الأربعاء، 21 ديسمبر 2011

نحو حوار إسلامي- إسلامي قبل الطوفان

سعود المولى
في واقعنا الإسلامي المعاصر أمور خطيرة تحتاج إلى مصارحة ومكاشفة وإلى حوار صادق مخلص شفاف قبل أن يجرفنا الطوفان وكي لا نكون كمن يبكي على شيء كان بالإمكان تجنبه.... فخلال العقد المنصرم (أي منذ حادثة 11 أيلول 2001 فاحتلال أفغانستان ثم العراق) غرقت البلاد العربية والاسلامية في بحر الظلمات وكان سهلاً إذكاء روح العصبية المذهبية العشائرية المقيتة وبث السموم الطائفية واستخدام لغة التخوين والتكفير وصولاً حتى الى تشريع سفك الدم وقتل المخالف أو المعترض..
ولقد عشنا عقداً طائفياً مذهبياً دموياً بامتياز جرى فيه نبش وتوتير كل الأحقاد الدفينة وكل العصبيات الجاهلية وكل العنعنات الضيقة والتحزبات الغرضية... وذلك باسم الإسلام وباسم الانتماء الى مذهب معين أو الدفاع عن تاريخ مضى ومضت معه ظروفه وشعاراته ورجاله..ودفع الأفغان والعراقيون والباكستانيون ثمن هذه الطائفية المقيتة...كما بدأ اللبنانيون والسوريون يعيشون على حافة السقوط فيها بما ينذر بأشد الأخطار وبأفدح الأثمان...ما يستدعي وقفة حق وجرأة كلام...
إن الاختلاف في المنطلقات والرؤى وفي القناعات والآراء والمواقف بين أهل المذاهب الإسلامية ،هو حقيقة تاريخية موضوعية وهو حقيقة واقعية ما تزال قائمة ، ولا يمكن نكرانها أو القفز فوقها.. ولكن هذا الإختلاف التاريخي لم يعد اليوم إختلافاً في مناهج النظر العقلي والفقهي ولا في الآراء الكلامية والفلسفية بقدر ما أنه صار إختلافاً بين عصبيات وعشائر وأقاليم وطوائف... والاختلاف بذاته ليس مشكلة ، لأنه من لوازم الحياة التي أرادها الخالق لنا هكذا (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين، إلا من رحم ربك، ولذلك خلقهم)..إنما المشكلة تكمن في عدم مراعاة حقوق الإختلاف وموجباته وعدم معرفة كيفية إدارته حفظاً للتنوع والتعدد واحتراماً للحقوق ودرءاً للانقسام وصيانة للوجود وإعماراً للدنيا.
المشكلة الحقيقية تبدأ حينما يعمل أحد أطراف الاختلاف أو كلاهما معاً ، لحسم قضايا الاختلاف ، واعتبار كل واحد منهما أن رأيه هو رأي الإسلام ، وأن رأي الطرف الآخر هو خارج دائرة الإسلام .. وفي عملية الحسم هذه يجري استحضار التاريخ أو بالأحرى الذاكرة الجماعية لطرف ما وقد صارت هي التاريخ...وهذا بطبيعة الحال يقود إلى التعصب الأعمى الذي يفضي إلى ممارسة الظلم والافتئات على الطرف الآخر .. مما يفاقم من التوتير والحقد ومن اشتعال المعارك الوهمية يخوضها الناس تحت رايات التاريخ وذكرياته وقداسة بعض محطاته أو تحت عنوان الدفاع عن الهوية الخاصة لجماعة طائفية..
الاختلاف حالة طبيعية ، هو سنّة إلهية لمن كان مؤمناً، وسنّة تاريخية كونية لمن كان ملحداً، ولكنه لا يسوغ لأحد ممارسة الظلم بحق الآخرين أو إمتهان كراماتهم وحقوقهم ..
وآيات القرآن الكريم كما التوراة والأنجيل وكتب الحكمة، وعلى مر التاريخ، تؤكد على حقيقة الاختلاف بين الناس.. وفي القرآن أن بعض هذه الاختلافات،لا يحسمها إلا الله، وأن أي جهد إنساني لحسمها ، سيكون على حساب حقوق وكرامات الآخرين ( وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب ) ( الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون )..
والمعنى الدنيوي المباشر لهذه الآيات أننا جميعاً سواسية أمام القانون والحق والحقيقة ، فلا يجوز مهما تباينت أقوالنا ومواقفنا أن نفتئت على حقوق الآخرين ، أو نهين مقدساتهم أو نمتهن كراماتهم ..
والمطلوب دائما الإقرار بحق الاختلاف مع ضرورة المساواة في الفرص والواجبات والحقوق، وسيادة قيم الإحترام المتبادل والعدل في القول والعمل ولو على النفس أو ذي قربى ( ولا يجرمنّكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا ، إعدلوا هو أقرب للتقوى ) ..

د.حنا جريس: موقفي من المجلس الاستشاري - لماذا قبلت ولماذا استقلت ؟

عندما تلقيت الدعوة للانضمام للمجلس الاستشاري كان ردي أن الوطن يمر بمرحلة حرجة جدا من تاريخه ، وأنه ينبغي علينا جميعا أن ندعم اي جهد يساعد في تأمين ما تبقى من الفترة الانتقالية حتى يتم تسليم السلطة بكاملها من المجلس العسكري إلى السلطات المدنية المنتخبة بسلام.
ومما ساعدني على قبول العضوية ما أكده لي أعضاء من المجلس الاستشاري أثق بهم وبأحكامهم ، وأحترم أراؤهم ورؤاهم السياسية، بأن المجلس العسكري جاد في طلب المشورة وأنه سيكون جادا في تنفيذ ما يتفق عليه معنا من توصيات.
كان أملي من الاشتراك في المجلس الاستشاري أن نستطيع أن نجمع الفرقاء في هذا الوطن معا في حالة من التوافق الوطني يعالج ما هو قائم بالفعل من صدام بين قطاع كبير من الشباب من ثوار التحرير والمجلس الأعلى للقوات المسلحة، ويمنع ما يتوقعه الجميع من صدامات قادمة .
وفي أول جلسة رسمية للمجلس ، تلك التي عقدت منذ خمسة أيام، طلبت رسميا أن يكون على رأس جدول أعمالنا حل الأزمة القائمة بين ثوار التحرير و المجلس العسكري ، وقلت حرفيا " إن هذا لغم موقوت سينفجر وأن علينا تفكيكه عبر حل مشاكل المصابين وأسر الشهداء وإطلاق سراح المعتقلين ووقف المحاكمات الاستثنائية ومد جسور الحوار مع الثوار الراديكلين "
وعندما حدثت الاعتداءات العنيفة على معتصمي مجلس الوزرا ء تخيلت أن المجلس الاستشاري والمجلس العسكري سيتعاونان في تحويل هذه الكارثة إلى فرصة لحل الصدام حلا نهائيا يراعي طلبات المعتصمين ويحسن من صورة المجلس العسكري لدي الثوار ويحرر الحكومة من مشكلة مزمنة تعرقل عملها.
وفي صباح يوم الجمعة كنت أول طلب من الأمين العام الدكتور محمد نور فرحات إدراج الأحداث على جدول أعمال المجلس في أقرب فرصة وساهمت في سلسلة من المشاورات التليفونية إلى أن تحددت الجلسة الاستثنائية للمجلس والتي دعي إليها من يمثل المجلس العسكري.
وما أن بدأ الاجتماع حتى بدا واضحا ان هناك اختلاف في توصيف الأحداث على الأرض وفي تشخيص الأسباب وفي تصور العلاج. وبدا واضحا أن الرواية الرسمية تتحدث فقط عن عنف يمارس ضد القوات المسلحة وتنفي تماما استخدامها لأي شكل من أشكال العنف ، كان هذا في الوقت الذي وصلتنا معلومات عن سقوط شهداء جدد وازدياد في اعداد الجرحى.
عند هذه النقطة كتب الاستاذ - زياد علي - خطاب الاستقالة الذي وقعه ثمانية أعضاء كنت أحدهم. وعندما علم المجتمعون بهذه الاستقالة وافقوا على اقتراح تقدم به السيد عمرو موسى بتقديم توصيات محددة للمجلس العسكري وتعليق أعمال المجلس الاستشاري لحين الاستجابة للتوصيات.
وبناءا على هذا الاقتراح قررت وأخرون اعطاء فرصة أخيرة بتجميد الاستقالة لمنح المجلس الفرصة لتنفيذ ما اتفقنا فعلا عليه وهو إيقاف العنف فورا وبصورة نهائية والاعتذار والتحقيق.
غير أنه على مدى الساعات التالية لم يقف العنف بل زادت حدته وخرج من سارع مجلس الشعب ليجتاح ميدان التحرير ، وخرج علينا بيان المجلس العسكري لـ"يأسف" عما حدث .
لم أحضر الاجتماع الاستثانئي الذي جرى يوم السبت للنظر في رد المجلس العسكري على المجلس الاستشاري ولكل من يتساءل عن موقفى الحالي من المجلس الاستشاري فأنا الآن في عداد المستقيلين .


