سعود المولى
فمؤسس ورئيس قسم علم الإجتماع في جامعة هارفارد الأميركية، وصاحب الثلاثين مؤلفاً (بعضها من عدة مجلدات في مئات الصفحات)، كان أيضاً صاحب معرفة موسوعية وذكاء خلاق، إلى جانب تمرسه الأكاديمي العميق في ست لغات أوروبية على الأقل، وفي تاريخ العالم القديم والحديث، وتاريخ الديانات والأفكار والفلسفات والحضارات.. وهو يقف إلى جانب أوغست كونت وكارل ماركس وماكس فيبر وألكسيس دوتوكفيل كعملاق سوسيولوجي من حيث كمية ونوعية كتاباته، والميادين الكثيرة التي عالجها، ومن حيث النظريات التي بلورها وصاغها..لا بل أنه يتفوق عليهم جميعاً.. وهو أضاف إلى التحليلات الإجتماعية تلك اللمسات التاريخية والإنسانية حول الحضارات وحول الموقع الرئيس للقيم الثقافية في النسق الإجتماعي الكلي..
إلا أنه كان فوق ذلك وقبل ذلك أحد كبار الثوريين الإشتراكيين الذين شاركوا في ثورة الشعب الروسي ضد القيصرية..ودفعوا ثمن مبدئيتهم وإستقامتهم سجناً وعذاباً وتشريداً ونفياً..
فهل يعقل أن لا نعرف نحن العرب شيئاً عن بيتيريم سوروكين، أو أن لا نعيره أدنى إهتمام في معاهد وكليات العلوم الإجتماعية عندنا ؟
نعم كان ذلك ممكناً طوال العقود الماضية (للأسف)! وأنا أقول ذلك عن خبرة ومعرفة وبعد دراسة فاحصة لبرامج ومقررات العلوم الإجتماعية ولمجلات ومؤسسات الدراسات السوسيولوجية في البلدان العربية وفي لبنان خصوصاً..لا بل أن موقع ويكيبيديا الكبير يخصص خمسة أسطر لا أكثر لبيتيريم سوروكين!!..هذا في حين لا تذكره مراجع وكتب علم الإجتماع الفرنسية والألمانية والبريطانية..يكفي أن نقرأ الكتاب الضخم لعالم الإجتماع البريطاني أنتوني غيدنز وعنوانه "علم الإجتماع" (وقد صدر في عشر طبعات حتى اليوم؛ وصدرت ترجمته العربية في 3 طبعات حتى اليوم) لنكتشف خلوه من مجرد ذكر إسم سوروكين؟؟؟ فهل يعقل هذا ؟
Sociology by Anthony Giddens (5th Edition, Polity press, UK, 2006).
نعم يعقل!! ولعل السبب هو أن سوروكين كان روسياً، مؤمناً متديناً، ومناضلاً ديموقراطياً، شارك في ثورة شباط المجيدة، وشارك في حكومتها إلى جانب كيرينسكي، قبل أن ينقلب عليهم البلاشفة .. تاريخه "الهرطوقي" إذن ، وموقعه "الثوري الفلاحي"، و"الإشتراكي الديموقراطي"، أسقطاه في نظر التيار الماركسي-اللينيني الذي هيمن لعقود على مجال العلوم الإجتماعية في جامعاتنا وعلى التفكير اليساري أيضاً... فهو خائن مرتد عمل مع كيرينسكي "البورجوازي"، ثم وقف ضد الثورة البلشفية، وسُجن وأُضطهد قبل أن يهرب إلى أميركا !! ولكن مصيره في الجانب الآخر لم يكن أفضل حالاً.. فلم يحظ سوروكين في حياته في جامعات أميركا (وفي الغرب الأوروبي) بالتقدير الذي يتناسب مع عبقريته وعظمته.. ولكن سوروكين برغم ذلك هو عالم إجتماع كبير ومبدع: فهو من نقل المدرسة السلوكية والأمبيريقية إلى علم الإجتماع الأميركي.. وهو نفسه من قاد عملية النقد السوسيولوجي الحاد والذكي للمجتمع الأميركي ولعلم إجتماعه ومدارسه، ولثقافته وتحولاتها في القرن العشرين..وهو من كان له المشاركة الكبيرة في نهضة العلوم الإجتماعية في الإتحاد السوفياتي ، بعد سنوات الدمار التي إستمرت من العام 1922 وحتى مطلع الستينيات...
