لا يزال الدم العراقي ينزف بغزارة، وسقوط الضحايا الأبرياء يتواصل، وتفجير وتدمير دور العبادة من مساجد وحسينيات وكنائس والأسواق، وقتل المزيد من الشعب مستمر، على يد الإرهابيين والتكفيريين والمجرمين، الذين يحاولون إثارة الفتنة المذهبية والدينية والعرقية والقبلية، لإعادة العراق إلى الحكم الدكتاتوري الاستبدادي الدموي المظلم أو العيش في دوامة القتل والكراهية والحقد، وجعل الشعب العراقي حطبا لأعمال العنف والعدوان. بينما دول الجوار والأخوة العرب والمسلمون صامتون لا يحركون ساكنا اتجاه تلك التفجيرات التي تستهدف العراق وشعبه.
بلا شك ان العراق يعيش في ظل أزمات داخلية وخارجية كثيرة - كان الله بعون شعبه-، وأعظم أزمة ومصيبة يعاني منها العراق حاليا هي الفساد والاستغلال المنتشر في الدولة، وذلك بعدما تراجعت الأعمال الإرهابية وتحسن الوضع الأمني. ولكن كلما شهد العراق تحسنا نسبيا في مجال الأمن والامان والاستقرار، وعاد الشعب العراقي لممارسة حياته الطبيعية بالتعايش السلمي مع جميع الأطياف، وبرزت مظاهر الفرح والسرور؛ عاد الإرهابيون والمجرمون والتكفيريون لهوايتهم الحاقدة على الإنسانية بقتل الإنسان، كما حدث مؤخرا من أعمال تفجيرية لدور العبادة التي تسببت بقتل وإصابة المئات من المصلين الآمنين، واستهداف الحسينيات والمواكب والزوار في العديد من المناطق، واستهداف كل عراقي ينشد الأمن والسلام والاستقرار في جميع المناطق، وذلك في محاولة لإثارة النعرات الطائفية البغيضة والفتنة والحرب.
ولا يزال أعداء العراق والديمقراطية والسلام يمارسون جميع الأساليب القذرة الإجرامية، وتغذية كل ما يؤدي إلى الفتنة والحرب والقتل بين فئات الشعب العراقي من خلال التشكيك في كل عمل يعبر عن حالة التعايش السلمي والمحبة والسلام بين العراقيين.
لقد نشرت وسائل الإعلام العراقية خبرا عن عودة حالة الزواج بين أبناء المسلمين الشيعة والسنة كما كانت سابقا قبل دخول الإرهابيين والتكفيريين وأعداء الإنسانية، وسط تقبل وفرحة الشعب العراقي من جميع الأطياف بهذه الحالة المدعومة من قبل الدولة بدعم كل حالة زواج بـ 2000 دولار. فيما أعداء العراق في الداخل والخارج وأعداء التعايش وتقبل الطرف الآخر لم يتقبلوا تلك الروح الأخوية والمحبة وعودة روح الزواج بين أبناء المذاهب والطوائف. بل عبروا عن حقدهم الدفين واستيائهم الشديد والتشكيك في النوايا عن ذلك التقارب، لأن هولاء يريدون تمزيق العراق وشعبه من جميع الطوائف والمذاهب والقوميات والعروق، بعدما فشلت عمليات التفجير والتدمير والقتل والذبح والتهجير.
منذ سقوط نظام صدام في العراق، وأعداء الشعب العراقي والحرية والديمقراطية يحاولون بكل الأعمال والأفعال والأقوال، والأساليب الإجرامية لضرب وتشويه أي عمل ايجابي في العراق ومنها العملية الديمقراطية الحديثة العهد (المليئة بالأخطاء الكبيرة في ممارستها)، وقتل معنويات الشعب العراقي العاشقة للعدالة والحرية والسلام. والعمل على الترويج وتصوير الشعب العراقي بأنه شعب فوضوي لا يستحق أن يعيش في ظل الديمقراطية..، شعب غارق في الدموية يعشق العنف والقتل والتدمير والحرب والانتقام، شعب يكره الحياة والسلام، وأنه شعب اعتاد على الحكم الدكتاتوري الدموي، ولهذا لابد أن يحكمه نظام حديدي قمعي، ترضى عنه الدول المجاورة.. لا صوت فيه إلا لصوت النظام وأزلامه وأبواقه.
ورغم كل الدماء والعمليات التفجيرية والقتل كما حدث مؤخرا باستهداف المساجد والحسينيات وكذلك الكنائس والامنين في حملة عدوانية منسقة فان الشعب العراقي اثبت للجميع بأنه شعب يعشق السلام والاستقرار والامن والامان، بعدم الرد على تلك الأعمال بالانتقام بالمثل، ثم الدخول في فتنة داخلية طائفية تحرق الأخضر واليابس، بفضل وجود قيادات حكيمة رشيدة تدعم التعقل والاتزان وضبط النفس وعدم الرد بالمثل والانتقام.
حفظ الامن ومعاقبة المعتدين والمجرمين هي من مهمات الدولة، ولكن للاسف الحكومة العراقية ضعيفة وهذا الضعف استغل من قبل اعداء العراق لاثارة الفتنة، واصبح المواطن ضحية يدفع ثمن هذا الضعف.. ولكن اذا تخلت الحكومة عن دورها فمن سيدافع عن امن المواطن؟
وأخيرا؛ الا يستحق هذا الشعب وأبناء الطائفة التي تتعرض مساجدها وحسينياتها للتفجير وقتل عشرات المصلين، وسقوط المئات من الجرحى..، كلمة تضامن وإشادة بموقفها بضبط النفس وعدم الرد والانتقام، محبة للسلام والديمقراطية. يا أعداء العراق وأعداء الإنسانية وأعداء الحرية والتعددية الفكرية والدينية والمذهبية موتوا بغيظكم. فالعراق سيكون بلدا للحرية والديمقراطية والسلام.
علي آل غراش، السعودية
الاثنين، 17 أغسطس 2009
حزب الدعوة بين العراق ولبنان
لم يكن صدفة أن يحمل السيد موسى الصدر منذ عاد إلى لبنان تراث السيد عبد الحسين شرف الدين(أي التراث الوطني اللبناني المستند إلى عروبة حضارية لا لبس فيها ولا غبار عليها)، وان يتمايز عن أقرانه ورفاقه الذين أسسوا "حزب الدعوة" في النجف الأشرف ( ما بين عامي 1957 و1959 وهو تاريخ عودة الصدر إلى لبنان).. وهنا تاريخ مجهول لم يفتح أحد صفحاته بعد إلا أنه يستحق الاهتمام والدراسة كونه يلقي لنا ضوءاً كاشفاً على أمور ومواقف ما تزال تتردد أصداؤها إلى اليوم...
فالسيد صدر الدين الصدر (والد السيد موسى) قاد حركة دينية إصلاحية تقدمية وارتبط اسمه بالنهضة الأدبية والثقافية للنجف والعراق ومن ثم إيران التي هاجر إليها وتزوج فيها من السيدة صفيّة كريمة المرجع الديني السيد حسين القمّي..ومن خلال السيد القمي ارتبط السيد صدر الدين بكل اقطاب الحركة الاصلاحية التجديدية وخصوصاً المرجع الكبير المجدد الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي الذي عاونه الصدر في إدارة الحوزة الدينية في قم وصار لاحقاً أحد أركانها وساهم معه في إنشاء مؤسسات علمية ودينية واجتماعية وصحية.. وهذان المرجعان تتلمذا معا على الميرزا محمد حسن المعروف بالمجدد الشيرازي، وعلى الشيخ محمد تقي الشيرازي والشيخ محمد كاظم الخراساني وشيخ الشريعة الأصفهاني.. وهؤلاء لمن لا يعلم كانوا أركان التيار التجديدي الإصلاحي في الحوزات الشيعية وقادة الإصلاحية الدستورية في التاريخ الشيعي... كما أن السيد القمي لم يكن فقط صديق ورفيق درب المجدد الشيرازي بل هو رفيق وزميل المجدد النائيني (صاحب كتاب تنزيه الأمة وتنبيه الملة وأحد أكبر الدعاة إلى الحكم الشوروي الدستوري).. والى هذا التراث ينتسب السيد موسى الصدر... فهو درس في الحوزة العلمية بقم على أيدي أعلام التجديد والإصلاح الكبار.. كما انه كان أول معمم يدخل جامعة طهران الحديثة وكلية الحقوق فيها..وهذه نقطة ثانية مهمة لفهم العقل المنفتح والثقافة الواسعة التي ميزت الإمام الصدر عن أقرانه... وهو تخرّج من جامعة طهران الحديثة العلمانية وعاد إلى قم أستاذاً محاضراً في الفقه والمنطق ومؤسساً لأهم وأكبر مجلة إسلامية شيعية تنويرية إصلاحية ( مكتب إسلام ) مع الشهيد بهشتي والشيخ ناصر مكارم وبدعم وتوجيه من آية الله شريعتمداري..وهنا لا بد من الإشارة إلى أن رئاسة الحوزة الدينية في قم كانت معقودة للمجدد الكبير السيد البروجردي الذي لم يكن الإمام الخميني من أنصاره ومؤيديه بعكس الإمام محسن الحكيم والإمامين موسى الصدر ومحمد مهدي شمس الدين وهم كانوا من أنصار البروجردي. وفي ذلك يكتب الشيخ هاشمي رفسنجاني صراحة أنه "حدثت بعض المشكلات بين السيد الخميني وآية الله البروجردي... قامت منافسة بين نشرتنا "مكتب تشيع" وبين نشرة "مكتب إسلام" التي كان يديرها متقدمون علينا حوزوياً ومن أنصار شريعتمداري... لو أن الإمام الخميني في عصر السيد البروجردي تدخل في الصراعات السياسية لما نجح، لعدم الانسجام بينهما...في عصر البروجردي كانت الأكثرية المطلقة من الطلبة تابعة له...وكان هو المرجع المطلق في باكستان وأفغانستان والعراق والخليج.. وأسس دار التقريب بين المذاهب ومركز هامبورغ الاسلامي...الخ..."(كتاب رفسنجاني:حياتي.دارالساقي،بيروت،2005،ص32-33-36-38-39).
وقد انتقل السيد موسى الصدر إلى النجف بعد وفاة والده (1953) حيث لمع نجمه خلال فترة وجوده هناك (حتى العام 1959) أي في فترة توهج وسطوع نجم مرجعية السيد محسن الحكيم الذي احتضن الإمام الصدر كما احتضن علماً آخر من جيله هو الإمام شمس الدين... وكانت أول زيارة للسيد الصدر إلى لبنان العام 1955 (حيث تزوج من ابنة السيد عزيز الله خليلي).. وقد تميّزت مرحلة النجف التي شهدت زيارات متكررة إلى لبنان والى قم، بدراسته على كبار المراجع: أبو القاسم الخوئي، محسن الحكيم، محمد رضا آل ياسين.. وبإتمامه لمرحلة الدراسات العليا (بحث الخارج) واشتراكه في تأسيس جمعية منتدى النشر... وهنا زامل ورافق الإمام الصدر كبار النجف يوم ذاك: الشهيد محمد باقر الصدر(ابن عمه)، والسادة الشهداء مهدي ومحمد باقر الحكيم (ابني السيد محسن)، والشيخ الموسوي الاردبيلي والسيد موسى الشبيري الزنجاني والسيد مرتضى العسكري (أحد ابرز قادة حزب الدعوة) والشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيد محمد حسين فضل الله وغيرهم.
إن انتماء الصدر إلى التيار الإصلاحي المجدد في إيران والعراق، ورفقته وزمالته لرموز الحركة الإسلامية الإيرانية المدنية (حركة تحرير إيران وقيادتها: آية الله طالقاني، د. مهدي بازركان، د. مصطفى شمران، د. علي شريعتي، د. إبراهيم يزدي... وهي حركة إصلاحية كبرى كانت استمرارا وتطويرا لحركة الرئيس مصدق وتيارها المسمى الجبهة الوطنية) وصلته أيضاً بالمرجع الكبير المعتدل والليبرالي آية الله كاظم شريعتمداري، كل ذلك جعله يفترق ومنذ البداية عن أترابه الذين شاركوا لاحقا في تأسيس حزب الدعوة...وكان العراق يشهد نهضة ثقافية وسياسية هائلة كان النجف مركزها والمراجع الكبار محورها... فمع السيد الخوئي والسيد محسن الحكيم وولديه مهدي ومحمد باقر، ومع الشيخين الأخوين محمد رضا ومرتضى آل ياسين(أخوال السيد محمد باقر الصدر)، والسيد محمد صادق الصدر(ابن عم السيد موسى وجد السيد مقتدى)، تشكلت حلقات الدراسة والتفكير ووضعت برامج الحركة والعمل بدءا بجمعية منتدى النشر وجماعة العلماء (ومجلتها الأضواء) ومرورا بمنظمة الشباب المسلم ومنظمة المسلمين العقائديين (وقائدهما عز الدين الجزائري) والحزب الجعفري (عبد الصاحب دخيل وحسن شبر ومحمد صادق القاموسي وقد صاروا لاحقاً من المؤسسين لحزب الدعوة)، ووصولا إلى حزب الدعوة... وكانت الأجواء العربية الملتهبة حافزا للطلبة والعلماء في النجف وكربلاء وبغداد وسامراء إلى البحث عن اطر مناسبة للتحرك الإسلامي الجاد يلبي احتياجات الشيعة العراقيين من جهة (وهم كانوا حرموا أية مشاركة في الحكم رغم ثوراتهم التاريخية ضد الاحتلال البريطاني)، ويواجه الاتجاهات الحديثة التي كانت تغزو بسرعة عقول وقلوب الشباب في مواجهة الملكية والاستعمار (المقصود الاتجاهات الليبرالية والقومية واليسارية والشيوعية منها تحديدا)... وهنا يجدر تسجيل حادثة مهمة كان لها الأثر الكبير في التحركات اللاحقة وهي مظاهرة النجف الكبرى دعما لمصر في مواجهة العدوان الثلاثي.. فقد شهد العراق مظاهرات صاخبة ودامية كان أعنفها وأكثرها تأثيرا مظاهرة النجف الأشرف التي قمعتها السلطة بوحشية رهيبة وتلاها إعلان الأحكام العرفية في البلاد... ورغم ذلك استمرت التظاهرات في النجف وأبرزها تلك التي خرجت يوم 23-11-1956 وشارك فيها علماء الدين وأسفرت عن مجزرة دموية ارتكبتها السلطة وراح ضحيتها عدد كبير من الأهالي (ذكرت مجلة العرفان اللبنانية إن عدد القتلى بلغ 450 الا ان العلامة الكبير الدكتور السيد محمد بحر العلوم أكد لي ان العدد لم يتجاوز اصابع اليد الواحدة في النجف)... وقد تلا ذلك بيان عنيف للمرجع الشيعي السيد الحكيم وإعلان الإضراب العام الشامل في النجف وهو إضراب تجاوب معه العراق كله وانضمت إليه مصر ولبنان وسوريا... والى تأثير هذه الحركة الجماهيرية في النجف، وتأثير حركة مصدق في إيران والتي أسقطتها المخابرات الأميركية، جاءت تجارب لبنان (ثورة 1958) والجزائر (انطلاق ثورة التحرير الوطني) وفلسطين (حركة فتح) لتضيف وعيا كبيرا إلى تحرك شباب الحوزات والطلبة والعلماء في النجف. كما بدا بوضوح تأثر النجفيين بالتجربة الإيرانية الشديدة الوطنية إلى حدود التعصب (وكلنا نعرف ذلك) كما بالتجربة الجزائرية والتجربة الفلسطينية الوليدة، وهما تجربتان وطنيتان صافيتان لا بل أنهما تشكلتا من رحم الاعتماد على الذات الوطنية وليس على المد العربي (تجربة الجزائر المتميزة بمزيج إسلامي – جزائري شديد الخصوصية و تجربة حركة فتح التي خرجت قياداتها من رحم الإخوان المسلمين وعلى أساس الوطنية الفلسطينية).. وقد عرف عن الإمام الصدر في تلك المرحلة تأثره الكبير بفرانز فانون وعلي شريعتي وبثوار الجزائر وفتح بقدر تأثره بالدراسة الحوزوية (وأساتذته فيها) وبالتجربة الإيرانية الوطنية-الإسلامية...في مثل هذه الأجواء ولدت فكرة تشكيل حزب إسلامي شيعي في العراق أسوة بالإخوان المسلمين وحزب التحرير وحركة فتح وجبهة التحرير الجزائرية وحركة تحرير إيران ومنظمة فدائيان إسلام الإيرانية (وقائدها نواب صفوي المتأثر بحسن البنا)... وقد رأى الداعون إلى هذا العمل ضرورة النهوض بأعباء المرحلة وفي مقدمتها طرح الإسلام كعلاج للازمات الاجتماعية السياسية في مقابل التيارات الفكرية الأخرى التي كانت تستقطب شباب العراق، ومواجهة هذه التيارات بنفس الأسلوب الحركي التنظيمي الهادف إلى إيجاد وسائل للوصول إلى قطاعات في المجتمع كان يصعب الوصول إليها من خلال العلماء والطلبة الحوزويين في ذلك الوقت (مثل قطاعات الموظفين الحكوميين والطلبة الجامعيين في المدن الكبرى وأصحاب المهن الحرة وظباط وجنود الجيش)... وفي تلك المرحلة بالضبط بدأ المشروع الإصلاحي اللبناني للإمام الصدر بالتبلور... فهو عايش معايشة وثيقة الحلقة الضيقة المؤسسة والقائدة لما أصبح فيما بعد حزب الدعوة... إذ في منزل السيد محسن الحكيم أو ولديه مهدي ومحمد باقر، أو في منزل السيد الخوئي نفسه، أو الشيخ مرتضى أو الشيخ محمد رضا آل ياسين، كانت تعقد الاجتماعات التأسيسية وبحضور أبناء السيد محسن ووكلائه الأساسيين (محمد مهدي شمس الدين ومحمد باقر الصدر إلى جانب السيد مرتضى العسكري ومحمد صادق الصدر ومحمد حسين فضل الله والشيخ عبد الهادي الفضلي والسيد محمد بحر العلوم والشيخ عارف البصري والسيد طالب الرفاعي والسيد محمد هادي السبيتي وغيرهم). غير أن السيد موسى الصدر لم يكن مرتاحا للعمل وفق النمط الحزبي الإسلامي الحركي للإخوان المسلمين أو حزب التحرير...خاصة وان بعض كبار مؤسسي حزب الدعوة كانوا ينتمون في البداية إلى هذين الحزبين (عارف البصري ومحمد هادي السبيتي من حزب التحرير- وطالب الرفاعي من الاخوان المسلمين).. كما أن التوجهات الفكرية والتنظيمية الأساسية للحزب الجديد جرت صياغتها استنادا إلى كتابات الباكستاني أبو الأعلى المودودي والمصري سيد قطب والفلسطيني تقي الدين النبهاني.. وكان السيد الشهيد محمد باقر الصدر متأثرا بكتاباتهم إلى حد كبير.. وهذه حقيقة أكدها لي مرارا الإمام شمس الدين كما أشار إلى دور المجلات المصرية التي كانت تصل إلى النجف في تلك الأيام...كما أن الإمام الكبير آية الله حسين منتظري أكد في أحاديث كثيرة تأثير سيد قطب عليهم في قم والنجف ومحاولتهم التوفيق بينه وبين عبد الناصر.. وقال منتظري انه يوم إعدام سيد قطب (آب 1966) بكى بحرقة وهو في السجن في طهران...كما روى أكثر من مرجع إيراني وعراقي تأثرهم بالثورة الجزائرية وبتجربة جبهة التحرير الوطني (وقد ظلت العلاقة المميزة بين حركة أمل والجزائر إلى يومنا هذا تأسيسا على ما بدأه الإمام الصدر، ولعل الإمام لم يكن ليسافر إلى ليبيا لولا الطلب الخاص من الرئيس بومدين)....كانت مرحلة قم والنجف إذن عاصفة ومليئة بالتحولات الفكرية التي كانت تعيشها النخب الدينية الشيعية.. وهنا نفتح قوسين لعرض بسيط للحراك الإيراني الذي كان السيد الصدر مرتبطاً به منذ مرحلة الرئيس مصدق.. فالمعروف أن القيادات الدينية الشيعية وقفت مع مصدق ضد الشاه الذي انتصر بدعم أميركي كبير وعاد إلى الحكم في 19 آب 1953. أدى انهيار حركة مصدق الوطنية إلى نشوب صراعات بين قوى الجبهة الوطنية وقوى علماء الدين وعلى رأسهم آية الله كاشاني وحركة فدائيي إسلام(نواب صفوي).. دعم آية الله كاشاني وصدر الدين الصدر والخوانساري حركة نواب صفوي إنما بتحفظ بسبب تطرفهم، في حين كان المرجع البروجردي يعلن عن عدم رضاه عن تصرفاتهم.وبعد وفاة كبار المراجع في قم (البروجردي والخوانساري والصدر) برز العلماء شريعتمداري والحكيم والكلبايكاني ومرعشي نجفي والخوئي.. إلا أن السيد محسن الحكيم أخذ محل البروجردي كمرجع أوحد في عصره.. والجدير ذكره هنا أن الإمام الخميني تجنب الإعلان عن إقامة مجالس عزاء للبروجردي(على مقتضى ما جرت به العادات) "خوفاً من ظهور شائبة من الشوائب ولم يكن راغباً حتى في كتابة رسالة"(رفسنجاني-ص49).إن هذا الأمر يكشف لنا تماماً عن حقيقة الصراعات في قم وأطرافها ومواقعهم وأدوارهم. ومن رحم هذه الصراعات ولدت حركة نهضت آزادي (حركة تحرير إيران-1960) وقائدها مهدي بازركان وآية الله طالقاني والدكتور علي شريعتي "وهم كانوا يعطون أهمية كبيرة للانفتاح الفكري ولإرضاء المثقفين المتنورين.. والعلماء وتجار البازار المتدينين..(رفسنجاني، ص60). وأسس آية الله شريعتمداري دار التبليغ وهدفه "إيجاد مراكز تعليم أكثر تنظيماً متعددة البرامج داخل الحوزات التقليدية... وكان قانعاً بإلقاء الدروس والأبحاث والتبليغ والمهام الدينية.."(رفسنجاني، ص106-107)). وكان السيد الحكيم يؤسس في العراق المكتبات العامة ويقوم بتحديث التدريس الحوزوي والاحتفالات بمناسبة عاشوراء يساعده السيد محمد باقر الصدر والشيخ محمد مهدي شمس الدين وغيرهما.
حين قرر السيد موسى الرجوع إلى لبنان كانت قد نضجت في رأسه واختمرت فكرة العمل الذي كان ينوي القيام به... وقد أخبرنا الإمام شمس الدين أن الفكرة نضجت بالتشاور مع السيد محسن الحكيم الذي أعطى الإمام الصدر وكالة عامة وتفويضا كاملا.. ولم تمض اشهر على عودة الصدر إلى لبنان (1959) حتى اندلعت الانشقاقات والصراعات داخل حزب الدعوة الأمر الذي أدى إلى طلب السيد محسن الحكيم من أبنائه والمخلصين له الانسحاب من الحزب (1960).. فانسحب السيد مهدي ثم السيد محمد باقر (اثر عودته من بنت جبيل في لبنان ولقاءاته مع السيد الصدر، والسيد محمد باقر الحكيم هو للمناسبة ابن شقيقة السياسي اللامع علي بزي وكان يحضر مجالسه في لبنان، وبالتالي فهو ابن خالة السيد فضل الله) ثم الشيخ محمد مهدي شمس الدين وتبعهم آخرون.. وما زالت هذه الوقائع في أساس السجالات والخلافات داخل حزب الدعوة والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق وما بينهما إلى يومنا هذا.. المهم هنا تسجيل الفرادة والتميّز للإمام الصدر ومنذ مرحلة مبكرة، ووعيه لظروف وأوضاع الشيعة ولحاجات التنظيم والاستنهاض التي رأى أنها لا بد أن تختلف عن نمط التنظيم الحزبي الغربي الذي يحمل أسماء إسلامية.كما أن المسالة الاساس التي حكمت كل الصراعات اللاحقة تتمثل في اكتشاف المراجع (السيد محسن الحكيم بداية ثم السيد محمد باقر الصدر الذي كان يعتبر المؤسس لحزب الدعوة) ارتباطات الحزب الخارجية (مع الشاه ومع الاردنيين والبريطانيين) وعقلية النخبوية الحزبية التي تستحل استغلال الناس كما استغلال المراجع والعلماء للوصول الى اهداف الحزب الباطنية..فكان الفراق باكراً بين جماعة المرجعية من جهة وجماعة الحزب من جهة اخرى، وهو فراق ما يزال يحمل بصمات التشكيك والتوتر الى يومنا هذا..
كان اول اللبنانيين المنتسبين الى حزب الدعوة الشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيد محمد حسين فضل الله (1958)... وفي العام 1960 صدرت مجلة الاضواء نصف الشهرية باسم جماعة العلماء التي كانت واجهة للحزب يومذاك..وقد استمرت بالصدور حتى العام 1966..وكان يكتب افتتاحيتها السيد محمد باقر الصدر او الشيخ محمد مهدي شمس الدين (باسم رسالتنا)..وفي العام الثاني على الصدور (1961)، انقطعت "رسالتنا" وحلت محلها "كلمتنا" التي صار يكتبها محمد حسين فضل الله.. وكان ذلك يشير الى تطور اساسي تمثل في انسحاب آل الحكيم من الحزب ومعهم شمس الدين، ثم الى انسحاب السيد محمد باقر الصدر نفسه..بعد ذلك سيطر على الحزب هادي السبيتي وطالب الرفاعي وعارف البصري ومرتضى العسكري ومحمد حسين فضل الله وعلي كوراني وكاظم الحائري ومهدي الآصفي..والحقيقة ان حزب الدعوة استظل مرجعية السيد الحكيم والسيد الخوئي في سنوات 1957-1960 ثم مرجعية السيد محمد باقر الصدر (حتى استشهاده 1980)..و لم تتوقف الصراعات والانشقاقات في الحزب بخصوص مسألة العلاقة بين الحزب والمرجعية، وبين المدنيين ورجال الدين..نذكر هنا انشقاق جماعة من العلماء وعلى راسهم عبد الهادي الفضلي حين سيطر السبيتي على قيادة الدعوة (1963)..وانشقاق سامي البدري وجماعة بغداد (1967) لصراعهم مع عارف البصري..الا ان القشة التي قصمت ظهر البعير في العلاقة بين الحزب والمرجعية تمثلت في تخاذل الحزب عن الوقوف خلف السيد الحكيم حين قاد المواجهة مع نظام البعث(1969-1970)..وبعد وفاة المرجع الحكيم (1970) صاغ السيد محمد باقر الصدر نظريته حول العلاقة بين المرجعية والحزب (اطروحة المرجعية الصالحة) داعياً الى ضرورة الفصل بينهما بحيث يكون الحزب ذراعاً من أذرع المرجعية وتحت أوامرها..في حين ان الحزب كان يرى ويعمل للعكس اي استغلال المرجعية واستخدامها..واستمرت المجادلات داخل وخارج الحزب 3 سنوات 1970-1973..الا ان الحزب لم يترك العمل داخل الحوزة وباسم السيد الصدر الامر الذي أدى الى الصدام العنيف بينهما والى اصدار الصدر لفتواه الشهيرة حول عدم جواز انتساب طلبة العلوم الدينية الى الحزب (1974)..وفي اثناء ذلك كانت موجات القمع البعثي الدموي تتوالى من موجة 1970-1972 الى موجة 1974 التي انتهت باعدام عارف البصري وعزالدين القبنجي وعماد الدين الطباطبائي ونوري طعمه (13 نوفمبر 1974) واعتقال محمود الهاشمي (الشهرودي لاحقاً : رئيس القضاء الايراني حالياً)..في تلك الايام كان الامام الخميني منفياً في النجف وعلى صلة طيبة بالنظام العراقي الامر الذي أدى الى الجفاء لا بل العداء بينه وبين العراقيين..وبدءاً من العام 1975 أعاد هادي السبيتي تشكيل الحزب في حين فر العشرات الى الخارج ومنهم اللبنانيون (صبحي الطفيلي وعلي الكوراني وحسن ملك وعبد المنعم مهنا) والذين بقوا في النجف التفوا حول السيد الصدر (علي الامين،حسن طراد،محمد جعفر شمس الدين،عباس الموسوي...)ومع تصاعد الخلاف داخل الدعوة انعقد مؤتمر عام عٌرف باسم مؤتمر مكة (موسم الحج 1977) لم يحضره السبيتي وجماعته وسيطر عليه الثنائي كاظم الحائري (ايران) ومهدي الآصفي (الكويت)..حاول مرتضى العسكري حل الخلاف موسطاً فضل الله والكوراني..وقد اتهم حزب الدعوة كلاً من محمد باقر الصدر ومحمد مهدي شمس الدين ومحمد باقر الحكيم بانهم يتصلون بالكوادر ويحاولون شق الحزب..في حين قررت لجنة العراق في الدعوة (مهدي عبد مهدي) الالتزام بقرار المرجع الصدر..وبحسب صدر الدين القبنجي فان الاختلاف كان كبيراً بين رؤية الصدر ورؤية الدعوة للمرحلة..ذلك ان حزب الدعوة بنى استراتيجية عمله على اساس المرحلية مقسماً مراحل العمل الى اربع رئيسية هي الثقافية (الدعوة وتغيير الافكار) فالسياسية (الصراع السياسي مع الحكم) فالثورية (السيادة السياسية) ثم مرحلة الحكم وبناء الدولة وتصدير الافكار...لذا فان الحزب لم يكن يتبع تحديد المرجعية للمرحلة ومهماتها وانما يتبع نظريته هو حتى حين كانت المرجعية تقود المواجهة الكبرى (ايام الحكيم ثم الصدر كمثال)..غير أن أخطر مظاهر الخلاف يتعلق باختراق الحزب لوكلاء المرجعية (جاء في مجلة الجهاد الناطقة بلسان الحزب في ايران-العدد 12-كانون الاول 1983) ان 80% من وكلاء الصدر عام 1980 كانوا من الدعوة..غير ان الوضع كله تغير مع انتصار الثورة في ايران..تصاعدت المقاومة الشعبية في العراق وتصاعد معها القمع الدموي الذي لم يكن له مثيل في التاريخ المعاصر..فكان اعتقال السيد باقر الصدر (12-6-1979) شرارة انتفاضة 17 رجب التي قمعت بالحديد والنار..أعدم البعث 86 قيادياً معظمهم من وكلاء الصدر وحكم بالسجن المؤبد على 200 وبالسجن مدداً متفاوتة على 814..وبلغ عدد المعتقلين عدة آلاف استشهد الكثيرون منهم تحت التعذيب..وفي 16 تموز 1979 اقال صدام حسين أحمد حسن البكر وقام باعتقالات واسعة في صفوف قيادات وكوادر البعث لحقتها اعدامات شملت 5 وزراء و21 قيادياً بعثياً (غالبيتهم الساحقة من الشيعة)...عن تلك الايام القاسية الدامية خرج حزب الدعوة بتحليل قال فيه ان "تحرك رجب كان تحركاً محدوداً لم تنزل الدعوة فيه كل طاقتها ولم تستنزف كل امكانياتها وهذا نابع من طبيعة المرحلة .وكان عدم انزال كل قوتنا تصرفاً حكيماً وصحيحاً لأن المخزون من طاقتنا ينفعنا ليوم آخر،يوم الحسم"(ثقافة الدعوة الاسلامية،الجزء الرابع،ص 338).غير ان ما يراه الدعوة تصرفاً حكيماً كان بالنسبة للصدر والحكيم خيانة ثانية للمرجعية وللناس بعد الخيانة الاولى في انتفاضة عام 1969...بعد ذلك صعد نجم الثورة الايرانية وجرى اغتيال السيد باقر الصدر وشقيقته بنت الهدى (نيسان 1980)..وتصاعد الصراع المسلح بين البعث والدعوة في بيروت والكويت (محاولة اغتيال الكوراني ،اغتيال شري،اغتيال السيد حسن الشيرازي من الشيرازيين ومنظمة العمل الاسلامي، في بيروت،واغتيال عبد المنعم الشوكي في الكويت..الخ..) قرر الحزب نقل قيادته ومعظم كوادره الى ايران..انتقل الكوراني والآصفي في حين رفض السبيتي القرار ودفع حياته ثمناً لذلك (هو حفيد السيد عبد الحسين شرف الدين،قال يومها انه لم يتعود العيش الا من كد يمينه،وانه لا يجيد اللغة الفارسية..اعتقل في الاردن 9 أيار 1981 وجرى تسليمه الى صدام حسين ليقتله)..وقررت لجنة العراق بقيادة عبد الامير منصوري وحسن شبر الارتباط بالسبيتي وقطع صلتها بالآصفي..وفي ايران اسس الحزب لجنة جهادية بقيادة مهدي عبد مهدي وصبحي الطفيلي وفخري مشكور وعينت حسين كوراني ضابط اتصال بالحرس الثوري الايراني...وصار الحزب بأجنحته تحت قيادة اسمية لا تجتمع ضمت السبيتي والآصفي والعسكري والحائري والكوراني..وبعد اعدام السيد الصدر انهار تنظيم بغداد..فدعا كوادر الحزب الى مؤتمر انعقد في طهران أواخر عام 1980 وعرف باسم مؤتمر القواعد وحضره 72 كادرا وشكل لجنة من 9 للتحكيم بين جناحي القيادة..رفض السبيتي والكوراني وكوادر البصرة مؤتمر طهران وانتخاباته وتلا ذلك اعتزال مرتضى العسكري للعمل الحزبي، في حين واصل جماعة طهران اعادة التنظيم بقيادة ضمت الآصفي (ناطقاً باسم الحزب) والحائري (فقيهاً للحزب)..أعدت القيادة الجديدة لمؤتمر عرف باسم مؤتمر الشهيد الصدر (1981-طهران) شارك فيه من لبنان صبحي الطفيلي ومحمد رعد ونعيم قاسم (ذكر لي أحد الحضور انهم لم يتكلموا ابدا في المؤتمر)وانسحب الكوراني نهائياً من الحزب (اصدر كتابه الشهير "طريقة عمل حزب الله")..واستمر الصراع الداخلي حول ولاية الفقيه فعقد الحزب مؤتمراً جديداً في 1984 ليعيد العمل بمنصب فقيه الحزب وقرر تعيين الحائري مجدداً .. الا ان القيادة المدنية ظلت تسحب البساط من تحت أرجل الفقهاء فقرر الحائري والآصفي الانسحاب والتفرغ للمرجعية مع تبنيهما لولاية الفقيه..الا ان الحزب قرر استعادتهما وتشكيل مجلس فقهي ضمهما الى جانب الشيخ محمد علي التسخيري (أحد كبار مستشاري الخامنئي حالياً وخصوصاً في قضايا العلاقة مع أهل السنة)على أن يكون الحائري فقيه الدعوة.. وكانت القيادة المدنية تريد المجلس الفقهي مرجعية تقليد لا ولاية أمر.. وحاول الحائري والآصفي خلال العام 1985 ربط الحزب بالقيادة الايرانية مباشرة (بعد الاعلان عن تشكيل حزب الله اللبناني على اساس ولاية الفقيه)..ولكن الصراع م يتوقف.. وحين اصدر الامام الخميني قراره بتعطيل اعمال الحزب الجمهوري (10 حزيران 1987) انسحب الشيخ التسخيري من المجلس الفقهي في حين كان الحائري والآصفي يقودان حملة لتعزيز ولاية الفقيه ويدعوان الى حل الحزب اسوة بما حصل في لبنان..وفي مطلع عام 1988 انعقد مؤتمر الحوراء زينب وانتصر فيه خط ولاية الفقيه اذ قرر المؤتمر "ان الحزب جزء من الامة وهو مرتبط بالولاية العامة شأنه في ذلك شأن بقية ابناء الامة ويسري عليه ما يسري على كافة قطاعاتها".ولم بنته الصراع..ففي العام 1989 أعلن عدد من قادة الحزب انشقاقهم معتبرين ان الحزب ما يزال منفصلاً عن القيادة الشرعية وانه يعتبر نفسه بديلاً عنها وان فقيه الدعوة الخفي هو السيد فضل الله رغم تأكيد هذا الاخير انه ترك الحزب منذ 1982 بسبب عدم اختياره فقيهاً للحزب يومذاك..وتسمى المنشقون باسم تنظيم الدعوة-ولاية الفقيه وتفرغ الحائري للعمل لمرجعيته واستمر الآصفي في قيادة الحزب(ناطقاً رسمياً) ممثلاً الاتجاه الايراني في مقابل الباقين الذين التفوا حول فضل الله..