18/12/2011

عادل عبدالمهدي: الاستبداد.. الديمقراطية المُبطَنة.. الديمقراطية الدستورية

مر العراق بظروف عصيبة من الاستبداد والتفرد.. ودفع الشيعة والسنة والكرد والتركمان والمسيحيون وغيرهم تضحيات كبيرة.. وعانت الاحزاب الاسلامية كالمجلس والدعوة والاسلامي والصدريين والعمل.. والكردية كالبارت واليكتي.. والقومية واليسارية كـ "البعثيين" المناهضين لصدام والشيوعي والقوميين وبقية التشكيلات العسكرية والمدنية، الكثير من الاجراءات التعسفية من تعذيب لانتزاع الاعترافات.. والتشهير بالاعلام وباساليب البراءة المهينة.. والاتهام بالتآمر حقيقة او بالشك والظنة.. وتطبيق الاحكام الجائرة بالسجن والاعدام عبر قضاء مسيس وخارجه. فالاستبداد والطائفية والعنصرية هي السياسة، و"الديمقراطية الموجهة" هي الديكور.
وبعد التغيير والاستفتاء لدستور يضمن الحقوق الخاصة والعامة وتوزيع السلطات والموارد والانتخابات، بقي المطبق فعلاً خليط من ماض لم يصفَ تماماً.. ومن مبانٍ لم تستكمل حسب الدستور. فتجاهلنا التوازنات الضرورية لعمل النظام، كمجلس الاتحاد وتوازن الاقاليم والمحافظات وتحديد صلاحية كل سلطة.. واخضعنا الدستور لتوافقاتنا الهشة واحياناً الشخصية وليس العكس، متحصنين بـ "ديمقراطية مبطنة". ليس "موجهة".. ولا "دستورية" ايضاً. فكثير من القرارات الاساسية تتخذ في الكتل على حدة.. وكأن لكل طرف (وليس كردستان فقط) برلمانه وسلطته وشعبه.. فاجتماعات وقرارات الباطن (وبدون استثناء احد) تجعل شرعيتها الخاصة فوق كل شيء.. لتبرهن مرات عديدة انها اعلى من الشرعية الدستورية.. وقادرة على تعطيلها.. والتكلم باسمها واسم الشعب.
تاسيس الاقليم حق. لكن ما يجري فعلاً اعتقاد البعض ان الاقاليم تؤسس كرد فعل ومجرد قرار يتخذه حزب او مجلس، بدون مشاورات جدية واستكمال اجراءات دستورية.. بينما يعتبر اخرون، ان من حقهم حجز الطريق بشرعيتهم الخاصة.. وليس بالوسائل القانونية. لذلك ازدادت الامور توتراً في الاسابيع والايام الاخيرة لدرجة تنذر بعواقب وخيمة. فالجمهور السني يشعر ان هناك اجراءات امنية وسياسات محددة واغتيالات تنال منه ويشعر بالخوف على حاضره ومستقبله.. لكن الجمهور الشيعي يشعر ايضاً بالخوف وبان هناك من يتلبس باغطية الدولة.. ويستغل الديمقراطية والحريات لمواصلة ارهابه وقتله الجماعي والعودة للماضي. والكرد والتركمان والمسيحيون وغيرهم ليسوا بمنأى عن هذه المخاوف. فاذا لم نعد لسياسات المصالحة، وقبول الاخر حسبما هو وليس وفق مقاساتنا، مع التمسك الصارم بالدستور لنا وعلينا، فستتضخم المخاوف. فان عبرت حاجز اللاعودة، فلن تنفع اغلى الاثمان لترميم ما نحطمه اليوم. وسنكرر اخطاء غيرنا ولن نتجاوز اخطائنا. وسنخذل الشعب والبلاد ومصالحنا مرة اخرى.