ولكن ما يدعونا اليوم إلى إستذكار سوروكين أنه صاحب نظرية حوار وتفاعل وإنفتاح الثقافات والحضارات لا صدامها أو هيمنة واحدة عليها..فهو كان واحداً من القلائل جداً من علماء الإجتماع الذين عاشوا وكتبوا في النصف الأول من القرن العشرين وكان عندهم في تلك الايام رؤية تحليلية عميقة تشبه النبوءة حول كل التحولات التي شهدتها أميركا في الثلث الأخير من ذلك القرن، بحيث أن أفكاره ونظرياته التي صاغها وطرحها مطلع القرن وجدت مصاديقها في أواخره.. وها نحن اليوم في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين نستعيدها ونستعيد معها عظمة ذلك المفكر والفيلسوف والسوسيولوجي والإنساني المبدع.
الخميس، 24 مارس 2011
الجماعة الإسلامية المصرية تستعد لإطلاق حزب
الجماعة الإسلامية المصرية تستعد لإطلاق حزب وتقبل برئاسة قبطي للجمهورية
أكد الشيخ الدكتور ناجح إبراهيم عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية بمصر أن من حق الأقباط الترشح للرئاسة، قائلاً إنهم "شركاء في الوطن والفيصل بيننا وبينهم هو القانون والدستور، ونؤمن بمبدأ المواطنة".
في الوقت نفسه، برأ الشيخ ناجح الرئيس السابق حسني مبارك من اغتيال سلفه الرئيس الراحل أنور السادات، نافياً بذلك بلاغاً تقدمت به ابنته رقية السادات إلى النيابة العامة مؤخراً مستندة على أقوال للوزير السابق حسب الله الكفراوي.
يذكر أن ناجح إبراهيم هو أحد أبرز القيادات التاريخية لتلك الجماعة التي كانت وراء اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، وكان ضمن الذين وضعوا مراجعاتها أثناء وجوده في السجن.
وأضاف ناجح في حوار مع قناة "الحياة" المصرية أن مبارك كان رجلاً عادياً في وقت اغتيال السادات، ولم يفكر أن يصبح رئيساً، ولكن الأمور جاءت قدراً". ووصف الاتهامات بأنها "تهريج تاريخي وشو إعلامي".
واستطرد بأن الجماعة الإسلامية أبدت ندمها بعد أن قامت بالاغتيال بخمس سنوات، "فكل المفاسد جاءت من اغتياله، حيث ضاعت الدولة والحريات وعاد قانون الطوارئ وصبت كل الإيجابيات لصالح اليساريين، في الوقت الذي أوقف السادات التعذيب وألغى قانون الطوارئ، ونحن كشباب لم ندرك قيمة السادات إلا بعد موته".
وقال ناجح إبراهيم إن الجماعة تستعد حالياً لتشكيل حزب إسلامي، وأنه سيكون عملاً سياسياً بعيداً عن العمل العقائدي والدعوي، مؤكداً أن الجماعة لن تستخدم العنف أو القتال بعد اليوم، وكانت سباقة في حل الجناح العسكري دون إراقة قطرة دم واحدة".
من جهة أخرى، تدرس الكنيسة الأرثوذكسية برئاسة البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية والكرازة المرقسية طلب الدكتور محمد بديع مرشد جماعة الإخوان المسلمين، زيارة المقر البابوي، لعقد حوار مع الشباب المسيحي لتبديد أي مخاوف من وصول الجماعة إلى الحكم في الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة.
