كلمةمحسن إبراهيم في أربعين جورج حاوي
ذهبنا بعيداً في تحميل لبنان من الأعباء المسلحة للقضية الفلسطينية فوق ما يحتمل
واستسهلنا ركوب سفينة الحرب الأهلية
لا يتسع الوقت المتاح لتكريم شهيدنا اليوم أن نقف أمام كل ما كان من إنجازات الحركة الوطنية اللبنانية وجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، وقد شكلتا متصلتين رهان عمره الأكبر. لقد كنا معاً ثنائياً عمل تحت قيادة الشهيد كمال جنبلاط، ويكفينا فخراً أن نقول اليوم، ونحن في مجال تكريمه، إن الحركة الوطنية التي إليها انتسب لم تقدم للبلد، في ذلك الصيف الحارق من عام 1975، مجرد نص برنامجي شهد الجميع بتقدمه وإستنارته، بل هي قدمت أولاً وأساساً ممارسة غنية حركت وأطلقت تياراً شعبياً زاخراً عابراً لكل المناطق ولجميع الطوائف، احتشدت ضمن شوارعه كتل إجتماعية شتى في وحدة مطلبية متصلة الأواني من دون غفتعال. وحين كان على هذه الحركة الوطنية أن تشتق من وقائع ممارستها المديدة، خلال كل الستينات والنصف الأول من السبعينات، برنامجاً يخاطب مصالح البلد ويلبي حاجاته خرجت بما يمكن إعتباره أبرز وأهم برنامج نهضوي في تاريخ لبنان الحديث. وفيه تلازمت مفاهيم وقضايا عانى اللبنانيون من افتراقها زمناً طويلاص: الإستقلال الوطني الحاسم بما هو حق صريح لشعب لبنان بعيداً من أي مركب نقص أو عن الإختناق بين جدران العزلة واساطيرها، والعروبة الثقافية والسياسية المستنيرة بما هي أفق حيوي لبقاء لبنان نقيضاً لكل إستبداد، والديموقراطية المسيجة بالعلمانية الرحبة محط أمان وتفتح، والمسلحة بالقاعدة الغجتماعية العابرة للطوائف ولجغرافياتها الضيقة ضمانة ومرجعاً. وإلى ذلك يضاف نبض لبناني مع فلسطين يعرف أصحابه جيداً ما بين لبنان وإسرائيل من صراع مصير، ويدركون تماماً أن الشعب الفلسطيني إذ يرابط منذ قرن من الزمان على خط المواجهة الأمامية لأعنف غزوة كولونيالية إستيطانية، مستمرة متسعة، تعرضت لها المنطقة العربية وما تزال، لا يدافع عن وجوده الوطني فحسب، بل هو يحجز ويضبط وسع طاقته خطراً يتهدد كل ارض الجوار العربي لفلسطين. لذا أعتبرت الحركة الوطنية اللبنانية دعم نضال الشعب الفلسطيني قضية وطنية تخص لبنان مثلما يجب ان تخص كل بلد عربي تضعه إسرائيل ضمن استهدافاتها المباشرة وغير المباشرة.
هل تراني في هذا التقديم التكريمي لما كان عليه دور الحركة الوطنية اللبنانية وبرنامجها، وقد ساقني إليه واجب تكريم جورج حاوي بصفته أحد بناتها الكبار، هل تراني أردت الإفلات من مسؤولية النقد الصريح لما كان من أخطاء هذه الحركة الوطنية وبعضه كان قاتلاً؟ كلا بالتأكيد، فليس هذا نهجي ولا هو نهج رفيق دربي أبي انيس. وإذا كان ثبت الأخطاء هنا يطول فإنني أكتفي بإيراد إثنين منها كان ضررهما عظيماً على الحركة الوطنية اللبنانية وعلى البلد في آن.
الخطأ الأول إننا في معرض دعم نضال الشعب الفلسطيني ذهبنا بعيداً في تحميل لبنان من الأعباء المسلحة للقضية الفلسطينية فوق ما يحتمل، طاقة وعدالة وإنصافاً.
والخطأ الثاني إننا استسهلنا ركوب سفينة الحرب الأهلية تحت وهم إختصار الطريق إلى التغيير الديموقراطي. فكان ما كان تحت وطأة هذين الخطأين من تداعيات سلبية خطيرة طاولت بنية البلد ووجهت ضربة كبرى إلى الحركة الوطنية وفي القلب منها يسارها الذي كان واعداً في يوم من الأيام.
وأسوق مجدداً هذا النقد الذاتي الواضح بإسم رفيقي جورج وبإسمي على رغم أننا لم نسمع حتى اللحظة ما يعادل هذا النقد وضوحاً أو يلاقيه صراحة من الضفة الاخرى، أو من أي ضفة. فمتى تصبح للبلد ذاكرة نقدية مشتركة نستطيع أن نستلهم منها معادلة لبنانية شاملة ترسي ثوابت صون الموقع الإقليمي للبلد من ناحية وتحدد أصول الصراع حول مستقبل نظامه السياسي من ناحية ثانية؟