الثلاثاء، 29 مايو 2012

سعود المولى: وداعاً يا نصير بيك

كما في مسيرة حياته النضالية هكذا كان نصير في رحلته الأخيرة الى صيدا.. الجامع المانع القابض على الجمر المتمسك بالحرية الشديد الوفاء للوطن السيد الحر المستقل وللبناء والاعمار وللمصالحة والسلم الأهلي وللوحدة والحوار الصادق وللقلم الحر وللاستقامة على الحق والعدل وللقضية الفلسطينية وللربيع العربي.. حشود كبيرة من رفاق الأمس واليوم ومن كل الطوائف والمناطق والفئات امتزجت دموعهم بلوعة الحزن على رحيله المبكر في عز النضال والعطاء... نعم بكرت علينا يا نصير.. كنا نريدك معنا لتشهد انتصار ربيعنا الذي حلمنا به منذ ربيع العام 1968... نواب ووزراء وقادة واعلاميون وسياسيون ورجال دين وأطباء وصيادلة ومحامون وقضاة وأساتذة وطلاب جامعات ورجال أعمال وموظفون رسميون وفقراء كادحون جاءوا من كل مكان وزمان ليقولوا له وداعاً يا رفيق الأيام الحلوة والمرة.. وداعاً يا رقيقاً كالنسيم يا خفيف الظل كالياسمين يا حبيب القلوب كالعاشقين يا دمعة الوطن الحزين على شهدائه المناضلين وعلى أهله المستضعفين.. رجال ونساء وشباب وصبايا زحفوا من أقصى عكار وحلبا والضنية والمنية في الشمال الى أقصى عرسال وسعدنايل وبعلبك والهرمل وجب جنين ولبايا ومشغرة في البقاع الى أقصى مروحين وحانين وشقرا وجبشيت وبنت جبيل في الجنوب الى أقصى جرود العاقورة وبشري وزغرتا وكسروان والمتن فالى قلب بيروت وطرابلس وصيدا وصور والنبطية وجونية.. رجال ونساء من كل الطوائف والمناطق والفئات العمرية والاجتماعية ساروا جنباً الى جنب من أمام مستشفى الجامعة الأميركية حيث كان ينتظرهم العلامة السيد علي الأمين الى خلدة ومنها الى صيدا...رجال ونساء من كل الطوائف والمناطق والفئات دخلوا مسجد الحاج بهاء الدين الحريري.. لحظات لقاء داخل المسجد الذي شيده الرئيس رفيق الحريري لذكرى والده المرحوم بهاء الدين ثم واصلوا السير الى البوابة الفوقا وحسينيتها حيث استقبلهم مفتي صيدا الجعفري الشيخ محمد عسيران وأهالي حارة البوابة الفوقا حيث عاش آل الأسعد ومروة وعسيران والزين وابراهيم منذ مطلع القرن التاسع عشر وحيث قبورهم ومدافنهم تشهد على أصالة صيدا ووحدة أهلها... ثم حمل رفاق نصير النعش يتقدمهم السيدان محمد حسن الأمين وهاني فحص والشيخ عباس الجوهري والاستاذان محسن ابراهيم وكريم مروة وسفير دولة فلسطين وقيادات حركتي فتح وحماس ورفاق نصير في الأمانة العامة لـ14 آذار وفي تيار المستقبل ووفد كبير من قيادة الحزب التقدمي الاشتراكي ووزراء ونواب جبهة النضال الوطني وممثلو القوات اللبنانية وحركة التجدد الديمقراطي وكل رفاق وأحباب نصير من الذين حملوا معه هموم الوطن والناس وسؤال الحقيقة والعدالة... كما في مسيرة حياته النضالية هكذا كان نصير في رحلته الأخيرة الى صيدا جمع لبنان كله ومعه كل العرب وعلى رأسهم فلسطين وفي القلب منهم ربيعُ عاش له نصير ومات فالى روحه الطاهرة ألف فاتحة والى أهله الكرام كل المحبة والدعاء لهم بالصبر والسلوان والى رفاق دربه القدامى والجدد تجديد للعهد والوفاء للمسيرة والى أن نلتقي يا نصير لك مني أحلى ما في القلب والوجدان