أكد الشيخ الدكتور ناجح إبراهيم عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية بمصر أن من حق الأقباط الترشح للرئاسة، قائلاً إنهم "شركاء في الوطن والفيصل بيننا وبينهم هو القانون والدستور، ونؤمن بمبدأ المواطنة".
في الوقت نفسه، برأ الشيخ ناجح الرئيس السابق حسني مبارك من اغتيال سلفه الرئيس الراحل أنور السادات، نافياً بذلك بلاغاً تقدمت به ابنته رقية السادات إلى النيابة العامة مؤخراً مستندة على أقوال للوزير السابق حسب الله الكفراوي.
يذكر أن ناجح إبراهيم هو أحد أبرز القيادات التاريخية لتلك الجماعة التي كانت وراء اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، وكان ضمن الذين وضعوا مراجعاتها أثناء وجوده في السجن.
وأضاف ناجح في حوار مع قناة "الحياة" المصرية أن مبارك كان رجلاً عادياً في وقت اغتيال السادات، ولم يفكر أن يصبح رئيساً، ولكن الأمور جاءت قدراً". ووصف الاتهامات بأنها "تهريج تاريخي وشو إعلامي".
واستطرد بأن الجماعة الإسلامية أبدت ندمها بعد أن قامت بالاغتيال بخمس سنوات، "فكل المفاسد جاءت من اغتياله، حيث ضاعت الدولة والحريات وعاد قانون الطوارئ وصبت كل الإيجابيات لصالح اليساريين، في الوقت الذي أوقف السادات التعذيب وألغى قانون الطوارئ، ونحن كشباب لم ندرك قيمة السادات إلا بعد موته".
وقال ناجح إبراهيم إن الجماعة تستعد حالياً لتشكيل حزب إسلامي، وأنه سيكون عملاً سياسياً بعيداً عن العمل العقائدي والدعوي، مؤكداً أن الجماعة لن تستخدم العنف أو القتال بعد اليوم، وكانت سباقة في حل الجناح العسكري دون إراقة قطرة دم واحدة".
من جهة أخرى، تدرس الكنيسة الأرثوذكسية برئاسة البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية والكرازة المرقسية طلب الدكتور محمد بديع مرشد جماعة الإخوان المسلمين، زيارة المقر البابوي، لعقد حوار مع الشباب المسيحي لتبديد أي مخاوف من وصول الجماعة إلى الحكم في الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة.
رسالة جميلة الى نوري المالكي
ضياء الشكرجي
كتبت هذه الأسطر صباح اليوم، وبعد عودتي من ساحة التحرير وجدت أنها لم تنشر بعد، لذا أراجع بعض ما كتبت، وأضيف ما أجعل الإضافات بين قوسين قامين [...]. قلت صباح هذا اليوم: إني ذاهب يا أبا إسراء إلى ساحة التحرير مشيا على القدمين، إذا كنت حقا قد منعت اليوم السيارات ووسائل النقل الأخرى. [لم اكن متأكدا من الخبر] سأذهب، لكن يا أبا إسراء أنا لست بعثيا. سأذهب، ولكني لست من أعداء العملية السياسية. سأذهب، ولكني لن أنادي بإسقاط النظام، بل بإصلاحه، حتى لو كان إصلاحه يكون بالتمهيد لاستبدالك وطاقمك بمن هم خير. لكننا لن نطالب اليوم بإسقاط أحد، ولا باستبدال أحد. الذي سنرفع صوتنا به هو مجموعة مطالب مشروعة، أعيد سردها، ولو باختصار هذه المرة:
1. تقليص مجلس الوزراء إلى ما لا يزيد على 20 وزارة.
2. اعتماد نائب واحد فقط لكل من الرئاستين.
3. تخفيض رواتبكم بنسبة 70%.
4. إناطة الوزارات التي تحتاج إلى اختصاص، إلى تكنوقراط معروفين بخبرتهم ونزاهتهم.
5. وضع حد للمحسوبية الحزبية، والطائفية، والقومية، والعشائرية، والمناطقية، والأسرية.