الجامعة اللبنانية وليدة نضال الطلاب والأساتذة

الانهيار الذي شهده الوضع اللبناني عموماً، ووضع الجامعة اللبنانية خصوصاً، عبّر عن نفسه بوضوح في السيرة التي يسردها الدكتور سعود المولى هنا..
يقول سعود المولى: "فكرة انشاء جامعة وطنية وردت لأول مرة في خطاب ألقاه حميد فرنجية في 11 كانون الأول 1948 وكان يومها وزيراً للتربية والخارجية، وذلك في حفل اختتام مؤتمر منظمة الأونسيكو الثالث الذي انعقد في بيروت. ثم كرر الفكرة الرئيس رياض الصلح في أحد أيام العام 1949 حين زاره وفد من دار المعلمين والمعلمات الابتدائية (وكانت قد صارت تكميلية) وهي يومها كانت أعلى مؤسسة تربوية رسمية. ضم الوفد مدير الدار فؤاد افرام البستاني وأمين سرها أحمد مكي وأحد أساتذتها قيصر الجميل. وفي 17 كانون الثاني 1950 قررت لجنة التربية البرلمانية برئاسة يوسف حتي بقاء بنايات الأونيسكو تحت تصرف وزارة التربية لتكون جامعة للدراسات العليا. وخلال مناقشة موازنة وزارة التربية في شباط 1950 أيد معظم النواب انشاء جامعة وطنية باشراف الحكومة. وفي 5 كانون الأول أحيل على مجلس النواب مشروع قانون بفتح اعتماد اضافي في موازنة 1950 بقيمة 625 ألف ليرة منها 256 ألف لموازنة الجامعة اللبنانية. وقبلت لجنة المال المشروع بالاجماع. وفي 23 كانون الثاني 1951 أعلن طلاب التعليم العالي في لبنان (ومعظمهم من الجامعة اليسوعية) الاضراب لجعل التعليم العالي مجانياً بانتظار انشاء الجامعة اللبنانية. وكانت الحكومة الفرنسية قد توقفت عن تقديم المنح والمساعدات لطلاب الطب والهندسة في اليسوعية في حين أن الدولة اللبنانية كانت تدفع مئة ألف ليرة سنوياً توزع على من يتقدم بطلب منحة ويثبت حاجته المادية لها وذلك تحت اشراف ادارة الكليات القائمة في اليسوعية. وفي أول شهر شباط خاض طلاب دار المعلمين والمعلمات ومعهم طلاب كليات اليسوعية اضراباً للمطالبة بانشاء الجامعة اللبنانية. نتج عن الاضراب قرار مجلس الوزراء في5 شباط "بانشاء جامعة لبنانية في قصر الاونيسكو" تتولى تدريس الحقوق، الهندسة، العلوم السياسية، العلوم الرياضية، الآداب العالية، والأبحاث الطبيعية. أما الطب والصيدلة فتساهم الحكومة بتعليمها بمنح داخلية وخارجية". لكن الاضراب استمر حتى 13 شباط فقررت الحكومة في 8 شباط فتح اعتمادات للبدء بالعمل في انشاء الجامعة وتعيين لجنة مولجة بدرس أنظمة الجامعة ومناهجها. وقد انضم مجلس الجامعة الاميركية يوم 9 شباط الى المطالبين بالجامعة بعد ان كان موقفه سلبياً.وشارك الثانويون في الاضراب والتحركات .وطبعاً ذهبت حكومات وجاءت حكومات ولم يتم تنفيذ أي شيء من قرارات انشاء الجامعة.ولكن الدولة قررت انشاء دار المعلمين العليا وأصدرت وزارة التربية في 5 تشرين الاول 1951 بيانا حددت فيه شروط الدخول الى الدار قبل صدور مراسيم تنظيمها وتعيين موظفين لها.وشكلت لجنة ادارية من 3 موظفين للاشراف عليها هم نقولا بسترس وواصف بارودي وخليل الجر الذي عين مديراً للدار في ما بعد. وأعفي خريجو دار المعلمين والمعلمات من حملة البكالوريا القسم الثاني من امتحانات الدخول. في 15 تشرين الثاني 1951 أعلنت النتائج النهائية لامتحانات الدخول الى دار المعلمين العليا: الفرع الادبي 57 طالباً- الفرع العلمي 10 طلاب- الفرع الفني: طالبة واحدة. هكذا ولدت كلية التربية. وقد خاض طلاب السنة أولى للدار اضراباً في شباط 1952 بسبب عدم دفع المنح. وكان ذلك أول اضراب في تاريخ الجامعة اللبنانية!!! ثم أعلن الطلاب اضرابهم الثاني في آذار احتجاجاً على خفض قيمة المنحة. وفي العام 1952-1953 تظاهر الطلاب في كل لبنان مطالبين بالجامعة اللبنانية. هكذا بدأت تنشأ الجامعة اللبنانية على وقع اضرابات الطلاب والأساتذة.
وفي ذلك العام أيضاً أجرى طلاب دار المعلمين العليا أول انتخابات وشكلوا لجنتهم الطلابية (وكانت برئاسة فؤاد الترك). وفي كانون الثاني 1953 قادت اللجنة اضراباً واجهته الدولة بالشدة مذكرة الطلاب بأنهم موظفون في الدولة اذ يتقاضون منها المنح والرواتب وبالتالي فان قوانين الموظفين تطبق عليهم. ولكن الاضراب استمر واحتل الطلاب مبنى الدار واعتصموا داخله.وقامت الحكومة بفصل عدد كبير من الطلاب المضربين مستثنية بالاسم أولئك الذين لم يشاركوا في الاضراب.وحين قرر المضربون بدء الصيام عن الطعام قرر الذين لم يشملهم قرار الطرد دعم رفاقهم والتضامن مع المفصولين.أدى ذلك الى سجالات عنيفة في مجلس النواب. وتراجعت الوزارة عن قراراتها وأوقف الطلاب اضرابهم في 19 كانون الثاني 1953. ولكن الوزارة لم تنفذ الوعود فعادت الجامعة الى الاضراب في 9 شباط على أثر جمعية عمومية. وتضامن الثانويون مجدداً مع طلاب دار المعلمين العليا داعين الى الاسراع في انشاء الجامعة اللبنانية، وأيدهم طلاب اليسوعية والأميركية ورابطات الثانويين، ثم انضمت اليهم الهيئات النسائية بقيادة السيدة ابتهاج قدورة، وجاءهم التأييد أيضاً من الطلاب اللبنانيين الموفدين للتخصص في الخارج وخصوصاً من فرنسا.كما أن معظم نقابات العمال اشتركت في حملة التأييد. وبتاريخ 6 شباط 1953 صدرت المراسيم الاشتراعية التي نظمت الجامعة اللبنانية في عهد الرئيس كميل شمعون وحكومة خالد شهاب وكان سليم حيدر وزيراً للتربية. وتم تعيين فؤاد افرام البستاني أول رئيس للجامعة اللبنانية. وفي تشرين 1953 تغير اسم دار المعلمين العليا الى معهد المعلمين العالي ودخل اليه 36 طالباً جديداً. وبين العامين 1953 و1959 كان المعهد هو الجامعة اللبنانية حتى صدرت المراسيم الاشتراعية بانشاء كلية الآداب والعلوم الانسانية، وكلية العلوم، وكلية الحقوق والعلوم السياسية والادارية، ومعهد العلوم الاجتماعية، في 16 كانون الأول 1959، وقد جرى تنظيم معهد المعلمين العالي في العام 1964 لفصله عن كليات الآداب والعلوم ، ثم ليتحول ويصير اسمه كلية التربية في العام 1967.
إنشاء الجامعة وسياسة "اللامبالاة" الرسمية
ويؤكد المولى انه، على الرغم من إنشاء الجامعة اللبنانية، اتبعت الدولة سياسة "عدم المبالاة" تجاه التعليم الرسمي بشكل عام، وتجاه الجامعة اللبنانية بشكل خاص، الأمر الذي دفع طلاب وأساتذة الجامعة في العامين 1967 و1968 (كليات التربية والآداب والعلوم والحقوق ومعهد العلوم الاجتماعية) إلى تنفيذ سلسلة من الإضرابات نجحوا خلالها في تحقيق مطالب عدة، منها تأمين مشاركة الأساتذة والطلاب في إدارة الجامعة، وتسيير الإدارة ذاتيا عن طريق المجالس التنفيذية، بالإضافة إلى تحقيق استقلالها المالي والإداري تحت إشراف المجالس مما يمنع تدخل السلطة، ويحقق حرية الرأي والنشر وحق تشكيل الأدوات النقابية.
واستكمل الطلاب إضراباتهم وتظاهراتهم في العام 1970، فأرغموا الدولة على إصدار قرارات تتعلق بنظام المنح للمتفوقين والمحتاجين، وإيفاد الطلاب المتفوقين للتخصص في الخارج في مختلف الاختصاصات العلمية، بالإضافة إلى إصدار قانون التفرغ للأساتذة الذين كانوا حتى ذلك الوقت بالتعاقد. ثم بدأت مراسيم الكليات التطبيقية بالظهور، وتم بناء كلية العلوم في الحدث كخطوة أولية نحو بناء المدينة الجامعية، فضلا عن وضع خطة لبناء كلية الآداب وعدد آخر من الكليات.
وقد شهد العام 1971، حراكا طلابيا اعتبر الأقوى في تاريخ النضال الطلابي. ففي هذا العام قام طلاب الجامعة اللبنانية بقطع طريق المطار لمدة ساعة، واشتبكوا مع رجال الأمن ما أدى إلى سقوط 40 جريحا بحسب الصحف التي قدرت عدد الطلاب بعشرة آلاف. كما قام الطلاب باحتلال كل مباني الكليات في الجامعة اللبنانية التي بلغ عددها آنذاك 5 كليات والمعاهد التي بلغ عددها 3 فيما عقد مجلس الجامعة أول اجتماع بمشاركة 6 طلاب، وتم تشكيل لجنة من الطلاب والأساتذة لتحضير مشروع قانون معجل في غضون 24 ساعة يقضي بتعديل نظام الجامعة اللبنانية، بغية إشراك الطلاب في مجالس الكليات والمعاهد وفي مجلس إدارة الجامعة.
وفي ذلك العام أيضاً أقام الطلاب استفتاء واسعا أقرّ صيغة التمثيل النقابي المنتخب ديموقراطيا (وهي الصيغة التي اقترحتها حركة الوعي بقيادة بول شاوول وانطوان دويهي وعصام خليفة)، وتم انتخاب أول لجنة تنفيذية للاتحاد برئاسة عصام خليفة، بعدما تم وضع النظام الداخلي للاتحاد، وفاز فيها تحالف الوعي مع ما يسمى باليمين على تحالف اليسار، قبل أن يتبادل الطرفان الربح والخسارة في السنوات اللاحقة. وهو ما دل على وحدة الحركة النقابية الطالبية، إذ كان الصراع يتمحور بين القوى على البرامج ولم يكن صراعا أو خلافا طائفيا. فقد كان يجري الالتزام من كافة الأطراف بقرارات اللجنة التنفيذية برغم الخلافات السائدة، وهذه هي القاعدة التي ارتكز عليها الصراع بين اليمين واليسار وغيرهما من المجموعات الطالبية.
وفي العام 1974 أصدر مجلس الوزراء مرسوما ببعض المطالب منها إنشاء كلية هندسة وكلية زراعة، بالإضافة إلى رصد مبلغ من المال لإنشاء البناء الجامعي - كلية التربية، كلية الآداب - والضمان الصحي. أما في العام 1975، فكانت آخر انتخابات للاتحاد قبل اندلاع الحرب الأهلية.
"حرب" المراسيم على مجلس الجامعة والاتحاد
ويتابع "في العام 1977، أصدر مجلس الوزراء المرسوم رقم 122 الذي أدخل تعديلات أساسية على هيكلية الجامعة وقلص من صلاحيات مجلس الجامعة وقام بتفريع الكليات بسبب مخاطر التنقل بين المناطق، كما صدر المرسوم رقم 115 الذي كرّس عملياً حل الاتحاد الوطني لطلاب الجامعة اللبنانية، وحدّ من صلاحياته ودوره في مجلس الجامعة، ما أثر على الحياة الديموقراطية التي عرفتها الجامعة.والتي انتهت منذ ذلك التاريخ لندخل عصر أمراء الطوائف وميليشياتها وفسادها.
فقد صار عدد فروع الجامعة اللبنانية 48 فرعاً في مختلف أنحاء لبنان. وأصبح لكل طائفة قواها الطلابية الخاصة بأحزابها وميليشياتها وقد بسطت سيطرتها على فروع الجامعة كل تبعاً للمنطقة التي يتواجد فيها الفرع.
وقد عانى القطاع التعليمي في الثمانينيات، من ضربات متتالية: مثل انهيار مستوى الشهادة الرسمية وتراجع القدرة المعيشية عند المعلمين، وسيطرة الطوائف على إدارة الجامعة اللبنانية. وتراجعت موازنة الجامعة وتوقفت المنح عن الطلاب المتفوقين والمعوزين، وتوقف الضمان الصحي، ونهبت المكتبات والمختبرات، وتوقفت الحياة الديموقراطية.
وبعد اتفاق الطائف، استمر ضعف الحركة الطلابية التي سقطت رهينة الانقسام الطائفي والميليشياوي وتحولت الجامعة اللبنانية الى مخزن كبير (لعله الأكبر في لبنان اليوم) لتقاسم المنافع والحصص والوظائف والخدمات وحتى الشهادات.
لم تعد الكفاءة ولا الجدارة ولا المناقبية ولا المعرفة هي معيار التفرغ أو الدخول الى الملاك، بل هي الانتماء الى هذا الحزب أو ذاك.
كلية التربية كانت كل حياتنا
اما كلية التربية فيصفها المولى بأنها كانت "شغلة كبيرة". ويقول: "دخلت كلية التربية في تشرين الأول 1971 بعد امتحان دخول كنت فيه من بين الناجحين المطلوبين لقسم الفلسفة العامة وعلم النفس (والامتحانات كانت تجري باللغة الفرنسية). وقد حاول السياسيون التدخل لحصر اعلان نتائج امتحان الدخول بجماعتهم، لكن مجلس الطلبة كان حاضراً بقوة ومنع التدخل في النتائج لا بل أنه أوقف اعلانها حتى التأكد من شرعيتها وقانونيتها وفقاً للنتائج الفعلية. وكان المجلس يومها تحت سيطرة حركة الوعي وبرئاسة بول شاوول. ولولا تدخل مجلس الطلاب ورئيسه بول شاوول لكان شطب اسمي وحل محلي طالب راسب مدعوم من أحد الزعماء السياسيين.
كانت كلية التربية شغلة كبيرة في تلك الأيام.إذ كان يتم اختيار 30 طالباً للدراسة في كل اختصاص من مناهج التعليم الثانوي ولمدة خمس سنوات يحصل فيها الطالب على شهادة الكفاءة في التعليم الثانوي (ما يعادل الماجستير اليوم) يدخل بموجبها ملاك التعليم الرسمي كأستاذ ثانوي ملزم بالتدريس 5 سنوات على الأقل وإلا يدفع للدولة قيمة المنحة التي قبضها خلال سنوات الدراسة الخمس، ونظام التفرغ للدراسة خمس سنوات مع وجود منحة تدفعها الدولة للطلاب (كانت 100 ثم 200 ثم 300 ليرة) نظام عظيم لم يعد موجوداً اليوم للأسف. حتى أن الدراسة خمس سنوات وشهادة الكفاءة وضرورة امتلاك اللغات الاجنبية لم تعد اليوم شروطاً وفقدت كلية التربية معناها ومبرر وجودها حين صارت كغيرها من الكليات، لا بل أن بعض الأساتذة اليوم لا يجيد اية لغة أجنبية وبعضهم يتباهي بذلك من باب مقارعة الامبريالية العالمية والمؤامرات الصهيو-أميركية.
كلية التربية كانت قرب الأونيسكو حيث كلية الاعلام اليوم وكانت مكتبتها عامرة قبل أن تنهبها عصابات "الثوار" في حروب لبنان الطائفية. وكنا نقضي معظم نهاراتنا وأمسياتنا في الكلية ما بين الكافيتريا والمكتبة والصفوف، وكانت الكلية تستقبل طلاباً من الآداب والعلوم (القريبتين) نظراً للأجواء الخاصة التي شهدتها كلية التربية خلال تلك المرحلة. في كلية التربية درسنا على أدونيس والأب سليم عبو والأب بشارة صارجي وأدمون نعيم والشيخ عبدالله العلايلي والشيخ صبحي الصالح وناصيف نصار وخليل الجر وعادل فاخوري وفريد جبرائيل نجار وفؤاد افرام البستاني وجورج طعمه ونايف معلوف وألبير نصري نادر، وغيرهم من كبار أساتذة الفلسفة والتربية والفكر العربي المعاصر، وهناك أعلام كبار أيضاً كانوا أساتذة في بقية الفروع التي لم أكن على تماس معها وخصوصاً الفروع العلمية.
في كلية التربية تجاور وتحاور الياس الخوري وبول شاوول وانطوان دويهي وجبور دويهي وعصام خليفة وغسان شربل وبشارة شربل وجورج سمعان وشربل داغر ومحمد العبدالله وحسن العبدالله وجودت فخرالدين وشوقي بزيع وحسن داوود وحمزة عبود وزهوة مجذوب وحسن بزون وأنور الفطايري وسعدالله مزرعاني والياس عطا الله وطانيوس دعيبس وسهيل عبود وطلال طعمه وطوني فرنسيس وعبدالوهاب بدرخان وحنا غريب وانطوان حداد وحارث سليمان ونزيه خياط ودلال بزري وعلوية صبح وحسنية صبح وربى كبارة وبهية بعلبكي وبيار عقل وجورج كتورة ومحمد شيا وسميح دغيم وهيام المولى ورالف غضبان وديب القرح وعقل العويط ومحمد أبي سمرا وحسن الشامي ونجوى حيدر وضحى سليمان وشادية الحلو وسامي عون و(الشيخ) ماهر حمود و(الشيخ) نعيم قاسم، وليعذرني من نسيت اسمه عن غير قصد، فاللائحة طويلة جداً وهي إن دلت على شيء فإنما تدل على مدى تأثير طلاب كلية التربية في الحياة السياسية والثقافية والاعلامية والعلمية في البلد خلال النصف قرن الماضي..
في كافيتريا كلية التربية كانت الحوارات والمناقشات بين هؤلاء الطلاب - المثقفين - المناضلين، وغيرهم ممن كان يحضر من بقية الكليات والجامعات ومن كل أنحاء لبنان، تملأ فضاء الوطن، فتتشكل على طاولة الكافيتريا أحزاب وجماعات وتنشق أحزاب وجماعات وتقوم تحالفات وتفرط تحالفات، حتى أن سفير الاتحاد السوفياتي كان يتدخل شخصياً في انتخاباتنا الطلابية.
اليوم لم تعد كلية التربية ما كانت عليه. ولم تعد الجامعة اللبنانية ما كانت عليه. لم يعد الطلاب والاساتذة ما كانوا عليه.