سعود المولى: نصير الحقيقة والعدالة

ثلاثة لم أكن أستحي بمناداتهم يا بيك: وليد جنبلاط وسمير فرنجية ونصير الأسعد... ثلاثة بكوات "حمر" تركوا كل شيء من أجل النضال في سبيل الحقيقة والعدالة في حياة البشر... عرفت نصير الأسعد منذ عام 1969.. كنت قد انتقلت حديثاً من طرابلس الى بيروت ودخلت ثانوية البر والاحسان الرسمية في الطريق الجديدة..وكان هو في الليسيه الفرنسية.. أسسنا معاً ومع رفاقنا في منظمة الاشتراكيين اللبنانيين- لبنان الاشتراكي (التنظيم الموحد الذي صار لاحقاً منظمة العمل الشيوعي 1971) ما صار أهم منظمة طلابية جماهيرية لسنوات السبعينيات: لجان العمل الطلابي.. وفيها برزت ثلة من الشبان الحالمين بلبنان أفضل: حكمت العيد ونصير الأسعد ومختار حيدر وحسان يحيى وعلي يوسف وبسام عكاوي وفتحي اليافي وحسن منيمنه ووديع حمدان من الجيل الأول... وبرز لاحقاً الكثيرون ممن صاروا قادة حقيقيين للنضال الطالبي.. كان نصير أحد ابرز قيادات الاتحاد الوطني لطلاب الجامعة اللبنانية لسنوات 1973-1975...وكان أحد أبرز قيادات منظمة العمل الشيوعي خلال أصعب سنوات ومراحل النضال الى جانب محسن ابراهيم... وحين استقل هو وغيره عن المنظمة لم يتحول نصير الى شتام هدام بل كان مثالاً للأخلاق السياسية الرفيعة وقدوة في السلوك الانساني، لا يعرف غير لغة الحوار والعقل والحب العميق لقضايا الناس المستضعفين.. لم يكن التحول الذي جرى في حياته، كما في حياة جيلنا هذا، تحولاً نحو رغد العيش في أحضان السلطات وانما نحو استمرار النضال بأشكال أكثر ملاءمة لمتطلبات وضعنا اللبناني والعربي.. كان الهم الذي دفع بنا في أول مراحل الصبا والشباب نحو الانخراط في كل معارك النضال اليساري، هو نفس الهم الذي حركنا وما يزال يحركنا في كل موقع نحتله أو نعمل فيه: البحث عن الحقيقة والعدالة من أجل سعادة الانسان... نعم الحقيقة التي هي ضالة المؤمن يأخذها أنى وجدها... والعدالة التي هي شوق الإنسانية العظيم في كل الأمكنة والأزمنة... نصير الأسعد لم يغادر موقعاً نضالياً إلا ليحتل موقعاً أصعب وأكثر قابلية لتطوير طاقات وقدرات الناس نحو الفعل السياسي الثوري التغييري الحقيقي... كان يؤمن بالناس وبأنها هي صانعة التغيير ولكن من خلال الوعي الصحيح والتنظيم السليم..وقد آمن مثلنا بأننا نعيش مرحلة ديموقراطية وطنية بحسب تعبير الشهيد كمال جنبلاط، أو ديموقراطية جديدة بحسب تعبير ماوتسي تونغ، ما يعني العمل على تحقيق أوسع جبهة للنضال المشترك في سبيل وقف الحرب الأهلية وتحقيق السلم الداخلي واعادة بناء الدولة على أسس أكثر عدالة وديموقراطية.. لم يحمل نصير أي وهم يسرواي خبيث ولا اعتبر يوماً أن النضال وقف على ألمعية هذا أو ذاك من الكتبة المرتزقة الذين يعيشون في حضن أجهزة المخابرات ويقتاتون من دم الناس الشرفاء... وحين صار نصير صديقاً للرئيس الشهيد رفيق الحريري فإنما كان ذلك بسبب استقلاليته الفكرية والنضالية واستقامته المعنوية على الحق وتمسكه بالعدل في كل الأمور... ولم يكن ذلك طلباً لموقع أو جاه أو مناسبة لاستخدام النفوذ والسطوة... كان نصير/الرجل هو الذي يصنع الموقع لا العكس كما نرى للأسف في الكثير من حالات المثقفين والصحفيين... كان الموقع بالنسبة اليه هو القرب من نبض الناس وحقوقها وقضاياها لا البرج العاجي البعيد عن الناس االقريب من الأجهزة. شارك نصير في تأسيس اللقاء الشيعي اللبناني وحمل منذ ذلك الوقت همّ البحث عن مخرج تاريخي للأزمة الشيعية من خلال الاندراج في العمل الوطني المتكامل عبر مسيرة 14 آذار... نعم رأى نصير أن حركة 14 آذار هي خلاص لبنان وبالتالي فهي خلاص الشيعة أنفسهم من كل ما عانوه ويعانونه من خوف وتهميش ومن مصادرة واستئثار... ولكنه كان يعرف أيضاً مواطن ضعف حركة 14 آذار وخصوصاً في الموقع الشيعي... أما تميزه هنا فهو أنه لم يكن من نوع النقاقين العاجزين عن رؤية المسار التاريخي الذي شقته حركة 14 آذار والتحديات الكبيرة التي تنوء من ثقلها الجبال...عرف نصير بقوة بصيرته وحاسته السياسية واستقامته الفكرية والمبدئية أن حركة 14 آذار ليست ملكاً لشخص أو لحزب وأن ما تواجهه ليس رحلة صيفية وإنما أشرس معركة حضارية في وجه أعتى أمبراطوريات مافيا الحقد والإجرام والظلام.. ولذلك فإنه لم يتخل يوماً عن أهداف حركة 14 آذار ولا انخرط كغيره من الصحفيين السريعي العطب في عملية جلد الذات والبكاء على الأطلال.. ظل نصير يكافح في موقعه لتصحيح كل خطأ ولتأكيد كل صح في مسيرة الناس نحو الحقيقة والعدالة... تميز كصحفي جريء واضح شفاف وتميز كمناضل شجاع حاسم قائد في الملمات لا يهتز أمام النكسات ولا يضعف أمام المغريات وما أكثرها.. فكان ينتقل من موقع الى موقع أصعب وليس العكس... اليوم يغيب نصير وتغيب معه قامة وطنية كبيرة وقلم حر مستنير وفكر متوهج وقاد ووثاب... وتغيب معه سطور من ملحمة نضالية تاريخية شارك هو في بنائها وكانت مرحلة جميلة من تاريخنا عبرناها معاً بكل الآمال والآلام... مرحلة سيقول التاريخ عنها يوماً أنها مرحلة أمثال نصير الأسعد وسمير قصير وجورج حاوي من اليسار الحقيقي لا اليسار المزيف، اليسار المناضل في أشرس المعارك لا اليسار الثرثار في صالونات باريس ولاس فيغاس وصحافة وتلفزيونات الحقد واللؤم والقتل... وكما وقف نصير دائماً مع الناس وفي صف المستضعفين وفي موقع الحقيقة والعدالة، نقول له: نم هنيئاً يا رفيق... هذا هو طريقنا الوحيد نحو فجر جديد..