في العام 1989 توفي الامام الخميني..يومها قرر الايرانيون تولية الخامنئي ولياً لامور المسلمين دون ان يكون مرجعاً للتقليد..واعتبروا ان السيد الآراكي هو مرجع التقليد..وبين الاعوام 1990-1991(حرب العراق الاولى) و2003 (حرب العراق الثانية) هاجر مئات الكوادر من العراق والدول العربية الى بريطانيا وانخرطوا هناك في العمل السياسي الديمقراطي وسط الجالية العراقية التي يصل تعدادها الى أكثر من مليون..وارتبطوا بعلاقات مع قوى عربية ودولية.. تمخضت التحولات الكبرى بعد وفاة الخميني وحرب العراق الاولى عن قرار للدعوة انها في حل من التزامها بقيادة الخميني الذي كانت نصت على ولايته بالاسم في نظامها الداخلي..والغى الحزب منصب الناطق الرسمي واستبدلته بثلاثة ناطقين:ايران (علي الاديب) وواحد في بريطانيا عن اقليم اوروبا (ابراهيم الجعفري) وواحد في سوريا عن اقليم الشرق الاوسط (نوري المالكي)..
وفي العام 1992 توفي المرجع الخوئي، وفي آخر العام 1993 توفي المرجع السيد الكلبايكاني.. وبعده بقليل توفي المرجع السيد السبزواري .. وتلاهم مرجع ايران بعد الخميني الشيخ الآراكي (1994).. حينها قرر الخامنئي طرح نفسه كمرجع وهو الذي انتخب ولياً لأمر المسلمين دون أن يكون مجتهداً ومرجعاً .. إثر ذلك عيّنت جمعية مدرسي حوزة قم سبعة مراجع للتقليد بينهم الخامنئي دون محمد
حسين فضل الله.واعلن الحائري اعتزاله حزب الدعوة وطرح مرجعيته على الناس،وأعلن الآصفي التزامه قيادة الخامنئي وولايته، في حين أعلن فضل الله تصديه لمنصب المرجعية..واختاره حزب الدعوة مرجعاً له وفقيهاً معتمداً..ثم قرر الحزب تبني رأي فضل الله حول تعدد الولاية :"فكما يمكن ان يكون للامام (المهدي) في حال حضوره أن يحكم عدة اقاليم وله في كل منها نائب فانه يمكن كذلك ان يكون له في حال غيبته عدة نواب ايضاً...فالأصل في الولاية النائبة عن الامام (المهدي) تعدد الولي الا اذا كانت هناك مصلحة اسلامية عليا تفرض وحدته وكانت الوحدة واقعية"(صدرت الفتوى في 13-9-1998)..
ومنذ 2003 صار الدعوة عدة خطوط: خط الحائري، وخط الآصفي، وخط الجعفري، وخط المالكي، وخط البصرة (جماعة السبيتي)، وخط هاشم ناصر محمود، وخط خضير موسى جعفر، وخط موفق الربيعي، ناهيك عن الخطوط التي التحقت بحركة مقتدى الصدر أو بحزب الفضيلة أو بمرجعية السيد حسين الصدر أو بمرجعية وخط محمد حسين فضل الله...
وهنا لا بد من التوقف عند دور الدعوة في لبنان....
مع عودة فضل الله الى لبنان العام 1966 شرع في العمل على بناء كوادر وخلايا لحزب الدعوة..فكانت أسرة التآخي ومجلتها "الحكمة"، وكان الاتحاد اللبناني للطلبة المسلمين ومجلته "المنطلق" ..وأبرز من تخرج من الاتحاد محمد رعد ونعيم قاسم وهاني قاسم ومحمود قماطي وحسن حدرج (من حزب التحرير) ومحمد سعيد الخنسا .. ومن جيل لاحق علي فياض وقاسم قصير ونواف الموسوي وحسان عبد الله. وكان فضل الله متأثراً بتقي الدين النبهاني وبسيد قطب (لاحظ تفسيره للقرآن بعنوان من وحي القرآن تيمناً بظلال سيد) كما بنظرية او مبدأ القوة..وقد نشر فضل الله كتابه "منطق القوة في الاسلام"عام 1967 واستمر على ترداد مفهوم منطق القوة كما يظهر ذلك بوضوح في مقاله عن الشهيد باقر الصدر في جريدة العهد، العدد 42 ،22 رجب 1405-1985،بعنوان "لأنك قوة"..ونقل السيد حسن نصرالله عنه هذا المفهوم (راجع محاضرته في الاتحاد اللبناني للطلبة المسلمين بعنوان "التعبئة الثورية في عملية التغيير"،النهار في 27-1-1986)..وفي العام 1978 حمل الشهيد حسن شري فتوى الى الحركيين الاسلاميين (من دعوة وغيرها) بوجوب الانضمام الى حركة أمل والعمل من داخلها بعد اختطاف السيد موسى الصدر..
وكانت الضربات البعثية للدعوة في العراق تؤدي الى هجرة العديد من الكوادر الى لبنان..ففي السنوات 1975-1977 جاء الى لبنان عدد كبير من المشايخ الذين كانوا من تلامذة السيد محمد باقر الصدر ومن اعضاء حزب الدعوة..من علي الكوراني وعلي الامين ،الى صبحي الطفيلي وعبد المنعم مهنا وحسن ملك ، ومن عباس الموسوي و حسن طراد وجعفر شمس الدين الى عفيف النابلسي وحسين الكوراني...وحملوا معهم صراعات القوى والمحاور داخل حزب الدعوة..وقد جاء غيرهم واحتموا بعباءة السيد موسى الصدر ومحمد مهدي شمس الدين وانتشروا في قرى النميرية-الشرقية-الدوير-جبشيت-عبا-القصيبة-وكفرتبنيت..الخ..وحصلوا على اذونات رسمية من المجلس الشيعي للعمل كمدرسين لمادة التربية الدينية في مدارس الجنوب والبقاع..(على سبيل المثال أقام الشيخ حسن ملك في كفرتبنيت والشيخ حسين كوراني في الشرقية وعلي الامين في حي السلم..في حين عاد هاني فحص ومحمد حسن الامين يحملان وعياً عروبياً يسارياً وثورياً....واسس عبد المنعم مهنا حوزة في صديقين،وعلي الامين حوزة في حي السلم..واسس حسين سرور وعلي ياسين واسعد فنيش حوزة صور، وعلي العفي ومحمد يزبك حوزة بعلبك،وهؤلاء كانوا مع عباس الموسوي من طلبة السيد باقر الصدر..اما راغب حرب فهو درس في النجف (1967-1977 وعاد الى لبنان ليعمل مع الشيخ شمس الدين في منطقة النبطية ويؤسس ويتولى مبرة السيدة زينب في جبشيت..وفي الغبيري سكن الشيخ حسن طراد والشيخ علي الكوراني (مسجد الغبيري) والشيخ حسن عواد (مسجد الشياح)..وهرب حسن ملك الى قم (1978) بعد محاولة اغتيال بعثية (كفرتبنيت كانت معقلاً للشيوعيين واليسار ومعادية لحركة المشايخ)..وعاد ملك الى الشياح عام 1980 بحماية حركة فتح التي أمنت الحماية للعشرات من قادة وكوادر حركة المحرومين (من بينهم النائب علي عمار)..يقول حسن ملك لوضاح شرارة (دولة حزب الله ص109و118) انه درب خلال الاعوام 1975-1980 حوالي 700 شاب شيعي عراقي ولبناني من حزب الدعوة في معسكرات حركة فتح..
أدى اجتياح 1978 واحتلال جزء من ارض الجنوب إلى نشوء وضع جديد..فالى جانب التحرك السياسي سارع الإمام الصدر (والشهيد مصطفى شمران) إلى تمتين العلاقات التي نشأت مع لبنانيي حركة فتح في الجنوب، والى احتضان التعبيرات اللبنانية المرتبطة بالثورة الفلسطينية وذلك في مقابل عمل عشرات الايرانيين من أنصار الخميني ممن وفدوا مبكراً الى لبنان واقاموا في قواعد حركة فتح وأقاموا علاقات مع أجهزتها الامنية ..
عن هذه المرحلة يروي الشيخ رفسنجاني وقائع زيارته إلى لبنان في مطلع الحرب الأهلية(1975) فيقول ما حرفيته:"في لبنان كانت الحرية أمراً لافتاً...كنت أعرف السيد موسى الصدر من قبل فقد قرأت عليه جزءاً من المطوّل(أي أنه تتلمذ عليه في قم)...الشهيد محمد منتظري (ابن الشيخ حسين علي وكان يومها زعيم التيار الراديكالي في حركة الخميني) كان على معرفة وثيقة بالقوى المناضلة والفاعلة في لبنان كلها...مباحثاتي كان لها تأثير في تعديل بعض المواقف ووجهات النظر المتطرفة(التي كان يحملها الإيرانيون الملتحقون بالثورة الفلسطينية مثل الشهيد منتظري والشهيد محمد صالح الحسيني وجلال الدين الفارسي ومحسن رفيق دوست ومحتشمي وغيرهم).... وكان أنصار الإمام وعلى رأسهم ابنه المرحوم السيد مصطفى في نزاع مع السيد موسى مصدره الأصلي والوحيد مسألة المرجعية..إذ لم يعلن السيد الصدر تأييده لمرجعية الخميني... كان الشبان الإيرانيون في لبنان يريدون أن يأخذ السيد موسى موقفاً صريحاً.. وكانت لهم خطب لاذعة وبيانات ..ذهبت لمقابلة الإمام الخميني في النجف وللتقريب بينه وبين السيد موسى الصدر.."(من كتاب رفسنجاني:حياتي،الصفحات170 إلى 176).
حزب الله والمقاومة الإسلامية
كانت الحالة اللبنانية التي ولدت في الجنوب حول الكتيبة الطلابية وأفواج المقاومة اللبنانية (وقد وصفها الشهيد مصطفى شمران في كتابه التاريخي التوثيقي: شيعة لبنان) السباقة إلى التضامن مع طروحات الإمام الخميني في منفاه في النجف ومع اندلاع ثورة العصر في إيران.... ثم ابتدأ عصر الإسلام السياسي الجديد مع اللجان الإسلامية والشباب المؤمن والاتحاد اللبناني للطلبة المسلمين ومجلة المنطلق (واجهات الدعوة)، ولجان العمل الإسلامي (خليط مرتبط بمنظمة العمل الاسلامي الشيرازية وبعض المستقلين من مشايخ اليسار المرتبطين بحركة فتح)، وأنصار الثورة الإسلامية (تيار منتظري والحرس الثوري لاحقاً وقد كانوا مرتبطين بحركة فتح)... وكلها شكلت لاحقا إلى جانب المنشقين عن حركة أمل (السيد إبراهيم أمين السيد ممثل امل في طهران، السيد حسين الموسوي رئيس هيئتها التنفيذية ومنافس بري على القيادة، السيد حسن نصر الله مسؤول الحركة في البقاع، وهم بالمناسبة من متسللي حزب الدعوة الى داخل حركة أمل وكان رئيسهم الفعلي حسن شري الذي قتله البعثيون في بيروت) الروافد التأسيسية التي صبّت جميعها في نهر حزب الله والمقاومة الإسلامية..
خطف الإمام الصدر، وانتصار الثورة في إيران، أديا إلى تفاعلات حتمية ادت إلى التحاق أعداد كبيرة من الشباب المقاوم بالجو الإسلامي الشيعي بعد 1979 (وتبوأ العديد منهم مراكز قيادية لاحقا كما أن العشرات أيضا استشهدوا وهم يقودون قوات وعمليات من المقاومة الإسلامية).وفي نفس المرحلة كان الصراع الداخلي بين حركة أمل وأحزاب اليسار اللبناني والفلسطيني (نتيجة الدور الليبي في اختطاف السيد موسى الصدر والدور اليساري في الارتباط بالعراق بعد اغتيال الشهيد السيد محمد باقر الصدر) قد وصل إلى ذروته العنيفة ما سمح لحزب الدعوة (الشديد المركزية والتنظيم الأمني المحكم) بالإمساك بالمواقع الأمنية والعسكرية داخل حركة أمل و بقيادة عملية الصراع هذه.ولا توجد دراسات موثقة حول دور حزب الدعوة في لبنان قبل تشكيل حزب الله إلا أن الأكيد أن كوادره عملت من داخل ومن خارج حركة أمل (وابرزهم الشهيد حسن شري)، كما من داخل ومن خارج حركة فتح الفلسطينية (وابرزهم الشهيد عماد مغنية).وأخيرا جاء اجتياح صيف 1982 ليطوي صفحة الوجود الفلسطيني المسلح في جنوب لبنان وليفتح صفحة التموضع الشيعي مع الحرس الثوري في البقاع..
صحيح أن حزب الدعوة حل نفسه وانخرط في تشكيلة حزب الله (صبحي الطفيلي،محمد رعد، نعيم قاسم، علي كوراني،حسين كوراني ،محمد حسين فضل الله،محمد سعيد الخنسا،محمود قماطي ،حسن حدرج)الا أن الصحيح أكثر ان من دخلوا حزب الله دخلوه فرادى مفككين مختلفين بسبب صراعات الحزب في العراق وسوريا والخليج ولندن..فبعد اغتيال هادي السبيتي في الاردن انفرط عقد الدعوة في لبنان.. ولم يترك الايرانيون الأمر للصدف او العواطف..فمنذ العام 1979 بدأوا بتأطير القوى اللبنانية التي كانت تؤيدهم ومن ضمنها حزب الدعوة المنفرط..وخلال 3 سنوات ركز الايرانيون على دعوة القيادات الدينية والمدنية الشيعية الى طهران وهناك كانت الحوارات والنقاشات والصراعات تدور حول الحركة الاسلامية المطلوب تاسيسها في لبنان..وقد شكلوا عدة تجمعات لرجال الدين (تجمع علماء البقاع، وتجمع علماء جبل عامل،وتجمع العلماء المسلمبن، ومعها الحوزات الدينية ومدارس الكوادر ..وبعد اجتياح 1982 عملت قيادة الحرس الثوري في بعلبك طوال 3 سنوات (مركز عشاق الشهادة)على تفكيك واعادة تركيب كل العلاقات الشيعية بما فيها حزب الدعوة الذي صار شيعاً وجماعات متفرقة ترتبط كلها بايران..فقد استطاع الايرانيون السيطرة على المجال العام عبر الاذاعة(صوت المستضعفين)والجريدة(العهد)والمجلة(الوحدة الاسلامية)وخطب الجمعة والمسيرات واليافطات والملصقات والمنشورات والزيارات المنظمة الى السيدة زينب في دمشق والى المقامات في ايران...كما سيطروا على غالبية المساجد والحسينيات في لبنان وعينوا رجال دين لها،وعملوا على اختيار شباب للدراسة في الحوزات في ايران،وتنظيم معسكرات التعبئة والتدريب،وتقديم الخدمات المجانية مثل الطبابة والاستشفاء والوقود وغيرها..وانشاء المدارس والمعاهد،والسيطرة على التعليم الديني في كل المدارس، والسيطرة على اوقاف الشيعة....وقاموا بالتنسيق مع قوات فتح في البقاع بالعمليات العسكرية الكبرى للمقاومة اللبنانية وتحت اسماء متعددة (حركة ابناء جبل عامل،العادلون،حزب الله،الشباب المؤمن)..وحين تشكلت لجنة قيادة حزب الله من 9 كان من الطبيعي ان تضم عباس الموسوي وصبحي الطفيلي وحسين كوراني وحسن نصرالله ومحمد يزبك وحسين الموسوي وابراهيم امين السيد وعفيف النابلسي ومحمد رعد..ثم قلصت الى 7 ،لتستقر في العام 1984 على خمسة وفي 1985 تعود الى سبعة (عباس الموسوي،صبحي الطفيلي،ابراهيم امين السيد،حسن نصرالله،حسين الموسوي،نعيم قاسم،محمد رعد)..كانت النسب التمثيلية تعكس كل التجمعات السالفة الذكر ولكن الحصة الاكبر فيها كانت من نصيب بقايا الدعوة...وكان الجامع بينها كلها هو الالتزام بولاية الفقيه.. ووصاية السفير الايراني في دمشق يومذاك علي اكبر محتشمي بور ثم حسين اختري..
في العام 1989 انتخب صبحي الطفيلي أميناً عاماً للحزب..وخرج السيد حسن نصرالله الى قم للدراسة..وفي 1991 ازيح صبحي الطفيلي عن منصب الامين العام وانتخب عباس الموسوي محله..الا انه اغتيل في شباط 1992 ليحل محله حسن نصرالله الذي استقدم على عجل من قم ..
وتعكس هذه التغيرات تغيرات كبرى في ايران (وفاة الخميني،تحالف خامنئي-رفسنجاني-احمد الخميني في وجه جماعة خط الامام وممثلهم الاول محتشمي مؤسس حزب الله وصديق الطفيلي...انتصار خط خامنئي-رفسنجاني واسقاط محتشمي وكل تياره من السلطة.)..اذن جاء حسن نصرالله كممثل لخط خامنئي منذ ذلك الحين وهو لما يزل...اما الدعوة فلم يعد حزباً واحداً ولا تياراً متجانساً ولذلك يصعب الحديث عنه داخل حزب الله وانما يتوجب الحديث عن اشخاص يرتبطون بمراكز قوى في ايران ليس الا..
فالسيد صدر الدين الصدر (والد السيد موسى) قاد حركة دينية إصلاحية تقدمية وارتبط اسمه بالنهضة الأدبية والثقافية للنجف والعراق ومن ثم إيران التي هاجر إليها وتزوج فيها من السيدة صفيّة كريمة المرجع الديني السيد حسين القمّي..ومن خلال السيد القمي ارتبط السيد صدر الدين بكل اقطاب الحركة الاصلاحية التجديدية وخصوصاً المرجع الكبير المجدد الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي الذي عاونه الصدر في إدارة الحوزة الدينية في قم وصار لاحقاً أحد أركانها وساهم معه في إنشاء مؤسسات علمية ودينية واجتماعية وصحية.. وهذان المرجعان تتلمذا معا على الميرزا محمد حسن المعروف بالمجدد الشيرازي، وعلى الشيخ محمد تقي الشيرازي والشيخ محمد كاظم الخراساني وشيخ الشريعة الأصفهاني.. وهؤلاء لمن لا يعلم كانوا أركان التيار التجديدي الإصلاحي في الحوزات الشيعية وقادة الإصلاحية الدستورية في التاريخ الشيعي... كما أن السيد القمي لم يكن فقط صديق ورفيق درب المجدد الشيرازي بل هو رفيق وزميل المجدد النائيني (صاحب كتاب تنزيه الأمة وتنبيه الملة وأحد أكبر الدعاة إلى الحكم الشوروي الدستوري).. والى هذا التراث ينتسب السيد موسى الصدر... فهو درس في الحوزة العلمية بقم على أيدي أعلام التجديد والإصلاح الكبار.. كما انه كان أول معمم يدخل جامعة طهران الحديثة وكلية الحقوق فيها..وهذه نقطة ثانية مهمة لفهم العقل المنفتح والثقافة الواسعة التي ميزت الإمام الصدر عن أقرانه... وهو تخرّج من جامعة طهران الحديثة العلمانية وعاد إلى قم أستاذاً محاضراً في الفقه والمنطق ومؤسساً لأهم وأكبر مجلة إسلامية شيعية تنويرية إصلاحية ( مكتب إسلام ) مع الشهيد بهشتي والشيخ ناصر مكارم وبدعم وتوجيه من آية الله شريعتمداري..وهنا لا بد من الإشارة إلى أن رئاسة الحوزة الدينية في قم كانت معقودة للمجدد الكبير السيد البروجردي الذي لم يكن الإمام الخميني من أنصاره ومؤيديه بعكس الإمام محسن الحكيم والإمامين موسى الصدر ومحمد مهدي شمس الدين وهم كانوا من أنصار البروجردي. وفي ذلك يكتب الشيخ هاشمي رفسنجاني صراحة أنه "حدثت بعض المشكلات بين السيد الخميني وآية الله البروجردي... قامت منافسة بين نشرتنا "مكتب تشيع" وبين نشرة "مكتب إسلام" التي كان يديرها متقدمون علينا حوزوياً ومن أنصار شريعتمداري... لو أن الإمام الخميني في عصر السيد البروجردي تدخل في الصراعات السياسية لما نجح، لعدم الانسجام بينهما...في عصر البروجردي كانت الأكثرية المطلقة من الطلبة تابعة له...وكان هو المرجع المطلق في باكستان وأفغانستان والعراق والخليج.. وأسس دار التقريب بين المذاهب ومركز هامبورغ الاسلامي...الخ..."(كتاب رفسنجاني:حياتي.دارالساقي،بيروت،2005،ص32-33-36-38-39).
وقد انتقل السيد موسى الصدر إلى النجف بعد وفاة والده (1953) حيث لمع نجمه خلال فترة وجوده هناك (حتى العام 1959) أي في فترة توهج وسطوع نجم مرجعية السيد محسن الحكيم الذي احتضن الإمام الصدر كما احتضن علماً آخر من جيله هو الإمام شمس الدين... وكانت أول زيارة للسيد الصدر إلى لبنان العام 1955 (حيث تزوج من ابنة السيد عزيز الله خليلي).. وقد تميّزت مرحلة النجف التي شهدت زيارات متكررة إلى لبنان والى قم، بدراسته على كبار المراجع: أبو القاسم الخوئي، محسن الحكيم، محمد رضا آل ياسين.. وبإتمامه لمرحلة الدراسات العليا (بحث الخارج) واشتراكه في تأسيس جمعية منتدى النشر... وهنا زامل ورافق الإمام الصدر كبار النجف يوم ذاك: الشهيد محمد باقر الصدر(ابن عمه)، والسادة الشهداء مهدي ومحمد باقر الحكيم (ابني السيد محسن)، والشيخ الموسوي الاردبيلي والسيد موسى الشبيري الزنجاني والسيد مرتضى العسكري (أحد ابرز قادة حزب الدعوة) والشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيد محمد حسين فضل الله وغيرهم.
إن انتماء الصدر إلى التيار الإصلاحي المجدد في إيران والعراق، ورفقته وزمالته لرموز الحركة الإسلامية الإيرانية المدنية (حركة تحرير إيران وقيادتها: آية الله طالقاني، د. مهدي بازركان، د. مصطفى شمران، د. علي شريعتي، د. إبراهيم يزدي... وهي حركة إصلاحية كبرى كانت استمرارا وتطويرا لحركة الرئيس مصدق وتيارها المسمى الجبهة الوطنية) وصلته أيضاً بالمرجع الكبير المعتدل والليبرالي آية الله كاظم شريعتمداري، كل ذلك جعله يفترق ومنذ البداية عن أترابه الذين شاركوا لاحقا في تأسيس حزب الدعوة...وكان العراق يشهد نهضة ثقافية وسياسية هائلة كان النجف مركزها والمراجع الكبار محورها... فمع السيد الخوئي والسيد محسن الحكيم وولديه مهدي ومحمد باقر، ومع الشيخين الأخوين محمد رضا ومرتضى آل ياسين(أخوال السيد محمد باقر الصدر)، والسيد محمد صادق الصدر(ابن عم السيد موسى وجد السيد مقتدى)، تشكلت حلقات الدراسة والتفكير ووضعت برامج الحركة والعمل بدءا بجمعية منتدى النشر وجماعة العلماء (ومجلتها الأضواء) ومرورا بمنظمة الشباب المسلم ومنظمة المسلمين العقائديين (وقائدهما عز الدين الجزائري) والحزب الجعفري (عبد الصاحب دخيل وحسن شبر ومحمد صادق القاموسي وقد صاروا لاحقاً من المؤسسين لحزب الدعوة)، ووصولا إلى حزب الدعوة... وكانت الأجواء العربية الملتهبة حافزا للطلبة والعلماء في النجف وكربلاء وبغداد وسامراء إلى البحث عن اطر مناسبة للتحرك الإسلامي الجاد يلبي احتياجات الشيعة العراقيين من جهة (وهم كانوا حرموا أية مشاركة في الحكم رغم ثوراتهم التاريخية ضد الاحتلال البريطاني)، ويواجه الاتجاهات الحديثة التي كانت تغزو بسرعة عقول وقلوب الشباب في مواجهة الملكية والاستعمار (المقصود الاتجاهات الليبرالية والقومية واليسارية والشيوعية منها تحديدا)... وهنا يجدر تسجيل حادثة مهمة كان لها الأثر الكبير في التحركات اللاحقة وهي مظاهرة النجف الكبرى دعما لمصر في مواجهة العدوان الثلاثي.. فقد شهد العراق مظاهرات صاخبة ودامية كان أعنفها وأكثرها تأثيرا مظاهرة النجف الأشرف التي قمعتها السلطة بوحشية رهيبة وتلاها إعلان الأحكام العرفية في البلاد... ورغم ذلك استمرت التظاهرات في النجف وأبرزها تلك التي خرجت يوم 23-11-1956 وشارك فيها علماء الدين وأسفرت عن مجزرة دموية ارتكبتها السلطة وراح ضحيتها عدد كبير من الأهالي (ذكرت مجلة العرفان اللبنانية إن عدد القتلى بلغ 450 الا ان العلامة الكبير الدكتور السيد محمد بحر العلوم أكد لي ان العدد لم يتجاوز اصابع اليد الواحدة في النجف)... وقد تلا ذلك بيان عنيف للمرجع الشيعي السيد الحكيم وإعلان الإضراب العام الشامل في النجف وهو إضراب تجاوب معه العراق كله وانضمت إليه مصر ولبنان وسوريا... والى تأثير هذه الحركة الجماهيرية في النجف، وتأثير حركة مصدق في إيران والتي أسقطتها المخابرات الأميركية، جاءت تجارب لبنان (ثورة 1958) والجزائر (انطلاق ثورة التحرير الوطني) وفلسطين (حركة فتح) لتضيف وعيا كبيرا إلى تحرك شباب الحوزات والطلبة والعلماء في النجف. كما بدا بوضوح تأثر النجفيين بالتجربة الإيرانية الشديدة الوطنية إلى حدود التعصب (وكلنا نعرف ذلك) كما بالتجربة الجزائرية والتجربة الفلسطينية الوليدة، وهما تجربتان وطنيتان صافيتان لا بل أنهما تشكلتا من رحم الاعتماد على الذات الوطنية وليس على المد العربي (تجربة الجزائر المتميزة بمزيج إسلامي – جزائري شديد الخصوصية و تجربة حركة فتح التي خرجت قياداتها من رحم الإخوان المسلمين وعلى أساس الوطنية الفلسطينية).. وقد عرف عن الإمام الصدر في تلك المرحلة تأثره الكبير بفرانز فانون وعلي شريعتي وبثوار الجزائر وفتح بقدر تأثره بالدراسة الحوزوية (وأساتذته فيها) وبالتجربة الإيرانية الوطنية-الإسلامية...في مثل هذه الأجواء ولدت فكرة تشكيل حزب إسلامي شيعي في العراق أسوة بالإخوان المسلمين وحزب التحرير وحركة فتح وجبهة التحرير الجزائرية وحركة تحرير إيران ومنظمة فدائيان إسلام الإيرانية (وقائدها نواب صفوي المتأثر بحسن البنا)... وقد رأى الداعون إلى هذا العمل ضرورة النهوض بأعباء المرحلة وفي مقدمتها طرح الإسلام كعلاج للازمات الاجتماعية السياسية في مقابل التيارات الفكرية الأخرى التي كانت تستقطب شباب العراق، ومواجهة هذه التيارات بنفس الأسلوب الحركي التنظيمي الهادف إلى إيجاد وسائل للوصول إلى قطاعات في المجتمع كان يصعب الوصول إليها من خلال العلماء والطلبة الحوزويين في ذلك الوقت (مثل قطاعات الموظفين الحكوميين والطلبة الجامعيين في المدن الكبرى وأصحاب المهن الحرة وظباط وجنود الجيش)... وفي تلك المرحلة بالضبط بدأ المشروع الإصلاحي اللبناني للإمام الصدر بالتبلور... فهو عايش معايشة وثيقة الحلقة الضيقة المؤسسة والقائدة لما أصبح فيما بعد حزب الدعوة... إذ في منزل السيد محسن الحكيم أو ولديه مهدي ومحمد باقر، أو في منزل السيد الخوئي نفسه، أو الشيخ مرتضى أو الشيخ محمد رضا آل ياسين، كانت تعقد الاجتماعات التأسيسية وبحضور أبناء السيد محسن ووكلائه الأساسيين (محمد مهدي شمس الدين ومحمد باقر الصدر إلى جانب السيد مرتضى العسكري ومحمد صادق الصدر ومحمد حسين فضل الله والشيخ عبد الهادي الفضلي والسيد محمد بحر العلوم والشيخ عارف البصري والسيد طالب الرفاعي والسيد محمد هادي السبيتي وغيرهم). غير أن السيد موسى الصدر لم يكن مرتاحا للعمل وفق النمط الحزبي الإسلامي الحركي للإخوان المسلمين أو حزب التحرير...خاصة وان بعض كبار مؤسسي حزب الدعوة كانوا ينتمون في البداية إلى هذين الحزبين (عارف البصري ومحمد هادي السبيتي من حزب التحرير- وطالب الرفاعي من الاخوان المسلمين).. كما أن التوجهات الفكرية والتنظيمية الأساسية للحزب الجديد جرت صياغتها استنادا إلى كتابات الباكستاني أبو الأعلى المودودي والمصري سيد قطب والفلسطيني تقي الدين النبهاني.. وكان السيد الشهيد محمد باقر الصدر متأثرا بكتاباتهم إلى حد كبير.. وهذه حقيقة أكدها لي مرارا الإمام شمس الدين كما أشار إلى دور المجلات المصرية التي كانت تصل إلى النجف في تلك الأيام...كما أن الإمام الكبير آية الله حسين منتظري أكد في أحاديث كثيرة تأثير سيد قطب عليهم في قم والنجف ومحاولتهم التوفيق بينه وبين عبد الناصر.. وقال منتظري انه يوم إعدام سيد قطب (آب 1966) بكى بحرقة وهو في السجن في طهران...كما روى أكثر من مرجع إيراني وعراقي تأثرهم بالثورة الجزائرية وبتجربة جبهة التحرير الوطني (وقد ظلت العلاقة المميزة بين حركة أمل والجزائر إلى يومنا هذا تأسيسا على ما بدأه الإمام الصدر، ولعل الإمام لم يكن ليسافر إلى ليبيا لولا الطلب الخاص من الرئيس بومدين)....كانت مرحلة قم والنجف إذن عاصفة ومليئة بالتحولات الفكرية التي كانت تعيشها النخب الدينية الشيعية.. وهنا نفتح قوسين لعرض بسيط للحراك الإيراني الذي كان السيد الصدر مرتبطاً به منذ مرحلة الرئيس مصدق.. فالمعروف أن القيادات الدينية الشيعية وقفت مع مصدق ضد الشاه الذي انتصر بدعم أميركي كبير وعاد إلى الحكم في 19 آب 1953. أدى انهيار حركة مصدق الوطنية إلى نشوب صراعات بين قوى الجبهة الوطنية وقوى علماء الدين وعلى رأسهم آية الله كاشاني وحركة فدائيي إسلام(نواب صفوي).. دعم آية الله كاشاني وصدر الدين الصدر والخوانساري حركة نواب صفوي إنما بتحفظ بسبب تطرفهم، في حين كان المرجع البروجردي يعلن عن عدم رضاه عن تصرفاتهم.وبعد وفاة كبار المراجع في قم (البروجردي والخوانساري والصدر) برز العلماء شريعتمداري والحكيم والكلبايكاني ومرعشي نجفي والخوئي.. إلا أن السيد محسن الحكيم أخذ محل البروجردي كمرجع أوحد في عصره.. والجدير ذكره هنا أن الإمام الخميني تجنب الإعلان عن إقامة مجالس عزاء للبروجردي(على مقتضى ما جرت به العادات) "خوفاً من ظهور شائبة من الشوائب ولم يكن راغباً حتى في كتابة رسالة"(رفسنجاني-ص49).إن هذا الأمر يكشف لنا تماماً عن حقيقة الصراعات في قم وأطرافها ومواقعهم وأدوارهم. ومن رحم هذه الصراعات ولدت حركة نهضت آزادي (حركة تحرير إيران-1960) وقائدها مهدي بازركان وآية الله طالقاني والدكتور علي شريعتي "وهم كانوا يعطون أهمية كبيرة للانفتاح الفكري ولإرضاء المثقفين المتنورين.. والعلماء وتجار البازار المتدينين..(رفسنجاني، ص60). وأسس آية الله شريعتمداري دار التبليغ وهدفه "إيجاد مراكز تعليم أكثر تنظيماً متعددة البرامج داخل الحوزات التقليدية... وكان قانعاً بإلقاء الدروس والأبحاث والتبليغ والمهام الدينية.."(رفسنجاني، ص106-107)). وكان السيد الحكيم يؤسس في العراق المكتبات العامة ويقوم بتحديث التدريس الحوزوي والاحتفالات بمناسبة عاشوراء يساعده السيد محمد باقر الصدر والشيخ محمد مهدي شمس الدين وغيرهما.
حين قرر السيد موسى الرجوع إلى لبنان كانت قد نضجت في رأسه واختمرت فكرة العمل الذي كان ينوي القيام به... وقد أخبرنا الإمام شمس الدين أن الفكرة نضجت بالتشاور مع السيد محسن الحكيم الذي أعطى الإمام الصدر وكالة عامة وتفويضا كاملا.. ولم تمض اشهر على عودة الصدر إلى لبنان (1959) حتى اندلعت الانشقاقات والصراعات داخل حزب الدعوة الأمر الذي أدى إلى طلب السيد محسن الحكيم من أبنائه والمخلصين له الانسحاب من الحزب (1960).. فانسحب السيد مهدي ثم السيد محمد باقر (اثر عودته من بنت جبيل في لبنان ولقاءاته مع السيد الصدر، والسيد محمد باقر الحكيم هو للمناسبة ابن شقيقة السياسي اللامع علي بزي وكان يحضر مجالسه في لبنان، وبالتالي فهو ابن خالة السيد فضل الله) ثم الشيخ محمد مهدي شمس الدين وتبعهم آخرون.. وما زالت هذه الوقائع في أساس السجالات والخلافات داخل حزب الدعوة والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق وما بينهما إلى يومنا هذا.. المهم هنا تسجيل الفرادة والتميّز للإمام الصدر ومنذ مرحلة مبكرة، ووعيه لظروف وأوضاع الشيعة ولحاجات التنظيم والاستنهاض التي رأى أنها لا بد أن تختلف عن نمط التنظيم الحزبي الغربي الذي يحمل أسماء إسلامية.كما أن المسالة الاساس التي حكمت كل الصراعات اللاحقة تتمثل في اكتشاف المراجع (السيد محسن الحكيم بداية ثم السيد محمد باقر الصدر الذي كان يعتبر المؤسس لحزب الدعوة) ارتباطات الحزب الخارجية (مع الشاه ومع الاردنيين والبريطانيين) وعقلية النخبوية الحزبية التي تستحل استغلال الناس كما استغلال المراجع والعلماء للوصول الى اهداف الحزب الباطنية..فكان الفراق باكراً بين جماعة المرجعية من جهة وجماعة الحزب من جهة اخرى، وهو فراق ما يزال يحمل بصمات التشكيك والتوتر الى يومنا هذا..
