سعود المولى
وأنا استعير هذا العنوان الجميل من الصديق المصري الدكتور سمير مرقس (وهو من رفاقنا الأوائل في تأسيس أعمال الحوار الاسلامي- المسيحي والحوار الديني- العلماني في مصر، الى جانب المستشار طارق البشري والدكتور سليم العوا) الذي كتب لنا (في الفريق العربي للحوار) رسالة يقول فيها إنه "في لحظات التحول السياسي،من الأهمية بمكان أن تلتئم الإرادة الوطنية لجموع المواطنين على اختلافهم،حول هدف واحد هو كيف يمكن أن يبنى الوطن بجهد كل مواطنيه وفق بوصلة هادية تمثل إطاراً مرجعياً حاكماً للحركة من أجل مستقبل ناهض للوطن".
في هذا السياق قام فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب بمبادرة "تأتي في وقتها تماماً" (بحسب سمير مرقس وهو محق) حيث وجه الدعوة لمجموعة من المثقفين المصريين (فيهم أقباط وعلمانيون، وفيهم أدباء وفنانون) للتلاقي مع عدد من علماء ومفكري الازهر "للحوار والتدارس حول مقتضيات اللحظة الفارقة التي تمر بها مصر بعد ثورة 25 من يناير"، وذلك "لأهميتها في توجيه مستقبل مصر نحو غاياته النبيلة وحقوق شعبها في الحرية والكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعية". وعلى مدى جلسات ست "توافق المجتمعون على ضرورة تأسيس مسيرة الوطن على مباديء كلية وقواعد شاملة تناقشها قوى المجتمع المصري وتستبصر في سيرها بالخطى الرشيدة..". (كما جاء في رسالة الدعوة الأزهرية للقاء).
تمثل هذه المبادرة علامة فاصلة في تاريخ مصر الحديثة من خلال ما تضمنته من مباديء تعبر عن الخبرة الحضارية المصرية التي عرفتها مصر الحديثة حيث تجدد الالتزام / وتوصي بالاهتداء بها.
اجتهد المجتمعون في "تحديد المباديء الحاكمة لفهم علاقة الإسلام بالدولة ...،وذلك في إطار استراتيجية توافقية، ترسم شكل الدولة العصرية المنشودة ونظام الحكم فيها، وتدفع بالأمة في طريق الانطلاق نحو التقدم الحضاري،بما يحقق عملية التحول الديمقراطي ويضمن العدالة الاجتماعية، ويكفل لمصر دخول عصر إنتاج المعرفة والعلم ...".
من هنا توافق المجتمعون على عدد من المباديء تشكل في مجملها الأركان الأساسية للتقدم.
1- أول هذه المباديء ينص على "دعم تأسيس الدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة..."،
2- وثانياً "اعتماد النظام الديمقراطي.."، و"توخي منافع الناس ومصالحهم العامة.."، و"إدارة شؤون البلاد بالقانون ـ والقانون وحده ـ..".
3- وثالثاً "الالتزام بمنظومة الحريات الأساسية في الفكر والرأي مع الاحترام الكامل لحقوق الإنسان والمراة والطفل، واعتبار المواطنة مناط المسؤولية في المجتمع".
4- ورابعا"الاحترام التام لآداب الاختلاف وأخلاقيات الحوار..".كما تؤكد الوثيقة على ضرورة اجتناب التكفير والتخوين واستغلال الدين واستخدامه لبعث الفرقة والتنابذ والعداء بين المواطنين، ويعتبر المجتمعون "الحث على الفتنة والعنصرية جريمة في حق الوطن".
5- وخامساً "تأكيد الالتزام بالمواثيق الدولية،والتمسك بالمنجزات الحضارية في العلاقات الانسانية".
6- وسادساً "الحرص التام على صيانة كرامة الامة المصرية و الحفاظ على العزة الوطنية وتأكيد الحماية التامة والاحترام الكامل لدور العبادة لأتباع الديانات الثلاث (الاسلام والمسيحية واليهودية)، وضمان الممارسة الحرة لجميع الشعائر الدينية دون أية معوقات، واحترام جميع مظاهر العبادة بمختلف أشكالها ..وصيانة حرية التعبير والإبداع الفني والأدبي..".
7- وسابعاً اعتبار "التعليم والبحث العلمي ودخول عصر المعرفة قاطرة التقدم الحضاري..".
8- وثامناً إعمال فقه الأولويات في تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية، ومواجهة الاستبداد ومكافحة الفساد، والقضاء على البطالة ..واعتبار الرعاية الصحية الحقيقية واجب الدولة تجاه المواطنين جميعا".
9- وتاسعاً بناء علاقات مصر العربية والإسلامية والأفريقية والعالمية.
10- وعاشراً تأييد استقلال الأزهر.
11- وأخيراً اعتبار الأزهر الشريف هو الجهة المختصة المرجعية في شؤون الإسلام.
نحن معك يا شيخ الأزهر في هذه الرؤية العصرية التنويرية المدنية للحكم في مصر وكل البلاد العربية والاسلامية... ويا حبذا لو تنتقل عدوى هذه الاجتهادات والممارسات المدنية الديمقراطية الطيبة الى بلاد الشام وجوارها فيكتمل عقد ربيع العرب وتنتصر ارادة الشعوب.