عادل عبد المهدي:المجلس الاعلى.. من رحم الاخفاقات تولد النجاحات.. والعكس صحيح

برز "المجلس الاعلى" منذ ثمانينات القرن المنصرم كاهم قوة سياسية عراقية.. فاتجهت اليه الانظار.. والتفت حوله جموع كبيرة.. وخشيت منه وخاصمته اخرى. فاز "المجلس" بانتخابات مجالس المحافظات الاولى.. وكان حجر الزاوية في فوز "الائتلاف العراقي" في انتخابات الجمعية، وفي الدورة التشريعية الاولى.. وتصدر العمل لاعداد الدستور.. وتشكيل اولى الحكومات.. وتصور ان هذه النجاحات قد وفرت له رصيداً متواصلاً، وتسرب الغرور والكسل الى جوهر مناهجه وتنظيماته.. ولم يستوعب كلياً التطورات الجديدة.. وتفككت بعض طروحاته.. فجاء اداؤه في انتخابات 2009 (المحافظات) مخيباً للامال.. وبدت تشكيلاته قديمة، مفككة، فاقدة المبادرة، عاجزة عن تجنيد جمهورها، ناهيك عن جمهور الوطن. ولم يستوعب ان الثوابت شيء ومناهج العمل شيء اخر.. وان تكرار النظريات والثوابت والمبادىء بمفردها لا تبني حركية سياسية.. وان طروحات المعارضة قد انتهت.. والاوضاع بحاجة للتجديد والتعامل مع منطق الدولة وبناء المجتمع. وان تعبئة الشعب وبناء التحالفات والنظريات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والخارجية تختلف عن رفع السلاح ومعارضة الدكتاتورية. بدا لكثيرين ان طروحات "المجلس الاعلى" قد ذبلت وانتهت.. وهي انطباعات وجدت صداها داخل "المجلس" وقياداته وجماهيره العريضة. فبدا كل شيء في تراجع الا صلابة النواة.. وتقوى العمل امام الله والمرجعية والمواطنين.. والامانة لدماء الشهداء،.. والتي امامها تنحني القامات.. وتعترف بالاخطاء.. وتراجع نفسها.. وتستعد للاصلاحات.. وتتجرأ في تجديد الافكار وتغيير الدماء، وفقاً لسنن الحياة.. لتعتمد الروحيات الشابة فكراً ونشاطاً، والعمل والانتاج معياراً.. ولتأكيد ما برهنت الحياة صحته ونبذ البالي والمستهلك. فاصدر بيانه العلني الجريء في 2/2/2009 مهنئاً الفائزين واعداً بمراجعة اخطائه، وببدء حملة اصلاحات تنظيمية ومنهجية كبيرة. لم يتخلص "المجلس" من عوامل العطل والعرقلة كاملة.. لكنه يمتلك اليوم ما يكفي للتدليل بانه يتقدم متجاوزاً عوامل التراجع.. وانه ليس جزءاً من الماضي فقط.. بل هو جزء واعد من المستقبل ايضاً.. وان خطاب رئيسه النافذ، ومؤتمره الاخير، والجموع الغفيرة لتنظيماته التي احيت "يوم الشهيد"، خير دليل على عودة الحيوية لبنيته وافكاره.. والمطلوب الاستمرار بتطويرها. والخطر الذي يهدده اليوم هو ان يتوقف عند هذا النجاح الجزئي.. ليأخذه الغرور مجدداً.. فالنجاح باب من ابواب الهزيمة، ان لم تدرس عوامله ومخاطره ومغرياته في آن واحد.. لاستثمار الاولى.. ومواجهة الثانية.. والتصدي للثالثة.

