الأحد، 20 مارس 2011

في الهوية الشيعية

مقتطفات من دراسة للدكتور جابر حبيب جابر
أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، نائب في البرلمان
المشكلة الشيعية الراهنة تكمن أولاً في أن ولاية الفقيه ليست جواباً شيعياً يقبله جميع الشيعة وبالتالي فإن أصل الإشكال الأساسي المتمثل بغياب جواب شيعي لسؤال السلطة بعد الغيبة مازال قائماً لدى جزء كبير من الشيعة لا سيما في العراق. ثم أن ممكنات ولاية الفقيه ليست متاحة في العراق ولبنان والبحرين كما هي في إيران وبالتالي على الهوية السياسية الشيعية أن تعرِّف نفسها بمخارج أخرى. ثانياً إذا كانت كل الهويات الإجتماعية متغيرة وقابلة للصعود والهبوط فإن الهوية الطائفية – الدينية هي أكثر عرضة لهذا التقلب والتغير لأنها لا تقوم على عناصر إثنية أو عرقية محسومة وبالتالي فإن الهوية الشيعية مازالت تتداخل مع عناصر هوية أخرى مثل الإنتماء القومي أو الإثني أو حتى القبلي، مما يصبح لزاماً معه علاقة هذه الهويات ببعضها.. واذا ما كانت تراتبية التعريف تقضي بثانوية الهوية الطائفية مقابل الهوية الوطنية تغدو الشيعية السياسية مجرد أيديولوجية بما يعنيه ذلك من قابلية الإندثار مع تقادم الزمن أو تغير علاقات السلطة وبما يعنيه أيضاً من إمكانية توظيفها لخدمة مشروع السلطة أيضاً. مع ذلك فإن وجود وجدان شيعي يتعالى على الفروق القومية والإثنية يشي بوجود هوية شيعية حية.. أزمة هذه الهوية تكمن في حل معضلة العلاقة مع الوطن الذي لا يتطابق بالضرورة معها.. وهل يكمن الجواب في إيجاد وطن ينسجم معها عبر ما يعنيه من الإنفصال عن الآخر الذي لا تحتويه الهوية أو بتعريف الشيعية تعريفاً غير سياسي يعيدها إلى الدائرة المذهبية والتوقف عن إستنطاق تلك الدائرة حول سؤال السلطة بقبول مصدر شرعية بديل هو الدولة الديمقراطية التعددية كما في الحالتين العراقية واللبنانية... إننا هنا بصدد تحد كبير يرتبط به مصير أوطان بقدر ما يرتبط به مصير الهوية الشيعية نفسها.
لقد كان صعود الشيعية السياسية مجدداً مرتبط بسياق تاريخي لا يصح أبداً قراءته بطريقة لا تاريخية.. إنه مرتبط بأزمة مشروع الحداثة وإنغلاق المشروع القمومي وتهميش الغالبيات والأقليات الشيعية وحتمية سؤال الهوية.. لكنه ليس القاعدة وليس الجواب النهائي.. إنه كأي طرح أيديولوجي يولد وينمو ويخبو وقد يموت.. والخطر الذي أعتقد وجوده هو في النظر إلى الصعود خارج سياقه التاريخي وبالتالي الإرتماء في حضن الإغراء الأيديولوجي لتبسيط الواقع وفك العلاقة مع الإطار الزماني والمكاني معبراً عنه في فكر الثورة الدائمة. من هنا لابد من موضعة التشيع السياسي في أطره الوطنية والنظر إليه إرتباطاً بخصوصية كل بلد دون أن يعني ذلك تفكيك الوجدان الشيعي أو إلغاؤه. إن ما يشكل خطراً على الهوية الشيعية هو محاولة البعض إعطاءهاً طابعاً رسالياً وبالتالي رهنها بصراع دائم سيستنزف تدريجاً قدرة أبنائها ويرهن مصائرهم بتحولات ذلك الصراع في الوقت الذي يعمد الآخر بكل ما لديه من موارد هائلة وشبكة تحالفات إقليمية ودولية وأدوات صناعة الرأي العام والتعبئة والتحشيد إلى مواجهة شاملة ومكلفة يتم عبرها إحياء نمط الطائفية السنية التي تستمد وجودها وزخمها من شيطنة الشيعة ومن أسطورة المؤامرة الشيعية.
ليس في هذا الكلام دعوة لتحييد مطلق للبعد السياسي في الهوية الشيعية بل لعقلنته كي يكون قادراً على تمثيل مصالح من يتم تهميشهم وطنياً أو إقليماً لأنهم شيعة دون أن يهدد مصالح الآخرين الذين سيظلون ينظرون الى الشيعية السياسية بتوجس ويوظفون صعودها لإسباغ مصادر شرعية على علاقات السلطة والهيمنة القائمة لا سيما في النظام الرسمي العربي وبتوظيف الأصولية السنية بإسم مواجهة المرتدين الشيعة والأصولية القومية بإسم مواجهة المد الفارسي.

