إظهار الرسائل ذات التسميات سوريا اليوم. إظهار كافة الرسائل
إظهار الرسائل ذات التسميات سوريا اليوم. إظهار كافة الرسائل
السبت، 2 فبراير 2013
VOLKER PERTHES : Looking Past Assad
Syrie : le silence des intellectuels français
حازم نهار
مصالح روسيا الكثيرة في سوريا
الأربعاء، 2 يناير 2013
حدود للتسليم "الواقعي" بتحوّلات الثورة السورية
الثورة، الإسلام، وامتلاك السياسة: في نقد "التيار المدني" والاستقطاب المدني الإسلامي
الإسلام ديناً ودنيا وثورة
بكر صدقي - سوريا
اتفق كل من أحمد معاذ الخطيب وجورج صبرة، في تصريحين متزامنين، على رفض قرار الولايات المتحدة وضع "جبهة الجهاد والنصرة لأهل الشام" على قائمة المنظمات الإرهابية، ويشغل الرجلان موقعين قياديين في تجمعين رئيسيين من تجمعات المعارضة السورية. هذه واقعة ذات دلالات عميقة يمكنها أن تشكل مدخلاً ثرياً للكلام على العلاقة بين ثورات التحرر العربية الراهنة والصعود الذي يشهده الإسلام السياسي بمناسبتها. واضح من القرار الأميركي والرد السوري عليه أننا أمام عالمين متصلين ومنفصلين في الآن نفسه، يتكلمان لغتين مختلفتين، لهما هموم مختلفة وتطلعات مختلفة.
بدا للوهلة الأولى أن موجة الثورات العربية التي نادت فيها الشعوب الثائرة بالحرية والعدالة والكرامة، تستهدف الانتقال من أنظمة استبدادية إلى النظام الجمهوري الديموقراطي وفقاً للمعايير الغربية السائدة في العالم. سواء أكان النظام الاستبدادي على علاقة طيبة مع الغرب كما كان واقع الحال في كلٍّ من تونس ومصر واليمن، أو في حال من المشاكسة معه كنظامَي القذافي في ليبيا والأسد في سوريا، بدا الهدف البديهي للشعوب الثائرة تقويض الاستبداد وإقامة النظام الديموقراطي، بل و"اقتصاد السوق" على أنقاض أنظمة اقتصادية مافيوية سمتها المشتركة فساد بلغ مستويات غير مشهودة، وبات يهدد الاستقرار الاجتماعي والسياسي. عنيت أن ظاهر الأمور يشير إلى أن هدف ثورات الشعوب العربية يتسق مع التطلعات الغربية المعلنة في عولمة نموذجها الاقتصادي – السياسي – الثقافي. وكانت البرامج المعلنة للقوى السياسية الثورية في شقّها العلماني – الليبيرالي بمثابة التعبير الشفّاف عن هدف تلك الثورات.
بيد أن الحركات الإسلامية سرعان ما انخرطت في هذه الثورات، بعد شيء من التردد، وطغى على المشهد الإعلامي لون إسلامي صريح كاد أن يحجب في ظله التيارات الليبيرالية والعلمانية. وإذا كانت محطتا "الجزيرة" القطرية و"العربية" السعودية قادتا الجانب الإعلامي في الثورات العربية، فأبرزتا دور التيارات الإخوانية والسلفية فيها بدوافع مفهومة، فإن نتائج الانتخابات الحرة في كلٍّ من تونس ومصر كشفت القوة الحقيقية للإسلاميين. مقابل فوز الليبيراليين المفاجئ في الانتخابات العامة في ليبيا، كان الهجوم على السفارة الأميركية في بنغازي من مجموعة سلفية، بمثابة استدراك دموي لخسارة الإسلاميين في اللعبة الديموقراطية، وخروجاً منهم على قواعدها، فضلاً عن دلالته على العداء الصريح والعدمي للغرب. لكن المشهد السوري يبقى الأكثر غنى بالدلالات، والأكثر خصباً في انفتاحه على الاحتمالات المستقبلية. فلندقق في معطياتها بصورة مخصوصة:
يمكن الحديث عن بدايات عدة للثورة السورية، على رغم تكريس الخامس عشر من شهر آذار 2011 تاريخاً متفقاً عليه بين السوريين. ففي 18 شباط من العام نفسه تعرّض شاب للضرب على يد شرطي مرور في سوق الحريقة وسط دمشق القديمة، فهبّ تجار السوق والزبائن وعابرو السبيل للتظاهر تضامناً معه، فأطلقوا شعارات ستطبع الثورة السورية بطابعها: "الشعب السوري ما بينذلّ!" و"حرامية! حرامية!" في إشارة مغفلة منهم إلى المجموعة الحاكمة التي يشكل الفساد ملمحها الأبرز والأشد ضرراً بالمجتمع.
جاءت البداية الثانية بتخطيط مسبق، فقد استجاب عدد من الشبان يعد بالعشرات لنداء أطلقته صفحات على موقع الـ"فايسبوك"، فخرجوا، في 15 آذار، من الجامع الأموي وعبروا سوق الحميدية الأثري وهم يهتفون "الله، سوريا، حرية وبس!" مستبدلين الحرية باسم الرئيس السوري في هتاف معروف كان يعلو في المسيرات المؤيدة له.
أما البداية الثالثة فانطلقت، في 18 آذار، من مدينة درعا على الحدود الجنوبية مع الأردن، احتجاجاً على اعتقال 15 طفلاً من أبناء المدينة من جهاز الأمن السياسي بقيادة ابن خالة الرئيس حافظ مخلوف الذي رفض إطلاقهم وأهان أهاليهم في شرفهم حين قصدوه يطالبونه بأطفالهم.
كان القمع المنفلت المجنون هو الرد الوحيد للنظام على تلك التظاهرات السلمية المحدودة، وسال الدم غزيراً منذ البداية، ونمت التظاهرات ككرة الثلج وانتشرت على كامل المساحة الوطنية، بتناسب طردي مع حجم العنف الذي واجهها به النظام، وواظب السوريون على سلميتهم ووطنيتهم الجامعة على الضد من عنف السلطة ونزوعها الطائفي المكشوف.
كانت النتيجة الطبيعية لهذا المسار أن المكوّن المدني "العلماني" القائم على شذرات من الطبقات الوسطى المتعلمة، انحسر بتناسب طردي مع تفاقم حجم العنف المنفلت من جانب النظام، ولم يبق في ساحة الفعل الثوري إلا الطبقات الأكثر تهميشاً والأقل تعليماً في بيئات مسلمة سنية بصورة غالبة.
كذلك أدى العنف السلطوي من جهة والصمت العربي والدولي عليه من جهة ثانية، إلى تفاقم الشعور بالمرارة والغضب اللذين شكّلا تربة خصبة للتسليم بمشيئة الله واللجوء إلى حمايته ورحمته، فصعد ذاك الشعار المعبّر بشفافية بليغة عن هذه الحالة: "يا الله، مالنا غيرك يا الله!"
ثم بدأت الانشقاقات من الجيش كنتيجة طبيعية للزجّ به في الحرب ضد الشعب، الأمر الذي عرّى في المقابل اعتماد النظام أكثر وأكثر على عصبية طائفية شكلت قاعدته الاجتماعية الأكثر تماسكاً وربطت مصيرها بمصيره. وحمل ثوار المناطق الريفية السلاح دفاعاً عن أنفسهم وأهلهم، فتشكلت أولى مجموعات ما سيطلق عليه لاحقاً "الجيش السوري الحر" وهي مجموعات متناثرة تفتقر إلى التنسيق على المستوى الوطني، وإلى قيادة سياسية كفؤة.
