع السلفي يتبع جمعية إحياء التراث، وتنفي الجمعية ارتباطها بالتجمع إعلاميا، حتى لا تقع تحت طائلة القانون الكويتي الذي يحظر على جمعيات النفع العام التدخل في السياسة أو المشاركة في الانتخابات، وقد أسسه السلفيون بعد تحرير الكويت في 1992 م ليكون الواجهة السياسية للجمعية، كما أن الحركة الدستورية الإسلامية الواجهة السياسية لجمعية الإصلاح الاجتماعي "الإخوان المسلمون"، ويتولى الأمانة العامة للتجمع رجل الأعمال الشهير والبرلماني السابق خالد سلطان بن عيسى منذ تأسيسه وحتى الآن، ومن أبرز قياداته وزير التجارة الحالي أحمد باقر والدكتور على العمير وعبد اللطيف العميري والدكتور محمد الكندري والناشط سالم الناشي.
وبهذا التطور لم يعد سلفيو الكويت يعتبرون السياسة رجسا من عمل الشيطان كما يذهب نظراؤهم في دول أخرى، فقد انخرطوا في مسالكها ودروبها الوعرة ودهاليزها المتعرجة غير مبالين بتحذيرات بعض علمائهم الذين قالوا: "من السياسة ترك السياسة"، وأصبح منهم الوزير والنائب في البرلمان والناشط السياسي والحقوقي والقيادي الطلابي.
ويسعى التجمع -كما تقول أوراق تأسيسه- إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في حياة الأمة بعيدا عن الإفراط والتفريط، وذلك من خلال النظام السياسي الذي ارتضاه مؤسسوه على قاعدة أن الشريعة منهاج رباني ودستور حياة وأنها سبيل العز والتمكين واستتباب الأمن والاستقرار للفرد والمجتمع ولا سبيل لتطبيقها إلا بالحكمة والموعظة الحسنة.
الحقيقة أن إنشاء هذا التجمع لم يكن نتاج تطور في فكر ورؤية التيار السلفي بقدر ما جاء استجابة لمتطلبات الواقع السياسي في ظل مسارعة كل القوى الإسلامية والليبرالية والوطنية لتشكيل تيارات وحركات سياسية بعد تحرير الكويت؛ خاصة أن مؤسسيه مازالوا يرون أن الأحزاب من المفاسد التي ترسخ الطائفية وتذكي نيران الصراع الطائفي والحزبي في المجتمعات.
وكبديل للأحزاب ينادي التجمع بإطلاق نظام معتدل ومتكامل يكون لمجلس الأمة الرأي فيه لمنح الثقة المسبقة لتكليف رئيس الوزراء واختيار أعضاء الحكومة، غير أنه لم يحدد ماهية هذا النظام ومحاوره وآليات تنفيذه واختصاصاته.
ورغم مشاركة السلفيين في الحياة السياسة وانتخابات مجلس الأمة عام 1981م وفوزهم بمقعدين ونجاحهم في إحراز مواقع متقدمة على مستوى السلطتين التشريعية والتنفيذية -وهذا يعتبر تطورا مبكرا في موقف السلفيين مقارنة بذات التوجه في دول أخرى- فإن كثيرا من الإشكاليات والقضايا مازالت عالقة ولم يحسمها التيار السلفي بالنظر إلى هذه خبرته البرلمانية والسياسية الكبيرة نسبيا.
ولا يرى السلفيون -بمشاركتهم في الحياة السياسية- أنهم قد استحدثوا شيئا جديدا، فهم يرون أن العمل السياسي وخاصة البرلماني بمثابة دعوة إلى الله، وسياج لحماية الدعوة ومنبر لسن التشريعات والقوانين الإسلامية ومحاسبة المسئولين، ورغم أن السلفيين التراثيين قد سبقوا جميع التجمعات السلفية في العالم وشاركوا في الحياة السياسية فإنهم اعتمدوا في مسيرتهم على مقولات غير محددة وفتاوى لكبار العلماء ولم ينتجوا رؤى وطروحات إصلاحية تعكس منهجيتهم في التغيير وعلاقتهم بالآخر.
ويركز السلفيون الذين خاضوا انتخابات 2005م و2008م ويستعدون لخوض انتخابات 2009م في طروحاتهم على منطلقات عامة تتمثل في المطالبة ببناء المواطن الصالح وتشكيل الحكومة وفق إفرازات انتخابات مجلس الأمة، وفيما يرى هؤلاء ضرورة معالجة العديد من القضايا المحلية من وجهة نظر شرعية لم يقدموا منهجا واضحا وبرنامجا تفصيليا لهذه القضايا المتمثلة في التعليم المميز والخدمات الصحية والبيئة الاستثمارية العادلة وتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة وخلق فرص عمل جديدة ومواجهة غلاء الأسعار وحلحلة القضية الإسكانية وتعزيز الأمن الوطني عبر تحكيم الشريعة وتبني برنامج واضح لإعداد أمن وطني متكامل.
ومع اتساع مساحة الديمقراطية التي تشهدها الكويت يصر السلفيون على اجتهاداتهم القائلة بوجوب طاعة الحاكم ومبدأ المناصحة السرية لولي الأمر، كما يتمسكون برؤاهم الرافضة لكل مظاهر الاحتجاج والتظاهر السلمي للتعبير عن الحقوق خشية إثارة الاضطرابات والفوضى، وهذه مواقف لم تعد تنسجم مع ضرورات العمل السياسي ومتطلباته التي تقوم على المكاشفة والشفافية، والتعاطي مع جميع القضايا بالوسائل السلمية والديمقراطية المنصوص عليها والمتعارف عليها.
ومازال الموقف السلفي من قضية المرأة كما هو لم يتغير، ففي الوقت الذي حصلت فيه المرأة الكويتية على حقوقها السياسية عام 2005م لم يتعاط السلفيون مع هذا التطور إلا من زاوية الاستفادة منه عبر حشد النساء للتصويت لمرشحيهم باعتبار ذلك أمرا واقعا، فهم ما زالوا يعتبرون مشاركة المرأة في المعترك السياسي ولاية عامة، ويكتفون فقط بالقول إنهم يؤيدون حقوق المرأة وفق الشريعة، وإن الشرع أعطى المرأة حقوقا لا مثيل لها بين الأمم قديما وحديثا وحث على صونها ورعايتها وحفظها من موبقات الاستغلال والظلم، ولكي يضفي السلفيون على طرحهم بخصوص المرأة مسحة من الواقعية راحوا يطالبون برعاية أولاد الكويتية المتزوجة من غير كويتي، وإعمال مبدأ تكافؤ الفرص في العمل والأجر للرجل والمرأة على السواء، وتوفير العلاوة الاجتماعية والسكنية للكويتية التي تتولى أمر أولادها في حالة وفاة الزوج أو إذا كانت متزوجة من غير كويتي، والإسراع في إجراءات التقاضي في قضايا الأحوال الشخصية.
وأمام التيار السلفي تحديات كثيرة أبرزها ضرورة التحول من الجهود الفردية المتناثرة إلى عمل منظم ومنهجي ومؤسسي له هياكله وأطره التنظيمية ولجانه النوعية، يمارس الشورى ويتجاوز الخطوط الحمراء المتمثلة في الهالات المقدسة التي يضفيها على شيوخه وطريقة تعامله مع التراث، وإلا ظلت جهوده مبعثرة ومفككة ومرشحة لمزيد من التصدع.
الأمر الثاني أنه يجب على التيار السلفي أن يقيم مراجعات نقدية لفكره بهدف الانفتاح على جميع التيارات في الساحة والانخراط في القضايا المصيرية للأمة وطرح القضايا التي تشغل هموم الناس، وإلا فسيظل أسير حالة التقوقع والانكفاء التي يعيشها.
الحركة السلفية
حاكم المطيري أمين عام الحركة السلفية
تأسست الحركة السلفية العلمية عام1996م على خلفية اختلاف علماء السلف بشأن الاستعانة بالقوات الأجنبية في تحرير الكويت وقد مثل ذلك نقطة تحول كبيرة على صعيد تجديد الفكر السلفي واختراق المحرمات السلفية التاريخية في مراجعة العلماء وانتقاد تصوراتهم ومناقشة الإشكالات العلمية الشرعية في الدعوة السلفية، وقد نجحت نخبة من الأكاديميين والمثقفين الذين خرجوا من معطف السلفية التراثية وعارضوا التدخل الأجنبي في المنطقة في قيادة هذا المسعى نحو توجيه المزاج السلفي لجهة الاهتمام بالقضايا الكبرى.
ومن أبرز مؤسسي الحركة التي حذف لاحقا من اسمها كلمة "العلمية" الدكتور حامد العلي أمينها العام السابق والدكتور عبد الرزاق الشايجي المتحدث السابق باسمها، وأمينها الحالي الدكتور حاكم المطيري وتركي الظفيري وبدر الشبيب والدكتور ساجد العبدلي، غير أن الحركة ما لبثت أن شهدت استقالة العديد من كوادرها بسبب الخلافات الداخلية وتباين التوجهات كالشيخ حامد العلي الذي تفرغ للعمل الدعوي والدكتور الشايجي الذي انشغل بأعماله الخاصة وكذلك الدكتور ساجد العبدلي وآخرين.
وتتنوع مواقف السلفيين التقليديين إزاء نظرائهم الجدد، فهناك فريق يخفف من حدة الانقسام فيقول إنها مجرد اجتهادات ضمن الإطار العام للفكر السلفي، ويذهب آخرون إلى أنهم خرجوا عن منهج السلف وارتموا في عباءة الإخوان المسلمين فكرا ومنهجا، ويرى تيار ثالث أن الحركة السلفية تتشابه في منطلقاتها مع منهج السروريين نسبة إلى محمد بن سرور السوري الأصل الذي جاء إلى السعودية وأسس منهجا يجمع بين الفكر الحركي الإخواني والأفكار السلفية، وحقيقة الأمر أن السلفيين العلميين مازالوا يكنون الاحترام لكبار علماء السلفية غير أنهم لا يجدون حرجا في نقد آرائهم ومخالفتهم خاصة في المسائل السياسية المتعلقة بإشهار الأحزاب والحريات وتداول السلطة ومعارضة الحاكم.
حزب الأمة
تأسس هذا الحزب في 2005م كذراع سياسية للحركة السلفية وهو أول حزب سياسي في الكويت ومنطقة الخليج، وقد جاء إشهاره بالمخالفة للقانون الكويتي خطوة مفاجئة للمراقبين والمشتغلين بالعمل السياسي، وقوبل من جانب البعض بالإشادة والاستحسان لجرأته في الطرح وانفتاحه على الآخر بغض النظر عن انتمائه، أما البعض الآخر فقد انتقد هذا المسلك واعتبر مؤسسيه خارجين على القانون وهو الموقف نفسه الذي انتهجته الحكومة إذ لم يرقها هذا التطور حيث تصدت له وأحالت مؤسسيه إلى المدعي العام بتهمة السعي لتغيير نظام الحكم.
وبحضوره الإعلامي اللافت، يهدف الحزب -حسب أوراق تأسيسه- إلى تشجيع التعددية والتداول السلمي للسلطة والسعي إلى تعديل الدستور بحيث يسمح صراحة بتشكيل الأحزاب، ويقدم الحزب طرحا جديدا ومتقدما لقضايا الحريات العامة ومجمل القضايا السياسية والتنموية، وأثار تأييد الحزب لحقوق المرأة السياسية ثائرة السلفيين إذ سرعان ما تبارت الأصوات الناقدة لهذا الموقف واتهامه بأنه لا يستند إلى دليل شرعي، مؤكدة الموقف التقليدي بأنه لا يجوز إعطاء المرأة المسلمة هذه الحقوق لما يترتب عليها من مفاسد عظيمة، وقد تناول أمين عام الحزب السابق حاكم المطيري العديد من هذه القضايا بالتفصيل في كتابه "الحرية أو الطوفان"، وهذا الكتاب يعد وثيقة مهمة لبيان مسار المآلات التي وصل إليها الفكر السلفي.
ومن التحديات التي تواجه الحركة السلفية أنها تيار نخبوي قبلي اعتمد في تشكيله على حملة الدكتوراه والمثقفين والخطباء والكتاب، فضلا عن أن مؤسسيها يمثلون القبائل، وليس للحركة وجود يذكر في المناطق الحضرية مما يحول دون انتشار فكرها واجتهاداتها الجديدة في أوساط المجتمع، ولعل هذا ما يفسر فشل أعضاء حزب الأمة في الفوز بأي مقعد في برلمان 2008 م أو إحراز أي مواقع سياسية متقدمة.
سلفية المداخلة
ترجع سلفية المداخلة أو ما يعرف بالجهمية في الكويت إلى أحد علماء نجران في جنوب السعودية الشيخ ربيع بن هادي المدخلي وهو أكاديمي في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وتشير المصادر إلى أن المدخلي تتلمذ على محمد بن أمان الجهمي والألباني وابن باز. وهذا الاتجاه معروف بشدته وحدته وانتقاده اللاذع في الرد على المخالفين له في الفكر والمنهج، وقد تغذى هذا التيار على وقع الخلافات والتباينات بين التيارات الإسلامية.
ولم يكن خلاف الشيخ المدخلي مع السلفيين المخالفين له في الرأي وحسب، بل كان خلافه الأكبر مع حركة الإخوان المسلمين، فهو شديد الانتقاد لكتاباتهم، وخاصة مؤلفات سيد قطب، وهو الأمر الذي أقام شبه قطيعة بين أتباع هذا التيار في الكويت وتيار الإخوان.
وأتباع هذا التيار ليسوا كثرة مؤثرة ولا يعلنون عن أنفسهم، والمصادر تشير إلى أنهم قلة محدودة تبرز في أوقات الأزمات والخلافات الفكرية، ويرفض هذا التيار إشهار الأحزاب والحركات السياسية لكونها في تقديرهم تشتت الأمة وتجرئ الشعوب على الحكام، وتسقط هيبة الحاكم.
ورغم أن هذا التيار يرفع شعار أن المتدين لا يركض وراء السياسة ولا يقيم وزنا للمشاركة في العملية السياسية فإنهم لا يمانعون من اختيار الرجل الصالح في الانتخابات بمعاييرهم، انطلاقا من أن هذا الرجل الذي يحكمون عليه بالصلاح يسعى لدرء مفسدة أو جلب مصلحة، ويعتمدون في مرجعيتهم الشرعية على كتب ابن باز وابن عثيمين وأحمد شاكر من علماء مصر وربيع المدخلي. ويتحفظ السلفيون المداخلة على مشاركة المرأة في العملية السياسية لكونها في نظرهم ولاية عامة، أما على صعيد موقفهم من الحاكم فيرون وجوب طاعته وعدم الخروج عليه حتى لو كان ظالما وأن مناصحته يجب أن تكون سرية.
تجمع ثوابت الأمة
محمد هايف المطيري الأمين العام لتجمع ثوابت الأمة
ظهر هذا التجمع ذي التوجه السلفي في أواخر عام 2003م ويتولى أمانته العامة النائب السابق محمد هايف المطيري منذ تأسيسه وحتى الآن، ويسعى التجمع إلى الدفاع عن ثوابت الأمة ومصالحها، والدعوة إلى التمسك بالكتاب والسنة وهدي سلف الأمة، والمطالبة بتحكيم وتطبيق الشريعة الإسلامية، وبيان الحق للأمة والدعوة إليه، والتحذير من الباطل والمنكر والنهي عنه، وتعظيم شعائر الله تعالى في نفوس الأمة والحض على التمسك بها، ومحاربة التغريب والغزو الفكري، وفضح الأفكار الهدامة والدخيلة على الأمة والتحذير منها، وإنكار الظواهر السلبية وبيان خطرها على الأمة والدعوة إلى الوسطية الحقيقية للإسلام ومحاربة التطرف والغلو وتفعيل القوانين الموجودة التي تخدم القضايا الإسلامية وتوافق الشريعة.
ويتخذ التجمع مواقف متشددة من حق المرأة في المشاركة السياسية إذ يرى أن جميع علماء الإسلام أفتوا بعدم جواز إعطاء هذا الحق للمرأة لأن المجال النيابي يعتبر ولاية عامة، وأن أي دعم لهذا الحق يعتبر من قبيل تغريب المرأة وطمس هويتها الإسلامية وتجاوز فتاوى العلماء وتشجيع العلمانية.
ولا يمتلك هذا التجمع قواعد جماهيرية مؤدلجة لها رؤية واضحة، وكل ما هنالك أن توجهاته تحظى بالقبول لدى قطاعات جماهيرية عريضة نظرا لغلبة القضايا ذات البعد الأخلاقي التي يتبناها، كالدعوة إلى تنقية البرامج الإذاعية والتلفزيونية من جميع البرامج التي يراها فاسدة ومحرمة، وتشدده في منع عرض الأفلام الأجنبية التي تروج للفاحشة والانحلال، وتصديه للحفلات الفنية واستضافة المطربات والمغنيات.
رجب الدمنهوري / 07-04-2009
يتميز المشهد السلفي الكويتي بالتنوعالمتابع للساحة الكويتية يجد أنها تمور بالعديد من الحركات والتجمعات الإسلامية على اختلاف مواقفها الفكرية والسياسية، وتباين رؤاها وأفكارها واجتهاداتها الشرعية، ويعد التيار السلفي بجميع مدارسه التقليدية والانفتاحية من أبرز هذه القوى بعد أن دشن ثقلا كبيرا وحضورا فاعلا في المشهد الإسلامي الكويتي اجتماعيا وسياسيا، مستفيدا من هامش الحرية الواسع نسبيا في الكويت، وتغاضي الحكومة عن تشكيل التيارات السياسية ونشاطاتها التي يحظرها القانون الكويتي.
بدايات التيار السلفي في الكويت تعود إلى أوائل القرن الرابع عشر الهجري وعشرينيات القرن الميلادي الماضي؛ حيث ظهر عدد من دعاة السلف وشيوخهم الذين نهلوا العلم الشرعي من علماء السعودية، وارتبطوا معهم بعلاقات وطيدة، ومنهم الشيخ عبد الله خلف الدحيان (1292 - 1349 هـ) والشيخ عبد العزيز الرشيد (1301 – 1327 هـ) والشيخ محمد بن سليمان الجراح (1322- 1417 هـ) والشيخ يوسف العيسى القناعي وغيرهم، وظلت دعوة هؤلاء مجرد جهود فردية إلى وقت طويل، كما تعد الحركة السلفية في الكويت امتدادا للفكر نفسه الذي حمل رايته في السعودية وأسسه الشيخ محمد بن عبد الوهاب (1703 - 1792 م).
وفي أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات قدم إلى الكويت السلفي البارز الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق، وإليه يرجع الفضل في انتشار الفكر السلفي والعمل على ترشيد انكفائيته وانغلاقه من خلال تأليف الكتب ودروس العلم والفتاوى وأشرطة الكاسيت، وعزز مسيرة التيار السلفي عودة الطلبة الكويتيين إلى بلدهم في أواخر السبعينيات بعد دراستهم العلم الشرعي السلفي على كبار العلماء في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، إذ مع رجوعهم ترعرع الفكر السلفي في ما يعرف بالمناطق الخارجية في الكويت؛ أي المناطق غير الحضرية وكثر رواده ومريدوه، وقد كان للخصائص البيئية المشتركة والثقافات المتقاربة لهذه المناطق مع البيئة السعودية عامل إضافي أشاع هذا الفكر ونشر أدبياته، بينما بقيت المناطق الداخلية "الحضر" إلى يومنا هذا لا تشكل ثقلا للتيار السلفي.
ومما شكل -أيضا- أساسا كبيرا في انخراط العديد من الكويتيين في النشاط الدعوي والخيري والإقبال على تعلم العلم الشرعي السلفي تركيز السلفيين في بداية النشأة على الدعوة للعقيدة الصافية ومحاربة "البدع والخرافات والشركيات" بعيدا عن السياسة ودهاليزها، في وقت كان الكويتيون يعزفون فيه عن المشاركة في التيارات والتجمعات السياسية أو الانتماء إليها.
القوى والتيارات السلفية
الاستعانة بالأجانب لتحرير الكويت أدى إلى شق الصف السلفي الخليجي
ولأن النوازل والكوارث والمصائب غالبا ما تلعب دورها في إعادة تقييم المناهج والفرز على أساس المواقف وإنتاج طروحات وأفكار جديدة، فقد أدت قضية الاستعانة بالقوات الأجنبية لتحرير الكويت عام 1991 م إلى شق الصف السلفي الخليجي وبروز آراء معارضة للنهج السلفي التقليدي، إذ انقسم سلفيو السعودية إلى تيارات عدة، تيار رأى عدم جواز الاستعانة بالقوات الأجنبية، ومن رموزه الشيخ سفر الحوالي والشيخ سلمان العودة والشيخ ناصر العمر والشيخ عائض القرني وآخرون، وتيار آخر أجاز الاستعانة، وكان على رأسه الشيخان عبد العزيز بن باز ومحمد بن عثيمين رحمهما الله، وظهر تيار ثالث تصدى لنظيره الأول بخطاب حاد ولغة مفرطة في النقد والهجوم على الآخرين وتزعمه الشيخ ربيع بن هادي المدخلي، وكانت هذه الانقسامات بمثابة الشرارة التي قادت إلى الانقلاب على الأفكار التقليدية ونقدها والتجرؤ على النظر في الموروث السلفي.