عادل عبد المهدي: التجرد.. الحقيقة.. طريق الاصلاح

السياسي والاجتماعي، كالفيزيائي والكيميائي، له مختبره يدقق افكاره وخططه قبل طرحها وتجربتها. والمختبر والاختبار هو تجريد وعزل لمعرفة حقيقة الاشياء وخصائصها، ثم خلط، وتجربة، وتحليل، واستنباط، ونتائج، ونظريات. ولعلنا نحتاج ان نعزل ونجرد في "مختبرنا" او محاكاتنا الخاصة عدداً من االامور، أهمها:

• الانوية والعائلية.. ان "نتخيل" الانفصال عن اي تكوين ذاتي او اسري. بكل خصوصياته وصناعته الداخلة في صلب نشأتنا واخلاقياتنا وانحيازاتنا. لنموضع عقلنا "حراً" "منطلقاً" "متفكراً" بدون "بديهيات" و "حمايات" طبيعية او غريبة، لنخرج الى البيئة الاوسع لنفهمها كما هي.. لا ان نسقط فهمنا عليها قبل تدقيقها.

• الحزبوية والتيارية.. ان "نفترض" انفسنا باخلاص خارج الانتماء الحزبي والسياسي الذي قد يقيد رؤيتنا ويدفعنا لان نقرر خيارات، اولوياتها واهدافها الحزب او التيار، وليس ما يقرره وجداننا وضميرنا، ومصالح البلاد والشعب اولاً.

• المناطقية والجهوية والجغرافيا.. ان "نتأمل" في تحيزاتنا المحلية، و"نعبر" جغرافيتنا بكل اطرها وابعادها، وما غرسته فينا من حب وكراهية، لنعي التيارات الكبرى والاتجاهات الصاعدة.

• التاريخية.. ان "نضبط" التاريخ ببعديه الماضوي والمستقبلي.. وما نسجته ثقافتنا ومداركنا، بايجابياتها وسلبياتها.. والتي قد تشكل حواجز امام الاتجاهات الصاعدة والحاكمة. ولا تقل تجريدية المستقبل عن الماضي.. فلا قدريات وحتميات –عدا ما يقدره الله سبحانه وتعالى-.. فنتحرر من تصورات البعض بان العالم قد رسمت اتجاهاته. واننا مضطرون –بدون تدقيق ومصلحة- للتكيف المصطنع والاندماج القسري بكل خسائره وتشوهاته.

• المذهبية والدينية.. يقول ابن المقفع، "الدين يسلم بالايمان، والراي يتبث بالخصومة "(الراي الاخر).. والايمان في وعيه، هو تدقيق في تلقين الانتماء والمحيط... "فنتصور" انفسنا قبل التلقي والتلقين.. لنراها (النفس) على فطرتها الاولى مُخاطبين ووارثين ومُحاسبين.. فنتعرف مجردين على خالقنا وانفسنا، فنؤكد الاصيل ونعزل الدخيل، لنرتقي بايماننا وفطرتنا وعلمنا ومعرفتنا ورأينا، بعد ان اعيد تأكيدها وتدقيقها وتجديدها.

الكل، بحاجة ان يقف امام ضميره ووجدانه وخالقه مجرداً، متجرداً، غير متلبس ليدقق الحقائق وطرق الوصول اليها. ان فعلنا ذلك حقاً فسنعود لانتماءاتنا الطبيعية ونحن اكثر ثقة واخلاصاً وايماناً بان ما نقوم به هو الصواب او ما يدور حوله. وسنرى امكانياتنا وامكانيات غيرنا بكل قوتها وضعفها.. وسنرى مناهجنا وطرقنا بشكل ادق وانفع. التجرد.. الحقيقة.. طريق الاصلاح

السياسي والاجتماعي، كالفيزيائي والكيميائي، له مختبره يدقق افكاره وخططه قبل طرحها وتجربتها. والمختبر والاختبار هو تجريد وعزل لمعرفة حقيقة الاشياء وخصائصها، ثم خلط، وتجربة، وتحليل، واستنباط، ونتائج، ونظريات. ولعلنا نحتاج ان نعزل ونجرد في "مختبرنا" او محاكاتنا الخاصة عدداً من االامور، اهمها.