باستثناء النموذج الليبي، لم يمد الغرب يد العون إلى ثورات "الربيع العربي" وخصوصاً الثورة السورية التي تركت لمصيرها أمام إجرام نظام فقد كل شرعيته المطعون بها أصلاً، وتحول عصابة مسلحة عدوّها الوحيد الشعب والوطن. مع تفاقم الحالة الإنسانية وبلوغ إجرام النظام مستويات فظيعة (قصف المدن بالمدفعية والطيران والبراميل المتفجرة، والإعدامات الميدانية والمجازر الطائفية التي ركّزت على ذبح الأطفال والنساء بطرق بشعة، واستهداف الطوابير أمام المخابز بالقصف الجوي، وقتل المعتقلين في سجون النظام وحرق أجسادهم، ونهب الممتلكات الخاصة) واستمرار التواطؤ الدولي شهراً بعد شهر، أصبح واضحاً لدى السوريين أن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين يريدون لثورتهم أن تهزم، بخلاف ادعاءاتهم، ولا يقلّون عداءً لها عن حلفاء النظام المعلنين كإيران وروسيا والصين و"حزب الله" وحكومة المالكي ومجموعة دول البريكس.
حُبِّر الكثير من الورق لفهم الموقف الأميركي الذي حيَّرَ المراقبين والمحللين. يمكن القول اليوم بدون مجازفة كبيرة إن السياسة الأميركية من الثورة السورية استهدفت منذ البداية وأدها، وحين فشل النظام في تحقيق ذلك، أصبح الهدف احتواء نتائجها واحتمالات انتشارها خارج حدود سوريا، وهو هدف يشمل الثورات العربية ككل. لقد أحست الولايات المتحدة بالهلع أمام حجم التغييرات الكبيرة التي تنبئ بها هذه الثورات، والتي من شأن انتصارها تغيير معادلات القوة وموازينها على المستويين الاقليمي والعالمي. كان من شأن سقوط الأنظمة العربية المتتابع كأحجار الدومينو، وبروز لاعب جديد في المشهد السياسي هو الشعب صاحب الإرادة وممتلك زمام القوة، أن يفتح الطريق أمام نهوض هذه البلدان المنضوية بأشكال مختلفة في إطار الهيمنة العالمية للغرب بقيادة الولايات المتحدة.
لنتصور عالماً عربياً (وإسلاميا) تحرر من قيود الاستبداد والفساد ومن حكامه المعتوهين، وانطلق إلى الأمام لامتلاك أسباب القوة الاقتصادية والثقافية والسياسية، وانخرط في العصر والعالم. هذا في وقت يشهد الغرب أزمة مالية فتّاكة عبّرت عن أزمة النموذج الاقتصادي الغربي في حلقته الأحدث (الليبيرالية الجديدة المتحررة من قيود الدولة والحدود بين الدول معاً). وتضافرت أزمة النموذج الاقتصادي هذا مع أزمة أعمق وأشمل هي أزمة النموذج الحضاري الغربي الذي نطلق عليه اسم الحداثة. تتمثل أزمة الحداثة الغربية هذه في أنها خسرت رهانها الأصلي في التحول إلى نموذج عالمي، ولم تعد تعبّر سوى عن هيمنة الجزء على الكل. الحداثة الغربية نموذج خاص تفاقمت خصوصيته وعنصريته باطراد، فبات مثاله الأكثر تقدماً (الاتحاد الأوروبي) مجرد نادٍ للدول المسيحية لا يتحمل التعدد والاختلاف، ينغلق أكثر وأكثر على نفسه، ويتخذ من الإسلام خصماً ونداً يثير مخاوفه (رهاب الإسلام).
إن صح هذا التحليل، نصبح أمام السؤال الذي يخصّنا: ما هو ردّنا المجدي على هذا الوضع؟ يرتسم في الأفق جوابان، يقول الأول بـ"الإسلام هو الحل" ويقول الثاني بـ"الحداثة هي الحل".
يرتسم المشهد الاجتماعي – السياسي لدينا، على ضوء "الربيع العربي"، كما يأتي: تيار إسلامي صاعد يتطابق مع الهوية الدينية للأكثرية، وتيار حداثي يُعلي من شأن قيم الحداثة الغربية تحت عناوين التنوير أو النهضة أو التقدم، ويُظهر تشدداً في تمسكه بالعلمانية المفهومة بوصفها على عداء مع الإسلام، ويخاطب قشرة نخبوية متغربة ومنفصلة عن المتن الاجتماعي العريض. الواقع أن هذا التيار كان منسجماً مع نفسه فاختار مبكراً الاصطفاف وراء الأنظمة التي استهدفتها ثورات الشعوب التي أثارت هلعها. قسم صغير فقط من التيار الحداثي العلماني انحاز بوضوح إلى جانب ثورة الشعب، لكنه فضّل الهرب بمعظمه من قمع النظام إلى الخارج، خارج الوطن وخارج الفعل. هكذا حدث تطابق شبه كامل بين الثورة والمتن الاجتماعي الأكثري، وتوزعت الأقليات الدينية والمذهبية والإثنية بين العداء الصريح للثورة والمساهمة المحدودة فيها والنأي بالنفس في انتظار نتيجة الصراع، بقدر ما يمكننا الحديث عن تلك الجماعات كـ"أحزاب سياسية" ترى وتتصرف ككتلة عصبوية واحدة.
إن دفاع العلماني المسيحي جورج صبرة ورجل الدين السني المعتدل معاذ الخطيب عن "جبهة النصرة" في مواجهة الاتهام الأميركي لها بالإرهاب، يعبِّر بشفافية عالية عن تماسك "الداخل الوطني" أمام غربٍ رائزه "صدام الحضارات" ورهاب الإسلام، وعن ثورةٍ تستعيد ملامح ثورات التحرر الوطني من الاستعمار الأوروبي. وقد أطلق كثيرون بحق على الثورة السورية اسم "ثورة الاستقلال الثاني"، كما شكّل اتخاذ علم الاستقلال رمزاً للثورة، بدلاً من العلم المعمول به، تعبيراً آخر عن عمق الاغتراب الوطني بين النظام والشعب.
ولكن ألا تشكل "جبهة النصرة" أو غيرها من المجموعات الجهادية خطراً جدياً على مستقبل بلداننا؟ ألا نرى اليوم بالعين المجردة النزعات الاستبدادية المكشوفة لجماعة "الإخوان المسلمين" في مصر وتونس؟
بلى، هي مظاهر من مرض الإسلاموية الطفولي على غرار الوصف اللينيني لليسارية الطفولية. وهي طفالةٌ خطرة قد تكلفنا الكثير من الدماء والآلام وتمزقات في النسيج الوطني.
يبدو أن بلداننا مقبلة على مرحلة إسلامية لا مفر منها، قد تكون فرصةً للتيارات الإسلامية الصاعدة لاكتساب النضج المطلوب الذي من شأنه أن يجد صيغة مبتكرة قوامها التمسك بالهوية الثقافية في مواجهة غرب خسر رهان التعميم، والانخراط في العصر والعالم بلا حدود.
أما التيار الحداثي العلماني ومعه الأنظمة المتهاوية، فقد تكشفا عن أنهما مجرد استطالتين سطحيتين للغرب المستعمر في الأمس والعنصري المنغلق على نفسه اليوم. كاتب سوري مقيم في دمشق، نشر مقالةً صحافية في وقت مبكر من الثورة، زلّ قلمه زلة معبّرة حين كتب عن دمشق باسم الإشارة "هناك". فعقل كاتبنا ووجدانه مشدودان إلى حواضر أوروبا إلى درجة يرى فيها دمشق التي يقطنها "هناك"!
هذا ليس مما يسرّ. فالإسلاموية المصابة بمرضها الطفولي أحوج ما تكون إلى معارضة ديموقراطية علمانية توازنها وتضبط شططها وتدفعها إلى تطوير نفسها في اتجاه التكيف مع شروط العصر وقيمه الكونية. بكلمات أخرى: مجتمعاتنا الخارجة من ظلام الاستبداد بحاجة إلى تركيب يجمع التيارين الرئيسيين، الإسلامي الذي يمكنه أن يساعد العلماني على استعادة هويته الثقافية الوطنية، والعلماني الذي يمكنه دفع الإسلامي إلى التصالح مع قيم العصر.