ولما كانت المتبنيات السلفية لأبناء شبه الجزيرة العربية مشتركة، فقد أدى طغيان تأثير البيئة السعودية على المنطقة وتداخل العائلات والقبائل الخليجية، إلى انتقال هذه الخلافات إلى الكويت، وهو الأمر الذي قاد إلى تشظي التيار السلفي إلى تيارات مختلفة في الفكر والرؤية، كما مثلت وفاة علماء التيار السلفي البارزين الشيخ بن باز والشيخ ناصر الدين الألباني والشيخ بن عثيمين عاملا كبيرا في تكريس الانقسامات والاختلافات في المنظومة السلفية الكويتية نظرا للدور الكبير الذي كان يقوم به هؤلاء في تجميع الشتات السلفي وتوحيد الآراء.
واختلف كثيرون حول ما إذا كانت الحالة السلفية في الكويت تعاني انشقاقا وانقساما أم مجرد تباينات في الرأي والاجتهاد والمنهج، لكن الواقع يؤكد أن هناك انقسامات حادة بلغت حد التجاذبات في وسائل الإعلام وتبادل الاتهامات، فقد وصف رموز في التيار السلفي المنشقين عنه بالخوارج والمرجئة والمروق عن منهج السلف، وهؤلاء الذين جددوا في طروحاتهم اتهموا التقليديين بالجمود والانغلاق والانسحابيين، وعلى أي حال فهناك تجمعات كثيرة متباينة الاجتهادات ترفع راية السلفية وتشكل معالمها ولكل منها تصوراته وآراؤه واجتهاداته.
السلفية الأم
طارق العيسى رئيس جمعية إحياء التراث
يعبر هذا التيار عن النسق السلفي التقليدي الذي يمارس نشاطه الدعوي والخيري من خلال جمعية إحياء التراث الإسلامي التي أسست عام 1981م كجمعية نفع عام، وتتمحور أهدافها وأنشطتها في الدعوة إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عله وسلم ومنهج السلف، والدعوة إلى عبادة الله وحده، والعمل على تعاون المسلمين على البر والتقوى، ونشر الخير والفضيلة، وإحياء التراث من خلال نشر كتب السلف، وتحذير المسلمين من البدع والمحدثات التي شوهت جمال الإسلام وحالت من دون تقدم المسلمين، وإنشاء المساجد والمؤسسات الصحية والتعليمية والمشاريع الخيرية والإنسانية في جميع أنحاء العالم عبر مجموعة من اللجان المتخصصة.
المهندس طارق العيسي رئيس الجمعية، ونائبه الدكتور وائل الحساوي والشيخ ناظم المسباح والشيخ خالد السلطان والشيخ أحمد الكوس من قيادات السلفية الذين لهم باع كبير في التنظير لمواقف الجمعية والدفاع عن أدبياتها ومنطلقاتها الفكرية، وترتبط الجمعية بعلماء السعودية ارتباطا وثيقا في مجال الفتوى وتنمية الوعي السلفي لدى أنصارها؛ إذ تستضيفهم في منتدياتها وأنشطتها ومحافلها.
ورغم بعض النداءات من داخل التيار السلفي نفسه والتيار الإسلامي بشكل عام التي تدعو إلى ضرورة أن تكون الفتوى في القضايا الشائكة والمحورية صادرة عن علماء الكويت لدرايتهم بالشأن المحلي وتفاصيله؛ فإن السلفية التراثية لم تلتفت لهذه المطالب، ومازالت ترجع إلى كتب ابن باز وابن عثيمين في بناء الثقافة الشرعية للمنتمين إليها، وإلى هيئة كبار العلماء في السعودية لاستفتائها في عظائم الأمور خاصة بعد إنكارها على الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق الذي كان بمثابة الأب الروحي لها ما قدمه من اجتهادات ورؤى متقدمة في مجموعة من الرسائل والكتب؛ إذ أصل لمشروعية العمل الجماعي في كتابيه "أصول العمل الجماعي" و"شيخ الإسلام بن تيمية والعمل الجماعي"، كما أصل الاشتغال بالعمل البرلماني والسياسي في كتبه "المسلمون والعمل السياسي" و"فصول من السياسة الشرعية في الدعوة إلى الله" و"الشورى في ظل نظام الحكم الإسلامي"، وقد رأى السلفيون أن الاجتهادات تخرج من مشكاة فكر الإخوان المسلمين ولهذا حكموا عليه بأنه سلفي العقيدة إخواني المنهج.
التجمع السلفي
خالد سلطان بن عيسى الأمين العام للتجمع السلفي
التجمع السلفي يتبع جمعية إحياء التراث، وتنفي الجمعية ارتباطها بالتجمع إعلاميا، حتى لا تقع تحت طائلة القانون الكويتي الذي يحظر على جمعيات النفع العام التدخل في السياسة أو المشاركة في الانتخابات، وقد أسسه السلفيون بعد تحرير الكويت في 1992 م ليكون الواجهة السياسية للجمعية، كما أن الحركة الدستورية الإسلامية الواجهة السياسية لجمعية الإصلاح الاجتماعي "الإخوان المسلمون"، ويتولى الأمانة العامة للتجمع رجل الأعمال الشهير والبرلماني السابق خالد سلطان بن عيسى منذ تأسيسه وحتى الآن، ومن أبرز قياداته وزير التجارة الحالي أحمد باقر والدكتور على العمير وعبد اللطيف العميري والدكتور محمد الكندري والناشط سالم الناشي.
وبهذا التطور لم يعد سلفيو الكويت يعتبرون السياسة رجسا من عمل الشيطان كما يذهب نظراؤهم في دول أخرى، فقد انخرطوا في مسالكها ودروبها الوعرة ودهاليزها المتعرجة غير مبالين بتحذيرات بعض علمائهم الذين قالوا: "من السياسة ترك السياسة"، وأصبح منهم الوزير والنائب في البرلمان والناشط السياسي والحقوقي والقيادي الطلابي.
ويسعى التجمع -كما تقول أوراق تأسيسه- إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في حياة الأمة بعيدا عن الإفراط والتفريط، وذلك من خلال النظام السياسي الذي ارتضاه مؤسسوه على قاعدة أن الشريعة منهاج رباني ودستور حياة وأنها سبيل العز والتمكين واستتباب الأمن والاستقرار للفرد والمجتمع ولا سبيل لتطبيقها إلا بالحكمة والموعظة الحسنة.
الحقيقة أن إنشاء هذا التجمع لم يكن نتاج تطور في فكر ورؤية التيار السلفي بقدر ما جاء استجابة لمتطلبات الواقع السياسي في ظل مسارعة كل القوى الإسلامية والليبرالية والوطنية لتشكيل تيارات وحركات سياسية بعد تحرير الكويت؛ خاصة أن مؤسسيه مازالوا يرون أن الأحزاب من المفاسد التي ترسخ الطائفية وتذكي نيران الصراع الطائفي والحزبي في المجتمعات.
وكبديل للأحزاب ينادي التجمع بإطلاق نظام معتدل ومتكامل يكون لمجلس الأمة الرأي فيه لمنح الثقة المسبقة لتكليف رئيس الوزراء واختيار أعضاء الحكومة، غير أنه لم يحدد ماهية هذا النظام ومحاوره وآليات تنفيذه واختصاصاته.
ورغم مشاركة السلفيين في الحياة السياسة وانتخابات مجلس الأمة عام 1981م وفوزهم بمقعدين ونجاحهم في إحراز مواقع متقدمة على مستوى السلطتين التشريعية والتنفيذية -وهذا يعتبر تطورا مبكرا في موقف السلفيين مقارنة بذات التوجه في دول أخرى- فإن كثيرا من الإشكاليات والقضايا مازالت عالقة ولم يحسمها التيار السلفي بالنظر إلى هذه خبرته البرلمانية والسياسية الكبيرة نسبيا.
ولا يرى السلفيون -بمشاركتهم في الحياة السياسية- أنهم قد استحدثوا شيئا جديدا، فهم يرون أن العمل السياسي وخاصة البرلماني بمثابة دعوة إلى الله، وسياج لحماية الدعوة ومنبر لسن التشريعات والقوانين الإسلامية ومحاسبة المسئولين، ورغم أن السلفيين التراثيين قد سبقوا جميع التجمعات السلفية في العالم وشاركوا في الحياة السياسية فإنهم اعتمدوا في مسيرتهم على مقولات غير محددة وفتاوى لكبار العلماء ولم ينتجوا رؤى وطروحات إصلاحية تعكس منهجيتهم في التغيير وعلاقتهم بالآخر.
ويركز السلفيون الذين خاضوا انتخابات 2005م و2008م ويستعدون لخوض انتخابات 2009م في طروحاتهم على منطلقات عامة تتمثل في المطالبة ببناء المواطن الصالح وتشكيل الحكومة وفق إفرازات انتخابات مجلس الأمة، وفيما يرى هؤلاء ضرورة معالجة العديد من القضايا المحلية من وجهة نظر شرعية لم يقدموا منهجا واضحا وبرنامجا تفصيليا لهذه القضايا المتمثلة في التعليم المميز والخدمات الصحية والبيئة الاستثمارية العادلة وتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة وخلق فرص عمل جديدة ومواجهة غلاء الأسعار وحلحلة القضية الإسكانية وتعزيز الأمن الوطني عبر تحكيم الشريعة وتبني برنامج واضح لإعداد أمن وطني متكامل.
ومع اتساع مساحة الديمقراطية التي تشهدها الكويت يصر السلفيون على اجتهاداتهم القائلة بوجوب طاعة الحاكم ومبدأ المناصحة السرية لولي الأمر، كما يتمسكون برؤاهم الرافضة لكل مظاهر الاحتجاج والتظاهر السلمي للتعبير عن الحقوق خشية إثارة الاضطرابات والفوضى، وهذه مواقف لم تعد تنسجم مع ضرورات العمل السياسي ومتطلباته التي تقوم على المكاشفة والشفافية، والتعاطي مع جميع القضايا بالوسائل السلمية والديمقراطية المنصوص عليها والمتعارف عليها.
ومازال الموقف السلفي من قضية المرأة كما هو لم يتغير، ففي الوقت الذي حصلت فيه المرأة الكويتية على حقوقها السياسية عام 2005م لم يتعاط السلفيون مع هذا التطور إلا من زاوية الاستفادة منه عبر حشد النساء للتصويت لمرشحيهم باعتبار ذلك أمرا واقعا، فهم ما زالوا يعتبرون مشاركة المرأة في المعترك السياسي ولاية عامة، ويكتفون فقط بالقول إنهم يؤيدون حقوق المرأة وفق الشريعة، وإن الشرع أعطى المرأة حقوقا لا مثيل لها بين الأمم قديما وحديثا وحث على صونها ورعايتها وحفظها من موبقات الاستغلال والظلم، ولكي يضفي السلفيون على طرحهم بخصوص المرأة مسحة من الواقعية راحوا يطالبون برعاية أولاد الكويتية المتزوجة من غير كويتي، وإعمال مبدأ تكافؤ الفرص في العمل والأجر للرجل والمرأة على السواء، وتوفير العلاوة الاجتماعية والسكنية للكويتية التي تتولى أمر أولادها في حالة وفاة الزوج أو إذا كانت متزوجة من غير كويتي، والإسراع في إجراءات التقاضي في قضايا الأحوال الشخصية.
وأمام التيار السلفي تحديات كثيرة أبرزها ضرورة التحول من الجهود الفردية المتناثرة إلى عمل منظم ومنهجي ومؤسسي له هياكله وأطره التنظيمية ولجانه النوعية، يمارس الشورى ويتجاوز الخطوط الحمراء المتمثلة في الهالات المقدسة التي يضفيها على شيوخه وطريقة تعامله مع التراث، وإلا ظلت جهوده مبعثرة ومفككة ومرشحة لمزيد من التصدع.
الأمر الثاني أنه يجب على التيار السلفي أن يقيم مراجعات نقدية لفكره بهدف الانفتاح على جميع التيارات في الساحة والانخراط في القضايا المصيرية للأمة وطرح القضايا التي تشغل هموم الناس، وإلا فسيظل أسير حالة التقوقع والانكفاء التي يعيشها.
الحركة السلفية
حاكم المطيري أمين عام الحركة السلفية
تأسست الحركة السلفية العلمية عام1996م على خلفية اختلاف علماء السلف بشأن الاستعانة بالقوات الأجنبية في تحرير الكويت وقد مثل ذلك نقطة تحول كبيرة على صعيد تجديد الفكر السلفي واختراق المحرمات السلفية التاريخية في مراجعة العلماء وانتقاد تصوراتهم ومناقشة الإشكالات العلمية الشرعية في الدعوة السلفية، وقد نجحت نخبة من الأكاديميين والمثقفين الذين خرجوا من معطف السلفية التراثية وعارضوا التدخل الأجنبي في المنطقة في قيادة هذا المسعى نحو توجيه المزاج السلفي لجهة الاهتمام بالقضايا الكبرى.
ومن أبرز مؤسسي الحركة التي حذف لاحقا من اسمها كلمة "العلمية" الدكتور حامد العلي أمينها العام السابق والدكتور عبد الرزاق الشايجي المتحدث السابق باسمها، وأمينها الحالي الدكتور حاكم المطيري وتركي الظفيري وبدر الشبيب والدكتور ساجد العبدلي، غير أن الحركة ما لبثت أن شهدت استقالة العديد من كوادرها بسبب الخلافات الداخلية وتباين التوجهات كالشيخ حامد العلي الذي تفرغ للعمل الدعوي والدكتور الشايجي الذي انشغل بأعماله الخاصة وكذلك الدكتور ساجد العبدلي وآخرين.
وتتنوع مواقف السلفيين التقليديين إزاء نظرائهم الجدد، فهناك فريق يخفف من حدة الانقسام فيقول إنها مجرد اجتهادات ضمن الإطار العام للفكر السلفي، ويذهب آخرون إلى أنهم خرجوا عن منهج السلف وارتموا في عباءة الإخوان المسلمين فكرا ومنهجا، ويرى تيار ثالث أن الحركة السلفية تتشابه في منطلقاتها مع منهج السروريين نسبة إلى محمد بن سرور السوري الأصل الذي جاء إلى السعودية وأسس منهجا يجمع بين الفكر الحركي الإخواني والأفكار السلفية، وحقيقة الأمر أن السلفيين العلميين مازالوا يكنون الاحترام لكبار علماء السلفية غير أنهم لا يجدون حرجا في نقد آرائهم ومخالفتهم خاصة في المسائل السياسية المتعلقة بإشهار الأحزاب والحريات وتداول السلطة ومعارضة الحاكم.
حزب الأمة
تأسس هذا الحزب في 2005م كذراع سياسية للحركة السلفية وهو أول حزب سياسي في الكويت ومنطقة الخليج، وقد جاء إشهاره بالمخالفة للقانون الكويتي خطوة مفاجئة للمراقبين والمشتغلين بالعمل السياسي، وقوبل من جانب البعض بالإشادة والاستحسان لجرأته في الطرح وانفتاحه على الآخر بغض النظر عن انتمائه، أما البعض الآخر فقد انتقد هذا المسلك واعتبر مؤسسيه خارجين على القانون وهو الموقف نفسه الذي انتهجته الحكومة إذ لم يرقها هذا التطور حيث تصدت له وأحالت مؤسسيه إلى المدعي العام بتهمة السعي لتغيير نظام الحكم.
وبحضوره الإعلامي اللافت، يهدف الحزب -حسب أوراق تأسيسه- إلى تشجيع التعددية والتداول السلمي للسلطة والسعي إلى تعديل الدستور بحيث يسمح صراحة بتشكيل الأحزاب، ويقدم الحزب طرحا جديدا ومتقدما لقضايا الحريات العامة ومجمل القضايا السياسية والتنموية، وأثار تأييد الحزب لحقوق المرأة السياسية ثائرة السلفيين إذ سرعان ما تبارت الأصوات الناقدة لهذا الموقف واتهامه بأنه لا يستند إلى دليل شرعي، مؤكدة الموقف التقليدي بأنه لا يجوز إعطاء المرأة المسلمة هذه الحقوق لما يترتب عليها من مفاسد عظيمة، وقد تناول أمين عام الحزب السابق حاكم المطيري العديد من هذه القضايا بالتفصيل في كتابه "الحرية أو الطوفان"، وهذا الكتاب يعد وثيقة مهمة لبيان مسار المآلات التي وصل إليها الفكر السلفي.
ومن التحديات التي تواجه الحركة السلفية أنها تيار نخبوي قبلي اعتمد في تشكيله على حملة الدكتوراه والمثقفين والخطباء والكتاب، فضلا عن أن مؤسسيها يمثلون القبائل، وليس للحركة وجود يذكر في المناطق الحضرية مما يحول دون انتشار فكرها واجتهاداتها الجديدة في أوساط المجتمع، ولعل هذا ما يفسر فشل أعضاء حزب الأمة في الفوز بأي مقعد في برلمان 2008 م أو إحراز أي مواقع سياسية متقدمة.
سلفية المداخلة
ترجع سلفية المداخلة أو ما يعرف بالجهمية في الكويت إلى أحد علماء نجران في جنوب السعودية الشيخ ربيع بن هادي المدخلي وهو أكاديمي في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وتشير المصادر إلى أن المدخلي تتلمذ على محمد بن أمان الجهمي والألباني وابن باز. وهذا الاتجاه معروف بشدته وحدته وانتقاده اللاذع في الرد على المخالفين له في الفكر والمنهج، وقد تغذى هذا التيار على وقع الخلافات والتباينات بين التيارات الإسلامية.
ولم يكن خلاف الشيخ المدخلي مع السلفيين المخالفين له في الرأي وحسب، بل كان خلافه الأكبر مع حركة الإخوان المسلمين، فهو شديد الانتقاد لكتاباتهم، وخاصة مؤلفات سيد قطب، وهو الأمر الذي أقام شبه قطيعة بين أتباع هذا التيار في الكويت وتيار الإخوان.
وأتباع هذا التيار ليسوا كثرة مؤثرة ولا يعلنون عن أنفسهم، والمصادر تشير إلى أنهم قلة محدودة تبرز في أوقات الأزمات والخلافات الفكرية، ويرفض هذا التيار إشهار الأحزاب والحركات السياسية لكونها في تقديرهم تشتت الأمة وتجرئ الشعوب على الحكام، وتسقط هيبة الحاكم.
ورغم أن هذا التيار يرفع شعار أن المتدين لا يركض وراء السياسة ولا يقيم وزنا للمشاركة في العملية السياسية فإنهم لا يمانعون من اختيار الرجل الصالح في الانتخابات بمعاييرهم، انطلاقا من أن هذا الرجل الذي يحكمون عليه بالصلاح يسعى لدرء مفسدة أو جلب مصلحة، ويعتمدون في مرجعيتهم الشرعية على كتب ابن باز وابن عثيمين وأحمد شاكر من علماء مصر وربيع المدخلي. ويتحفظ السلفيون المداخلة على مشاركة المرأة في العملية السياسية لكونها في نظرهم ولاية عامة، أما على صعيد موقفهم من الحاكم فيرون وجوب طاعته وعدم الخروج عليه حتى لو كان ظالما وأن مناصحته يجب أن تكون سرية.
تجمع ثوابت الأمة
محمد هايف المطيري الأمين العام لتجمع ثوابت الأمة
ظهر هذا التجمع ذي التوجه السلفي في أواخر عام 2003م ويتولى أمانته العامة النائب السابق محمد هايف المطيري منذ تأسيسه وحتى الآن، ويسعى التجمع إلى الدفاع عن ثوابت الأمة ومصالحها، والدعوة إلى التمسك بالكتاب والسنة وهدي سلف الأمة، والمطالبة بتحكيم وتطبيق الشريعة الإسلامية، وبيان الحق للأمة والدعوة إليه، والتحذير من الباطل والمنكر والنهي عنه، وتعظيم شعائر الله تعالى في نفوس الأمة والحض على التمسك بها، ومحاربة التغريب والغزو الفكري، وفضح الأفكار الهدامة والدخيلة على الأمة والتحذير منها، وإنكار الظواهر السلبية وبيان خطرها على الأمة والدعوة إلى الوسطية الحقيقية للإسلام ومحاربة التطرف والغلو وتفعيل القوانين الموجودة التي تخدم القضايا الإسلامية وتوافق الشريعة.
ويتخذ التجمع مواقف متشددة من حق المرأة في المشاركة السياسية إذ يرى أن جميع علماء الإسلام أفتوا بعدم جواز إعطاء هذا الحق للمرأة لأن المجال النيابي يعتبر ولاية عامة، وأن أي دعم لهذا الحق يعتبر من قبيل تغريب المرأة وطمس هويتها الإسلامية وتجاوز فتاوى العلماء وتشجيع العلمانية.
