هاني فحص
قد يعبر أعضاء من حزب الله، عن رغبتهم في دولة شيعية في لبنان، لكن القيادة لم تقدم أدلة كافية على أن هذا هو اختيارها في المدى المنظور، ولعل تناقضات الحكومة الحالية في لبنان، والتي ولدت في بيت الحزب، تؤكد ان حكومة اللون الواحد، أو اللون المهيمن، في بلد متعدد، في غاية الصعوبة، بصرف النظر عن حجم نفوذ حزب الله، الذي يقلل منه البعض ويبالغ فيه آخرون.
طبعاً، ليس هناك مانع ولا إلحاح ايديولوجي، لدى حزب الله، للشروع في إنشاء دولته الشيعية، وان كانت الدولة الاسلامية (المذهبية في المحصلة) هي هدف كل فصائل الاسلام السياسي، محلاة بقشرة ديمقراطية مؤقتة أو من دونها، غير ان حزب الله، يبدي، احياناً، استيعاباً للثقافة المجتمعية اللبنانية التعددية، المانعة أي مغامرة شمولية، ما يعني ان الفشل سوف يكون في انتظار الحزب او غيره، اذا اقترف هذه «الفضيلة» التي تضيق عن تأصيلها المنظومة العقدية والذاكرة الشيعية ولا تكفي ولاية الفقيه (كحكم فرعي) وضرورة سياسية ايرانية (حصراً) لاسنادها، بعدما تعرضت الى اهتزاز عميق في بلد المنشأ.
قد يرى العقلاء في حزب الله، أنهم يخسرون حزبهم ومقاومتهم وطائفتهم ووطنهم، اذا هم اقدموا على هذا الفعل، رغم قدرة الحزب عليه اذا ما قاس الأمور على حجم المقاومة وقوة سلاحها وعديد الحزب وعدد ابناء الطائفة وقوة الدعم الخارجي المشكوك مع توسع الربيع العربي في بقائه على حاله.
لم ينجح حزب الله في تشكيل الحكومة الشقاقية في لبنان، ولكنه لم يفشل، باعتبار ان هيمنته لم تغره، حتى الآن، بالاستئثار على حلفائه وخصومه، واذا وقع في الاغراء وطمع او طمح الى أكثر، كان فشله اشد ذراعة.
في العراق، بعد سقوط النظام، وقع بعض السنة في الخطأ، عندما اظهروا وكأن سقوط النظام خسارة لهم، وان السياق التاريخي السني للعراق قد انكسر، ولكن هذا التصور لم يمنعهم من الدخول المتصاعد في العملية السياسية ما كان مفروضاً ان يؤدي الى مسح الخطأ. غير أن الخطأ الشيعي كان اغراء للسنة بالعودة الى الخطأ الذي يغري الشيعة بالخطأ كذلك.
لقد كان الخطأ الشيعي في البداية هو تصور بعضهم ان في امكانهم ومن حقهم (المذهبي) الذي قد لا يتطابق مع الحق او الواجب الوطني، أن يرتبوا على عددهم وحرمانهم التاريخي، دولة من دون شراكة وطنية كافية، كشف الفشل في تحقيقها لاحقاً، ان العصبية تسقط معايير الكفاءة من حساب الدولة، حيث ان الكفاءة والنزاهة من شروط المشروع الوطني لا الطائفي ولا حتى الحزبي.
لقد كانت هذه النبرة الشيعية مفهومة، نظراً لالحاح النظام البائد على تجريم الشيعة والفتك بهم مع غيرهم من السنة العرب والاكراد، وان كان نصيبهم من الفتك اكثر.
وكان مقدراً لهذه النبرة، او النتعة، ان تقف عند حد، عندما لمس المعنيون الشروط الميدانية لبناء الدولة، والشروط العربية للكيان، فأيقنوا ان دولة بغلبة شيعية «كاسحة» تجعلهم يخسرون العراق من دون ان يربحوا الطائفة، وتحمل خطر تحويل الاكثرية الشيعية في العراق، الى اقلية عربية يلعب فيها وبها العرب وغير العرب.
ألم يكن الحل الامثل هو الدولة الوطنية التي يحتاج بناؤها الى زمن وصبر وحكمة وشراكة؟ ويحتاج الى تأسيس لم ينجز... ولم يكن شفافاً الكلام الذي قيل عن النية في بنائها... وكانت السلطة، بما هي غنيمة من حرب الآخرين، هي البديل على اساس المحاصصة، فماذا يقول الجمهور الذي يعاني؟ يقول بأن الشيعة كقوة فاعلة، كانوا الأمناء على فكرة دولة المواطنة، بسبب معاناتهم من دولة الاختزال والمصادرة، ولكنهم (كطبقة سياسية) لم يبنوها، من دون ان يستطيعوا التنصل من مسؤولية عدم بنائها كما وعدوا، باعتبار ان اكثر المقاليد بأيديهم.
ما جعل مذهبيين آخرين (من السنة - عدنان الدليمي مثلاً) محكومين بنستالجيا سلطة لم تكن لهم بل كانت عليهم، ولم تقصر في قتلهم، يجاهرون بأن الدولة في العراق شأنهم واختصاصهم، مثبتين او متضامنين مع امثالهم من اهل الشيعية السياسية، ان المنظار المذهبي يحجب الحقائق الوطنية.
ليس الخطأ الشيعي بديلاً للخطأ البعثي، وليس الخطأ السني بديلا للخطأ الشيعي، والفشل البعثي لا يعني النجاح الشيعي، والفشل الشيعي لا يعني النجاح السني. ويلزم الجميع بالتمييز في المجال السياسي، بين المذهب والمذهبيين، حتى لا يبقى العراق ميداناً للارتكابات المذهبية، التي يبرر بعضها نفسه بالبعض الآخر امعاناً في الضلال والتضليل.