6. تقديم وجبة أولى من كبار الفاسدين إلى القضاء العادل
7. تعديل قانون الانتخابات.
8. تشريع قانون للأحزاب.
9. الكف كليا عن كل الممارسات التي تحد من الحريات.
10. التعجيل الجاد في وضع خطط استراتيجية حقيقية لمعالجة الخدمات.
11. عرض البرنامج الحكومي على الشعب مع تحديد توقيتات واضحة للإنجاز.
12. حل مشكلة البطاقة التموينية.
أخبرني بالله عليك يا أبا إسراء، أخبروني يا حيدر العبادي وكمال الساعدي وبقية (الدعاة) الأشاوس: هل هذه بالله عليكم مطالب بعثية؟ هل هي فعلا غير مشروعة؟ لماذا كل هذا الخوف؟ لماذا أنتم مرعوبون، ولماذا أنت بالذات يا رئيس وزرائنا مرعوب إلى هذا الحد؟ لماذا هذا النداء المتشنج بالدعوة إلى عدم المشاركة في هذه التظاهرات بتهمة أنها (مريبة)؟ هل سمعت بالله عليك يوما رئيس سلطة تنفيذية في دولة ديمقراطية يطلب من الناس عدم التظاهر؟ لماذا منع الحافلات هذا اليوم؟ نحن المتظاهرين اليوم أحرص من غيرنا على الحيلولة دون عودة البعث الصدامي وغير الصدامي، ولكننا لا نرضى أن يقود سفينة العراق قادة لا يؤمنون بالديمقراطية، ولا يؤمنون بالحرية، ولا يلتزمون بمبدأ النزاهة، ولا يتحسسون معاناة الإنسان العراقي. وصلت إلى هذه العبارة، وجاءني نداء هاتفي من الأصدقاء من وسط التيار الديمقراطي، علمت منهم إنهم أو إن معظمهم لن يذهب لانقطاع السبل للوصول. [تغير الموقف بعد ذلك إلى حد ما والحمد لله] حققت انتصارك يا أبا إسراء. [ظنا مني أنه حال دون التظاهر إلى حد كبير] لكنه انتصار موقت. فإرادة الشعب، إرادة الوطنيين، إرادة المؤمنين بالديمقراطية، ستنتصر في آخر المطاف، هذا وعد علينا غير مكذوب. صدقني، يا أبا إسراء، إنك وقّعت اليوم بنفسك على الحكم بسقوطك، حتى لو حكمت مدة ما حكم زين العابدين بن علي، بل حسني مبارك، بل القذافي، دون أن أشبهك بأي منهم أعاذك الله. حكمت بسقوطك، لأنك سقطت في أعين ونفوس وقلوب كل الذين كانوا يختلفون معك، لكنهم كانوا يكنّون ثمة احترام لك. وعلى ذكر الاحترام، أمس قلت لوفد زارك إنك لا تحترم من يشارك في تظاهرة 25/2. ونحن بناءً على ذلك لا نحترمك. لأننا أحرار، ولأننا نملك نفوسا أبية، وإحساسا عميقا بالكرامة يصل إلى درجة الغرور، بل والتكبر تجاه من يتكبر علينا، لأن تكبر المتواضع على المتكبر هو أرقى أنواع العبادة، ولأننا بناءً على ذلك لا نستطيع أن نحترم من لا يحترمنا. أما قبل ذلك فكنا نختلف معك ولكننا نحترمك إلى حد ما. لن تنطلي اللعة علينا إذا أخرجتم أشخاصا يحملون صور الطاغية المقبور صدام، لتمرروا دعوى أن التظاهرة بعثية. [لم يحصل ذلك، مما كان بعضنا يتوقعه، وربما لأنهم عرفوا أنهم سيفتضح أمرهم إذا فعلوه] وأخيرا، وليس تحريفا للقرآن والمعاذ بالله، بل استعارة من وحي الآيات 8 إلى 16 من سورة البقرة، أختم بهذه العبارات صرخة غضبي هذه: ومن الإسلاميين من يقول آمنا بالديمقراطية والحريات، وما هم بمؤمنين بها، يخادعون الشعب والذين آمنوا بالديمقراطية، وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون، يعانون من مرض فزادهم طغيانهم مرضا، ولهم غضب الشعب غدا بما