عادل عبد المهدي:أربيل، النجف.. صراع قوى ومؤسسات، ام صراع جماعات؟

العراق بلد ورث الكثير من الانقسامات والصراعات والقضايا المثيرة للخصومة بل للاقتتال.. ومصلحتنا جميعاً تصريف هذه الشؤون وجعلها ملفات في مؤسسات الدولة والمحاكم ووسائل الضغط والاعلام.. بطرق حضارية عادلة تبقي الاختلاف مدنياً وسلمياً يستخدم الوسائل التي يتيحها الدستور حقيقة وليس لفظاً او ادعاءً.. ويضمن حق التعبير الحر عن الرأي والتنظيم والتظاهر.. بعيداً عن الانتقائية والرشوة والتهديد والابتزاز. بخلافه ان تحولت الاختلافات الى خلافات وانقسامات في الشارع والمجتمع والجماعات، ليصبح لكل طرف قانونه الخاص.. ومنطقه ووسائله المتفردة في الفهم، او الصراع، فاننا ندمر وحدتنا التي ندافع عنها لكننا ننسف اعمدتها.. ونعبر عن عدم احترام لشركائنا، بل لانفسنا وذكائنا وحكمتنا.. ونغلب غرائزنا ووحشيتنا التي ستأكلنا وغيرنا. والخلافات على مستويين.. اما بين اطراف تتشارك السلطة.. او بين الجماعات خارجها.. ولدينا امثلة للنوعين. وازمتنا اليوم هي بالخلافات بين جماعات وقوى لديها جميعا ممثليها في السلطة والدولة وبكافة المستويات الاتحادية والمحلية. ولا حل للخلافات بين اجنحة السلطة غير مؤسسات الدولة وتحت قبة البرلمان.. اما الخلاف بين الجماعات والمكونات فحلوله من خلال العقد التأسيسي والدستور واحترامه نصاً وروحاً، وما يتوصل اليه الفرقاء تحت مظلته من توافقات واتفاقات. وللاسف الشديد، يحاول البعض تحريك الشارع والرأي العام وحساسيات كل جماعة لشن حملة من التشويهات والتسقيطات لخدمة اهداف تضع الزيت على النار وتحرق الوطن ومكوناته بدون استثناء. وهذا اسلوب وطريق خطير.. لان ما يستطيع طرف ان يفعله يستطيع طرف اخر ان يقوم به ايضاً. فاذا اضعفنا دور المؤسسات ووضعنا الدستور على الرف نأخذ منه ما يفيدنا ونعطل ما يلزمنا.. وافقدنا الدولة والحكومة والمسؤولية والموقع اتحادياً او محلياً ادوارها الراعية والحيادية، لتصبح ملكاً لطرف ضد اطراف، فاننا حقيقة نتآمر على انفسنا قبل التآمر على غيرنا. فلقد اخترنا المؤسسات طريقاً للمنافسة. فاذا خرجنا الى سواها، متعمدين او جاهلين، فلن نسقط شرعية غيرنا بل سنسقط شرعيتنا ايضاً، لنعود الى سلوكيات الماضي. ولقد اخترنا الدستور ومؤسساته وقوانينه المستندة اليه -وليس بالضد منه- حكماً بيننا.. فان تفردنا برؤيتنا، واصبح لكل منا حكمه وتفسيره الذي يعمل به دون الاخرين، فكأننا نمزق العقد الذي ابرمناه بملىء ارادتنا، ووضعنا فيه امالنا وتصوراتنا وتوازناتنا ومعادلاتنا وعوامل نجاحنا ونجاح الوطن والمواطن.