الاثنين، 28 نوفمبر 2011
الى الراحل الكبير ماجد صبري حمادة
ليلى الصلح حمادة
الوطني المفقود والشيعي المطلوب
الى أوفى الناس وانت اكبرهم،
الى أعز الناس وانت ا...غلاهم
في قلبي للأحبة قدر وانت اعلاهم.
صلب الجوهر ومرن المظهر
منارة خلق وصخرة صدق
لا كذّب ولا خان، وفي الزمن الصعب ما جبن ولا هان.
نسيج فريد من الذكاء والصمت
متواضع على كبر، حاد على تهذيب
في حسبك، انت الفتى العريق وليس الوريث
وفي عشيرتك انت الاخ والرفيق وليس الزعيم
لم تبن سياستك على اضعف ما في النفوس اي على العجز والاستسلام بل بنيتها على اقوى ما في النفوس اي على الضمير والكرامة اذ ما يصنع الاستبداد ليس جبروته بل تخاذل شعبه.
صحيح ان زعامتك بدأت وليدة اقطاع ولكنها انتهت زعامة استحقاق.
وهبك الله بغير حساب
واحبك الناس بغير حساب
بكوك لكثرة صفاتك
وبكوك لقلة امثالك.
انه ماجد حمادة
ثار على الوصاية السورية آنذاك بوقار المترفعين وعاند السياسة اللبنانية آنذاك بغيرة الوطنيين.
خاض انتخاباته الاخيرة متحاملاً على اوجاعه فاسقطه التزوير متمادياً في ظلمه.
اسقطوك ليدفنوا معك الاحلام وهويت شهيدا لمبادئك وقتيلاً لانحرافهم، فقهرتهم باحياء الرجاء.
من عاداك بالامس، تملقاً للوصاية وطمعا بالحماية هم ذاتهم اليوم، اسماً اسماً، اؤكد لك، يفاخرون بالاستقلال الثاني ويناصبون العداء لسوريا في محنتها.
أهكذا تقاس الوطنية؟
اهكذا يتغيّر الولاء؟
سامحهم فعذرهم انهم عابرون يعيشون امواتاً.
يوم ذكرى مماتك في الـ20 من تشرين الثاني 1994، زرتك في مثواك الاخير، في الهرمل وجلست بجوارك، لأوانسك في وحشتك كما افعل دائماً.
سألتني عن وطنك اجبتك انه في مأمن مؤقت لضعف الجوار.
سألتني عن بقاعك اجبتك ا نه في حرمان شديد لجور الاحكام.
سألتني عن طائفتك اجبتك انها قاومت وانتصرت واعتزت في الجنوب ولكنها فشلت في حكم بيروت.
وتذكرنا سوياً، حديثاً صحافياً ادليت به الى احدى المجلات اللبنانية، تقول فيه "انا ارفض اي تطلع الى الخارج لان الاحداث اللبنانية اثبتت ان المسيحي يتطلع الى الغرب ولكن الغرب لم يتطلع اليه والسني يتطلع الى الدول العربية لكن العرب لم يتطلعوا اليه وقياساً فانا ضد التطلعات الشيعية الى ايران او غيرها لان نصيب الشيعي من العالم الاسلامي لن يكون احسن من المسيحي والسني من الغرب والعرب".
(واهمية هذا الحديث انه أعطي منذ اكثر من 25 سنة).
انت من ينتظرونه الآن.
ولكن اين انت الآن؟
هل سيرونك بابنك يوماً اذا اختار واخذ القرار بالرغم من عدم ايماني بالارث السياسي، فلن اشجعه ولن اعترضه.
الى ماجد،
الى اغلى الرجال
لن تمر حياتك بلا أثر ولا خبر كركام من الايام والاعوام.
فاذا كانت الاموات تعيش على قدر محبة الاحياء فما ابقاك يا ماجد وما اخلدك، من قمة مجد الى عنفوان وطن.
الوطني المفقود والشيعي المطلوب
الى أوفى الناس وانت اكبرهم،
الى أعز الناس وانت ا...غلاهم
في قلبي للأحبة قدر وانت اعلاهم.
صلب الجوهر ومرن المظهر
منارة خلق وصخرة صدق
لا كذّب ولا خان، وفي الزمن الصعب ما جبن ولا هان.
نسيج فريد من الذكاء والصمت
متواضع على كبر، حاد على تهذيب
في حسبك، انت الفتى العريق وليس الوريث
وفي عشيرتك انت الاخ والرفيق وليس الزعيم
لم تبن سياستك على اضعف ما في النفوس اي على العجز والاستسلام بل بنيتها على اقوى ما في النفوس اي على الضمير والكرامة اذ ما يصنع الاستبداد ليس جبروته بل تخاذل شعبه.
صحيح ان زعامتك بدأت وليدة اقطاع ولكنها انتهت زعامة استحقاق.
وهبك الله بغير حساب
واحبك الناس بغير حساب
بكوك لكثرة صفاتك
وبكوك لقلة امثالك.
انه ماجد حمادة
ثار على الوصاية السورية آنذاك بوقار المترفعين وعاند السياسة اللبنانية آنذاك بغيرة الوطنيين.
خاض انتخاباته الاخيرة متحاملاً على اوجاعه فاسقطه التزوير متمادياً في ظلمه.
اسقطوك ليدفنوا معك الاحلام وهويت شهيدا لمبادئك وقتيلاً لانحرافهم، فقهرتهم باحياء الرجاء.
من عاداك بالامس، تملقاً للوصاية وطمعا بالحماية هم ذاتهم اليوم، اسماً اسماً، اؤكد لك، يفاخرون بالاستقلال الثاني ويناصبون العداء لسوريا في محنتها.
أهكذا تقاس الوطنية؟
اهكذا يتغيّر الولاء؟
سامحهم فعذرهم انهم عابرون يعيشون امواتاً.