كانوا يكذبون ويسرقون، وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الوطن، قالوا إنما نحن مصلحون، ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون، وإذا قيل لهم آمنوا بالديمقراطية والمواطنة وحقوق الإنسان والحريات كما آمن الديمقراطيون، قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء، ألا إنهم هم كما يصفون ولكن لا يعلمون، وإذا لقوا الذين آمنوا بالديمقراطية قالوا آمنا بها، وإذا خلوا إلى أقرانهم قالوا إنا معكم، إنما نحن مستهزئون، الشعب والتاريخ سيستهزئان بهم إذا ما تمادوا في طغيانهم يعمهون، ألائك الذين اشتروا المناصب والسلطة والثروة بالوطنية، فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين. هذا ما كنت كتبته قبل خروجي إلى ساحة التحرير، لكن بعد التواصل مع بعض الأصدقاء العلمانيين، قررت الخروج، ولحسن حظي فإن سكني ليس ببعيد كل البعد، فقطعت المسافة بأقل من الساعة والنصف الساعة بقليل. لم أجد (حزب البعث العربي الاشتراكي) لا الصدامي ولا البشاري، بل وجدت شبابا، وجدت عراقيين من الجنسين ومن مختلف الطبقات والشرائح والثقافات والأعمار والأديان والمذاهب. صحيح صدرت بعض الهتافات التي تنادي بإسقاط النظام، لكن التوجه العام كان باتجاه المطالبة بـ: 1) إصلاح النظام، 2) اجتثاث الفساد، 3) توفير الخدمات، وغيرها من المطالب المشروعة. وجدنا الشباب الريفي البغدادي بهوسات الريف، ووجدنا الشباب المدني بهتافات مدنية حديثة، ووجدنا الكثير من أصدقائنا السياسيين العلمانيين والمثقفين والفنانين والإعلاميين، ووجدنا طلبة الجامعة، ووجدنا شباب الفيسبوك. التظاهرة كانت صحيح ليست بالحجم الذي كنا نتأمله، والسبب واضح، وذلك بفرض منع تنقل الحافلات، ومع هذا قدم أشخاص، ومنهم من تجاوز عمر الشباب قد قطعوا أربع ساعات مشيا ليصلوا إلى التظاهرة، ووجدت أحدهم مقطوع إحدى ساقيه وعلى عكازة وقد تجاوز متوسط العمر، فكانت التظاهرة بالآلاف، وإلا ولولا هذه الإجراءات، وتخويف الناس بكون التظاهرة مستهدفة من قبل القاعدة وغير القاعدة، لكانت التظاهرة بعشرات الآلاف، بل لا أستبعد أنها كانت قد وصلت إلى مئات الآلاف، إلم نقل مليونية. أقول إذا كان المالكي قد ربح هذا الشوط، فالشوط الأخير سيكون للجماهير.
كتبت هذه الأسطر صباح اليوم، وبعد عودتي من ساحة التحرير وجدت أنها لم تنشر بعد، لذا أراجع بعض ما كتبت، وأضيف ما أجعل الإضافات بين قوسين قامين [...]. قلت صباح هذا اليوم: إني ذاهب يا أبا إسراء إلى ساحة التحرير مشيا على القدمين، إذا كنت حقا قد منعت اليوم السيارات ووسائل النقل الأخرى. [لم اكن متأكدا من الخبر] سأذهب، لكن يا أبا إسراء أنا لست بعثيا. سأذهب، ولكني لست من أعداء العملية السياسية. سأذهب، ولكني لن أنادي بإسقاط النظام، بل بإصلاحه، حتى لو كان إصلاحه يكون بالتمهيد لاستبدالك وطاقمك بمن هم خير. لكننا لن نطالب اليوم بإسقاط أحد، ولا باستبدال أحد. الذي سنرفع صوتنا به هو مجموعة مطالب مشروعة، أعيد سردها، ولو باختصار هذه المرة:
1. تقليص مجلس الوزراء إلى ما لا يزيد على 20 وزارة.