لذلك مثلما يصعب للهوية الوطنية العراقية أن تحيد الحسين أو تتجاهله ومثلما أن رمزية الحسين ستظل قادرة على الفعل في الوجدان العراقي وضاغطة على أي تكوين حقيقي للهوية الإجتماعية العراقية فإن المبالغة في تشييع السياسة وعدم مساومة الآخر الشريك في الوطن والممتلك لرموزه الخاصة وقراءته المختلفة للتاريخ ستؤدي إلى إستقطاب طائفي دائم ليس الشيعة في وضع يؤهلهم لتحمل أكلافه السياسية والمادية والإنسانية وثقله المؤذي لهويتهم كما يراها الآخر.

شيعة البحرين

مقتطفات من دراسة للباحث البحراني الدكتور نادر كاظم
"شيعة البحرين" يمثلون حالة خاصة أو متفردة تمييزهم تاريخياً عن شيعة القطيف ولبنان وإيران.. ويمثل شيعة العراق منذ العقود الأخيرة من القرن العشرين المثال الأقرب شبهاً بشيعة البحرين. ويتمثل هذا التفرد في حالة الشتات البحريني الجماعي، وهو شتات إمتدت حركته على مدى قرن ونصف من الزمان. ومن المعروف أن الشتات يخلق حالة نفسية معينة تطبع هوية ومزاج الجماعات التي تعاني منه. إلا أنه من اللافت أن هؤلاء المشتتين كانوا يندمجون في الأقطار التي تشتتوا فيها في القطيف والإحساء والبصرة وكربلاء والنجف والمحمرة وأصفهان وشيراز وبهبهان والنجف وبوشهر وغيرها، بحيث تتناسى الأجيال اللاحقة أصولها البحرينية التي لم يتبق من شيء يذكر بها إلا لقب من بقابا بلده الأصلي مثل: "البحراني" أو "الغريفي" أو "البلادي" أو "الساري" أو "الستري" أو "التوبلاني" أو غيرها من الألقاب المنسوبة إلى منطقة معينة في البحرين، وفي كثير من الأحيان تنقرض الألقاب ويجري تناسي الأصول وخصوصاً في الشتات الهائل الذي يكون عادة إبان الحروب والهجمات المتعاقبة والتي لم تهدأ من القرن الثامن عشر.
ولعل أقدم إشارة جاء فيها وصف الحرين بأنها "بلد الإيمان"، وأن أهلها هم "أهل الإيمان" هي تلك التي جاءت في مكتوب الشيخ عبيد آل مذكور الذي حرّره إلى الشاه عباس الصفوي يستنهض به همته ويحثّه على القيام لطرد البرتغاليين من البحرين. وقد جاء فيه: "أما بعد فكيف رضيت همته العلية وشيمته القدسية بالجلوس في دار أصفهان والإغضاء عن جلب على أهل الإيمان".
وتعود هذه الإشارة إلى القرن السابع عشر الميلادي، إلا أنها سوف تتعزز في القرن الثامن عشر الذي يعد قرن الشتات الأعظم في تاريخ البحرين، ولقد كان لهجمات العُمانيين الإباضية (اليعاربة) الأثر الأكبر في هذا الشتات العظيم. وفي هذا السياق يذكر الشيخ ياسين بن صلاح الدين البلادي البحراني في ديباجة رسالته المسماة بـ "القول السديد في شرح كلمة التوحيد"، قال بعد كلام طويل في وصف الشتات البحريني: "فأضرمت نيران الفتن، في مرابع أهل الإيمان، وشنّت الغارات والمحن في معالم ذوي العلم والإحسان". وفي فترة قريبة من هذا كتب الشيخ علي البلادي كتاباً في تراجم علماء البحرين، وقال: "ومن هؤلاء وأضرابهم سميت البحرين ببلاد المؤمنين والإيمان، واشتهرت بذلك في كل مكان". ويذكر ناصر الخيري أن البحرين "في عرف الشيعيين من الأماكن المقدسة".والمرجّح أن يكون القرن السابع عشر هو الزمن المرجعي لهذه الإشارة، ويعود ترجيحنا هذا إلى حقيقة تاريخنا وهي أن البحرين دخلت في مدار النفوذ الصفوي في هذا القرن تحديداً (1602م). وهذا يعني أنه لأول مرة في التاريخ يظهر حليف إقليمي قوي لأهل البحرين، وأكثر من هذا فهو حليف شريك لهم في المذهب مما يعني أنه لن يألو جهداً في حمايتهم والذوذ عنهم ضد الهجمات المتعاقبة التي تستهدفهم.. والعلة في هذا كما يذكر محمد علي التاجر هو "أن عواطف العقائد الدينية هي أقوى رابطة تربط أهالي البحرين لذلك العهد بشاهات الدولة الصفوية".