• الانوية والعائلية.. ان "نتخيل" الانفصال عن اي تكوين ذاتي او اسري. بكل خصوصياته وصناعته الداخلة في صلب نشأتنا واخلاقياتنا وانحيازاتنا. لنموضع عقلنا "حراً" "منطلقاً" "متفكراً" بدون "بديهيات" و "حمايات" طبيعية او غريبة، لنخرج الى البيئة الاوسع لنفهمها كما هي.. لا ان نسقط فهمنا عليها قبل تدقيقها.

• الحزبوية والتيارية.. ان "نفترض" انفسنا باخلاص خارج الانتماء الحزبي والسياسي الذي قد يقيد رؤيتنا ويدفعنا لان نقرر خيارات، اولوياتها واهدافها الحزب او التيار، وليس ما يقرره وجداننا وضميرنا، ومصالح البلاد والشعب اولاً.

• المناطقية والجهوية والجغرافيا.. ان "نتأمل" في تحيزاتنا المحلية، و"نعبر" جغرافيتنا بكل اطرها وابعادها، وما غرسته فينا من حب وكراهية، لنعي التيارات الكبرى والاتجاهات الصاعدة.

• التاريخية.. ان "نضبط" التاريخ ببعديه الماضوي والمستقبلي.. وما نسجته ثقافتنا ومداركنا، بايجابياتها وسلبياتها.. والتي قد تشكل حواجز امام الاتجاهات الصاعدة والحاكمة. ولا تقل تجريدية المستقبل عن الماضي.. فلا قدريات وحتميات –عدا ما يقدره الله سبحانه وتعالى-.. فنتحرر من تصورات البعض بان العالم قد رسمت اتجاهاته. واننا مضطرون –بدون تدقيق ومصلحة- للتكيف المصطنع والاندماج القسري بكل خسائره وتشوهاته.

• المذهبية والدينية.. يقول ابن المقفع، "الدين يسلم بالايمان، والراي يتبث بالخصومة "(الراي الاخر).. والايمان في وعيه، هو تدقيق في تلقين الانتماء والمحيط... "فنتصور" انفسنا قبل التلقي والتلقين.. لنراها (النفس) على فطرتها الاولى مُخاطبين ووارثين ومُحاسبين.. فنتعرف مجردين على خالقنا وانفسنا، فنؤكد الاصيل ونعزل الدخيل، لنرتقي بايماننا وفطرتنا وعلمنا ومعرفتنا ورأينا، بعد ان اعيد تأكيدها وتدقيقها وتجديدها.

الكل، بحاجة ان يقف امام ضميره ووجدانه وخالقه مجرداً، متجرداً، غير متلبس ليدقق الحقائق وطرق الوصول اليها. ان فعلنا ذلك حقاً فسنعود لانتماءاتنا الطبيعية ونحن اكثر ثقة واخلاصاً وايماناً بان ما نقوم به هو الصواب او ما يدور حوله. وسنرى امكانياتنا وامكانيات غيرنا بكل قوتها وضعفها.. وسنرى مناهجنا وطرقنا بشكل ادق وانفع.

برهان غليون: الشعب اللبناني متعاطف مع الثورة السوريّة..