تستحق سورية الحياة، ويستحق السوريون الحرية بجدارة
سحبان السواح/ مجلة ألف
أنا السوري بجدارة..أقول:
لست أكتب هنا بلساني، بل أكتب بالنيابة عن كل سوري وقف مع الثورة وأتحدث بلسانه. بلسان كل متظاهر خرج للتظاهر حين كانت الثورة سلمية فهتف ونادى بالحرية، وحين تحولت مضطرة إلى حمل السلاح حمل معها السلاح بشرف وأخلاق السوري.. أكتب باسم أول من أسقط طيارة من طائرات الأسد وعيناه تدمع فهي في النهاية طائرة سورية كان المفروض أن تقصف أعداء سورية، وكل من صوب سلاحه نحو جيش النظام وأطلق عليهم وقتلهم باكيا فهم في النهاية أبناء بلاده، أخوته فهم سوريون مثله. ولكنهم فقدوا فقدو البوصلة، وبالتالي فقدوا الأهلية على الحكم على الأشياء.
أقول، تستحق سورية الحياة، ويستحق السوريون الحرية بجدارة..
لا أحد يحق له القول بأننا لم ننل حريتنا بجدارة.. ولا أحد يمكنه أن يزاود علينا.. دفعنا الثمن غاليا، ونحن ننتظر من يقف إلى جانبنا، وحين أحدا لم يفعل حصلنا عليها بزنود ثوارنا الأبطال..
تستحق الثورة أن نباهي بها الآخرين..ونستحق أن نكون أبناءها .. وتستحق هي منا كل شهيد قدمناه.. وكل دمعة أهرقت على شهيد، من أم أو أب أو حبيب وحبيبة.. هي ثورة لا تشبه أية ثورة أخرى.. ثورة لا تشبه إلا نفسها.. بل هي تشبهنا نحن السوريين.
والثورة تقول أننا نستحق أن تفخر بنا، أن تفخر بأولئك الذين ضحوا، ومازالوا من أجل سورية حرة مستقلة غير ذليلة لأحد.. وأننا نستحق أن نكون أبناءها بجدارة، وإلا فما معنى هذا التماهي بينها وبيننا، ألسنا أبناءها البررة
وسورية تقول أستطيع أن أفخر بكم، وأستطيع أن أعشقكم أيها الثوار الذين لم يقف بينكم وبين الرغبة بالنصر لا موت، ولا قهر ولا مذلة، قدمت الغالي والرخيص ويستطيع أبناءكم العيش في ظلي معززين مكرمين وهم يملكون حرية فقدتموها أنتم وبذلتم الغالي والرخيص من أجل استعادتها.
والنظام يقول، لعن الله هذا الشعب الذي لم نستطع إذلاله رغم كل ما بذلناه من جهد، ومن مشقة.. لذا نفكر بالقضاء عليه بقنبلة نووية مرة واحدة.
ورأس النظام يقول، أنا ربكم الأعلى فاسجدوا لي صاغرين..
والثوار يقولون أرحل، فلم يعد لك مكان بيننا
والغضب يقول اسحلوه، قطعوه إربا، واقضوا على كل من والاه
والشعب يقول.. لا فنحن لسنا قتلة، نحن طالبو حرية ومن يطلب الحرية لا يقتل ولا يدمر.. لن نكون مثله فنحن سوريون..
وأنا أختم بالقول: ليس من أحد يستطيع أن يقول غير ذلك.. وستكتب حكاية الثورة من قبلنا نحن الشعب السوري الذي قام بها، بأحرف قانية.. مزيج من دماء الشهداء ، وعواطف الأمهات، وصبر الآباء الصامت، وقهر الأبناء المتفجر، ونداء الصبايا الحزين.. وينن.. وينن...صار في وادي بيني وبينن... آآآآآ وينن
لماذا أخفق اليسار في فهم المسألة السورية؟
بقلم سلامة كيلة(فلسطين)
لا نزال نصطدم بموقف يسار يدافع عن السلطة في سوريا، ويعتبر أن ما يجري هو مؤامرة. ليست المسألة هنا هي مسألة خطأ عابر، وكذلك ليست نتاج خطأ عاطفي، بل لا بد من التمييز بين من لهم مصلحة مباشرة ومن يأتي موقفهم نتاج خطأ معرفي. وإذا كان هناك "قريبون" لهم مصالح مباشرة فإن الكثير من اليسار العربي والعالمي يتحاكم لخطأ معرفي يشي بطبيعة الوعي الذي يتحكم بهؤلاء.
ورغم أن السلطة تمارس كل الوحشية كعصابة مافيا فإنه لم يطرح السؤال حول طبيعة السلطة السورية، ولا لمس طابعها المافياوي المجرم، وهو ما يشير إلى "غياب الأخلاق" عن هذا اليسار، لتصبح القيم المجرّدة أهم من البشر، وأكثر تأثيراً في تحديد المواقف من ممارسات وحشية تدمّر وتقتل دون رادع.
ربما كان هذا "السقوط الأخلاقي" هو نتاج "توهم أيديولوجي متسام"، ونتاج "تحليق تجريدي" وصل إلى البعد الذي لا يسمح برؤية الواقع والوقائع. لكن ليس من قيمة أخلاقية لمقولة مواجهة الإمبريالية إذا كانت تغطي القتل والتدمير. وليس من تسام أعلى من الدفاع عن وجود البشر، ولا شك أن رفض الإمبريالية نتج عن كونها تسحق البشر، لكن لا يجوز أن يغطي ذلك قتل البشر لأنهم يرفضون سلطة ويريدون تغييرها.
لهذا فإن الدفاع عن سلطة لا تتمتع بأية قيمة أخلاقية، بل تمارس كل ما ينفي الأخلاق، هو سقوط أخلاقي بامتياز قبل أن يكون خطأ معرفيا وخطيئة عملية.
هذا ربما يوضّح المدى الذي وصل إليه الخواء النظري، ولكن أيضاً الهزال العملي. اليسار يشعر بعجزه لهذا يتكئ على بقايا من أوهام الماضي يرى أنها تنهار فيعتبر أن ذلك هو استمرار لـ"مؤامرة إمبريالية".
الإمبريالية باتت هي "الغول" الذي يخيف الأطفال. هي الجبروت الذي استمر وتماسك وظل قوياً كما يظن هؤلاء. وبالتالي هي كلية القدرة، فتستطيع تحريك الشعوب، وتغيير النظم، والتحكم في مسارات التاريخ. وهي التي تتآمر في كل لحظة، ولسوء الحظ أن مؤامراتها ناجحة دائماً.
هل في ذلك ما هو مادي وعلمي وماركسي؟ ليس في ذلك سوى أوهام نخب ميتة، أو تكاد.
أين تكمن المشكلة في الوضع السوري؟
فقط هو الوضع المركب وليس الوضع البسيط الذي ينجح العقل الصوري في فهمه. هو وضع متداخل ومتعدد المستويات، والعقل الصوري لا يستطيع استيعاب سوى مستوى واحد. ولقد تأسس على أن المستوى السياسي هو هذا المستوى الذي يفعل فيه "عقله". ولهذا غاب الشعب، لأنه يتخفى خلف المستوى الاقتصادي. فالشعب هو المستوى الاقتصادي، المبتعد عن السياسة كونها السلطة القامعة والمتدخلة والمخيفة. هو المجتمع ناقص الدولة والأحزاب. بالتالي، ولهذا بالتحديد، لا يقع في "دائرة الرؤية" التي تحكم النخب والأحزاب اليسارية هذه.
في مصر وتونس كانت السلطة متطابقة مع الإمبريالية لأنها تابعة فكان الفهم ممكناً: الثورة ضد الإمبريالية، إذن جيدة. في سوريا كانت السلطة في اختلاف (أو في حلف مختلف) مع الإمبريالية، فأصبح الفهم يطال هذا الاختلاف بالتحديد (أي المستوى السياسي)، لهذا فإن الثورة ليست ثورة، بل هي مؤامرة إمبريالية.