ولا يمتلك هذا التجمع قواعد جماهيرية مؤدلجة لها رؤية واضحة، وكل ما هنالك أن توجهاته تحظى بالقبول لدى قطاعات جماهيرية عريضة نظرا لغلبة القضايا ذات البعد الأخلاقي التي يتبناها، كالدعوة إلى تنقية البرامج الإذاعية والتلفزيونية من جميع البرامج التي يراها فاسدة ومحرمة، وتشدده في منع عرض الأفلام الأجنبية التي تروج للفاحشة والانحلال، وتصديه للحفلات الفنية واستضافة المطربات والمغنيات.
نعم.. أفتى شلتوت بجواز التعبد على المذهب الجعفري
نعم.. أفتى شلتوت بجواز التعبد على المذهب الجعفري
عصام تليمة / 13-04-2009
الشيخ محمود شلتوتقرأت ـ كما قرأ الكثير ـ تصريح شيخي الدكتور يوسف القرضاوي، حول فتوى الإمام الراحل الشيخ محمود شلتوت، عن جواز التعبد بالمذهب الجعفري الشيعي، وذلك ردا على سؤال صحفي إذا ما كان فضيلة الشيخ محمود شلتوت - رحمه الله - قد أصدر فتواه بجواز التعبد على المذاهب الإسلامية الثابتة والمعروفة والمتبعة، ومنها مذهب الشيعة الإمامية الجعفري"، فبادره الشيخ بالإجابة: "أنا أقول لك: هات لي الفتوى دي (هذه) في أي كتاب من كتبه.. أنا لم أر هذه الفتوى.. أي واحد منكم فليقول إني (أي السائل) شفتها في كتاب كذا أو مجلة كذا".
وأضاف: "أنا عايشت الشيخ شلتوت عدة سنوات، وكنت من أقرب الناس إليه، ما رأيته قال هذا.. أين كتبها؟ وفي أي كتاب من كتبه؟ أنا أخرجت كتب الشيخ شلتوت الأربعة الأساسية.. كتاب الإسلام عقيدة وشريعة، وكتاب فتاوى الشيخ شلتوت، والأجزاء العشرة الأولى في كتاب التفسير، وكتاب من توجيهات الإسلام، وكانت هذه ضائعة في الصحف والمجلات والإذاعة، فجمعت هذه الأشياء أنا وزميلي الأخ أحمد العسال".
ملاحظات وتأملات
طالع:
نص فتوى الشيخ شلتوت
ولي وقفات وملاحظات مع تصريح شيخنا القرضاوي حول نفيه وجود فتوى لشلتوت بجواز التعبد على المذهب الجعفري، بغض النظر عن موقفنا من فتوى شلتوت، فليس مقالي هنا نقاشا لرأي شلتوت صحة أو خطأ، بل مقالي لإثبات أو نفي صدور فتوى عن شلتوت بهذا القول.
أولا: لقد صدرت عن شلتوت فعلا فتوى بهذا الأمر، فالفتوى موجودة بنصها في مجلة (رسالة الإسلام) التي كانت تصدر عن دار التقريب بين المذاهب الإسلامية بالقاهرة، وقد جعلت عنوانها: (فتوى تاريخية)، ومهدت للفتوى بهذه الكلمة: (تفسح (كلمة التحرير) صدر هذا العدد للحديث التاريخي الخطير الشأن الذي أدلى به السيد صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ محمود شلتوت شيخ الجامع الأزهر، مد الله في عمره، وأدام نفع الأمة الإسلامية بعلمه وفضله وصالح سعيه).
وبعد بيان من الشيخ شلتوت حول منهج كلية الشريعة في جامعة الأزهر الجديد، جاءت فتواه بهذه الصيغة:
(قيل لفضيلته: إن بعض الناس يرى أنه يجب على المسلم لكي تقع عباداته ومعاملاته على وجه صحيح: أن يقلد أحد المذاهب الأربعة المعروفة، وليس من بينها مذهب الشيعة الإمامية، ولا الشيعة الزيدية، فهل توافقون فضيلتكم على هذا الرأي على إطلاقه؛ فتمنعون تقليد مذهب الشيعة الإمامية الاثنا عشرية مثلا؟
فأجاب فضيلته:
1 ـ إن الإسلام لا يوجب على أحد من أتباعه اتبّاع مذهب معين، بل نقول: إن لكل مسلم الحق في أن يقلد بادئ ذي بدء أي مذهب من المذاهب المنقولة نقلا صحيحاً، والمدونة أحكامها في كتبها الخاصة، ولمن قلد مذهباً من هذه المذاهب أن ينتقل إلى غيره ـ أي مذهب كان ـ ولا حرج عليه في شيء من ذلك.
2 ـ إن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الاثنا عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعا كسائر مذاهب أهل السنة.
فينبغي للمسلمين أن يعرفوا ذلك، وأن يتخلصوا من العصبية بغير الحق لمذاهب معينة، فما كان دين الله وما كانت شريعته بتابعة لمذهب، أو مقصورة على مذهب، فالكل مجتهدون مقبولون عند الله تعالى يجوز لمن ليس أهلا للنظر والاجتهاد تقليدهم، والعمل بما يقررونه في فقههم، ولا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات)[1 ] . انتهى نص كلام شلتوت.
وفي الحقيقة إن نص هذه الفتوى كان تصريحا من الشيخ شلتوت في البداية، وذلك بعد أن صرح شلتوت في بداية عام 1959م لجريدة (الحياة) بعزمه على التقريب بين المذاهب، والمباشرة بتدريس الفقه الشيعي في كلية الشريعة ضمن برامجها الجديده. مما جعل مندوب جريدة (الشعب) السيد محمود سليمة يسأل هذا السؤال وجيب شلتوت، وهو منا نقلته مجلة (رسالة الإسلام) بعنوان: فتوى تاريخية، وقامت مجلة (الأزهر) بنشره بعنوان: (بين السنة والشيعة) وقد نشرت الحوار كاملا.
ثانيا: من الواضح أن شلتوت كان مقتنعا بفتواه، ولم تكن مجرد فتوى خرجت وانتهى الأمر، فبعدها بفترة وجيزة نشرت مجلة (المجتمع العربي)[2 ] حوارا مطولا مع شلتوت، وقد أعادت مجلة (الأزهر) نشر الحوار بالكامل أيضا، وجاء فيه هذا السؤال: هل يعني تدريس مذهب الشيعة في الأزهر أنه جائز التطبيق، أم أنه يدرس لمجرد العلم والتحصيل وزيادة معارف رجل الدين؟
فأجاب شلتوت: لسنا حريصين على أن تكون دراستنا في الأزهر لمجرد العلم والتحصيل، إنما نحن ندرس للاستيعاب والفهم، ثم التطبيق والعمل بكل ما يمكن العمل به، وفقه الشيعة مأخوذ ببعض أحكامه في كثير من القانون عندنا، وكثير من علمائنا عمل ببعض أحكام العبادات عندهم، ونحن إنما نرجع إلى الكتاب والسنة، فمتى لم يخالف الرأي أصلا من الأصول الإسلامية الصحيحة، ولم يتعارض مع نص شرعي، فلا بأس من تطبيقه، والأخذ به، وذك هو التقريب المنشود، والتيسير المرجو.[3 ]
ولم تقف ردود الأفعال حول فتوى شلتوت عند هذ الحد، بل تفاعل معها تأييدا ونقدا، عدد من العلماء والمشايخ، فممن أيدوا: الدكتور محمد البهي الذي كتب ـ مؤيدا لتوجه الفتوى وشلتوت ـ مقالا بعنوان: (مع المذاهب الإسلامية)[4] ، وفي نفس العدد كتب الأستاذ محمود الشرقاوي مقالا بعنوان: (الأزهر ومذاهب الفقه الإسلامي)[5 ].
أما مجلة رسالة الإسلام، فقد كتب في العدد التالي للفتوى العدد الشيخ محمد تقي القمي السكرتير العام لجماعة التقريب مقالا بعنوان: (قصة التقريب)، يشيد بالفتوى، وبجهود شلتوت في التقريب[6] ، وتلاه في نفس العدد الشيخ محمد محمد المدني رئيس تحرير مجلة (رسالة الإسلام) وعميد كلية الشريعة بجامعة الأزهر، بمقال بعنوان: (رجة البعث في كلية الشريعة) يؤيد فيه فتوى شلتوت، ويسهب في الرد على المخالفين للفتوى[7] ، وفي نفس العدد نشر الشيخ محمد الغزالي مقالا بعنوان: (على أوائل الطريق) [8 ] وقد ناقش المخالفين لفتوى شلتوت، ودافع عن الفتوى، بطريقة الحوار الساخر المعهودة من الشيخ الغزالي رحمه الله.
على أن هذه الفتوى لم تنل إجماعا من الأزهريين كما ذكرت، بل لم تنل أغلبية كذلك، إنما نالت موافقة أعضاء جماعة التقريب، باستثناء من كان في الجماعة وخرج، كالشيخ عبد اللطيف السبكي رئيس لجنة الفتوى وشيخ الحنابلة بالأزهر، الذي كتب مقالا شديد اللهجة في التقريب بين السنة والشيعة، وبأنه وهم لا حقيقة له، وأنه من طرف واحد السنة فقط[9] ، وذلك قبل صدور فتوى شلتوت بسنوات، وكتب معه مهاجما الفكرة، الشيخ محمد عرفة، والأستاذ محب الدين الخطيب.[10 ]
هناك في النفي
ثالثا: على أني أتفهم نفي القرضاوي والعسال للفتوى، وأنها ليست في تراث شلتوت، وهما أخبر الناس بتراثه، فقد قاما بجمعه، وتبويبه، وإخراجه، فهما مصيبان في أن الفتوى ليست في تراث شلتوت المجموع في كتبه الأربعة: الإسلام عقيدة وشريعة ـ الفتاوى ـ التفسير ـ من توجيهات الإسلام.
وعلة أنهما لم يجدا الفتوى في الكتب السابقة لشلتوت، وهي تمثل كتبه الرئيسة: أن كتب شلتوت طبعت قبل صدور هذه الفتوى، فبالتتبع لكتب شلتوت وتاريخ الطبع، نجدها كلها نشرت أو جمعت وأعدت للطبع قبل صدور فتواه موضوع المقال، فكتاب (الإسلام عقيدة وشريعة) صدر في شهر نوفمبر سنة 1959م، ويتضح ذلك من حوار دار بين شلتوت وطه حسين بحضور مستشرق، وقد أهداه شلتوت نسخة، وقال له: من حسن الحظ أنكم تزوروني اليوم وقد انتهت المطبعة من طبع كتابي (الإسلام عقيدة وشريعة)[11] ، أما كتاب (الفتاوى) فقد طبع إما معه في نفس الشهر، أو في شهر ديسمبر، فقد كتب الدكتور محمد البهي تعريفا بالكتاب في مجلة الأزهر، في عدد شهر يناير سنة 1960م[12 ] . ومعنى هذا أن الكتاب صدر في شهر ديسمبر 1959م. أما كتاب (من توجيهات الإسلام) فقد صدر أيضا في نهاية عام 1959م.
أما تفسير شلتوت فلم يصدره الأزهر كما أصدر كتب شلتوت الثلاث، وذلك بسبب نفاد الرصيد المالي في الإدارة العامة للثقافة الإسلامية بالأزهر لعام 1959م، فطبعته دار القلم والتي صارت دار الشروق فيما بعد، وصدرت الطبعة الأولى منه مطلع سنة 1960م، ومعنى هذا أن كل كتب شلتوت التي قام القرضاوي والعسال بجمعها، جمعت قبل صدور الفتوى أيضا.
هل جمع كل تراث شلتوت؟
رابعا: كما أن تراث شلتوت لم يجمع جمعا كاملا، رغم محاولة الأزهر متمثلة في تكليف القرضاوي والعسال بجمع ما أنتجه شلتوت من مقالات وبحوث في كتب، وهو أيضا ما يبرر ما صرح به الشيخ القرضاوي، فالقرضاوي والعسال كلاهما سافر إلى قطر، في مطلع الستينيات من القرن الماضي، وقد صدرت كل كتب شلتوت بين عامي: 1959م، و1960م، وسافر القرضاوي إلى قطر عام 1961م، وسافر العسال قبله بعام (1960م)[13 ] ، بينما توفي شلتوت في ديسمبر 1963م، وفي هذه الفترة كانت هناك بحوث ومقالات وتصريحات مهمة جدا لشلتوت ولم تجمع بعد، وقد قابلت كثيرا من المقالات والمقابلات والفتاوى المهمة لشلتوت لم أرها فيما جمع من كتب، كما أن جمع القرضاوي والعسال لم يكن متقصيا لكل تراث الرجل، فقد جمعوه من مظانه، ومع ذلك فاتهم بعض الشيء مما نشر، ومن بين هؤلاء مقالات لشلتوت في مجلات وجرائد الإخوان المسلمين، وفي المجلات المستأجرة للإخوان كالمباحث القضائية التي كتب فيها شلتوت عدة مقالات.
هذه وقفات مع تصريح شيخنا القرضاوي، وتأكيد شيخنا العسال له، أردت أن أضع هذه الحقائق أمامهما، بغض النظر عن موافقتنا أو مخالفتنا للعلامة شلتوت في فتواه، وبغض النظر عن موقف العلماء والقراء من فتوى شلتوت تأييدا أو مخالفة، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
--------------------------------------------------------------------------------
باحث شرعي مصري مقيم في قطر، يمكنك التواصل معه على البريد الإليكتروني: Essamt74@hotmail.com
[1]انظر: مجلة (رسالة الإسلام) الفصلية، العدد الثالث من السنة الحادية عشرة الصادر في محرم 1379هـ ـ يوليو 1959م. ص: 228،227.
[2]انظر: مجلة المجتمع العربي العدد الثاني والثلاثون الصادر في شهر أغسطس 1959م.
[3]انظر: مجلة الأزهر العدد الثالث المجلد الحادي والثلاثون الصادر في ربيع الأول 1379هـ ـ سبتمبر 1959م. ص: 362.
[4]انظر: مجلة الأزهر العدد الثاني من المجلد الحادي والثلاثين، الصادر في غرة صفر سنة 1972هـ ـ أغسطس سنة 1959م ص:137-141.
[5]انظر: المصدر السابق ص: 142-146.
[6]انظر: مجلة رسالة الإسلام العدد الرابع من السنة الحادية عشرة الصادر في جمادى الأولى 1379هـ ـ سبتمبر 1959م ص: 348-359.
[7]انظر: مجلة رسالة الإسلام العدد الرابع من السنة الحادية عشرة الصادر في جمادى الأولى 1379هـ ـ سبتمبر 1959م ص: 373-388. ومجلة (الأزهر) العدد السادس من المجلد الحادي والثلاثين الصادر في جمادى الآخرة 1379هـ ـ ديسمبر 1959م. ص: 526-536.
[8]انظر: مجلة رسالة الإسلام العدد الرابع من السنة الحادية عشرة الصادر في جمادى الأولى 1379هـ ـ سبتمبر 1959م ص: 412-416
[9]انظر: مقال (طوائف بهائية وكباشية ثم جماعة التقريب) للشيخ عبد اللطيف السبكي، المنشور في مجلة (الأزهر) في العدد الثالث من السنة الرابعة والعشرين، الصادر في ربيع الأول 1372هـ ـ 19 من نوفمبر 1952م.
[10]كتب محب الدين الخطيب عدة مقالات في مجلة الأزهر، يهاجم فكرة التقريب بين السنة والشيعة، بل وله كتاب (الخطوط العريضة) فيه نقاش لأفكار الشيعة ومعتقداتهم.
[11]انظر: مجلة الأزهر العددان الرابع والخامس من المجلد الحادي والثلاثين الصادر في جمادى الأولى 1379هـ ـ نوفمبر 1959م ص: 496.
[12]انظر: مجلة الأزهر العدد السابع من المجلد الحادي والثلاثين الصادر في رجب 1379هـ ـ يناير 1960م ص: 756-759.
[13]انظر: مذكرات القرضاوي (ابن القرية و الكتاب) (2/317).
عصام تليمة / 13-04-2009
الشيخ محمود شلتوتقرأت ـ كما قرأ الكثير ـ تصريح شيخي الدكتور يوسف القرضاوي، حول فتوى الإمام الراحل الشيخ محمود شلتوت، عن جواز التعبد بالمذهب الجعفري الشيعي، وذلك ردا على سؤال صحفي إذا ما كان فضيلة الشيخ محمود شلتوت - رحمه الله - قد أصدر فتواه بجواز التعبد على المذاهب الإسلامية الثابتة والمعروفة والمتبعة، ومنها مذهب الشيعة الإمامية الجعفري"، فبادره الشيخ بالإجابة: "أنا أقول لك: هات لي الفتوى دي (هذه) في أي كتاب من كتبه.. أنا لم أر هذه الفتوى.. أي واحد منكم فليقول إني (أي السائل) شفتها في كتاب كذا أو مجلة كذا".
وأضاف: "أنا عايشت الشيخ شلتوت عدة سنوات، وكنت من أقرب الناس إليه، ما رأيته قال هذا.. أين كتبها؟ وفي أي كتاب من كتبه؟ أنا أخرجت كتب الشيخ شلتوت الأربعة الأساسية.. كتاب الإسلام عقيدة وشريعة، وكتاب فتاوى الشيخ شلتوت، والأجزاء العشرة الأولى في كتاب التفسير، وكتاب من توجيهات الإسلام، وكانت هذه ضائعة في الصحف والمجلات والإذاعة، فجمعت هذه الأشياء أنا وزميلي الأخ أحمد العسال".
ملاحظات وتأملات
طالع:
نص فتوى الشيخ شلتوت
ولي وقفات وملاحظات مع تصريح شيخنا القرضاوي حول نفيه وجود فتوى لشلتوت بجواز التعبد على المذهب الجعفري، بغض النظر عن موقفنا من فتوى شلتوت، فليس مقالي هنا نقاشا لرأي شلتوت صحة أو خطأ، بل مقالي لإثبات أو نفي صدور فتوى عن شلتوت بهذا القول.
أولا: لقد صدرت عن شلتوت فعلا فتوى بهذا الأمر، فالفتوى موجودة بنصها في مجلة (رسالة الإسلام) التي كانت تصدر عن دار التقريب بين المذاهب الإسلامية بالقاهرة، وقد جعلت عنوانها: (فتوى تاريخية)، ومهدت للفتوى بهذه الكلمة: (تفسح (كلمة التحرير) صدر هذا العدد للحديث التاريخي الخطير الشأن الذي أدلى به السيد صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ محمود شلتوت شيخ الجامع الأزهر، مد الله في عمره، وأدام نفع الأمة الإسلامية بعلمه وفضله وصالح سعيه).
وبعد بيان من الشيخ شلتوت حول منهج كلية الشريعة في جامعة الأزهر الجديد، جاءت فتواه بهذه الصيغة:
(قيل لفضيلته: إن بعض الناس يرى أنه يجب على المسلم لكي تقع عباداته ومعاملاته على وجه صحيح: أن يقلد أحد المذاهب الأربعة المعروفة، وليس من بينها مذهب الشيعة الإمامية، ولا الشيعة الزيدية، فهل توافقون فضيلتكم على هذا الرأي على إطلاقه؛ فتمنعون تقليد مذهب الشيعة الإمامية الاثنا عشرية مثلا؟
فأجاب فضيلته:
1 ـ إن الإسلام لا يوجب على أحد من أتباعه اتبّاع مذهب معين، بل نقول: إن لكل مسلم الحق في أن يقلد بادئ ذي بدء أي مذهب من المذاهب المنقولة نقلا صحيحاً، والمدونة أحكامها في كتبها الخاصة، ولمن قلد مذهباً من هذه المذاهب أن ينتقل إلى غيره ـ أي مذهب كان ـ ولا حرج عليه في شيء من ذلك.
2 ـ إن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الاثنا عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعا كسائر مذاهب أهل السنة.
فينبغي للمسلمين أن يعرفوا ذلك، وأن يتخلصوا من العصبية بغير الحق لمذاهب معينة، فما كان دين الله وما كانت شريعته بتابعة لمذهب، أو مقصورة على مذهب، فالكل مجتهدون مقبولون عند الله تعالى يجوز لمن ليس أهلا للنظر والاجتهاد تقليدهم، والعمل بما يقررونه في فقههم، ولا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات)[1 ] . انتهى نص كلام شلتوت.
وفي الحقيقة إن نص هذه الفتوى كان تصريحا من الشيخ شلتوت في البداية، وذلك بعد أن صرح شلتوت في بداية عام 1959م لجريدة (الحياة) بعزمه على التقريب بين المذاهب، والمباشرة بتدريس الفقه الشيعي في كلية الشريعة ضمن برامجها الجديده. مما جعل مندوب جريدة (الشعب) السيد محمود سليمة يسأل هذا السؤال وجيب شلتوت، وهو منا نقلته مجلة (رسالة الإسلام) بعنوان: فتوى تاريخية، وقامت مجلة (الأزهر) بنشره بعنوان: (بين السنة والشيعة) وقد نشرت الحوار كاملا.