أكّد رئيس "المجلس الوطني السوري" برهان غليون أنّ "النظام السوري يعمل على تقويض أسس المبادرة العربيّة لارهاب الشعب"، مشيرًا إلى أنّه "في دير الزور وحمص القصف مستمر كما وحملة الإعتقالات". وأضاف: "الموت تحت التعذيب يستمر ودمشق شهدت اليوم آلاف المشيّعين لهالة منجد التي استشهدت وعمرها 11 عامًا وقتلت بيد الغدر امس في الميدان".
غليون، وفي مؤتمر صحافي عقده مع أعضاء "المجلس الوطني السوري" بعيد توقيع دمشق على بروتوكول إرسال بعثة مراقبين عربيّة إلى سوريا، قال: "إسمحوا لي أن أحيّي الشعب أبطال الجيش الحر الذين رفضوا تطبيق الاوامر بقتل اخوانهم وأحيّي "التنسيقيّات" الذين يبدعون وسائل كل يوم مقاومة سلمية جديدة لمقاومة الإرهاب الرسمي وفتح طريق الإنتصار لشعبنا البطل، ونحيّي الشعب الذي انتفض ليمنحنا الحرية وفتح للمنطقة طريقًا جديدًا نحو الديمقراطيّة".
وإذ لفت إلى أنّ "المجلس الوطني أعلن قبوله بالمبادرة العربية وشروط تطبيق هذه المبادرة واهمها ان يبدأ الالتزام بتطبيق بنودها مباشرة مثل سحب الجيش واطلاق المعتقلين واطلاق الحريات العامة وحق التعبير للشعب السوري"، أشار غليون إلى أنّه "بعد أكثر من شهر ونصف على اطلاق المبادرة لا نرى سوى مراوغة النظام السوري"، وقال: "نحن مستغربون من موقف "الجامعة العربية" التي اتاحت اكثر من فرصة للتهرّب من التزاماته ومسؤولياته ونريد ان تتّخذ موقفًا أقوى وأن لا تُخدع الجامعة بمراوغة النظام وكذبه، فما قاله (وزير الخارجيّة السوري وليد) المعلّم يدل دلالة كاملة على أنّ ليس في نيتهم تطبيق أيّ مبادرة". وأوضح أنّ المعلّم "يتحدث عن خطة لم يسمع بها أحد ويهدّد المراقبين قبل ان يأتوا بوجود مناطق آمنة وأخرى غير آمنة ربما تتعرضون فيها للأذى وبالتالي المؤتمر الصحافي بيّن ما يحصل مراوغة".
غليون الذي اعتبر أنّ "الحكومة الإنتقالية ستكون من المعارضة و"المجلس الوطني" ولكن بالتعاون مع الشعب"، قال: "نريد الحفاظ على مؤسسات الدولة ونساعد على تماسك اجهزة الأمن ونريد ان تكون للمؤسسة العسكرية دورًا في تطمين جميع فئات الشعب واطيافه على ان الثورة لن تكون انتقامية ولن تقود إلى الفوضى، بل إنّ مؤسّسات الدولة ستكون فاعلة وعاملة وستكون للحكومة معارضة ديمقراطيّة وكل ذلك سيتم بالتعاون مع الجيش وأجهزة الدولة المختلفة".
وأضاف: "هذه صيغة رسميّة لخداع النفس لا يكذبون على أنفسهم بل على الشعب أيضًا ولا نعترف بأي كلام من جهة المعلم لأنّه من جهة واحدة ولن نصدّق أيّ كلمة ما لم تقلها جامعة الدول العربية". وأردف: "برنامج المجلس الوطني السوري أقرّ بالإجماع وسيوزّع"، وقال: "نحن نريد ان ندافع عن ابنائنا نحن نعمل من اجل الشعب وليس من أجل إسقاط (الرئيس السوري بشّار) الأسد وهناك الكثير من الدول والأطراف من يبحث لهذا المجرم عن ملجأ وهذا ليس شغلنا".
وتابع غليون: "قلنا اننا لا نريد ان تكون سوريا حماية المدنيين عندما يتعرّضون إلى حرب لا انسانيّة وحرب وحشية وانتهاكات تعادل الجرائم ضد الإنسانيّة هذا واجب على المجتمع الدولي وعلى منظمات الأمم المتحدة ولن نطالب كجزء في أن تصان حياة ابنائه وجريّاته". وأضاف: "غايتنا وقف القتل وحماية المدنيين والوسائل نناقشها مع حلفائنا واصدقائنا في الأمم المتحدة ومجلس الامن و"الجامعة العربية" ونناقش ذلك بحسب الحاجة وهناك فرضيات متعددة عن مراقبين دوليين واطلاق حرية تحرك الصحافيين والإستعانة بقوات ردع عربي وإذا أمكن نحتاج إلى استخدام القوة وليس حرب شاملة بل بشكل محدود إذا اضطر الامر وربما يزيد استخدام القوة في منطقة ومواقع محددة نحن نريد ان نكون اسياد امرنا في تحديد الوسائل التي يقر فيها استخدام القوة، ولم نسلم سيادتنا لا للأمم المتحدة ولا لمجلس الأمن وهذا الأمر يناقش معنا كسوريين وكمجلس وطني".
وقال غليون: "نحن نريد أن نحرّر الشعب السوري وليس لدينا عدو آخر بالمطلق، وهناك تصريحات رسمية من قبل بعض القوى السياسيّة وبعض القوى الإقليميّة تجمع على النظام السوري وعلى دعم النظام وذلك جزء من سياساتهم وليس فقط للتحالف الإستراتيجي وهم يوحّدون بين الثورة الشعب المقهور والمؤامرة الخارجيّة وهم في خطابهم يعلنون انهم يعتزمون المشاركة في القضاء وهم يدينون انفسهم بخطابهم"، وأردف: "لا اتصور أنّ أبناء الشعب اللبناني يستطيعون أن يُغمضون أعينهم عمّا يحدث في سوريا فكل ابناء الشعب اللبناني متعاطفون مع الثورة السورية ومع معاناة شعبه".
وأضاف: "إذا طبّق الأسد شروطنا سترجع الثورة السورية سلميّة 100% ولن يعود هناك حاجة لاستخدام القوّة. وقال: "أفدنا الآن عن مجزرة وتدمير مستشفى في جبل الزاوية على رؤوس المرضى فرياض الأسعد قائد الجيش السوري الحر يسمعنا الآن وهو أرسل لنا الخبر مباشرة من الميدان".
واعتبر غليون أنّ "سوريا مقبلة على ولادة حرة بثورة حقيقيّة اذا لم تأت بولادة طبيعية فيجب الإستعانة من أجل مصلحتها ومصلحة الوليد بعملية قيصرية ولن نوفّر جهدًا في سبيل انقاذ الوليد وهو وليدنا وحريتنا وفي انقاذ وليدنا وهو الوطني وهو وطننا".
وأضاف: "نحن مستعجلون في تعبئة المجتمع الدولي هذا محور أول والمحور الثاني هو التعاون مع الأمم المتحدة لتأمين هذه الحماية، مع محور "الجيش الوطني السوري الحر" بالإضافة إلى العقوبات الإقتصادية فالنظام في طريقه إلى التصدّع تحت هذه الضغوط سواء أتانا الغيث من الخارج أو لم يأتنا فهناك قوى منظمة حقيقية ضد الشبّيحة وهناك تصميم لا نهائي من قبل شبابنا للقتال حتى النهاية وقطيعة دولية متزايدة مع النظام لاخراجه والطلب مستمر للأسد بالتنحي".
وتابع غليون: "العراقيون طلبوا ان يتحدثوا معنا وطلبوا منا التواصل والتعرف على الثورة ونحن طلبنا منهم في المقابل ان يعلنوا انهم لا يحملون أي مبادرة كشرط للتواصل معهم، ونحن من الآن فصاعدًا نرفض أي مبادرة جديدة لتقطيع الوقت وتمرير الوقت".
من جهتها، حيّت عضو "المجلس الوطني السوري" بسمة قدماني "تونس وشعبها وطريق محمّد البوعزيزي (المواطن التونسي الذي أحرق نفسه وسبّب بشرارة الثورات العربيّة) التي نمشي عليها حتى تتكلل ثورتنا بالنصر". وأضافت: "هناك حوار دائم منذ فترة في القاهرة وتقدّم وتقريبًا توصّلنا إلى رؤية مشتركة وموحّدة، وقد تمّ توحيد هذه الرؤية حول مبادئ هي مشتركة السقف والرؤية للمرحلة الإنتقالية ولحماية المدنيين ايضا وهناك اتفاق على الصيغة الموحدة بالنسبة إلى كل المعارضة".
وأضافت: "بالمضمون توصّلنا تحديدًا إلى أنّ المرحلة الإنتقالية تبدأ بتنحي الأسد أي رأس النظام لتبدأ المرحلة الانتقاليّة بحماية المدنيين، وهي إما أن تتم أو أن نطالب بها بجميع الوسائل المشروعة وحول هذين البندين سنذهب إلى مؤتمر المعارضة لصياغة الورقة الأخيرة و"الجامعة العربيّة" تُعوّل على ذلك وتنتظر هذا الموقف والمجلس يرى أن التطبيق اصبح مفتوحًا أمام تبنّي المعارضة حقيقة كبديل للنظام ونزع الشرعيّة عن هذا النظام". وتابعت: "المجلس يسير على هذا الطريق والتنسيق مع "الجامعة العربيّة" كان منذ بداية المبادرة جيّدًا وعملنا بصدق وبالتنسيق الكامل".
إلى ذلك، قال عضو المجلس هيثم المالح: "هذا النظام الذي يدير سوريا منذ سنوات وعقود خارج إطار القانون والمؤسسات لا يحترم القانون ولا يحترم المعاهدات الدوليّة ويدير البلاد خارج كل هذه المفاهيم وهو فاشل وساقط من الناحية القانونيّة عندما يبدأ أي نظام حربًا على شعبه ينشر ثلاث آلاف دبابة في سوريا ويهاجم الثوار السلميّين بالطائرات ماذا بقي له".
وتابع: "أيّ نظام يستمد شرعيّته من الشعب والشعب قال كلمته في الشارع إرحل وبالتالي فقد شرعيّته القانونيّة في الداخليّة، ومن الناحية الدوليّة كل الدول سحبت النظام من تحت أقدامه وقالت له هذا النزاع غير شرعي وساقط دوليًا وقانونًا الحبل يضيق على هذا النظام ونطلب من الدول العربية كافة ان تسحب سفراءها ودول اوروبا ان تسحب سفراءها وأن تطرد السفراء الذين هم جواسيس للنظام السوري وليسوا دبلوماسيين".
وبعده شدّد عضو المجلس عمر ادلبي على أنّ "شباب الثورة الذين تهجروا لم يخرجوا ولم يضحوا بدمائهم من اجل ألا يسقط النظام". وأضاف: "هذا النظام اسقطته أول مجموعة من الأولاد الذين كتبوا على الجدار "الشعب يريد اسقاط النظام" في حماة الأبيّة".
وإذ كشف عن أنّه "تمّ اعتقال ناشط محمد الوزير عضو في المجلس الاعلى للثورة السوريّة وهو عضو في المجلس الوطني السوري"، قال إدلبي "الجامعة العربية التي ذهبت اليوم الى قبول مبادرة أتمنى ان يكون السؤال عن هذا المناضل والشاب الثائر في طليعة الأسئلة إلى اركان النظام واجهزته الامنيّة". وأضاف: "بمناسبة التوقيع على بروتوكول التعاون ومنذ إعلان النظام عن قبول المبادرة العربية سقط منذ ذلك الوقت 137 شهيدًا نسمّيهم "شهداء الموافقة على البروتوكول"، ومن بين هؤلاء الشهداء ستون شهيدًا هم طفلة و29 سيدة و39 ماتوا تحت التعذيب وهذه حقائق نضعها حتى تتصرّف الجامعة وأن لا تمنح النظام مزيدًا من الوقت لقتل شبابنا الثائر