كان اول اللبنانيين المنتسبين الى حزب الدعوة الشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيد محمد حسين فضل الله (1958)... وفي العام 1960 صدرت مجلة الاضواء نصف الشهرية باسم جماعة العلماء التي كانت واجهة للحزب يومذاك..وقد استمرت بالصدور حتى العام 1966..وكان يكتب افتتاحيتها السيد محمد باقر الصدر او الشيخ محمد مهدي شمس الدين (باسم رسالتنا)..وفي العام الثاني على الصدور (1961)، انقطعت "رسالتنا" وحلت محلها "كلمتنا" التي صار يكتبها محمد حسين فضل الله.. وكان ذلك يشير الى تطور اساسي تمثل في انسحاب آل الحكيم من الحزب ومعهم شمس الدين، ثم الى انسحاب السيد محمد باقر الصدر نفسه..بعد ذلك سيطر على الحزب هادي السبيتي وطالب الرفاعي وعارف البصري ومرتضى العسكري ومحمد حسين فضل الله وعلي كوراني وكاظم الحائري ومهدي الآصفي..والحقيقة ان حزب الدعوة استظل مرجعية السيد الحكيم والسيد الخوئي في سنوات 1957-1960 ثم مرجعية السيد محمد باقر الصدر (حتى استشهاده 1980)..و لم تتوقف الصراعات والانشقاقات في الحزب بخصوص مسألة العلاقة بين الحزب والمرجعية، وبين المدنيين ورجال الدين..نذكر هنا انشقاق جماعة من العلماء وعلى راسهم عبد الهادي الفضلي حين سيطر السبيتي على قيادة الدعوة (1963)..وانشقاق سامي البدري وجماعة بغداد (1967) لصراعهم مع عارف البصري..الا ان القشة التي قصمت ظهر البعير في العلاقة بين الحزب والمرجعية تمثلت في تخاذل الحزب عن الوقوف خلف السيد الحكيم حين قاد المواجهة مع نظام البعث(1969-1970)..وبعد وفاة المرجع الحكيم (1970) صاغ السيد محمد باقر الصدر نظريته حول العلاقة بين المرجعية والحزب (اطروحة المرجعية الصالحة) داعياً الى ضرورة الفصل بينهما بحيث يكون الحزب ذراعاً من أذرع المرجعية وتحت أوامرها..في حين ان الحزب كان يرى ويعمل للعكس اي استغلال المرجعية واستخدامها..واستمرت المجادلات داخل وخارج الحزب 3 سنوات 1970-1973..الا ان الحزب لم يترك العمل داخل الحوزة وباسم السيد الصدر الامر الذي أدى الى الصدام العنيف بينهما والى اصدار الصدر لفتواه الشهيرة حول عدم جواز انتساب طلبة العلوم الدينية الى الحزب (1974)..وفي اثناء ذلك كانت موجات القمع البعثي الدموي تتوالى من موجة 1970-1972 الى موجة 1974 التي انتهت باعدام عارف البصري وعزالدين القبنجي وعماد الدين الطباطبائي ونوري طعمه (13 نوفمبر 1974) واعتقال محمود الهاشمي (الشهرودي لاحقاً : رئيس القضاء الايراني حالياً)..في تلك الايام كان الامام الخميني منفياً في النجف وعلى صلة طيبة بالنظام العراقي الامر الذي أدى الى الجفاء لا بل العداء بينه وبين العراقيين..وبدءاً من العام 1975 أعاد هادي السبيتي تشكيل الحزب في حين فر العشرات الى الخارج ومنهم اللبنانيون (صبحي الطفيلي وعلي الكوراني وحسن ملك وعبد المنعم مهنا) والذين بقوا في النجف التفوا حول السيد الصدر (علي الامين،حسن طراد،محمد جعفر شمس الدين،عباس الموسوي...)ومع تصاعد الخلاف داخل الدعوة انعقد مؤتمر عام عٌرف باسم مؤتمر مكة (موسم الحج 1977) لم يحضره السبيتي وجماعته وسيطر عليه الثنائي كاظم الحائري (ايران) ومهدي الآصفي (الكويت)..حاول مرتضى العسكري حل الخلاف موسطاً فضل الله والكوراني..وقد اتهم حزب الدعوة كلاً من محمد باقر الصدر ومحمد مهدي شمس الدين ومحمد باقر الحكيم بانهم يتصلون بالكوادر ويحاولون شق الحزب..في حين قررت لجنة العراق في الدعوة (مهدي عبد مهدي) الالتزام بقرار المرجع الصدر..وبحسب صدر الدين القبنجي فان الاختلاف كان كبيراً بين رؤية الصدر ورؤية الدعوة للمرحلة..ذلك ان حزب الدعوة بنى استراتيجية عمله على اساس المرحلية مقسماً مراحل العمل الى اربع رئيسية هي الثقافية (الدعوة وتغيير الافكار) فالسياسية (الصراع السياسي مع الحكم) فالثورية (السيادة السياسية) ثم مرحلة الحكم وبناء الدولة وتصدير الافكار...لذا فان الحزب لم يكن يتبع تحديد المرجعية للمرحلة ومهماتها وانما يتبع نظريته هو حتى حين كانت المرجعية تقود المواجهة الكبرى (ايام الحكيم ثم الصدر كمثال)..غير أن أخطر مظاهر الخلاف يتعلق باختراق الحزب لوكلاء المرجعية (جاء في مجلة الجهاد الناطقة بلسان الحزب في ايران-العدد 12-كانون الاول 1983) ان 80% من وكلاء الصدر عام 1980 كانوا من الدعوة..غير ان الوضع كله تغير مع انتصار الثورة في ايران..تصاعدت المقاومة الشعبية في العراق وتصاعد معها القمع الدموي الذي لم يكن له مثيل في التاريخ المعاصر..فكان اعتقال السيد باقر الصدر (12-6-1979) شرارة انتفاضة 17 رجب التي قمعت بالحديد والنار..أعدم البعث 86 قيادياً معظمهم من وكلاء الصدر وحكم بالسجن المؤبد على 200 وبالسجن مدداً متفاوتة على 814..وبلغ عدد المعتقلين عدة آلاف استشهد الكثيرون منهم تحت التعذيب..وفي 16 تموز 1979 اقال صدام حسين أحمد حسن البكر وقام باعتقالات واسعة في صفوف قيادات وكوادر البعث لحقتها اعدامات شملت 5 وزراء و21 قيادياً بعثياً (غالبيتهم الساحقة من الشيعة)...عن تلك الايام القاسية الدامية خرج حزب الدعوة بتحليل قال فيه ان "تحرك رجب كان تحركاً محدوداً لم تنزل الدعوة فيه كل طاقتها ولم تستنزف كل امكانياتها وهذا نابع من طبيعة المرحلة .وكان عدم انزال كل قوتنا تصرفاً حكيماً وصحيحاً لأن المخزون من طاقتنا ينفعنا ليوم آخر،يوم الحسم"(ثقافة الدعوة الاسلامية،الجزء الرابع،ص 338).غير ان ما يراه الدعوة تصرفاً حكيماً كان بالنسبة للصدر والحكيم خيانة ثانية للمرجعية وللناس بعد الخيانة الاولى في انتفاضة عام 1969...بعد ذلك صعد نجم الثورة الايرانية وجرى اغتيال السيد باقر الصدر وشقيقته بنت الهدى (نيسان 1980)..وتصاعد الصراع المسلح بين البعث والدعوة في بيروت والكويت (محاولة اغتيال الكوراني ،اغتيال شري،اغتيال السيد حسن الشيرازي من الشيرازيين ومنظمة العمل الاسلامي، في بيروت،واغتيال عبد المنعم الشوكي في الكويت..الخ..) قرر الحزب نقل قيادته ومعظم كوادره الى ايران..انتقل الكوراني والآصفي في حين رفض السبيتي القرار ودفع حياته ثمناً لذلك (هو حفيد السيد عبد الحسين شرف الدين،قال يومها انه لم يتعود العيش الا من كد يمينه،وانه لا يجيد اللغة الفارسية..اعتقل في الاردن 9 أيار 1981 وجرى تسليمه الى صدام حسين ليقتله)..وقررت لجنة العراق بقيادة عبد الامير منصوري وحسن شبر الارتباط بالسبيتي وقطع صلتها بالآصفي..وفي ايران اسس الحزب لجنة جهادية بقيادة مهدي عبد مهدي وصبحي الطفيلي وفخري مشكور وعينت حسين كوراني ضابط اتصال بالحرس الثوري الايراني...وصار الحزب بأجنحته تحت قيادة اسمية لا تجتمع ضمت السبيتي والآصفي والعسكري والحائري والكوراني..وبعد اعدام السيد الصدر انهار تنظيم بغداد..فدعا كوادر الحزب الى مؤتمر انعقد في طهران أواخر عام 1980 وعرف باسم مؤتمر القواعد وحضره 72 كادرا وشكل لجنة من 9 للتحكيم بين جناحي القيادة..رفض السبيتي والكوراني وكوادر البصرة مؤتمر طهران وانتخاباته وتلا ذلك اعتزال مرتضى العسكري للعمل الحزبي، في حين واصل جماعة طهران اعادة التنظيم بقيادة ضمت الآصفي (ناطقاً باسم الحزب) والحائري (فقيهاً للحزب)..أعدت القيادة الجديدة لمؤتمر عرف باسم مؤتمر الشهيد الصدر (1981-طهران) شارك فيه من لبنان صبحي الطفيلي ومحمد رعد ونعيم قاسم (ذكر لي أحد الحضور انهم لم يتكلموا ابدا في المؤتمر)وانسحب الكوراني نهائياً من الحزب (اصدر كتابه الشهير "طريقة عمل حزب الله")..واستمر الصراع الداخلي حول ولاية الفقيه فعقد الحزب مؤتمراً جديداً في 1984 ليعيد العمل بمنصب فقيه الحزب وقرر تعيين الحائري مجدداً .. الا ان القيادة المدنية ظلت تسحب البساط من تحت أرجل الفقهاء فقرر الحائري والآصفي الانسحاب والتفرغ للمرجعية مع تبنيهما لولاية الفقيه..الا ان الحزب قرر استعادتهما وتشكيل مجلس فقهي ضمهما الى جانب الشيخ محمد علي التسخيري (أحد كبار مستشاري الخامنئي حالياً وخصوصاً في قضايا العلاقة مع أهل السنة)على أن يكون الحائري فقيه الدعوة.. وكانت القيادة المدنية تريد المجلس الفقهي مرجعية تقليد لا ولاية أمر.. وحاول الحائري والآصفي خلال العام 1985 ربط الحزب بالقيادة الايرانية مباشرة (بعد الاعلان عن تشكيل حزب الله اللبناني على اساس ولاية الفقيه)..ولكن الصراع م يتوقف.. وحين اصدر الامام الخميني قراره بتعطيل اعمال الحزب الجمهوري (10 حزيران 1987) انسحب الشيخ التسخيري من المجلس الفقهي في حين كان الحائري والآصفي يقودان حملة لتعزيز ولاية الفقيه ويدعوان الى حل الحزب اسوة بما حصل في لبنان..وفي مطلع عام 1988 انعقد مؤتمر الحوراء زينب وانتصر فيه خط ولاية الفقيه اذ قرر المؤتمر "ان الحزب جزء من الامة وهو مرتبط بالولاية العامة شأنه في ذلك شأن بقية ابناء الامة ويسري عليه ما يسري على كافة قطاعاتها".ولم بنته الصراع..ففي العام 1989 أعلن عدد من قادة الحزب انشقاقهم معتبرين ان الحزب ما يزال منفصلاً عن القيادة الشرعية وانه يعتبر نفسه بديلاً عنها وان فقيه الدعوة الخفي هو السيد فضل الله رغم تأكيد هذا الاخير انه ترك الحزب منذ 1982 بسبب عدم اختياره فقيهاً للحزب يومذاك..وتسمى المنشقون باسم تنظيم الدعوة-ولاية الفقيه وتفرغ الحائري للعمل لمرجعيته واستمر الآصفي في قيادة الحزب(ناطقاً رسمياً) ممثلاً الاتجاه الايراني في مقابل الباقين الذين التفوا حول فضل الله..
في العام 1989 توفي الامام الخميني..يومها قرر الايرانيون تولية الخامنئي ولياً لامور المسلمين دون ان يكون مرجعاً للتقليد..واعتبروا ان السيد الآراكي هو مرجع التقليد..وبين الاعوام 1990-1991(حرب العراق الاولى) و2003 (حرب العراق الثانية) هاجر مئات الكوادر من العراق والدول العربية الى بريطانيا وانخرطوا هناك في العمل السياسي الديمقراطي وسط الجالية العراقية التي يصل تعدادها الى أكثر من مليون..وارتبطوا بعلاقات مع قوى عربية ودولية.. تمخضت التحولات الكبرى بعد وفاة الخميني وحرب العراق الاولى عن قرار للدعوة انها في حل من التزامها بقيادة الخميني الذي كانت نصت على ولايته بالاسم في نظامها الداخلي..والغى الحزب منصب الناطق الرسمي واستبدلته بثلاثة ناطقين:ايران (علي الاديب) وواحد في بريطانيا عن اقليم اوروبا (ابراهيم الجعفري) وواحد في سوريا عن اقليم الشرق الاوسط (نوري المالكي)..
وفي العام 1992 توفي المرجع الخوئي، وفي آخر العام 1993 توفي المرجع السيد الكلبايكاني.. وبعده بقليل توفي المرجع السيد السبزواري .. وتلاهم مرجع ايران بعد الخميني الشيخ الآراكي (1994).. حينها قرر الخامنئي طرح نفسه كمرجع وهو الذي انتخب ولياً لأمر المسلمين دون أن يكون مجتهداً ومرجعاً .. إثر ذلك عيّنت جمعية مدرسي حوزة قم سبعة مراجع للتقليد بينهم الخامنئي دون محمد
حسين فضل الله.واعلن الحائري اعتزاله حزب الدعوة وطرح مرجعيته على الناس،وأعلن الآصفي التزامه قيادة الخامنئي وولايته، في حين أعلن فضل الله تصديه لمنصب المرجعية..واختاره حزب الدعوة مرجعاً له وفقيهاً معتمداً..ثم قرر الحزب تبني رأي فضل الله حول تعدد الولاية :"فكما يمكن ان يكون للامام (المهدي) في حال حضوره أن يحكم عدة اقاليم وله في كل منها نائب فانه يمكن كذلك ان يكون له في حال غيبته عدة نواب ايضاً...فالأصل في الولاية النائبة عن الامام (المهدي) تعدد الولي الا اذا كانت هناك مصلحة اسلامية عليا تفرض وحدته وكانت الوحدة واقعية"(صدرت الفتوى في 13-9-1998)..
ومنذ 2003 صار الدعوة عدة خطوط: خط الحائري، وخط الآصفي، وخط الجعفري، وخط المالكي، وخط البصرة (جماعة السبيتي)، وخط هاشم ناصر محمود، وخط خضير موسى جعفر، وخط موفق الربيعي، ناهيك عن الخطوط التي التحقت بحركة مقتدى الصدر أو بحزب الفضيلة أو بمرجعية السيد حسين الصدر أو بمرجعية وخط محمد حسين فضل الله...
وهنا لا بد من التوقف عند دور الدعوة في لبنان....
مع عودة فضل الله الى لبنان العام 1966 شرع في العمل على بناء كوادر وخلايا لحزب الدعوة..فكانت أسرة التآخي ومجلتها "الحكمة"، وكان الاتحاد اللبناني للطلبة المسلمين ومجلته "المنطلق" ..وأبرز من تخرج من الاتحاد محمد رعد ونعيم قاسم وهاني قاسم ومحمود قماطي وحسن حدرج (من حزب التحرير) ومحمد سعيد الخنسا .. ومن جيل لاحق علي فياض وقاسم قصير ونواف الموسوي وحسان عبد الله. وكان فضل الله متأثراً بتقي الدين النبهاني وبسيد قطب (لاحظ تفسيره للقرآن بعنوان من وحي القرآن تيمناً بظلال سيد) كما بنظرية او مبدأ القوة..وقد نشر فضل الله كتابه "منطق القوة في الاسلام"عام 1967 واستمر على ترداد مفهوم منطق القوة كما يظهر ذلك بوضوح في مقاله عن الشهيد باقر الصدر في جريدة العهد، العدد 42 ،22 رجب 1405-1985،بعنوان "لأنك قوة"..ونقل السيد حسن نصرالله عنه هذا المفهوم (راجع محاضرته في الاتحاد اللبناني للطلبة المسلمين بعنوان "التعبئة الثورية في عملية التغيير"،النهار في 27-1-1986)..وفي العام 1978 حمل الشهيد حسن شري فتوى الى الحركيين الاسلاميين (من دعوة وغيرها) بوجوب الانضمام الى حركة أمل والعمل من داخلها بعد اختطاف السيد موسى الصدر..
وكانت الضربات البعثية للدعوة في العراق تؤدي الى هجرة العديد من الكوادر الى لبنان..ففي السنوات 1975-1977 جاء الى لبنان عدد كبير من المشايخ الذين كانوا من تلامذة السيد محمد باقر الصدر ومن اعضاء حزب الدعوة..من علي الكوراني وعلي الامين ،الى صبحي الطفيلي وعبد المنعم مهنا وحسن ملك ، ومن عباس الموسوي و حسن طراد وجعفر شمس الدين الى عفيف النابلسي وحسين الكوراني...وحملوا معهم صراعات القوى والمحاور داخل حزب الدعوة..وقد جاء غيرهم واحتموا بعباءة السيد موسى الصدر ومحمد مهدي شمس الدين وانتشروا في قرى النميرية-الشرقية-الدوير-جبشيت-عبا-القصيبة-وكفرتبنيت..الخ..وحصلوا على اذونات رسمية من المجلس الشيعي للعمل كمدرسين لمادة التربية الدينية في مدارس الجنوب والبقاع..(على سبيل المثال أقام الشيخ حسن ملك في كفرتبنيت والشيخ حسين كوراني في الشرقية وعلي الامين في حي السلم..في حين عاد هاني فحص ومحمد حسن الامين يحملان وعياً عروبياً يسارياً وثورياً....واسس عبد المنعم مهنا حوزة في صديقين،وعلي الامين حوزة في حي السلم..واسس حسين سرور وعلي ياسين واسعد فنيش حوزة صور، وعلي العفي ومحمد يزبك حوزة بعلبك،وهؤلاء كانوا مع عباس الموسوي من طلبة السيد باقر الصدر..اما راغب حرب فهو درس في النجف (1967-1977 وعاد الى لبنان ليعمل مع الشيخ شمس الدين في منطقة النبطية ويؤسس ويتولى مبرة السيدة زينب في جبشيت..وفي الغبيري سكن الشيخ حسن طراد والشيخ علي الكوراني (مسجد الغبيري) والشيخ حسن عواد (مسجد الشياح)..وهرب حسن ملك الى قم (1978) بعد محاولة اغتيال بعثية (كفرتبنيت كانت معقلاً للشيوعيين واليسار ومعادية لحركة المشايخ)..وعاد ملك الى الشياح عام 1980 بحماية حركة فتح التي أمنت الحماية للعشرات من قادة وكوادر حركة المحرومين (من بينهم النائب علي عمار)..يقول حسن ملك لوضاح شرارة (دولة حزب الله ص109و118) انه درب خلال الاعوام 1975-1980 حوالي 700 شاب شيعي عراقي ولبناني من حزب الدعوة في معسكرات حركة فتح..
أدى اجتياح 1978 واحتلال جزء من ارض الجنوب إلى نشوء وضع جديد..فالى جانب التحرك السياسي سارع الإمام الصدر (والشهيد مصطفى شمران) إلى تمتين العلاقات التي نشأت مع لبنانيي حركة فتح في الجنوب، والى احتضان التعبيرات اللبنانية المرتبطة بالثورة الفلسطينية وذلك في مقابل عمل عشرات الايرانيين من أنصار الخميني ممن وفدوا مبكراً الى لبنان واقاموا في قواعد حركة فتح وأقاموا علاقات مع أجهزتها الامنية ..
عن هذه المرحلة يروي الشيخ رفسنجاني وقائع زيارته إلى لبنان في مطلع الحرب الأهلية(1975) فيقول ما حرفيته:"في لبنان كانت الحرية أمراً لافتاً...كنت أعرف السيد موسى الصدر من قبل فقد قرأت عليه جزءاً من المطوّل(أي أنه تتلمذ عليه في قم)...الشهيد محمد منتظري (ابن الشيخ حسين علي وكان يومها زعيم التيار الراديكالي في حركة الخميني) كان على معرفة وثيقة بالقوى المناضلة والفاعلة في لبنان كلها...مباحثاتي كان لها تأثير في تعديل بعض المواقف ووجهات النظر المتطرفة(التي كان يحملها الإيرانيون الملتحقون بالثورة الفلسطينية مثل الشهيد منتظري والشهيد محمد صالح الحسيني وجلال الدين الفارسي ومحسن رفيق دوست ومحتشمي وغيرهم).... وكان أنصار الإمام وعلى رأسهم ابنه المرحوم السيد مصطفى في نزاع مع السيد موسى مصدره الأصلي والوحيد مسألة المرجعية..إذ لم يعلن السيد الصدر تأييده لمرجعية الخميني... كان الشبان الإيرانيون في لبنان يريدون أن يأخذ السيد موسى موقفاً صريحاً.. وكانت لهم خطب لاذعة وبيانات ..ذهبت لمقابلة الإمام الخميني في النجف وللتقريب بينه وبين السيد موسى الصدر.."(من كتاب رفسنجاني:حياتي،الصفحات170 إلى 176).
حزب الله والمقاومة الإسلامية
كانت الحالة اللبنانية التي ولدت في الجنوب حول الكتيبة الطلابية وأفواج المقاومة اللبنانية (وقد وصفها الشهيد مصطفى شمران في كتابه التاريخي التوثيقي: شيعة لبنان) السباقة إلى التضامن مع طروحات الإمام الخميني في منفاه في النجف ومع اندلاع ثورة العصر في إيران.... ثم ابتدأ عصر الإسلام السياسي الجديد مع اللجان الإسلامية والشباب المؤمن والاتحاد اللبناني للطلبة المسلمين ومجلة المنطلق (واجهات الدعوة)، ولجان العمل الإسلامي (خليط مرتبط بمنظمة العمل الاسلامي الشيرازية وبعض المستقلين من مشايخ اليسار المرتبطين بحركة فتح)، وأنصار الثورة الإسلامية (تيار منتظري والحرس الثوري لاحقاً وقد كانوا مرتبطين بحركة فتح)... وكلها شكلت لاحقا إلى جانب المنشقين عن حركة أمل (السيد إبراهيم أمين السيد ممثل امل في طهران، السيد حسين الموسوي رئيس هيئتها التنفيذية ومنافس بري على القيادة، السيد حسن نصر الله مسؤول الحركة في البقاع، وهم بالمناسبة من متسللي حزب الدعوة الى داخل حركة أمل وكان رئيسهم الفعلي حسن شري الذي قتله البعثيون في بيروت) الروافد التأسيسية التي صبّت جميعها في نهر حزب الله والمقاومة الإسلامية..
خطف الإمام الصدر، وانتصار الثورة في إيران، أديا إلى تفاعلات حتمية ادت إلى التحاق أعداد كبيرة من الشباب المقاوم بالجو الإسلامي الشيعي بعد 1979 (وتبوأ العديد منهم مراكز قيادية لاحقا كما أن العشرات أيضا استشهدوا وهم يقودون قوات وعمليات من المقاومة الإسلامية).وفي نفس المرحلة كان الصراع الداخلي بين حركة أمل وأحزاب اليسار اللبناني والفلسطيني (نتيجة الدور الليبي في اختطاف السيد موسى الصدر والدور اليساري في الارتباط بالعراق بعد اغتيال الشهيد السيد محمد باقر الصدر) قد وصل إلى ذروته العنيفة ما سمح لحزب الدعوة (الشديد المركزية والتنظيم الأمني المحكم) بالإمساك بالمواقع الأمنية والعسكرية داخل حركة أمل و بقيادة عملية الصراع هذه.ولا توجد دراسات موثقة حول دور حزب الدعوة في لبنان قبل تشكيل حزب الله إلا أن الأكيد أن كوادره عملت من داخل ومن خارج حركة أمل (وابرزهم الشهيد حسن شري)، كما من داخل ومن خارج حركة فتح الفلسطينية (وابرزهم الشهيد عماد مغنية).وأخيرا جاء اجتياح صيف 1982 ليطوي صفحة الوجود الفلسطيني المسلح في جنوب لبنان وليفتح صفحة التموضع الشيعي مع الحرس الثوري في البقاع..
صحيح أن حزب الدعوة حل نفسه وانخرط في تشكيلة حزب الله (صبحي الطفيلي،محمد رعد، نعيم قاسم، علي كوراني،حسين كوراني ،محمد حسين فضل الله،محمد سعيد الخنسا،محمود قماطي ،حسن حدرج)الا أن الصحيح أكثر ان من دخلوا حزب الله دخلوه فرادى مفككين مختلفين بسبب صراعات الحزب في العراق وسوريا والخليج ولندن..فبعد اغتيال هادي السبيتي في الاردن انفرط عقد الدعوة في لبنان.. ولم يترك الايرانيون الأمر للصدف او العواطف..فمنذ العام 1979 بدأوا بتأطير القوى اللبنانية التي كانت تؤيدهم ومن ضمنها حزب الدعوة المنفرط..وخلال 3 سنوات ركز الايرانيون على دعوة القيادات الدينية والمدنية الشيعية الى طهران وهناك كانت الحوارات والنقاشات والصراعات تدور حول الحركة الاسلامية المطلوب تاسيسها في لبنان..وقد شكلوا عدة تجمعات لرجال الدين (تجمع علماء البقاع، وتجمع علماء جبل عامل،وتجمع العلماء المسلمبن، ومعها الحوزات الدينية ومدارس الكوادر ..وبعد اجتياح 1982 عملت قيادة الحرس الثوري في بعلبك طوال 3 سنوات (مركز عشاق الشهادة)على تفكيك واعادة تركيب كل العلاقات الشيعية بما فيها حزب الدعوة الذي صار شيعاً وجماعات متفرقة ترتبط كلها بايران..فقد استطاع الايرانيون السيطرة على المجال العام عبر الاذاعة(صوت المستضعفين)والجريدة(العهد)والمجلة(الوحدة الاسلامية)وخطب الجمعة والمسيرات واليافطات والملصقات والمنشورات والزيارات المنظمة الى السيدة زينب في دمشق والى المقامات في ايران...كما سيطروا على غالبية المساجد والحسينيات في لبنان وعينوا رجال دين لها،وعملوا على اختيار شباب للدراسة في الحوزات في ايران،وتنظيم معسكرات التعبئة والتدريب،وتقديم الخدمات المجانية مثل الطبابة والاستشفاء والوقود وغيرها..وانشاء المدارس والمعاهد،والسيطرة على التعليم الديني في كل المدارس، والسيطرة على اوقاف الشيعة....وقاموا بالتنسيق مع قوات فتح في البقاع بالعمليات العسكرية الكبرى للمقاومة اللبنانية وتحت اسماء متعددة (حركة ابناء جبل عامل،العادلون،حزب الله،الشباب المؤمن)..وحين تشكلت لجنة قيادة حزب الله من 9 كان من الطبيعي ان تضم عباس الموسوي وصبحي الطفيلي وحسين كوراني وحسن نصرالله ومحمد يزبك وحسين الموسوي وابراهيم امين السيد وعفيف النابلسي ومحمد رعد..ثم قلصت الى 7 ،لتستقر في العام 1984 على خمسة وفي 1985 تعود الى سبعة (عباس الموسوي،صبحي الطفيلي،ابراهيم امين السيد،حسن نصرالله،حسين الموسوي،نعيم قاسم،محمد رعد)..كانت النسب التمثيلية تعكس كل التجمعات السالفة الذكر ولكن الحصة الاكبر فيها كانت من نصيب بقايا الدعوة...وكان الجامع بينها كلها هو الالتزام بولاية الفقيه.. ووصاية السفير الايراني في دمشق يومذاك علي اكبر محتشمي بور ثم حسين اختري..
في العام 1989 انتخب صبحي الطفيلي أميناً عاماً للحزب..وخرج السيد حسن نصرالله الى قم للدراسة..وفي 1991 ازيح صبحي الطفيلي عن منصب الامين العام وانتخب عباس الموسوي محله..الا انه اغتيل في شباط 1992 ليحل محله حسن نصرالله الذي استقدم على عجل من قم ..
وتعكس هذه التغيرات تغيرات كبرى في ايران (وفاة الخميني،تحالف خامنئي-رفسنجاني-احمد الخميني في وجه جماعة خط الامام وممثلهم الاول محتشمي مؤسس حزب الله وصديق الطفيلي...انتصار خط خامنئي-رفسنجاني واسقاط محتشمي وكل تياره من السلطة.)..اذن جاء حسن نصرالله كممثل لخط خامنئي منذ ذلك الحين وهو لما يزل...اما الدعوة فلم يعد حزباً واحداً ولا تياراً متجانساً ولذلك يصعب الحديث عنه داخل حزب الله وانما يتوجب الحديث عن اشخاص يرتبطون بمراكز قوى في ايران ليس الا..
الاعتداءات تستهدف الحضور المسيحي
الكاثوليكي للاعلام استنكر اعمال العنف في العراق: الاعتداءات تستهدف الحضور المسيحي استنكر المركز الكاثوليكي للاعلام اعمال العنف في العراق واصدر بيانا جاء فيه:
"1 - ان المركز الكاثوليكي للاعلام يستنكر بشدة ويدين ويشجب كل أعمال العنف الدائرة في العراق، التي استهدفت وتستهدف الأبرياء من رجال دين ونساء وأطفال، وكان آخرها الإعتداءات التي استهدفت يومي السبت والأحد الماضيين ست كنائس مسيحية في مدينة بغداد وقع ضحيتهما من المسيحيين المصلين أربعة قتلى وخمسة عشر جريحا، ومن المارة ستة جرحى. كما تعرض في الآونةالأخيرة عدد من المسيحيين في كركوك للقتل وأعمال العنف، انها جرائم غير مبررة تهز الضمائر، وتستوجب من الأسرة العربية والدولية إدانتها والعمل على وضع حد لها، والتعويض المادي والمعنوي لضحاياها، وإلا فقدت المؤسسات الإقليمية والدولية مبرر وجودها.
2- ان الإعتداء السافر على المسيحيين بالشكل المتمادي، والذي ندينه بأقصى الشدة، هو جريمة ضد حقوق الإنسان، فالمسيحيون مواطنون مخلصون لبلدهم، وتمنحهم مواطنيتهم كامل حقوق المواطنة وتضع على عاتقهم كل واجباتها. لكن حقوقهم مسلوبة عندما يعتدى عليهم، ويحرمون من الحماية لهم ولعائلاتهم وممتلكاتهم ومن التعويض عليهم، ومن العيش الكريم بهناء وطمأنينة. أما الواجبات فإنهم يؤدونها بكل مسؤولية، ويخلصون لوطنهم في كل شيء، وهم فيه وفي كل المنطقة العربية عامل سلام واستقرار.
3- يبدو ان هذه الإعتداءات على المسيحيين، أشخاصا وعائلات ودور عبادة وأملاكا، تستهدف الحضور المسيحي في الشرق. وهذا مسعى لنسف جذور الثقافة العربية والنهضة والعيش المشترك وتاريخ المشرق العربي. فالمسيحيون ليسوا أقلية مضافة في بلدان العالم العربي، بل هم أهلها الأصليون، والثقافة المسيحية تشكل عنصرا أساسيا من ثقافة هذه البلدان منذ عهد السيد المسيح والرسل الأثني عشر والجماعات المسيحية الأولى. كم من أعلام مسيحيين كبار في الشعر والأدب والخطابة أعلوا شأن الثقافة العربية في بلدانهم، وشكلوا عصرها الذهبي؟ أو ليس المسيحيون العرب هم رواد النهضة العربية الحديثة بفضل مساهماتهم في حقول الصحافة والفكر السياسي والإعلام والهندسة والفن والتجارة والإقتصاد والطب والتأليف ووضع المعاجم، ومن تعزيز حرية الشخص البشري وحقوق الإنسان، وحرية المعتقد والتعبير والرأي، والتنوع في الوحدة.
4 - ان المسيحيين الواعين دورهم ورسالتهم في العالم العربي، لن يتخلوا عن تعاليم السيد المسيح القائم على الغفران والمحبة والتسامح، والقيم الإنجيلية، ولن يخافوا الشهادة حتى الإستشهاد في سبيل الخير العام، وسيواصلون مساهمتهم السخية والمخلصة في بناء أوطانهم وإنماء الشخص البشري والمجتمع، وتعزيز السلام العادل والإستقرار والإنفتاح على الآخر باحترام وتعاون وتضامن. نأمل أن يعي شركاؤهم في الوطن هذا الدور الذي لا يطمح إلا الى ما ينمي ويجمع ويبني.
5 - أما النداء فموجه الى المواطنين العراقيين عامة والمسيحيين خاصة ليحافظوا على وطنهم بوحدتهم وتماسكهم وتشبثهم بأرضهم، والى المسؤولين في البلاد لتحمل مسؤولياتهم في إحلال الأمن والسلام للجميع، والى جامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن لاتخاذ المبادرات المسؤولة وحماية المواطنين العراقيين والتعويض على ضحايا العنف في خساراتهم على مستوى الأشخاص والأملاك والمعنويات".
"1 - ان المركز الكاثوليكي للاعلام يستنكر بشدة ويدين ويشجب كل أعمال العنف الدائرة في العراق، التي استهدفت وتستهدف الأبرياء من رجال دين ونساء وأطفال، وكان آخرها الإعتداءات التي استهدفت يومي السبت والأحد الماضيين ست كنائس مسيحية في مدينة بغداد وقع ضحيتهما من المسيحيين المصلين أربعة قتلى وخمسة عشر جريحا، ومن المارة ستة جرحى. كما تعرض في الآونةالأخيرة عدد من المسيحيين في كركوك للقتل وأعمال العنف، انها جرائم غير مبررة تهز الضمائر، وتستوجب من الأسرة العربية والدولية إدانتها والعمل على وضع حد لها، والتعويض المادي والمعنوي لضحاياها، وإلا فقدت المؤسسات الإقليمية والدولية مبرر وجودها.
2- ان الإعتداء السافر على المسيحيين بالشكل المتمادي، والذي ندينه بأقصى الشدة، هو جريمة ضد حقوق الإنسان، فالمسيحيون مواطنون مخلصون لبلدهم، وتمنحهم مواطنيتهم كامل حقوق المواطنة وتضع على عاتقهم كل واجباتها. لكن حقوقهم مسلوبة عندما يعتدى عليهم، ويحرمون من الحماية لهم ولعائلاتهم وممتلكاتهم ومن التعويض عليهم، ومن العيش الكريم بهناء وطمأنينة. أما الواجبات فإنهم يؤدونها بكل مسؤولية، ويخلصون لوطنهم في كل شيء، وهم فيه وفي كل المنطقة العربية عامل سلام واستقرار.
3- يبدو ان هذه الإعتداءات على المسيحيين، أشخاصا وعائلات ودور عبادة وأملاكا، تستهدف الحضور المسيحي في الشرق. وهذا مسعى لنسف جذور الثقافة العربية والنهضة والعيش المشترك وتاريخ المشرق العربي. فالمسيحيون ليسوا أقلية مضافة في بلدان العالم العربي، بل هم أهلها الأصليون، والثقافة المسيحية تشكل عنصرا أساسيا من ثقافة هذه البلدان منذ عهد السيد المسيح والرسل الأثني عشر والجماعات المسيحية الأولى. كم من أعلام مسيحيين كبار في الشعر والأدب والخطابة أعلوا شأن الثقافة العربية في بلدانهم، وشكلوا عصرها الذهبي؟ أو ليس المسيحيون العرب هم رواد النهضة العربية الحديثة بفضل مساهماتهم في حقول الصحافة والفكر السياسي والإعلام والهندسة والفن والتجارة والإقتصاد والطب والتأليف ووضع المعاجم، ومن تعزيز حرية الشخص البشري وحقوق الإنسان، وحرية المعتقد والتعبير والرأي، والتنوع في الوحدة.
4 - ان المسيحيين الواعين دورهم ورسالتهم في العالم العربي، لن يتخلوا عن تعاليم السيد المسيح القائم على الغفران والمحبة والتسامح، والقيم الإنجيلية، ولن يخافوا الشهادة حتى الإستشهاد في سبيل الخير العام، وسيواصلون مساهمتهم السخية والمخلصة في بناء أوطانهم وإنماء الشخص البشري والمجتمع، وتعزيز السلام العادل والإستقرار والإنفتاح على الآخر باحترام وتعاون وتضامن. نأمل أن يعي شركاؤهم في الوطن هذا الدور الذي لا يطمح إلا الى ما ينمي ويجمع ويبني.
5 - أما النداء فموجه الى المواطنين العراقيين عامة والمسيحيين خاصة ليحافظوا على وطنهم بوحدتهم وتماسكهم وتشبثهم بأرضهم، والى المسؤولين في البلاد لتحمل مسؤولياتهم في إحلال الأمن والسلام للجميع، والى جامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن لاتخاذ المبادرات المسؤولة وحماية المواطنين العراقيين والتعويض على ضحايا العنف في خساراتهم على مستوى الأشخاص والأملاك والمعنويات".