جنبلاط وجه نداءً إلى الشعب السوري وجبل العرب

لإسقاط مخططات الفتنة المذهبية الاثنين 28 أيار 2012 توجه رئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط "بنداءٍ الى كل أبناء الشعب السوري بمختلف إتجاهاته ومشاربه وإنتمائاته، وإلى جميع اهالي جبل العرب في هذه اللحظة الحساسة التي تمر بها سوريا وادعوهم لاسقاط مخططات الفتنة المذهبية التي رسمها النظام السوري والتي ترمي إلى الإيقاع بين أبناء الوطن الواحد والمنطقة الواحدة". وقال: "لقد استطاع الشعب السوري، بما يملك من عزم وإرادة وعزيمة وإصرار، إحباط كل الأفخاخ التي نصبها النظام وفي طليعتها فخ الإقتتال والفتنة المذهبية والطائفية، وأدعو أهل جبل العرب، كما كل أبناء سوريا، لليقظة والتنبه أكثر من أي وقت مضى والأخذ في الحسبان المخاطر الكبرى التي يسعى النظام لجرّهم إليها من خلال تأليب المناطق والطوائف على بعضها البعض". جنبلاط، وفي مقاله الأسبوعي لجريدة "الأنباء" الصادرة عن "الحزب التقدمي الإشتراكي، أضاف: "لقد ناضل السوريون صفاً واحداً في الماضي ضد الظلم الأجنبي دون تمييز في الإنتماء الطائفي والمذهبي، وهزموا بعزيمتهم وإيمانهم الإستعمار الأحنبي مؤكدين على عروبتهم"، منبهاً إلى أن "أي محاولة لتطييف الصراع والثورة في سوريا سيشكل ضربة قاضية لكل التضحيات التي بذلها الشعب السوري بكل فئاته لنيل حريته وكرامته". وختم جنبلاط قائلاً: "لكل ذلك، فإنني أدين وأستنكر أعمال الخطف والخطف المضاد من أي جهة أتت، وأدعو الى إعادة تسليم المختطفين وإستعادة الهدوء وضبط النفس وعدم الإنجرار للعنف أو الخطوات الإنتقامية لما لذلك من انعكاسات سلبية قد تخرج الأمور عن السيطرة وتصب في نهاية المطاف في خدمة النظام".