يوم ذكرى مماتك في الـ20 من تشرين الثاني 1994، زرتك في مثواك الاخير، في الهرمل وجلست بجوارك، لأوانسك في وحشتك كما افعل دائماً.
سألتني عن وطنك اجبتك انه في مأمن مؤقت لضعف الجوار.
سألتني عن بقاعك اجبتك ا نه في حرمان شديد لجور الاحكام.
سألتني عن طائفتك اجبتك انها قاومت وانتصرت واعتزت في الجنوب ولكنها فشلت في حكم بيروت.
وتذكرنا سوياً، حديثاً صحافياً ادليت به الى احدى المجلات اللبنانية، تقول فيه "انا ارفض اي تطلع الى الخارج لان الاحداث اللبنانية اثبتت ان المسيحي يتطلع الى الغرب ولكن الغرب لم يتطلع اليه والسني يتطلع الى الدول العربية لكن العرب لم يتطلعوا اليه وقياساً فانا ضد التطلعات الشيعية الى ايران او غيرها لان نصيب الشيعي من العالم الاسلامي لن يكون احسن من المسيحي والسني من الغرب والعرب".
(واهمية هذا الحديث انه أعطي منذ اكثر من 25 سنة).
انت من ينتظرونه الآن.
ولكن اين انت الآن؟
هل سيرونك بابنك يوماً اذا اختار واخذ القرار بالرغم من عدم ايماني بالارث السياسي، فلن اشجعه ولن اعترضه.
الى ماجد،
الى اغلى الرجال
لن تمر حياتك بلا أثر ولا خبر كركام من الايام والاعوام.
فاذا كانت الاموات تعيش على قدر محبة الاحياء فما ابقاك يا ماجد وما اخلدك، من قمة مجد الى عنفوان وطن.
لنصدّق الخرافات عن العصابات المسلحة
الحياة- السبت, 26 نوفمبر 2011
معن البياري *
لافتٌ في دلالته أنّ التصريحات والبيانات السورية الحكومية عن العصابات المسلحة التي يواجهها النظام، منذ تسعة شهور، تخلو تماماً من الإتيان على الضحايا المدنيين الذين يسقطون برصاص هذه العصابات. وهذا الرئيس بشار الأسد في أحدث مقابلةٍ صحافيةٍ معه يشير إلى مقتل 800 عنصر وضابط من قوى الأمن والجيش سقطوا برصاص هذه العصابات، ويقول إنّ من واجب النظام مواجهتها لحماية مواطنيه. وإذ تتوالى كل يوم أخبارٌ عن مقتل أزيد من 25 مدنياً سورياً، ويصل العدد إلى 50 أحياناً، فإن السلطات الحكومية لا تكترث، ولا تجد نفسها مضطرّةً إلى نفي هذه الأعداد أو أقله نشر أعداد أقل للضحايا.
ويتفاصح محبو النظام السوري، حين مجادلتهم بشأن هذا القتل اليومي حين يشككون بهذه الأعداد، وأنك لم تكن هناك في سورية حتى تردّدها، وتجعلها حجّةً في مناهضتك السلطة الغاصبة للسلطة في دمشق. والإجابة الوحيدة على هؤلاء أنّ المعتاد في أنباء الاضطرابات والصدامات والاحتجاجات في أيّ دولةٍ تتصّف بأقلّ قدرٍ من احترام مواطنيها أنّ وزارة الداخلية، أو وزارة الصحة ممثلة بالمستشفيات أحياناً، هي التي تعلن أعداد القتلى والجرحى، وتزوّد وسائل الإعلام بها، وهو ما عهدناه في مصر إبان ثورة يناير، وفي غضون الاعتصامات والتظاهرات المستجدّة ضد المجلس العسكري للقوات المسلحة. ولأنّ النظام السوريّ لا يأبه لهذا التقليد، تصير مهمّة تعريف الرأي العام ووسائل الإعلام بأعداد القتلى والمصابين المدنيين، والعسكر أحياناً، منوطةً بالناشطين والهيئة العامة للثورة السورية ولجان التنسيق المحلية والمركز السوري لحقوق الإنسان، ويحدث أن تنشر التنسيقيّات في مواقعها الإلكترونية أسماء الضحايا ومناطق إطلاق الرصاص عليهم. ومن الطريف، والمخزي في الوقت نفسه، أنّ نفياً وحيداً لعدد قتلى سقطوا أصدرته الحكومة السورية في اليوم التالي لإعلان موافقتها على الخطة العربية، ولم تكن قد فعلت مثله قبل ذلك النهار، ولم تفعل بعده.
ليست المسألة هذه تفصيلية، أو قضية إعلامٍ كاذب أو صادق، إنها تتعلق بأبسط واجبات الدولة تجاه مواطنيها، أما إذا كانت الدولة تتعاطى مع مواطنيها باعتبارهم رعايا عليهم واجب الولاء والطاعة أو يواجهون القتل والقهر والسجن والتعذيب والتغييب، فإنّ تناول المسألة في مطرحٍ آخر. وإذ يصرّ الحكم في دمشق على روايته إياها عن انتشار مجموعات مسلحة، وأنه لا يقوم بغير مواجهتها، وأنّ هذا هو المشهد السوري وليس غيره منذ شهور، فإنّ هذه الرواية وحدها تسوّغ المطالبة بإسقاط النظام، فأن تتمكن هذه المجموعات من التسلح والتمدّد في مختلف محافظات الجمهورية، وتستطيع قتل العسكر والمدنيين بوتيرةٍ نشطةٍ كل يوم، وأن يكون في مقدورها قتل 120 جندياً ودفنهم في منطقةٍ حدوديةٍ في جسر الشغور شمالاً، وأن يكون ميسوراً لأفراد هذه المجموعات، والتي لم يعد تركيز النظام على سلفيّتها كبيراً كما في الأسابيع الأولى للانتفاضة السورية، التواصل مع جهاتٍ خارجيةٍ تمولهم بالمال والسلاح، أن يكون ذلك كله صحيحاً وفق المقولة الحكومية السورية. فنحن، إذاً، أمام مشهدٍ صوماليٍّ بامتياز، ويكاد يكون مستحيلاً تخيّله في سورية، وهذا بلدٌ تتنوع فيه أجهزةٌ أمنيةٌ ومخابراتيةٌ واستخباراتية، قيل إنها إحدى عشرة وقيل أكثر، منها المخابرات الجوية التي لا مثيل لها في العالم ربما، ولا يعرف كاتب هذه السطور توصيفاً لمهمتها. ومعلومٌ أنّ هذه الأجهزة يقظةٌ إلى حدٍّ مروع، وفي أرشيفها سوءاتٌ غزيرةٌ عن تجسّسها على الرعايا والعباد الذين قضوا سنواتٍ في السجون وأقبية التعذيب جراء كلامٍ قالوه، أو جلسةٍ كانوا فيها، أو مكالمةٍ هاتفيةٍ تلقوها.