مشروعیت حکومت از کجاست؟، پاسخ محسن آرمین به مدعیات شیخ محمد یزدی
مشروعیت حکومت از کجاست؟، پاسخ محسن آرمین به مدعیات شیخ محمد یزدی
متن کامل پاسخ محسن آرمین به سخنان شیخ محمد یزدی که در روزنامه اعتمادملی یکشنبه چهارم مرداد منتشر شده است:
جناب آقاي شيخ محمد يزدی
سلام عليكم
مصاحبه شما عليه اظهارات آيتاللههاشمي رفسنجاني در نماز جمعه گذشته تهران در رسانهها بازتاب گستردهاي داشت. نفس اينکه فقيهي با فقيه ديگر درباره مسائل سياسي و اجتماعي و فقهي و کلامي اختلاف نظر داشته باشد و اين اختلاف به داوري خرد جمعي در عرصه عمومي گذاشته شود بسيار مبارک و مغتنم است. شما با انتقاد و حمله علني در سطح رسانهها به آقايهاشمي رفسنجاني آگاهانه يا ناآگاهانه پذيرفتهايد که خرد جمعي مطالب يک حرکت سياسي و تبليغاتي محض باشد. در واقع شما خواستهايد به افکار عمومي ثابت کنيد که سخنان آقايهاشمي مبناي ديني و فقهي استواري ندارد. معناي اين سخن آن است که به افکار عمومي احترام ميگذاريد و مردم را داراي صلاحيت در فهم و تشخيص اين امور دانستهايد و معتقد نيستيد غير روحانيان عوام هستند و قدرت تشخيص ندارند. اين البته جاي بسيار خوشحالي دارد. لازمه چنين رويکردي آن است که حق اظهار نظر را براي جامعه به رسميت ميشناسيد. اکنون صلاحيت داوري و تشخيص در اين امور را دارد وگرنه بعيد ميدانم انگيزه شما به عنوان يک فقيه از طرح اين بنده ميخواهم از اين حق استفاده کرده درباره اظهارات شما نکاتي را معروض بدارم. اعتراف ميکنم درباره ضرورت نوشتن اين نقد يا پاسخ يا هرچه که اسمش بگذاريد خيلي فکر کردم نهايتا به اين نتيجه رسيدم که اگر فايده اين نوشته تنها آن باشد که به درک بهتر شما از سطح انتظارات و توقعات جامعه از يک فقيه و عالم ديني بينجامد و در نتيجه شما و دوستانتان را به اين صرافت بيندازد تا در اظهارات آينده دقت و احتياط بيشتري بفرمايند، در ارتقاي سطح طرح مباحث فکري و ديني سهم ناچيزي هم نصيب اين حقير شده است.
1 از همان آغاز سخن، درباره اظهارات آقايهاشمي راجع به مبناي مشروعيت در حکومت اسلامي فرمودهايد: «ميخواهم بگويم حتما ايشان اشتباه کرده و اشتباه ميکند. به آنچه مورد اتفاق فقهاي اسلامي و شيعه اثني عشري است توجه نشده است. و آن مساله حق حاکميت در نظام جمهوري اسلامي ايران است که ناشي از مردم و خداوند متعال است... مشروعيت حاکميت در اسلام از طرف خداوند است و مقبوليت حاکميت با همراهي مردم است»
فرض بر اين است که حضرتعالي سخنان آقايهاشمي را مطابق شرع و دين نديده و شرعا احساس مسووليت کردهايد به ايشان پاسخ بدهيد. اما ظاهرا اين احساس مسووليت موجب نشده است که سنجيده و دقيق سخن بگوييد. ظاهرا عبارت «حق حاکميت در نظام جمهوري اسلامي ايران ناشي از مردم و خداوند متعال است» را بايد حمل بر اشتباه خبر نگار در انعکاس نظر شما کرد، زيرا ساير اظهارات حضرتعالي در همين مصاحبه ثابت ميکند حضرتعالي مشروعيت نظام اسلامي را تنها از ناحيه آسمان ميدانيد و براي مردم حداکثر نقش مقبوليت قائل هستيد. اما اين برداشت همدلانه مشکل تناقضات و اشتباهات فاحش شما را در همين عبارت کوتاه حل نميکند. فرمودهايد فقهاي اسلامي و شيعه اثني عشري درباره حق حاکميت در نظام جمهوري اسلامي ايران اتفاق نظر دارند.
اولا در دنياي اسلام چند فقيه درباره حق حاکميت در نظام جمهوري اسلامي اظهار نظر کردهاند که شما مدعي اتفاق نظر فقهاي اسلامي و شيعي شدهايد؟
ثانيا اگر منظور شما ازنظام جمهوري اسلامي ايران، مطلق حکومت ديني است، با کدام دليل و سند و مدرک مدعي هستيد تمام فقهاي اسلامي مبناي مشروعيت حکومت اسلامي را خداوند ميدانند ميان مقبوليت و مشروعيت تفکيک قائل شدهاند؟ جناب آقاي يزدي مگر ميتوان در مباحث علمي اين گونه بيضابطه و بيحساب و کتاب سخن گفت؟ حداقل اين است که فقهاي اهل سنت درباره مشروعيت حکومت ديني نظريات مختلفي دارند که از تاييد و تصويب اهل حل و عقد تا بيعت و شوري تا نظريه تغلب را شامل ميشود. حداقل اينکه در اهل سنت به رغم اعتقاد به شورا و بيعت و تصميم اهل حل و عقد و حکومت بالغلبه، دو شاخه کاملا متمايز از هم وجود داشته است، در يک سو اشاعره بودهاند که انتخاب خليفه را يک واجب شرعي ميدانسته ند و در سويي ديگر معتزله بودهاند که به مقوله حکومت به عنوان يک ضرورت عقلي مينگريستهاند.
به فقهاي شيعي نيز نسبتي خطا دادهايد. در ميان قدما اکثر فقهاي شيعي اساسا به حکومت اسلامي در زمان غيبت و يا به عبارت بهتر به حکومت غير معصوم معتقد نبودهاند تا نوبت به بحث از توافق يا عدم توافق ايشان درباره مبناي مشروعيت حکومت اسلامي در زمان غيبت برسد. در ميان معاصران نيز فقيهاني نظير مرحوم شيخ مهدي شمسالدين که قطعا مراتب فقاهت و فضلشان کمتر از حضرتعالي نبوده است، با طرح نظريه «ولايه الامه علينفسها» مبناي مشروعيت حکومت اسلامي را رضايت و اراده امت مسلمان دانستهاند، عالمان بزرگ شيعي معاصر مانند شيخ انصاري، آخوند خراساني، آيتالله سيد محسن حکيم، آيتالله سيد احمد خوانساري، و آيتالله سيد ابوالقاسم خويي اساسا در امر حکومت به نيابت فقيهان از معصوم و در نتيجه ارتباط بند مشروعيت به آسمان معتقد نبودهاند. در ايران امروز ما فقيهان نامداري مانند آيتالله منتظري ميان مشروعيت و مقبوليت قائل به تفکيک نيستند. در مورد امام خميني نيز بسياري با استناد به آخرين نظر ايشان در اين باب در پاسخ به نامه مرحوم آقاي مشکيني مبني بر اينکه «هر فقيهي را که خبرگان و نمايندگان ملت او را تعيين کند قهرا ولي فقيه است» معتقدند امام خميني رضايت مردم را دخيل در مشروعيت ميدانسته است.
به عنوان يک نمونه ديگر و در عين حال بسيار روشن در اين زمينه شما را به نظر مرحوم علامه طباطبايي در تفسير شريف الميزان ارجاع ميدهم. ايشان به صراحت ميفرمايند:
«و لكن على اي حال امر الحكومه الاسلاميه بعد النبي (ص) و بعد غيبه الامام كما في زماننا الحاضر الى المسلمين من غير اشكال، و الذي يمكن أن يستفاد من الكتاب في ذلك ان عليهم تعيين الحاكم في المجتمع على سيره رسولالله (ص) و هي سنه الامامه دون الملوكيه و الامبراطوريه و السير فيهم بحفاظه الاحكام من غير تغيير، و التولي بالشور في غير الأحكام من حوادث الوقت و المحل كما تقدم و الدليل على ذلك كله جميع ما تقدم من الآيات في ولايه النبي ص مضافه إلى قوله تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَه حَسَنَه: «الاحزاب: 21». (الميزان في تفسير القرآن، ج4، ص:124- 125)
(... اما به هر حال امر حکومت اسلامي بعد از پيغمبر(ص) و بعد از غيبت امام همچون دوران کنوني ما بدون هيچ گونه شبه و اشکالي به مسلمانان واگذار شده است. آن چه که ميتوان دراين زمينه از کتاب خدا فهميد اين است که بر مسلمانان واجب است که در جامعه خود حاکمي را بر سيرت رسول خدا يعني سنت امامت و نه پادشاهي و امپرطوري تعيين کنند تا در ميان ايشان احکام الهي را بدون تغيير اجرا کند و در غير احکام نظير حوادث و مسائل زماني و نکاني همچنان که گفتيم براساس شورا عمل کند. دليل بر همه اين موارد علاوه بر آيات مربوط به ولايت پيغمبر(ص) اين فرموده خداوند متعال است که ميفرمايد: «در رسول خداوند براي شما الگو و اسوهاي نيکوو است»)
اجازه بدهيد درباره نظر علامه درباره ولايت فقيه در همين آدرس فوق سخني نگوييم، زيرا نظر مرحوم علامه بيپايگي ادعاي شما را مبني بر «اتفاق فقهاي اسلامي و شيعي» بيش از پيش روشن خواهد ساخت. چنان که ملاحظه ميفرماييد علامه مانند هر فقيه مسلمان معتقد به حکومت ديني، به التزام چنين حکومتي به اجراي احکام ديني باور دارد، اما مبناي مشروعيت حاکمان را در زمان غيبت آسمان نميداند و به نصب حاکم ديني از سوي خداوند و کشف آن از سوي فقيهان معتقد نيست. (در اين باره در همين نوشتار بيشتر سخن خواهيم گفت)
حال آقاي يزدي با توجه به آراء فوق، ممکن است بفرماييد ادعاي اجماع حضرتعالي مستند به کدام سند است؟ و چگونه اين چنين قاطعانه صحت مدعاي خود و خطاي سخن آقايهاشمي رفسنجاني را که مراتب فهم و بصيرت دينيشان از شما بيشتر است «مسلم» ميدانيد؟
2 شما در نقد مفصل خود به سخنان آقايهاشمي رفسنجاني، براي اثبات الهي بودن مبناي مشروعيت حکومت ديني تنها در دو جا به قرآن و سيره معصوم استناد فرمودهايد که متاسفانه در هر دو مورد استناد حضرتعالي فاقد دقتانديشيهاي عالمانه است و از حد عباراتي خطابي فراتر نميروند و در واقع مصادره به مطلوب هستند.
بنده قصد آن را ندارم که دامنه بحث مبناي مشروعيت حکومت اسلامي را تا حکومت معصوم تعميم دهم. زيرا حداقل اينکه مساله مبتلا به ما امروز مشروعيت حکومت غير معصوم است. اما چون شما چنين تعميمي را دادهايد، درباره استناد شما به آيات قرآن و سيره نبوي نکاتي را عرض ميکنم:
فرمودهايد: «به حکم آيات شريفه معين از جمله هشت آيه قرآن که از کلمه اطيعوالله و اطيعواالرسول نام برده شده است تماما مويد اين مطلب است که براي پيغمبر اکرم (ص) در کنار وظايف پيامبري کارهاي نظارتي و کارهايي که توسط حاکم جامعه انجام ميشود در نظر گرفته شده بود»
در پاسخ به اين سخن ميتوان گفت:
اولا استناد شما به آيات مذکور که پذيراي تفاسير مختلفي هستند از حد يک استشهاد به قرآن فراتر نميرود و شما استدلالي در اثبات مدعاي خود مطرح نفرمودهايد.
ثانيا بسياري از مفسران حکم «اطيعواالرسول» را ناظر به اطاعت از رسول در هدايتهاي وحي ميدانند، ثالثا حتي اگر استدلال شما را به آيات مذکور در آسماني بودن مبناي مشروعيت حکومت معصوم، استدلالي تمام بدانيم، مدعاي شما اعم از نتيجه منطقي چنين استدلالي است. نتيجه استدلال شما به اصطلاح منطقي بايد اخص از مقدمات باشد. به ديگر سخن نميتوان از مقدمات مويد مبناي مشروعيت آسماني حکومت معصوم، مشروعيت آسماني حکومت غير معصوم را نتيجه گرفت. بنابراين اگر تمام بودن استدلال شما به آيات مذکور را بپذيريم حداکثر مانند علامه طباطبايي ميتوانيم در اين زمينه به تفصيل قائل شده و مشروعيت آسماني را مخصوص حکومت معصوم دانسته و در حکومت غير معصوم به مبناي مشروعيت مردمي معتقد شويم.
حضرتعالي مصادره اموال در جنگها (که ظاهرا منظورتان انفال و غنايم جنگي است) و خراب کردن مسجد منافقين از سوي پيغمبر را به عنوان دليلي بر مبناي مشروعيت آسماني حکومت ديني دانستهايد. اين استدلال به لحاظ منطقي وضعيتي اسفناکتر از استدلال پيشين دارد، زيرا اگر مشکل منطقي استدلال پيشين، اعم بودن نتيجه از مقدمات بود، مشکل اين استدلال بيربط بودن نتيجه از مقدمات استدلال است. خوب است ميفرموديد چگونه از فرامين حکومتي پيغمبر اکرم(ص) که در هر حکومتي نظير آنها مشاهده ميشود،
آسماني بودن مشروعيت حکومت آن حضرت را نتيجه گرفتهايد؟ به نظر شما گرفتن غنيمت جنگي يا تخريب کانون جاسوسي و ستون پنجم دشمن بر مشروعيت الهي يک حکومت دلالت دارد؟
دراستنادي ديگر به سيره معصوم فرمودهايد: «شک نداريم علي (ع) خليفه پيغمبر بود اما زماني که پيغمبر رحلت نمودند مردم با ايشان همراهي نکردند، آيا اين مساله به اين معنا بود که حضرت علي(ع) خليفه نبود؟ اين گونه نيست، حضرت علي کنار نرفتند و در حد توان حتي مردم را ارشاد و راهنمايي کردند؛ يعني اميرالمومنين در 25 سال خليفه مسلمين بودند... مشروعيت داشتند اما مقبوليت نبود بعد از مرگ عثمان ميبينيم که مردم همراهي کردند و علي (ع) خليفه شد.»
خواننده با مطالعه همين چند جمله با تناقضي آشکار مواجه ميشود و بالاخره نميفهمد مقصود شما چيست. آياحضرت علي بعد از عثمان و با اقبال مردم خليفه شدند يا قبل از آن خليفه بودند؟ شما براي اثبات سخن خود حتي مسلمات تاريخي را ناديده ميگيريد. حضرت علي(ع) برخلاف نظر شما به رغم ذي حق دانستن خويش درخلافت، عمر و ابو بکر را خليفه مسلمين ميدانسته و به آنان مشورت ميدادهاند. (تاريخالطبري/ ترجمه، 5: 1930؛ تاريخ ابنخلدون،2: 556؛ الكامل، 3: 8؛ المنتظم،4: 267) اين تناقض گوييهاي عجيب ناشي از آن است که شما ميان امامت و خلافت خلط فرمودهايد. خلافت مقامي سياسي است که حضرت علي بعد از عثمان و در پي رجوع و اصرار مردم پذيرفتند اما مقام امامت به عقيده ما شيعيان مقامي آسماني است و از ناحيه خداوند براي آن حضرت ثابت است. اما صرفنظر از اين مسائل بديهي که از ديد حضرتعالي مغفول مانده است ارشاد و راهنمايي مردم از سوي حضرت علي چه ربطي به خلافت ايشان دارد؟ و چه ربطي به مبناي مشروعيت حکومت حضرت علي دارد؟ مگر فقط خليفه ميتواند ارشاد و راهنمايي کند که شما براي اثبات خلافت حضرت علي در دوران حيات ابوبکر و عمر به آن استناد ميفرماييد؟
افاضه فرمودهايد: «مساله نصب الهي مطرح است و اينکه ولي فقيه در زمان غيبت ولي امر از جانب امام زمان است... فتواي بيشتر فقها اين است که او بايد اعلام حضور کند و مردم بايد با او همراهي کنند.» اينکه تخفيف داده و اتفاق علماي اسلام و شيعه را به «اکثر فقهاي شيعه» تقليل دادهايد جاي تشکر دارد، اما اين ادعا هم چنان که گفتيم صحيح نيست. سابقه اين نظريه با تسامح و اغماض فراوان از مرحوم محقق کرکي يعني حدود سه چهار قرن قبل فراتر نميرود. جناب آقاي يزدي خوب است بفرماييد اگر ولايت فقيه به عنوان حکومت و نه امور حسبيه نظير رسيدگي به ايتام که ديگران در آن ذيحق نيستند، مقام انتخابي نيست تا با راي مردم محقق شود و نصب از ناحيه معصوم است، ما و شما از کجا وبه چه طريقي ميفهميم فلان فقيه منصوب امام زمان است. طريق اين کشف چگونه است؟ آيا صرفا ادعاي يک فقيه کفايت ميکند؟ آيا از طريق فقيهان اين نصب مکشوف ميشود؟ اگر چنين است آيا ملاک تشخيص نصب، اجماع فقيهان در کشف است يا اکثريت فقها؟ اگر اجماع فقيهان حاکي از نصب مقام ولايت براي يک فقيه است، در صورتي که اين اجماع حاصل نشد چه بايد کرد؟ و اگر روزي اين اجماع شکسته شد چه بايد کرد/ آيا بايد منتظر امام زمان بود تا خود ظهور فرمايند؟ و اگر ملاک تشخيص، راي اکثريت فقيهان است، براساس کدام سند ديني نظر اکثريت فقيهان معتبر است؟ مگر نظر خدا را با راي اکثريت و اقليت ميتوان تغيير داد؟ و اگر مبناي اکثريت يک مبناي عقلي و پذيرش آن از باب پذيرش سيره عقلاست چرا اين ملاک را از همان آغاز نميپذيريد تا به چنين وضعيت تناقض آلودي دچار نشويد؟ فرمودهايد: «هنوز شاه حکومت ميکرد که امام به اتکاي ولايت فقيه دستورات حکومتي صادر ميکردند که عدم اجازه از شوهر و پدر در مورد به خيابان آمدن زنان و دختران يکي از اين دستورات حکومتي بوده است» صرفنظر از اينکه بيرون آمدن زنان و دختران بدون اجازه شوهران و پدران يک حکم حکومتي است يا فتوايي از باب حکم ثانوي بوده و يا فتوايي از باب حکم اولي، چگونه شما از آن مشروعيت آسماني حکومت امام را نتيجه گرفتهايد؟ اين استدلال شما چيزي جز مصادره به مطلوب نيست. اينکه امام در ايام انقلاب به استناد مشروعيت الهي و يا به استناد پيروي و رضايت ملت فرمان ميدادند و سپس دولت منصوب شاه را غير قانوني اعلام کردند خود موضوع بحث ماست.
جناب آقاي يزدي بگذاريد صريحتر صحبت کنيم. از شما ميپرسم ثمره عملي انتخابي بودن ولي فقيه از سوي ملت و انتصابي بودن وي از سوي آسمان در کجاست؟ ما در اين جا با دو مرجع روبهرو هستيم. يکي اراده آسمان است يکي خواست زمينيان يعني مردم. اگر نصب ولي وفقيه را از سوي آسمان بدانيم بايد راهي براي پي بردن به اراده آسمان وجود داشته باشد. بيشک خداوند يا معصوم خود را بر ما مکشوف و ظاهر نميکنند، بنابراين بايد واسطهاي در کار باشد. اگر اين واسطه مردم باشند يعني اگر به مصداق يدالله مع الجماعه و دست خدا از آستين مردم بيرون ميآيد، اراده و انتخاب مردم را کاشف از اراده خدا بدانيم اختلافي وجود نخواهد داشت. شما که مرجع کاشف از اراده خدا را مردم نميدانيد، پس لابد به مرجع ديگري معتقديد. اين مرجع يا بايد زور و غلبه باشد که در اين صورت حکومت ديني عين استبداد فردي است و يا بايد فرد يا افراد خاصي باشند که در اين صورت حکومت ديني عين اليگارشي و روحاني سالاري است. اگر چنين است شما بايد بفرماييد اين مرجع اعتبار و مشروعيت خود را از کدام دليل شرعي و عقلي کسب کرده است.
واقعا آيا اين همه تقلا و تکاپو براي قطع کردن رشته حکومت از زمين و وصل کردن آن به آسمان براي آن نيست که براي خلقالله بيچاره رابطي با آسمان دست و پا شود تا نظر او نظر آسمان تلقي گردد و همه از او به نيت اطاعت از آسمان تبعيت کنند؟ آقاي يزدي از سيد جمال اسدآبادي به اين سو تا آخوندخراساني و تا ميرزاي ناييني تا امام خميني تمام بزرگان ديني ما تصريح کردهاند که اسلام واسطه اي ميان خدا و مخلوق به رسميت نميشناسد و توحيد هيچ نسبتي با استبداد ندارد و امروز شما تلاش ميکنيد در اسلام هم رابطهاي ميان خدا خلق خدا بتراشيد[...].
اکنون به همان نقطهاي رسيديم که بايد صريح سخن بگوييم. اينکه ميفرماييد مردم در مشروعيت حکومت اسلامي هيچ نقشي ندارند و تنها اثر آنها اين است که با رضايت و خواست خود براي نظام ديني مقبوليت ايجاد ميکنند و امکان اعمال ولايت را براي فقيه منصوب از طرف خدا فراهم ميآورند، معنا و مفهوم روشن آن اين است که مردم در حکومت اسلامي موضوعيت ندارند، بلکه طريقيت دارند. در نتيجه اگر ولي فقيه منصوب از سوي آسمان از طريق ديگري جز رضايت و مقبوليت مردم مثلا زور و سرنيزه بسط يد و امکان اعمال ولايت يافت، حکومتش مشروع و اسلامي است. اين جوهر و کنه نظر حضرتعالي است. و تمام ناراحتي شما از آقايهاشمي رفسنجاني اين است که با نقل آن روايت کوشيدند ثابت کنند حتي معصوم بدون رضايت مردم نميتواند و نبايد حکومت کند اما شما ميخواهيد براي غير معصوم بدون رضايت مردم اثبات حکومت کنيد.
جناب آقاي يزدي در اين باب هنوز سخن بسيار است اما بيان آن را به پس از پاسخ شما به اين نقد وامي گذارم. و در ادامه به بخش سياسي اظهارات شما ميپردازم.
در مصاحبه خود در چند مورد سوال فرمودهايد «چه کسي براي اولين بار اين بذر (تفرقه و اختلاف) را در جامعه گسترش داد» در اظهاري صريحتر فرمودهايد: «چه کسي نامه نوشت و گفت «آتش فتنه را دور سازيد» هنوز که انتخابات آزاد نشده بود. آيا اين نامه بذر ترديد نبود؟» باز فرمودهايد: «چه کسي به مقام معظم رهبري نامه نوشت و در آن نامه اشاره کرده بود که در خيابآنها آتش فتنه برپا شد و چنين و چنان خواهد شد؟ آيا اين بذر ترديد نبود که در زمينه انتخابات افشانده شد؟ آيا خودهاشمي رفسنجاني بذر ترديد را نيفشانده است؟»...
در واقع شما ميخواهيد بفرماييد انذار آقايهاشمي رفسنجاني با هشدارهايي که نسبت به ادامه رويه و روندهاي جاري داد، خود بذر ترديد و تفرقه پاشيد. و يا کمي بدبينانهتر آنگونه که يالثارات و کيهان ميگويند خود آقايهاشمي رفسنجاني در پس از فتنهها حضور دارد. شواهد و قرائن در اظهارات شما نشان ميدهد حضرتعالي نيز با اين تحليل همدليد آنجا که فرمودهايد: «بايد با آنهايي که بذر ترديد را در جامعه افشانده و کساني که اين بذر را آبياري کردند که اين بذر سر از زمين در آورده و به خيابانها ريخته و به جان و مال مردم تجاوز کرده و دو هفته امنيت کشور را زير سوال برده برخورد قانوني شود»
جناب آقاي يزدي تاريخ بشري سراسر، صحنه ظهور پيامبران و اوليا و مصلحاني است که جوامع خود را از فرجام راه نادرستي که در پيش گرفتهاند، بيم و انذار دادهاند. چرا فکر ميکنيد اگر کسي قدرت، چشم عقلش را کور نکرده و فرجام نامبارک روشي را که شما و همفکرانتان براي اداره جامعه در پيش گرفتهايد به ديده بصيرت ميبيند و انذار ميدهد، بايد توطئهگر باشد؟ اين قضاوت شما البته شگرد دائمي برخي روزنامهها است که دلسوزان فهيم و علاقهمندان به اين ملک و ملت را صرفا به اين دليل که عاقبت رسم خودکامگي و لجاجت در برابر خواست ملت را پيشبيني ميکنند، به عامل بيگانه و مأمور سرويسهاي جاسوسي مينامد. جناب يزدي شما عالم دين هستيد شايسته نيست شان خود را در حد صاحبان اين تحليلهاي بازاري تنزل دهيد. حتما به ياد داريد که امام خميني از آغاز خواستار سرنگوني رژيم شاه نبود و در اوائل کار به شاه درباره آينده راه و رويکردي که در اداره کشور برگزيده است هشدار ميداد. واکنش شاه را نيز حتما به خاطر داريد که امام را به خاطر همين هشدارها و انذارها ارتجاع سياه و وابسته به بيگانه و انگليسي ميخواند. زماني نيز اعمال و روشهاي شاه موجب تشديد نارضايتي ملت و فتنه و اغتشاش ميشد، بلندگوهاي رژيم شاه، آن را به عوامل بيگانه که از آن طرف مرز آمدهاند نسبت ميداد، تا آنجا که در اواخر کار نوکران خود را فرمان داد تا مقاله بنويسند و در ايراني بودن نسب امام هم ترديد کنند. اين منطق البته مخصوص شاه نيست.
متن کامل پاسخ محسن آرمین به سخنان شیخ محمد یزدی که در روزنامه اعتمادملی یکشنبه چهارم مرداد منتشر شده است:
جناب آقاي شيخ محمد يزدی
سلام عليكم
مصاحبه شما عليه اظهارات آيتاللههاشمي رفسنجاني در نماز جمعه گذشته تهران در رسانهها بازتاب گستردهاي داشت. نفس اينکه فقيهي با فقيه ديگر درباره مسائل سياسي و اجتماعي و فقهي و کلامي اختلاف نظر داشته باشد و اين اختلاف به داوري خرد جمعي در عرصه عمومي گذاشته شود بسيار مبارک و مغتنم است. شما با انتقاد و حمله علني در سطح رسانهها به آقايهاشمي رفسنجاني آگاهانه يا ناآگاهانه پذيرفتهايد که خرد جمعي مطالب يک حرکت سياسي و تبليغاتي محض باشد. در واقع شما خواستهايد به افکار عمومي ثابت کنيد که سخنان آقايهاشمي مبناي ديني و فقهي استواري ندارد. معناي اين سخن آن است که به افکار عمومي احترام ميگذاريد و مردم را داراي صلاحيت در فهم و تشخيص اين امور دانستهايد و معتقد نيستيد غير روحانيان عوام هستند و قدرت تشخيص ندارند. اين البته جاي بسيار خوشحالي دارد. لازمه چنين رويکردي آن است که حق اظهار نظر را براي جامعه به رسميت ميشناسيد. اکنون صلاحيت داوري و تشخيص در اين امور را دارد وگرنه بعيد ميدانم انگيزه شما به عنوان يک فقيه از طرح اين بنده ميخواهم از اين حق استفاده کرده درباره اظهارات شما نکاتي را معروض بدارم. اعتراف ميکنم درباره ضرورت نوشتن اين نقد يا پاسخ يا هرچه که اسمش بگذاريد خيلي فکر کردم نهايتا به اين نتيجه رسيدم که اگر فايده اين نوشته تنها آن باشد که به درک بهتر شما از سطح انتظارات و توقعات جامعه از يک فقيه و عالم ديني بينجامد و در نتيجه شما و دوستانتان را به اين صرافت بيندازد تا در اظهارات آينده دقت و احتياط بيشتري بفرمايند، در ارتقاي سطح طرح مباحث فکري و ديني سهم ناچيزي هم نصيب اين حقير شده است.
1 از همان آغاز سخن، درباره اظهارات آقايهاشمي راجع به مبناي مشروعيت در حکومت اسلامي فرمودهايد: «ميخواهم بگويم حتما ايشان اشتباه کرده و اشتباه ميکند. به آنچه مورد اتفاق فقهاي اسلامي و شيعه اثني عشري است توجه نشده است. و آن مساله حق حاکميت در نظام جمهوري اسلامي ايران است که ناشي از مردم و خداوند متعال است... مشروعيت حاکميت در اسلام از طرف خداوند است و مقبوليت حاکميت با همراهي مردم است»
فرض بر اين است که حضرتعالي سخنان آقايهاشمي را مطابق شرع و دين نديده و شرعا احساس مسووليت کردهايد به ايشان پاسخ بدهيد. اما ظاهرا اين احساس مسووليت موجب نشده است که سنجيده و دقيق سخن بگوييد. ظاهرا عبارت «حق حاکميت در نظام جمهوري اسلامي ايران ناشي از مردم و خداوند متعال است» را بايد حمل بر اشتباه خبر نگار در انعکاس نظر شما کرد، زيرا ساير اظهارات حضرتعالي در همين مصاحبه ثابت ميکند حضرتعالي مشروعيت نظام اسلامي را تنها از ناحيه آسمان ميدانيد و براي مردم حداکثر نقش مقبوليت قائل هستيد. اما اين برداشت همدلانه مشکل تناقضات و اشتباهات فاحش شما را در همين عبارت کوتاه حل نميکند. فرمودهايد فقهاي اسلامي و شيعه اثني عشري درباره حق حاکميت در نظام جمهوري اسلامي ايران اتفاق نظر دارند.
اولا در دنياي اسلام چند فقيه درباره حق حاکميت در نظام جمهوري اسلامي اظهار نظر کردهاند که شما مدعي اتفاق نظر فقهاي اسلامي و شيعي شدهايد؟
ثانيا اگر منظور شما ازنظام جمهوري اسلامي ايران، مطلق حکومت ديني است، با کدام دليل و سند و مدرک مدعي هستيد تمام فقهاي اسلامي مبناي مشروعيت حکومت اسلامي را خداوند ميدانند ميان مقبوليت و مشروعيت تفکيک قائل شدهاند؟ جناب آقاي يزدي مگر ميتوان در مباحث علمي اين گونه بيضابطه و بيحساب و کتاب سخن گفت؟ حداقل اين است که فقهاي اهل سنت درباره مشروعيت حکومت ديني نظريات مختلفي دارند که از تاييد و تصويب اهل حل و عقد تا بيعت و شوري تا نظريه تغلب را شامل ميشود. حداقل اينکه در اهل سنت به رغم اعتقاد به شورا و بيعت و تصميم اهل حل و عقد و حکومت بالغلبه، دو شاخه کاملا متمايز از هم وجود داشته است، در يک سو اشاعره بودهاند که انتخاب خليفه را يک واجب شرعي ميدانسته ند و در سويي ديگر معتزله بودهاند که به مقوله حکومت به عنوان يک ضرورت عقلي مينگريستهاند.
به فقهاي شيعي نيز نسبتي خطا دادهايد. در ميان قدما اکثر فقهاي شيعي اساسا به حکومت اسلامي در زمان غيبت و يا به عبارت بهتر به حکومت غير معصوم معتقد نبودهاند تا نوبت به بحث از توافق يا عدم توافق ايشان درباره مبناي مشروعيت حکومت اسلامي در زمان غيبت برسد. در ميان معاصران نيز فقيهاني نظير مرحوم شيخ مهدي شمسالدين که قطعا مراتب فقاهت و فضلشان کمتر از حضرتعالي نبوده است، با طرح نظريه «ولايه الامه علينفسها» مبناي مشروعيت حکومت اسلامي را رضايت و اراده امت مسلمان دانستهاند، عالمان بزرگ شيعي معاصر مانند شيخ انصاري، آخوند خراساني، آيتالله سيد محسن حکيم، آيتالله سيد احمد خوانساري، و آيتالله سيد ابوالقاسم خويي اساسا در امر حکومت به نيابت فقيهان از معصوم و در نتيجه ارتباط بند مشروعيت به آسمان معتقد نبودهاند. در ايران امروز ما فقيهان نامداري مانند آيتالله منتظري ميان مشروعيت و مقبوليت قائل به تفکيک نيستند. در مورد امام خميني نيز بسياري با استناد به آخرين نظر ايشان در اين باب در پاسخ به نامه مرحوم آقاي مشکيني مبني بر اينکه «هر فقيهي را که خبرگان و نمايندگان ملت او را تعيين کند قهرا ولي فقيه است» معتقدند امام خميني رضايت مردم را دخيل در مشروعيت ميدانسته است.
به عنوان يک نمونه ديگر و در عين حال بسيار روشن در اين زمينه شما را به نظر مرحوم علامه طباطبايي در تفسير شريف الميزان ارجاع ميدهم. ايشان به صراحت ميفرمايند:
«و لكن على اي حال امر الحكومه الاسلاميه بعد النبي (ص) و بعد غيبه الامام كما في زماننا الحاضر الى المسلمين من غير اشكال، و الذي يمكن أن يستفاد من الكتاب في ذلك ان عليهم تعيين الحاكم في المجتمع على سيره رسولالله (ص) و هي سنه الامامه دون الملوكيه و الامبراطوريه و السير فيهم بحفاظه الاحكام من غير تغيير، و التولي بالشور في غير الأحكام من حوادث الوقت و المحل كما تقدم و الدليل على ذلك كله جميع ما تقدم من الآيات في ولايه النبي ص مضافه إلى قوله تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَه حَسَنَه: «الاحزاب: 21». (الميزان في تفسير القرآن، ج4، ص:124- 125)
(... اما به هر حال امر حکومت اسلامي بعد از پيغمبر(ص) و بعد از غيبت امام همچون دوران کنوني ما بدون هيچ گونه شبه و اشکالي به مسلمانان واگذار شده است. آن چه که ميتوان دراين زمينه از کتاب خدا فهميد اين است که بر مسلمانان واجب است که در جامعه خود حاکمي را بر سيرت رسول خدا يعني سنت امامت و نه پادشاهي و امپرطوري تعيين کنند تا در ميان ايشان احکام الهي را بدون تغيير اجرا کند و در غير احکام نظير حوادث و مسائل زماني و نکاني همچنان که گفتيم براساس شورا عمل کند. دليل بر همه اين موارد علاوه بر آيات مربوط به ولايت پيغمبر(ص) اين فرموده خداوند متعال است که ميفرمايد: «در رسول خداوند براي شما الگو و اسوهاي نيکوو است»)
اجازه بدهيد درباره نظر علامه درباره ولايت فقيه در همين آدرس فوق سخني نگوييم، زيرا نظر مرحوم علامه بيپايگي ادعاي شما را مبني بر «اتفاق فقهاي اسلامي و شيعي» بيش از پيش روشن خواهد ساخت. چنان که ملاحظه ميفرماييد علامه مانند هر فقيه مسلمان معتقد به حکومت ديني، به التزام چنين حکومتي به اجراي احکام ديني باور دارد، اما مبناي مشروعيت حاکمان را در زمان غيبت آسمان نميداند و به نصب حاکم ديني از سوي خداوند و کشف آن از سوي فقيهان معتقد نيست. (در اين باره در همين نوشتار بيشتر سخن خواهيم گفت)
حال آقاي يزدي با توجه به آراء فوق، ممکن است بفرماييد ادعاي اجماع حضرتعالي مستند به کدام سند است؟ و چگونه اين چنين قاطعانه صحت مدعاي خود و خطاي سخن آقايهاشمي رفسنجاني را که مراتب فهم و بصيرت دينيشان از شما بيشتر است «مسلم» ميدانيد؟
2 شما در نقد مفصل خود به سخنان آقايهاشمي رفسنجاني، براي اثبات الهي بودن مبناي مشروعيت حکومت ديني تنها در دو جا به قرآن و سيره معصوم استناد فرمودهايد که متاسفانه در هر دو مورد استناد حضرتعالي فاقد دقتانديشيهاي عالمانه است و از حد عباراتي خطابي فراتر نميروند و در واقع مصادره به مطلوب هستند.