ثانيا: من الواضح أن شلتوت كان مقتنعا بفتواه، ولم تكن مجرد فتوى خرجت وانتهى الأمر، فبعدها بفترة وجيزة نشرت مجلة (المجتمع العربي)[2 ] حوارا مطولا مع شلتوت، وقد أعادت مجلة (الأزهر) نشر الحوار بالكامل أيضا، وجاء فيه هذا السؤال: هل يعني تدريس مذهب الشيعة في الأزهر أنه جائز التطبيق، أم أنه يدرس لمجرد العلم والتحصيل وزيادة معارف رجل الدين؟
فأجاب شلتوت: لسنا حريصين على أن تكون دراستنا في الأزهر لمجرد العلم والتحصيل، إنما نحن ندرس للاستيعاب والفهم، ثم التطبيق والعمل بكل ما يمكن العمل به، وفقه الشيعة مأخوذ ببعض أحكامه في كثير من القانون عندنا، وكثير من علمائنا عمل ببعض أحكام العبادات عندهم، ونحن إنما نرجع إلى الكتاب والسنة، فمتى لم يخالف الرأي أصلا من الأصول الإسلامية الصحيحة، ولم يتعارض مع نص شرعي، فلا بأس من تطبيقه، والأخذ به، وذك هو التقريب المنشود، والتيسير المرجو.[3 ]
ولم تقف ردود الأفعال حول فتوى شلتوت عند هذ الحد، بل تفاعل معها تأييدا ونقدا، عدد من العلماء والمشايخ، فممن أيدوا: الدكتور محمد البهي الذي كتب ـ مؤيدا لتوجه الفتوى وشلتوت ـ مقالا بعنوان: (مع المذاهب الإسلامية)[4] ، وفي نفس العدد كتب الأستاذ محمود الشرقاوي مقالا بعنوان: (الأزهر ومذاهب الفقه الإسلامي)[5 ].
أما مجلة رسالة الإسلام، فقد كتب في العدد التالي للفتوى العدد الشيخ محمد تقي القمي السكرتير العام لجماعة التقريب مقالا بعنوان: (قصة التقريب)، يشيد بالفتوى، وبجهود شلتوت في التقريب[6] ، وتلاه في نفس العدد الشيخ محمد محمد المدني رئيس تحرير مجلة (رسالة الإسلام) وعميد كلية الشريعة بجامعة الأزهر، بمقال بعنوان: (رجة البعث في كلية الشريعة) يؤيد فيه فتوى شلتوت، ويسهب في الرد على المخالفين للفتوى[7] ، وفي نفس العدد نشر الشيخ محمد الغزالي مقالا بعنوان: (على أوائل الطريق) [8 ] وقد ناقش المخالفين لفتوى شلتوت، ودافع عن الفتوى، بطريقة الحوار الساخر المعهودة من الشيخ الغزالي رحمه الله.
على أن هذه الفتوى لم تنل إجماعا من الأزهريين كما ذكرت، بل لم تنل أغلبية كذلك، إنما نالت موافقة أعضاء جماعة التقريب، باستثناء من كان في الجماعة وخرج، كالشيخ عبد اللطيف السبكي رئيس لجنة الفتوى وشيخ الحنابلة بالأزهر، الذي كتب مقالا شديد اللهجة في التقريب بين السنة والشيعة، وبأنه وهم لا حقيقة له، وأنه من طرف واحد السنة فقط[9] ، وذلك قبل صدور فتوى شلتوت بسنوات، وكتب معه مهاجما الفكرة، الشيخ محمد عرفة، والأستاذ محب الدين الخطيب.[10 ]
هناك في النفي
ثالثا: على أني أتفهم نفي القرضاوي والعسال للفتوى، وأنها ليست في تراث شلتوت، وهما أخبر الناس بتراثه، فقد قاما بجمعه، وتبويبه، وإخراجه، فهما مصيبان في أن الفتوى ليست في تراث شلتوت المجموع في كتبه الأربعة: الإسلام عقيدة وشريعة ـ الفتاوى ـ التفسير ـ من توجيهات الإسلام.
وعلة أنهما لم يجدا الفتوى في الكتب السابقة لشلتوت، وهي تمثل كتبه الرئيسة: أن كتب شلتوت طبعت قبل صدور هذه الفتوى، فبالتتبع لكتب شلتوت وتاريخ الطبع، نجدها كلها نشرت أو جمعت وأعدت للطبع قبل صدور فتواه موضوع المقال، فكتاب (الإسلام عقيدة وشريعة) صدر في شهر نوفمبر سنة 1959م، ويتضح ذلك من حوار دار بين شلتوت وطه حسين بحضور مستشرق، وقد أهداه شلتوت نسخة، وقال له: من حسن الحظ أنكم تزوروني اليوم وقد انتهت المطبعة من طبع كتابي (الإسلام عقيدة وشريعة)[11] ، أما كتاب (الفتاوى) فقد طبع إما معه في نفس الشهر، أو في شهر ديسمبر، فقد كتب الدكتور محمد البهي تعريفا بالكتاب في مجلة الأزهر، في عدد شهر يناير سنة 1960م[12 ] . ومعنى هذا أن الكتاب صدر في شهر ديسمبر 1959م. أما كتاب (من توجيهات الإسلام) فقد صدر أيضا في نهاية عام 1959م.
أما تفسير شلتوت فلم يصدره الأزهر كما أصدر كتب شلتوت الثلاث، وذلك بسبب نفاد الرصيد المالي في الإدارة العامة للثقافة الإسلامية بالأزهر لعام 1959م، فطبعته دار القلم والتي صارت دار الشروق فيما بعد، وصدرت الطبعة الأولى منه مطلع سنة 1960م، ومعنى هذا أن كل كتب شلتوت التي قام القرضاوي والعسال بجمعها، جمعت قبل صدور الفتوى أيضا.
هل جمع كل تراث شلتوت؟
رابعا: كما أن تراث شلتوت لم يجمع جمعا كاملا، رغم محاولة الأزهر متمثلة في تكليف القرضاوي والعسال بجمع ما أنتجه شلتوت من مقالات وبحوث في كتب، وهو أيضا ما يبرر ما صرح به الشيخ القرضاوي، فالقرضاوي والعسال كلاهما سافر إلى قطر، في مطلع الستينيات من القرن الماضي، وقد صدرت كل كتب شلتوت بين عامي: 1959م، و1960م، وسافر القرضاوي إلى قطر عام 1961م، وسافر العسال قبله بعام (1960م)[13 ] ، بينما توفي شلتوت في ديسمبر 1963م، وفي هذه الفترة كانت هناك بحوث ومقالات وتصريحات مهمة جدا لشلتوت ولم تجمع بعد، وقد قابلت كثيرا من المقالات والمقابلات والفتاوى المهمة لشلتوت لم أرها فيما جمع من كتب، كما أن جمع القرضاوي والعسال لم يكن متقصيا لكل تراث الرجل، فقد جمعوه من مظانه، ومع ذلك فاتهم بعض الشيء مما نشر، ومن بين هؤلاء مقالات لشلتوت في مجلات وجرائد الإخوان المسلمين، وفي المجلات المستأجرة للإخوان كالمباحث القضائية التي كتب فيها شلتوت عدة مقالات.
هذه وقفات مع تصريح شيخنا القرضاوي، وتأكيد شيخنا العسال له، أردت أن أضع هذه الحقائق أمامهما، بغض النظر عن موافقتنا أو مخالفتنا للعلامة شلتوت في فتواه، وبغض النظر عن موقف العلماء والقراء من فتوى شلتوت تأييدا أو مخالفة، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
--------------------------------------------------------------------------------
باحث شرعي مصري مقيم في قطر، يمكنك التواصل معه على البريد الإليكتروني: Essamt74@hotmail.com
[1]انظر: مجلة (رسالة الإسلام) الفصلية، العدد الثالث من السنة الحادية عشرة الصادر في محرم 1379هـ ـ يوليو 1959م. ص: 228،227.
[2]انظر: مجلة المجتمع العربي العدد الثاني والثلاثون الصادر في شهر أغسطس 1959م.
[3]انظر: مجلة الأزهر العدد الثالث المجلد الحادي والثلاثون الصادر في ربيع الأول 1379هـ ـ سبتمبر 1959م. ص: 362.
[4]انظر: مجلة الأزهر العدد الثاني من المجلد الحادي والثلاثين، الصادر في غرة صفر سنة 1972هـ ـ أغسطس سنة 1959م ص:137-141.
[5]انظر: المصدر السابق ص: 142-146.
[6]انظر: مجلة رسالة الإسلام العدد الرابع من السنة الحادية عشرة الصادر في جمادى الأولى 1379هـ ـ سبتمبر 1959م ص: 348-359.
[7]انظر: مجلة رسالة الإسلام العدد الرابع من السنة الحادية عشرة الصادر في جمادى الأولى 1379هـ ـ سبتمبر 1959م ص: 373-388. ومجلة (الأزهر) العدد السادس من المجلد الحادي والثلاثين الصادر في جمادى الآخرة 1379هـ ـ ديسمبر 1959م. ص: 526-536.
[8]انظر: مجلة رسالة الإسلام العدد الرابع من السنة الحادية عشرة الصادر في جمادى الأولى 1379هـ ـ سبتمبر 1959م ص: 412-416
[9]انظر: مقال (طوائف بهائية وكباشية ثم جماعة التقريب) للشيخ عبد اللطيف السبكي، المنشور في مجلة (الأزهر) في العدد الثالث من السنة الرابعة والعشرين، الصادر في ربيع الأول 1372هـ ـ 19 من نوفمبر 1952م.
[10]كتب محب الدين الخطيب عدة مقالات في مجلة الأزهر، يهاجم فكرة التقريب بين السنة والشيعة، بل وله كتاب (الخطوط العريضة) فيه نقاش لأفكار الشيعة ومعتقداتهم.
[11]انظر: مجلة الأزهر العددان الرابع والخامس من المجلد الحادي والثلاثين الصادر في جمادى الأولى 1379هـ ـ نوفمبر 1959م ص: 496.
[12]انظر: مجلة الأزهر العدد السابع من المجلد الحادي والثلاثين الصادر في رجب 1379هـ ـ يناير 1960م ص: 756-759.
[13]انظر: مذكرات القرضاوي (ابن القرية و الكتاب) (2/317).
الصوفية في الكويت.. نبتة في بيئة سلفية
الصوفية في الكويت.. نبتة في بيئة سلفية
رجب الدمنهوري / 14-04-2009
يوسف الرفاعي الأب الروحي للصوفية بالكويت قد يبدو غريبا على البعض القول بأن الكويت -شأنها شأن الكثير من الدول العربية والإسلامية- تحتضن إلى جانب التيارات الإسلامية الإخوانية والسلفية والشيعية والتبليغ والدعوة، تيارا صوفيا له زعماؤه الروحيين وأتباعه ومريدوه وأفكاره وطقوسه ودواوينه التي يقام فيها حلقات الذكر والإنشاد، كما يحيي أنصاره المناسبات الإسلامية على طريقتهم ويزورون القبور بل ويمارسون جميع شعائرهم في حرية تامة.
ووجه الدهشة التي قد تثار في هذا الصدد، أنه كيف استطاع الفكر الصوفي اختراق الكويت، وهى إحدى مناطق شبه الجزيرة العربية التي يطغى عليها التوجه السلفي، والمحصن أبناؤها بفكر علماء السلف ضد أي فكر دخيل؟ وكيف غزت الطرق الصوفية الكويت، والسلفيون يقفون لها بالمرصاد مشرعين أسلحتهم ومجيشين سيوفهم البتارة -سياسيا وبرلمانيا وفكريا– في مواجهة كل فكر يعتبرونه وافدا على بلادهم أو محاولا الولوج إليها للتبشير بمعتقداته وأفكاره؟ ومن هنا تأتي أهمية المحاولة لسبر أغوار الحركة الصوفية في الكويت ورسم معالمها.
رموز المتصوفة
الوزير الأسبق يوسف السيد هاشم الرفاعي المولود في الكويت سنة 1932م يعتبر الأب الروحي للصوفيين، وأحد المنظرين لأفكارهم والمدافعين عن معتقداتهم في مواجهة الانتقادات الموجهة إليهم عبر مختلف وسائل الإعلام، والرفاعي شخصية ذات حيثية معروفة في المجتمع يدافع عن منهجه بإيمان ويقين، وقد انتخب عضوا في مجلس الأمة سنة 1963م، وعين وزيرا للبريد والبرق والمواصلات سنة 1964م، ثم عين وزيرا للدولة لشئون مجلس الوزراء ورئيسا للمجلس البلدي ورئيسا لمجلس التخطيط من سنة 1965- 1970م، وبعد أن ترك الوزارة انتخب عضوا في البرلمان مرة ثانية 1970 – 1974م.
وهو من مؤسسي مجلة البلاغ ذات التوجه الإسلامي، وأحد مؤسسي المعهد الديني لتدريس العلوم الشرعية واللغة العربية في منطقة المنقف، وللرفاعي جهود واضحة خارج الكويت؛ فقد تولى عضوية المكتب التنفيذي لمؤتمر العالم الإسلامي، ثم أصبح نائب رئيس المؤتمر حتى نهاية 1992م، ورأس لجنة الأقليات في مؤتمر العالم الإسلامي في باكستان، وله دور كبير في تأسيس الجمعية الكويتية لمساعدة مسلمي بنجلاديش والاتحاد العالمي الإسلامي للدعوة والإعلام في لاهور مع عدد من الشخصيات الإسلامية.
وينتمي يوسف الرفاعي إلى طريقة الشيخ أحمد الرفاعي، العراقي المولد والنشأة، وهي الطريقة التي أدخلت الصوفية إلى الكويت حسب بعض المصادر، ويستضيف في ديوانه حلقتين أسبوعيا، يلتقي فيها أتباعه لتلاوة الأوراد والأذكار وممارسة التقاليد الصوفية، والرفاعي كان أحد الناشطين في جمعية الإرشاد التي تأسست 1952م ثم تحولت بعد ذلك إلى جمعية الإصلاح الاجتماعي عام 1963م "الإخوان المسلمون"، ثم انتقل إلى جماعة الدعوة والتبليغ، وانتهى به المقام إلى الحركة الصوفية التي تعتبر كتاب إحياء علوم الدين القانون الأهم للتصوف.
والصوفية في الكويت -والتي يعدها البعض سورية المنبع– لها أتباع في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية جامعة الكويت ووزارة الأوقاف، لكنهم لا يعلنون عن أنفسهم خشية استهدافهم من جانب التيار السلفي والإنكار عليهم من عموم المجتمع، ومن أبرز الرموز المحسوبة على الفكر الصوفي الدكتور محمد عبد الغفار الشريف الأمين العام للأمانة العامة للأوقاف وعميد كلية الشريعة سابقا، والدكتور يوسف الشراح، والشيخ حمد سنان، والدكتور عبد الله المعتوق وزير الأوقاف السابق الذي كان ضحية التجاذب السلفي – الصوفي إذ تعرض إلى حملة انتقادات حادة من جانب البرلمانيين السلفيين بذريعة أن وزارته كانت تستضيف أقطاب الصوفية في العالم الإسلامي لإلقاء محاضرات ودروس في الكويت، في الوقت الذي تمنع فيه كتب علماء السلف كابن باز وابن عثيمين من معرض الكتاب الإسلامي، ولم تتوقف هذه الحملة إلا بعد الإطاحة بالمعتوق من الوزارة.
تجديد الفكر الصوفي
عبد الله نجيب سالم الباحث في الموسوعة الفقهية الكويتية والمولود بمدينة حلب السورية، والمقيم في الكويت يعد من رموز الصوفية الفاعلين أيضا، وهو إلى جانب دفاعه عن الفكر الصوفي، واعتباره أن70 % من أمة الإسلام متصوفة، وأن أصحاب الطرق الصوفية من كبار أئمة الإسلام علما ومسلكا، فإنه صاحب رؤية نقدية للعديد من ممارسات الصوفيين، ومن دعاة تجديد الفكر الصوفي، إذ يرى أن الطرق الصوفية وصلت إلى مرحلة الشيخوخة، وأن مناهجها التربوية ارتبطت ببيئة نشأتها، وأن توريث مشيختها من أسوأ التقاليد التي قد تعجل بانقراضها، ولا ينكر أن هناك انحرافات دخلت على الطرق الصوفية غير أنها في رأيه لا تعتبر أساس التصوف، كما يرى أن هذه الطرق أصبحت قوالب جامدة، وإذا كانت قد نجحت في زمنها، فإن جمودها على هذه الحالة سيؤثر سلبا على مستقبلها، وكان برنامج المدائح النبوية في خير البرية الذي قدمه سالم عبر إذاعة القرآن الكريم قد أثار جدلا واسعا، خاصة في ظل اتهام الصوفيين بالسعي إلى اختراق هذه الإذاعة والسيطرة عليها.
طقوس صوفية
ويحتفل الصوفيون بمناسبات المولد النبوي الشريف وذكرى الإسراء والمعراج والنصف من شعبان وذكرى معركة بدر بالطريقة التي يحتفل بها نظراؤهم حول العالم من تلاوة أوراد وإقامة حفلات الأكل والمشروبات، كما لهم مجالس ذكر وإنشاد، منها حلقة بني حميل التي بدأت عام 1975م حيث كانت تعقد في أحد المنازل في منطقة شرق بالكويت العاصمة ثم انتقلت بعد ذلك إلى محافظة حولي (إحدى المحافظات الست الكويتية) حيث كانت تعقد في مدرسة بيت المقدس ثم انتقلت إلى منطقة خيطان في عام 1991م، وروادها يجتمعون في ليلة الجمعة انطلاقا من أن هذه الليلة لها خصوصية لديهم وأنها ليلة تجلٍّ، ويشارك فيها المصريون الصوفيون، وهناك أيضا حلقة ذكر تقام في منطقة تسمي الحساوي منذ 1996م، ويحضرها السوريون والكويتيون الرفاعيون وينتمي بعض المشاركين في هذه الحلقات إلى طرق مختلفة كالشاذلية والبيومية والرفاعية والخلوتية والنقشبندية، وتتألف حلقة الذكر من 100 - 120 ذاكرا.
حلقة ذكر صوفية
ولا يعرف على وجه الدقة أعداد الصوفيين الكويتيين، فهم يرون أنفسهم كثرة، وأن طريقتهم لديها أتباع ومريدون عديدون، ويتواجدون بشكل لافت في محافظة الجهراء، إلا أن خصومهم -من السلفيين تحديدا- يقولون إنهم قلة محدودة، وإن خطورتهم لا تكمن في كثرتهم أو قلتهم، بل في ترويج البدع والأساطير والكرامات الخارقة المصادمة للمعتقدات الإسلامية الصحيحة التي وردت في الكتاب والسنة، وهناك من يقول إن مساحة التصوف في الكويت تراجعت بعد ظهور النفط وطغيان الجانب المادي، فيما يرى آخرون أن الوفرة المادية لم تحقق للكثيرين السعادة فبدأ بعضهم يتخذ من الصوفية وأورادها ملاذا لاستشعار الأمن النفسي والروحي، كما لا يعرف أيضا عدد الطرق الصوفية في الكويت، وإن أشارت المصادر إلى وجود مختلف الطرق المنتشرة في العديد من البلاد العربية والإسلامية.
وتعزو المصادر انتشار الفكر الصوفي في الكويت إلى عوامل عدة منها اتساع مساحة الحرية التي تتمتع بها الكويت وتعيين أئمة ومؤذنين من مختلف البلاد العربية في المساجد التابعة لوزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، وبعضهم ينتمون إلى الصوفية ويعكسون أفكارها في خطبهم ودروسهم، كما أن الفضائيات ووسائل الإعلام تلعب دورا كبيرا في هذا الشأن لاسيما في ظل حرص بعض المتصوفة على استخدام هذه المنابر في البيان والتوجيه، يضاف إلى ذلك حرص الصوفيين على عدم الخوض في السياسة.
بيادر السلام
وكما هو حال العديد من التيارات الإسلامية في الكويت في السعي إلى إنشاء الجمعيات الخيرية والمؤسسات التعليمية والتربوية، فقد أسس المتصوفة جمعية بيادر السلام النسائية سنة 1981م وقد أنشئت هذه الجمعية بدعم من الشيخ يوسف الرفاعي في الأوساط النسائية، وتشرف على عدد من المؤسسات التربوية ومنها مدرسة القطوف الخاصة، وحضانة السلام، وحضانة دار الفرح، ورأست مجلس إدارة الجمعية دلال عبد الله العثمان، وتربط بعض الروايات بين الجمعية والطريقة النقشبندية في سوريا، كما تنشط الجمعية في مناصرة القضايا الإسلامية وإقامة الأسواق الخيرية لصالح المنكوبين هنا وهناك وتنظيم المسابقات في حفظ القرآن الكريم.