ليس ميلاً إلى سجالٍ أو استسلاماً لغوايته، أن يقال هنا إنّ تصديق هذه الرواية يدين النظام برمته، لأنها تعني أنه فشل في تأمين البلد وحماية مواطنيه من إرهابيين يتحركون بيسرٍ في كل جهات الجمهورية، وأنّ إنفاقه الكبير على الأجهزة والمؤسسات العسكرية والأمنية كان إهداراً للمال العام، سيّما وأنّ حديثه المضحك عن أصابع المؤامرة الخارجيّة في تركيا ولبنان والسعودية وإسرائيل هي التي تحرّك هذه العصابات لا يعني سوى هشاشة تلك الأجهزة والمؤسسات وتردّي أدائها. لا يريد الحكم في دمشق أن يتوقف عن ترديد أزعومة العصابات المسلحة، ويتعامى تماماً عن حقيقة أنّ حماقاته ومغامراته العسكرية العدوانية تجاه المتظاهرين المدنيين هي التي تسبّبت بحدوث مظاهر الانتقام المسلحة والانشقاقات المتتالية في الجيش، وجعلته غير قادر على التواجد في بعض المدن إلا بأدوات القتل من الشبيحة وقوى الأمن. وهذه الحماقات والمغامرات وحدها المسؤولة عن إحداث الفتنة التي دلّت وقائع عليها، في حمص مثلاً، ومنها استهداف علويين سنّةً واستهداف سنّةٍ علويين بالقتل، وأحياناً بالخطف، وهما ممارستان إرهابيتان، وكان طيّباً من رئاسة المجلس الوطني السوري المعارض أنّها أصدرت بياناً يشدد على خطورة الأمر، فلم تتعام عنه، وكان طيّباً أيضاً من علماء حمص السنّة والعلويين إصدارهم بياناً يحرّم القتل والخطف.
لا ييسّر إصرار السلطة في سورية، وكذا الرئيس بشار الأسد نفسه، على خرّافية العصابات المسلحة، وعلى تجاهل سقوط مدنيين سوريين برصاص الأمن، أيّ إمكانية حوارٍ مع هذه السلطة، أو أيّ رهانٍ على إصلاحٍ تشيع أنّها في صدد التوجه إليه. هنا جوهر الأزمة المحتدمة معها، ببساطةٍ لأنّ مشكلتها مع شعبها، وليست مع قطر وقناة الجزيرة وتركيا وجامعة الدول العربية. والبادي أنّ هذه السلطة كأنّها تشتهي تعرّض سورية لتدخلٍ عسكريٍّ أجنبي، لتبدو ضحيةً، ولتتحقّق لخرافيّة المؤامرة الخارجية وجاهةٌ تسندها. وليس مزاحاً، وإن هو محض تكهنٍ ليس إلا، أن يقال إنّ الحكم في دمشق متوترٌ لأنّ مسؤولي حلف الناتو والإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي لا يلوّح أيٌّ منهم بإمكانية التدخل العسكري. على هؤلاء أن يشيعوا بين وقتٍ وآخر كلاماً عن هذا الأمر، ليتزوّد النظام بلوازم ملحةٍ لصورته ضحيّةً مستهدفة، أما الشعب السوري فلا وجود له في هذه المعادلة البائسة، لا لسببٍ إلا لأنّ لا أحد يسقط منه قتيلاً وجريحاً، لا مستشفى قال ذلك ولا وزارة أعلنت ذلك.
... يا للسوريين، إذاً، كم صبرهم في ليلهم المديد أسطوريٌّ وباهر.
* كاتب فلسطيني
معن البياري *
لافتٌ في دلالته أنّ التصريحات والبيانات السورية الحكومية عن العصابات المسلحة التي يواجهها النظام، منذ تسعة شهور، تخلو تماماً من الإتيان على الضحايا المدنيين الذين يسقطون برصاص هذه العصابات. وهذا الرئيس بشار الأسد في أحدث مقابلةٍ صحافيةٍ معه يشير إلى مقتل 800 عنصر وضابط من قوى الأمن والجيش سقطوا برصاص هذه العصابات، ويقول إنّ من واجب النظام مواجهتها لحماية مواطنيه. وإذ تتوالى كل يوم أخبارٌ عن مقتل أزيد من 25 مدنياً سورياً، ويصل العدد إلى 50 أحياناً، فإن السلطات الحكومية لا تكترث، ولا تجد نفسها مضطرّةً إلى نفي هذه الأعداد أو أقله نشر أعداد أقل للضحايا.