طبعاً في تونس ومصر وفي سوريا أيضا لم يجرِ فهم وضع الشعب الذي ثار. لم يدرس الاقتصاد، ولا فهم وضع الطبقات الشعبية، وأيضاً لم تجرِ ملاحظة تراكم الاحتقان. وظل الأمر يتعلق بـ"الإمبريالية/ ضد الإمبريالية"، وليس بصراع الطبقات كما تنطلق الماركسية، وبالتالي من فهم طبيعة الاقتصاد والبنية الطبقية. فهذا أمر سقط من التحليل منذ سقوط الاشتراكية، وتحوّل التحليل المادي الذي ينطلق من الاقتصاد وصراع الطبقات إلى تحليل ينطلق من "البنية الفوقية"، أي من السياسي.
وهو الأمر الذي حوّل مفهوم الإمبريالية إلى مفهوم سياسي يتعلق بالسيطرة والاحتلال والتدخل دون أن تُلحظ كبنية اقتصادية عالمية تؤسس لتكوينات طبقية محلية.
لهذا إذا كانت ماركسية رائجة في الماضي تتسم بـالاقتصادوية فإن هذه "الماركسية" تتسم بسياسوية مفرطة. والسياسة هي الشكل أو السطح، أو ما يُرى في الواقع. لهذا يستطيع المنطق الصوري تلمسه، لكنه لا يستطيع فهم عمقه وآلياته وتاريخيته. وهذه هي سمة المنطق الصوري الذي لا يستطيع تجاوز الشكل إلى الجوهر، كما لا يستطيع فهم الصيرورة لأنه يتلمس الأمور من منظور سكوني، منظور راكد. بالتالي لا تكون حاجة لفهم الوضع العياني من مستواه الاقتصادي إلى المستوى المجتمعي، ومن ثم طبيعة السلطة ومصالحها، وطبيعة وضع الطبقات الشعبية. وكيف تشكّل وإلى ماذا سيؤول.
في سوريا ظهر العقل الأحادي واضحاً وفظاً، فسقط إزاء تعقيد الوضع العياني. وبدل أن يكون يساراً بات في أقصى اليمين. بدل أن يتمثل موقف الشعب تمثّل مصالح الطبقة المسيطرة. لقد ظهر أن هناك "فكرة" مطلقة تحكم كل نظر، وتحدد كل رؤية، وهي التي لها قوة الإله في الفلسفة القديمة.
إنها فكرة الإمبريالية، التي باتت فكرة بالتحديد، أي أنها لم تعد تكويناً واقعياً يخضع للتحوّل والتغيّر. الإمبريالية باتت مجرّدة، وأصبحت سياساتها ما كانت تمارسه خلال العقود الماضية، أو ما كان يشار إلى أنها تمارسه. وبالتالي أصبح يثرى الآخر من منظورها، أي من هو معها ومن هو ضدها. هذا هو أساس المنطق الصوري. وأصبح من هو ضدها ثوريا ويساريا وقوميا ووطنيا (حتى بن لادن في لحظة من اللحظات، وأيضاً الإسلام السياسي).
هنا يجري تجاهل مبدأ جوهري في الجدل المادي، هو جوهر الجدل المادي، إنه الصيرورة التي تؤكد على التغيّر والتحوّل. ومن ثم فهم أن الإمبريالية تكوين متغيّر، الأمر الذي يفرض فهم تكوينها الآن لا أسطرتها وتحويلها إلى جوهر ثابت (وهذا هو جوهر المنطق المثالي الذي يحوّل الأشياء المتغيرة إلى ثابت مطلق).
ولهذا يصبح هناك تصوّر متعالٍ يحكم رؤية الواقع، هو التصوّر حول الإمبريالية. وفي هذا منطق مثالي مفرط، فكرة مسبقة تحكم الواقع. وهذا ما سيبدو واضحاً حين تلمس الواقع الآن، حيث سيبدو النقص المعرفي واضحاً، ويظهر كم أن التصور المسبق هو الذي يحكم الرؤية ويقود إلى موقف غاية في الخطأ.
فالواقع كان يحتاج إلى تحليل شمولي، خاص بسوريا: السلطة والطبقات والاقتصاد. وعالمي يتعلق بطبيعة التكوين الإمبريالي الآن، الآن وليس أمس أو قبل عشر سنوات أو زمن الاشتراكية. وفي الوضعين يظهر النقص المعرفي لدى هذا اليسار (العربي والعالمي)، حيث يتمركز الفهم على الحدث الجاري، ويعالج بشكل صحافي (تقريري) دون محاولة لفهم أساسه وخلفياته. وبالتالي يبقى التصوّر السابق هو الحاكم ما دامت الإمبريالية الأميركية لم تنته بعد، وظل النمط الرأسمالي هو المهيمن. رغم أن التكوين الرأسمالي يشهد تغييراً كبيراً.
ولأن النظام في سوريا كان من ضمن موجة التحرر الوطني "المعادية" للإمبريالية، فيبدو أن اختلافه الراهن مع الإمبريالية، الأميركية خصوصاً، يربط بذلك التاريخ الأسطوري، فتكون السلطة الراهنة هي تلك التي كانت في السابق، والسياسات التي تقوم عليها هي ذاتها.
ورغم أن السلطة السابقة (حكم حافظ الأسد) لم تكن في تناقض مع الإمبريالية، بل ظلت تناور بينها وبين الاتحاد السوفياتي، فقد حدث تحوّل أكبر أثناء حكم بشار الأسد. فلم يلحظ التخلي عن دور الدولة الاقتصادي، وتحويل الاقتصاد إلى اقتصاد ريعي غير منتج، وبالتالي -وبالضرورة- مرتبط بالاقتصاد الرأسمالي، سواء عبر أميركا أو غيرها.
إن تحكّم تصوّر مسبق، ثابت، للعالم فرض ألا تُرى التحوّلات الواقعية، وأن تبقى الأمور كما كانت في عقود سابقة. بالتالي بقيت السياسة الأميركية كما كانت، وظلت مقدرة الإمبريالية الأميركية على تحقيقها كما هي. وبهذا لم يجرِ تلمس معنى أزمة سنة 2008 التي قيل إنها أزمة مالية في حين أنها أزمة عميقة في النمط الرأسمالي ككل.
الأمر الذي جعل أميركا في وضع انكفائي، توضّح في الإستراتيجية الجديدة التي قررت قبل أشهر، والتي أعطت الأولوية لمنطقة الباسفيكي، وقررت العجز عن خوض أكثر من حرب في الآن ذاته، وهي الآن لا تزال تخوض الحرب في أفغانستان. كما أن قبضتها على العالم قد تراخت وباتت تسعى لحماية ذاتها من "التوسع الصيني".
من هنا لا يمكن أن نبقى نكرر الكلام الذي كان يتردد في العقود السابقة حول "الشرق الأوسط الجديد"، و"الفوضى الخلاقة"، والتدخل العسكري. فهذه كلها باتت من الماضي من المنظور الأميركي، بالضبط لعدم المقدرة على تحقيقها والإفادة منها.
إذن، الإمبريالية تعيش حالة من التضعضع، وهي تعاني من أزمة عميقة مستمرة، وبالتالي تتحوّل موازين القوى لغير مصلحة أميركا وأوروبا. وإذا كانت قد حاولت حل أزمتها عبر التدخل العسكري والسيطرة على العالم، وتحقيق "الشرق الأوسط الجديد" عبر "الفوضى الخلاقة"، فإن حروب أميركا في أفغانستان والعراق أفضت إلى عكس ما أُريد منها، حيث أسهمت في تفجّر الأزمة الرأسمالية وليس في تجاوزها.
مما جعلها، بعد مكابرة، تتراجع وتقبل بحماية ذاتها. الأمر الذي دفعها إلى التراجع عن مواقعها العالمية بهدوء، في كل الأماكن التي لم يعد باستطاعتها الحفاظ عليها. وبدت أنها عاجزة عن خوض الحروب والتدخل.