الكرامات والخوارق
ويغالي صوفيو الكويت في طقوسهم، إذ يعتبرون أنفسهم أصحاب كرامات ومواقف خارقة للعادة، ويؤرخون لها بأنها ظهرت في عهد خلفاء شيخ طريقتهم أحمد الرفاعي عندما احتل التتار العاصمة العراقية بغداد، وأخذوا يرمون المسلمين في النار ويقتلونهم بالسيوف، فتصدي لهم أنصاره، وأبطلوا سلاحهم عن طريق مسك النار وضرب السلاح، وهو الأمر الذي جعل بعض التتار -حسب الرواية الصوفية- يعتنقون الإسلام، كما يسوق الصوفيون في أدبياتهم روايات كثيرة يحاجون بها خصومهم ويتحدونهم أن يأتوا بمثلها، وتتجلى إحداها في أن شيخ الطريقة الرفاعية بسوريا تحدى وفدا روسيا، وطلب من أحد أعضاء الوفد أن يسدد رمية رصاص إلى قلبه، مشترطا عليهم أنه في حالة إذا لم يصب بأذى فليدخل الوفد في الإسلام، كما يستدلون أيضا على كراماتهم بأن السفارة الروسية في مصر عانت إبان حكم الرئيس عبد الناصر من وجود حية فشل في إخراجها الدفاع المدني، وعندما أتوا بأحد الفلاحين المنتمين إلى الطريقة الرفاعية نجح في إخراجها، ويبرر الصوفيون مثل هذه المواقف بأن الله يجري هذه القدرة على يد من يشاء من عباده.
المتصوفة والشيعة
زعيم المتصوفة في الكويت يوسف الرفاعي يؤمن بأنه شيعي على طريقته إذ يقول: "أنا شيعي وفق مفهومي الخاص.. لكنني سني العقيدة شافعي المذهب"، لذلك يعتبر متصوفة الكويت أقرب أهل السنة إلى الشيعة لما يعلنونه في طقوسهم وأنشطتهم من حب آل البيت، ومن ثم فالعلاقة بين الجانبين تبدو حميمية.
وقد تطورت هذه العلاقة في الآونة الأخيرة إلى الإعلان عن تأسيس مركز للحوار السني الشيعي بهدف نزع فتيل الاحتقان بين السنة والشيعة والبحث عن القواسم المشتركة بين الجانبين، ويحظى المركز برعاية الرابطة العلمية العالمية للأنساب الهاشمية بالسعودية، ودعم عدد من الشخصيات الكويتية المحسوبة على المتصوفة، ومنهم يوسف الرفاعي والدكتور يوسف الشراح والشيخ حمد سنان، ومن الجانب الشيعي عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور أحمد حسين والداعية مصطفى الزلزلة، ويسعى المركز إلى تنظيم مؤتمر بالكويت لمناقشة قضايا الحوار السني الشيعي ومحاولة إزالة أسباب الخلاف، تمهيدا لتعميم هذا النشاط على كل الدول التي تضم سنة وشيعة.
وللرفاعي جهود في مجال التقريب بين السنة والشيعة، إذ سبق له أن طالب الشيخ الراحل حسن الشيرازي والشيخ حسن الصفار بضرورة الاتفاق على أن يقوم السنة بإدانة كل من يسيء إلى أهل البيت ويناصبهم العداء في مقابل أن يُدين الشيعة كل من يتهجم على أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة رضي الله عنهم، ولا يرى الرفاعي مانعا من الذهاب إلى المجالس الحسينية للاحتفال بذكرى رحيل أئمة الشيعة، غير أنه يفضل الاحتفال على طريقته الخاصة مع أنصاره عبر ختمة القرآن الكريم وإهدائها إلى روح الإمام وأهل بيته من شهداء كربلاء.
المتصوفة والسلف
إذا كانت التجاذبات بين التيارات الإسلامية بصفة عامة أمرا واقعا لا يمكن إنكاره لاختلاف الرؤى والاجتهادات، فإنها في حالة اشتباك السلفيين مع الصوفية ذات خصوصية، والسؤال البدهي في هذا السياق: كيف يمكن للصوفيين أن يروجوا أفكارهم في مجتمع يرى معظم سكانه أنها طقوس بدعية وشركية وعبثية ومخالفة للكتاب والسنة؟ ومنذ ظهور متصوفة الكويت والمعارك والمساجلات بينهم وبين أئمة وشيوخ وكتاب الفكر السلفي لم تهدأ، فقد كتب الأب الروحي للتيار السلفي في الكويت مجموعة من المؤلفات التي تناولت العديد من الجوانب في الفكر الصوفي ومنها: "فضائح الصوفية" و"الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة" و"الاحتفال بالمولد النبوي" و"الحقيقة الصوفية" و"ابن عربي صاحب كتاب فصوص الحكم.. إمام من أئمة الكفر والضلال" و"بين شيخ الإسلام بن تيمية وابن عربي".
هذه المؤلفات استخلص منها الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق القول بأن التصوف "أعظم فتنة ابتلي بها المسلمون قديما وحديثا، فقد تلبست للمسلمين برداء الطهر والعفة والزهد والإخلاص، وأبطنت كل أنواع الكفر والمروق والزندقة، وحملت كل الفلسفات الباطلة ومبادئ الإلحاد والزندقة.. فأدخلتها إلى عقائد الإسلام وتراث المسلمين على حين غفلة منهم، فأفسدوا العقول والعقائد.. ونشروا الخرافات والدجل والشعوذة، ودمروا الأخلاق.." إلى غير ذلك من الانتقادات الموثقة بالأدلة والبراهين سواء من أقوال أقطاب المتصوفة ومن ممارساتهم أو من مقولات أئمة السلف، وفضلا عن ذلك دخل عبد الخالق وغيره من شيوخ السلف في حوارات ومناظرات تليفزيونية وصحفية واتهموا الصوفيين بالغلو في الأنبياء وأولياء الله الصالحين والعمل على نشر البدع العقائدية والأخلاقية والأساطير والخرافات، وفي كل مرة ينتهي الحوار باتساع الهوة بين الجانبين واستحالة التلاقي.
ويدافع المتصوفة عن طرقهم بأنها أسهمت في نشر الإسلام في إفريقيا وأن الجيوش الإسلامية لم تصل إلى نيجيريا وكينيا وأوغندا وإنما الذي نشر الإسلام في هذه الدول هي الطرق الصوفية، كما أن التصوف منهج سلام وعدالة، يركز على تحبيب غير المسلم في أخلاق المسلمين ولا يحث على استخدام أسلحة القوة والتكفير والتفسيق، متهمين السلفيين بأنهم يبحثون في الدفاتر القديمة، وأن وحدة الوجود (أي وحدة الخالق والمخلوق) التي تكلم عنها ابن عربي والتي كثيرا ما يستشهد بها السلفيون قد أخذها من فلاسفة اليونان والحديث عنها نوع من الترف العقلي، وأن التصوف في رأيهم مدرستان؛ الأولى مدرسة سلوكية إيمانية ملتزمة بالكتاب والسنة كالطريقة الشاذلية والرفاعية وغيرهما، والثانية مدرسة فلسفية كابن عربي وابن سبعين، وأن المدرسة السلوكية تتبرأ من فكرة وحدة الوجود، مستدلين بأن أحمد الرفاعي يقول إنه يكفر من يقول بوحدة الوجود إذا قصد به أن الخالق من جنس المخلوق.
--------------------------------------------------------------------------------
صحفي وباحث مصري مقيم بالكويت
رجب الدمنهوري / 14-04-2009
يوسف الرفاعي الأب الروحي للصوفية بالكويت قد يبدو غريبا على البعض القول بأن الكويت -شأنها شأن الكثير من الدول العربية والإسلامية- تحتضن إلى جانب التيارات الإسلامية الإخوانية والسلفية والشيعية والتبليغ والدعوة، تيارا صوفيا له زعماؤه الروحيين وأتباعه ومريدوه وأفكاره وطقوسه ودواوينه التي يقام فيها حلقات الذكر والإنشاد، كما يحيي أنصاره المناسبات الإسلامية على طريقتهم ويزورون القبور بل ويمارسون جميع شعائرهم في حرية تامة.
ووجه الدهشة التي قد تثار في هذا الصدد، أنه كيف استطاع الفكر الصوفي اختراق الكويت، وهى إحدى مناطق شبه الجزيرة العربية التي يطغى عليها التوجه السلفي، والمحصن أبناؤها بفكر علماء السلف ضد أي فكر دخيل؟ وكيف غزت الطرق الصوفية الكويت، والسلفيون يقفون لها بالمرصاد مشرعين أسلحتهم ومجيشين سيوفهم البتارة -سياسيا وبرلمانيا وفكريا– في مواجهة كل فكر يعتبرونه وافدا على بلادهم أو محاولا الولوج إليها للتبشير بمعتقداته وأفكاره؟ ومن هنا تأتي أهمية المحاولة لسبر أغوار الحركة الصوفية في الكويت ورسم معالمها.
رموز المتصوفة
الوزير الأسبق يوسف السيد هاشم الرفاعي المولود في الكويت سنة 1932م يعتبر الأب الروحي للصوفيين، وأحد المنظرين لأفكارهم والمدافعين عن معتقداتهم في مواجهة الانتقادات الموجهة إليهم عبر مختلف وسائل الإعلام، والرفاعي شخصية ذات حيثية معروفة في المجتمع يدافع عن منهجه بإيمان ويقين، وقد انتخب عضوا في مجلس الأمة سنة 1963م، وعين وزيرا للبريد والبرق والمواصلات سنة 1964م، ثم عين وزيرا للدولة لشئون مجلس الوزراء ورئيسا للمجلس البلدي ورئيسا لمجلس التخطيط من سنة 1965- 1970م، وبعد أن ترك الوزارة انتخب عضوا في البرلمان مرة ثانية 1970 – 1974م.
وهو من مؤسسي مجلة البلاغ ذات التوجه الإسلامي، وأحد مؤسسي المعهد الديني لتدريس العلوم الشرعية واللغة العربية في منطقة المنقف، وللرفاعي جهود واضحة خارج الكويت؛ فقد تولى عضوية المكتب التنفيذي لمؤتمر العالم الإسلامي، ثم أصبح نائب رئيس المؤتمر حتى نهاية 1992م، ورأس لجنة الأقليات في مؤتمر العالم الإسلامي في باكستان، وله دور كبير في تأسيس الجمعية الكويتية لمساعدة مسلمي بنجلاديش والاتحاد العالمي الإسلامي للدعوة والإعلام في لاهور مع عدد من الشخصيات الإسلامية.
وينتمي يوسف الرفاعي إلى طريقة الشيخ أحمد الرفاعي، العراقي المولد والنشأة، وهي الطريقة التي أدخلت الصوفية إلى الكويت حسب بعض المصادر، ويستضيف في ديوانه حلقتين أسبوعيا، يلتقي فيها أتباعه لتلاوة الأوراد والأذكار وممارسة التقاليد الصوفية، والرفاعي كان أحد الناشطين في جمعية الإرشاد التي تأسست 1952م ثم تحولت بعد ذلك إلى جمعية الإصلاح الاجتماعي عام 1963م "الإخوان المسلمون"، ثم انتقل إلى جماعة الدعوة والتبليغ، وانتهى به المقام إلى الحركة الصوفية التي تعتبر كتاب إحياء علوم الدين القانون الأهم للتصوف.
والصوفية في الكويت -والتي يعدها البعض سورية المنبع– لها أتباع في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية جامعة الكويت ووزارة الأوقاف، لكنهم لا يعلنون عن أنفسهم خشية استهدافهم من جانب التيار السلفي والإنكار عليهم من عموم المجتمع، ومن أبرز الرموز المحسوبة على الفكر الصوفي الدكتور محمد عبد الغفار الشريف الأمين العام للأمانة العامة للأوقاف وعميد كلية الشريعة سابقا، والدكتور يوسف الشراح، والشيخ حمد سنان، والدكتور عبد الله المعتوق وزير الأوقاف السابق الذي كان ضحية التجاذب السلفي – الصوفي إذ تعرض إلى حملة انتقادات حادة من جانب البرلمانيين السلفيين بذريعة أن وزارته كانت تستضيف أقطاب الصوفية في العالم الإسلامي لإلقاء محاضرات ودروس في الكويت، في الوقت الذي تمنع فيه كتب علماء السلف كابن باز وابن عثيمين من معرض الكتاب الإسلامي، ولم تتوقف هذه الحملة إلا بعد الإطاحة بالمعتوق من الوزارة.
تجديد الفكر الصوفي
عبد الله نجيب سالم الباحث في الموسوعة الفقهية الكويتية والمولود بمدينة حلب السورية، والمقيم في الكويت يعد من رموز الصوفية الفاعلين أيضا، وهو إلى جانب دفاعه عن الفكر الصوفي، واعتباره أن70 % من أمة الإسلام متصوفة، وأن أصحاب الطرق الصوفية من كبار أئمة الإسلام علما ومسلكا، فإنه صاحب رؤية نقدية للعديد من ممارسات الصوفيين، ومن دعاة تجديد الفكر الصوفي، إذ يرى أن الطرق الصوفية وصلت إلى مرحلة الشيخوخة، وأن مناهجها التربوية ارتبطت ببيئة نشأتها، وأن توريث مشيختها من أسوأ التقاليد التي قد تعجل بانقراضها، ولا ينكر أن هناك انحرافات دخلت على الطرق الصوفية غير أنها في رأيه لا تعتبر أساس التصوف، كما يرى أن هذه الطرق أصبحت قوالب جامدة، وإذا كانت قد نجحت في زمنها، فإن جمودها على هذه الحالة سيؤثر سلبا على مستقبلها، وكان برنامج المدائح النبوية في خير البرية الذي قدمه سالم عبر إذاعة القرآن الكريم قد أثار جدلا واسعا، خاصة في ظل اتهام الصوفيين بالسعي إلى اختراق هذه الإذاعة والسيطرة عليها.
طقوس صوفية
ويحتفل الصوفيون بمناسبات المولد النبوي الشريف وذكرى الإسراء والمعراج والنصف من شعبان وذكرى معركة بدر بالطريقة التي يحتفل بها نظراؤهم حول العالم من تلاوة أوراد وإقامة حفلات الأكل والمشروبات، كما لهم مجالس ذكر وإنشاد، منها حلقة بني حميل التي بدأت عام 1975م حيث كانت تعقد في أحد المنازل في منطقة شرق بالكويت العاصمة ثم انتقلت بعد ذلك إلى محافظة حولي (إحدى المحافظات الست الكويتية) حيث كانت تعقد في مدرسة بيت المقدس ثم انتقلت إلى منطقة خيطان في عام 1991م، وروادها يجتمعون في ليلة الجمعة انطلاقا من أن هذه الليلة لها خصوصية لديهم وأنها ليلة تجلٍّ، ويشارك فيها المصريون الصوفيون، وهناك أيضا حلقة ذكر تقام في منطقة تسمي الحساوي منذ 1996م، ويحضرها السوريون والكويتيون الرفاعيون وينتمي بعض المشاركين في هذه الحلقات إلى طرق مختلفة كالشاذلية والبيومية والرفاعية والخلوتية والنقشبندية، وتتألف حلقة الذكر من 100 - 120 ذاكرا.
حلقة ذكر صوفية
ولا يعرف على وجه الدقة أعداد الصوفيين الكويتيين، فهم يرون أنفسهم كثرة، وأن طريقتهم لديها أتباع ومريدون عديدون، ويتواجدون بشكل لافت في محافظة الجهراء، إلا أن خصومهم -من السلفيين تحديدا- يقولون إنهم قلة محدودة، وإن خطورتهم لا تكمن في كثرتهم أو قلتهم، بل في ترويج البدع والأساطير والكرامات الخارقة المصادمة للمعتقدات الإسلامية الصحيحة التي وردت في الكتاب والسنة، وهناك من يقول إن مساحة التصوف في الكويت تراجعت بعد ظهور النفط وطغيان الجانب المادي، فيما يرى آخرون أن الوفرة المادية لم تحقق للكثيرين السعادة فبدأ بعضهم يتخذ من الصوفية وأورادها ملاذا لاستشعار الأمن النفسي والروحي، كما لا يعرف أيضا عدد الطرق الصوفية في الكويت، وإن أشارت المصادر إلى وجود مختلف الطرق المنتشرة في العديد من البلاد العربية والإسلامية.
وتعزو المصادر انتشار الفكر الصوفي في الكويت إلى عوامل عدة منها اتساع مساحة الحرية التي تتمتع بها الكويت وتعيين أئمة ومؤذنين من مختلف البلاد العربية في المساجد التابعة لوزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، وبعضهم ينتمون إلى الصوفية ويعكسون أفكارها في خطبهم ودروسهم، كما أن الفضائيات ووسائل الإعلام تلعب دورا كبيرا في هذا الشأن لاسيما في ظل حرص بعض المتصوفة على استخدام هذه المنابر في البيان والتوجيه، يضاف إلى ذلك حرص الصوفيين على عدم الخوض في السياسة.
بيادر السلام
وكما هو حال العديد من التيارات الإسلامية في الكويت في السعي إلى إنشاء الجمعيات الخيرية والمؤسسات التعليمية والتربوية، فقد أسس المتصوفة جمعية بيادر السلام النسائية سنة 1981م وقد أنشئت هذه الجمعية بدعم من الشيخ يوسف الرفاعي في الأوساط النسائية، وتشرف على عدد من المؤسسات التربوية ومنها مدرسة القطوف الخاصة، وحضانة السلام، وحضانة دار الفرح، ورأست مجلس إدارة الجمعية دلال عبد الله العثمان، وتربط بعض الروايات بين الجمعية والطريقة النقشبندية في سوريا، كما تنشط الجمعية في مناصرة القضايا الإسلامية وإقامة الأسواق الخيرية لصالح المنكوبين هنا وهناك وتنظيم المسابقات في حفظ القرآن الكريم.
الكرامات والخوارق
ويغالي صوفيو الكويت في طقوسهم، إذ يعتبرون أنفسهم أصحاب كرامات ومواقف خارقة للعادة، ويؤرخون لها بأنها ظهرت في عهد خلفاء شيخ طريقتهم أحمد الرفاعي عندما احتل التتار العاصمة العراقية بغداد، وأخذوا يرمون المسلمين في النار ويقتلونهم بالسيوف، فتصدي لهم أنصاره، وأبطلوا سلاحهم عن طريق مسك النار وضرب السلاح، وهو الأمر الذي جعل بعض التتار -حسب الرواية الصوفية- يعتنقون الإسلام، كما يسوق الصوفيون في أدبياتهم روايات كثيرة يحاجون بها خصومهم ويتحدونهم أن يأتوا بمثلها، وتتجلى إحداها في أن شيخ الطريقة الرفاعية بسوريا تحدى وفدا روسيا، وطلب من أحد أعضاء الوفد أن يسدد رمية رصاص إلى قلبه، مشترطا عليهم أنه في حالة إذا لم يصب بأذى فليدخل الوفد في الإسلام، كما يستدلون أيضا على كراماتهم بأن السفارة الروسية في مصر عانت إبان حكم الرئيس عبد الناصر من وجود حية فشل في إخراجها الدفاع المدني، وعندما أتوا بأحد الفلاحين المنتمين إلى الطريقة الرفاعية نجح في إخراجها، ويبرر الصوفيون مثل هذه المواقف بأن الله يجري هذه القدرة على يد من يشاء من عباده.
المتصوفة والشيعة
زعيم المتصوفة في الكويت يوسف الرفاعي يؤمن بأنه شيعي على طريقته إذ يقول: "أنا شيعي وفق مفهومي الخاص.. لكنني سني العقيدة شافعي المذهب"، لذلك يعتبر متصوفة الكويت أقرب أهل السنة إلى الشيعة لما يعلنونه في طقوسهم وأنشطتهم من حب آل البيت، ومن ثم فالعلاقة بين الجانبين تبدو حميمية.
وقد تطورت هذه العلاقة في الآونة الأخيرة إلى الإعلان عن تأسيس مركز للحوار السني الشيعي بهدف نزع فتيل الاحتقان بين السنة والشيعة والبحث عن القواسم المشتركة بين الجانبين، ويحظى المركز برعاية الرابطة العلمية العالمية للأنساب الهاشمية بالسعودية، ودعم عدد من الشخصيات الكويتية المحسوبة على المتصوفة، ومنهم يوسف الرفاعي والدكتور يوسف الشراح والشيخ حمد سنان، ومن الجانب الشيعي عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور أحمد حسين والداعية مصطفى الزلزلة، ويسعى المركز إلى تنظيم مؤتمر بالكويت لمناقشة قضايا الحوار السني الشيعي ومحاولة إزالة أسباب الخلاف، تمهيدا لتعميم هذا النشاط على كل الدول التي تضم سنة وشيعة.
وللرفاعي جهود في مجال التقريب بين السنة والشيعة، إذ سبق له أن طالب الشيخ الراحل حسن الشيرازي والشيخ حسن الصفار بضرورة الاتفاق على أن يقوم السنة بإدانة كل من يسيء إلى أهل البيت ويناصبهم العداء في مقابل أن يُدين الشيعة كل من يتهجم على أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة رضي الله عنهم، ولا يرى الرفاعي مانعا من الذهاب إلى المجالس الحسينية للاحتفال بذكرى رحيل أئمة الشيعة، غير أنه يفضل الاحتفال على طريقته الخاصة مع أنصاره عبر ختمة القرآن الكريم وإهدائها إلى روح الإمام وأهل بيته من شهداء كربلاء.