وقد بادر أهل البحرين إلى مكاتبة الدولة الصفوية (1501 ـ 1736م) من أجل التخلّص من البرتغاليين ومن الهجمات المتعاقبة التي تشيع الفوضى والإضطراب في البلاد، ويذكر ناصر الخيري أن ظهور الدولة الصفوية واشتهارها "بعطفها على المذهب الشيعي" ومناصرته قد حمل أهل البحرين على "مكاتبة ملوكها واستصراخهم بها سرّاً وعلانية". وإذا عرفنا أن تعبير "أهل الإيمان" يتطابق مع "الشيعة" في الإستخدام اللغوي العرفي لدى الشيعة في هذه الحقبة حيث يكون معنى "الذين آمنوا هم الشيعة أهل الولاية"، أقول إذا كان ذلك كذلك فإنه لن يكون من العسير الإستنتاج بأن تعبير "أهل الإيمان" كان جزءاً من حيلة خطابية تستهدف استنهاض الدولة الصفوية لإنقاذ أهل البحرين "وعقيدة التشيع" التي يصور حالها عبيد آل مذكور في خطابه إلى الشاه عباس بقوله: "فحسبك بتشتّت شملها وإضمحلال أثرها وإندراس معالمها (...) ولم يبق من أطلالها إلا عروش خاوية وآثار متداعية، ومع ذلك فقد اكتفينا من عمرها بالخراب، ومن مائها بالتراب".
وفي القرن السابع عشر أيضاً عادت الإمامة إلى مجتمع الأباضية في عمان، حيث عقدت الإمامة في العام 1034 هـ (1624م) لناصر بن مرشد اليعربي، وهو أول إمام يعربي في عمان، وفي عهده دخلت عمان في "حقبة إستثنائية من تاريخها الحديث، وهي حقبة إستعادت فيها الإمامة بناء ذاتها وتحققت خلالها وحدة البلاد الإجتماعية". ومن نسل هذا الإمام سيخرج سلطان بن سيف الذي عقدت له الإمامة في العام 1711. وقد صرف هذا الإمام عنايته لحرب الدولة الصفوية، وانتزع من أيديها جزيرة قشم ولارك وجاش وبندر عباس وهرمز والبحرين بعد حروب طاحنة، وأهمها وقعة البحرين في العام 1717م.
وعلى هذا، فقد كتبت على أهل البحرين ان يتواجهوا ـولأول مرة أيضاً ـ مع عدو إقليمي قوي، ونجح في التغلب على بلادهم لأكثر من مرة، وهذا العدو المختلف عنهم مذهبياً هو إمام مسقط واليعاربة الإباضيون (أو الخوارج بتعبير مؤرخي البحرين في تلك الفترة). لقد تأجج هذا العداء في سياق التنافس على النفوذ الإقليمي مع الدولة الصفوية، إلا أنه لم يكن يخلو من تعصب مذهبي متبادل، وكما يقول ناصر الخيري: "وأنّى للأباضي أن يتفق مع الشيعي، وذلك يبالغ ويسرف في بغض علي بن أبي طالب بينما هذا يبالغ في مودته ويكاد أن يجعله إلهاً، فهم لهذا على طرفي نقيض، ومحال أن يجتمع الضدان ويأتلف النقيضان".
وإذا تذكرنا إشارة ألبرت حوراني عن دور الثورة في إيران وحرب الخليج الأولى في استثارة الإحساس القوي بالهوية الشيعية وإهتزاز نظام هذه المجتمعات، فإنه علينا أن نتذكر كذلك بأن هذه الإستثارة لم تكن هي الأولى من نوعها، كما لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يهتز فيها "نظام المجتمع" في البحرين. فقد شهدت بنية المجتمع البحريني إهتزازاً عميقاً في القرن الثامن عشر. والحفر "الأركيولوجي" في تاريخ هذه الإستثارة وهذا الإهتزاز كفيل بإضاءة الكثير من المناطق المظلمة والمجهولة فيما يتعلق بمعضلة الولاء وإزدواجه، وفي ما يتعلق بدور هذه الإستثارة وهذا الإهتزاز في صياغة الوجدان الجماعي و "المزاج العام" تجاه فكرة "الوطن" أو "اللاوطن/الشتات" لدى شيعة البحرين. كما ان هذا النوع من الحفر كفيل بأن يكشف لنا حقيقة أن هذا التاريخ رازح بقوة في حاضرنا، وأنّ كثيراً من هواجسنا ومخاوفنا وعقدنا النفسية اليوم إنما تضرب بجذورها في هذا التاريخ البعيد والقريب الذي يتحرك من تحت أقدامنا دون توقف. ووالمفارقة هنا أنه في كل مرة تظهر دولة شيعية قوية في المنطقة يكون نصيب شيعة البحرين من ذلك مزيداً من البلاء والضرّ والتضييق والشتات، حدث هذا حين قامت الدولة الصفوية ودخلت البحرين ضمن مناطق نفوذها في القرن السابع عشر، وحدث هذا عندما قامت الثورة الإسلامية في إيران في العام 1979م. فما أشبه الليلة بالبارحة!