بنده قصد آن را ندارم که دامنه بحث مبناي مشروعيت حکومت اسلامي را تا حکومت معصوم تعميم دهم. زيرا حداقل اينکه مساله مبتلا به ما امروز مشروعيت حکومت غير معصوم است. اما چون شما چنين تعميمي را دادهايد، درباره استناد شما به آيات قرآن و سيره نبوي نکاتي را عرض ميکنم:
فرمودهايد: «به حکم آيات شريفه معين از جمله هشت آيه قرآن که از کلمه اطيعوالله و اطيعواالرسول نام برده شده است تماما مويد اين مطلب است که براي پيغمبر اکرم (ص) در کنار وظايف پيامبري کارهاي نظارتي و کارهايي که توسط حاکم جامعه انجام ميشود در نظر گرفته شده بود»
در پاسخ به اين سخن ميتوان گفت:
اولا استناد شما به آيات مذکور که پذيراي تفاسير مختلفي هستند از حد يک استشهاد به قرآن فراتر نميرود و شما استدلالي در اثبات مدعاي خود مطرح نفرمودهايد.
ثانيا بسياري از مفسران حکم «اطيعواالرسول» را ناظر به اطاعت از رسول در هدايتهاي وحي ميدانند، ثالثا حتي اگر استدلال شما را به آيات مذکور در آسماني بودن مبناي مشروعيت حکومت معصوم، استدلالي تمام بدانيم، مدعاي شما اعم از نتيجه منطقي چنين استدلالي است. نتيجه استدلال شما به اصطلاح منطقي بايد اخص از مقدمات باشد. به ديگر سخن نميتوان از مقدمات مويد مبناي مشروعيت آسماني حکومت معصوم، مشروعيت آسماني حکومت غير معصوم را نتيجه گرفت. بنابراين اگر تمام بودن استدلال شما به آيات مذکور را بپذيريم حداکثر مانند علامه طباطبايي ميتوانيم در اين زمينه به تفصيل قائل شده و مشروعيت آسماني را مخصوص حکومت معصوم دانسته و در حکومت غير معصوم به مبناي مشروعيت مردمي معتقد شويم.
حضرتعالي مصادره اموال در جنگها (که ظاهرا منظورتان انفال و غنايم جنگي است) و خراب کردن مسجد منافقين از سوي پيغمبر را به عنوان دليلي بر مبناي مشروعيت آسماني حکومت ديني دانستهايد. اين استدلال به لحاظ منطقي وضعيتي اسفناکتر از استدلال پيشين دارد، زيرا اگر مشکل منطقي استدلال پيشين، اعم بودن نتيجه از مقدمات بود، مشکل اين استدلال بيربط بودن نتيجه از مقدمات استدلال است. خوب است ميفرموديد چگونه از فرامين حکومتي پيغمبر اکرم(ص) که در هر حکومتي نظير آنها مشاهده ميشود،
آسماني بودن مشروعيت حکومت آن حضرت را نتيجه گرفتهايد؟ به نظر شما گرفتن غنيمت جنگي يا تخريب کانون جاسوسي و ستون پنجم دشمن بر مشروعيت الهي يک حکومت دلالت دارد؟
دراستنادي ديگر به سيره معصوم فرمودهايد: «شک نداريم علي (ع) خليفه پيغمبر بود اما زماني که پيغمبر رحلت نمودند مردم با ايشان همراهي نکردند، آيا اين مساله به اين معنا بود که حضرت علي(ع) خليفه نبود؟ اين گونه نيست، حضرت علي کنار نرفتند و در حد توان حتي مردم را ارشاد و راهنمايي کردند؛ يعني اميرالمومنين در 25 سال خليفه مسلمين بودند... مشروعيت داشتند اما مقبوليت نبود بعد از مرگ عثمان ميبينيم که مردم همراهي کردند و علي (ع) خليفه شد.»
خواننده با مطالعه همين چند جمله با تناقضي آشکار مواجه ميشود و بالاخره نميفهمد مقصود شما چيست. آياحضرت علي بعد از عثمان و با اقبال مردم خليفه شدند يا قبل از آن خليفه بودند؟ شما براي اثبات سخن خود حتي مسلمات تاريخي را ناديده ميگيريد. حضرت علي(ع) برخلاف نظر شما به رغم ذي حق دانستن خويش درخلافت، عمر و ابو بکر را خليفه مسلمين ميدانسته و به آنان مشورت ميدادهاند. (تاريخالطبري/ ترجمه، 5: 1930؛ تاريخ ابنخلدون،2: 556؛ الكامل، 3: 8؛ المنتظم،4: 267) اين تناقض گوييهاي عجيب ناشي از آن است که شما ميان امامت و خلافت خلط فرمودهايد. خلافت مقامي سياسي است که حضرت علي بعد از عثمان و در پي رجوع و اصرار مردم پذيرفتند اما مقام امامت به عقيده ما شيعيان مقامي آسماني است و از ناحيه خداوند براي آن حضرت ثابت است. اما صرفنظر از اين مسائل بديهي که از ديد حضرتعالي مغفول مانده است ارشاد و راهنمايي مردم از سوي حضرت علي چه ربطي به خلافت ايشان دارد؟ و چه ربطي به مبناي مشروعيت حکومت حضرت علي دارد؟ مگر فقط خليفه ميتواند ارشاد و راهنمايي کند که شما براي اثبات خلافت حضرت علي در دوران حيات ابوبکر و عمر به آن استناد ميفرماييد؟
افاضه فرمودهايد: «مساله نصب الهي مطرح است و اينکه ولي فقيه در زمان غيبت ولي امر از جانب امام زمان است... فتواي بيشتر فقها اين است که او بايد اعلام حضور کند و مردم بايد با او همراهي کنند.» اينکه تخفيف داده و اتفاق علماي اسلام و شيعه را به «اکثر فقهاي شيعه» تقليل دادهايد جاي تشکر دارد، اما اين ادعا هم چنان که گفتيم صحيح نيست. سابقه اين نظريه با تسامح و اغماض فراوان از مرحوم محقق کرکي يعني حدود سه چهار قرن قبل فراتر نميرود. جناب آقاي يزدي خوب است بفرماييد اگر ولايت فقيه به عنوان حکومت و نه امور حسبيه نظير رسيدگي به ايتام که ديگران در آن ذيحق نيستند، مقام انتخابي نيست تا با راي مردم محقق شود و نصب از ناحيه معصوم است، ما و شما از کجا وبه چه طريقي ميفهميم فلان فقيه منصوب امام زمان است. طريق اين کشف چگونه است؟ آيا صرفا ادعاي يک فقيه کفايت ميکند؟ آيا از طريق فقيهان اين نصب مکشوف ميشود؟ اگر چنين است آيا ملاک تشخيص نصب، اجماع فقيهان در کشف است يا اکثريت فقها؟ اگر اجماع فقيهان حاکي از نصب مقام ولايت براي يک فقيه است، در صورتي که اين اجماع حاصل نشد چه بايد کرد؟ و اگر روزي اين اجماع شکسته شد چه بايد کرد/ آيا بايد منتظر امام زمان بود تا خود ظهور فرمايند؟ و اگر ملاک تشخيص، راي اکثريت فقيهان است، براساس کدام سند ديني نظر اکثريت فقيهان معتبر است؟ مگر نظر خدا را با راي اکثريت و اقليت ميتوان تغيير داد؟ و اگر مبناي اکثريت يک مبناي عقلي و پذيرش آن از باب پذيرش سيره عقلاست چرا اين ملاک را از همان آغاز نميپذيريد تا به چنين وضعيت تناقض آلودي دچار نشويد؟ فرمودهايد: «هنوز شاه حکومت ميکرد که امام به اتکاي ولايت فقيه دستورات حکومتي صادر ميکردند که عدم اجازه از شوهر و پدر در مورد به خيابان آمدن زنان و دختران يکي از اين دستورات حکومتي بوده است» صرفنظر از اينکه بيرون آمدن زنان و دختران بدون اجازه شوهران و پدران يک حکم حکومتي است يا فتوايي از باب حکم ثانوي بوده و يا فتوايي از باب حکم اولي، چگونه شما از آن مشروعيت آسماني حکومت امام را نتيجه گرفتهايد؟ اين استدلال شما چيزي جز مصادره به مطلوب نيست. اينکه امام در ايام انقلاب به استناد مشروعيت الهي و يا به استناد پيروي و رضايت ملت فرمان ميدادند و سپس دولت منصوب شاه را غير قانوني اعلام کردند خود موضوع بحث ماست.
جناب آقاي يزدي بگذاريد صريحتر صحبت کنيم. از شما ميپرسم ثمره عملي انتخابي بودن ولي فقيه از سوي ملت و انتصابي بودن وي از سوي آسمان در کجاست؟ ما در اين جا با دو مرجع روبهرو هستيم. يکي اراده آسمان است يکي خواست زمينيان يعني مردم. اگر نصب ولي وفقيه را از سوي آسمان بدانيم بايد راهي براي پي بردن به اراده آسمان وجود داشته باشد. بيشک خداوند يا معصوم خود را بر ما مکشوف و ظاهر نميکنند، بنابراين بايد واسطهاي در کار باشد. اگر اين واسطه مردم باشند يعني اگر به مصداق يدالله مع الجماعه و دست خدا از آستين مردم بيرون ميآيد، اراده و انتخاب مردم را کاشف از اراده خدا بدانيم اختلافي وجود نخواهد داشت. شما که مرجع کاشف از اراده خدا را مردم نميدانيد، پس لابد به مرجع ديگري معتقديد. اين مرجع يا بايد زور و غلبه باشد که در اين صورت حکومت ديني عين استبداد فردي است و يا بايد فرد يا افراد خاصي باشند که در اين صورت حکومت ديني عين اليگارشي و روحاني سالاري است. اگر چنين است شما بايد بفرماييد اين مرجع اعتبار و مشروعيت خود را از کدام دليل شرعي و عقلي کسب کرده است.
واقعا آيا اين همه تقلا و تکاپو براي قطع کردن رشته حکومت از زمين و وصل کردن آن به آسمان براي آن نيست که براي خلقالله بيچاره رابطي با آسمان دست و پا شود تا نظر او نظر آسمان تلقي گردد و همه از او به نيت اطاعت از آسمان تبعيت کنند؟ آقاي يزدي از سيد جمال اسدآبادي به اين سو تا آخوندخراساني و تا ميرزاي ناييني تا امام خميني تمام بزرگان ديني ما تصريح کردهاند که اسلام واسطه اي ميان خدا و مخلوق به رسميت نميشناسد و توحيد هيچ نسبتي با استبداد ندارد و امروز شما تلاش ميکنيد در اسلام هم رابطهاي ميان خدا خلق خدا بتراشيد[...].
اکنون به همان نقطهاي رسيديم که بايد صريح سخن بگوييم. اينکه ميفرماييد مردم در مشروعيت حکومت اسلامي هيچ نقشي ندارند و تنها اثر آنها اين است که با رضايت و خواست خود براي نظام ديني مقبوليت ايجاد ميکنند و امکان اعمال ولايت را براي فقيه منصوب از طرف خدا فراهم ميآورند، معنا و مفهوم روشن آن اين است که مردم در حکومت اسلامي موضوعيت ندارند، بلکه طريقيت دارند. در نتيجه اگر ولي فقيه منصوب از سوي آسمان از طريق ديگري جز رضايت و مقبوليت مردم مثلا زور و سرنيزه بسط يد و امکان اعمال ولايت يافت، حکومتش مشروع و اسلامي است. اين جوهر و کنه نظر حضرتعالي است. و تمام ناراحتي شما از آقايهاشمي رفسنجاني اين است که با نقل آن روايت کوشيدند ثابت کنند حتي معصوم بدون رضايت مردم نميتواند و نبايد حکومت کند اما شما ميخواهيد براي غير معصوم بدون رضايت مردم اثبات حکومت کنيد.
جناب آقاي يزدي در اين باب هنوز سخن بسيار است اما بيان آن را به پس از پاسخ شما به اين نقد وامي گذارم. و در ادامه به بخش سياسي اظهارات شما ميپردازم.
در مصاحبه خود در چند مورد سوال فرمودهايد «چه کسي براي اولين بار اين بذر (تفرقه و اختلاف) را در جامعه گسترش داد» در اظهاري صريحتر فرمودهايد: «چه کسي نامه نوشت و گفت «آتش فتنه را دور سازيد» هنوز که انتخابات آزاد نشده بود. آيا اين نامه بذر ترديد نبود؟» باز فرمودهايد: «چه کسي به مقام معظم رهبري نامه نوشت و در آن نامه اشاره کرده بود که در خيابآنها آتش فتنه برپا شد و چنين و چنان خواهد شد؟ آيا اين بذر ترديد نبود که در زمينه انتخابات افشانده شد؟ آيا خودهاشمي رفسنجاني بذر ترديد را نيفشانده است؟»...
در واقع شما ميخواهيد بفرماييد انذار آقايهاشمي رفسنجاني با هشدارهايي که نسبت به ادامه رويه و روندهاي جاري داد، خود بذر ترديد و تفرقه پاشيد. و يا کمي بدبينانهتر آنگونه که يالثارات و کيهان ميگويند خود آقايهاشمي رفسنجاني در پس از فتنهها حضور دارد. شواهد و قرائن در اظهارات شما نشان ميدهد حضرتعالي نيز با اين تحليل همدليد آنجا که فرمودهايد: «بايد با آنهايي که بذر ترديد را در جامعه افشانده و کساني که اين بذر را آبياري کردند که اين بذر سر از زمين در آورده و به خيابانها ريخته و به جان و مال مردم تجاوز کرده و دو هفته امنيت کشور را زير سوال برده برخورد قانوني شود»
جناب آقاي يزدي تاريخ بشري سراسر، صحنه ظهور پيامبران و اوليا و مصلحاني است که جوامع خود را از فرجام راه نادرستي که در پيش گرفتهاند، بيم و انذار دادهاند. چرا فکر ميکنيد اگر کسي قدرت، چشم عقلش را کور نکرده و فرجام نامبارک روشي را که شما و همفکرانتان براي اداره جامعه در پيش گرفتهايد به ديده بصيرت ميبيند و انذار ميدهد، بايد توطئهگر باشد؟ اين قضاوت شما البته شگرد دائمي برخي روزنامهها است که دلسوزان فهيم و علاقهمندان به اين ملک و ملت را صرفا به اين دليل که عاقبت رسم خودکامگي و لجاجت در برابر خواست ملت را پيشبيني ميکنند، به عامل بيگانه و مأمور سرويسهاي جاسوسي مينامد. جناب يزدي شما عالم دين هستيد شايسته نيست شان خود را در حد صاحبان اين تحليلهاي بازاري تنزل دهيد. حتما به ياد داريد که امام خميني از آغاز خواستار سرنگوني رژيم شاه نبود و در اوائل کار به شاه درباره آينده راه و رويکردي که در اداره کشور برگزيده است هشدار ميداد. واکنش شاه را نيز حتما به خاطر داريد که امام را به خاطر همين هشدارها و انذارها ارتجاع سياه و وابسته به بيگانه و انگليسي ميخواند. زماني نيز اعمال و روشهاي شاه موجب تشديد نارضايتي ملت و فتنه و اغتشاش ميشد، بلندگوهاي رژيم شاه، آن را به عوامل بيگانه که از آن طرف مرز آمدهاند نسبت ميداد، تا آنجا که در اواخر کار نوکران خود را فرمان داد تا مقاله بنويسند و در ايراني بودن نسب امام هم ترديد کنند. اين منطق البته مخصوص شاه نيست.
the apartheid wall in Palestine
The author gives his point of view of the apartheid wall in Palestine after
having visited the region.
This wall will soon be destroyed. I am positive.
Seth Freedman
Tuesday July 21 2009
guardian.co.uk
http://www.guardian.co.uk/commentisfree/2009/jul/22/israel-wall-security-palestine
In many parts of the West Bank, Israel's much-vaunted separation wall is
conspicuous by its absence; Ha'aretz reports that only around 60% of the
barrier has been completed will come as no surprise to those who spend time
in the area around the project's proposed route.
In places such as the South Hebron Hills, the only obstacles separating
thousands of Palestinians from Israeli communities are sporadic flying
checkpoints thrown up by the army, or flimsy, unguarded wire fences
ostensibly keeping the terrorist hordes at bay. If mainstream Israeli
thinking is to be believed, the "security" wall is vital for the safety of
Israel's citizens, the implication being that scores of would-be bombers are
daily banging their heads against a concrete wall as they try desperately to
reach Israeli cities to unleash carnage on unsuspecting women and children.
However, the facts simply don't add up. If 40% percent of a mosquito net was
removed, the remaining mesh would have no protective effect, since the
insects would simply sail through the hole and get on with their
blood-sucking task unimpeded. Yet, according to the Israeli authorities,
that is not the case when it comes to the separation wall, and millions of
Israelis are all too eager to swallow the lie in order to achieve a
deceptive peace of mind.
At the end of a trip to Nablus, I was shown first-hand how simple it is to
circumnavigate the wall and checkpoints and enter Israel entirely at will,
and without encountering a single soldier or slab of wall. If it was that
easy for me by day, it would be even easier for a militant by cover of
darkness, and the same is true throughout the porous perimeter across the
West Bank.
Travelling unchecked to and from Bethlehem, Bet Jalla and other towns to the
immediate south of Jerusalem is child's play for determined tourist or
terrorist alike, yet statistics have shown a marked decrease in suicide
attacks ? suggesting that something other than the non-existent barrier is
preventing such atrocities taking place around the clock.
Some believe that Hamas are responsible for the reduction in bombings,
having never rescinded their declared hudna on suicide attacks shortly after
coming to power. Others believe that the Palestinians realised that suicide
bombings were a failed policy, in that they simply gave Israel justification
for further land-grabs and heightened security measures in response to the
attacks.
One activist to whom I spoke commented that the Shin Bet's network of
informants was in fact the most effective tool Israel had in preventing
suicide bombings, noting that the massive unemployment rate in the West Bank
drove more and more Palestinians to desperate measures, such as
collaboration, in order to supplement their meagre incomes.
Whether the near-cessation of suicide attacks is down to a policy of
ceasefire or an increase in informers tipping off the Israeli authorities,
the wall itself has very little effect on the statistics. If anything, it
increases the likelihood of renewed violence against Israeli citizens in the
long term, thanks to its crippling impact on life for Palestinians affected
by the route of the barrier, and their belief that their situation is
unlikely to ever improve.
In the meantime, many settlers are up in arms about the route of the wall,
claiming that they have been "abandoned" behind the barrier by the Israeli
authorities. They claim that they have no protection from attacks at the
hands of Palestinian militants, despite the army maintaining a presence
wherever Jewish settlers set up shop in the West Bank.
The defence minister Ehud Barak is "determined to complete the security
fence, despite the delays", according to reports, although legal challenges
and diplomatic pressure appear to have put paid to any major construction
efforts for the foreseeable future. Settlements, as well as the
infrastructure supporting their existence, are too hot a topic at present
for the Israeli authorities simply to take unilateral decisions about where
to place the wall or how to fence in those communities currently bereft of
barricades.
Instead of burying their heads in the sand and pretending that all is well
in terms of Israelis' security as a result of an incomplete wall, Israel's
leaders ought to be worried about the consequences of continuing their
policies of intransigence towards the Palestinians. The cyclical nature of
the conflict means that the relative calm of today is by no means guaranteed
to continue into the future.
Stifling the Palestinians of the means to provide for their families,
whether by denying them freedom of movement or by brazenly taking their land
from under their noses, ensures another generation will grow up resenting
Israel and eventually resorting to violence as a way of expressing their
rage.
Despite such tactics not being in the best interests of the Palestinian
people, the fact that they have seen no progress even when they put down
their arms means that the dam will inevitably burst again soon. When it
does, the inefficacy of Israel's half-built wall will be plain for all to
see, as too will the half-hearted measures at rapprochement which have
hampered peace efforts for years and decades gone by.
having visited the region.
This wall will soon be destroyed. I am positive.
Seth Freedman
Tuesday July 21 2009
guardian.co.uk
http://www.guardian.co.uk/commentisfree/2009/jul/22/israel-wall-security-palestine
In many parts of the West Bank, Israel's much-vaunted separation wall is
conspicuous by its absence; Ha'aretz reports that only around 60% of the
barrier has been completed will come as no surprise to those who spend time
in the area around the project's proposed route.
In places such as the South Hebron Hills, the only obstacles separating
thousands of Palestinians from Israeli communities are sporadic flying
checkpoints thrown up by the army, or flimsy, unguarded wire fences
ostensibly keeping the terrorist hordes at bay. If mainstream Israeli
thinking is to be believed, the "security" wall is vital for the safety of
Israel's citizens, the implication being that scores of would-be bombers are
daily banging their heads against a concrete wall as they try desperately to
reach Israeli cities to unleash carnage on unsuspecting women and children.
However, the facts simply don't add up. If 40% percent of a mosquito net was
removed, the remaining mesh would have no protective effect, since the
insects would simply sail through the hole and get on with their
blood-sucking task unimpeded. Yet, according to the Israeli authorities,
that is not the case when it comes to the separation wall, and millions of
Israelis are all too eager to swallow the lie in order to achieve a
deceptive peace of mind.
At the end of a trip to Nablus, I was shown first-hand how simple it is to
circumnavigate the wall and checkpoints and enter Israel entirely at will,
and without encountering a single soldier or slab of wall. If it was that
easy for me by day, it would be even easier for a militant by cover of
darkness, and the same is true throughout the porous perimeter across the
West Bank.
Travelling unchecked to and from Bethlehem, Bet Jalla and other towns to the
immediate south of Jerusalem is child's play for determined tourist or
terrorist alike, yet statistics have shown a marked decrease in suicide
attacks ? suggesting that something other than the non-existent barrier is
preventing such atrocities taking place around the clock.
Some believe that Hamas are responsible for the reduction in bombings,
having never rescinded their declared hudna on suicide attacks shortly after
coming to power. Others believe that the Palestinians realised that suicide
bombings were a failed policy, in that they simply gave Israel justification
for further land-grabs and heightened security measures in response to the
attacks.
One activist to whom I spoke commented that the Shin Bet's network of
informants was in fact the most effective tool Israel had in preventing
suicide bombings, noting that the massive unemployment rate in the West Bank
drove more and more Palestinians to desperate measures, such as
collaboration, in order to supplement their meagre incomes.
Whether the near-cessation of suicide attacks is down to a policy of
ceasefire or an increase in informers tipping off the Israeli authorities,
the wall itself has very little effect on the statistics. If anything, it
increases the likelihood of renewed violence against Israeli citizens in the
long term, thanks to its crippling impact on life for Palestinians affected
by the route of the barrier, and their belief that their situation is
unlikely to ever improve.
In the meantime, many settlers are up in arms about the route of the wall,
claiming that they have been "abandoned" behind the barrier by the Israeli
authorities. They claim that they have no protection from attacks at the
hands of Palestinian militants, despite the army maintaining a presence
wherever Jewish settlers set up shop in the West Bank.
The defence minister Ehud Barak is "determined to complete the security
fence, despite the delays", according to reports, although legal challenges
and diplomatic pressure appear to have put paid to any major construction
efforts for the foreseeable future. Settlements, as well as the
infrastructure supporting their existence, are too hot a topic at present
for the Israeli authorities simply to take unilateral decisions about where
to place the wall or how to fence in those communities currently bereft of
barricades.
Instead of burying their heads in the sand and pretending that all is well
in terms of Israelis' security as a result of an incomplete wall, Israel's
leaders ought to be worried about the consequences of continuing their
policies of intransigence towards the Palestinians. The cyclical nature of
the conflict means that the relative calm of today is by no means guaranteed
to continue into the future.
Stifling the Palestinians of the means to provide for their families,
whether by denying them freedom of movement or by brazenly taking their land
from under their noses, ensures another generation will grow up resenting
Israel and eventually resorting to violence as a way of expressing their
rage.
Despite such tactics not being in the best interests of the Palestinian
people, the fact that they have seen no progress even when they put down
their arms means that the dam will inevitably burst again soon. When it
does, the inefficacy of Israel's half-built wall will be plain for all to
see, as too will the half-hearted measures at rapprochement which have
hampered peace efforts for years and decades gone by.
الديمقراطيون العرب يتضامنون مع سجناء المغرب
شبكة الديمقراطيين في العالم العربي
بيان صحفي
في الوقت الذي كانت فيه شبكة الديموقراطيين في الوطن العربي تنتظر تبرئة مصطفى المعتصم الأمين العام لحزب البديل الحضاري وأحد أعضائها ، والإفراج عنه وإعادة الإعتبار له ليكمل مساره في نفس النهج السلمي ، نهج الإسلاميين الديمقراطيين القائم على ثوابت وطنه المغرب،أقدمت ملحقة الاستئناف بالمحكمة الابتدائية بمدينة سلا يوم 28-07- 2009فجرا على إصدار حكم بسجنه لمدة 25 سنة وهو الحكم الذي فاجأ كل المتتبعين لتطورات المحاكمة والعارفين بمساره السياسي، كما شكل صدمة لأصدقائه من أعضاء الشبكة.ومع إقرارها بعدم جواز التعليق على أحكام القضاء، فإن شبكة الديمقراطيين في العالم العربي ، والتي تابعت عن قرب سير المحاكمة وقفت مليا أمام الطلبات المقدمة في القضية والمتعلقة باستدعاء شهود النفي والدفوع المتعلقة بالطعن ببطلان محاضر الضابطة القضائية المبنية على تصريحات منتزعة بالإكراه وعن طريق التعذيب ، وهي الطلبات والدفوع التي لو تمت الإستجابة لها خدمة للعدالة وتحقيقا للعدل الذي يتحقق بمقتضاه الإنصاف لكان الحكم غير الحكم.
خاصة و أن الشبكة لاحظت أن المتهمين في الملف ، ينتمون لمشارب مختلفة و من الصعب إثباث العلاقة بينهم ، سواء الإنسانية أو النضالية وبالتالي تتسائل عن مغزى إقحام قيادة حزب سياسي ، احتل مكانته على الساحة السياسية المغربية ، بفضل تبنيه لمبادئ الديمقراطية والإسلام والعمل السياسي السلمي ، وهي قيم من صميم تقاليد الشعب المغربي، إقحامه في ملف يتعلق بالإرهاب والسلاح. إلا إذا كان الأمر يتعلق بمحاولة حل هذا الحزب، وهو إجراء لا ينسجم مع المسار الذي انتهجه المغرب بعد ما يعرف بسنوات الرصاص .
وإذ تأمل شبكة الديمقراطيين في العالم العربي في أن يتم تدارك الثغرات الإجرائية و إنارة مواقع الغموض في هذا الملف في مرحلة الطعن .
تعلن تضامنها مع مصطفى المعتصم، وتطالب بالإفراج عنه وعن كل الذين حشروا في هذه القضية دون أن تثبت التهم التي وجهت إليهم، وتعرب عن قلقها من تداعيات هذه المحاكمة على صورة المغرب التي قطعت خلال السنوات الأخيرة خطوات هامة في مجال الإصلاح السياسي. كما تدعو كل القوى الديمقراطية وكل المنادين بالتحول الديموقراطي السلمي في الوطن العربي إلى ضم جهودها من أجل إطلاق سراح المعتصم ورفاقه السياسيين.
عن شبكة الديمقراطيين في العالم العربي
المنسق
صلاح الدين الجورشي
بيان صحفي
في الوقت الذي كانت فيه شبكة الديموقراطيين في الوطن العربي تنتظر تبرئة مصطفى المعتصم الأمين العام لحزب البديل الحضاري وأحد أعضائها ، والإفراج عنه وإعادة الإعتبار له ليكمل مساره في نفس النهج السلمي ، نهج الإسلاميين الديمقراطيين القائم على ثوابت وطنه المغرب،أقدمت ملحقة الاستئناف بالمحكمة الابتدائية بمدينة سلا يوم 28-07- 2009فجرا على إصدار حكم بسجنه لمدة 25 سنة وهو الحكم الذي فاجأ كل المتتبعين لتطورات المحاكمة والعارفين بمساره السياسي، كما شكل صدمة لأصدقائه من أعضاء الشبكة.ومع إقرارها بعدم جواز التعليق على أحكام القضاء، فإن شبكة الديمقراطيين في العالم العربي ، والتي تابعت عن قرب سير المحاكمة وقفت مليا أمام الطلبات المقدمة في القضية والمتعلقة باستدعاء شهود النفي والدفوع المتعلقة بالطعن ببطلان محاضر الضابطة القضائية المبنية على تصريحات منتزعة بالإكراه وعن طريق التعذيب ، وهي الطلبات والدفوع التي لو تمت الإستجابة لها خدمة للعدالة وتحقيقا للعدل الذي يتحقق بمقتضاه الإنصاف لكان الحكم غير الحكم.
خاصة و أن الشبكة لاحظت أن المتهمين في الملف ، ينتمون لمشارب مختلفة و من الصعب إثباث العلاقة بينهم ، سواء الإنسانية أو النضالية وبالتالي تتسائل عن مغزى إقحام قيادة حزب سياسي ، احتل مكانته على الساحة السياسية المغربية ، بفضل تبنيه لمبادئ الديمقراطية والإسلام والعمل السياسي السلمي ، وهي قيم من صميم تقاليد الشعب المغربي، إقحامه في ملف يتعلق بالإرهاب والسلاح. إلا إذا كان الأمر يتعلق بمحاولة حل هذا الحزب، وهو إجراء لا ينسجم مع المسار الذي انتهجه المغرب بعد ما يعرف بسنوات الرصاص .
وإذ تأمل شبكة الديمقراطيين في العالم العربي في أن يتم تدارك الثغرات الإجرائية و إنارة مواقع الغموض في هذا الملف في مرحلة الطعن .
تعلن تضامنها مع مصطفى المعتصم، وتطالب بالإفراج عنه وعن كل الذين حشروا في هذه القضية دون أن تثبت التهم التي وجهت إليهم، وتعرب عن قلقها من تداعيات هذه المحاكمة على صورة المغرب التي قطعت خلال السنوات الأخيرة خطوات هامة في مجال الإصلاح السياسي. كما تدعو كل القوى الديمقراطية وكل المنادين بالتحول الديموقراطي السلمي في الوطن العربي إلى ضم جهودها من أجل إطلاق سراح المعتصم ورفاقه السياسيين.
عن شبكة الديمقراطيين في العالم العربي
المنسق
صلاح الدين الجورشي
الحوار في فلسفته وشروطه
الحوار في فلسفته وشروطه
مداخلات قدمت في اطار برنامج الاتحاد الاوروبي للاعلاميين الشباب وحوار الأديان (2008-2009)..
لا تخلو وسيلة إعلامية من حديث عن الحوار، ولا يتوقف الإعلام عن تذكيرنا صبح مساء بمزايا الحوار. أما القوى والأحزاب والشخصيات السياسية فحدث عنها ولا حرج. غرام مستجد في الحوار، إلى حد انك تظن بأنهم هم من اخترع المفردة وأعطاها شكلا ومضموناً، فسبحان مغيّر الأحوال.
والحال أن الحوار قيمة مطلقة بذاته، رغم أن الأصوليات كافة تتعامل معه باعتباره نسبيا خاضعا للظروف وموازين القوى. وهو اليوم أضحى مكسبا من مكتسبات الثقافة والحياة السياسية السليمة والشفافة، غير أن البعض ممن كان يرفضه بالأمس، أصبح يقدمه اليوم على انه "الحل المثالي" أو "الوصفة السحرية" لأي خلاف أو اختلاف أو نزاع، وذلك دون أدنى تدقيق أو تمحيص في شروطه وفي مبناه كما في معناه. وبعد عقود وعقود على سيادة "الأفكار الثورية" (من اليمين واليسار على السواء) والتي كانت تعتبر الحوار مساومة وتسوية وتنازلا (أي بدعة وضلالة، مصيرهما جهنم وبئس المصير) والتي كانت تنظر للعنف (اللفظي والمادي) باعتبار أن الحياة والعلاقات الإنسانية والاجتماعية ليست إلا ميزان قوى، أي علاقات قوة وغلبة، وان السياسة نبذ وإلغاء للآخر أو سيطرة وهيمنة وقمع وأحادية رأي، إن لم يكن شطارة، وبعد مرحلة تمجيد سلطة الحزب الواحد (ضمير الأمة) والزعيم الأوحد (القائد الملهم وسبب وجود الأمة)، إذا بنا ننعطف 180 درجة، فيصبح الحوار مضغة تلوكها الأفواه، ومشجبا تعلق عليه كل المزايا......والخطايا.....
إن هدف الحوار الحق هو الإفساح في المجال أمام البشر للتعرف والتعارف المتبادل كمقدمة للفهم والتفاهم المتبادل (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم) وذلك لبناء التعاون على البر والتقوى ولرد الإثم والعدوان... ولا يمكن للحوار أن يبنى على غير معايير الحقيقة والحرية والعدالة المقبولة دينيا وأخلاقيا ولدى كل الشعوب والحضارات، فلا يمكن أن يقوم حوار ويستقيم مبناه ومعناه من دون الارتكاز إلى تلك المعايير - المسلمات الضرورية والمطلقة:
1- نشدان الحقيقة مهما كانت (الحق والعدل هما من أسماء الله الحسنى، والحقيقة تحرر كما في الإنجيل).
2- العدل في الأحكام ولو على النفس أو على ذي قربى("وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى" - "ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين").
3- التقوى في خلوص النية ووقوف المتحاورين على قدم المساواة (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين).
4- الاعتراف بالاختلاف سنة إلهية كونية (ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة - ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا) وبحق الآخر المختلف في التعبير عن رأيه وعن اختلافه بحرية.
5- الاعتراف بحق الجميع في حرية تغيير الرأي (لا إكراه في الدين - أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين- لست عليهم بمسيطر - وما جعلناك عليهم حفيظا).
6- - رفض العنف ونبذه بالمطلق اذ يعطل به ومعه كل حوار ، كما انه يضرب امكان الفحص الجدي والموضوعي لآراء الآخر، أو التبادل الحي والواقعي للافكار والرؤى، أو التساؤل الدائم حول معنى تلك الآراء والافكار والمعتقدات وحول امكان او عدم امكان الاخذ بها. إن العنف ايا يكن شكله ونوعه يلغي الحوار نهائيا.
إن تعميم ثقافة الحوار، يقتضي التأصيل الكلامي والفقهي لمعاني الحقيقة والعدالة والحرية،، وذلك بالعودة إلى الجذور الدينية والفلسفية في الإسلام والمسيحية كما في الفكر الإنساني عموما.
ذلك أن البعض قد يختزل الحوار إلى حدود القول الحسن، والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، وحسن المعاشرة والجوار، واللين والرفق (أو التسامح في لغة العصر)، مرتكزا إلى توجيهات الله لرسوله (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك - وجادلهم بالتي هي أحسن، ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كانه ولي حميم). وهذا المعنى نجده في المسيحية وهي التي بنيت على المحبة والتسامح والغفران للأعداء (تماما مثل الإسلام المبني على السلام والرحمة والعفو والسماحة، ولو أن معظم الإسلاميين الحداثويين جعلوا منه دين الحرب والقتال ليس إلا!). ولكننا هنا نقع في الحالتين (الإسلام والمسيحية) في خطر التبشير أو الدعوة، إذ يصبح الحوار كمحفز للتعايش واللطف والمسايرة أداة للتأثير على الغير بالكلمة والقدوة والمثال (في لين المعاشرة ولطف الجوار وحلو الحديث) ولعل ذلك ما جعل غالبية المسلمين يرفضون في العصر الحديث ممارسة الحوار باعتباره أداة تبشير، خاصة وانه ترافق مع التبشير بعد سقوط الدولة العثمانية. وليس من قبيل الصدف أن تكون كل دعوات الحوار قد صدرت في العصر الحديث عن هيئات مسيحية أو غربية. ورغم تجاوب مسلمين ودول إسلامية معها، إلا أن هذا لا ينفي كونها صادرة عن غيرهم، ومقبولة منهم بحذر شديد.