ويتفاصح محبو النظام السوري، حين مجادلتهم بشأن هذا القتل اليومي حين يشككون بهذه الأعداد، وأنك لم تكن هناك في سورية حتى تردّدها، وتجعلها حجّةً في مناهضتك السلطة الغاصبة للسلطة في دمشق. والإجابة الوحيدة على هؤلاء أنّ المعتاد في أنباء الاضطرابات والصدامات والاحتجاجات في أيّ دولةٍ تتصّف بأقلّ قدرٍ من احترام مواطنيها أنّ وزارة الداخلية، أو وزارة الصحة ممثلة بالمستشفيات أحياناً، هي التي تعلن أعداد القتلى والجرحى، وتزوّد وسائل الإعلام بها، وهو ما عهدناه في مصر إبان ثورة يناير، وفي غضون الاعتصامات والتظاهرات المستجدّة ضد المجلس العسكري للقوات المسلحة. ولأنّ النظام السوريّ لا يأبه لهذا التقليد، تصير مهمّة تعريف الرأي العام ووسائل الإعلام بأعداد القتلى والمصابين المدنيين، والعسكر أحياناً، منوطةً بالناشطين والهيئة العامة للثورة السورية ولجان التنسيق المحلية والمركز السوري لحقوق الإنسان، ويحدث أن تنشر التنسيقيّات في مواقعها الإلكترونية أسماء الضحايا ومناطق إطلاق الرصاص عليهم. ومن الطريف، والمخزي في الوقت نفسه، أنّ نفياً وحيداً لعدد قتلى سقطوا أصدرته الحكومة السورية في اليوم التالي لإعلان موافقتها على الخطة العربية، ولم تكن قد فعلت مثله قبل ذلك النهار، ولم تفعل بعده.
ليست المسألة هذه تفصيلية، أو قضية إعلامٍ كاذب أو صادق، إنها تتعلق بأبسط واجبات الدولة تجاه مواطنيها، أما إذا كانت الدولة تتعاطى مع مواطنيها باعتبارهم رعايا عليهم واجب الولاء والطاعة أو يواجهون القتل والقهر والسجن والتعذيب والتغييب، فإنّ تناول المسألة في مطرحٍ آخر. وإذ يصرّ الحكم في دمشق على روايته إياها عن انتشار مجموعات مسلحة، وأنه لا يقوم بغير مواجهتها، وأنّ هذا هو المشهد السوري وليس غيره منذ شهور، فإنّ هذه الرواية وحدها تسوّغ المطالبة بإسقاط النظام، فأن تتمكن هذه المجموعات من التسلح والتمدّد في مختلف محافظات الجمهورية، وتستطيع قتل العسكر والمدنيين بوتيرةٍ نشطةٍ كل يوم، وأن يكون في مقدورها قتل 120 جندياً ودفنهم في منطقةٍ حدوديةٍ في جسر الشغور شمالاً، وأن يكون ميسوراً لأفراد هذه المجموعات، والتي لم يعد تركيز النظام على سلفيّتها كبيراً كما في الأسابيع الأولى للانتفاضة السورية، التواصل مع جهاتٍ خارجيةٍ تمولهم بالمال والسلاح، أن يكون ذلك كله صحيحاً وفق المقولة الحكومية السورية. فنحن، إذاً، أمام مشهدٍ صوماليٍّ بامتياز، ويكاد يكون مستحيلاً تخيّله في سورية، وهذا بلدٌ تتنوع فيه أجهزةٌ أمنيةٌ ومخابراتيةٌ واستخباراتية، قيل إنها إحدى عشرة وقيل أكثر، منها المخابرات الجوية التي لا مثيل لها في العالم ربما، ولا يعرف كاتب هذه السطور توصيفاً لمهمتها. ومعلومٌ أنّ هذه الأجهزة يقظةٌ إلى حدٍّ مروع، وفي أرشيفها سوءاتٌ غزيرةٌ عن تجسّسها على الرعايا والعباد الذين قضوا سنواتٍ في السجون وأقبية التعذيب جراء كلامٍ قالوه، أو جلسةٍ كانوا فيها، أو مكالمةٍ هاتفيةٍ تلقوها.
ليس ميلاً إلى سجالٍ أو استسلاماً لغوايته، أن يقال هنا إنّ تصديق هذه الرواية يدين النظام برمته، لأنها تعني أنه فشل في تأمين البلد وحماية مواطنيه من إرهابيين يتحركون بيسرٍ في كل جهات الجمهورية، وأنّ إنفاقه الكبير على الأجهزة والمؤسسات العسكرية والأمنية كان إهداراً للمال العام، سيّما وأنّ حديثه المضحك عن أصابع المؤامرة الخارجيّة في تركيا ولبنان والسعودية وإسرائيل هي التي تحرّك هذه العصابات لا يعني سوى هشاشة تلك الأجهزة والمؤسسات وتردّي أدائها. لا يريد الحكم في دمشق أن يتوقف عن ترديد أزعومة العصابات المسلحة، ويتعامى تماماً عن حقيقة أنّ حماقاته ومغامراته العسكرية العدوانية تجاه المتظاهرين المدنيين هي التي تسبّبت بحدوث مظاهر الانتقام المسلحة والانشقاقات المتتالية في الجيش، وجعلته غير قادر على التواجد في بعض المدن إلا بأدوات القتل من الشبيحة وقوى الأمن. وهذه الحماقات والمغامرات وحدها المسؤولة عن إحداث الفتنة التي دلّت وقائع عليها، في حمص مثلاً، ومنها استهداف علويين سنّةً واستهداف سنّةٍ علويين بالقتل، وأحياناً بالخطف، وهما ممارستان إرهابيتان، وكان طيّباً من رئاسة المجلس الوطني السوري المعارض أنّها أصدرت بياناً يشدد على خطورة الأمر، فلم تتعام عنه، وكان طيّباً أيضاً من علماء حمص السنّة والعلويين إصدارهم بياناً يحرّم القتل والخطف.