وكأن من مصلحة شيعة البحرين ألا توجد دولة شيعية قوية في هذا الإقليم.

الخائفون من الديمقراطية

المستشار طارق البشري

ما أشبه اليوم بالبارحة، واليوم هو شهر مارس سنة 2011، والبارحة هى شهر مارس سنة 1954، والفرق بينهما سبعة وخمسون عاما قضيناها جميعها فى ظل حكم دستورى فردى، كان وطنيا يرعى المصلحة الشعبية فى ثلثه الأول، وصار لا يرعى مصالح الوطن ولا المواطنين فى ثلثيه الأخيرين.
أما البارحة، فقد كنا وقتها فى عهد السنوات الأولى لثورة 23 يوليه 1952، طُرِد الملك فاروق بعد خلعه، وتولى الجيش السلطة السياسية، وأعلنت الجمهورية، وقُضِى على الطبقة الحاكمة السابقة، قضى على ما سمى بالإقطاع الزراعى، وألغيت الأحزاب السياسية وألغى دستور 1923، وقام بحكم مصر «مجلس قيادة الثورة» بحسبانه يجمع السلطة كلها بغير برلمان ولا دستور، وبإعلان دستورى مختصر، وأن الفترة الانتقالية تستمر ثلاث سنوات تنتهى أول سنة 1956، عظم الضغط الشعبى على مجلس قيادة الثورة من خارج الجيش ومن داخل وحداته وأسلحته، يطالبون رغم تأييدهم إلغاء الملكية والقضاء على الإقطاع ــ يطالبون بإقامة نظام دستورى وعودة البرلمان وعودة الحياة الحزبية وإلغاء حالة الطوارئ (كانت تسمى حالة الأحكام العرفية). وخضعت قيادة ثورة 23 يوليو لهذه المطالب، فأعلن مجلس قيادة الثورة فى 5 مارس 1954 أنه سيلغى حالة الطوارئ وسيشكل جمعية تأسيسية لإعداد الدستور وسيلغى الرقابة على الصحافة والنشر، ثم فى 25 مارس قرر مجلس قيادة الثورة حل نفسه والسماح بقيام الأحزاب وانتخاب جمعية تأسيسية وذلك كله فى 24 يوليه سنة 1954. وبدا بهذا أن الوجه الديمقراطى لثورة 23 يوليو قد غلب وجهها الآخر وأن الأسلوب الديمقراطى والأهداف الوطنية والشعبية انتصرت على الأسلوب الآخر.
ولكن فاجأت هذه القرارات الديمقراطية الكثيرين، وقالوا إن هذه القرارات الخاصة بالحريات العامة وبصياغة نظام الحكم على أسس حزبية برلمانية منتخبة من الشعب، قالوا إن ذلك من شأنه أن يعيد العهد الماضى البغيض، وأن يعيد حكم الباشوات السابق، وأبدوا الهلع والفزع من عودة طبقة حاكمة كانت هُزمت فعلا وأطيح بها من مقاعد الحكم ومن نظام اجتماعى كانت تقوّضت قوائمه، وأبدى المنتصرون الهلع والفزع من المهزومين. وبدأت موجة من المظاهرات والإضرابات تطالب بعودة مجلس قيادة الثورة. يصف المؤرخ عبدالرحمن الرافعى ذلك: «وأضرب عمال النقل احتجاجا على عودة الأحزاب المنحلة، وقررت نقابتهم استمرار مجلس قيادة الثورة فى مباشرة سلطاته وعدم الدخول فى معارك انتخابية حتى جلاء المستعمر، فتوقفت القطارات ووسائل النقل فى البلاد، وبلغ عدد العمال المضربين مليون عامل» (كان تعداد مصر وقتها نحو 24 مليون نسمة) وقيل وقتها إن مظاهرات سارت تهتف بسقوط النظام الحزبى والديمقراطية.
وبهذا الضغط من الخائفين من الديمقراطية يذكر أيضا عبدالرحمن الرافعى: «رأوا أن الثورة مهددة بالانحلال إذا نفذت قرارات، 5 و25 مارس، وأن البلاد ستعود إلى الفوضى وإلى نفس الأحزاب المنحلة، فأصدروا قرارات اجماعية بإلغاء قرارات 5 و25 مارس، وشفعوا ذلك بالاعتصام حتى تلغى هذه القرارات. «وحملوا مجلس قيادة الثورة مسئولية ما يقع من حوادث إذا لم تجب مطالبهم».