ولم تبدأ الدول والهيئات الإسلامية إلا أخيرا بالدعوة إلى الحوار، وذلك إما لفك الحصار الغربي المفروض عليها (إيران مثلاً) وإما للرد على تداعيات الحادي عشر من أيلول (السعودية مثلاً)،أو لأخذ موقع تحت الشمس الدولية(قطر والاردن مثلاً).
ولم يبلور الفكر الإسلامي (باستثناء لمحات ولمعات مضيئة للمرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين) أي تأصيل كلامي - فقهي لمبدأ الحوار ومعناه باعتباره حقيقة فلسفية مجردة كما جرى في الفكر والثقافة والفلسفة الغربية.
لقد مجد السفسطائيون الكلمة والقول إلى حدود التسييس إذ جعلوا لهما "هدفا ذكيا"، وحاربهم سقراط، الذي كان يقول بأن ما يسمى محاجات - مجادلات ليس في الحقيقة كذلك (أي أنها ليست حججا) إذ هي عبارة عن أقوال بسيطة تدخل العقل في متاهات وتضله عن الصواب. أنها كلمات وليست خطابا أو مقالة تهتم بالحقيقة وبالمعنى، وباستقامة وجدية العلاقة بين المتحاورين. في حين أن إرادة الوصول إلى شيء حقيقي نكون فيه على اتفاق، ونستطيع الحوار حوله بناء على مبادئ ومعايير متعارف عليها، هو أساس الموقف السقراطي المعارض للسفسطة والمؤسس فعلا للفلسفة الغربية.
فالفلسفة هي محبة الحكمة (حسب الأصل اليوناني) وليس أن نقرر ما هو الصواب نيابة عن الآخرين. ولفظة Philia اليونانية القديمة كانت تعني ليس المحبة فقط وإنما أيضا الصداقة، والود، والأخوة، واحترام الغير. وحسب حنة آرندت فإن "الخطاب" هو جوهر الـPhilia، أي أن تبادل الكلام - الحوار، يحقق الـPhilia هذه. والفلسفة هي أن نفكر معا، وان نجادل - نتحاور ضمن إطار الـPhilia (أي احترام الآخر وصداقته). وفي كل حوار هناك همّ أساسي هو همّ المعنى، وليس الإطار أو الشكل فقط، أو همّ التواصل، وهما معاً (المعنى والتواصل) دعامتا الحوار. فأحيانا تكون الحجة الواضحة البسيطة (همّ المعنى) سببا لكي يطيل المتحاوران حوارهما، وأحيانا فان الخوف من القطيعة أو الانفصال على زعل هو ما يدفع بالمتحاورين إلى إيجاد حجج أكثر وضوحا وبساطة (همّ التواصل).
وفي الحالتين، وفي كل الأحوال عموما، فان ما هو مرفوض في الفلسفة هو العنف، إذ يتعطل به ومعه كل حوار وتبرز محله: القوة - الغلبة، أو الحيلة - التذاكي، أو التحريض - التعبئة، أو التهديد - الوعيد، أو التكفير - التخوين. وللأسف فان الكثير من التيارات السياسية، والإسلامي منها تحديدا، يرى إلى الحوار باعتباره تكتيكا ( تقية) ضمن إستراتيجية الاستعداد فالتمكن فالقوة - الغلبة بالعنف. إن العنف (بأشكاله المذكورة هنا) يضرب إمكان الفحص الجدي والموضوعي لآراء الآخر، أو التبادل الحي والواقعي للأفكار والرؤى، أو التساؤل الدائم حول معنى تلك الآراء والأفكار والمعتقدات وحول إمكان أو عدم إمكان الأخذ بها. إن العنف أيا يكن شكله ونوعه يلغي الحوار نهائيا. قد يتبادل اثنان الكلام الحلو، أو الاهانات والاتهامات، وهذا نوع من الاتصال والتواصل إلا انه ليس حوارا. فالاتصال والتواصل مفهوم أوسع من الحوار. والحوار هو أحد أشكال التواصل (ولكنه ليس أي شكل، إذ هو مميز) تماما كما الحرب والعنف هي من أشكال التواصل (الحرب امتداد للسياسة كما عند كلاوسفيتز، والعنف لغة رمزية كما عند بورديو وغيره).
قد تكفي نظرة واحدة أو كلمة بسيطة لكي يتم الاتصال - التواصل مع الآخر، وهذا الاتصال يعني أن حس التواصل قد يكون عميقا، إلا انه ليس حوارا. فالحوار يفترض التفكير النقدي، والاستغراق الذاتي، بحثا عن الحقيقة: انه يفترض العودة إلى الذات والغوص في أعماقها وليس النظر المجرد أو التلقي الجامد فقط، وهذا يفترض أيضا حس العدالة - التقوى، وهو أقرب إلى الروحانية المطلقة - ("ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو اقرب للتقوى واتقوا الله" - "فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا" )- فليس المهم أن أفهم عليك من النظرة أو البسمة أو الكلمة فقط وإنما أن أفهمك كما أنت وكما تريد وتقصد وان أفهم ما تريد وما تقصد أو ما تريد إيصاله، وهنا فعلاً يبدأ كل حوار.
إن ما نراه ونعيشه اليوم في منابر السياسة والإعلام ليس حوارا، ولذلك يسميه الناس (حوار طرشان)، فهو عبارة عن ردود فعل تكون أحيانا سيئة أو خاطئة (ولو عن غير قصد)، إذ أنها تأتي خارج سياق أي تبادل أو تفاعل بين المتحاورين، وخارج أي استغراق أو تأمل ذاتي نقدي، ولنا في ما يجري من إعلان مواقف وردود أفعال في الصحف ووسائل الإعلام، أو في برامج الحكي Talk Show على التلفزة خير مثال.
الحوار والحرية
إن مفهوم الحوار (الذي يغطي في الحقيقة عدة حقول: أخلاقية - اجتماعية - لغوية - سياسية) يرتكز أولا وأخيرا على معطى ثابت - واقعي (أي حقيقي) وهو اللقاء: لقاء بين كائنين فردين منفتحين على بعضهما البعض، محتاجين إلى بعضهما البعض، ومحتاجين إذن إلى الكلام المتبادل بينهما. دون ذلك لا يكون الحوار حالة إنسانية (أو بالأحرى تجربة إنسانية، هي ضرورة ومغامرة في آن).
الحوار يتعدى مجرد التبادل الكلامي - اللفظي. والثقافة وتاريخها ليست سوى تسجيل لحوار دائم: حوار مع الغيب، مع الكون، مع الطبيعة، مع الزمان، مع المكان.... والبشرية هي حسب قول لبلايز باسكال أشبه برجل يتعلم باستمرار ويتطور بالاستناد إلى معارف الذين سبقوه والذين نقلوا إليه معرفتهم وحكمتهم وتجاربهم بواسطة ما تركوه من آثار مكتوبة. (انظر ما يقوله جان بياجيه عن تطور وظيفة الكلام واللغة عند الطفل، وما أوضحه إميل بنفنيستي حول الفرق بين التواصل الحيواني والتواصل البشري وهو خلص إلى أن الحيوان قادر على التواصل بالإشارة والرمز، ووحده الإنسان قادر على الحوار! وقارن أيضا مع الروسي الماركسي ميخائيل باختين حول دور التفكير ودراسة الآثار والأعمال المكتوبة، في تطور الثقافة الإنسانية).
إن الطبيعة الحوارية للفكر تظهر بأجلى صورها من خلال طابعها الجدلي (الحجاجي). الحوار ليس عاملا مساعدا على إثبات أو تأكيد الفكر فقط، انه بنية الفكر نفسها، من حيث أن التفكير بطريقة جدلية (حجاجية) يفترض الركون إلى أحكام يعبر عنها بكلمات وجمل وعبارات وافتراضات.
وبذا فان الفكر يتبدى وكأنه حوار النفس مع ذاتها فيتطابق إذاك مع اللوغوس (محاورات أفلاطون - حيث اللوغوس يعني العقل والكلمة، وحيث الكلمة هي خطاب الخارج، والعقل هو خطاب الداخل) وعند سقراط فان التفكير النقدي هو مثل المحاجة، يمتلك بنية حوارية. ومن هنا قوله إن الفكر هو حوار النفس مع ذاتها. وهذا ما قاله ديكارت في الكوجيتو حيث أن حقيقة "أنا أفكر" تنتج عن لعبة قوانين الخطاب: أي أننا لا نستطيع أن نفكر بأنه من الخطأ أن نفكر وإذا قلنا بأننا نشك في أننا نفكر فهذا أيضا خطأ إذ أن الشك هو نوع من التفكير!
وإذا حللنا ما يتضمنه هذا الاتحاد بين التفكير والحوار، استطعنا أن نستخلص وجود مبادئ ناظمة مشتركة في ما بينهما لعل أبرزها افتراض ضابط معياري ما للحقيقة. ذلك انه من الواجب في أية عملية تواصل أن نتوافق على معنى الكلمات. وينبغي عند تقديم حجة أو برهان أو حين نصوغ عبارة أو قضية، أن نستطيع على الأقل الاعتراف بحقيقة أننا قلناها (أو عبرنا عنها) فلا يوجد إمكان لحوار حقيقي إذا رفضنا وضع ضابط معياري ما للحقيقة (تعالوا إلى كلمة سواء) إن معيار الحقيقة يستتبع معيار العدالة والمساواة. ذلك انه لا معنى للقول بأن قيمة أية حجة أو فكرة هي في مرجعية أو سلطة صاحبها ، فعندها لا تعود حجة أو فكرة. وإنما ينبغي أن نتفق على معنى العدالة والمساواة أي الوقوف على مستوى واحد (وإنّا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين - الله يحكم بيننا وبينكم يوم القيامة - لا حجة بيننا وبينكم، الله يجمع بيننا واليه المصير) والى معياري الحقيقة والعدالة ينبغي أن نضيف المبدأ أو المعيار الأساس وهو الحرية. وأول ما نقبله في الحوار هو الحرية الشخصية وخصوصا حرية تغيير الرأي (وليس فقط حرية التعبير عن الرأي) وحرية المعتقد والدين هي أساس في أي حوار... والآية - المفتاح (حسب وصف الإمام شمس الدين) "لا إكراه في الدين"، فيها وحدها كل فلسفة العلاقة بين الحوار والحرية، لا بل أنها تؤسس للفكر الإنساني عموما.
المادة 18 من إعلان - ميثاق حقوق الإنسان تقول: "لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة"... والى ذلك ذهب الإمام شمس الدين في تفسيره لآية "لا إكراه في الدين" وللآيات الأخرى المماثلة: "ولو شاء الله لجمعهم على الهدى - ولو شاء الله لجعلهم امة واحدة - قل الله أعبد مخلصا له ديني فاعبدوا ما شئتم من دونه - لكم دينكم ولي ديني - ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين - وما جعلناك عليهم حفيظا - من شاء فيلؤمن ومن شاء فليكفر")... وهو ما ذهب إليه أيضا الكثير من العلماء والفقهاء المعاصرين.
يقول الشيخ عبد العزيز جاويش (تلميذ محمد عبده ورفيق شكيب أرسلان ومصطفى كامل) "وما كان للعقائد أن تتكون بالإرغام والقهر، ولا للإسلام الذي هو دين البحث والنظر أن يقول بقتل من لا يدينون به" (كتابه الإسلام دين الفطرة والحرية - الزهراء للإعلام العربي - لا تاريخ نشر)... ويقول عبد المتعال الصعيدي "الحرية الدينية عبارة عن حق الإنسان في اختيار عقيدته الدينية فلا يكون لغيره من الناس سلطان عليه في ما يعتقده، بل له أن يعتقد ما يشاء وله ألا يعتقد في شيء أصلا، وله إذا اعتقد في شيء أن يرجع عن اعتقاده وله الحرية في الدعوة إلى ما يعتقده بالتي هي أحسن" (كتابه: حرية الفكر في الإسلام - دار الفكر العربي ط2 - القاهرة - دون تاريخ).
ومما يتعلق بموضوع الحرية الدينية قضية الردة (أي الكفر بعد الإسلام عن وعي واختيار) وقد برز في العقود الأخيرة التيار الذي أسس له وطوره المشايخ محمد عبده، ورشيد رضا، وعبد المتعال الصعيدي، ومحمد مهدي شمس الدين، وراشد الغنوشي، وحسن الترابي، وعبد الوهاب خلاف، ومحمد أبو زهرة، وعبد العزيز جاويش، وسيد قطب، ومالك بن نبي، ومن رجال القانون الدستوري: فتحي عثمان وعبد الحميد متولي وعبد الحكيم حسن العيلي ومحمد سليم غزوري وطارق البشري ومحمد سليم العوا، والذي يقول بأن الردة جريمة لا علاقة لها بحرية العقيدة، وإنما هي مسألة سياسية (من قبيل الخيانة الوطنية والحرابة، أي الخروج المسلح على الدولة) وبذلك تكون عقوبة المرتد تعزيرا لا حدا، أي أن عقوبة الردة هي تشريع زمني يطبق تبعا لما تمليه المصلحة العامة مع مراعاة البيئة الخاصة.
إن الكثير من المفكرين المسلمين، وعلى رأسهم الشيخ شمس الدين والترابي والغنوشي، يتفقون مع الشيخ عبد المتعال الصعيدي في أن آيات الحرية الدينية أصلية ولم يتم نسخها، وفي أن حرية اختيار العقيدة أو تغييرها مطلقة في الإسلام "فلكل إنسان أن يعتقد ما يشاء في الدنيا، وحسابه على الله تعالى في الآخرة، وليس من حقنا أن نحاسبه بشيء على ما يعتقده، لأن كل إنسان عاقل يتحمل مسؤولية اعتقاده ولا نتحملها نحن عنه، فليس لنا أن نحاسبه على شيء من شأن نفسه وحدها، ولا شأن لنا فيه" (عبد المتعال الصعيدي).
ومع ذلك، فان السائد في فكر الحركة الإسلامية المعاصرة وممارستها، لا علاقة له بما سبق تقريره من موقف إسلامي أصيل في الحرية الدينية وحرية الاعتقاد وتغيير المعتقد. وهذا مما يعيق لا بل يلغي إمكان الحوار، أي حوار. إن قبول الحرية الإنسانية بالمطلق يبدأ بقبول حرية تغيير الرأي أو المعتقد ولعل هذا ما عبّرت عنه وجودية جان بول سارتر، وما كان الإمام شمس الدين قد وصفه بالمغامرة: ففي كل حوار هناك على الدوام مغامرة، فنحن لا نعرف كيف ينتهي الحوار، الذي هو بالنتيجة لحظة وجود أصيلة.
إن روح الحوار، حين تتكرس، تعيد النظر بنظام الأشياء وبالأحكام المسبقة وبالأفكار والتصورات الظنية ("يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا، أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه، واتقوا الله إن الله تواب رحيم") (أو كما قال الإمام علي لشيعته: "إني اكره لكم أن تكونوا سبابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم كان أصوب في القول وابلغ في العظة").
سعود المولى
مداخلات قدمت في اطار برنامج الاتحاد الاوروبي للاعلاميين الشباب وحوار الأديان (2008-2009)..
لا تخلو وسيلة إعلامية من حديث عن الحوار، ولا يتوقف الإعلام عن تذكيرنا صبح مساء بمزايا الحوار. أما القوى والأحزاب والشخصيات السياسية فحدث عنها ولا حرج. غرام مستجد في الحوار، إلى حد انك تظن بأنهم هم من اخترع المفردة وأعطاها شكلا ومضموناً، فسبحان مغيّر الأحوال.
والحال أن الحوار قيمة مطلقة بذاته، رغم أن الأصوليات كافة تتعامل معه باعتباره نسبيا خاضعا للظروف وموازين القوى. وهو اليوم أضحى مكسبا من مكتسبات الثقافة والحياة السياسية السليمة والشفافة، غير أن البعض ممن كان يرفضه بالأمس، أصبح يقدمه اليوم على انه "الحل المثالي" أو "الوصفة السحرية" لأي خلاف أو اختلاف أو نزاع، وذلك دون أدنى تدقيق أو تمحيص في شروطه وفي مبناه كما في معناه. وبعد عقود وعقود على سيادة "الأفكار الثورية" (من اليمين واليسار على السواء) والتي كانت تعتبر الحوار مساومة وتسوية وتنازلا (أي بدعة وضلالة، مصيرهما جهنم وبئس المصير) والتي كانت تنظر للعنف (اللفظي والمادي) باعتبار أن الحياة والعلاقات الإنسانية والاجتماعية ليست إلا ميزان قوى، أي علاقات قوة وغلبة، وان السياسة نبذ وإلغاء للآخر أو سيطرة وهيمنة وقمع وأحادية رأي، إن لم يكن شطارة، وبعد مرحلة تمجيد سلطة الحزب الواحد (ضمير الأمة) والزعيم الأوحد (القائد الملهم وسبب وجود الأمة)، إذا بنا ننعطف 180 درجة، فيصبح الحوار مضغة تلوكها الأفواه، ومشجبا تعلق عليه كل المزايا......والخطايا.....
إن هدف الحوار الحق هو الإفساح في المجال أمام البشر للتعرف والتعارف المتبادل كمقدمة للفهم والتفاهم المتبادل (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم) وذلك لبناء التعاون على البر والتقوى ولرد الإثم والعدوان... ولا يمكن للحوار أن يبنى على غير معايير الحقيقة والحرية والعدالة المقبولة دينيا وأخلاقيا ولدى كل الشعوب والحضارات، فلا يمكن أن يقوم حوار ويستقيم مبناه ومعناه من دون الارتكاز إلى تلك المعايير - المسلمات الضرورية والمطلقة:
1- نشدان الحقيقة مهما كانت (الحق والعدل هما من أسماء الله الحسنى، والحقيقة تحرر كما في الإنجيل).
2- العدل في الأحكام ولو على النفس أو على ذي قربى("وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى" - "ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين").
3- التقوى في خلوص النية ووقوف المتحاورين على قدم المساواة (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين).
4- الاعتراف بالاختلاف سنة إلهية كونية (ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة - ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا) وبحق الآخر المختلف في التعبير عن رأيه وعن اختلافه بحرية.
5- الاعتراف بحق الجميع في حرية تغيير الرأي (لا إكراه في الدين - أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين- لست عليهم بمسيطر - وما جعلناك عليهم حفيظا).
6- - رفض العنف ونبذه بالمطلق اذ يعطل به ومعه كل حوار ، كما انه يضرب امكان الفحص الجدي والموضوعي لآراء الآخر، أو التبادل الحي والواقعي للافكار والرؤى، أو التساؤل الدائم حول معنى تلك الآراء والافكار والمعتقدات وحول امكان او عدم امكان الاخذ بها. إن العنف ايا يكن شكله ونوعه يلغي الحوار نهائيا.
إن تعميم ثقافة الحوار، يقتضي التأصيل الكلامي والفقهي لمعاني الحقيقة والعدالة والحرية،، وذلك بالعودة إلى الجذور الدينية والفلسفية في الإسلام والمسيحية كما في الفكر الإنساني عموما.
ذلك أن البعض قد يختزل الحوار إلى حدود القول الحسن، والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، وحسن المعاشرة والجوار، واللين والرفق (أو التسامح في لغة العصر)، مرتكزا إلى توجيهات الله لرسوله (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك - وجادلهم بالتي هي أحسن، ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كانه ولي حميم). وهذا المعنى نجده في المسيحية وهي التي بنيت على المحبة والتسامح والغفران للأعداء (تماما مثل الإسلام المبني على السلام والرحمة والعفو والسماحة، ولو أن معظم الإسلاميين الحداثويين جعلوا منه دين الحرب والقتال ليس إلا!). ولكننا هنا نقع في الحالتين (الإسلام والمسيحية) في خطر التبشير أو الدعوة، إذ يصبح الحوار كمحفز للتعايش واللطف والمسايرة أداة للتأثير على الغير بالكلمة والقدوة والمثال (في لين المعاشرة ولطف الجوار وحلو الحديث) ولعل ذلك ما جعل غالبية المسلمين يرفضون في العصر الحديث ممارسة الحوار باعتباره أداة تبشير، خاصة وانه ترافق مع التبشير بعد سقوط الدولة العثمانية. وليس من قبيل الصدف أن تكون كل دعوات الحوار قد صدرت في العصر الحديث عن هيئات مسيحية أو غربية. ورغم تجاوب مسلمين ودول إسلامية معها، إلا أن هذا لا ينفي كونها صادرة عن غيرهم، ومقبولة منهم بحذر شديد.
ولم تبدأ الدول والهيئات الإسلامية إلا أخيرا بالدعوة إلى الحوار، وذلك إما لفك الحصار الغربي المفروض عليها (إيران مثلاً) وإما للرد على تداعيات الحادي عشر من أيلول (السعودية مثلاً)،أو لأخذ موقع تحت الشمس الدولية(قطر والاردن مثلاً).
ولم يبلور الفكر الإسلامي (باستثناء لمحات ولمعات مضيئة للمرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين) أي تأصيل كلامي - فقهي لمبدأ الحوار ومعناه باعتباره حقيقة فلسفية مجردة كما جرى في الفكر والثقافة والفلسفة الغربية.
لقد مجد السفسطائيون الكلمة والقول إلى حدود التسييس إذ جعلوا لهما "هدفا ذكيا"، وحاربهم سقراط، الذي كان يقول بأن ما يسمى محاجات - مجادلات ليس في الحقيقة كذلك (أي أنها ليست حججا) إذ هي عبارة عن أقوال بسيطة تدخل العقل في متاهات وتضله عن الصواب. أنها كلمات وليست خطابا أو مقالة تهتم بالحقيقة وبالمعنى، وباستقامة وجدية العلاقة بين المتحاورين. في حين أن إرادة الوصول إلى شيء حقيقي نكون فيه على اتفاق، ونستطيع الحوار حوله بناء على مبادئ ومعايير متعارف عليها، هو أساس الموقف السقراطي المعارض للسفسطة والمؤسس فعلا للفلسفة الغربية.
فالفلسفة هي محبة الحكمة (حسب الأصل اليوناني) وليس أن نقرر ما هو الصواب نيابة عن الآخرين. ولفظة Philia اليونانية القديمة كانت تعني ليس المحبة فقط وإنما أيضا الصداقة، والود، والأخوة، واحترام الغير. وحسب حنة آرندت فإن "الخطاب" هو جوهر الـPhilia، أي أن تبادل الكلام - الحوار، يحقق الـPhilia هذه. والفلسفة هي أن نفكر معا، وان نجادل - نتحاور ضمن إطار الـPhilia (أي احترام الآخر وصداقته). وفي كل حوار هناك همّ أساسي هو همّ المعنى، وليس الإطار أو الشكل فقط، أو همّ التواصل، وهما معاً (المعنى والتواصل) دعامتا الحوار. فأحيانا تكون الحجة الواضحة البسيطة (همّ المعنى) سببا لكي يطيل المتحاوران حوارهما، وأحيانا فان الخوف من القطيعة أو الانفصال على زعل هو ما يدفع بالمتحاورين إلى إيجاد حجج أكثر وضوحا وبساطة (همّ التواصل).
وفي الحالتين، وفي كل الأحوال عموما، فان ما هو مرفوض في الفلسفة هو العنف، إذ يتعطل به ومعه كل حوار وتبرز محله: القوة - الغلبة، أو الحيلة - التذاكي، أو التحريض - التعبئة، أو التهديد - الوعيد، أو التكفير - التخوين. وللأسف فان الكثير من التيارات السياسية، والإسلامي منها تحديدا، يرى إلى الحوار باعتباره تكتيكا ( تقية) ضمن إستراتيجية الاستعداد فالتمكن فالقوة - الغلبة بالعنف. إن العنف (بأشكاله المذكورة هنا) يضرب إمكان الفحص الجدي والموضوعي لآراء الآخر، أو التبادل الحي والواقعي للأفكار والرؤى، أو التساؤل الدائم حول معنى تلك الآراء والأفكار والمعتقدات وحول إمكان أو عدم إمكان الأخذ بها. إن العنف أيا يكن شكله ونوعه يلغي الحوار نهائيا. قد يتبادل اثنان الكلام الحلو، أو الاهانات والاتهامات، وهذا نوع من الاتصال والتواصل إلا انه ليس حوارا. فالاتصال والتواصل مفهوم أوسع من الحوار. والحوار هو أحد أشكال التواصل (ولكنه ليس أي شكل، إذ هو مميز) تماما كما الحرب والعنف هي من أشكال التواصل (الحرب امتداد للسياسة كما عند كلاوسفيتز، والعنف لغة رمزية كما عند بورديو وغيره).
قد تكفي نظرة واحدة أو كلمة بسيطة لكي يتم الاتصال - التواصل مع الآخر، وهذا الاتصال يعني أن حس التواصل قد يكون عميقا، إلا انه ليس حوارا. فالحوار يفترض التفكير النقدي، والاستغراق الذاتي، بحثا عن الحقيقة: انه يفترض العودة إلى الذات والغوص في أعماقها وليس النظر المجرد أو التلقي الجامد فقط، وهذا يفترض أيضا حس العدالة - التقوى، وهو أقرب إلى الروحانية المطلقة - ("ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو اقرب للتقوى واتقوا الله" - "فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا" )- فليس المهم أن أفهم عليك من النظرة أو البسمة أو الكلمة فقط وإنما أن أفهمك كما أنت وكما تريد وتقصد وان أفهم ما تريد وما تقصد أو ما تريد إيصاله، وهنا فعلاً يبدأ كل حوار.
إن ما نراه ونعيشه اليوم في منابر السياسة والإعلام ليس حوارا، ولذلك يسميه الناس (حوار طرشان)، فهو عبارة عن ردود فعل تكون أحيانا سيئة أو خاطئة (ولو عن غير قصد)، إذ أنها تأتي خارج سياق أي تبادل أو تفاعل بين المتحاورين، وخارج أي استغراق أو تأمل ذاتي نقدي، ولنا في ما يجري من إعلان مواقف وردود أفعال في الصحف ووسائل الإعلام، أو في برامج الحكي Talk Show على التلفزة خير مثال.
الحوار والحرية
إن مفهوم الحوار (الذي يغطي في الحقيقة عدة حقول: أخلاقية - اجتماعية - لغوية - سياسية) يرتكز أولا وأخيرا على معطى ثابت - واقعي (أي حقيقي) وهو اللقاء: لقاء بين كائنين فردين منفتحين على بعضهما البعض، محتاجين إلى بعضهما البعض، ومحتاجين إذن إلى الكلام المتبادل بينهما. دون ذلك لا يكون الحوار حالة إنسانية (أو بالأحرى تجربة إنسانية، هي ضرورة ومغامرة في آن).
الحوار يتعدى مجرد التبادل الكلامي - اللفظي. والثقافة وتاريخها ليست سوى تسجيل لحوار دائم: حوار مع الغيب، مع الكون، مع الطبيعة، مع الزمان، مع المكان.... والبشرية هي حسب قول لبلايز باسكال أشبه برجل يتعلم باستمرار ويتطور بالاستناد إلى معارف الذين سبقوه والذين نقلوا إليه معرفتهم وحكمتهم وتجاربهم بواسطة ما تركوه من آثار مكتوبة. (انظر ما يقوله جان بياجيه عن تطور وظيفة الكلام واللغة عند الطفل، وما أوضحه إميل بنفنيستي حول الفرق بين التواصل الحيواني والتواصل البشري وهو خلص إلى أن الحيوان قادر على التواصل بالإشارة والرمز، ووحده الإنسان قادر على الحوار! وقارن أيضا مع الروسي الماركسي ميخائيل باختين حول دور التفكير ودراسة الآثار والأعمال المكتوبة، في تطور الثقافة الإنسانية).
إن الطبيعة الحوارية للفكر تظهر بأجلى صورها من خلال طابعها الجدلي (الحجاجي). الحوار ليس عاملا مساعدا على إثبات أو تأكيد الفكر فقط، انه بنية الفكر نفسها، من حيث أن التفكير بطريقة جدلية (حجاجية) يفترض الركون إلى أحكام يعبر عنها بكلمات وجمل وعبارات وافتراضات.
وبذا فان الفكر يتبدى وكأنه حوار النفس مع ذاتها فيتطابق إذاك مع اللوغوس (محاورات أفلاطون - حيث اللوغوس يعني العقل والكلمة، وحيث الكلمة هي خطاب الخارج، والعقل هو خطاب الداخل) وعند سقراط فان التفكير النقدي هو مثل المحاجة، يمتلك بنية حوارية. ومن هنا قوله إن الفكر هو حوار النفس مع ذاتها. وهذا ما قاله ديكارت في الكوجيتو حيث أن حقيقة "أنا أفكر" تنتج عن لعبة قوانين الخطاب: أي أننا لا نستطيع أن نفكر بأنه من الخطأ أن نفكر وإذا قلنا بأننا نشك في أننا نفكر فهذا أيضا خطأ إذ أن الشك هو نوع من التفكير!
وإذا حللنا ما يتضمنه هذا الاتحاد بين التفكير والحوار، استطعنا أن نستخلص وجود مبادئ ناظمة مشتركة في ما بينهما لعل أبرزها افتراض ضابط معياري ما للحقيقة. ذلك انه من الواجب في أية عملية تواصل أن نتوافق على معنى الكلمات. وينبغي عند تقديم حجة أو برهان أو حين نصوغ عبارة أو قضية، أن نستطيع على الأقل الاعتراف بحقيقة أننا قلناها (أو عبرنا عنها) فلا يوجد إمكان لحوار حقيقي إذا رفضنا وضع ضابط معياري ما للحقيقة (تعالوا إلى كلمة سواء) إن معيار الحقيقة يستتبع معيار العدالة والمساواة. ذلك انه لا معنى للقول بأن قيمة أية حجة أو فكرة هي في مرجعية أو سلطة صاحبها ، فعندها لا تعود حجة أو فكرة. وإنما ينبغي أن نتفق على معنى العدالة والمساواة أي الوقوف على مستوى واحد (وإنّا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين - الله يحكم بيننا وبينكم يوم القيامة - لا حجة بيننا وبينكم، الله يجمع بيننا واليه المصير) والى معياري الحقيقة والعدالة ينبغي أن نضيف المبدأ أو المعيار الأساس وهو الحرية. وأول ما نقبله في الحوار هو الحرية الشخصية وخصوصا حرية تغيير الرأي (وليس فقط حرية التعبير عن الرأي) وحرية المعتقد والدين هي أساس في أي حوار... والآية - المفتاح (حسب وصف الإمام شمس الدين) "لا إكراه في الدين"، فيها وحدها كل فلسفة العلاقة بين الحوار والحرية، لا بل أنها تؤسس للفكر الإنساني عموما.
المادة 18 من إعلان - ميثاق حقوق الإنسان تقول: "لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة"... والى ذلك ذهب الإمام شمس الدين في تفسيره لآية "لا إكراه في الدين" وللآيات الأخرى المماثلة: "ولو شاء الله لجمعهم على الهدى - ولو شاء الله لجعلهم امة واحدة - قل الله أعبد مخلصا له ديني فاعبدوا ما شئتم من دونه - لكم دينكم ولي ديني - ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين - وما جعلناك عليهم حفيظا - من شاء فيلؤمن ومن شاء فليكفر")... وهو ما ذهب إليه أيضا الكثير من العلماء والفقهاء المعاصرين.
يقول الشيخ عبد العزيز جاويش (تلميذ محمد عبده ورفيق شكيب أرسلان ومصطفى كامل) "وما كان للعقائد أن تتكون بالإرغام والقهر، ولا للإسلام الذي هو دين البحث والنظر أن يقول بقتل من لا يدينون به" (كتابه الإسلام دين الفطرة والحرية - الزهراء للإعلام العربي - لا تاريخ نشر)... ويقول عبد المتعال الصعيدي "الحرية الدينية عبارة عن حق الإنسان في اختيار عقيدته الدينية فلا يكون لغيره من الناس سلطان عليه في ما يعتقده، بل له أن يعتقد ما يشاء وله ألا يعتقد في شيء أصلا، وله إذا اعتقد في شيء أن يرجع عن اعتقاده وله الحرية في الدعوة إلى ما يعتقده بالتي هي أحسن" (كتابه: حرية الفكر في الإسلام - دار الفكر العربي ط2 - القاهرة - دون تاريخ).
ومما يتعلق بموضوع الحرية الدينية قضية الردة (أي الكفر بعد الإسلام عن وعي واختيار) وقد برز في العقود الأخيرة التيار الذي أسس له وطوره المشايخ محمد عبده، ورشيد رضا، وعبد المتعال الصعيدي، ومحمد مهدي شمس الدين، وراشد الغنوشي، وحسن الترابي، وعبد الوهاب خلاف، ومحمد أبو زهرة، وعبد العزيز جاويش، وسيد قطب، ومالك بن نبي، ومن رجال القانون الدستوري: فتحي عثمان وعبد الحميد متولي وعبد الحكيم حسن العيلي ومحمد سليم غزوري وطارق البشري ومحمد سليم العوا، والذي يقول بأن الردة جريمة لا علاقة لها بحرية العقيدة، وإنما هي مسألة سياسية (من قبيل الخيانة الوطنية والحرابة، أي الخروج المسلح على الدولة) وبذلك تكون عقوبة المرتد تعزيرا لا حدا، أي أن عقوبة الردة هي تشريع زمني يطبق تبعا لما تمليه المصلحة العامة مع مراعاة البيئة الخاصة.
إن الكثير من المفكرين المسلمين، وعلى رأسهم الشيخ شمس الدين والترابي والغنوشي، يتفقون مع الشيخ عبد المتعال الصعيدي في أن آيات الحرية الدينية أصلية ولم يتم نسخها، وفي أن حرية اختيار العقيدة أو تغييرها مطلقة في الإسلام "فلكل إنسان أن يعتقد ما يشاء في الدنيا، وحسابه على الله تعالى في الآخرة، وليس من حقنا أن نحاسبه بشيء على ما يعتقده، لأن كل إنسان عاقل يتحمل مسؤولية اعتقاده ولا نتحملها نحن عنه، فليس لنا أن نحاسبه على شيء من شأن نفسه وحدها، ولا شأن لنا فيه" (عبد المتعال الصعيدي).
ومع ذلك، فان السائد في فكر الحركة الإسلامية المعاصرة وممارستها، لا علاقة له بما سبق تقريره من موقف إسلامي أصيل في الحرية الدينية وحرية الاعتقاد وتغيير المعتقد. وهذا مما يعيق لا بل يلغي إمكان الحوار، أي حوار. إن قبول الحرية الإنسانية بالمطلق يبدأ بقبول حرية تغيير الرأي أو المعتقد ولعل هذا ما عبّرت عنه وجودية جان بول سارتر، وما كان الإمام شمس الدين قد وصفه بالمغامرة: ففي كل حوار هناك على الدوام مغامرة، فنحن لا نعرف كيف ينتهي الحوار، الذي هو بالنتيجة لحظة وجود أصيلة.
إن روح الحوار، حين تتكرس، تعيد النظر بنظام الأشياء وبالأحكام المسبقة وبالأفكار والتصورات الظنية ("يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا، أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه، واتقوا الله إن الله تواب رحيم") (أو كما قال الإمام علي لشيعته: "إني اكره لكم أن تكونوا سبابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم كان أصوب في القول وابلغ في العظة").
سعود المولى
عن الثقافة والمثقفين
عن الثقافة والمثقفين
الثقافة حسب قاموس (لاروس) وقاموس (روبير) الفرنسيين هي: (جماع المعارف الإنسانية)، ولكن المقصود هنا هو بالضبط المعارف الذهنية المجرّدة حيث أن المعرفة المادية المباشرة والملموسة لا تنتمي إلى نسق الثقافة. وفي التعريف (الأنكلو ساكسوني) (قاموس ويبستر على سبيل المثال) فإن الثقافة هي عملية تطوير المهارات الذهنية والمعنوية بواسطة التربية والتعليم.. وهي أيضاً المعرفة المتعلقة بالفنون والآداب وكل ما يرتبط بالمهارات التقنية.
وفي الفكر الغربي تعايش النسقان الطبيعي والثقافي وتمايزا وتعارضا بحيث أن المجمع الفرنسي عرّف في معجمه كلمة ثقافة بأنها (تُطلق بالمعنى المجرّد العام في مقابل كلمة طبيعة، فهي العبقرية الإنسانية مضافة إلى الطبيعة بغية تحرير عطاءاتها وإغنائها وتنميتها).