لا ييسّر إصرار السلطة في سورية، وكذا الرئيس بشار الأسد نفسه، على خرّافية العصابات المسلحة، وعلى تجاهل سقوط مدنيين سوريين برصاص الأمن، أيّ إمكانية حوارٍ مع هذه السلطة، أو أيّ رهانٍ على إصلاحٍ تشيع أنّها في صدد التوجه إليه. هنا جوهر الأزمة المحتدمة معها، ببساطةٍ لأنّ مشكلتها مع شعبها، وليست مع قطر وقناة الجزيرة وتركيا وجامعة الدول العربية. والبادي أنّ هذه السلطة كأنّها تشتهي تعرّض سورية لتدخلٍ عسكريٍّ أجنبي، لتبدو ضحيةً، ولتتحقّق لخرافيّة المؤامرة الخارجية وجاهةٌ تسندها. وليس مزاحاً، وإن هو محض تكهنٍ ليس إلا، أن يقال إنّ الحكم في دمشق متوترٌ لأنّ مسؤولي حلف الناتو والإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي لا يلوّح أيٌّ منهم بإمكانية التدخل العسكري. على هؤلاء أن يشيعوا بين وقتٍ وآخر كلاماً عن هذا الأمر، ليتزوّد النظام بلوازم ملحةٍ لصورته ضحيّةً مستهدفة، أما الشعب السوري فلا وجود له في هذه المعادلة البائسة، لا لسببٍ إلا لأنّ لا أحد يسقط منه قتيلاً وجريحاً، لا مستشفى قال ذلك ولا وزارة أعلنت ذلك.
... يا للسوريين، إذاً، كم صبرهم في ليلهم المديد أسطوريٌّ وباهر.
* كاتب فلسطيني
الانتفاضة والجولانيّون
الحياة- الإثنين, 28 نوفمبر 2011
حسّان القالش *
شكّل خروج الأسير السوري السابق في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وئام عماشة، إلى حريّته الأولى، في الثامن عشر من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، مناسبة للفرح اخترقت الأشهر الثمانية الدامية التي عاشتها بلاده ولا تزال. كما مثّل مناسبة جديدة للتفكير بسورية. ذاك أن الحدث لم يتمثل في الزخم الذي أضافه إلى الانتفاضة السورية فقط، بل جعل الجولان المحتل، برمزيّتيه الوجدانية والوطنية الكبيرتين، حاضراً أيضاً، إلى جانب هذه الانتفاضة، كون وئام ابن الجولان وابن انتفاضة شعبه، التي كسبت به معركة أخلاقية جديدة في مواجهة السلطة.
فالأسير السوري المحرّر، كان قد وقف مع المقهورين من أبناء شعبه، وأعلن الإضراب عن الطعام من معتقله الإسرائيلي تضامناً معهم، وأعلن مراراً عن مواقفه المعارضة للسلطة، كانت تنجح في اختراق المعتقل ولا يسمع بها إلا قلّة من السوريين.
على أن السلطة، بتصرفات أجهزتها الإعلامية الحمقاء، وتجاهل الحدث «التحريري» لأحد أبنائها «المقاومين» للعدو الإسرائيلي، ومعاملته معاملة الخصم، بناءً على موقفه ورأيه السياسيّين، تثبت قصورها الفادح في جعل قضية الجولان مشتعلة وملتهبة في الوعي الجماعي العمومي، وخصوصاً عند الموالين لها. والأنكى من ذلك، أن إعلام السلطة قد امتطى القضيّة الجولانية لحسابه، فبعد أيام من حرية وئام عماشة، نشر بياناً يدّعي صدوره عن «أحرار الجولان العربي السوري المحتلّ»، كان حافلاً بخطاب خوّن من يتعاطفون مع انتفاضة شعبهم، من أبناء الجولان المحتل، وصفهم فيه بأنهم «خونة مارقون... ضلّوا الطريق».
والراهن أن قضية الجولان المحتلّ والجولانيين مدعوّة للدخول إلى المشهد العام وتفاصيل هذه المرحلة التاريخية من حياة البلاد. فلم يعد مقبولاً أن يكون موقع هذه القضية في العمل السياسي، الحالي، موقعاً ثانوياً، أو مجرد عنوان وطنيّ عام وبلا حيويّة أو معنى. وطالما أن هناك، في الجولان المحتلّ، سوريين يشاركون في قضايا بلادهم الداخليّة وأحوال إخوتهم، ويتفاعلون معها، إضافة إلى المرارات التي يسبّبها الاحتلال المديد وحروبه المتواصلة على هويّتهم الوطنيّة، فهذا ما يلحّ على السوريين في الداخل لرفع وتيرة تواصلهم مع إخوتهم الجولانيين، والاقتراب منهم أكثر. ليس على مستوى الشعار والعمل التحريريين فحسب، بل بالاقتراب من حياتهم اليومية، وجعل المشهد الاجتماعي للجولانيين حاضراً بقوة أكثر في وجدان بقية مواطني البلاد.
فمن المؤسف، والمفجع، أن تجد اليوم سوريّاً لم يسمع قبل بـ وئام عماشة، ولا يستطيع أن يذكر اسم واحد من بقية الأسرى السوريين الجولانيين القابعين في المعتقل الإسرائيلي (ناصر وفداء وماجد الشاعر، شام ويوسف شمس، صدقي المقت).
لهؤلاء، للجولانيّين، لتلك الأرض الجميلة، ألف تحيّة وسلام...
* صحافي وكاتب سوري
حسّان القالش *
شكّل خروج الأسير السوري السابق في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وئام عماشة، إلى حريّته الأولى، في الثامن عشر من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، مناسبة للفرح اخترقت الأشهر الثمانية الدامية التي عاشتها بلاده ولا تزال. كما مثّل مناسبة جديدة للتفكير بسورية. ذاك أن الحدث لم يتمثل في الزخم الذي أضافه إلى الانتفاضة السورية فقط، بل جعل الجولان المحتل، برمزيّتيه الوجدانية والوطنية الكبيرتين، حاضراً أيضاً، إلى جانب هذه الانتفاضة، كون وئام ابن الجولان وابن انتفاضة شعبه، التي كسبت به معركة أخلاقية جديدة في مواجهة السلطة.