المتصوفة والسلف
إذا كانت التجاذبات بين التيارات الإسلامية بصفة عامة أمرا واقعا لا يمكن إنكاره لاختلاف الرؤى والاجتهادات، فإنها في حالة اشتباك السلفيين مع الصوفية ذات خصوصية، والسؤال البدهي في هذا السياق: كيف يمكن للصوفيين أن يروجوا أفكارهم في مجتمع يرى معظم سكانه أنها طقوس بدعية وشركية وعبثية ومخالفة للكتاب والسنة؟ ومنذ ظهور متصوفة الكويت والمعارك والمساجلات بينهم وبين أئمة وشيوخ وكتاب الفكر السلفي لم تهدأ، فقد كتب الأب الروحي للتيار السلفي في الكويت مجموعة من المؤلفات التي تناولت العديد من الجوانب في الفكر الصوفي ومنها: "فضائح الصوفية" و"الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة" و"الاحتفال بالمولد النبوي" و"الحقيقة الصوفية" و"ابن عربي صاحب كتاب فصوص الحكم.. إمام من أئمة الكفر والضلال" و"بين شيخ الإسلام بن تيمية وابن عربي".
هذه المؤلفات استخلص منها الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق القول بأن التصوف "أعظم فتنة ابتلي بها المسلمون قديما وحديثا، فقد تلبست للمسلمين برداء الطهر والعفة والزهد والإخلاص، وأبطنت كل أنواع الكفر والمروق والزندقة، وحملت كل الفلسفات الباطلة ومبادئ الإلحاد والزندقة.. فأدخلتها إلى عقائد الإسلام وتراث المسلمين على حين غفلة منهم، فأفسدوا العقول والعقائد.. ونشروا الخرافات والدجل والشعوذة، ودمروا الأخلاق.." إلى غير ذلك من الانتقادات الموثقة بالأدلة والبراهين سواء من أقوال أقطاب المتصوفة ومن ممارساتهم أو من مقولات أئمة السلف، وفضلا عن ذلك دخل عبد الخالق وغيره من شيوخ السلف في حوارات ومناظرات تليفزيونية وصحفية واتهموا الصوفيين بالغلو في الأنبياء وأولياء الله الصالحين والعمل على نشر البدع العقائدية والأخلاقية والأساطير والخرافات، وفي كل مرة ينتهي الحوار باتساع الهوة بين الجانبين واستحالة التلاقي.
ويدافع المتصوفة عن طرقهم بأنها أسهمت في نشر الإسلام في إفريقيا وأن الجيوش الإسلامية لم تصل إلى نيجيريا وكينيا وأوغندا وإنما الذي نشر الإسلام في هذه الدول هي الطرق الصوفية، كما أن التصوف منهج سلام وعدالة، يركز على تحبيب غير المسلم في أخلاق المسلمين ولا يحث على استخدام أسلحة القوة والتكفير والتفسيق، متهمين السلفيين بأنهم يبحثون في الدفاتر القديمة، وأن وحدة الوجود (أي وحدة الخالق والمخلوق) التي تكلم عنها ابن عربي والتي كثيرا ما يستشهد بها السلفيون قد أخذها من فلاسفة اليونان والحديث عنها نوع من الترف العقلي، وأن التصوف في رأيهم مدرستان؛ الأولى مدرسة سلوكية إيمانية ملتزمة بالكتاب والسنة كالطريقة الشاذلية والرفاعية وغيرهما، والثانية مدرسة فلسفية كابن عربي وابن سبعين، وأن المدرسة السلوكية تتبرأ من فكرة وحدة الوجود، مستدلين بأن أحمد الرفاعي يقول إنه يكفر من يقول بوحدة الوجود إذا قصد به أن الخالق من جنس المخلوق.
--------------------------------------------------------------------------------
صحفي وباحث مصري مقيم بالكويت
التيارات الشيعية الكويتية..التشكلات والمسارات
التيارات الشيعية الكويتية..التشكلات والمسارات
رجب الدمنهوري / 11-03-2009
الشيعة لهم حضور قوي في الكويت
تعود جذور الشيعة الذين وفدوا إلى الكويت خلال القرون الثلاثة الماضية -كما يؤرخ لذلك الباحث الكويتي الدكتور فلاح المديرس– إلى أصول عربية وأخرى إيرانية، وينحدر الشيعة ذوو الأصول العربية من المنطقة الشرقية بالسعودية، ويطلق عليهم اسم "الحساوية" نسبة إلى منطقة الإحساء، والبعض الآخر من البحرين ويطلق عليهم "البحارنة"، وفريق ثالث جاء من جنوب العراق، ويطلق عليهم "البصاروة" أو "الزبيرية"، نسبة إلى البصرة أو الزبير بالعراق.
أما ذوو الأصول الإيرانية فيطلق عليهم اسم "العجم" ويشكلون نسبة كبيرة من شيعة الكويت، وقد توالت هجرة هذه الجماعات منذ القرن التاسع عشر، وأبرزها عائلات معرفي وبهبهاني وقبازرد، وقد شجع الاستعمار البريطاني آنذاك هذا النوع من الهجرة لأسباب سياسية واقتصادية، غير أن وكيل المراجع الشيعية في الكويت محمد باقر المهري ينفي أن تكون أغلبية الشيعة من أصل إيراني قائلا إنهم في الغالب وفدوا من المدينة المنورة.
وقد حرص معظم الشيعة الوافدين من إيران على تعريب ثقافتهم واكتساب الجنسية الكويتية، وبينما تخلصت نسبة بسيطة منهم من ثقافتها الفارسية، وما زال معظمهم يحتفظ بكثير من عناصر هذه الثقافة، خاصة اللغة واللهجات العامية والفلكلور الفارسي.
وتكاد الدول الخليجية، وفي قلبها الكويت، تتشابه في خلفيات تشكل التجمعات الشيعية، سواء جاءوا من شرق الجزيرة العربية، أو بفعل الهجرة الإيرانية، وإن تفاوتت النسب بين دولة وأخرى، غير أنه من العوامل الإضافية التي جعلت الكويت منطقة جذب للسنة والشيعة على السواء، هو السعي وراء الرخاء المأمول بعد اكتشاف النفط، كما وفدت الأيدي العاملة الإيرانية إلى الكويت مستفيدة من الامتيازات الممنوحة لكبار التجار الإيرانيين.
لا توجد إحصاءات دقيقة ورسمية يمكن اعتبارها يقينية فيما يخص نسبة الشيعة من التركيبة السكانية للكويت، وهناك تقديرات ترد في بعض التقارير تشير إلى أن الشيعة يشكلون30 % من إجمالي عدد المواطنين البالغ تعدادهم قرابة المليون نسمة وفق تقرير الحرية الدينية في العالم لعام2006 م (لا توجد إحصائية رسمية معلنة في هذا الشأن)، وذلك في مقابل 70 % هم تعداد الكويتيين السنة، إضافة إلى المواطنين المسيحيين الذين لا يتجاوزون 200 كويتي، وتشير مصادر أخرى إلى أن أعداد الكويتيين الشيعة تتراوح بين 20-30 %.
الخريطة المذهبية
ومن الناحية المذهبية يتوزع الشيعة في الكويت –كما تشير المصادر- بين حزمة تيارات ينتسبون إلى مرجعيات دينية، وأئمة جاءوا إلى البلاد من هنا وهناك، ويغلب عليهم الاتجاه المحافظ، ويميلون في الغالب إلى المعارضة، وقوى أخرى علمانية، تميل غالبا إلى جانب الحكومة، ومنهم طبقة التجار في الدولة، ويغلب عليهم التوجه الليبرالي والعلماني المعارض لسيطرة الدين على النشاط الشيعي، وقد ظهرت مواقفهم جلية في رفض تأسيس هيئة للأوقاف الجعفرية مستقلة عن وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، والتي كانت مطلبا أساسيا للتيار الديني الشيعي، وتعود نشأة هذه التيارات إلى خلفيات ومواقف عدة تجلت فيما يلي:
أولا: الإخبارية، وهم "البحارنة" الذين وفدوا من البحرين، وهم من مقلدي ميرزا إبراهيم جمال الدين، الذي يعد إمام الشيعة البحارنة، وأهم العائلات التي تنتمي إلى هذه المجموعة: القلاف، والخياط، ومكي جمعة، وحجي حامد.
ثانيا: الشيخية، ويطلق عليهم اسم "جماعة الميرزا" وإمامهم الميرزا حسن الإحقاقي، ويعتبر مسجد الإمام الصادق في قلب العاصمة الكويتية مركز تجمعهم ونشاطهم، ومعظم مقلدي الميرزا من ذوي الأصول الحساوية، ومن العائلات الكويتية المحسوبة على هذا المذهب: الأربش، وخريبط، والشواف، والوزان، والشيخية فرقة انفصلت عن تيار الإثنا عشرية في القرن التاسع عشر ميلادي على يد الشيخ أحمد الإحسائي؛ حيث أقام أحد شيوخها، وهو الميرزا في الكويت سنوات عدة، وكانت مجموعة من شيعة الكويت يقلدون والده لقرب الكويت من العراق، خاصة كربلاء التي تعد أحد مقرات هذه الطائفة.
ثالثا: الأصولية، ويمثلها التيار العام للشيعة الإثنا عشرية مقابل الإخبارية، وينتشر أتباعها بين شيعة العراق وإيران ولبنان والكويت.
رابعا: الخوئية، وهم يمثلون شيعة الكويت من أصول إيرانية، ومن المقلدين للمرجع الشيعي أبي الحسن الخوئي الذي كان يعيش في النجف.
واللافت للنظر أن هذه التقسيمات لا تبدو ظاهرة في طقوس وممارسات الشيعة، إذ لا يعرفها إلا الشيعة أنفسهم، والمتخصصون في دراسة الحركات والتيارات الإسلامية والسياسية، لكن هذا الفرز يبدو أكثر وضوحا في مواسم الانتخابات والمنافسات السياسة، وآية ذلك أن انتخابات مجلس الأمة لعام 2008 شهدت عدة قوائم انتخابية متنافسة لأبناء الشيعة، ولم تفلح محاولات التحالف لجمعهم تحت مظلة تنسيقية واحدة.
استبعاد الشيعة من أول مجلس استشاري
ونظرة تاريخية على طبيعة مسار المشهد السياسي الشيعي في الكويت توضح كيفية تنامي هذا التيار، وتكشف عن أدواره وممارساته السياسية، فقد شهد عام 1921 تأسيس أول مجلس استشاري في البلاد، إذ بالرغم من أن ميثاق المجلس كان ينص على وجود ممثلين اثنين لذوي الأصول الإيرانية، إلا أنه لم يتم اختيار أحد منهم، ويرجح الباحث فلاح المديرس أن السبب وراء استبعاد الشيعة يعود إلى حالة عدم الرضا إزاء الموقف الذي اتخذه الكويتيون من أصول إيرانية، والذي تمثل في امتناعهم عن المشاركة في معركة الجهراء في عام 1920؛ لصد هجمات أعداء الكويت؛ حيث ذهبت مجموعة منهم إلى المقيم السياسي البريطاني، وعبروا له عن عدم استعدادهم للمشاركة في هذه الحرب على أساس أنهم إيرانيون وليسوا مواطنين كويتيين.
وفي سنة 1938، رفع الشيعة صوتهم –حسب ما ورد في كتاب الحركة الشيعية في الكويت للمديرس- مطالبين بأن يكون لهم تمثيل في المجلس التشريعي، والمجلس البلدي، وطالبوا بفتح مدرسة خاصة بهم، وإقامة محكمة خاصة لفض منازعاتهم، لكن المجلس التشريعي رفض هذه المطالب، وعلى إثر ذلك تقدم عدد كبير من الشيعة المنحدرين من أصول إيرانية، إلى المقيم السياسي البريطاني في الكويت بطلب منحهم الجنسية الإنجليزية، والذي اعتبره المجلس التشريعي تحديا لهيبة المجلس؛ مما أدى إلى أن يصدر المجلس التشريعي قرارا بإبعاد كل كويتي يتجنس بجنسية أجنبية، وأن يغادر الكويت خلال شهرين مع حرمانه من كافة حقوقه، بعد ذلك اتجه الشيعة للتحالف مع الأسرة الحاكمة والإنجليز والمحافظين من كبار العائلات السنيّة للإطاحة بالمجلس التشريعي، بعدها تم افتتاح مدرسة إيرانية جلبت مناهجها الدراسية من إيران.
الشيعة ودستور 1962
من المناخات السياسية المهمة التي استفاد منها الشيعة سياسة الانفراج التي انتهجها الأمير الراحل الشيخ عبد الله السالم حاكم الكويت في مطلع الستينيات؛ حيث كفل قانون الانتخاب الذي وضع في ظل دستور 1962، والذي ما زال معمولا به حتى الآن، حق التصويت والترشيح لكافة الكويتيين بغض النظر عن انتمائهم الطائفي، وقد مثل الشيعة في المجلس الذي تلا وضع الدستور مباشرة نائبان.
وكان هذا الإجراء أول خطوة نحو وجود علني للتنظيم الديني الشيعي في الكويت، وتقول المصادر إن الشيعة وقفوا حينئذ في صف السلطة لمواجهة حركة القوميين العرب، التي كانت تتزعم المعارضة في الكويت آنذاك وترفض الهجرة غير القانونية للبلاد، بعد أن أشاع بعض الشيعة أن مواقف القوميين تستهدف جميع الكويتيين الشيعة، وليس فقط المهاجرين غير القانونيين الذين يأتون من إيران بإيعاز من حكومة الشاه.
الثورة الإيرانية وشيعة الكويت
امتد تأثير الثورة الإيرانية إلى شيعة الكويت
رغم اندماج أبناء الطائفة الشيعية في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتفاعلهم مع جميع فصائل الدولة، وسعيهم الدائم لإثبات ولائهم للدولة الكويتية أولا وأخيرا، وتنصلهم من أي ولاءات أخرى، إلا أن هذه المواقف لم تبدد مخاوف السلطات الرسمية بالكلية، وقد تجلى ذلك في تصريحات المسئولين التي تحذر في غير مناسبة من انعكاسات الصراع الطائفي في المنطقة على الكويت.
ومع نجاح الثورة الإيرانية بدأت تسود في أوساط الشيعة في العالم العربي روح التغيير الثوري، ولم تكن الساحة الكويتية بعيدة عن هذه الموجة، وفي هذا السياق انقسم الشيعة إلى تيارين: تيار محافظ تمثله الطبقة الأرستقراطية من التجار، ومرتبط مع السلطة بمصالح خاصة، وتمحور الهدف الرئيس لهذا التيار حول تحسين وضع الشيعة الديني والاجتماعي، وآخر ثوري تشكل من الشباب، خاصة المنتمين إلى الطبقة الوسطى، وكان يسعى إلى تغيير النظام الحاكم متأثرا بفكر الثورة الإيرانية، وقد نجح هذا التيار في إزاحة نظيره الشيعي المحافظ الذي سيطر على جمعية الثقافة الاجتماعية، وشكل وفدا إلى إيران بعد الثورة برئاسة عباس المهري لتهنئة القيادة الإيرانية بانتصار الثورة.
حركة مسجد شعبان
ويشير فلاح المديرس إلى النشاط الثوري لأحد مساجد الشيعة الشهيرة في الكويت، والمعروف بمسجد شعبان قائلا "واتصفت حركة مسجد شعبان في بداية تحركها بطابع طائفي، سواء بنسبة الحضور الذي اقتصر على بعض المجاميع الشيعية في الكويت، أو بنسبة الموضوعات التي طرحت في هذه الاجتماعات مثل المطالبة بفتح مزيد من المساجد والحسينيات، وإعطاء حريات أكثر"، ويعد هذا المسجد تاريخيا موطن تمركز الشيعة في الكويت.
لكن هذا المسجد تحول فيما بعد إلى منبر لليساريين والقوميين من أعضاء "حركة القوميين العرب" - فرع الكويت، وقد عزا المديرس ذلك إلى أن التيار القومي قد أخذ في التحول تدريجيا بالنسبة لموقفه من الكويتيين من أصول إيرانية في عام 1970، متأثرا بالأفكار الماركسية اللينينية التي بدأت تغزو تنظيمات الحركة بعد هزيمة 1967، الأمر الذي أدى إلى شيء من التقارب بين الطرفين، وكان أحمد الخطيب، وهو من رموز اليسار المعروفين في الكويت، وأحد الذين يلقون الخطابات، ويحاضرون في هذا المسجد.
الشيعة وحرب الخليج الأولى
مع اندلاع الحرب العراقية الإيرانية سنة 1980، ووقوف الكويت إلى جانب العراق شهدت المنطقة انقساما طائفيا حادا، وبدأ الشعور الطائفي يبرز بشكل واضح في الكويت، بحكم اتساع هامش الحرية السياسية، إذ اشترك بعض الكويتيين الشيعة متطوعين في القتال ضد العراق، وكان شيعة الكويت -كما أوردت المصادر- الورقة التي استخدمتها إيران ضد بلادهم بسبب مساعدتها للعراق.
وسرعان ما نظّم الشيعة صفوفهم خلف إيران، ونسبت إليهم في تلك الأثناء تفجيرات السفارات الأجنبية سنة 1983، ومحاولة اغتيال أمير البلاد سنة 1985، واختطاف طائرتين مدنيتين كويتيتين، وتوزيع منشورات تحريضية ضد النظام الحاكم، وتنفيذ تفجيرات في أماكن مختلفة بالمنطقة، الأمر الذي قاد الكويت إلى اتخاذ حزمة قيود واضحة على الحياة السياسية، من بينها حل جمعية الثقافة الاجتماعية لسان حال الشيعة، وسط اتهامات لهم بأنهم يؤدون الدور نيابة عن الإيرانيين.
الشيعة واحتلال الكويت
غزو الكويت قارب بين السنة والشيعة
وما أن جاء الغزو العراقي للكويت، أو ما عرف بحرب الخليج الثانية (1990-1991) حتى أصبح أمام شيعة الكويت فرصة تاريخية لإعادة علاقتهم مع السلطة، وإعادة المياه إلى مجاريها مع الدولة، ومعالجة حالة التوتر التي شابت العلاقة خلال حرب العراق، لاسيما أن المعتدي على بلادهم هذه المرة نظام صدام حسين الذي كان يحارب إيران قبل سنوات قليلة.
ولا شك في أن هذه الأزمة وحدت المواقف الكويتية، واتخذ السنة في الكويت والشيعة موقفا شبه متطابق تجاه الغزو، وهنا حدث مجددا تقارب بين الشيعة والسلطة.
وبعد وفاة قائد الثورة الإيرانية الخميني عام 1989م وتولى هاشمي رفسنجاني رئاسة الدولة بدأت دول خليجية، وأخرى عربية، ومنها الكويت، تحسين علاقاتها مع إيران، وتطوير سبل التعاون الاقتصادي، وتوقيع اتفاقيات وبروتوكولات تعاون في مجالات مختلفة، وقد أدى تطور العلاقات الكويتية الإيرانية إلى دعم القوى الشيعية في البلاد، في ظل ما اتخذته إيران من موقف داعم للإطاحة بغريمها اللدود النظام العراقي السابق سنة 2003.
القوى السياسية الشيعية
ورغم أن العديد من أعضاء مجلس الأمة الكويتي على اختلاف توجهاتهم الأيديولوجية قدموا مشاريع قوانين إلى البرلمان للعمل بنظام الأحزاب السياسية، إلا أن الحكومة ترفض هذا التوجه، كما هو الحال في جميع الدول الخليجية، متذرعة بأن إشهار الأحزاب لن يزيد المجتمع إلا انقساما وتشظيا، واضعة في الحسبان مساوئ الحركة الحزبية العربية، غير أن الحكومة تتسامح في الوقت نفسه مع تشكيل التجمعات والتحالفات والتكتلات السياسية على تنوع مشاربها.
ولأن الشيعة -كما أسلفنا– يمثلون واحدا من كل ثلاثة مواطنين، فقد أسسوا عددا من التجمعات والتكتلات بعد عودة الحياة السياسية للكويت، إثر تحريرها من العدوان العراقي في عام 1991م، وتحمل هذه التيارات في أجندتها -كما هو حال نظيراتها الإسلامية السنية- رؤى تعبر عن توجهاتها في التغيير، تلتقي مع الحكومة أحيانا، وتعارضها أحيانا أخرى، وقد يدخلون مع بعض النواب السنة في تنظيمات مشتركة، إذ انضموا إلى تجمع نواب التكتل الشعبي، يضاف إلى ذلك أنها تتبنى مطالب الطائفة الشيعية، ويرى محمد باقر المهري أنه لا اختلاف بين تيارات المذهب الشيعي حول الأصول العامة، وإنما قد يكون هناك اختلاف في القضايا السياسية، سواء منها الداخلية أو الخارجية، وقد قامت هذه التجمعات في ظل ظروف وتطورات جديرة بالرصد والتسجيل وبيانها كالتالي:
أولا: التحالف الوطني الإسلامي:
يأتي هذا التحالف امتدادا لجمعية الثقافة الاجتماعية التي أنشئت عام 1963 م لتكون واجهة حركية قانونية للشيعة في الكويت على غرار جمعية الإصلاح الاجتماعي التي تمثل تيار الإخوان المسلمين، وجمعية إحياء التراث الإسلامي المعبرة عن التيار السلفي، وقد عرف هذا التيار الشيعي في أوساط الشعب الكويتي، والمتابعين للحراك السياسي بحزب الله الكويتي.