هذا وضع جديد يفرض رؤية العالم في أفق جديد وليس التشبث بتصور ماضوي. لهذا نجدها تنظر "من بعيد" لما يجري في سوريا، وتكرر مواقف متناقضة، لم تخرج عن التأكيد على تحقيق مرحلة انتقالية عبر الحوار. وهذا يتكرر في تصريحات كثيرة من قبل أوباما وكلينتون وكثير من المسؤولين الأميركيين. دون أن يعني ذلك أنها يمكن أن تلعب بشكل غير مباشر، لكنها لم تعد قادرة على التدخل المباشر.
والنظر السياسوي لم يسمح لهذا اليسار أن يتلمس تحولات التكوين الاقتصادي السوري، وبالتالي التكوين الطبقي الذي تشكّل خلال العقد الأخير خصوصاً. فلم تعد الدولة تمارس الاقتصاد، ولا ظل الاقتصاد السوري اقتصادا منتجا، بل أصبح ريعياً مافياوياً تتحكم فيه فئة هي العائلة الحاكمة (آل مخلوف وآل الأسد وآل شاليش وحواشي مكملة)، ويتسم بالهوة الواسعة بين الأغنى والأفقر، والنسبة العالية للبطالة (30%)، وبين الأجر والحاجة (الفارق بين الحد الأدنى للأجور والحد الضروري هو 1 إلى 5). ومن ثم انهيار التعليم والصحة. إذا لم نكن نريد الإشارة إلى الطابع الشمولي التسلطي للسلطة.
الاقتصاد أصبح ليبرالياً متحكما به من قبل فئة ناهبة. توظّف أموالها في "السوق العالمي"، أي بالترابط مع الرأسمال الإمبريالي، والخليجي. وبالتالي تخضع السوق المحلي لكل تقلبات السوق العالمي، وتعمل على تحويل الأموال المنهوبة إلى "الخارج".
في عملية هي ذاتها التي تشكلت في البلدان الأخرى التي خضعت للسيطرة الإمبريالية (تونس ومصر والمغرب والأردن..). هنا ليس من اختلاف عن كل بلدان الأطراف التابعة، حتى والسلطة في "تناقض" مع أميركا.
وهو الأمر الذي يفرض تحديد أسباب هذا التناقض وحدوده، وكونه يجري على أرضية الارتباط بالنمط الرأسمالي وليس في التصارع معها كما جرى خلال مرحلة التحرر (الناصرية والبعث). حينها كانت الدولة تعمل على بناء الصناعة وتحديث التعليم وتطوير البنى التحتية، لهذا تصادمت مع الإمبريالية. لكنها الآن عملت على تأسيس الاقتصاد بما يتناغم ويتبع النمط الرأسمالي، لا أن يتناقض معه. بالتالي يكون "التناقض" هو اختلاف مع طرف إمبريالي هو أميركا على سياسات وتصورات وليس اختلافا في البنية ذاتها.
وهو مفهوم نتيجة الاندفاع الأميركي للتغيير السريع والعميق للمنطقة بعد احتلال أفغانستان والعراق لفرض سريع لـ"الشرق الأوسط الجديد"، الذي فشل في سوريا (2005-2007)، فعمل أوباما -وهو يستلم السلطة- على إعادة ترتيب العلاقة لكن بهدوء.
وحين يتعلق الأمر بثورة شعبية نتجت عن التكوين الاقتصادي الذي تشكّل في العقد الأخير، يصبح من الانتهازية المراهنة على خلاف تكتيكي بين السلطة وأميركا بدل الوقوف مع الشعب في الثورة التي يخوضها. هل يفهم اليسار هذه المسألة؟
التناقض في سوريا هو بين طبقات شعبية مفقّرة ورأسمالية مافياوية تسيطر على السلطة، هذا هو جوهر الوضع. وهذا هو التناقض الرئيسي الآن، أي خلال الثورة خصوصاً. وهو في عمقه يفرض تحقيق التغيير الذي يفرض التناقض الحتمي مع الإمبريالية، كل الإمبرياليات وليس الأميركية فقط.
ومن أجل تجاوز الرأسمالية كنمط، وإنْ لم يكن الوضع مهيأ لذلك الآن نتيجة عجز اليسار بالتحديد، وهامشيته وانعزاله عن الطبقات الشعبية. لكن ليس من خيار سوى السير لتحقيق التغيير الجذري.
على أساس ذلك يمكن فهم وتفسير أدوار القوى الإمبريالية والإقليمية، ويمكن تحليل سياسات المعارضة المهمشة والمأزومة، والمتلبرلة. وكذلك يمكن تناول مسار الثورة ومشكلاتها، ونتائج سيادة العفوية فيها. اليسار يعاني من قصور تحليلي، ومن "نخبوية"، ومن مثالية مفرطة. هذا ما أوضحته الثورة السورية بشكل جلي.
سوريا ومآلات الدولة الستالينية
محمد بن المختار الشنقيطي (موريتانيا)
لم تعش الدول العربية جمودا سياسيا وجدْبا ثقافيا وفسادا اقتصاديا مثلما عاشته في ظل الحكم العسكري. وقد امتاز العسكريون ذوو النزعة اليسارية من بين هؤلاء الحكام باستيراد الطرائق الستالينية في ممارسة السلطة، فأضافوا هذا الشر إلى شرور الحكم الاستبدادي العسكري في كل مكان.
والستالينية مصطلح مشتق من اسم الزعيم الشيوعي السوفياتي جوزيف ستالين، وهي منهج في الحكم يتأسس على دعائم خمس:
1- الوثنية السياسية، من خلال عبادة القائد، وتماهي الدولة في شخصه، فهو ظل طويل ثقيل، له يد في كل حركة وسكون، وله الفضل في كل مصلحة تتحقق، وهو بريء من كل قصور أو تقصير!!
2- التشبث بالسلطة إلى الأبد، مع أمل عريض بالبقاء، وسد المنافذ أمام الطامحين إلى المشاركة في الشأن العام، إلا من كان ظلا للحاكم، متملقا له، يرضى بوظيفة المحكوم به، دون مشاركة فعلية في الحكم.
3- المركزية الطاغية التي تخنق كل إبداع أو اندفاع، وتجرد المواطنين من صفتهم الإنسانية المشحونة بأشواق الحرية والكرامة، وتختزلهم في صفتهم الحيوانية: قطيعا يأكل ويشرب ويطيع قائده إلى الأبد.
4- القمع الوحشي لكل من تسول له نفسه نقد الحاكم المتأله، والتنكيل بمن تمسكوا بحقهم الإنساني في أن يكون لهم رأي في تنصيب السلطة المتصرفة في مصائرهم، وفي مراقبتها ومحاسبتها.
5- الدعاية الفجة السطحية التي لا إيماء فيها ولا إيحاء، وإنما هي غوغائية صريحة وضجيج صارخ، يغطي على أصوات العقل والحرية والعدل والديمقراطية.
وإذا أمعنا النظر في هذه الدعائم التي تأسست عليها الدولة الستالينية، فسنجدها تنطبق على نظام الحكم الحالي في سوريا بناءً وأداءً، فهو نظام تأسس على النموذج الستاليني الفظ، وطبقه بحذافيره: فعبادة القائد الفرد أمر مفروغ منه في سوريا، وهو قائد يتشبث بالكرسي مع آمال عريضة لا تعرف أفقا ولا نهاية، حتى إن الصبية السوريين تربوا على ترديد الشعار الشهير "قائدنا إلى الأبد.. الأمين حافظ الأسد". ثم جاء الشبل بشار ليرث الأسد حافظ، بنفس العقلية الستالينية المتكلسة، وتحوّل الشعار السخيف "قائدنا إلى الأبد.. الرئيس بشار الأسد".
أما المركزية الطاغية فيكفي أنك لا تستطيع أن تفتح دكانا للحلاقة أو النجارة في سوريا -ودعك من الأحزاب السياسية والجمعيات الثقافية- دون ترخيص من الأمن.