فالأسير السوري المحرّر، كان قد وقف مع المقهورين من أبناء شعبه، وأعلن الإضراب عن الطعام من معتقله الإسرائيلي تضامناً معهم، وأعلن مراراً عن مواقفه المعارضة للسلطة، كانت تنجح في اختراق المعتقل ولا يسمع بها إلا قلّة من السوريين.
على أن السلطة، بتصرفات أجهزتها الإعلامية الحمقاء، وتجاهل الحدث «التحريري» لأحد أبنائها «المقاومين» للعدو الإسرائيلي، ومعاملته معاملة الخصم، بناءً على موقفه ورأيه السياسيّين، تثبت قصورها الفادح في جعل قضية الجولان مشتعلة وملتهبة في الوعي الجماعي العمومي، وخصوصاً عند الموالين لها. والأنكى من ذلك، أن إعلام السلطة قد امتطى القضيّة الجولانية لحسابه، فبعد أيام من حرية وئام عماشة، نشر بياناً يدّعي صدوره عن «أحرار الجولان العربي السوري المحتلّ»، كان حافلاً بخطاب خوّن من يتعاطفون مع انتفاضة شعبهم، من أبناء الجولان المحتل، وصفهم فيه بأنهم «خونة مارقون... ضلّوا الطريق».
والراهن أن قضية الجولان المحتلّ والجولانيين مدعوّة للدخول إلى المشهد العام وتفاصيل هذه المرحلة التاريخية من حياة البلاد. فلم يعد مقبولاً أن يكون موقع هذه القضية في العمل السياسي، الحالي، موقعاً ثانوياً، أو مجرد عنوان وطنيّ عام وبلا حيويّة أو معنى. وطالما أن هناك، في الجولان المحتلّ، سوريين يشاركون في قضايا بلادهم الداخليّة وأحوال إخوتهم، ويتفاعلون معها، إضافة إلى المرارات التي يسبّبها الاحتلال المديد وحروبه المتواصلة على هويّتهم الوطنيّة، فهذا ما يلحّ على السوريين في الداخل لرفع وتيرة تواصلهم مع إخوتهم الجولانيين، والاقتراب منهم أكثر. ليس على مستوى الشعار والعمل التحريريين فحسب، بل بالاقتراب من حياتهم اليومية، وجعل المشهد الاجتماعي للجولانيين حاضراً بقوة أكثر في وجدان بقية مواطني البلاد.
فمن المؤسف، والمفجع، أن تجد اليوم سوريّاً لم يسمع قبل بـ وئام عماشة، ولا يستطيع أن يذكر اسم واحد من بقية الأسرى السوريين الجولانيين القابعين في المعتقل الإسرائيلي (ناصر وفداء وماجد الشاعر، شام ويوسف شمس، صدقي المقت).
لهؤلاء، للجولانيّين، لتلك الأرض الجميلة، ألف تحيّة وسلام...
* صحافي وكاتب سوري
برهان غليون: ثقافة الاعتذار
بقلم أحمد مولود الطيار
(كاتب سوري)
مقال جهاد الزين: "اعتداء القاهرة: لماذا لم يستقل برهان غليون!؟" ("قضايا النهار" 17/11/2011) نص يمكن تأويله لما هو أبعد من حرفية السؤال والمطالبة بالاستقالة، انه تحذير، والخوف من استمرار ثقافة الاستبداد حتى بعد سقوط أركانه. الخوف كما يقول الباحث اللبناني من "بذرة فاشية قد تصبح في المستقبل مادة قمع انتقامية مخيفة". و"الربيع العربي" كما يتابع المقال "لم ينطلق ضد اسرائيل وانما ضد الاستبداد الداخلي، لذلك فان التساهل غير جائز أمام أي بذرة استبدادية" و"سوريا المستقبل" غير مقبول فيها "أي نوع من الارهاب الثقافوي والسياسي".
في المحصلة كما يقول المقال ويكاد يجمع الكل ثورات "الربيع العربي" هي لاسترداد الكرامة الوطنية.
يدرك برهان غليون وغيره أن سقوط الاستبداد كاملا وبكل رموزه، لا يعني أن الطريق بات مفروشا بالورود لمسيرة سوريا المستقبل، فما هو أصعب من سقوط نظام سياسي مستبد، هو سقوط ثقافة ذلك النظام. تلك عملية طويلة، الشغل عليها يتم على كل الصعد وهي محفوفة بمطبّات ومنزلقات خطرة وكثيرة.
الاستبداد، وفي سوريا ربما شاهدنا أحدث طبعاته، تغلغل على مدى عقوده الطويلة في كل المفاصل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية واستطاع عبر عمل دؤوب وممنهج تشويه كل تلك المناحي والصعد حتى عمّ الخراب وطاول النفوس، ولا يكفي هنا أن تكون معارضا لتكون بمنجى من تلك الثقافة وحادثة الاعتداء في القاهرة لا يجب الاستهانة بها أو التقليل من شأنها، فالحقد شاهدنا ارتساماته على الوجوه من خلال الصورة التي بثت وهو كان موجها الى شخصيات لها تاريخها النضالي المعروف، كيف سيعبّر عن نفسه ذلك الحقد فيما لو خرجت سوريا عن السيطرة؟! كيف سيعبّر وبات الكثيرون يدركون الى أين يقود النظام سوريا وفاتورة الدم التي ترتفع كل يوم.