ومنذ تأسيس جمعية الثقافة تمحور نشاطها في المطالبة بإنشاء المزيد من المساجد الشيعية والحسينيات، غير أنه في عام 1989م أصدرت الحكومة قرارا بحل الجمعية على خلفية اتهامات بالعنف تورط فيها منتمون للجمعية، كما أوضحنا خلال فترة الحرب العراقية الإيرانية.
ومن أبرز رموز هذا التيار النائبان في مجلس الأمة عدنان عبد الصمد وأحمد لاري، وأمين عام التحالف الشيخ حسين المعتوق ووزير البلدية والأشغال الحالي الدكتور فاضل صفر، والنائبان السابقان الدكتور ناصر صرخوه، والدكتور عبد المحسن جمال، وأمين عام سابق للتحالف الحاج صالح الموسى، ويجري تعيين الأمين العام وأعضاء المكتب السياسي والشورى منذ فترة؛ لأن الانتخابات داخل التحالف مجمدة بشكل موقت.
وبعد 20 عاما من قرار حل الجمعية وخلال الأيام القليلة الماضية، أصدر وزير الشئون بدر الدويلة قرارا أفرج بموجبه عن حرية الجمعية، وهو القرار الذي استقبله المراقبون بارتياح حذر، إذ تمنوا أن يكون السماح بإعادة نشاط الجمعية الثقافية توجها رسميا لدعم حريات المجتمع المدني، وليس استجابة لواقع سياسي تمليه التحالفات السياسية.
ثانيا: تجمع العدالة والسلام:
ويعرف بتيار صادق الشيرازي، ومن أبرز وجوهه النائب صالح عاشور، والناشط السياسي عبد الحسين السلطان، والدكتور عبد الواحد الخلفان، وأمين عام التجمع الحاج حسن نصير والناشطة السياسية فهيمة العيد، ويضم تجمع العدالة في تركيبته أمانة عامة، وهيئة تنفيذية، ومكتبا سياسيا، وأعضاء أمانة عامة، ولجانا انتخابية، وأخرى خيرية ودينية واجتماعية، وتجرى انتخابات الأمانة العامة، والهيئة التنفيذية، والمكتب السياسي كل عامين تقريبا.
وتتبع فضائية الأنوار النائب صالح عاشور والمتداول بين الشيعة أنها قناة تيار الشيرازي، وقد استطاعت هذه القناة اكتساب ثقة الكثير من الشيعة داخل الكويت وخارجها، كما تتبع للتجمع مكتبة الرسول الأعظم، وكثير من الحسينيات التي أسسها المرجع الديني الشيرازي، وعدد من حملات الحج، والمخيمات الشبابية، واللجان الخيرية، وقد بدأ نشاط جماعة الشيرازي في السبعينيات بعد أن أبعد عن العراق، وأقام في الكويت تسع سنوات (1971-1980).
ويعتبر الشيرازي الأب الروحي لمنظمة العمل الإسلامي في العراق، وكثير من مقلديه كانوا من مؤسسي جمعية الثقافة الاجتماعية الذين خرجوا من الجمعية بعد الثورة الإيرانية.
وقد نشطت جماعة الشيرازي في مجال الفعاليات الثقافية والدينية؛ لجذب الشباب الشيعي إلى صفوفهم، لكن هذا التيار لم يستطع السيطرة على الشيعة في الكويت؛ بسبب خلافاته مع جمعية الثقافة، وتشتت الشيعة في مناطق مختلفة؛ بسبب التوسع العمراني، والهجوم الحاد الذي تعرض له الشيرازي من قبل المرجع الأعلى للشيعة آنذاك الخوئي، واعتباره غير أهل للمرجعية ولا الاجتهاد، وهو الأمر الذي انتهى بإبعاد الشيرازي من الكويت في بداية الثمانينيات.
ثالثا: تجمع الميثاق الوطني:
ويعرف هذا التجمع بتيار دار الزهراء، أو تيار المرجع الديني اللبناني محمد حسين فضل الله، ومن أبرز وجوهه الحاج كاظم عبد الحسين مؤسس دار الزهراء، والأب الروحي للدار، ولا يشغل أي منصب داخل التجمع لكن له حضوره بسبب تاريخه في العمل الديني والاجتماعي والخيري، والدكتور يوسف الزلزلة أكاديمي، ووزير سابق، ونائب سابق، تحالف مع صالح عاشور في انتخابات 2003، وفاز بمقعد عن الدائرة الأولى، غير أنه لم يفلح بالفوز في انتخابات 2006، وأمين عام التجمع محمد جواد كاظم، والأمين العام السابق للتجمع، والوزير السابق عبد الهادي الصالح.
ويحظى تجمع الميثاق بدعم شريحة كبيرة من التجار، ووجهاء الشيعة بحكم علاقاته القوية، ويضم التجمع مكتبا سياسيا، ولجانا خيرية وانتخابية ودينية واجتماعية، وإحدى حملات الحج، ومخيم الهدى، وبعد خلاف طويل مع التحالف الوطني الإسلامي عاد تجمع الميثاق لينسق معه في الأمور الدينية بعدما تم تجاوز الخلافات التي استمرت ما يقارب العقدين.
بعض التقديرات تجعل من الشيعة 30% من سكان الكويت
رابعا: تجمع الرسالة الإنسانية:
يعرف بجماعة الميرزا أو تيار الحساوية، وقد برز هذا التجمع بعد ظهور عدد من التجمعات الشيعية، ووفاة الميرزا عبد الرسول الإحقاقي، المرجع الديني للحساوية، والتي تسببت في وفاته بحدوث انشقاق بين الحساوية على خلفية الخلاف بين جماعة الميرزا الذين كانوا محيطين به، وميرزا آخر دعا لمرجعيته، بينما أعلنت جماعة الميرزا مرجعية ابن الميرزا عبد الله عبد الرسول الإحقاقي لكن هذا الخلاف لم يدم طويلا، وتم تجاوزه، وطويت هذه الصفحة.
ويسعى تجمع الرسالة الذي يتبع جامع الإمام الصادق إلى إعادة لم شمل جماعة الحساوية، وتتمتع هذه الجماعة بثقل اقتصادي جيد، وعلاقات متداخلة مع جميع التيارات، وتمتلك عددا من المساجد والحسينيات، ومن أبرز رموزه أمينه العام الدكتور صالح الصفار، ونائب الأمين العام حمد طاهر بوحمد، وهو من وجهاء وتجار الشيعة الحساوية، وتعتبر أصواتهم مرجحة للفوز في أي انتخابات للمرشحين الشيعة في أي انتخابات برلمانية أو بلدية.
خامسا: حركة التوافق الوطني الإسلامية:
أسست هذه الحركة وظهرت إلى العلن في يناير عام 2003 بعد انشقاق أعضائها عن التحالف الوطني الإسلامي؛ بسبب بعض الخلافات في آليات العمل والاختلاف في بعض الرؤى السياسية.
ومن أبرز قيادات ومنظري الحركة أمينها العام زهير المحميد، ورئيس المكتب السياسي شيبة إبراهيم بن شيبة، ورئيسة المكتب العقائدي خالدة محمد علي، ومن أبرز وجوه العمل النسوي الشيعي الناشطة والأكاديمية الدكتورة خديجة المحميد.
وتنشط الحركة في مجال المؤتمرات والندوات، وإذا كانت الأقل انتشارا لحداثة تأسيسها فإن نشاطها الإعلامي يعد الأوسع انتشارا؛ بسبب كثرة مؤتمراتها وندواتها حول القضايا الداخلية والخارجية، وتتميز بهيكلتها المنظمة التي تضم الأمانة العامة، والمكتب السياسي، والمكتب العقائدي، ولجانا شبابية، وأخرى اجتماعية، كما يوجد لديها حملة حج، وأنشطة أخرى عديدة.
سادسا: تجمع علماء الشيعة:
هذا تجمع أعلنه وكيل المراجع الشيعية، وأمينه العام محمد باقر المهري، ويعد من أبرز وجوهه، بالإضافة إلى الشيخ أحمد حسين يعقوب الذي يحتل منصب نائب الأمين العام، وتقتصر عضويته على علماء الدين، وله نشاط إعلامي واسع؛ بسبب ظهور أمينه العام المتكرر في وسائل الإعلام والفعاليات السياسية والدينية وإصداره بيانات شبه أسبوعية في الأحداث السياسية والدينية الواقعة داخل وخارج الكويت، يراها كثيرون أنها مثيرة للجدل، وكثيرا ما تؤدي إلى نشوب معارك سياسية وإعلامية بسبب لغتها الحادة في الهجوم على الآخرين، ورغم تصريحات رموز هذا التجمع بأنه يتحدث باسم الشيعة في الكويت، إلا أن العديد من رموز الطائفة يرون أنه لا يمثل إلا نفرا محدودا من الشيعة.
سابعا: علماء الشيعة:
يضم عددا من علماء الشيعة وليس له توجه سياسي معين، يقتصر عمله على الاجتماعات الأسبوعية للتنسيق في الأمور الشيعية والأحداث التي تقع على الساحة الإسلامية الداخلية والخارجية، ويجري خلالها إصدار بيانات استنكارية وغيرها، وفي بعض الأحيان لا يوقع كل العلماء الحاضرين على البيان بسبب تحفظ البعض، ويضم هذا الاجتماع التنسيقي علماء من كل الجهات السياسية والدينية، والمتابع لنشاط هذا التجمع يرى أن بياناتهم تصدر بشكل متأخر نوعا ما، وعلى فترات متباعدة.
ثامنا: ائتلاف التجمعات الوطنية:
وعلى غرار تجمع الليبراليين في الكويت تحت مظلة التحالف الوطني الديمقراطي، والذي يضم التجمع الوطني الديمقراطي، والمنبر الديمقراطي، والعديد من الشخصيات السياسية والاقتصادية والفكرية الليبرالية المستقلة، أسست خمس تجمعات شيعية سياسية ودينية قبل 3 أعوام، وهى حركة العدالة والسلام، وتجمع الميثاق الوطني، وحركة التوافق الوطني الإسلامية، وتجمع الرسالة الإنسانية، وتجمع علماء الشيعة ائتلاف التجمعات الوطنية، وبينما أعلن هذا الائتلاف أنه يهدف إلى تنسيق المواقف بين هذه الحركات في الشئون السياسية والانتخابية وغيرها، رأى مراقبون أن تأسيسه جاء للحد من سيطرة التحالف الوطني الإسلامي على الساحة السياسية الشيعية والتضييق على نشاط حزب الله الكويتي أو جماعة الجمعية الثقافية، لكن هذا الائتلاف تراجع دوره بعد دخول التحالف في عمليات تنسيق بشأن الانتخابات، لاسيما مع تجمع الميثاق الوطني، وتجمع العدالة والسلام، وتتعاقب كل سنة على الأمانة العامة للائتلاف حركة أو تجمع من المشاركين فيه.
نشاط سياسي ملحوظ
والخلاصة أن الشيعة لهم نشاط سياسي ملحوظ في جميع مؤسسات الدولة فهم يولون مجلس الأمة والمجلس البلدي اهتماما خاصا؛ حيث يمثلهم داخل البرلمان خمسة نواب عدنان عبد الصمد، وأحمد لاري، وحسس جوهر، وحسين القلاف، وصالح عاشور، ويرى المراقبون أنه كلما زاد ممثلو الشيعة في مؤسسات الدولة، خاصة في البرلمان، اكتسب أبناء الطائفة حصانة خاصة بوصف ممثليها هم حماة مكتسباتهم.
وعلى صعيد العلاقة مع السنة من الملاحظ أن أحاديث التقارب بين الشيعة والسنة لا تروج داخل الساحة الكويتية، كما تروج في بلدان عديدة في العالمين العربي والإسلامي، ويمكن عزو ذلك إلى العلاقة المستقرة وسيادة روحية التعايش بين الشيعة والسنة داخل الكويت والاندماج داخل التركيبات المؤسسية للدولة، صحيح أن الساحة الكويتية لا تخلو تماما من بعض التوترات التي قد تحدث على خلفيات مذهبية لكنها تبقى عارضة واستثنائية.
--------------------------------------------------------------------------------
صحفي وباحث مصري مقيم بالكويت
رجب الدمنهوري / 11-03-2009
الشيعة لهم حضور قوي في الكويت
تعود جذور الشيعة الذين وفدوا إلى الكويت خلال القرون الثلاثة الماضية -كما يؤرخ لذلك الباحث الكويتي الدكتور فلاح المديرس– إلى أصول عربية وأخرى إيرانية، وينحدر الشيعة ذوو الأصول العربية من المنطقة الشرقية بالسعودية، ويطلق عليهم اسم "الحساوية" نسبة إلى منطقة الإحساء، والبعض الآخر من البحرين ويطلق عليهم "البحارنة"، وفريق ثالث جاء من جنوب العراق، ويطلق عليهم "البصاروة" أو "الزبيرية"، نسبة إلى البصرة أو الزبير بالعراق.
أما ذوو الأصول الإيرانية فيطلق عليهم اسم "العجم" ويشكلون نسبة كبيرة من شيعة الكويت، وقد توالت هجرة هذه الجماعات منذ القرن التاسع عشر، وأبرزها عائلات معرفي وبهبهاني وقبازرد، وقد شجع الاستعمار البريطاني آنذاك هذا النوع من الهجرة لأسباب سياسية واقتصادية، غير أن وكيل المراجع الشيعية في الكويت محمد باقر المهري ينفي أن تكون أغلبية الشيعة من أصل إيراني قائلا إنهم في الغالب وفدوا من المدينة المنورة.
وقد حرص معظم الشيعة الوافدين من إيران على تعريب ثقافتهم واكتساب الجنسية الكويتية، وبينما تخلصت نسبة بسيطة منهم من ثقافتها الفارسية، وما زال معظمهم يحتفظ بكثير من عناصر هذه الثقافة، خاصة اللغة واللهجات العامية والفلكلور الفارسي.
وتكاد الدول الخليجية، وفي قلبها الكويت، تتشابه في خلفيات تشكل التجمعات الشيعية، سواء جاءوا من شرق الجزيرة العربية، أو بفعل الهجرة الإيرانية، وإن تفاوتت النسب بين دولة وأخرى، غير أنه من العوامل الإضافية التي جعلت الكويت منطقة جذب للسنة والشيعة على السواء، هو السعي وراء الرخاء المأمول بعد اكتشاف النفط، كما وفدت الأيدي العاملة الإيرانية إلى الكويت مستفيدة من الامتيازات الممنوحة لكبار التجار الإيرانيين.
لا توجد إحصاءات دقيقة ورسمية يمكن اعتبارها يقينية فيما يخص نسبة الشيعة من التركيبة السكانية للكويت، وهناك تقديرات ترد في بعض التقارير تشير إلى أن الشيعة يشكلون30 % من إجمالي عدد المواطنين البالغ تعدادهم قرابة المليون نسمة وفق تقرير الحرية الدينية في العالم لعام2006 م (لا توجد إحصائية رسمية معلنة في هذا الشأن)، وذلك في مقابل 70 % هم تعداد الكويتيين السنة، إضافة إلى المواطنين المسيحيين الذين لا يتجاوزون 200 كويتي، وتشير مصادر أخرى إلى أن أعداد الكويتيين الشيعة تتراوح بين 20-30 %.
الخريطة المذهبية
ومن الناحية المذهبية يتوزع الشيعة في الكويت –كما تشير المصادر- بين حزمة تيارات ينتسبون إلى مرجعيات دينية، وأئمة جاءوا إلى البلاد من هنا وهناك، ويغلب عليهم الاتجاه المحافظ، ويميلون في الغالب إلى المعارضة، وقوى أخرى علمانية، تميل غالبا إلى جانب الحكومة، ومنهم طبقة التجار في الدولة، ويغلب عليهم التوجه الليبرالي والعلماني المعارض لسيطرة الدين على النشاط الشيعي، وقد ظهرت مواقفهم جلية في رفض تأسيس هيئة للأوقاف الجعفرية مستقلة عن وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، والتي كانت مطلبا أساسيا للتيار الديني الشيعي، وتعود نشأة هذه التيارات إلى خلفيات ومواقف عدة تجلت فيما يلي:
أولا: الإخبارية، وهم "البحارنة" الذين وفدوا من البحرين، وهم من مقلدي ميرزا إبراهيم جمال الدين، الذي يعد إمام الشيعة البحارنة، وأهم العائلات التي تنتمي إلى هذه المجموعة: القلاف، والخياط، ومكي جمعة، وحجي حامد.
ثانيا: الشيخية، ويطلق عليهم اسم "جماعة الميرزا" وإمامهم الميرزا حسن الإحقاقي، ويعتبر مسجد الإمام الصادق في قلب العاصمة الكويتية مركز تجمعهم ونشاطهم، ومعظم مقلدي الميرزا من ذوي الأصول الحساوية، ومن العائلات الكويتية المحسوبة على هذا المذهب: الأربش، وخريبط، والشواف، والوزان، والشيخية فرقة انفصلت عن تيار الإثنا عشرية في القرن التاسع عشر ميلادي على يد الشيخ أحمد الإحسائي؛ حيث أقام أحد شيوخها، وهو الميرزا في الكويت سنوات عدة، وكانت مجموعة من شيعة الكويت يقلدون والده لقرب الكويت من العراق، خاصة كربلاء التي تعد أحد مقرات هذه الطائفة.
ثالثا: الأصولية، ويمثلها التيار العام للشيعة الإثنا عشرية مقابل الإخبارية، وينتشر أتباعها بين شيعة العراق وإيران ولبنان والكويت.
رابعا: الخوئية، وهم يمثلون شيعة الكويت من أصول إيرانية، ومن المقلدين للمرجع الشيعي أبي الحسن الخوئي الذي كان يعيش في النجف.
واللافت للنظر أن هذه التقسيمات لا تبدو ظاهرة في طقوس وممارسات الشيعة، إذ لا يعرفها إلا الشيعة أنفسهم، والمتخصصون في دراسة الحركات والتيارات الإسلامية والسياسية، لكن هذا الفرز يبدو أكثر وضوحا في مواسم الانتخابات والمنافسات السياسة، وآية ذلك أن انتخابات مجلس الأمة لعام 2008 شهدت عدة قوائم انتخابية متنافسة لأبناء الشيعة، ولم تفلح محاولات التحالف لجمعهم تحت مظلة تنسيقية واحدة.
استبعاد الشيعة من أول مجلس استشاري
ونظرة تاريخية على طبيعة مسار المشهد السياسي الشيعي في الكويت توضح كيفية تنامي هذا التيار، وتكشف عن أدواره وممارساته السياسية، فقد شهد عام 1921 تأسيس أول مجلس استشاري في البلاد، إذ بالرغم من أن ميثاق المجلس كان ينص على وجود ممثلين اثنين لذوي الأصول الإيرانية، إلا أنه لم يتم اختيار أحد منهم، ويرجح الباحث فلاح المديرس أن السبب وراء استبعاد الشيعة يعود إلى حالة عدم الرضا إزاء الموقف الذي اتخذه الكويتيون من أصول إيرانية، والذي تمثل في امتناعهم عن المشاركة في معركة الجهراء في عام 1920؛ لصد هجمات أعداء الكويت؛ حيث ذهبت مجموعة منهم إلى المقيم السياسي البريطاني، وعبروا له عن عدم استعدادهم للمشاركة في هذه الحرب على أساس أنهم إيرانيون وليسوا مواطنين كويتيين.
وفي سنة 1938، رفع الشيعة صوتهم –حسب ما ورد في كتاب الحركة الشيعية في الكويت للمديرس- مطالبين بأن يكون لهم تمثيل في المجلس التشريعي، والمجلس البلدي، وطالبوا بفتح مدرسة خاصة بهم، وإقامة محكمة خاصة لفض منازعاتهم، لكن المجلس التشريعي رفض هذه المطالب، وعلى إثر ذلك تقدم عدد كبير من الشيعة المنحدرين من أصول إيرانية، إلى المقيم السياسي البريطاني في الكويت بطلب منحهم الجنسية الإنجليزية، والذي اعتبره المجلس التشريعي تحديا لهيبة المجلس؛ مما أدى إلى أن يصدر المجلس التشريعي قرارا بإبعاد كل كويتي يتجنس بجنسية أجنبية، وأن يغادر الكويت خلال شهرين مع حرمانه من كافة حقوقه، بعد ذلك اتجه الشيعة للتحالف مع الأسرة الحاكمة والإنجليز والمحافظين من كبار العائلات السنيّة للإطاحة بالمجلس التشريعي، بعدها تم افتتاح مدرسة إيرانية جلبت مناهجها الدراسية من إيران.