الدعوة السلفية: نحتاج إلى طمأنة المتخوفين من مشاركتنا السياسية

علي عبدالعال
قال الشيخ علي حاتم -المتحدث الرسمي باسم مجلس إدارة الدعوة السلفية- إننا نحتاج إلى طمأنة المتخوفين من مشاركتنا في العمل السياسي ممن لم يؤيدنا، ولا يعرف حقيقة دعوتنا، مضيفا: أن هذا يستلزم مد الجسور بيننا وبينهم، على أن تكون البداية من طرفنا، خاصة وأن هؤلاء خليط كبير من البشر، له احتياجاته ومصالحه، ويبحث عمن يخاطب مشاعره، وله درجته من التدين، ويحتاج من يأخذ بيده، ويصبر على تعليمه، ويرفق به.
وفي رسالة وجهها إلى الفائزين في الانتخابات من مرشحي حزب "النور" قال الداعية السلفي: إن النجاح الذي حققه الحزب ينبغي ألا يشغلنا عن التعرف على أخطائنا وعيوبنا، وإدراك سبل علاجها وتلافيها في المستقبل، وإزالة آثارها قبل الدخول في معترك جديد وهي تصحبنا كما هي؛ لئلا تؤثر على عملنا الحزبي والدعوي.
وقال الشيخ حاتم ـ وهو عضو مجلس شورى الدعوة السلفية ـ لقد دخلنا عالم السياسة ونحن نعلم ما فيه من تجاوزات تعارف الناس عليها من قديم، ولكننا دخلنا عالم السياسة؛ لنطهره مما فيه، وأضاف: مَن أيَّدنا ومنحنا صوته يتوقع منا ذلك، ويثق في قدرتنا على تحقيقه، وتابع: علينا أن نسعى جاهدين بلا تقصير أو تفريط في تحقيق المرجو من دخولنا في عالم السياسة، فلا نقابل إساءات الآخرين بإساءات منا، ولا نواجه تجاوزات الآخرين بتجاوزات مماثلة، وإذا دخلنا معهم في مناقشات فلا نحتد عليهم ولا نوسع هوة الخلاف معهم، ونلتزم بأخلاق الإسلام وآدابه، مع الحرص على الإقناع والبيان وإقامة الحجة.
واعتبر حاتم وجود هذا العدد الكبير من مرشَّحي "حزب النور" في مجلس الشعب يعكس مدى ثقة الجماهير في "الدعوة السلفية" وحزبها مع أنها أول مشاركة للحزب في الانتخابات. ودلل على ذلك بأن هذه النتيجة جاءت على بالرغم من كل الحملات الدعائية ضد السلفيين عامة والدعوة السلفية خاصة، والتي سبقت وصاحبت وتبعت الجولة الأولى من الانتخابات من الإعلام المغرض: المرئي، والمسموع، والمكتوب
ونبه القيادي السلفي إلى أن البرلمان القادم سيتحمل مسئولية وضع دستور البلاد، وإعادة بناء الدولة، والخروج بها مما هي فيه من أوضاع متردية. وقال إن هذا يتطلب الكثير من الجهد، والعمل الدءوب والمثابرة، خاصة في توضيح المنهج الإسلامي المستمد من الكتاب والسنة في بناء الدولة في الإسلام، والتعرف على القدر المتاح والممكن في ضوء ظروفنا الحالية وواقعنا الحاضر، مع الأخذ في الاعتبار السبل الممهدة لتحقيق ما لا يمكننا حاليًا تحقيقه، ورأى أن هذا ليس من باب التدرج في التطبيق بقدر ما هو إتيان ما في الوسع والطاقة، وقال "كلما أمكن تطبيق أمر؛ أدخلناه في حيز التطبيق حتى يأذن الله -تعالى- بكمال تطبيق شرعه".
كما توقع الشيخ السلفي أن يضم المجلس القادم "اتجاهات عديدة متباينة، منها: ما يحمل العداء السافر للتيار الإسلامي. ومنها: ما يحمل فكرًا تبناه من الفكر الغربي وتربى عليه، ويراه منهجًا للإصلاح على ما فيه. ومنها: من له أهداف ومصالح وأطماع يسعى لتنفيذها، لا يراعي فيها مصلحة الأمة والوطن". مشيرا إلى أن كل هذه الأطياف تتطلب أن يبذل النواب السلفيون مزيدا من الجهد والعمل الدءوب والمثابرة، خاصة في توضيح المنهج الإسلامي المستمد من الكتاب والسنة في بناء الدولة في الإسلام.
وأيضا ما يلزم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإرشاد والنصح والتوجيه، وبيان ما يحتاج إلى بيان من أحكام الشرع، والدلالة عليها، وإظهار مقاصد الشرع ومحاسنه في كل ما أمر به أو نهى عنه، والرد على شبهات المخالفين، والتصدي لألاعيب وافتراءات أهل الأهواء الذين ستظهر نواياهم من خلال ما يعرضونه من أفكار وآراء يريدون بها فتح أبواب الفساد والإفساد على الأمة.
وقال إن كل ذلك يحتاج إلى التعامل معه بالحكمة والموعظة الحسنة بعيدًا عن الشدة والعنف، وفق ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الشرع، فيكون لكل مخاطب منا يناسبه أخذًا بالأسباب، والهداية والتوفيق من عند الله -تعالى-.واستدل الشيخ بقول الله -تعالى- لنبيه -صلى الله عليه وسلم- معلمًا للأمة في شخص النبي: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) (آل عمران:159).
ووضع الشيخ علي حاتم أمام النواب السلفيين أعمال كبيرة عليهم أن ينجزوها، مثل: الدخول في مناقشة دستور البلاد وسن القوانين الجديدة، ومراجعة التركة الموروثة من القوانين السيئة التي وضعها النظام السابق، والأخذ بما يصحح من أوضاع الأمة ويخرجها من أزمتها الحالية. وقال إن ذلك يستدعي من كل نائب تم اختياره من حزب النور "أن يسارع بإعداد نفسه لذلك"، كما يتطلب من الحزب "التعجيل بتهيئة نوابه المختارين لهذه المهمة الخطيرة تهيئة مناسبة". خاصة وأن الجماهير العريضة تتطلع إلى رؤية أداء نواب الحزب، وأن أعداء الدعوة على اختلاف مشاربهم يتربصون بهم، فهي مرحلة دقيقة وحرجة في حسابات الأمة والدعوة، لا نقول: لا تحتمل الخطأ، فالخطأ من البشر وارد، ولكن ينبغي تفادي الأخطاء والإقلال منها بقدر الاستطاعة، وسرعة معالجة ما يقع منها إن وقع، وفي الوقت المناسب بدون تأخير.
وتابع أن هذا يحتاج إلى بصيرة وعلم، وتدبر وحكمة، وهمة وعزيمة، وأخذ بالأسباب، وتجرد للحق، وتحمل للمسئولية، وقبل ذلك وبعده إخلاص لله -تعالى-؛ ليوفقنا إلى الاجتهاد الصائب الذي يضع الحق في نصابه. وقال حاتم: إننا ما زلنا نحتاج إلى الكثير والكثير من الوقت لاستخراج ما عندنا من الكفايات والطاقات وزيادة الإمكانيات، وتوظيفها في أماكنها المناسبة، وحسن الاستفادة منها.
وأضاف: علينا بعد ذلك أن نحذر من الفشل ما استطعنا؛ حتى لا تضيع منا فرصة الإصلاح الذي نتمناه، فيشمت فينا من يشمت، ويتعلل بفشلنا من يتعلل أمام من يحاول إعادة التجربة بعدنا. وأنهى رسالته إلى نواب الحزب قائلا: وعلى أي فستبقى لنا دعوتنا، نحافظ على حريتنا في ممارستها ونعمل من خلالها، فهي الأساس الذي بدأنا منه، ونبني عليه، ونضيف إليه، وما زلنا نتمسك به، بل ما عملنا بالسياسة وشاركنا فيها إلا لكوننا نتطلع إلى نجاح فيها يكون رافدًا من روافد هذه الدعوة، يقويها، ويحولها من دعوة عملت فيما مضى لبناء الفرد المسلم إلى دعوة تعمل كذلك لبناء المجتمع المسلم بقدر المتاح على كتاب الله -تعالى-، وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وفهم سلفنا الصالح.