تحدد فى هذه الأيام القليلة من شهر مارس 1954 نظام الحكم المصرى لسبع وخمسين سنة تلت. وكان وجه العجب فى هذا الموقف أن جماهير من الشعب المصرى فزعوا من عودة الديمقراطية والبرلمانية وكأنهم سيواجهون بذلك خطرا مهددا ومعضلة كبيرة، وأنهم فارقوا بين الثورة والديمقراطية الانتخابية وكأنهما ضدان لا يلتقيان، وكانوا غير واثقين من أنفسهم إزاء نظام حكم وإدارة يبشرهم بأنهم هم من سيملكون اتخاذ القرارات فيه وتكون لهم الهيمنة، والأخطر من ذلك والأشد مدعاة للعجب أنهم خافوا ممن هزموهم وأقصوهم عن الحكم وعن السيطرة الاجتماعية الاقتصادية. وصار أمامنا السؤال: كيف يخاف الإنسان ممن هزمه، وإذا كان الإنسان خائفا من خصم فكيف تقدم وهزمه وأجبره على ترك مكانه، وإذا كان هزمه وأقصاه فكيف يخاف منه من بعدُ، بعدَ أن فقد القدر الأكبر من قوته بترك السلطة ووسائطها فى القمع والترويع، وكيف يخاف الإنسان من الشبح أكثر مما يخاف من الواقع، وهل يخاف الإنسان من فلول جيش منهزم بأكثر مما نخاف من الجيش وهو بكامل عدته.
مازلت أذكر رسما كاريكاتوريا رسمه فى ذلك الزمان الرسام «عبدالسميع» بمجلة روزاليوسف. رسم أسدا داخل قفص من قضبان حديدية، وباب القفص مفتوح وفى خارجه يقف الحارس خائفا. والأسد يجلس داخل القفص المفتوح ويقول للحارس ما معناه: «أغلق الباب لأنه يدخل تيار هواء يؤذينى» وهذا بالضبط ما كان يعبر عن تناقض المواقف وقتها، والذى يفسر عدم الثقة أو فقدان الثقة فى الذات وإرادتها الجماعية الحرة وما يتاح لها من خيارات، وتركن إلى الاعتماد على الانسياق الجبرى، الحرية هى الصقيع والانسياق هو الدفء.
وهناك من «الديمقراطيين» من اعتاد على موقف المواجهة مع الحكام المستبدين مطالبا بالديمقراطية ورافضا الاستبداد، ولكنه اعتاد على موقف المطالبة، فإذا صار فى وضع التمكن من الممارسة الديمقراطية، فزع من الذات وعمل على أن يعود إلى وضعه الأول، وضع وجود الاستبداد وبقائه هو فى موقف المطالبة والاعتراض والتحدى.
عندما انتهى شهر مارس 1954، كانت مصر قد عادت إلى نظام سياسى غير حزبى وغير ديمقراطى، وبقيت فى هذا النظام طوال عهود لثلاثة حكام، ولم تبد فرجة للخروج من هذا النظام إلا أخيرا جدا فى 25 يناير 2011، أى لم تتح للمصريين فرصة جادة وحقيقية للخروج من النظام الفردى الاستبدادى إلا بعد سبع وخمسين سنة، بمعنى أن أحداث مارس 1954 حكمت نظام الحكم فى مصر طوال هذا الزمن الطويل. وأنا هنا أشير إلى مدى الجسامة والخطورة للحدث الذى نحياه الآن وما يطرح من بدائل.
وأبادر بالتنويه أننى بهذا الحديث الذى سقته آنفا، لا أقصد الحديث عن نظام الرئيس جمال عبدالناصر رحمه الله وأجزل له المثوبة على ما قدمه لبلده ووطنه، لا أقصده لسببين: أولهما: أن فترة الثمانية عشر عاما التى تمثل عهد عبدالناصر من 1952 إلى 1970، هى أكثر فترة تمتعت فيها مصر باستقلالها السياسى فى القرن العشرين، ومارست موجبات هذا الاستقلال، حفاظا على أمنها القومى وبناء أسس نظام داخلى يرعى المصالح العليا للشعب المصرى ويكفل تنمية موارده والعدالة الاجتماعية. وثانيهما: أن ثورة عبدالناصر كانت وعدت بالاستقلال الوطنى وإجلاء المحتل الإنجليزى عن مصر ووفت بهذا الوعد، وكانت وعدت بالعدالة الاجتماعية ووفت بعهدها أيضا، ووعدت بحفظ الأمن المصرى القومى وجهدت بصدق وأمانة فى الوفاء به فى مواجهة ظروف دولية شديدة الصعوبة. ولم يكن وعدها الأساسى يتعلق بالنظام الحزبى البرلمانى الانتخابى.