سعود المولى:نحو مراجعة نقدية شجاعة وشفافة

عانى العرب خلال القرن العشرين من المحاولات المتغطرسة المستمرّة التي كانت تهدف إلى تقليد العلمانيّة الغربيّة، وخاصّةً في صيغتها الفرنسيّة. استندت الرؤية العلمانيّة الأوروبيّة على فكرة أنّ الحداثة من شأنها تحديد فصل كامل ما بين القدسيّات (الدين) والدنيويّات (المجتمع). لكنّ الغرب لم يقم أبدًا بهذا الفصل؛ بل استبدل الدين (المسيحيّة) بدين آخر (الحداثة)، والإيمان بالمسيح/الإله بالإيمان بالتقدّم/الإله أو بالدولة/الإله . لم تعنِ العلمانيّة القضاء على القدسيّات تجاه الحداثة بل استنساخ دور القدسيّات في سياقٍ جديد مناسب لظاهرة الحداثة. لقد كان مفهوم الفصل إذًا ملتبسًا ومبهمًا وجعل بالتالي الفرد محرومًا من مرجعيّة تجاه دولة تُمسك بسلطة مستقلّة مطلقة. وبالتالي، وجد المجتمع نفسه مُفكَّكًا ومُمزَّقًا ومحرومًا من مرجعيّات وعلّات وجوده. وهذا ما سهّل في أوروبا صعود الفاشية والنازية والشيوعية في صيغتها السوفياتية أي تلك الأنظمة المسماة توتالياتارية.. لكنّ الدين، بالنسبة إلينا، ليس مرحلةً من مراحل تطوّر الوعي أو العقل، ولا مثالاً اكتمل في التاريخ. فالشخصيّة العربيّة شخصيّةٌ معقّدة، لها نواة ومرشد هو الدين. ولا يمكن اختزال الفرد العربي إلى مستوى واحد، كما هو حال المواطن/الفرد أمام الدولة/الإله في الغرب. ولهذا فإن من واجبنا إعادة الدين إلى المكان المخصّص له، أي إيجاد الانسجام والتوازن في العلاقة ما بين الدين والدولة، وبخلاصة القول، إيجاد الصيغة الصحيحة لتحقيق التوازن بين المجتمع والدولة... وهذا لا يتم إلا باجتراح صيغة ملائمة للمواطنة المتساوية في بلادنا تسمح بتحصيل حقوق الفرد/المواطن وحمايتها، وبضمانات محددة للجماعات/الطوائف وخصوصاً الأقليات.. ولنا اليوم الحقّ وربّما حتّى الواجب أن نطلب من الاسلاميين في السلطة تطوير مبدأ المواطنة ومفهومها. فانطلاقًا من الافتراض بأنّ وجود غير المسلمين إلى جانب المسلمين في كيانٍ وطنيّ واحد يستتبع بُعدًا جديدًا لم يكن موجودًا في حقبة الدولة الإسلاميّة الأولى، فيما نأخذ بعين الاعتبار أنّ القانون الدوليّ قد تغيّر بمرور الوقت، وأنّ المسلمين يلعبون دورًا أساسيًّا في صياغة المواثيق الجديدة وعمليّة النظام العالميّ الجديد الذي يلتزمون به، يمكننا القول إنّ المسلمين مدعوّون إلى احترام جميع الالتزامات التي تعهّدوا بها من الناحية القانونيّة والشرعيّة. فالإطار القانونيّ التنظيميّ والإطار القانونيّ السياسيّ في الإسلام يمكنهما، لا بل يتوجب عليهما، توسيع نطاقهما لإفساح المجال لغير المسلمين في المجتمع والدولة، بوصفهم مواطنين أحرارًا ومتساوين. إنّ ما يُقترح هنا هو ابتكارٌ لصيغةٍ قانونيّة جديدة تعكس روح الحوار والتوافق والعيش المشترك. ولا شيء يمنعنا في الإسلام من القيام بهذا الاجتهاد، الذي يستند إلى الإنجاز التاريخيّ المتمثِّل بصحيفة المدينة المنوّرة والخبرة الغنيّة التي نضجت في غضون أربعة عشر قرنًا. ويجب علينا التركيز على تطوّر الإسلام وتجديده إنطلاقًا من الإسلام نفسه. تتطلّب النهضة العربيّة المعاصرة إعادة بناء الهويّة المدنيّة، مع الأخذ في الاعتبار ما تعنيه هذه النهضة للعالم الخارجيّ وما يعنيه العالم الخارجيّ لها. وهذا يستتبع جهادًا نظريًّا وفكريًّا وتربويًّأ يُدعى المسيحيّون العرب للمشاركة فيه كرُوّاد. من ناحية أخرى، يتطلّب انتقاد الحداثة وأمراض تقليد الغرب وأثره مشروعًا مشتركًا إسلاميًّا مسيحيًّا علمانياً يهدف إلى وضع حدّ للاقتداء الأعمى وتجديد دور المسيحيّين والمسيحيّة العربيّة في نهضة بلادنا وحضارتنا. وهذا يعني أنّه لا ينبغي أن ننتقد أوهام حداثةٍ تنسخ وتكرِّر مراحل الخبرة الأوروبيّة فحسب، بل أيضًا أشكال الاغتراب العقليّ الذي يضرب النُخَب الإسلاميّة الحديثة. فهذه الأشكال من الاغتراب تُجدِّد وتُكرِّر الخبرة الشيوعيّة باسم الدين، الذي أصبح إيديولوجيا لوهم سلطةٍ مصدرُه مثالُ تفوّق فاسد. إنّما الحوار الحقيقيّ يكمن في إجراء مراجعة نقديّة عامّة لمفاهيمنا في الإلهيات والشريعة، ولأفكارنا وافتراضاتنا. هذا هو التحدّي الحقيقيّ، وهو تحدٍّ يتطلّب قدرًا كبيرًا من الشجاعة والخيال. إنّها مغامرة ضروريّة للتوصّل إلى مصالحة حقيقيّة وسلم أهليّ حقيقيّ دائم ومُثمر.