2. اعتماد نائب واحد فقط لكل من الرئاستين.
3. تخفيض رواتبكم بنسبة 70%.
4. إناطة الوزارات التي تحتاج إلى اختصاص، إلى تكنوقراط معروفين بخبرتهم ونزاهتهم.
5. وضع حد للمحسوبية الحزبية، والطائفية، والقومية، والعشائرية، والمناطقية، والأسرية.
6. تقديم وجبة أولى من كبار الفاسدين إلى القضاء العادل
7. تعديل قانون الانتخابات.
8. تشريع قانون للأحزاب.
9. الكف كليا عن كل الممارسات التي تحد من الحريات.
10. التعجيل الجاد في وضع خطط استراتيجية حقيقية لمعالجة الخدمات.
11. عرض البرنامج الحكومي على الشعب مع تحديد توقيتات واضحة للإنجاز.
12. حل مشكلة البطاقة التموينية.
أخبرني بالله عليك يا أبا إسراء، أخبروني يا حيدر العبادي وكمال الساعدي وبقية (الدعاة) الأشاوس: هل هذه بالله عليكم مطالب بعثية؟ هل هي فعلا غير مشروعة؟ لماذا كل هذا الخوف؟ لماذا أنتم مرعوبون، ولماذا أنت بالذات يا رئيس وزرائنا مرعوب إلى هذا الحد؟ لماذا هذا النداء المتشنج بالدعوة إلى عدم المشاركة في هذه التظاهرات بتهمة أنها (مريبة)؟ هل سمعت بالله عليك يوما رئيس سلطة تنفيذية في دولة ديمقراطية يطلب من الناس عدم التظاهر؟ لماذا منع الحافلات هذا اليوم؟ نحن المتظاهرين اليوم أحرص من غيرنا على الحيلولة دون عودة البعث الصدامي وغير الصدامي، ولكننا لا نرضى أن يقود سفينة العراق قادة لا يؤمنون بالديمقراطية، ولا يؤمنون بالحرية، ولا يلتزمون بمبدأ النزاهة، ولا يتحسسون معاناة الإنسان العراقي. وصلت إلى هذه العبارة، وجاءني نداء هاتفي من الأصدقاء من وسط التيار الديمقراطي، علمت منهم إنهم أو إن معظمهم لن يذهب لانقطاع السبل للوصول. [تغير الموقف بعد ذلك إلى حد ما والحمد لله] حققت انتصارك يا أبا إسراء. [ظنا مني أنه حال دون التظاهر إلى حد كبير] لكنه انتصار موقت. فإرادة الشعب، إرادة الوطنيين، إرادة المؤمنين بالديمقراطية، ستنتصر في آخر المطاف، هذا وعد علينا غير مكذوب. صدقني، يا أبا إسراء، إنك وقّعت اليوم بنفسك على الحكم بسقوطك، حتى لو حكمت مدة ما حكم زين العابدين بن علي، بل حسني مبارك، بل القذافي، دون أن أشبهك بأي منهم أعاذك الله. حكمت بسقوطك، لأنك سقطت في أعين ونفوس وقلوب كل الذين كانوا يختلفون معك، لكنهم كانوا يكنّون ثمة احترام لك. وعلى ذكر الاحترام، أمس قلت لوفد زارك إنك لا تحترم من يشارك في تظاهرة 25/2. ونحن بناءً على ذلك لا نحترمك. لأننا أحرار، ولأننا نملك نفوسا أبية، وإحساسا عميقا بالكرامة يصل إلى درجة الغرور، بل والتكبر تجاه من يتكبر علينا، لأن تكبر المتواضع على المتكبر هو أرقى أنواع العبادة، ولأننا بناءً على ذلك لا نستطيع أن نحترم من لا يحترمنا. أما قبل ذلك فكنا نختلف معك ولكننا نحترمك إلى حد ما. لن تنطلي اللعة علينا إذا أخرجتم أشخاصا يحملون صور الطاغية المقبور صدام، لتمرروا دعوى أن التظاهرة بعثية. [لم يحصل