للديكتاتورية حصاد مر
ولكننا من تجربة مارس 1954 نظن أنه لو كان تحقق النظام الديمقراطى بمؤسساته الانتخابية مع وطنية نظام عبدالناصر وسعيه لبناء مصر بسياسات التنمية المستقلة والعدالة الاجتماعية وحفظ الأمن القومى، لكان أمكن لمصر بعد عبدالناصر أن تحفظ منجزات عهده. إنما ما آلت إليه أوضاع الحكم غير الديمقراطى فى ترسيخ سلطة الفرد الحاكم، هى ذاتها ما انتكست به كل منجزات الفترة الناصرية، فى عهدى أنور السادات وحسنى مبارك، اللذين عارضاه وخالفاه فى كل سياساته الوطنية والاجتماعية، فلم يوافقاه إلا فى نظام الحكم الفردى الاستبدادى، واستخدما سلطات هذا النظام الفردى فى تقويض كل ما شيدت مصر فى العهد الناصرى وفى عهد ثورة 1919 السابق عليه وكان مارس 1954 هو شهر الحسم بين نظام ديمقراطى انتخابى ونظام فردى.
واليوم فى مارس 2011، تسنح فرصة البناء الديمقراطى الدستورى بثورة 25 يناير، وهى ثورة لم تطرح أى هدف سياسى آخر لها فى المجالات الوطنية والاجتماعية، إنما طرحت هدفا سياسيا تنظيميا بحتا هو تحقيق النظام الديمقراطى، بشقيه الحزبى والانتخابى وتشكيل المؤسسات الدستورية الجماعية الانتخابية التى لا تتيح فرصة لظهور حكم فردى من بعد ــ إن شاء الله سبحانه ــ ومن ثم يكون ضياع هذا الهدف أو عدم تحققه هو إفشال كامل للفعل الثورى القائم.
وفى هذا الظرف نجد فى التو واللحظة فريقا من أهل مصر، المثقفين والساسة والإعلاميين، يثيرون ذات المخاوف من الديمقراطية التى ظهرت سنة 1954، ويقولون إن انتخابات فى عدة شهور قليلة من شأنها أن تفكك الثورة وأن تعيد الحزب الوطنى الحاكم السابق، وهو الحزب المهزوم بفعل ثورة لا تزال قائمة، وإن ممارسة الديمقراطية «المبكرة» من شأنها أن تفكك احتمالات البناء الديمقراطى، غير مدركين فيما يبدو ما فى هذا القول من تناقض، فلو كانت جماهير الثورة الحاصلة تخاف من الحزب الوطنى الحاكم فيما سبق، فَلِمَ قامت الثورة تتحداه؟ ومادامت هزمته فكيف تخاف من بقاياه؟
وهم يطالبون أن تطول فترة حكم مصر بغير انتخابات تشريعية، وأن تبقى محكومة إما بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى أعلن عن تحديده لمدة حكمه بالشهور والمهام المحددة أو بمجلس رئاسى لم نعرف من يقترحون أن يكون المعيِّن لهم، أو بانتخابات رئيس جمهورية لايزال مجهولا لدينا جميعا حتى الآن، ويكون انتخابه قبل كل مؤسسات الدولة التشريعية بمثابة توليه لسلطة مطلقة تجمع السلطتين التنفيذية والتشريعية بغير وجود كيان موازٍ له يحد من سلطته. ويبقى كذلك حتى تتكون المجالس التشريعية بالانتخاب، وهؤلاء المطالبون بطول مدة الحكم الفردى، يقولون ببقائها حتى تنشأ الأحزاب الجديدة وتنمو وتستعد لملء الفراغ السياسى، وكأن الحاكم الفردى المطلق المشيئة سيكون بالنسبة للأحزاب الوليدة كالأب الحنون على أولاده الصغار، فيرعاهم ويصبر عليهم وعلى تنميتهم ليقطعوا أجزاء من سلطته ويحدوا نفوذه المطلق، أى يكون حاكما يتعهد منافسيه ومقيديه بالرعاية حتى ينافسوه جيدا.
إن كل ما نصنعه الآن هو تكوين مؤسسات ديمقراطية لهذه الفترة الانتقالية المحددة لنضع من خلالها دستورا ديمقراطيا جديدا. لأن الفترة الانتقالية إن كانت مبنية على أسس نظام استبدادى أو فردى فلن تنتج إلا نظاما جديدا استبداديا وفرديا، أما إن توافر فيها عنصر الاختيار الإجماعى الحر والعمل الجماعى المشترك الممثل لجماهير الشعب، فالغالب إن شاء الله أن تنتج مثيلا لها فى الجوهر فى هيئة دستور جديد.