الشيعة ودستور 1962
من المناخات السياسية المهمة التي استفاد منها الشيعة سياسة الانفراج التي انتهجها الأمير الراحل الشيخ عبد الله السالم حاكم الكويت في مطلع الستينيات؛ حيث كفل قانون الانتخاب الذي وضع في ظل دستور 1962، والذي ما زال معمولا به حتى الآن، حق التصويت والترشيح لكافة الكويتيين بغض النظر عن انتمائهم الطائفي، وقد مثل الشيعة في المجلس الذي تلا وضع الدستور مباشرة نائبان.
وكان هذا الإجراء أول خطوة نحو وجود علني للتنظيم الديني الشيعي في الكويت، وتقول المصادر إن الشيعة وقفوا حينئذ في صف السلطة لمواجهة حركة القوميين العرب، التي كانت تتزعم المعارضة في الكويت آنذاك وترفض الهجرة غير القانونية للبلاد، بعد أن أشاع بعض الشيعة أن مواقف القوميين تستهدف جميع الكويتيين الشيعة، وليس فقط المهاجرين غير القانونيين الذين يأتون من إيران بإيعاز من حكومة الشاه.
الثورة الإيرانية وشيعة الكويت
امتد تأثير الثورة الإيرانية إلى شيعة الكويت
رغم اندماج أبناء الطائفة الشيعية في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتفاعلهم مع جميع فصائل الدولة، وسعيهم الدائم لإثبات ولائهم للدولة الكويتية أولا وأخيرا، وتنصلهم من أي ولاءات أخرى، إلا أن هذه المواقف لم تبدد مخاوف السلطات الرسمية بالكلية، وقد تجلى ذلك في تصريحات المسئولين التي تحذر في غير مناسبة من انعكاسات الصراع الطائفي في المنطقة على الكويت.
ومع نجاح الثورة الإيرانية بدأت تسود في أوساط الشيعة في العالم العربي روح التغيير الثوري، ولم تكن الساحة الكويتية بعيدة عن هذه الموجة، وفي هذا السياق انقسم الشيعة إلى تيارين: تيار محافظ تمثله الطبقة الأرستقراطية من التجار، ومرتبط مع السلطة بمصالح خاصة، وتمحور الهدف الرئيس لهذا التيار حول تحسين وضع الشيعة الديني والاجتماعي، وآخر ثوري تشكل من الشباب، خاصة المنتمين إلى الطبقة الوسطى، وكان يسعى إلى تغيير النظام الحاكم متأثرا بفكر الثورة الإيرانية، وقد نجح هذا التيار في إزاحة نظيره الشيعي المحافظ الذي سيطر على جمعية الثقافة الاجتماعية، وشكل وفدا إلى إيران بعد الثورة برئاسة عباس المهري لتهنئة القيادة الإيرانية بانتصار الثورة.
حركة مسجد شعبان
ويشير فلاح المديرس إلى النشاط الثوري لأحد مساجد الشيعة الشهيرة في الكويت، والمعروف بمسجد شعبان قائلا "واتصفت حركة مسجد شعبان في بداية تحركها بطابع طائفي، سواء بنسبة الحضور الذي اقتصر على بعض المجاميع الشيعية في الكويت، أو بنسبة الموضوعات التي طرحت في هذه الاجتماعات مثل المطالبة بفتح مزيد من المساجد والحسينيات، وإعطاء حريات أكثر"، ويعد هذا المسجد تاريخيا موطن تمركز الشيعة في الكويت.
لكن هذا المسجد تحول فيما بعد إلى منبر لليساريين والقوميين من أعضاء "حركة القوميين العرب" - فرع الكويت، وقد عزا المديرس ذلك إلى أن التيار القومي قد أخذ في التحول تدريجيا بالنسبة لموقفه من الكويتيين من أصول إيرانية في عام 1970، متأثرا بالأفكار الماركسية اللينينية التي بدأت تغزو تنظيمات الحركة بعد هزيمة 1967، الأمر الذي أدى إلى شيء من التقارب بين الطرفين، وكان أحمد الخطيب، وهو من رموز اليسار المعروفين في الكويت، وأحد الذين يلقون الخطابات، ويحاضرون في هذا المسجد.
الشيعة وحرب الخليج الأولى
مع اندلاع الحرب العراقية الإيرانية سنة 1980، ووقوف الكويت إلى جانب العراق شهدت المنطقة انقساما طائفيا حادا، وبدأ الشعور الطائفي يبرز بشكل واضح في الكويت، بحكم اتساع هامش الحرية السياسية، إذ اشترك بعض الكويتيين الشيعة متطوعين في القتال ضد العراق، وكان شيعة الكويت -كما أوردت المصادر- الورقة التي استخدمتها إيران ضد بلادهم بسبب مساعدتها للعراق.
وسرعان ما نظّم الشيعة صفوفهم خلف إيران، ونسبت إليهم في تلك الأثناء تفجيرات السفارات الأجنبية سنة 1983، ومحاولة اغتيال أمير البلاد سنة 1985، واختطاف طائرتين مدنيتين كويتيتين، وتوزيع منشورات تحريضية ضد النظام الحاكم، وتنفيذ تفجيرات في أماكن مختلفة بالمنطقة، الأمر الذي قاد الكويت إلى اتخاذ حزمة قيود واضحة على الحياة السياسية، من بينها حل جمعية الثقافة الاجتماعية لسان حال الشيعة، وسط اتهامات لهم بأنهم يؤدون الدور نيابة عن الإيرانيين.
الشيعة واحتلال الكويت
غزو الكويت قارب بين السنة والشيعة
وما أن جاء الغزو العراقي للكويت، أو ما عرف بحرب الخليج الثانية (1990-1991) حتى أصبح أمام شيعة الكويت فرصة تاريخية لإعادة علاقتهم مع السلطة، وإعادة المياه إلى مجاريها مع الدولة، ومعالجة حالة التوتر التي شابت العلاقة خلال حرب العراق، لاسيما أن المعتدي على بلادهم هذه المرة نظام صدام حسين الذي كان يحارب إيران قبل سنوات قليلة.
ولا شك في أن هذه الأزمة وحدت المواقف الكويتية، واتخذ السنة في الكويت والشيعة موقفا شبه متطابق تجاه الغزو، وهنا حدث مجددا تقارب بين الشيعة والسلطة.
وبعد وفاة قائد الثورة الإيرانية الخميني عام 1989م وتولى هاشمي رفسنجاني رئاسة الدولة بدأت دول خليجية، وأخرى عربية، ومنها الكويت، تحسين علاقاتها مع إيران، وتطوير سبل التعاون الاقتصادي، وتوقيع اتفاقيات وبروتوكولات تعاون في مجالات مختلفة، وقد أدى تطور العلاقات الكويتية الإيرانية إلى دعم القوى الشيعية في البلاد، في ظل ما اتخذته إيران من موقف داعم للإطاحة بغريمها اللدود النظام العراقي السابق سنة 2003.
القوى السياسية الشيعية
ورغم أن العديد من أعضاء مجلس الأمة الكويتي على اختلاف توجهاتهم الأيديولوجية قدموا مشاريع قوانين إلى البرلمان للعمل بنظام الأحزاب السياسية، إلا أن الحكومة ترفض هذا التوجه، كما هو الحال في جميع الدول الخليجية، متذرعة بأن إشهار الأحزاب لن يزيد المجتمع إلا انقساما وتشظيا، واضعة في الحسبان مساوئ الحركة الحزبية العربية، غير أن الحكومة تتسامح في الوقت نفسه مع تشكيل التجمعات والتحالفات والتكتلات السياسية على تنوع مشاربها.
ولأن الشيعة -كما أسلفنا– يمثلون واحدا من كل ثلاثة مواطنين، فقد أسسوا عددا من التجمعات والتكتلات بعد عودة الحياة السياسية للكويت، إثر تحريرها من العدوان العراقي في عام 1991م، وتحمل هذه التيارات في أجندتها -كما هو حال نظيراتها الإسلامية السنية- رؤى تعبر عن توجهاتها في التغيير، تلتقي مع الحكومة أحيانا، وتعارضها أحيانا أخرى، وقد يدخلون مع بعض النواب السنة في تنظيمات مشتركة، إذ انضموا إلى تجمع نواب التكتل الشعبي، يضاف إلى ذلك أنها تتبنى مطالب الطائفة الشيعية، ويرى محمد باقر المهري أنه لا اختلاف بين تيارات المذهب الشيعي حول الأصول العامة، وإنما قد يكون هناك اختلاف في القضايا السياسية، سواء منها الداخلية أو الخارجية، وقد قامت هذه التجمعات في ظل ظروف وتطورات جديرة بالرصد والتسجيل وبيانها كالتالي:
أولا: التحالف الوطني الإسلامي:
يأتي هذا التحالف امتدادا لجمعية الثقافة الاجتماعية التي أنشئت عام 1963 م لتكون واجهة حركية قانونية للشيعة في الكويت على غرار جمعية الإصلاح الاجتماعي التي تمثل تيار الإخوان المسلمين، وجمعية إحياء التراث الإسلامي المعبرة عن التيار السلفي، وقد عرف هذا التيار الشيعي في أوساط الشعب الكويتي، والمتابعين للحراك السياسي بحزب الله الكويتي.
ومنذ تأسيس جمعية الثقافة تمحور نشاطها في المطالبة بإنشاء المزيد من المساجد الشيعية والحسينيات، غير أنه في عام 1989م أصدرت الحكومة قرارا بحل الجمعية على خلفية اتهامات بالعنف تورط فيها منتمون للجمعية، كما أوضحنا خلال فترة الحرب العراقية الإيرانية.
ومن أبرز رموز هذا التيار النائبان في مجلس الأمة عدنان عبد الصمد وأحمد لاري، وأمين عام التحالف الشيخ حسين المعتوق ووزير البلدية والأشغال الحالي الدكتور فاضل صفر، والنائبان السابقان الدكتور ناصر صرخوه، والدكتور عبد المحسن جمال، وأمين عام سابق للتحالف الحاج صالح الموسى، ويجري تعيين الأمين العام وأعضاء المكتب السياسي والشورى منذ فترة؛ لأن الانتخابات داخل التحالف مجمدة بشكل موقت.
وبعد 20 عاما من قرار حل الجمعية وخلال الأيام القليلة الماضية، أصدر وزير الشئون بدر الدويلة قرارا أفرج بموجبه عن حرية الجمعية، وهو القرار الذي استقبله المراقبون بارتياح حذر، إذ تمنوا أن يكون السماح بإعادة نشاط الجمعية الثقافية توجها رسميا لدعم حريات المجتمع المدني، وليس استجابة لواقع سياسي تمليه التحالفات السياسية.
ثانيا: تجمع العدالة والسلام:
ويعرف بتيار صادق الشيرازي، ومن أبرز وجوهه النائب صالح عاشور، والناشط السياسي عبد الحسين السلطان، والدكتور عبد الواحد الخلفان، وأمين عام التجمع الحاج حسن نصير والناشطة السياسية فهيمة العيد، ويضم تجمع العدالة في تركيبته أمانة عامة، وهيئة تنفيذية، ومكتبا سياسيا، وأعضاء أمانة عامة، ولجانا انتخابية، وأخرى خيرية ودينية واجتماعية، وتجرى انتخابات الأمانة العامة، والهيئة التنفيذية، والمكتب السياسي كل عامين تقريبا.
وتتبع فضائية الأنوار النائب صالح عاشور والمتداول بين الشيعة أنها قناة تيار الشيرازي، وقد استطاعت هذه القناة اكتساب ثقة الكثير من الشيعة داخل الكويت وخارجها، كما تتبع للتجمع مكتبة الرسول الأعظم، وكثير من الحسينيات التي أسسها المرجع الديني الشيرازي، وعدد من حملات الحج، والمخيمات الشبابية، واللجان الخيرية، وقد بدأ نشاط جماعة الشيرازي في السبعينيات بعد أن أبعد عن العراق، وأقام في الكويت تسع سنوات (1971-1980).
ويعتبر الشيرازي الأب الروحي لمنظمة العمل الإسلامي في العراق، وكثير من مقلديه كانوا من مؤسسي جمعية الثقافة الاجتماعية الذين خرجوا من الجمعية بعد الثورة الإيرانية.
وقد نشطت جماعة الشيرازي في مجال الفعاليات الثقافية والدينية؛ لجذب الشباب الشيعي إلى صفوفهم، لكن هذا التيار لم يستطع السيطرة على الشيعة في الكويت؛ بسبب خلافاته مع جمعية الثقافة، وتشتت الشيعة في مناطق مختلفة؛ بسبب التوسع العمراني، والهجوم الحاد الذي تعرض له الشيرازي من قبل المرجع الأعلى للشيعة آنذاك الخوئي، واعتباره غير أهل للمرجعية ولا الاجتهاد، وهو الأمر الذي انتهى بإبعاد الشيرازي من الكويت في بداية الثمانينيات.
ثالثا: تجمع الميثاق الوطني:
ويعرف هذا التجمع بتيار دار الزهراء، أو تيار المرجع الديني اللبناني محمد حسين فضل الله، ومن أبرز وجوهه الحاج كاظم عبد الحسين مؤسس دار الزهراء، والأب الروحي للدار، ولا يشغل أي منصب داخل التجمع لكن له حضوره بسبب تاريخه في العمل الديني والاجتماعي والخيري، والدكتور يوسف الزلزلة أكاديمي، ووزير سابق، ونائب سابق، تحالف مع صالح عاشور في انتخابات 2003، وفاز بمقعد عن الدائرة الأولى، غير أنه لم يفلح بالفوز في انتخابات 2006، وأمين عام التجمع محمد جواد كاظم، والأمين العام السابق للتجمع، والوزير السابق عبد الهادي الصالح.
ويحظى تجمع الميثاق بدعم شريحة كبيرة من التجار، ووجهاء الشيعة بحكم علاقاته القوية، ويضم التجمع مكتبا سياسيا، ولجانا خيرية وانتخابية ودينية واجتماعية، وإحدى حملات الحج، ومخيم الهدى، وبعد خلاف طويل مع التحالف الوطني الإسلامي عاد تجمع الميثاق لينسق معه في الأمور الدينية بعدما تم تجاوز الخلافات التي استمرت ما يقارب العقدين.
بعض التقديرات تجعل من الشيعة 30% من سكان الكويت
رابعا: تجمع الرسالة الإنسانية:
يعرف بجماعة الميرزا أو تيار الحساوية، وقد برز هذا التجمع بعد ظهور عدد من التجمعات الشيعية، ووفاة الميرزا عبد الرسول الإحقاقي، المرجع الديني للحساوية، والتي تسببت في وفاته بحدوث انشقاق بين الحساوية على خلفية الخلاف بين جماعة الميرزا الذين كانوا محيطين به، وميرزا آخر دعا لمرجعيته، بينما أعلنت جماعة الميرزا مرجعية ابن الميرزا عبد الله عبد الرسول الإحقاقي لكن هذا الخلاف لم يدم طويلا، وتم تجاوزه، وطويت هذه الصفحة.
ويسعى تجمع الرسالة الذي يتبع جامع الإمام الصادق إلى إعادة لم شمل جماعة الحساوية، وتتمتع هذه الجماعة بثقل اقتصادي جيد، وعلاقات متداخلة مع جميع التيارات، وتمتلك عددا من المساجد والحسينيات، ومن أبرز رموزه أمينه العام الدكتور صالح الصفار، ونائب الأمين العام حمد طاهر بوحمد، وهو من وجهاء وتجار الشيعة الحساوية، وتعتبر أصواتهم مرجحة للفوز في أي انتخابات للمرشحين الشيعة في أي انتخابات برلمانية أو بلدية.
خامسا: حركة التوافق الوطني الإسلامية:
أسست هذه الحركة وظهرت إلى العلن في يناير عام 2003 بعد انشقاق أعضائها عن التحالف الوطني الإسلامي؛ بسبب بعض الخلافات في آليات العمل والاختلاف في بعض الرؤى السياسية.
ومن أبرز قيادات ومنظري الحركة أمينها العام زهير المحميد، ورئيس المكتب السياسي شيبة إبراهيم بن شيبة، ورئيسة المكتب العقائدي خالدة محمد علي، ومن أبرز وجوه العمل النسوي الشيعي الناشطة والأكاديمية الدكتورة خديجة المحميد.
وتنشط الحركة في مجال المؤتمرات والندوات، وإذا كانت الأقل انتشارا لحداثة تأسيسها فإن نشاطها الإعلامي يعد الأوسع انتشارا؛ بسبب كثرة مؤتمراتها وندواتها حول القضايا الداخلية والخارجية، وتتميز بهيكلتها المنظمة التي تضم الأمانة العامة، والمكتب السياسي، والمكتب العقائدي، ولجانا شبابية، وأخرى اجتماعية، كما يوجد لديها حملة حج، وأنشطة أخرى عديدة.
سادسا: تجمع علماء الشيعة:
هذا تجمع أعلنه وكيل المراجع الشيعية، وأمينه العام محمد باقر المهري، ويعد من أبرز وجوهه، بالإضافة إلى الشيخ أحمد حسين يعقوب الذي يحتل منصب نائب الأمين العام، وتقتصر عضويته على علماء الدين، وله نشاط إعلامي واسع؛ بسبب ظهور أمينه العام المتكرر في وسائل الإعلام والفعاليات السياسية والدينية وإصداره بيانات شبه أسبوعية في الأحداث السياسية والدينية الواقعة داخل وخارج الكويت، يراها كثيرون أنها مثيرة للجدل، وكثيرا ما تؤدي إلى نشوب معارك سياسية وإعلامية بسبب لغتها الحادة في الهجوم على الآخرين، ورغم تصريحات رموز هذا التجمع بأنه يتحدث باسم الشيعة في الكويت، إلا أن العديد من رموز الطائفة يرون أنه لا يمثل إلا نفرا محدودا من الشيعة.
سابعا: علماء الشيعة:
يضم عددا من علماء الشيعة وليس له توجه سياسي معين، يقتصر عمله على الاجتماعات الأسبوعية للتنسيق في الأمور الشيعية والأحداث التي تقع على الساحة الإسلامية الداخلية والخارجية، ويجري خلالها إصدار بيانات استنكارية وغيرها، وفي بعض الأحيان لا يوقع كل العلماء الحاضرين على البيان بسبب تحفظ البعض، ويضم هذا الاجتماع التنسيقي علماء من كل الجهات السياسية والدينية، والمتابع لنشاط هذا التجمع يرى أن بياناتهم تصدر بشكل متأخر نوعا ما، وعلى فترات متباعدة.
ثامنا: ائتلاف التجمعات الوطنية:
وعلى غرار تجمع الليبراليين في الكويت تحت مظلة التحالف الوطني الديمقراطي، والذي يضم التجمع الوطني الديمقراطي، والمنبر الديمقراطي، والعديد من الشخصيات السياسية والاقتصادية والفكرية الليبرالية المستقلة، أسست خمس تجمعات شيعية سياسية ودينية قبل 3 أعوام، وهى حركة العدالة والسلام، وتجمع الميثاق الوطني، وحركة التوافق الوطني الإسلامية، وتجمع الرسالة الإنسانية، وتجمع علماء الشيعة ائتلاف التجمعات الوطنية، وبينما أعلن هذا الائتلاف أنه يهدف إلى تنسيق المواقف بين هذه الحركات في الشئون السياسية والانتخابية وغيرها، رأى مراقبون أن تأسيسه جاء للحد من سيطرة التحالف الوطني الإسلامي على الساحة السياسية الشيعية والتضييق على نشاط حزب الله الكويتي أو جماعة الجمعية الثقافية، لكن هذا الائتلاف تراجع دوره بعد دخول التحالف في عمليات تنسيق بشأن الانتخابات، لاسيما مع تجمع الميثاق الوطني، وتجمع العدالة والسلام، وتتعاقب كل سنة على الأمانة العامة للائتلاف حركة أو تجمع من المشاركين فيه.
نشاط سياسي ملحوظ
والخلاصة أن الشيعة لهم نشاط سياسي ملحوظ في جميع مؤسسات الدولة فهم يولون مجلس الأمة والمجلس البلدي اهتماما خاصا؛ حيث يمثلهم داخل البرلمان خمسة نواب عدنان عبد الصمد، وأحمد لاري، وحسس جوهر، وحسين القلاف، وصالح عاشور، ويرى المراقبون أنه كلما زاد ممثلو الشيعة في مؤسسات الدولة، خاصة في البرلمان، اكتسب أبناء الطائفة حصانة خاصة بوصف ممثليها هم حماة مكتسباتهم.
وعلى صعيد العلاقة مع السنة من الملاحظ أن أحاديث التقارب بين الشيعة والسنة لا تروج داخل الساحة الكويتية، كما تروج في بلدان عديدة في العالمين العربي والإسلامي، ويمكن عزو ذلك إلى العلاقة المستقرة وسيادة روحية التعايش بين الشيعة والسنة داخل الكويت والاندماج داخل التركيبات المؤسسية للدولة، صحيح أن الساحة الكويتية لا تخلو تماما من بعض التوترات التي قد تحدث على خلفيات مذهبية لكنها تبقى عارضة واستثنائية.
--------------------------------------------------------------------------------
صحفي وباحث مصري مقيم بالكويت
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)