وأما التنكيل بالمعارضين فيكفي ما هزّ ضمائر العالمين من هدم مدينة حماة على رؤوس ساكنيها مطلع ثمانينيات القرن الماضي، ومن الترويع والتجويع والمجازر والمقابر الجماعية التي نشاهدها اليوم في درعا وغيرها من المدن والبلدات السورية الأبية التي أبت الخنوع أو الخضوع لغير الخالق.
وفيما وصفه مراسل وكالة رويترز ومراسلة الجزيرة الإنجليزية من فظائع أثناء احتجازهما أياما بمقر المخابرات السورية كفاية للمستكفي، وما خفي كان أعظم.
وأما الدعاية الفجة فحدث ولا حرج، ويكفي أن بعض المتملقين من أعضاء البرلمان يرى الأمة العربية قليلة على بشار الذي يستحق في رأيه أن يكون قائد البشرية كلها. ويكفي ما تنضح به القناة السورية الرسمية من الكذب والفحش السياسي كل يوم.
كان ستالين يشبه بعض القادة العسكريين العرب في نرجسيته وفظاظته من دون ريب، فقد حوّل الأفكار الاشتراكية إلى إرث شخصي، كما حوّل عساكرُنا المشاعر العروبية الهادرة إلى أملاك شخصية وعائلية، وقتَّل ستالين معارضيه بوحشية بنفس الطريقة التي قتل بها حافظ الأسد في يوم واحد نحو ألف من السجناء العزل في سجن تدمر شمال شرق دمشق مطلع الثمانينيات، وقتل بها القذافي في يوم واحد نحو 1200 سجين أعزل في سجن بوسليم منتصف التسعينيات.
لكن قد يكون من الظلم أن نقارن ستالين من كل الوجوه بقطَّاع الطرق الذين يحكمون بعض الدول العربية، فهو لم يقتل شعبه بالقصف المدفعي العشوائي الذي لا يميز بين مدني وعسكري، بالطريقة الوحشية التي شاهدها العالم في مذبحة حماة عام 1982، حيث "قدر عدد الضحايا ما بين 30 إلى 40 ألفاً بينهم نساء وأطفال ومسنون، إضافة إلى 15 ألف مفقود لم يتم العثور على آثارهم منذ ذلك الحين، واضطر نحو 100 ألف نسمة إلى الهجرة عن المدينة بعدما تم تدمير ثلث أحيائها تدميراً كاملاً، وتعرضت أحياء أخرى لتدمير واسع، إلى جانب إزالة عشرات المساجد والكنائس ومناطق أثرية وتاريخية نتيجة القصف المدفعي"، حسب نص تقرير للجنة السورية لحقوق الإنسان.
كما أن ستالين -على فظاظته- كان رجلا وطنيا وقوميا دون تزييف، آمن بأمجاد روسيا وسعى لتحقيقها بالفعل لا بالقول، رغم الثمن الإنساني الباهظ لسياساته، فقد قاد بلاده في مقاومة بطولية شرسة كسر بها شوكة النازية التي كانت تسعى إلى احتلال أرضه واستعباد شعبه. كما قاد ثورة صناعية بخططه الخمسية الشهيرة، أخرج بها بلده من ذل التسول للغرب والخوف من سطوته العسكرية.
أما الستالينيون المزيفون عندنا فلا أرضًا حرروا، ولا صناعةً بنوْا، بل إنهم استنزفوا قوة الشعب وموارده في حماية أنفسهم، وحولوا قوة الدولة إلى حربة موجهة إلى نحور الشعوب، لا إلى نحور الأعداء. ويكفي النظر إلى الدبابات السورية التي صدئت في انتظار معركة التحرير الحاسمة مع إسرائيل، تتجه إلى درعا وبانياس وحمص، وتقذف الحمم ضد المواطنين الأبرياء الشرفاء، بدل التوجه إلى الجولان المحتل، ومصاولة العدو الجاثم على أنفاس السوريين هناك منذ أربعة عقود.
وقد ظن النظام الستاليني في سوريا أن وعودا جوفاء بإصلاحات شكلية وجزئية سترد الشعب إلى بيوته بعدما أمسك مصيره بيده، ونسي هذا النظام المتبلد أن الصراع بين الحاكم والمحكوم في الدول العربية اليوم لم يعد صراعا حول أداء السلطة، وإنما هو صراع حول بناء السلطة، بعدما أدركت شعوبنا ما كان ينبغي أن تدركه منذ أمد بعيد، وهو أن البناء الاستبدادي لن يقود إلى نهضة في الداخل ولا إلى عزة في الخارج.
فأي ترقيع في الأداء السياسي لن يقنع الشعوب اليوم بعدما قررت رفع الحجر المفروض عليها تماما، وهدم البناء الاستبدادي من القواعد، تمهيدا للإمساك بحرية قرارها واختيارها، وطرد منطق السيف وقانون الغاب من مسألة تداول السلطة إلى الأبد.
لقد دخلت الثورة السورية المجيدة خط اللاعودة، ولم يعد ينقصها سوى تصاعد الحراك الشعبي في قلب الثقل السكاني السوري بدمشق وحلب، لتصل إلى مستوى الكتلة الاجتماعية الجارفة، الضرورية لكل الثورات الشعبية.
فنهاية الدولة الستالينية في سوريا وشيكة ومحتَّمة، وسيليها تحرر من الإرث المُعتِم الذي راكمته على مدى أربعة عقود، تمامًا كما صفَّى خروتشوف مواريث ستالين، وأدان "عبادة الشخص" الستالينية. فليس لهذا النمط من الحكم المتكلس مكان في عصر الثورات العربية المجيدة، ولن يكون الشعب السوري المعتد بكرامته وتاريخه استثناء من الشعوب الطامحة إلى الحرية.
ولعل المآلات المحتملة لنهاية الدولة الستالينية الأسَدية في سوريا تسلك أحد المسارات الآتية:
المسار الأول- أن تبقى نواة النظام الصلبة متماسكة إلى النهاية، مع استمرار التآكل من الأطراف، حتى تصبح تلك النواة معزولة وغير قابلة للحياة. وعندها يدرك الذين ربطوا مصائرهم بمصير النظام طائفيا أو سياسيا أو مصلحيا أن لحظة الحساب قد أزفت، فينفضُّون من حوله زرافاتٍ ووحدانًا، فيسقط النظام على الطريقة المصرية والتونسية.
ويترجح هذا الخيار لدى من يرون أن لا فرق جوهريا بين بشار وماهر، وإنما هما يتقاسمان الأدوار، حيث يمثل أحدهما وجه الترغيب والاحتواء، والآخر وجه الترهيب والقوة. وقد بدأت بالفعل بوادر رفض العسكريين السوريين لقمع شعبهم، وهو ما يرجح هذا المسار.
المسار الثاني- أن تنقسم النخبة الحزبية والطائفية الحاكمة، ويسيطر الجناح المعتدل فيها على مقاليد الأمور، ثم يعرض هذا الجناح استجابة جزئية للمطالب الشعبية، بما يضمن لبشار الاستمرار عاما أو عامين، بعد أن يضع البلاد راغما على طريق الانتقال إلى الديمقراطية الحقة.
ويترجح هذا المسار عند من يرون أن هناك فجوة حقيقية بين بلاهة بشار ودموية ماهر، وأن جناح ماهر الذي يتقدم الصورة اليوم بوحشية قد يتم دفعه إلى الظل حينما تفشل آلة القمع، ثم يتقدم جناح بشار بحلول تهدِّئ الوضع وتمنح النظام فرصة التقاط الأنفاس أمام الاندفاع الشعبي الهادر والضغط الدولي المتصاعد.
المسار الثالث- أن تنقسم النخبة الحزبية والطائفية الحاكمة، مع سيطرة الجناح المتصلب فيها، من خلال انقلاب عسكري وأمني على بشار. وباستحواذ الجناح المتصلب في النظام على السلطة، يتم تبني حلول استئصالية أكثر، تفجِّر الوضع إلى حرب أهلية محلية وإقليمية، يمتد لهيبها إلى لبنان، ويصل شررها إلى العراق وإيران.