ثورة ناجحة استطاعت أن تجمع بعملها السلمى الثورى أكثر من عشرة ملايين مواطن فى يوم واحد بمدن مصر العديدة، وأن يبقى نفسها التجمعيى هذا أياما وأياما حتى أسقطت رءوس النظام السياسى القابض على السلطة وحتى نحقق النقل المؤقت للسلطة لإنشاء سلطة جديدة. هذه الثورة بجمهورها كيف تخاف ولا تطمئن إلى نتيجة انتخابات تجرى وهى فى عز زخمها وحركيتها الجماهرية الواسعة.
إلى من يخافون من الديمقراطية الانتخابية، أذكر لهم قول أبى العلاء المعرى:
فيا عجبا من مقالاتهم .. أيعمى عن الحق هذا البشر
والحمد لله

نــتــعـــرف مجـــدداً عـــلى الــنــخـــبــــة المصـــريــــة

بقلم: جهاد الزين -النهار-بيروت
منذ اندلاع الانتفاضة المصرية في 25 كانون الثاني وانا امضي وقتاً طويلاً نسبياً امام عدد من اقنية التلفزيون المصرية. استطيع القول ان هذه الشاشات - مضافا اليها البرامج المتعلقة بمصر على شاشتي "الجزيرة" و"العربية" كما على الـCNN والـBBC - لا تزال تستحوذ على تسعين بالماية تقريباً من وقتي التلفزيوني في البيت والمكتب. اعني تحديداً من الشاشات المصرية التي هي بمتناولي، قناة "دريم" والتلفزيون المصري الرسمي وبعض برامج "التوك شو" (الحوارية) المصرية التي تنقلها "قناة اليوم" عبر مجموعة خليجية... مقابل ذلك تراجعت نسبة متابعتي للشاشات اللبنانية بشكل كبير خصوصا ان التفاقم المتزايد لتفاهة السياسة الداخلية اللبنانية – والتي تبدو منذ فترة غير قصيرة على الهامش المتخلف للوضع العربي – قد ساهم في هذا الابتعاد.
اتاح لي شبه الانصراف التلفزيوني هذا منذ بضعة اسابيع الى الشؤون المصرية – بل حتى الى الافلام السينمائية المصرية على شاشات متخصصة بها – ولا زال يتيح ان ادخل في تجربة من نوع خاص، دعوني اسمِّها تجربة اعادة التعرف على النخبة المصرية خلال الانتفاضة وما بعد بدء المرحلة الجديدة.
كانت ولا تزال اسابيع استماع الى كل فئات النخب المصرية: عسكريين، سياسيين، فايسبوكيين، ادباء، مثقفين، قضاة، صحافيين، فنانين، وزراء، اقتصاديين، اكاديميين. جميعهم باتت تحفل بهم التلفزيونات المصرية وغير المصرية، عقائديين، قادة احزاب، ولاسيما "الاخوان المسلمين" الذين اخذنا نراهم ونسمع آراءهم، بل نتفرس في وجوههم ولحاهم وكلماتهم... في هذا المحفل النقاشي الهائل الذي افتتحته الانتفاضة بل "الثورة المصرية" كما بات اهلها – وهم هؤلاء انفسهم – يحبون تسميتها، محفل متواصل ليل نهار كأننا نتعرف مجددا على هذه النخبة بل النخب حتى لو كنا نعرف – بما فيه على المستوى الشخصي - اسماء عديدة بينها منذ زمن طويل.
من هذه المناظرة الدائمة التي اطلقتها "الثورة المصرية" تولدت لدي بضع ملاحظات لا شفاء لي من وطأتها او من قلقها اذا لم اضعها في الضوء.
1- بدءا من ميدان التحرير – الذي اصبح عاصمة المستقبل العربي مهما آل إليه هذا المستقبل؟! - وحتى في ذروة الاحتشاد الذي قيل انه ذات يوم تجاوز المليون (فعلا وليس على الطريقة اللبنانية في الاحتساب الـ8 والـ14 آذاري) كان لدي انطباع ان هذه الحشود هي اساسا انتفاضة النخب المصرية بأقصى ما تعنيه الكلمة: اوسع تجمع للطبقة الوسطى بكل شرائحها، ولكن طبعا تحت قيادة اذكيائها وموسريها ونشطائها ومثقفيها ومعظم موظفيها في القطاعين العام والخاص وبعقائدييها من كل الاطياف وابناء عقائدييها الذين يمارسون الآن حرية يغبطهم عليها آباؤهم... والذين كان بعضهم يمشي الى جانب ولده "الفايسبوكي" وهو – اي الأب – على عكاز او كرسي مدولب! (واعرف حالات محددة).