وبهذا فإن النسق الطبيعي، وحشي، بري، بدائي، في حين أن النسق الثقافي حضاري، إنساني، محرّر.. وكذلك فان إرادة النسق الثقافي، الهيمنة والتسلط على الطبيعي، هي ضرورية تحقيقاً للحرية وتحريراً للإنسانية. وفي عصرنا اليوم، ومع التطور الحديث لوسائل وأدوات الاتصال والتواصل والإعلام والمعلومات، أصبحت الغلبة مطلقة للثقافي على الطبيعي؛ أي إن المعرفة المجرّدة أصبحت هي السيدة وذلك على حساب المعرفة المباشرة الحقيقية؛ فالمثقف هو من يستطيع أن يحدثك لساعات عن الثعلب والذئب دون أن يكون قد رآهما أو يعرف الفرق بينهما.. والفلاح القروي الصّياد يعرف عن الثعلب أو الذئب أو غيره من الحيوانات معلومات وأموراً وحكايات وأسراراً اختبرها ولاحظها مباشرة فأعطته معرفة أكثر عمقاً من معرفة المثقف، ولكنها تظل معرفة غير ثقافية طالما أنها غير مجرّدة..
فالثقافة تحتقر المعارف الملموسة رغم أنها لا تستطيع أن تتكون خارج سياق المعرفة الملموسة المباشرة..ولا تعني إشارتنا هذه الحط من قدر المثقف والثقافة أو المعرفة الذهنية المجرّدة وإنما نريد الدلالة على مسألة أعمق من ذلك. فأول مثقف ألف كتاباً حول الزراعة مثلاً، اعتمد على التحقيق المباشر وعلى سؤال الخبراء والمزارعين أصحاب التجربة الحسية الملموسة. وعمله بهذا المعنى هو عمل محترم طالما أنه اعتنى باختيار الشهادات والمصادر وتنويعها وتصنيفها وفرزها.. الخ.
إذن، هذا المثقف الأول له كل الفضل والتقدير.. ثم إنه جاء من بعده من استوحى من أعماله أو نقل نصه معدلاً ومضيفاً.. وهكذا.. ومن واحد إلى واحد.. انتقلت إلينا تلك المعرفة المجرّدة.. ونفس الأمر ينطبق على الصيد وتربية الدواجن وعلى أمور الحياة كلها.. وليست القضية أو المشكلة هنا أيضاً بل هي تبدأ حين تنفصل تلك الفئة من الناس صاحبة المعرفة المجرّدة لتتحول إلى سلطة تحدد وتقرر وتضع المعايير.. فلا يعود بوسع الصياد المجرّب الذهاب إلى الصيد قبل المرور بامتحان يسمح له بنيل إجازة مخصوصة.. وهذا الامتحان لا وظيفة له سوى تقرير المعارف الذهنية المجرّدة للصياد، والحكم في ذلك والمقرر هو المثقف، أما الفلاح الأمي الذي يزرع السهول والحقول ويقطع الغابات والوديان منذ طفولته، ويعرف كل الحيوانات وعاداتها وأوكارها ولغتها وأصواتها وطقوسها وطرقها، كما يعرف كل الأشجار والنباتات، وكل عوامل الطبيعة وتقلباتها.. هذا الفلاح سيكون بالطبع عاجزاً عن اجتياز الامتحان المطلوب والمقرر له من طرف المثقف، لنيل إجازة في الزراعة أو التدجين!!.
إن (انقلاب الصورة) هذا، يحدث في كل المهن اليدوية والحرف، أي في كل الأمور التي يعمل فيها ذكاء الإنسان وشخصيته وإرادته وتجربته وتاريخه انطلاقاً من الأشياء وليس من الكلمات.. فالنسق الثقافي هو نسق المعرفة المجرّدة، والمثقفون أصبحوا هم الوسطاء بين الثقافة، وبين جماهير الناس، وهذا التحوّل أو الانقلاب في الوضع، هو أمر حديث في تاريخ البشرية، ولعله يؤرخ أيضاً لولادة الأنثروبولوجيا التي صاغت بداهة تعريفها للثقافة.. فقال (إدوارد تايلور) في كتابه (الثقافة البدائية- primitive culture) بأن الثقافة هي ذلك (الكل المركب الذي يشتمل على المعرفة والعقائد والفن والأخلاق والقانون والعرف وكل القدرات والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان من حيث هو عضو في مجتمع).
أما (مالينوفسكي) فقال بأن الثقافة هي: (جهاز فعّال يمكّن الإنسان من الانتقال إلى وضع أفضل يواكب المشاكل التي تواجه الإنسان في بيئته).
ولعلّ سلامة موسى هو أول من أدخل لفظة ثقافة بمعناها الأوروبي (كمقابل للفظة Culture) في لغتنا العربية، وهو يقول في ذلك: (كنت أول من أفشى لفظة الثقافة في الأدب العربي الحديث ولم أكن أنا الذي سكّها بنفسه فإني انتحلتها من ابن خلدون، إذ وجدته يستعملها في معنى شبيه بلفظة (كلتور) الشائعة في الأدب الأوروبي الثقافة هي المعارف والعلوم والآداب والفنون يتعلمها الناس ويتثقفون بها، وقد تحتويها الكتب ومع ذلك هي خاصة بالذهن) (1). وقد استخدمها سلامة موسى مجدداً في كتابه (اليوم وغداً) (القاهرة 1928).
كما استخدمها طه حسين في (مستقبل الثقافة في مصر) وكذلك لطفي السيد وفارس نمر ويعقوب صروف وشبلي الشميل وغيرهم في مطلع هذا القرن.
وهكذا حمل لفظ ثقافة العربي نفس معاني ومدلولات مفهوم كلتور الأجنبي وهو انتقل إلى معاجم اللغة منذ السبعينيات.. (2)
وبهذا فإن الثقافة هي (حالة متقدمة عن البدائية، هي أرقى درجات سلم التقدم، وهي نشأت في أوروبا ثم انتشرت في المجتمعات الأخرى الأقل تطوراً).
وبالتالي فانه يمكن تصنيف المجتمعات طبقاً لمدى اقترابها أو ابتعادها عن الثقافة السائدة في أوروبا؛ ومن هنا ظهرت موضوعات اللحاق بأوروبا، والتحديث، ورسالة الأوروبي التمدينية، والتحضيرية، وغيرها..
وهذا المعنى هو الذي حمله سلامة موسى في كتابه (اليوم وغداً) (القاهرة 1928) حيث يقول: (فالرابطة الغربية هي الرابطة الطبيعية لنا لأننا في حاجة إلى أن نزيد ثقافتنا وحضارتنا، وهما لن تزيدا من ارتباطنا بالشرق بل من ارتباطنا بالغرب.. إننا إذا ارتبطنا بالغرب تعلمنا فلسفة عالية وأدباً راقياً ووقفنا على اختراعات عديدة واكتشافات لا حصر لها..!! )، وفي بعض عناوين هذا الكتاب: (التردد بين الشرق والغرب - لسنا شرقيين - الدم الشرقي فينا جلبه علينا العرب - بقينا أوروبيين في تقاسيم وجوهنا ونزعات نفوسنا - الجامعة المصرية هي أداة الثقافة الحديثة - الأزهر هو أداة الثقافة المظلمة ثقافة القرون الوسطى - ليس علينا للعرب أي ولاء - لغة المتنبي ليست لغتنا - لنا من العرب ألفاظهم فقط وليس لغتهم وليس كل ألفاظهم حتى - الرابطة الشرقية سخافة - الرابطة الحقيقية هي رابطة الثقافة وهي رابطتنا بأوروبا).وطه حسين يرى ارتباط مصر بالثقافة الغربية منذ القديم ولهذا السبب يعطي مصر دور (نشر الثقافة في الأقطار العربية)، و(تنظيم الثقافة وتوحيد برامجها) (3).
إن المترجمين النقلة لمفهوم الثقافة الغربي قد أرادوا عن وعي الالتزام بالمفهوم التطوّري للتاريخ وبموضوعة التقدم، وصولاً إلى الدفاع عن الاستعمار والاحتلال (تماماً كما فعل سلامة موسى وشبلي الشميل بوضوح) باعتبار أن التغيير نحو التقدم والتطور واللحاق بركب الحضارة يقتضي التثاقف أو المثاقفة acculturation، وبالتالي فإن مهمة المثقف المحلي هي نقل ثقافة الغرب الأوروبي كونها وسيلة التطور والتقدم، والتخلي عن التراث المحلي (البائد الرجعي المتخلف)، وبالتالي فإن مفهوم الثقافة هو مفهوم معياري (في النص الأجنبي كما لدى النقلة المترجمين العرب)، وقد أعطى الاستخدام الشائع لهذا المفهوم (الثقافة والمثقف) نموذجاً مشوهاً يحمل المعاني والدلالات الأوروبية للمفهوم دون الدلالات الأصلية، على اعتبار أن الدلالات الأوروبية هذه تظهر وكأنها مستنبطة من لغتنا العربية. وهكذا نقرأ في (المعجم الوسيط) لمجمع اللغة العربية في القاهرة(4) وفي المعجم العربي الأساسي لمجمع اللغة العربية (تحت مادة ثقف) أن (الثقافة هي العلوم والمعارف والفنون التي يُطلب الحذق فيها).
وهكذا نعود إلى ما بدأنا به، فإن الثقافة (والمثقف) هي معرفة ذهنية مجرّدة، وهي تحتقر المعارف الملموسة على الرغم من أنها لا يمكن أن تكون قد نشأت إلا بواسطتها أو من خلالها.
وحسب النظريات الأوروبية فإن الثقافة هي التجسيد الفعلي لميل الإنسان نحو التميّز والانفصال عن الطبيعة، ثم هي تتجه نحو ترويض الطبيعة والسيطرة عليها (الطبيعة الخارجية كما الطبيعة البشرية الداخلية) وحسب هذه النظريات فان الخط الفاصل بين الطبيعة والثقافة يتمثل في التقنية، اكتشاف العمل، استخدام اليد في الصناعة، (المفهوم الشيوعي) وبعضها رأى في التحريم الجنسي للأقارب أو اللغة المنطوقة الخط الفاصل بين الطبيعة والثقافة (كلود ليفي ستروس) أو في ضبط الغرائز وتضييق الحياة الجنسية (فرويد) أو في حرمان الإنسان من المتعة واللذّة باسم الأخلاق (نيتشه) أو في نشوء السلطة (هوبز - روسو الخ.. ).
وفي أيامنا هذه أصبحت الثقافة هي الإله المطلق الحاكم الذي يعطي لأتباعه (المثقفون) السلطة على كل الأشياء وكل الناس (الذين لا ينتمون إلى هذا الدين!).
إن هؤلاء هم كهنة هذا (الدين الجديد) أو هم الفريسيون الجدد وهم يقولون للناس إن الثقافة هي الحل لكل مشاكل الحياة الشخصية والاجتماعية وبالتالي فإن من كان لا ينتمي إلى هذا النسق لا يستطيع أن يتولى أي موقع مسؤولية أو إدارة للمجتمع أو للحياة!!.
الهوامش:
(1) سلامة موسى: الثقافة والحضارة - مجلة الهلال القاهرة - ديسمبر 1927 - ص171.
(2) مجمع اللغة العربية - القاهرة: معجم علم النفس والتربية - الجزء الأول(1984)،
مراد وهبه وآخرون: المعجم الفلسفي - القاهرة - دار الثقافة الجديدة (1971)،
مجمع اللغة العربية - القاهرة - مجموعة المصطلحات العلمية والفنية التي أقرها المجمع - المجلد 19 - (القاهرة 1977).
(3) طبعة القاهرة 1936، ج1، ص525 - 536 من كتاب مستقبل الثقافة في مصر.
(4) المعجم الوسيط: ج1 ص 98.
سعود المولى
الثقافة حسب قاموس (لاروس) وقاموس (روبير) الفرنسيين هي: (جماع المعارف الإنسانية)، ولكن المقصود هنا هو بالضبط المعارف الذهنية المجرّدة حيث أن المعرفة المادية المباشرة والملموسة لا تنتمي إلى نسق الثقافة. وفي التعريف (الأنكلو ساكسوني) (قاموس ويبستر على سبيل المثال) فإن الثقافة هي عملية تطوير المهارات الذهنية والمعنوية بواسطة التربية والتعليم.. وهي أيضاً المعرفة المتعلقة بالفنون والآداب وكل ما يرتبط بالمهارات التقنية.
وفي الفكر الغربي تعايش النسقان الطبيعي والثقافي وتمايزا وتعارضا بحيث أن المجمع الفرنسي عرّف في معجمه كلمة ثقافة بأنها (تُطلق بالمعنى المجرّد العام في مقابل كلمة طبيعة، فهي العبقرية الإنسانية مضافة إلى الطبيعة بغية تحرير عطاءاتها وإغنائها وتنميتها).
وبهذا فإن النسق الطبيعي، وحشي، بري، بدائي، في حين أن النسق الثقافي حضاري، إنساني، محرّر.. وكذلك فان إرادة النسق الثقافي، الهيمنة والتسلط على الطبيعي، هي ضرورية تحقيقاً للحرية وتحريراً للإنسانية. وفي عصرنا اليوم، ومع التطور الحديث لوسائل وأدوات الاتصال والتواصل والإعلام والمعلومات، أصبحت الغلبة مطلقة للثقافي على الطبيعي؛ أي إن المعرفة المجرّدة أصبحت هي السيدة وذلك على حساب المعرفة المباشرة الحقيقية؛ فالمثقف هو من يستطيع أن يحدثك لساعات عن الثعلب والذئب دون أن يكون قد رآهما أو يعرف الفرق بينهما.. والفلاح القروي الصّياد يعرف عن الثعلب أو الذئب أو غيره من الحيوانات معلومات وأموراً وحكايات وأسراراً اختبرها ولاحظها مباشرة فأعطته معرفة أكثر عمقاً من معرفة المثقف، ولكنها تظل معرفة غير ثقافية طالما أنها غير مجرّدة..
فالثقافة تحتقر المعارف الملموسة رغم أنها لا تستطيع أن تتكون خارج سياق المعرفة الملموسة المباشرة..ولا تعني إشارتنا هذه الحط من قدر المثقف والثقافة أو المعرفة الذهنية المجرّدة وإنما نريد الدلالة على مسألة أعمق من ذلك. فأول مثقف ألف كتاباً حول الزراعة مثلاً، اعتمد على التحقيق المباشر وعلى سؤال الخبراء والمزارعين أصحاب التجربة الحسية الملموسة. وعمله بهذا المعنى هو عمل محترم طالما أنه اعتنى باختيار الشهادات والمصادر وتنويعها وتصنيفها وفرزها.. الخ.
إذن، هذا المثقف الأول له كل الفضل والتقدير.. ثم إنه جاء من بعده من استوحى من أعماله أو نقل نصه معدلاً ومضيفاً.. وهكذا.. ومن واحد إلى واحد.. انتقلت إلينا تلك المعرفة المجرّدة.. ونفس الأمر ينطبق على الصيد وتربية الدواجن وعلى أمور الحياة كلها.. وليست القضية أو المشكلة هنا أيضاً بل هي تبدأ حين تنفصل تلك الفئة من الناس صاحبة المعرفة المجرّدة لتتحول إلى سلطة تحدد وتقرر وتضع المعايير.. فلا يعود بوسع الصياد المجرّب الذهاب إلى الصيد قبل المرور بامتحان يسمح له بنيل إجازة مخصوصة.. وهذا الامتحان لا وظيفة له سوى تقرير المعارف الذهنية المجرّدة للصياد، والحكم في ذلك والمقرر هو المثقف، أما الفلاح الأمي الذي يزرع السهول والحقول ويقطع الغابات والوديان منذ طفولته، ويعرف كل الحيوانات وعاداتها وأوكارها ولغتها وأصواتها وطقوسها وطرقها، كما يعرف كل الأشجار والنباتات، وكل عوامل الطبيعة وتقلباتها.. هذا الفلاح سيكون بالطبع عاجزاً عن اجتياز الامتحان المطلوب والمقرر له من طرف المثقف، لنيل إجازة في الزراعة أو التدجين!!.
إن (انقلاب الصورة) هذا، يحدث في كل المهن اليدوية والحرف، أي في كل الأمور التي يعمل فيها ذكاء الإنسان وشخصيته وإرادته وتجربته وتاريخه انطلاقاً من الأشياء وليس من الكلمات.. فالنسق الثقافي هو نسق المعرفة المجرّدة، والمثقفون أصبحوا هم الوسطاء بين الثقافة، وبين جماهير الناس، وهذا التحوّل أو الانقلاب في الوضع، هو أمر حديث في تاريخ البشرية، ولعله يؤرخ أيضاً لولادة الأنثروبولوجيا التي صاغت بداهة تعريفها للثقافة.. فقال (إدوارد تايلور) في كتابه (الثقافة البدائية- primitive culture) بأن الثقافة هي ذلك (الكل المركب الذي يشتمل على المعرفة والعقائد والفن والأخلاق والقانون والعرف وكل القدرات والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان من حيث هو عضو في مجتمع).
أما (مالينوفسكي) فقال بأن الثقافة هي: (جهاز فعّال يمكّن الإنسان من الانتقال إلى وضع أفضل يواكب المشاكل التي تواجه الإنسان في بيئته).
ولعلّ سلامة موسى هو أول من أدخل لفظة ثقافة بمعناها الأوروبي (كمقابل للفظة Culture) في لغتنا العربية، وهو يقول في ذلك: (كنت أول من أفشى لفظة الثقافة في الأدب العربي الحديث ولم أكن أنا الذي سكّها بنفسه فإني انتحلتها من ابن خلدون، إذ وجدته يستعملها في معنى شبيه بلفظة (كلتور) الشائعة في الأدب الأوروبي الثقافة هي المعارف والعلوم والآداب والفنون يتعلمها الناس ويتثقفون بها، وقد تحتويها الكتب ومع ذلك هي خاصة بالذهن) (1). وقد استخدمها سلامة موسى مجدداً في كتابه (اليوم وغداً) (القاهرة 1928).
كما استخدمها طه حسين في (مستقبل الثقافة في مصر) وكذلك لطفي السيد وفارس نمر ويعقوب صروف وشبلي الشميل وغيرهم في مطلع هذا القرن.
وهكذا حمل لفظ ثقافة العربي نفس معاني ومدلولات مفهوم كلتور الأجنبي وهو انتقل إلى معاجم اللغة منذ السبعينيات.. (2)
وبهذا فإن الثقافة هي (حالة متقدمة عن البدائية، هي أرقى درجات سلم التقدم، وهي نشأت في أوروبا ثم انتشرت في المجتمعات الأخرى الأقل تطوراً).
وبالتالي فانه يمكن تصنيف المجتمعات طبقاً لمدى اقترابها أو ابتعادها عن الثقافة السائدة في أوروبا؛ ومن هنا ظهرت موضوعات اللحاق بأوروبا، والتحديث، ورسالة الأوروبي التمدينية، والتحضيرية، وغيرها..
وهذا المعنى هو الذي حمله سلامة موسى في كتابه (اليوم وغداً) (القاهرة 1928) حيث يقول: (فالرابطة الغربية هي الرابطة الطبيعية لنا لأننا في حاجة إلى أن نزيد ثقافتنا وحضارتنا، وهما لن تزيدا من ارتباطنا بالشرق بل من ارتباطنا بالغرب.. إننا إذا ارتبطنا بالغرب تعلمنا فلسفة عالية وأدباً راقياً ووقفنا على اختراعات عديدة واكتشافات لا حصر لها..!! )، وفي بعض عناوين هذا الكتاب: (التردد بين الشرق والغرب - لسنا شرقيين - الدم الشرقي فينا جلبه علينا العرب - بقينا أوروبيين في تقاسيم وجوهنا ونزعات نفوسنا - الجامعة المصرية هي أداة الثقافة الحديثة - الأزهر هو أداة الثقافة المظلمة ثقافة القرون الوسطى - ليس علينا للعرب أي ولاء - لغة المتنبي ليست لغتنا - لنا من العرب ألفاظهم فقط وليس لغتهم وليس كل ألفاظهم حتى - الرابطة الشرقية سخافة - الرابطة الحقيقية هي رابطة الثقافة وهي رابطتنا بأوروبا).وطه حسين يرى ارتباط مصر بالثقافة الغربية منذ القديم ولهذا السبب يعطي مصر دور (نشر الثقافة في الأقطار العربية)، و(تنظيم الثقافة وتوحيد برامجها) (3).
إن المترجمين النقلة لمفهوم الثقافة الغربي قد أرادوا عن وعي الالتزام بالمفهوم التطوّري للتاريخ وبموضوعة التقدم، وصولاً إلى الدفاع عن الاستعمار والاحتلال (تماماً كما فعل سلامة موسى وشبلي الشميل بوضوح) باعتبار أن التغيير نحو التقدم والتطور واللحاق بركب الحضارة يقتضي التثاقف أو المثاقفة acculturation، وبالتالي فإن مهمة المثقف المحلي هي نقل ثقافة الغرب الأوروبي كونها وسيلة التطور والتقدم، والتخلي عن التراث المحلي (البائد الرجعي المتخلف)، وبالتالي فإن مفهوم الثقافة هو مفهوم معياري (في النص الأجنبي كما لدى النقلة المترجمين العرب)، وقد أعطى الاستخدام الشائع لهذا المفهوم (الثقافة والمثقف) نموذجاً مشوهاً يحمل المعاني والدلالات الأوروبية للمفهوم دون الدلالات الأصلية، على اعتبار أن الدلالات الأوروبية هذه تظهر وكأنها مستنبطة من لغتنا العربية. وهكذا نقرأ في (المعجم الوسيط) لمجمع اللغة العربية في القاهرة(4) وفي المعجم العربي الأساسي لمجمع اللغة العربية (تحت مادة ثقف) أن (الثقافة هي العلوم والمعارف والفنون التي يُطلب الحذق فيها).
وهكذا نعود إلى ما بدأنا به، فإن الثقافة (والمثقف) هي معرفة ذهنية مجرّدة، وهي تحتقر المعارف الملموسة على الرغم من أنها لا يمكن أن تكون قد نشأت إلا بواسطتها أو من خلالها.
وحسب النظريات الأوروبية فإن الثقافة هي التجسيد الفعلي لميل الإنسان نحو التميّز والانفصال عن الطبيعة، ثم هي تتجه نحو ترويض الطبيعة والسيطرة عليها (الطبيعة الخارجية كما الطبيعة البشرية الداخلية) وحسب هذه النظريات فان الخط الفاصل بين الطبيعة والثقافة يتمثل في التقنية، اكتشاف العمل، استخدام اليد في الصناعة، (المفهوم الشيوعي) وبعضها رأى في التحريم الجنسي للأقارب أو اللغة المنطوقة الخط الفاصل بين الطبيعة والثقافة (كلود ليفي ستروس) أو في ضبط الغرائز وتضييق الحياة الجنسية (فرويد) أو في حرمان الإنسان من المتعة واللذّة باسم الأخلاق (نيتشه) أو في نشوء السلطة (هوبز - روسو الخ.. ).
وفي أيامنا هذه أصبحت الثقافة هي الإله المطلق الحاكم الذي يعطي لأتباعه (المثقفون) السلطة على كل الأشياء وكل الناس (الذين لا ينتمون إلى هذا الدين!).
إن هؤلاء هم كهنة هذا (الدين الجديد) أو هم الفريسيون الجدد وهم يقولون للناس إن الثقافة هي الحل لكل مشاكل الحياة الشخصية والاجتماعية وبالتالي فإن من كان لا ينتمي إلى هذا النسق لا يستطيع أن يتولى أي موقع مسؤولية أو إدارة للمجتمع أو للحياة!!.
الهوامش:
(1) سلامة موسى: الثقافة والحضارة - مجلة الهلال القاهرة - ديسمبر 1927 - ص171.
(2) مجمع اللغة العربية - القاهرة: معجم علم النفس والتربية - الجزء الأول(1984)،
مراد وهبه وآخرون: المعجم الفلسفي - القاهرة - دار الثقافة الجديدة (1971)،
مجمع اللغة العربية - القاهرة - مجموعة المصطلحات العلمية والفنية التي أقرها المجمع - المجلد 19 - (القاهرة 1977).
(3) طبعة القاهرة 1936، ج1، ص525 - 536 من كتاب مستقبل الثقافة في مصر.
(4) المعجم الوسيط: ج1 ص 98.
سعود المولى
أميركا والحركة الإسلامية العربية
أميركا والحركة الإسلامية العربية
ليس هناك من موضوع ملتبس ومثير في آن واحد أكثر من موضوع علاقة أميركا بالحركة الإسلامية العربية. والحقيقة انه برغم التحالفات أو اللقاءات الظرفية من هنا وهناك (حين كان الأمر مناسباً لأميركا لم تتردد في دعم بعض الحركات الاسلامية) فإن الموقف الأساس في علاقة أميركا بالحركة الإسلامية العربية هو موقف العداء الصريح المعلن أو المضمر، وسلوك التآمر والتشويه، الذي يمكن اعتباره أحد خلفيات الالتباس السابق الذكر في آليات الاستخدام السياسي البراغماتي لبعض أوجه أو مظاهر التعبير السياسي عن الحركة الإسلامية العربية.
إن الحركة الإسلامية العربية بمفهومنا، وبشتى تعابيرها، هي تعبير عن يقظة وصحوة في الأمة وليست كما يفهم الغرب وأميركا ردة رجعية إلى الوراء (إلى ظلام القرون الوسطى بحسب الأدبيات الرائجة).فحين نرى إلى الغرب وكيف ينظر إلى المسلمين والعرب من خلال السينما، وكيف يصور نمط حياة المسلم وسلوكه وأخلاقه وقيمه وعلاقاته، لا نظن أن المسألة نقص في المعلومات أو أن أساطين هوليوود لا يعرفون كيف يعيش المسلم أو العربي، أو أنهم لا يعرفون كيف يصورون وينقلون هذا النمط المعيشي. ولا نظن أن الإعلام الأميركي غبي إلى درجة الجهل الكامل. بل نقول عن يقين إن في المسألة موقفاً تحقيرياً وعدوانياً هو ضروري ومطلوب لرسم صورة الذات في مرآة الآخر.
إن النموذج الثقافي المعاصر للموقف العدائي في أميركا مثّله اليوم فوكوياما وهانتنغتون وقبلهما وبعدهما برنارد لويس نفسه، ناهيك عن دانيال بايبس وأمثاله. ولا نستطيع أن نقول إن هؤلاء لا يعرفون الإسلام والعرب والمسلمين وإنما نستطيع أن نقول إنهم يقومون بمهمة الأدلجة لتركيب صورة الذات في مرآة الآخر خصوصاً بعد انكشاف كون هذا الآخر الذي يسكن أحلام الغرب وهواجسه هو الإسلام. وأخيراً انكشف أن من مقاصد سياسة حلف شمال الأطلسي حرب الإسلام كما جاء على لسان الأمين العام السابق للحلف في خطبته الوداعية. وهذا الكلام يعكس خلفية مداولات أروقة الحلف نفسه وليس كلاماً فردياً عابراً. بل إن أولى بصماته قد ظهرت في الانقلاب الأخير على حكومة أربكان في تركيا، وفي الحملة الإعلامية التي لم تتوقف ضد العربية السعودية ومصر. هناك إذن تحوُّل في مناخ الحلف الأطلسي في اتجاه تشكيل عصبيته على قاعدة حرب الإسلام بعد سقوط مبرر العداء للشيوعية. ومجلة "فورين آفيرز" خصصت عدداً لبحث قضية "هل الإسلام هو الخطر؟" ولم ندهش لرؤية أقلام السيد دانيال بايبس والسيدة جوديث ميلر تصبّ في اتجاه التأكيد بالإيجاب على كون الإسلام هو الخطر.
(*)ورقة قُدِّمت في اجتماع في واشنطن نظمه "المجلس الأميركي للعلاقات الخارجية Council on Foreign Relations"(13/11/1997).
والانطباع الأولي الذي تكوّن لدينا هو أن هناك موقفاً عدائياً في أميركا من الإسلام ومن الحركة الإسلامية واعتبارها خطراً على الغرب وحضارته (من هنا مقولة "صدام الحضارات") أو اعتبارها من مختلفات التاريخ التي ينبغي كنسها (مقولة نهاية التاريخ). أما نحن فإننا نعتقد أن الإسلام (والحركة الإسلامية) ليس خطراً ثقافياً وحضارياً على الغرب وأميركا بقدر ما هو خطر على نظام المصالح الدولي وهو الآن في حالة مريحة ومربحة للغرب وأميركا وفي حال قهر وظلم لنا وللعالم الثالث.
وحقيقة الأمر أن أميركا تتعامل مع الحركة الإسلامية باعتبارها خطراً اقتصادياً وسياسياً (وليس ثقافياً وحضارياًَ كما تدّعي) وذلك لسبب جوهري رئيسي هو ما تحمله هذه الحركة الإسلامية من نبرة رفض وتحدٍّ للمشروع الصهيوني ولدولة إسرائيل. وبالأمس القريب اعتبرت الولايات المتحدة الحركة القومية العربية الخطر وذلك للسبب عينه وليس لسبب ثقافي وحضاري، طالما أن الحركة القومية حاولت تقليد الغرب ومحاكاته في كل مفاهيمها وممارساتها السياسية. وليس مثال صدام حسين أول الأمثلة بل هو أشهرها وقد سبقه مثال عبد الناصر في أواخر الخمسينيات وحتى حرب 67 التي كانت حرباً أميركياً لإسقاط التجربة الناصرية والحركة القومية العربية برمتها.هذا ناهيك عن اسقاط تجربة الرئيس مصدّق في ايران وتجربة عدنان مندريس في تركيا،وهما لم يكونا من المعادين للغرب وإنما كانا من المدافعين عن أوطانهم والمطالبين بالحرية والديمقراطية...
دعونا إذا سمحتم ننظر قليلاً إلى صورة أميركا في خيال العرب وعقلهم وعاطفتهم، عموماً، وأن نجري مقارنة تاريخية بين محطات تشكل هذه الصورة. في الحرب العالمية الأولى (ومبادئ ويلسون الشهيرة التي عليها تأسست عصبة الأمم) ثم بين الحربين العالميتين وصولاً إلى الحرب الثانية وما بعدها وحتى عام 1956 (تاريخ العدوان الثلاثي على مصر) نرى الخط البياني لصورة أميركا في العالم العربي في حالة تصاعد، حيث إن العرب كانوا يعتبرون الولايات المتحدة بلاد العدالة والأخلاق والحرية ويرفعون إليها الشكاوى احتجاجاً على السياسات الأوروبية حيال بلدانهم. وفي عام 1956 تحّول الرئيس إيزنهاور بطلاً قومياً عربياً بسبب الموقف من العدوان الثلاثي على مصر. ولكن الانحدار في الخط البياني بدأ منذ نكبة فلسطين عام 1948 بل منذ قرار التقسيم عام 1947 يوم انكشفت حقائق الضغط المعيب الذي مارسته أميركا على بعض الدول للتصويت إلى جانب قرار التقسيم. وقد وصف إلمر برغر وألفرد ليلنتال لاأخلاقية الممارسات الأميركية في تلك الأيام أبلغ وصف، كما تحدث عنها بالتفصيل الدكتور جورج طعمه سفير سوريا الأسبق في الأمم المتحدة والذي عايش تلك المرحلة.
منذ ذلك اليوم بدأت صورة أميركا تشوِّه وصولاً إلى ما أصبحت عليه اليوم. صورة كريهة بشعة. ولئن كانت أميركا لم تعدم حلفاء وأصدقاء لها في العالم العربي إبان سنوات المواجهة مع الحركة القومية العربية، فإنها اليوم ورغم رفعها لشعار مواجهة الحركة الإسلامية العربية فإنها لا تجد أي حليف أو صديق لها ويكفي أن نقرأ بين السطور لنفهم حقيقة علاقتها بأقوى أصدقائها في العالم العربي أي مصر والسعودية. ذلك أن التصرفات الأخيرة لأميركا كانت مناقضة لأبسط القرارات الدولية العادلة. كما أن الالتباسات والتناقضات المضحكة المبكية في سياسة أميركا حيال الحركة الإسلامية العربية كانت أيضاً خير مثال على ما وصلت إليه صورتها في بلادنا: فالقنابل الصهيونية الأميركية الصنع تضربنا وتقتل أطفالنا، وأميركا توصي بإدخال الأحزاب الإسلامية في الحكم كما في الأردن والمغرب أو بتسليمها الحكم كما في الجزائر... أميركا ضد الإسلام في إيران والسودان وفلسطين ولبنان وهي معه في الجزائر ومصر والعراق حيث يمكن إحداث قلاقل واضطرابات وأزمات لإضعاف هذه الدول الثلاث وهي كما لا يخفى عليكم دول مركزية قوية ذات موقع استراتيجي خطير. إننا أمام صيف وشتاء تحت سقف واحد*..ولجلاء نظرة أميركا حيال الحركة الإسلامية العربية لا بأس من جلاء نظرتنا نحن فيكون إظهار الضد المخالف أو المغاير هو دليلنا...
إن نظرتنا إلى الحركة الإسلامية العربية تنبع من كونها مشروعاً للمجتمع المدني وليس للسلطة أو للحكم. وكلما كانت مشاركتها في الحكم ترشده وتعطيه قوة مدنية، ازداد تأييدنا لها. أما إذا كانت المشاركة على حساب أصالة المجتمع المدني واستقلاليته فإننا لا نشجعها ولا نؤيدها بل ننصح بالتمهل والتبصر. وهذه كانت نصيحة الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين للجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر** كما لغيرها من الحركات وذلك منذ أكثر من عقد من الزمن وقبل انفجار الصراعات الدامية.
النقطة الثانية التي على الغرب (وأميركا) أن يعرفها وأن يتبصر فيها هي أن الحركة الإسلامية العربية لا تقوم لها قائمة خارج ثابت ومسلمة مقاومة المشروع الصهيوني.
وأي حركة إسلامية تقدم على القبول بهذا المشروع في المنطقة لا تعود حركة إسلامية أي أنها تفقد مبرر وجودها وقوتها... ولا ننسى أن الحركة الإسلامية في غزة والضفة الغربية كانت كماً مهمشاً قبل إعلان انطلاق المقاومة الإسلامية "حماس" و"الجهاد الإسلامي". وإننا نطلب من الولايات المتحدة ومن الغرب أن يفهم أن الحركة الإسلامية العربية هي مشروع يقظة ونهضة، ومشروع تحرر واستقلال وتنمية وحرية، يريد إعادة بناء مجتمعاتنا على أسس عقلانية وحضارية وأن يحفظ للأمة شخصيتها. ولذا، فإنه ينبغي أن يكون لهذه الحركة مشاركة في صنع تاريخ وقرار البلاد والمجتمعات لا أن يكون وجود الحركة الإسلامية وجوداً هامشياً أو ديكوراً في الحكم لإعطاء انطباع بالديمقراطية وإضفاء شرعية على الحكم.
*(كتب هذا النص قبل 11 ايلول حين صارت سياسة أميركا هي العداء لكل إسلام بغض النظر عن أصله وفصله وحله ونسبه).