وفي هذه الحالة سيكون مسار الثورة السورية أكثر تعقيدا حتى من مسار الثورة الليبية، بحكم التداخل الإقليمي والطائفي فيه. ويترجح التدخل الغربي في هذه الحالة -ربما من الأراضي التركية- تأمينا للتوازنات الإستراتيجية في المنطقة من شظايا الانفجار السوري.
وفي كل الأحوال، فإن الدولة الستالينية في سوريا قد كُتبت نهايتها يومَ كتب أولئك الصبية من درعا على الحوائط "الشعب يريد إسقاط النظام"، فردَّ الأمن الستاليني الأخرق باعتقالهم. وهي نهاية قد تأتي هادئة بثمن معقول يحفظ لجميع الأطراف مستقبلا من التعايش في ظلال من العدل والحرية لا تستثني أحدا، وقد تأتي نهايةً مدوية مرتوية من الأحمر القاني. وليس غريبا على السوريين أن يدركوا ثمن الحرية ومعنى الوفاء لدماء الشهداء، على نحو ما صوره أحمد شوقي في قصيدته الدمشقية:
وللأوطـانِ في دمِ كلِّ حُـرٍّ يدٌ سلفتْ ودَينٌ مستـحقُّ
وللحريةِ الحمــراءِ بـابٌ بكل يدٍ مضرَّجـَةٍ يُـدقُّ
النظام السوري في أيامه الأخيرة.. وهنا خطورة الموقف
افتتاحية مجلة الأمان الناطقة بلسان الجماعة الاسلامية في لبنان
العدد 1037، السنة العشرون، الجمعة 23 المحرّم 1434 هـ ،- 7 كانون الأول 2012 م
بات من مسلّمات السياسة اللبنانية لدى المراقبين، أنه إذا أردت أن تعرف ماذا يجري في لبنان فإن عليك أن تعرف ماذا يدور في سوريا. ولذلك فإن الحديث عن الأزمة السياسية اللبنانية المستحكمة، أو تشكيل الحكومة القادمة، أو اعادة توزع القوى السياسية اللبنانية.. هي مجرّد عبث في الوقت الضائع.. ليس لأن هذا الفريق أو ذاك تربطه صداقة أو عداوة بالنظام القائم في دمشق، ولكن لأن هذا هو قدَر لبنان واللبنانيين منذ استقلال كلّ من لبنان وسوريا، مروراً بالفترة الديمقراطية في سوريا مطلع الخمسينات، وحقبة الوصاية منذ أواسط السبعينات، وصولاً الى الخروج السوري من لبنان عام 2005، وادارة الأمور بالوكالة على الساحة اللبنانية كما هي الحال حتى الآن.
لذلك يهمنا - كلبنانيين - ما يجري في سوريا، ليس فقط لأن تداعياته تنعكس على ساحتنا اللبنانية، أو لأن أحداثاً أليمة تنقلها وسائل الاعلام يومياً، من قتل وذبح ونسف وتدمير، مما أدى الى حاجة سوريا لعشرات السنين من أجل ترميم بنيتها التحتية وأحيائها وقراها، فضلاً عن البنية السياسية التي لا يعرف أحد في أي اتجاه تكون.
لم تعرف البشرية في تاريخها القديم أو الحديث، نظاماً ملكياً أو امبراطورياً أو فرعونياً، فضلاً عن أن يكون جمهورياً، يقوم على مثلث: «وحدة، حرية، اشتراكية»، يوغل في قتل شعبه وإبادة بناه العمرانية والتحتية قصفاً بمدفعية الدبابات والطائرات، فضلاً عن تدمير الأبنية والمنازل فوق رؤوس ساكنيها، وجلّهم من الأطفال والنساء، لمدة تزيد على عشرين شهراً، ويبقى إعلامه يردد أنه نظام مقاومة وممانعة، وأنه يتعرض لمؤامرة خارجية، وأن شعبه ما زال متمسكاً به ومؤيداً له. لذلك يهمنا ما يجري في سوريا ليس فقط لنتقوى بها قومياً وإسلامياً، ولكن أيضاً لأن ما يزيد على مائة ألف من الأخوة السوريين يعيشون بيننا مشرّدين في القرى وشوارع المدن، لا يجدون مأوى ولا لقمة عيش..
لقد صبر الشعب السوري طويلاً، لأن نظامه الحاكم مارس ضده كل أشكال القمع ومصادرة الحريات والإبادة الفكرية والسياسية. لذلك يستدعي اعادة البنية الحزبية والسياسية مراحل طويلة ريثما يتشكل «المجلس الوطني السوري» أو «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة»، وهذا ما جرى انجازه خلال الشهور العشرين الماضية.. وبالتالي فإنه يمكن القول بأن القضية السورية نضجت بما يكفي لتسجيل الضربة القاضية باتجاه النظام، بعدما يئست القوى الداعمة له من امكانية خروجه من الأزمة، وتبيّن للقوى الإقليمية والدولية أن هذه المأساة لم يعد يحتملها الضمير العالمي ولا أي ميزان لحقوق الانسان. ومن هنا فإن مجموعة عوامل ومؤشرات باتت تؤكد أن الأزمة بلغت أيامها (أو شهورها) الأخيرة، وهذه أبرز مؤشرات ذلك:
- لقد فقد النظام معظم رصيده في مختلف المدن والأرياف السورية، وباتت مراكزه الأمنية وحواجزه العسكرية وحدها التي يسيطر عليها. اضافة الى ملايين النازحين داخل الأراضي السورية ومئات ألوف المشردين في الأقطار المجاورة.. كل هؤلاء ضد النظام.
- بلغت الانشقاقات المدنية والعسكرية والدبلوماسية ذروتها بخروج عدد كبير من ذوي الرتب العالية الى الأراضي التركية والأردنية، فضلاً عن انشقاق رئيس وزراء النظام (رياض حجاب)، والناطق باسمه (جهاد المقدسي).
- استعمال سلاح المدرّعات وسلاح الجو، واسقاط عدد كبير من الطائرات يدل على عدم قدرة قوات الأمن والشبيحة وسلاح المشاة على مواجهة الثائرين.
- يأس القوى الاقليمية والدولية من امكانية تماسك النظام، سواء في ذلك الموقف الروسي أو الإيراني. وعلى الرغم من أن ايران سوف تتابع دعمها للنظام حتى النفس الأخير، ولكنها باتت تلهث من أجل عقد أي لقاء مع قوى المعارضة. وقد عقدت منذ اسبوعين لقاء في طهران للقوى السياسية السورية، لكنها لم تجد من بين المشاركين اسماً واحداً تعلنه وتفاخر به. أما الموقف الروسي فيعبّر عن حرص الرئيس بوتين على التواصل مع القيادة التركية القريبة من أجواء المعارضة، والجلسات الحميمة التي ضمت الرئيس التركي الى الرئيس أردوغان، في محاولة للوصول الى مخرج يحفظ ماء الوجه للقيادة الروسية. وقد عبّر وزير خارجية روسيا عن ذلك بتأكيده على ضرورة الوصول الى مخرج «مشرّف» من الأزمة.
- اللقاء الذي عقده وزير الخارجية السعودي (سعود الفيصل) مع رئيس الائتلاف الوطني الشيخ أحمد معاذ الخطيب في الرياض، وحديث الأمير سعود عن «عملية الانتقال السياسي للسلطة للحفاظ على سوريا موحدة أرضاً وشعباً..»، مما يشكل أول اعتراف سعودي رسمي بالثورة..
- الحديث الأميركي المتكرر عن استخدام النظام أسلحة كيماوية في المواجهة القائمة، رغم أن النظام أعلن أكثر من مرة أن هذا النوع من الأسلحة هو في حماية الجيش النظامي، وأنه لن يستعمله الا في مواجهة عدوان خارجي. وهذا يؤشر الى ان الادارة الأميركية تفتش عن ذريعة تبرّر بها تدخلها العسكري. فبالاضافة الى الموافقة على نشر بطاريات صواريخ باتريوت على الحدود التركية مع سوريا، فإن هذا يعيد الى الذاكرة استخدام امتلاك نظام صدام حسين عام 2003 أسلحة الدمار الشامل كمبرر لغزو العراق.. مع أن هذا السلاح لم يكن موجوداً.