ذلك، مما كان بعضنا يتوقعه، وربما لأنهم عرفوا أنهم سيفتضح أمرهم إذا فعلوه] وأخيرا، وليس تحريفا للقرآن والمعاذ بالله، بل استعارة من وحي الآيات 8 إلى 16 من سورة البقرة، أختم بهذه العبارات صرخة غضبي هذه: ومن الإسلاميين من يقول آمنا بالديمقراطية والحريات، وما هم بمؤمنين بها، يخادعون الشعب والذين آمنوا بالديمقراطية، وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون، يعانون من مرض فزادهم طغيانهم مرضا، ولهم غضب الشعب غدا بما كانوا يكذبون ويسرقون، وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الوطن، قالوا إنما نحن مصلحون، ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون، وإذا قيل لهم آمنوا بالديمقراطية والمواطنة وحقوق الإنسان والحريات كما آمن الديمقراطيون، قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء، ألا إنهم هم كما يصفون ولكن لا يعلمون، وإذا لقوا الذين آمنوا بالديمقراطية قالوا آمنا بها، وإذا خلوا إلى أقرانهم قالوا إنا معكم، إنما نحن مستهزئون، الشعب والتاريخ سيستهزئان بهم إذا ما تمادوا في طغيانهم يعمهون، ألائك الذين اشتروا المناصب والسلطة والثروة بالوطنية، فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين. هذا ما كنت كتبته قبل خروجي إلى ساحة التحرير، لكن بعد التواصل مع بعض الأصدقاء العلمانيين، قررت الخروج، ولحسن حظي فإن سكني ليس ببعيد كل البعد، فقطعت المسافة بأقل من الساعة والنصف الساعة بقليل. لم أجد (حزب البعث العربي الاشتراكي) لا الصدامي ولا البشاري، بل وجدت شبابا، وجدت عراقيين من الجنسين ومن مختلف الطبقات والشرائح والثقافات والأعمار والأديان والمذاهب. صحيح صدرت بعض الهتافات التي تنادي بإسقاط النظام، لكن التوجه العام كان باتجاه المطالبة بـ: 1) إصلاح النظام، 2) اجتثاث الفساد، 3) توفير الخدمات، وغيرها من المطالب المشروعة. وجدنا الشباب الريفي البغدادي بهوسات الريف، ووجدنا الشباب المدني بهتافات مدنية حديثة، ووجدنا الكثير من أصدقائنا السياسيين العلمانيين والمثقفين والفنانين والإعلاميين، ووجدنا طلبة الجامعة، ووجدنا شباب الفيسبوك. التظاهرة كانت صحيح ليست بالحجم الذي كنا نتأمله، والسبب واضح، وذلك بفرض منع تنقل الحافلات، ومع هذا قدم أشخاص، ومنهم من تجاوز عمر الشباب قد قطعوا أربع ساعات مشيا ليصلوا إلى التظاهرة، ووجدت أحدهم مقطوع إحدى ساقيه وعلى عكازة وقد تجاوز متوسط العمر، فكانت التظاهرة بالآلاف، وإلا ولولا هذه الإجراءات، وتخويف الناس بكون التظاهرة مستهدفة من قبل القاعدة وغير القاعدة، لكانت التظاهرة بعشرات الآلاف، بل لا أستبعد أنها كانت قد وصلت إلى مئات الآلاف، إلم نقل مليونية. أقول إذا كان المالكي قد ربح هذا الشوط، فالشوط الأخير سيكون للجماهير.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)