**(في لقاء جرى مع قيادة الانقاذ وبحضوري وحضور الشيخ راشد الغنوشي،في لندن،تموز 1990).
إن هذه الرؤية تفترض في المقابل أن نعترف بأن الحركة الإسلامية تعاني من أمراض مثلها في ذلك مثل الديمقراطية الأميركية أو الأوروبية ومثل أي نظام أو قوة في العالم. والمرض الأساس في الحركة الإسلامية العربية هو مرض استخدام العنف. وهذا ليس أمراً أصيلاً فيها بل هو عرضي ودخيل وحديث وهامشي فهو لا يمثل الحركة الإسلامية أو يعبِّر عن حقيقتها وعن مشروعها. وقد سبق لي أن تناولت بالتفصيل هذا الأمر في كتابي "الحوار الإسلامي المسيحي: ضرورة المغامرة" حيث بيّنت بالوثائق والوقائع كيف أن الحوار والاعتراف بالآخر وقبول التعددية واستخدام الوسائل السلمية والديمقراطية هو الخط العام الرئيسي للحركة الإسلامية منذ الإمام الشيخ محمد عبده وحسن البنا ووصولاً إلى الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين وراشد الغنوشي وحسن الترابي والإخوان المسلمين عموماً.. أما السبب الحقيقي والعميق لما نشهده من انفجار للعنف الثوري في أكثر من مكان في العالم العربي، فيعود إلى سياسات الغرب عموماً وأميركا تحديداً وبخاصة حيال الموقف من إسرائيل ومن المشروع الصهيوني. وقد سبق هذا العنف الإسلامي الراديكالي انفجار موجات من العنف القومي واليساري الراديكالي خلال مراحل الخمسينيات والسبعينيات من هذا القرن وهي موجات يكمل بعضها بعضاً وتشكل ردّ فعل جماهيرياً أو نخبوياً على السياسات الظالمة والعدوانية والوقحة التي تُشنّ ضد الأمة العربية وشعوبها وبلدانها. وبالإمكان التأكيد بأن مصدر التوتر الأساسي في علاقة أميركا بالعالم الإسلامي (وبالحركة الإسلامية العربية تحديداً) هو قضية فلسطين وتبعاتها ومتفرعاتها. ولولا هذا الموضوع فإن الحركة الإسلامية كانت لا تزال منفتحة على الغرب بكل معنى الكلمة. ويكفي أن نذكر هنا أن الحركة الإسلامية وفي إبان احتدام الحرب الباردة بين المعسكرين لم تأخذ موقف العداء للغرب أو التحالف مع الشرق بل هي دفعت ثمن اتهامها بموالاة الغرب. وهي لم تمكِّن الاتحاد السوفياتي في عزّ قوته وحضوره السياسي والإيديولوجي الرسمي والحزبي في المنطقة لم تمكّنه من إيجاد أية قاعدة أو قبول داخل الحركة الإسلامية أو داخل جمهور المسلمين. إن ما نريد قوله هنا إنه لا يوجد موقف عداء أصيل تجاه الغرب بقدر ما يوجد موقف انفتاح واستعداد للتعاون والتفاهم. وأخيراً في مؤتمر " الإسلام والغرب" الذي انعقد في القاهرة بدعوة من وزارة الأوقاف ومن المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية (تموز/يوليو 1997) أعاد الإمام شمس الدين تأكيد أساسيات هذا الموقف باسم الحركة الإسلامية العربية. إن أيدينا ممدودة للغرب وللولايات المتحدة لكي نتفاهم ونتعاون ولكن ذلك غير ممكن ما لم يتهيأ المناخ المناسب، لا تستطيع قيادة إسلامية أو عربية أن تتعاون مع الغرب وأميركا في أي حقل من الحقول والمدافع الإسرائيلية تضرب قرانا ومدننا وتقتل أطفالنا وأهلنا، وقرارات المجتمع الدولي حول القدس والاستيطان وحول الانسحاب من جنوب لبنان ومن الجولان، غير منفذة، ولا توجد إرادة ضغط غربية أو أميركية لتنفيذها على غرار ما يحصل في حصار إيران والسودان وليبيا أو في الموقف من العراق.
وأخيراً اتجهت السياسات الأميركية حيال المنطقة وجهة الدعم والاحتضان الكامل للتعنت الإسرائيلي معطلة مسيرة التسوية (التي دخلها العرب مرغمين) وناقلة التوتر إلى حدود لم تعرفها المنطقة من قبل. ويكفي أن نرى كيف أن أميركا تمارس على أخلص أصدقائها وحلفائها في مصر والسعودية ضغوطاً أقل ما يقال فيها إنها غبية ووقحة. ناهيك عن الموقف الغرب والوقح حيال السلطة الوطنية الفلسطينية ومأزق اتفاق أوسلو نفسه. فإذا كانت أميركا تدعم الاستيطان في القدس والضفة الغربية وتدعم المطلب الإسرائيلي في جعل القدس عاصمة موحدة وأبدية لدولة إسرائيل (قرار الكونغرس نقل السفارة) وتدعم الموقف الإسرائيلي بعدم الانسحاب من الجولان ومن جنوب لبنان، وتضغط على دول المنطقة للخضوع الكامل لمشيئة نتنياهو، فأي وقاحة وأي فظاظة وأي غباء هو هذا؟ وكيف لا يعرف المحللون الاستراتيجيون في واشنطن أين تكمن مصادر التوتر في علاقات أميركا بالعالم الإسلامي؟ وكيف لا يعرف هؤلاء ما هي الخيارات الممكنة لتحسين العلاقات مع العالم الإسلامي ولتدعيم وتعزيز موقع ودور الولايات المتحدة في هذه المنطقة؟ لم يتمكن الأميركيون ويا للأسف من إظهار أن حكومة بلادهم لا تنظر إلى الإسلام والمسلمين نظرة عدائية أو أنها لا تعتبر أن الإسلام والمسلمين مصدر الإرهاب والتطرف... واسمحوا لي أن أكرِّر أمامكم أن برنارد لويس وأمثاله هم مشروع عداء وليس صداقة.. إن ما تواجهونه يتعلق بكيفية إقناع العرب والمسلمين بعكس ذلك. إن العرب والمسلمين يريدون صداقة أميركا ولكن يبدو أن المصلحة الاستراتيجية للحركة الصهيونية هي في أن تخلق حالة عداء دائمة بين العرب وأميركا وأن تخلق حالة مواجهة مستمرة لأجل أن تستأثر هي بصداقة الولايات المتحدة وإمكاناتها وبدل أن تكون أميركا موجودة في مناخها الطبيعي في العالم العربي والإسلامي تصبح الحركة الصهيونية هي الوسيط بين أميركا والعرب. إن أخطاء الإدارة الأميركية عمرها حوالى نصف قرن وهي أدّت إلى سيطرة المؤسسة الصهيونية بدرجة كبيرة وخطيرة على الإعلام الأميركي وعلى المواد التي تصوغ حتى التوجه العاطفي للإنسان (مثل السينما والتلفزيون). نحن نعلم أن بعض المسؤولين الأميركيين يعرفون أن سياسة بلادهم غير عادلة ولكنهم يسكتون عن ذلك خوفاً من الصوت الانتخابي أو من الحملة الإعلامية التشهيرية أو من الضغط المادي الاقتصادي. ولكن مع ذلك فإن على القوى المخلصة لروح الولايات المتحدة ورسالتها أن تفكر في مخرج وأن تتعاون مع العرب والمسلمين ومع غيرهم للخروج من هذا الخطر لأن أميركا بسكوتها عن هذا الوضع تنسج حبل المشنقة حول عنقها. نحن ندرك أنه توجد قوة خارج السيطرة الآن تصنعها وتوجّهها المؤسسة الصهيونية التي يمكنها أن تحارب أي رئيس أميركي من خلال نشر صورة له مع سكرتيرة أو التلميح بدعوى قضائية ما.. ونحن ندرك أن قوة السيدة أولبرايت أكبر من قوة الرئيس. وهذا أمر لسنا نحن المسؤولين عنه. وينبغي للقوة الأساسية في المجتمع الأميركي أن تدرس وتفكر.
نحن لا ندعوكم إلى عداء اليهود فهم بالنسبة لنا بشر مثلنا ولهم حقوق إنسانية وكرامة... ولكننا لا نفهم لماذا الطغيان الصهيوني المنفلت من أي قيود وحدود حيث يجري استخدام شعب وأمة في خدمة سياسات شريرة لا يمكن أن تستمر.
أيها الأميركيون تريدون مساعدة الحركة الصهيونية وإسرائيل هذا شأنكم ولكن لا تسلّموها مفاتيح العلاقة بالعرب والمسلمين. كلما صارت الولايات المتحدة مكروهة منبوذة تصبح الصهيونية أقوى من الأميركيين في أميركا، لماذا تجعلون من إسرائيل ضرورة أميركية في المنطقة؟ لماذا لا تكون مصالحكم الاستراتيجية ومصالح السلام العالمي والأمن والازدهار هي الضرورة الأميركية في العالم العربي والإسلامي؟
وكما سبق القول فإنه لا يوجد عداء طبيعي لأميركا بل العداء الموجود هو نتيجة وثمن لمواقف أميركا في مساندة إسرائيل. إن صورة أميركا في بلادنا في مطلع هذا القرن كانت صورة القوة الخيرة في العالم بعكس صورة أوروبا الظالمة المعتدية. الآن أميركا هي قوة الشر أو الشيطان الأكبر، وأوروبا تعمل لتكون قوة الخير في المنطقة وكل هذا بسبب التبنِّي غير المشروط وغير المبرر لإسرائيل.
ينبغي أن تدركوا أن إسرائيل يستحيل أن تكون موضوعياً دولة دائمة الوجود في هذا العالم العربي الإسلامي. العرب هم أهل البلاد وهم التاريخ وهم المستقبل.
إننا في العالم العربي الإسلامي، وفي الحركة الإسلامية العربية تحديداً، وبما نحمل من قيم الإسلام وحضارته، نريد أن نتواصل مع العالم وأن نثريه، وأن نتعاطى معه على القاعدة القرآنية )وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا(. فليس موقفنا من أية صيغة للنظام العالمي موقف الرفض أو التبنّي وإنما نريد أن نكون جزءاً من هذا النظام الجديد إذا كان عادلاً ونريد أن نتكامل معه على أساس المساهمة في صيغته لا على أساس التلقي والخضوع. إننا لا نطالب بعدالتنا وفق شريعتنا الإسلامية بل فقط بالعدالة الدولية وفق مواثيق وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن. فهل هذا إرهاب وأصولية وتطرّف؟
إن الوضع العالمي الجديد وسياسات الولايات المتحدة الأميركية تجاه العرب والمسلمين لهي مبعث قلق خطير. لقد انكشف لنا خلال السنوات الماضية أن الهول الذي يواجهنا عرباً ومسلمين كبير جداً ويتناول سلامتنا الجسدية المادية ومضموننا الثقافي والقيمي ومصالحنا الاقتصادية في أخص ما لها من خصائص وفي أشمل ما لها من أطر، كما يتناول دورنا في العالم. إذ يراد أن نكون مجموعة من البشر تزوِّد العالم المتقدم إمكانات السوق وتستهلك ما ينتجه على كل الصعد وتبقى كماً مهملاً لا دور لها ولا ريادة في صنع هذه المرحلة من التاريخ.
إننا بإزاء هذا الوضع المثير للقلق أكدنا مراراً على أن الحريات والديمقراطية والشورى هي شرط لتطور مجتمعاتنا ونهوض أمتنا وتقدم شعوبنا. إن دخولنا عالم الغد باعتبارنا شركاء ومسؤولين لا عملاء وتابعين مرهون ببناء شرطي النهضة: الشرط الداخلي وهو نحن، والشرط الخارجي وهو أنتم.. أي التوازن والعدل في السياسة الدولية وفي سياسة أميركا بالذات حيال العالم العربي الإسلامي. إننا نقوم بواجبنا ومسؤوليتنا في تأمين الشرط الداخلي لبناء السلم الأهلي العربي الإسلامي ولبناء الدولة الجامعة، المتواصلة مع مجتمعها، المتكاملة معه والمعبرة عنه.. ولقد أكدنا مراراً (ومنذ نداء الإمام شمس الدين في أيار/مايو 1990) على المهادنة والمصالحة الداخلية ووقف الاحتراب والنزف في مجتمعاتنا العربية على قاعدة الحوار الدائم بين الأنظمة والقوى السياسية والجماهير الشعبية. وإننا بالقدر نفسه الذي نعمل لتأمين الشروط الداخلية لنهضة شعوبنا وبلداننا وتقدمها، نطالب أميركا والغرب بالعمل لتأمين أجواء السلام والتوازن والعدل في علاقتها بنا، إننا نؤكد لكم على أن خيار المقاومة المسلحة ضد الاحتلال في بلادنا هو خيار وطني، شعبي، ورسمي، وهو أرقى أشكال التعبير عن نزوعنا نحو العدل وهو ليس إرهاباً أصولياً كما قد تنقل وسائل إعلامكم وقادة بلادكم.. إن هذه المقاومة ستستمر ما استمر الظلم والعدوان والاحتلال وما دام المجتمع الدولي في حالة تفرّج وعجز أو تواطؤ وصمت. إننا نطالب فقط بتطبيق العدالة الدولية وقرارات المجتمع الدولي. فهل هذا كثير؟ إن مسؤولية تصحيح صورة الإسلام والحركة الإسلامية أمام شعبكم تقع عليكم أنتم. وأن مسؤولية تصحيح سياسة أميركا تجاه الإسلام والحركة الإسلامية تقع هي أيضاً عليكم..ونحن مستعدون لكل تعاون بناءً لما فيه خير ومصلحة شعوبنا ودولنا والإنسانية جمعاء.
سعود المولى
ليس هناك من موضوع ملتبس ومثير في آن واحد أكثر من موضوع علاقة أميركا بالحركة الإسلامية العربية. والحقيقة انه برغم التحالفات أو اللقاءات الظرفية من هنا وهناك (حين كان الأمر مناسباً لأميركا لم تتردد في دعم بعض الحركات الاسلامية) فإن الموقف الأساس في علاقة أميركا بالحركة الإسلامية العربية هو موقف العداء الصريح المعلن أو المضمر، وسلوك التآمر والتشويه، الذي يمكن اعتباره أحد خلفيات الالتباس السابق الذكر في آليات الاستخدام السياسي البراغماتي لبعض أوجه أو مظاهر التعبير السياسي عن الحركة الإسلامية العربية.
إن الحركة الإسلامية العربية بمفهومنا، وبشتى تعابيرها، هي تعبير عن يقظة وصحوة في الأمة وليست كما يفهم الغرب وأميركا ردة رجعية إلى الوراء (إلى ظلام القرون الوسطى بحسب الأدبيات الرائجة).فحين نرى إلى الغرب وكيف ينظر إلى المسلمين والعرب من خلال السينما، وكيف يصور نمط حياة المسلم وسلوكه وأخلاقه وقيمه وعلاقاته، لا نظن أن المسألة نقص في المعلومات أو أن أساطين هوليوود لا يعرفون كيف يعيش المسلم أو العربي، أو أنهم لا يعرفون كيف يصورون وينقلون هذا النمط المعيشي. ولا نظن أن الإعلام الأميركي غبي إلى درجة الجهل الكامل. بل نقول عن يقين إن في المسألة موقفاً تحقيرياً وعدوانياً هو ضروري ومطلوب لرسم صورة الذات في مرآة الآخر.
إن النموذج الثقافي المعاصر للموقف العدائي في أميركا مثّله اليوم فوكوياما وهانتنغتون وقبلهما وبعدهما برنارد لويس نفسه، ناهيك عن دانيال بايبس وأمثاله. ولا نستطيع أن نقول إن هؤلاء لا يعرفون الإسلام والعرب والمسلمين وإنما نستطيع أن نقول إنهم يقومون بمهمة الأدلجة لتركيب صورة الذات في مرآة الآخر خصوصاً بعد انكشاف كون هذا الآخر الذي يسكن أحلام الغرب وهواجسه هو الإسلام. وأخيراً انكشف أن من مقاصد سياسة حلف شمال الأطلسي حرب الإسلام كما جاء على لسان الأمين العام السابق للحلف في خطبته الوداعية. وهذا الكلام يعكس خلفية مداولات أروقة الحلف نفسه وليس كلاماً فردياً عابراً. بل إن أولى بصماته قد ظهرت في الانقلاب الأخير على حكومة أربكان في تركيا، وفي الحملة الإعلامية التي لم تتوقف ضد العربية السعودية ومصر. هناك إذن تحوُّل في مناخ الحلف الأطلسي في اتجاه تشكيل عصبيته على قاعدة حرب الإسلام بعد سقوط مبرر العداء للشيوعية. ومجلة "فورين آفيرز" خصصت عدداً لبحث قضية "هل الإسلام هو الخطر؟" ولم ندهش لرؤية أقلام السيد دانيال بايبس والسيدة جوديث ميلر تصبّ في اتجاه التأكيد بالإيجاب على كون الإسلام هو الخطر.
(*)ورقة قُدِّمت في اجتماع في واشنطن نظمه "المجلس الأميركي للعلاقات الخارجية Council on Foreign Relations"(13/11/1997).
والانطباع الأولي الذي تكوّن لدينا هو أن هناك موقفاً عدائياً في أميركا من الإسلام ومن الحركة الإسلامية واعتبارها خطراً على الغرب وحضارته (من هنا مقولة "صدام الحضارات") أو اعتبارها من مختلفات التاريخ التي ينبغي كنسها (مقولة نهاية التاريخ). أما نحن فإننا نعتقد أن الإسلام (والحركة الإسلامية) ليس خطراً ثقافياً وحضارياً على الغرب وأميركا بقدر ما هو خطر على نظام المصالح الدولي وهو الآن في حالة مريحة ومربحة للغرب وأميركا وفي حال قهر وظلم لنا وللعالم الثالث.
وحقيقة الأمر أن أميركا تتعامل مع الحركة الإسلامية باعتبارها خطراً اقتصادياً وسياسياً (وليس ثقافياً وحضارياًَ كما تدّعي) وذلك لسبب جوهري رئيسي هو ما تحمله هذه الحركة الإسلامية من نبرة رفض وتحدٍّ للمشروع الصهيوني ولدولة إسرائيل. وبالأمس القريب اعتبرت الولايات المتحدة الحركة القومية العربية الخطر وذلك للسبب عينه وليس لسبب ثقافي وحضاري، طالما أن الحركة القومية حاولت تقليد الغرب ومحاكاته في كل مفاهيمها وممارساتها السياسية. وليس مثال صدام حسين أول الأمثلة بل هو أشهرها وقد سبقه مثال عبد الناصر في أواخر الخمسينيات وحتى حرب 67 التي كانت حرباً أميركياً لإسقاط التجربة الناصرية والحركة القومية العربية برمتها.هذا ناهيك عن اسقاط تجربة الرئيس مصدّق في ايران وتجربة عدنان مندريس في تركيا،وهما لم يكونا من المعادين للغرب وإنما كانا من المدافعين عن أوطانهم والمطالبين بالحرية والديمقراطية...
دعونا إذا سمحتم ننظر قليلاً إلى صورة أميركا في خيال العرب وعقلهم وعاطفتهم، عموماً، وأن نجري مقارنة تاريخية بين محطات تشكل هذه الصورة. في الحرب العالمية الأولى (ومبادئ ويلسون الشهيرة التي عليها تأسست عصبة الأمم) ثم بين الحربين العالميتين وصولاً إلى الحرب الثانية وما بعدها وحتى عام 1956 (تاريخ العدوان الثلاثي على مصر) نرى الخط البياني لصورة أميركا في العالم العربي في حالة تصاعد، حيث إن العرب كانوا يعتبرون الولايات المتحدة بلاد العدالة والأخلاق والحرية ويرفعون إليها الشكاوى احتجاجاً على السياسات الأوروبية حيال بلدانهم. وفي عام 1956 تحّول الرئيس إيزنهاور بطلاً قومياً عربياً بسبب الموقف من العدوان الثلاثي على مصر. ولكن الانحدار في الخط البياني بدأ منذ نكبة فلسطين عام 1948 بل منذ قرار التقسيم عام 1947 يوم انكشفت حقائق الضغط المعيب الذي مارسته أميركا على بعض الدول للتصويت إلى جانب قرار التقسيم. وقد وصف إلمر برغر وألفرد ليلنتال لاأخلاقية الممارسات الأميركية في تلك الأيام أبلغ وصف، كما تحدث عنها بالتفصيل الدكتور جورج طعمه سفير سوريا الأسبق في الأمم المتحدة والذي عايش تلك المرحلة.
منذ ذلك اليوم بدأت صورة أميركا تشوِّه وصولاً إلى ما أصبحت عليه اليوم. صورة كريهة بشعة. ولئن كانت أميركا لم تعدم حلفاء وأصدقاء لها في العالم العربي إبان سنوات المواجهة مع الحركة القومية العربية، فإنها اليوم ورغم رفعها لشعار مواجهة الحركة الإسلامية العربية فإنها لا تجد أي حليف أو صديق لها ويكفي أن نقرأ بين السطور لنفهم حقيقة علاقتها بأقوى أصدقائها في العالم العربي أي مصر والسعودية. ذلك أن التصرفات الأخيرة لأميركا كانت مناقضة لأبسط القرارات الدولية العادلة. كما أن الالتباسات والتناقضات المضحكة المبكية في سياسة أميركا حيال الحركة الإسلامية العربية كانت أيضاً خير مثال على ما وصلت إليه صورتها في بلادنا: فالقنابل الصهيونية الأميركية الصنع تضربنا وتقتل أطفالنا، وأميركا توصي بإدخال الأحزاب الإسلامية في الحكم كما في الأردن والمغرب أو بتسليمها الحكم كما في الجزائر... أميركا ضد الإسلام في إيران والسودان وفلسطين ولبنان وهي معه في الجزائر ومصر والعراق حيث يمكن إحداث قلاقل واضطرابات وأزمات لإضعاف هذه الدول الثلاث وهي كما لا يخفى عليكم دول مركزية قوية ذات موقع استراتيجي خطير. إننا أمام صيف وشتاء تحت سقف واحد*..ولجلاء نظرة أميركا حيال الحركة الإسلامية العربية لا بأس من جلاء نظرتنا نحن فيكون إظهار الضد المخالف أو المغاير هو دليلنا...
إن نظرتنا إلى الحركة الإسلامية العربية تنبع من كونها مشروعاً للمجتمع المدني وليس للسلطة أو للحكم. وكلما كانت مشاركتها في الحكم ترشده وتعطيه قوة مدنية، ازداد تأييدنا لها. أما إذا كانت المشاركة على حساب أصالة المجتمع المدني واستقلاليته فإننا لا نشجعها ولا نؤيدها بل ننصح بالتمهل والتبصر. وهذه كانت نصيحة الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين للجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر** كما لغيرها من الحركات وذلك منذ أكثر من عقد من الزمن وقبل انفجار الصراعات الدامية.
النقطة الثانية التي على الغرب (وأميركا) أن يعرفها وأن يتبصر فيها هي أن الحركة الإسلامية العربية لا تقوم لها قائمة خارج ثابت ومسلمة مقاومة المشروع الصهيوني.
وأي حركة إسلامية تقدم على القبول بهذا المشروع في المنطقة لا تعود حركة إسلامية أي أنها تفقد مبرر وجودها وقوتها... ولا ننسى أن الحركة الإسلامية في غزة والضفة الغربية كانت كماً مهمشاً قبل إعلان انطلاق المقاومة الإسلامية "حماس" و"الجهاد الإسلامي". وإننا نطلب من الولايات المتحدة ومن الغرب أن يفهم أن الحركة الإسلامية العربية هي مشروع يقظة ونهضة، ومشروع تحرر واستقلال وتنمية وحرية، يريد إعادة بناء مجتمعاتنا على أسس عقلانية وحضارية وأن يحفظ للأمة شخصيتها. ولذا، فإنه ينبغي أن يكون لهذه الحركة مشاركة في صنع تاريخ وقرار البلاد والمجتمعات لا أن يكون وجود الحركة الإسلامية وجوداً هامشياً أو ديكوراً في الحكم لإعطاء انطباع بالديمقراطية وإضفاء شرعية على الحكم.
*(كتب هذا النص قبل 11 ايلول حين صارت سياسة أميركا هي العداء لكل إسلام بغض النظر عن أصله وفصله وحله ونسبه).
**(في لقاء جرى مع قيادة الانقاذ وبحضوري وحضور الشيخ راشد الغنوشي،في لندن،تموز 1990).
إن هذه الرؤية تفترض في المقابل أن نعترف بأن الحركة الإسلامية تعاني من أمراض مثلها في ذلك مثل الديمقراطية الأميركية أو الأوروبية ومثل أي نظام أو قوة في العالم. والمرض الأساس في الحركة الإسلامية العربية هو مرض استخدام العنف. وهذا ليس أمراً أصيلاً فيها بل هو عرضي ودخيل وحديث وهامشي فهو لا يمثل الحركة الإسلامية أو يعبِّر عن حقيقتها وعن مشروعها. وقد سبق لي أن تناولت بالتفصيل هذا الأمر في كتابي "الحوار الإسلامي المسيحي: ضرورة المغامرة" حيث بيّنت بالوثائق والوقائع كيف أن الحوار والاعتراف بالآخر وقبول التعددية واستخدام الوسائل السلمية والديمقراطية هو الخط العام الرئيسي للحركة الإسلامية منذ الإمام الشيخ محمد عبده وحسن البنا ووصولاً إلى الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين وراشد الغنوشي وحسن الترابي والإخوان المسلمين عموماً.. أما السبب الحقيقي والعميق لما نشهده من انفجار للعنف الثوري في أكثر من مكان في العالم العربي، فيعود إلى سياسات الغرب عموماً وأميركا تحديداً وبخاصة حيال الموقف من إسرائيل ومن المشروع الصهيوني. وقد سبق هذا العنف الإسلامي الراديكالي انفجار موجات من العنف القومي واليساري الراديكالي خلال مراحل الخمسينيات والسبعينيات من هذا القرن وهي موجات يكمل بعضها بعضاً وتشكل ردّ فعل جماهيرياً أو نخبوياً على السياسات الظالمة والعدوانية والوقحة التي تُشنّ ضد الأمة العربية وشعوبها وبلدانها. وبالإمكان التأكيد بأن مصدر التوتر الأساسي في علاقة أميركا بالعالم الإسلامي (وبالحركة الإسلامية العربية تحديداً) هو قضية فلسطين وتبعاتها ومتفرعاتها. ولولا هذا الموضوع فإن الحركة الإسلامية كانت لا تزال منفتحة على الغرب بكل معنى الكلمة. ويكفي أن نذكر هنا أن الحركة الإسلامية وفي إبان احتدام الحرب الباردة بين المعسكرين لم تأخذ موقف العداء للغرب أو التحالف مع الشرق بل هي دفعت ثمن اتهامها بموالاة الغرب. وهي لم تمكِّن الاتحاد السوفياتي في عزّ قوته وحضوره السياسي والإيديولوجي الرسمي والحزبي في المنطقة لم تمكّنه من إيجاد أية قاعدة أو قبول داخل الحركة الإسلامية أو داخل جمهور المسلمين. إن ما نريد قوله هنا إنه لا يوجد موقف عداء أصيل تجاه الغرب بقدر ما يوجد موقف انفتاح واستعداد للتعاون والتفاهم. وأخيراً في مؤتمر " الإسلام والغرب" الذي انعقد في القاهرة بدعوة من وزارة الأوقاف ومن المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية (تموز/يوليو 1997) أعاد الإمام شمس الدين تأكيد أساسيات هذا الموقف باسم الحركة الإسلامية العربية. إن أيدينا ممدودة للغرب وللولايات المتحدة لكي نتفاهم ونتعاون ولكن ذلك غير ممكن ما لم يتهيأ المناخ المناسب، لا تستطيع قيادة إسلامية أو عربية أن تتعاون مع الغرب وأميركا في أي حقل من الحقول والمدافع الإسرائيلية تضرب قرانا ومدننا وتقتل أطفالنا وأهلنا، وقرارات المجتمع الدولي حول القدس والاستيطان وحول الانسحاب من جنوب لبنان ومن الجولان، غير منفذة، ولا توجد إرادة ضغط غربية أو أميركية لتنفيذها على غرار ما يحصل في حصار إيران والسودان وليبيا أو في الموقف من العراق.
وأخيراً اتجهت السياسات الأميركية حيال المنطقة وجهة الدعم والاحتضان الكامل للتعنت الإسرائيلي معطلة مسيرة التسوية (التي دخلها العرب مرغمين) وناقلة التوتر إلى حدود لم تعرفها المنطقة من قبل. ويكفي أن نرى كيف أن أميركا تمارس على أخلص أصدقائها وحلفائها في مصر والسعودية ضغوطاً أقل ما يقال فيها إنها غبية ووقحة. ناهيك عن الموقف الغرب والوقح حيال السلطة الوطنية الفلسطينية ومأزق اتفاق أوسلو نفسه. فإذا كانت أميركا تدعم الاستيطان في القدس والضفة الغربية وتدعم المطلب الإسرائيلي في جعل القدس عاصمة موحدة وأبدية لدولة إسرائيل (قرار الكونغرس نقل السفارة) وتدعم الموقف الإسرائيلي بعدم الانسحاب من الجولان ومن جنوب لبنان، وتضغط على دول المنطقة للخضوع الكامل لمشيئة نتنياهو، فأي وقاحة وأي فظاظة وأي غباء هو هذا؟ وكيف لا يعرف المحللون الاستراتيجيون في واشنطن أين تكمن مصادر التوتر في علاقات أميركا بالعالم الإسلامي؟ وكيف لا يعرف هؤلاء ما هي الخيارات الممكنة لتحسين العلاقات مع العالم الإسلامي ولتدعيم وتعزيز موقع ودور الولايات المتحدة في هذه المنطقة؟ لم يتمكن الأميركيون ويا للأسف من إظهار أن حكومة بلادهم لا تنظر إلى الإسلام والمسلمين نظرة عدائية أو أنها لا تعتبر أن الإسلام والمسلمين مصدر الإرهاب والتطرف... واسمحوا لي أن أكرِّر أمامكم أن برنارد لويس وأمثاله هم مشروع عداء وليس صداقة.. إن ما تواجهونه يتعلق بكيفية إقناع العرب والمسلمين بعكس ذلك. إن العرب والمسلمين يريدون صداقة أميركا ولكن يبدو أن المصلحة الاستراتيجية للحركة الصهيونية هي في أن تخلق حالة عداء دائمة بين العرب وأميركا وأن تخلق حالة مواجهة مستمرة لأجل أن تستأثر هي بصداقة الولايات المتحدة وإمكاناتها وبدل أن تكون أميركا موجودة في مناخها الطبيعي في العالم العربي والإسلامي تصبح الحركة الصهيونية هي الوسيط بين أميركا والعرب. إن أخطاء الإدارة الأميركية عمرها حوالى نصف قرن وهي أدّت إلى سيطرة المؤسسة الصهيونية بدرجة كبيرة وخطيرة على الإعلام الأميركي وعلى المواد التي تصوغ حتى التوجه العاطفي للإنسان (مثل السينما والتلفزيون). نحن نعلم أن بعض المسؤولين الأميركيين يعرفون أن سياسة بلادهم غير عادلة ولكنهم يسكتون عن ذلك خوفاً من الصوت الانتخابي أو من الحملة الإعلامية التشهيرية أو من الضغط المادي الاقتصادي. ولكن مع ذلك فإن على القوى المخلصة لروح الولايات المتحدة ورسالتها أن تفكر في مخرج وأن تتعاون مع العرب والمسلمين ومع غيرهم للخروج من هذا الخطر لأن أميركا بسكوتها عن هذا الوضع تنسج حبل المشنقة حول عنقها. نحن ندرك أنه توجد قوة خارج السيطرة الآن تصنعها وتوجّهها المؤسسة الصهيونية التي يمكنها أن تحارب أي رئيس أميركي من خلال نشر صورة له مع سكرتيرة أو التلميح بدعوى قضائية ما.. ونحن ندرك أن قوة السيدة أولبرايت أكبر من قوة الرئيس. وهذا أمر لسنا نحن المسؤولين عنه. وينبغي للقوة الأساسية في المجتمع الأميركي أن تدرس وتفكر.
نحن لا ندعوكم إلى عداء اليهود فهم بالنسبة لنا بشر مثلنا ولهم حقوق إنسانية وكرامة... ولكننا لا نفهم لماذا الطغيان الصهيوني المنفلت من أي قيود وحدود حيث يجري استخدام شعب وأمة في خدمة سياسات شريرة لا يمكن أن تستمر.
أيها الأميركيون تريدون مساعدة الحركة الصهيونية وإسرائيل هذا شأنكم ولكن لا تسلّموها مفاتيح العلاقة بالعرب والمسلمين. كلما صارت الولايات المتحدة مكروهة منبوذة تصبح الصهيونية أقوى من الأميركيين في أميركا، لماذا تجعلون من إسرائيل ضرورة أميركية في المنطقة؟ لماذا لا تكون مصالحكم الاستراتيجية ومصالح السلام العالمي والأمن والازدهار هي الضرورة الأميركية في العالم العربي والإسلامي؟
وكما سبق القول فإنه لا يوجد عداء طبيعي لأميركا بل العداء الموجود هو نتيجة وثمن لمواقف أميركا في مساندة إسرائيل. إن صورة أميركا في بلادنا في مطلع هذا القرن كانت صورة القوة الخيرة في العالم بعكس صورة أوروبا الظالمة المعتدية. الآن أميركا هي قوة الشر أو الشيطان الأكبر، وأوروبا تعمل لتكون قوة الخير في المنطقة وكل هذا بسبب التبنِّي غير المشروط وغير المبرر لإسرائيل.
ينبغي أن تدركوا أن إسرائيل يستحيل أن تكون موضوعياً دولة دائمة الوجود في هذا العالم العربي الإسلامي. العرب هم أهل البلاد وهم التاريخ وهم المستقبل.
إننا في العالم العربي الإسلامي، وفي الحركة الإسلامية العربية تحديداً، وبما نحمل من قيم الإسلام وحضارته، نريد أن نتواصل مع العالم وأن نثريه، وأن نتعاطى معه على القاعدة القرآنية )وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا(. فليس موقفنا من أية صيغة للنظام العالمي موقف الرفض أو التبنّي وإنما نريد أن نكون جزءاً من هذا النظام الجديد إذا كان عادلاً ونريد أن نتكامل معه على أساس المساهمة في صيغته لا على أساس التلقي والخضوع. إننا لا نطالب بعدالتنا وفق شريعتنا الإسلامية بل فقط بالعدالة الدولية وفق مواثيق وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن. فهل هذا إرهاب وأصولية وتطرّف؟
إن الوضع العالمي الجديد وسياسات الولايات المتحدة الأميركية تجاه العرب والمسلمين لهي مبعث قلق خطير. لقد انكشف لنا خلال السنوات الماضية أن الهول الذي يواجهنا عرباً ومسلمين كبير جداً ويتناول سلامتنا الجسدية المادية ومضموننا الثقافي والقيمي ومصالحنا الاقتصادية في أخص ما لها من خصائص وفي أشمل ما لها من أطر، كما يتناول دورنا في العالم. إذ يراد أن نكون مجموعة من البشر تزوِّد العالم المتقدم إمكانات السوق وتستهلك ما ينتجه على كل الصعد وتبقى كماً مهملاً لا دور لها ولا ريادة في صنع هذه المرحلة من التاريخ.
إننا بإزاء هذا الوضع المثير للقلق أكدنا مراراً على أن الحريات والديمقراطية والشورى هي شرط لتطور مجتمعاتنا ونهوض أمتنا وتقدم شعوبنا. إن دخولنا عالم الغد باعتبارنا شركاء ومسؤولين لا عملاء وتابعين مرهون ببناء شرطي النهضة: الشرط الداخلي وهو نحن، والشرط الخارجي وهو أنتم.. أي التوازن والعدل في السياسة الدولية وفي سياسة أميركا بالذات حيال العالم العربي الإسلامي. إننا نقوم بواجبنا ومسؤوليتنا في تأمين الشرط الداخلي لبناء السلم الأهلي العربي الإسلامي ولبناء الدولة الجامعة، المتواصلة مع مجتمعها، المتكاملة معه والمعبرة عنه.. ولقد أكدنا مراراً (ومنذ نداء الإمام شمس الدين في أيار/مايو 1990) على المهادنة والمصالحة الداخلية ووقف الاحتراب والنزف في مجتمعاتنا العربية على قاعدة الحوار الدائم بين الأنظمة والقوى السياسية والجماهير الشعبية. وإننا بالقدر نفسه الذي نعمل لتأمين الشروط الداخلية لنهضة شعوبنا وبلداننا وتقدمها، نطالب أميركا والغرب بالعمل لتأمين أجواء السلام والتوازن والعدل في علاقتها بنا، إننا نؤكد لكم على أن خيار المقاومة المسلحة ضد الاحتلال في بلادنا هو خيار وطني، شعبي، ورسمي، وهو أرقى أشكال التعبير عن نزوعنا نحو العدل وهو ليس إرهاباً أصولياً كما قد تنقل وسائل إعلامكم وقادة بلادكم.. إن هذه المقاومة ستستمر ما استمر الظلم والعدوان والاحتلال وما دام المجتمع الدولي في حالة تفرّج وعجز أو تواطؤ وصمت. إننا نطالب فقط بتطبيق العدالة الدولية وقرارات المجتمع الدولي. فهل هذا كثير؟ إن مسؤولية تصحيح صورة الإسلام والحركة الإسلامية أمام شعبكم تقع عليكم أنتم. وأن مسؤولية تصحيح سياسة أميركا تجاه الإسلام والحركة الإسلامية تقع هي أيضاً عليكم..ونحن مستعدون لكل تعاون بناءً لما فيه خير ومصلحة شعوبنا ودولنا والإنسانية جمعاء.
سعود المولى
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)