برهان غليون وكل من يريد العبور بسوريا الى الضفة الأخرى الآمنة و بأقل الخسائر الممكنة قام بعمل تأصيلي وتأسيسي يقطع مع ثقافة الاستبداد خلال فترة زمنية قصيرة جدا على رأس "المجلس الوطني السوري"، قدم اعتذارين مهمين بشكلهما ودلالاتهما، الأول للأشقاء الأكراد حول اللغط الذي اثير جراء لقاء تلفزيوني أجري معه والثاني وبلغة "حاسمة" أيضا حول اعتداء القاهرة.
ذلك تقليد جديد يجب أن يتكرس لأنه على الضد من عنجهية وغطرسة الاستبداد ورموزه، فالمواطن العربي المبتلى لم يعتد من المسؤول العربي الاعتذار رغم كل الخطايا والأخطاء التي تذهب بأوطان ولازالت ترتكب يوميا، ما اعتاد عليه هو "المكرمات" و"العطايا" ويجب أن يلهج باسم الحاكم خمس مرات في اليوم. المعارضة السورية وبكل أطيافها اليوم مطلوب منها تقديم وجه مغاير عن النظام الذي تعارضه وهي محقة في معارضتها له، مطلوب منها خطاب سياسي شفاف ومواقف متقدمة فكريا وسياسيا وأخلاقيا بالدرجة الأولى تتلاقى مع تضحيات الشارع المنتفض الذي أوصلها الى ما هي عليه اليوم.
سوريا لا تُختصر ولا تتلخص بأحد وهذا التنوع غنى لها إن تم استثماره. الثورة السورية قامت لتؤكد ذلك والصراع الجاري حاليا ليس بين معارضة ومعارضة، هو بين نظام الغى الكرامة وشعب يريد استعادتها.
(كاتب سوري)
مقال جهاد الزين: "اعتداء القاهرة: لماذا لم يستقل برهان غليون!؟" ("قضايا النهار" 17/11/2011) نص يمكن تأويله لما هو أبعد من حرفية السؤال والمطالبة بالاستقالة، انه تحذير، والخوف من استمرار ثقافة الاستبداد حتى بعد سقوط أركانه. الخوف كما يقول الباحث اللبناني من "بذرة فاشية قد تصبح في المستقبل مادة قمع انتقامية مخيفة". و"الربيع العربي" كما يتابع المقال "لم ينطلق ضد اسرائيل وانما ضد الاستبداد الداخلي، لذلك فان التساهل غير جائز أمام أي بذرة استبدادية" و"سوريا المستقبل" غير مقبول فيها "أي نوع من الارهاب الثقافوي والسياسي".
في المحصلة كما يقول المقال ويكاد يجمع الكل ثورات "الربيع العربي" هي لاسترداد الكرامة الوطنية.
يدرك برهان غليون وغيره أن سقوط الاستبداد كاملا وبكل رموزه، لا يعني أن الطريق بات مفروشا بالورود لمسيرة سوريا المستقبل، فما هو أصعب من سقوط نظام سياسي مستبد، هو سقوط ثقافة ذلك النظام. تلك عملية طويلة، الشغل عليها يتم على كل الصعد وهي محفوفة بمطبّات ومنزلقات خطرة وكثيرة.
الاستبداد، وفي سوريا ربما شاهدنا أحدث طبعاته، تغلغل على مدى عقوده الطويلة في كل المفاصل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية واستطاع عبر عمل دؤوب وممنهج تشويه كل تلك المناحي والصعد حتى عمّ الخراب وطاول النفوس، ولا يكفي هنا أن تكون معارضا لتكون بمنجى من تلك الثقافة وحادثة الاعتداء في القاهرة لا يجب الاستهانة بها أو التقليل من شأنها، فالحقد شاهدنا ارتساماته على الوجوه من خلال الصورة التي بثت وهو كان موجها الى شخصيات لها تاريخها النضالي المعروف، كيف سيعبّر عن نفسه ذلك الحقد فيما لو خرجت سوريا عن السيطرة؟! كيف سيعبّر وبات الكثيرون يدركون الى أين يقود النظام سوريا وفاتورة الدم التي ترتفع كل يوم.
برهان غليون وكل من يريد العبور بسوريا الى الضفة الأخرى الآمنة و بأقل الخسائر الممكنة قام بعمل تأصيلي وتأسيسي يقطع مع ثقافة الاستبداد خلال فترة زمنية قصيرة جدا على رأس "المجلس الوطني السوري"، قدم اعتذارين مهمين بشكلهما ودلالاتهما، الأول للأشقاء الأكراد حول اللغط الذي اثير جراء لقاء تلفزيوني أجري معه والثاني وبلغة "حاسمة" أيضا حول اعتداء القاهرة.
ذلك تقليد جديد يجب أن يتكرس لأنه على الضد من عنجهية وغطرسة الاستبداد ورموزه، فالمواطن العربي المبتلى لم يعتد من المسؤول العربي الاعتذار رغم كل الخطايا والأخطاء التي تذهب بأوطان ولازالت ترتكب يوميا، ما اعتاد عليه هو "المكرمات" و"العطايا" ويجب أن يلهج باسم الحاكم خمس مرات في اليوم. المعارضة السورية وبكل أطيافها اليوم مطلوب منها تقديم وجه مغاير عن النظام الذي تعارضه وهي محقة في معارضتها له، مطلوب منها خطاب سياسي شفاف ومواقف متقدمة فكريا وسياسيا وأخلاقيا بالدرجة الأولى تتلاقى مع تضحيات الشارع المنتفض الذي أوصلها الى ما هي عليه اليوم.
سوريا لا تُختصر ولا تتلخص بأحد وهذا التنوع غنى لها إن تم استثماره. الثورة السورية قامت لتؤكد ذلك والصراع الجاري حاليا ليس بين معارضة ومعارضة، هو بين نظام الغى الكرامة وشعب يريد استعادتها.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)