التحول الكبير: ولاية المتغلّب استنفدت أغراضها

خالد الدخيل -- كاتب وأكاديمي سعودي
نبدأ بالسؤال البديهي مباشرة: ما هي ولاية المتغلب؟ هي نظرية أهل السنّة في الحكم، وفي كيفية تداول السلطة. وهي نظرية واقعية مفرطة في واقعيتها، خصوصاً في ضيق الزاوية التي تنظر من خلالها إلى هذا الواقع. أصحاب هذه النظرية هم الفقهاء، أو أساطين الفكر الديني. والفكرة الرئيسية لنظريتهم في الحكم واضحة ومباشرة: إضفاء المشروعية الدينية على عامل القوة والغلبة في الاستيلاء على السلطة، مع تجاهل شبه كامل لكل العوامل الأخرى في واقع المجتمع، وأبرزها عامل اختيار الأمة وقبولها لمن يتولى السلطة عليها. ربما أن الفقهاء لم يختاروا طوعاً استبعاد آلية اختيار الحاكم تماماً، وإنما خضعوا للواقع الاجتماعي للسلطة السياسية. وقد سهل عليهم ذلك سكوت القرآن، النص الأول والمؤسس، عن موضوع الحكم، وطريقة تداوله في المجتمع الإسلامي. وقد اشترط الفقهاء على سلطة المتغلب التزام صاحبها بتطبيق الشرع، وأوامر الدين ونواهيه. لكن كيف يمكن تحقيق ذلك خارج إطار ومقتضيات التحالف السياسي بين الاثنين؟ والدافع الأهم وراء موقف الفقهاء هذا هو، كما يقال في الأدبيات، درء الفتنة. وذلك لأن الاعتراف بعامل اختيار الحاكم (ولي الأمر) يحمل معه في الثقافة السياسية العربية مخاطر الاختلاف، وفتنة الصراع. وعليه، وقطعاً لدابر هذه الفتنة من أصلها، كان في نظر الفقهاء لا بد من قبول الأمر الواقع القائم على القهر والغلبة، أو مقتضيات توازنات القوة في المجتمع، بغض النظر عن أية عوامل أخرى، أخلاقية، أو سياسية أو اقتصادية، أو اجتماعية. في هذا الإطار تبدو نظرية ابن خلدون عن الدولة الإسلامية بأنها نوع من التفسير لبروز ولاية المتغلب، وفرضها لنفسها على التاريخ، وأنها تعبير مباشر وأمين لبنية المجتمع العربي الذي ترتكز توازنات القوة فيه إلى العصبية. وقد ذهب هذا المؤرخ إلى حد القول بأنه حتى «الدعوة الدينية من غير عصبية لا تتم»، مستشهداً بالحديث الصحيح «ما بعث الله نبياً إلا في منعة من قومه».
هيمنت نظرية ولاية المتغلب على المشهد السياسي العربي منذ الدولة الأموية وحتى أيامنا هذه، وإن بصيغ وأشكال مختلفة للدولة تبعاً للمرحلة التاريخية التي تنتمي إليها. مع بداية الربيع العربي أواخر العام الماضي بدأت التجربة السياسية العربية تأخذ منحى مختلفاً بعيداً عن هذه النظرية، ولصالح نظرية، أو نظريات أخرى تقطع مع الموروث الفقهي لنظرية الدولة، ومع ولاية المتغلب تحديداً. في هذا السياق تعتمل ثلاثة تطورات تمثل معاً مؤشراً واضحاً على هذا التحول السياسي الذي يمر به العالم العربي هذه الأيام. هذه المؤشرات هي: تزامن موجة الثورات الشعبية العربية بشكل متتابع في خمس دول عربية. المؤشر الثاني، هو فوز الإسلام السياسي، خصوصاً جماعات «الإخوان المسلمين»، في الانتخابات البرلمانية التي أعقبت نجاح الثورة في إسقاط رأس النظام، وفرض مسار التغير السياسي المنشود من خلال صندوق الاقتراع. وبإعلان فوز حزب الحرية والعدالة (الذراع السياسية لـ «الإخوان»)، وحزب «النور» السلفي بأكبر نسبة من الأصوات في أول انتخابات برلمانية حقيقية في تاريخ مصر، يتشكل الآن هلال من الإسلام السياسي يمتد من تونس إلى مصر. ربما أن هذا الفوز للإسلام السياسي يقلق البعض، لكن هذا الفوز جاء بآليات ديموقراطية، وبحرية اختيار واضحة، وبالتالي يجب الاعتراف بشرعيته، والاطمئنان إليه، خصوصاً لأن الفائز هنا هو الإسلام السياسي، وليس أي تيار آخر.
هنا تأتي أهمية التطور الثالث، وهو صدور وثيقتين عن الجامع الأزهر في مصر وسط الجدل السياسي الذي احتدم هناك حول طبيعة الدولة التي يجب أن تقوم في مصر في أعقاب تنحي الرئيس حسني مبارك. فبما أن الثورات الشعبية العربية هي ثورة على الاستبداد، فإنها لا يمكن أن تكون كذلك، من دون أن تكون أيضاً ثورة على الفكر السياسي الذي كان الاستبداد يستظل بظله. ووثيقة الأزهر الأخيرة هي أوضح تعبير عما يمكن أن يكون بداية لهذه الثورة الفكرية، لأنها تمثل استجابة الفكر الديني للتحول السياسي الذي اجترحته ثورات الربيع العربي. وهي وثيقة أجمع أبرز مثقفي مصر على اختلاف انتماءاتهم الفكرية مع عدد من كبار العلماء والمفكرين في الأزهر، لتكون وثيقة استرشادية عند كتابة الدستور بعد إتمام الانتخابات البرلمانية. ماذا تقول هذه الوثيقة؟ تشمل الوثيقة 11 بنداً أجمع عليها الموقعون. من أهمها «تأسيس الدولة الوطنية الدستورية الديموقراطية الحديثة»، و «اعتماد النظام الديموقراطي القائم على الانتخاب الحر المباشر» كآلية لتداول السلطة، و «الالتزام بمنظومة الحريات الأساسية في الفكر والرأي». ومع أن الوثيقة أكدت أن سلطة التشريع في الدولة الجديدة يجب أن تتوافق مع «المفهوم الإسلامي الصحيح»، وهذه جملة واسعة في معناها، ومفتوحة في دلالاتها، إلا أن تبني الوثيقة بكليتها يعتبر تحولاً فكرياً كبيراً من الأزهر كمؤسسة دينية، ومن «الإخوان» الذين كانوا يرفضون فكرة الديموقراطية، ويدعون إلى دولة الخلافة.
تعتبر الوثيقة بهذا المعنى أول وثيقة سياسية صادرة عن واحدة من أكبر المؤسسات الدينية في العالم العربي لا تعترف بمشروعية الثورة التي أرغمت الرئيس (ولي الأمر) على التنحي وحسب، بل تؤسس فكرياً لانتهاء صلاحية نظرية ولاية المتغلب، وأنها استنفدت أغراضها، وتجاوزها الزمن، ولم تعد مقبولة لا شرعياً ولا سياسياً في هذا العصر. وقد ذهب الأزهر أبعد من ذلك لتأكيد تخليه عن هذه النظرية عندما أصدر وثيقة أخرى اتفقت على مواثيقها الستة المجموعة نفسها التي توافقت على الوثيقة الأولى. وأبرز ما جاء في الوثيقة الثانية قولها أن شرعية السلطة الحاكمة من الوجهة الدينية والدستورية «على رضا الشُّعوب، واختيارها الحرّ، من خلال اقتراع عَلَنِي يَتمُّ في نزاهة وشفافية ديموقراطية، باعتباره البديل العصري المنظِّم لما سبقت به تقاليد البَيْعَة الإسلامية الرّشيدة». في هذا النص تخلّ كامل عن الإرث السياسي الإسلامي الذي حدد تولي السلطة بثلاث طرق هي: «بيعة أهل الحل والعقد، أو الاستخلاف، أو بالقوة والغلب». واللافت أن الوثيقة تعتبر ذلك الإرث من «التقاليد» التي حان وقت تجاوزها، وأنها ليست من موجبات الشريعة وملزماتها. بعد ذلك تتحدث عن ولاية المتغلب بشكل مباشر، وإن بصيغة تبرر ما كانت عليه هذه النظرية، عندما تقول: «ومن قال من فقهائنا بوجوب الصبر على المتغلب المستبد من الحكام حرصاً على سلامة الأمة من الفوضى والهرج والمرج، فقد أجاز في الوقت نفسه عزل المستبد الظالم إذا تحققت القدرة على ذلك، وانتفى احتمال الضرر والإضرار بسلامة الأمة ومجتمعاتها». لكن الوثيقة تقرر بعد ذلك من دون لبس بأن الأزهر ترك هذه النظرية، إذ تنص على أن «مواجهة أي احتجاج وطني سِلمي بالقوّة والعُنفِ المسلَّح (تعد) نقضاً لميثاق الحكْم بين الأمّة وحكّامها، (و) إذا تمادتِ السُّلطةُ في طُغيانها، واستهانت بإراقة دِماء المواطنينَ الأبرياء، حِفاظاً على بقائها غير المشروع، أصبح من حق الشعوب المقهورة أن تعمل على عزل الحكام المتسلطين وعلى محاسبتهم، بل تغيير النِّظام بأكمله، مهما كانت المعاذير...»، ثم تضيف: «فانتهاكُ حرمة الدَّم المعصوم هو الخطّ الفاصل بين شرعية الحكم وسقوطه في الإثم والعدوان». بعبارة أخرى، أسقط الأزهر مبدأ «عدم جواز الخروج على ولي الأمر» حتى ولو كان ظالماً أو فاجراً، ومعه أسقط شرعية تغلب الشوكة وقهرها كوسيلة لتولي السلطة، واستبدلها بشرعية الاقتراع، ورضا الشعوب وحريتها في الاختيار.
ماذا يعني ذلك؟ إذا أخذنا تطورات أحداث الربيع العربي، بما فيها التحول الفكري في موقف الأزهر كممثل رئيس للفكر الديني، وانتظام حركات الإسلام السياسي في هذا التحول، فإنه يؤكد أن مسار التغير السياسي للمجتمعات عبر حقب التاريخ، ومراحل الخلاف والصراع المتتابعة بين القوى الفاعلة فيه، يتجه، بشكل تدريجي وتراكمي أحياناً، أو طفرة تاريخية في عنفها أحياناً أخرى، نحو تأكيد الاختلاف والتعددية بدل أحادية الرأي، وتداول السلطة بدل الاستبداد بها، ونحو الاعتراف بحق الحرية للجميع بدل أن تستأثر بهذا الحق فئة من دون أخرى. بعبارة أخرى، يتجه مسار التغير الاجتماعي للإنسان بشكل تصاعدي ومستمر نحو المزيد من العقلانية. ومن حيث أن المحرك الأساسي للتاريخ في مساره هذا هو صراع القوى الفاعلة فيه، فإنه لا يتبع خطاً مستقيماً واحداً من دون تعرجات. التاريخ العربي، كما تاريخ الأمم الأخرى، يؤكد ذلك. وبالتالي إذا كان التغير حتمية تاريخية، فإن التغير في هذا الاتجاه التراكمي هو الآخر حتمية أخرى، وإن عبر تعرجات وانكسارات، وانحسارات متتالية أو متقطعة، وبأكلاف باهظة أحياناً لمجتمعات أو أمم من دون أخرى. بهذا المعنى، يبقى التاريخ في جوهره حركة متصلة تبعاً للعلاقة الجدلية بين القوى الفاعلة فيه، والطبيعة التي تأخذها هذه العلاقة من مرحلة تاريخية لأخرى، ومن مجتمع لآخر. وما الربيع العربي بتحولاته إلا امتداد طبيعي لهذا التاريخ. وإذا كان هذا التحول قد أفضى إلى وضع حد لصلاحية ولاية المتغلب، وبما أن هذه النظرية تستند إلى العصبية، فإنه يعني أيضاً وضع حد لصلاحية نظرية ابن خلدون عن الدولة.