… انها اذن انتفاضة نخب... واسعة... "جماهير نخب" في القاهرة اساساً والاسكندرية والسويس والعديد من المدن... وليست انتفاضة كل الشعب المصري الذي لا تزال اغلبيته الريفية، اي المقيمة في الارياف، تتلقى نتائج ثورة النخب المدينية والقطاعات المتصلة بها، كما تلقت عام 1952 انقلاب "الضباط الاحرار" باسم الدفاع عنها وببرنامج اجتماعي اقتصادي جذري وغير ديموقراطي نفذه الجيش... مع فارق ان عام 1952 كان عام مجموعة صغيرة قادت المؤسسة العسكرية التي حكمت مصر حتى سقوط الرئيس حسني مبارك وان كانت شريحة من "رجال الاعمال – السماسرة" دخلت على خط القرار السياسي في السنوات الاخيرة من عهد الرئيس مبارك بينما ثورة 1919 التي كانت ثورة وطنية لتحقيق استقلال مصر اعتمدت على نخبة مدينية بقيادة بورجوازية المجتمع المتنورة.
اليوم... نحن امام ثورة لا شك ان صفتها الاولى انها ثورة ديموقراطية... وطنيتها – اي السياسة الخارجية – هي حصيلة غير معلنة لديموقراطيتها... في هذه المصالحة التاريخية التي يقدمها لنا ميدان التحرير للمرة الاولى منذ العام 1948 تاريخ تأسيس اسرائيل بين الديموقراطية والوطنية.
ازعم... ان كل هذه الانطباعات بل هذا التقييم هي وهو حصيلة مشاهداتي التلفزيونية. فالذي رأيته وأراه ثورة نخب، ثورة الشرائح الاكثر وعياً وحداثة وحيوية في المجتمع المصري... الذي تنتظر ملايينه الثمانون ان تحملها الديموقراطية الى واقع معاشي افضل؟!
انها هذه النخب المجمعة على قنوات التلفزيون على منع الفلتان الامني حيث يختلط تآمر "النظام القديم" بانفجار احتقان الفقراء والعشوائيات، او بانفجار الامية الطائفية التي يتسبب بها مواطن غيور على شقيقته المسلمة التي احبها شاب قبطي وأحبته... فقتله مفجراً رغم وعي النخب ازمة علاقات تهدد النسيج الوطني المسلم المسيحي... وادت الى سقوط عدد من القتلى في القاهرة نفسها.
الخلاصة التلفزيونية الاولى: هي ثورة نخب واسعة، ثورة طبقة وسطى، لا ثورة فقراء وفلاحين.
2- الخلاصة التلفزيونية الثانية: هي ان هذه الثورة الديموقراطية الهامة والواعدة مصريا وعربيا، لا تحمل حتى الآن برنامجها الاقتصادي. جميع الذين اسمعهم على التلفزيونات، بمن فيهم الاقتصاديون والمسؤولون الرسميون، يركزون على استمرار تشجيع الاستثمارات، زيادة الحد الادنى للأجور، الحفاظ على الاقتصاد الحر و"دولة الرعاية" معا. لكن هذه ليست برنامج وضع جديد واستراتيجية شاملة. انها افكار تشبه في المجال الامني الدعوة الى اعادة الشرطة الى الشوارع. الجدل الوحيد الجديد هو الجدل الدستوري لأنه البرنامج الوحيد للثورة منذ لحظة قيامها.
3- تُظهر الثورات العظيمة على ما يبدو افضل ما في الافراد... ما في النخب:
فبمعزل عن التنوع الهائل بين القيادات والشخصيات والناشطين والشباب... الجميع يظهر حساً عالياً بالمسؤولية في الكلام العام... كأنما كل هؤلاء من مختلف مواقعهم، يعبرون عن نضج كبير في الشأن العام... ولفت نظري بصورة خاصة – بعد انتهاء الانفعال الشخصي في لحظات محددة وخطرة – ان الشباب الفايسبوكيين كانوا لا يقلون نضجاً ومسؤولية عن الأجيال الأخرى... والكل تحفل بهم قنوات التلفزيون، بل استطيع ان اقول ان بعض من انشر لهم في صفحة "القضايا" كتبوا مقالات مهمة وجذابة خلال الاسابيع المنصرمة...
4- الخلاصة الرابعة التي لا بد من التوقف عندها هي المتعلقة بالزملاء الصحافيين التلفزيونيين المصريين. فقد سمحت الاحداث لي بالتعرف على كفاءات مميزة لعدد من مقدمي البرامج، نساء ورجالا... وفي مجالات مختلفة... كان اداؤهم قويا وتحضيرهم لامعا وذا مجهود، كما ان ملاحظاتهم الحوارية كانت كفوءة وندية. وأخص بالذكر هنا السيدة منى الشاذلي التي اصبح برنامجها "الساعة العاشرة" على "قناة دريم" بالنسبة لي مرجعاً يومياً للمتابعة... وهذه مناسبة لأنصح عددا من زملائنا اللبنانيين بمتابعة هذه التجربة المصرية الجديدة أو المتجددة في البرامج السياسية والثقافية والحوارية ودراستها...