رغم كل ما سبق من مؤشرات، توحي بأن الدوائر الغربية باتت على وشك توجيه ضربة قاضية الى النظام، فإن هذا يلقي على كاهل القوى السورية (الإسلامية والوطنية) مسؤولية تاريخية، في أن لا تكون أداة في أي مشروع أميركي، حتى لو كان المشروع يرمي الى اسقاط النظام في سوريا. وقد سبق لقوى وطنية عراقية أن مارست هذا الدور، وعادت الى العراق خلف الدبابات الأمريكية، لكن هذا الدور لم يكن مشرفاً، والتاريخ لم يغفر لها ذلك.. فهل تعي قوى الثورة السورية خطورة الموقف؟
العدالة الانتقالية: مفهوم وتطبيق ومرحلة
أنور البنّي، رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية
لعّل مسألة العدالة الانتقالية هي المسألة الأهم ومن أولى القضايا التي يتم العمل عليها بعد التغييرات الجذرية في المجتمعات التي يصاحبها اقتتال وضحايا وتدمير .
فإغلاق المرحلة السابقة وإعادة السلم الأهلي ووحدة المجتمع والمصالحة الداخلية يتطلب أولا تهدئة النفوس برد المظالم وإعادة الحقوق لأصحابها والتعويض على المتضررين والكشف عن مصير المفقودين وإظهار حقائق ما جرى وتحديد المسؤوليات ومحاسبة المرتكبين للانتهاكات والجرائم عبر المؤسسات القانونية والقضائية, وهذا شرط لازم وواجب وضروري, فلا يمكن أن تبرد روح الثأر والانتقام ومحاصرة الفوضى المحتملة، ما لم يشعر المتضررون بان حقوقهم لن تضيع وأن المرتكب لن يفلت من العقاب, ولا يمكن للإنسان أن يغذي انتمائه إلى المجتمع ويساهم ببنائه إذا لم يطمئن أنه سيحصل على العدالة .
ومفهوم العدالة الانتقالية هو مفهوم استثنائي للعدالة يختلف عن مفهوم العدالة العادي بالأهداف والقواعد والمعايير والهيئات والآليات, لأن الظروف الاستثنائية تفرض معالجة استثنائية ولا تصح أو تستقيم معها قواعد وآليات العدالة العادية .
فهدف العدالة الانتقالية ليس إدانة المجرمين وتطبيق القانون فقط بل أساسا إعادة السلم الأهلي وتحقيق المصالحة الوطنية ومحو آثار مرحلة سابقة تشجع على استمرار الخراب إذا لم يتم تجاوزها، فعلى سبيل المثال إن إسقاط الحق الشخصي أو عدم الادعاء من قبل المتضررين بالنسبة لعدد كبير من الجرائم الواقعة بحقهم قد يؤدي إلى إسقاط الدعوى كلها خلافا للقانون العادي مع حفظ حقوق هؤلاء المتضررين بالتعويض الذي سيقع على عاتق الدولة عبر مؤسسة العدالة الانتقالية نفسها, وهنا لا دور لمؤسسة النيابة العامة كجهة مدافعة عن المجتمع إلا في القضايا التي تمس المجتمع كله. ونضيف أن هدف العدالة الانتقالية لا ينحصر في محاسبة مرتكبي الجرائم وبعث الطمأنينة في النفوس بأن حقوقهم لن تهدر بل ينسحب هدفها إلى إعطاء الطمأنينة لغير المرتكبين أنه لن يتم محاسبتهم أو الاقتصاص منهم عن جرائم لم يرتكبونها، مثلما تعطي ضمانة مهمة للمرتكبين أنفسهم بانهم لن يكون تحت وطأة رد الفعل الثأري وأن مؤسسات العدالة والقضاء هي التي ستحاسبهم بالدلائل والقرائن المثبتة على ما ارتكبوه.
ولعل أهم تميز في القواعد والمعايير الحاكمة للعدالة الانتقالية أنها تستند إلى القواعد والقوانين العالمية، مع الأخذ في الاعتبار أن كثير من الجرائم المركبة في ظروف الصراع الأهلي الاستثنائي، قد لا تغطيها القوانين المحلية أو تطالها أو تنص عليها لأنها جرائم تسمها هذه الاستثنائية وتتطلب مرجعية دولية أنتجنها ظروف وأحداث مماثلة.
والتميز أو الاختلاف الآخر هو أن مؤسسة العدالة العادية تستند على الهيئات القضائية الطبيعية وتقتصر على القضاة فقط الذين يديرونها بينما تتفرع عن مؤسسة العدالة الانتقالية عدة هيئات لها طراز مختلف عن التركيبة القضائية وتضم بعض ممثلي المجتمع وهيئاته المتنوعة لتشارك القضاة والمحاكم في تحقيق العدالة. وقد بدأت فكرة العدالة الانتقالية بفكرتها الأولى بعد الحرب العالمية الثانية بمحاكمة مجرمي الحرب بنورمبرغ وتطورت في سيراليون ورواندا وحتى لبنان كان هناك تطبيق جزئي لها بوزارة المهجرين وصندوق الجنوب فيما صدر عفو عام هن جميع الجرائم المرتكبة خلال الحرب وأغلق باب محاكمة مرتكبي الجرائم والانتهاكات.
ويمكن تقسيم عمل مؤسسة العدالة الانتقالية إلى خمسة محاور..
أولاً، صندوق لتعويض الأذى الجسدي والمادي للمواطنين المتضررين إما بفقد أحد أفراد أسرتهم وأحبتهم وأيضاً التعويض للجرحى والمعاقين ولمن تدمرت منازلهم أوأماكن عملهم أو ممتلكاتهم كليا أو جزئيا, ويتم ذلك عبر لجان فنية مختصة تقوم بالمسح الميداني لكل المناطق بوضع قائمة بأسماء الضحايا والمفقودين وتقدير قيمة الأضرار المادية وتحديد عدد المصابين والجرحى وتأمين استمرار علاجهم والبدء بإجراءات سريعة لإيواء المهجرين الفاقدين لمنازلهم وتسديد معونات سريعة لمن تضرر ت أوضاعه جزئيا لترميم منازلهم والسكن فيها .
ثانياً، إنشاء محاكم خاصة ومستقلة عن القضاء العادي محكمة مركزية في دمشق للقضايا الكبرى ومحاكم فرعية في كل المحافظات للنظر بالجرائم المرتكبة خلال الأحداث وملاحقة والقبض على المجرمين ومصادرة الأموال والأشياء المنهوبة والمسروقة. ويجب أن يكون قضاة هذه المحاكم من القضاة المشهود لهم بالنزاهة والحيادية والاستقلال .
ثالثاً، تشكيل لجان للسلم الأهلي والمصالحة الوطنية تضم شخصيات ثقافية وعلمية وقانونية وفنية ودينية واجتماعية ذات احترام للتوجه إلى المناطق التي شهدت نزاعات أو إشكالات دينية أو طائفية أو قومية لتهدئة النفوس وإرساء الصلح وتبديد الشكوك وإعادة الثقة بين مكونات المجتمع , وتكون من مهماتها هذه اللجان أيضاً المساهمة في الكشف عن المفقودين والمختطفين والمعتقلين وإعادتهم لأهلهم .كما العمل على إقامة اجان وجمعيات للدعم والعلاج النفسي لضحايا الانتهاكات.
رابعا، تشكيل مكتب إعلامي مهمته القيام بحملة شاملة لشرح مفهوم العدالة الانتقالية ووسائلها وهيئاتها ودورها واستخدام كل وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمقروء من أجل ذلك يديرها متخصصون قانونيون واجتماعيون . وتساعدهم في ذلك لجان من الشباب المتطوعين تشكل بالتعاون مع جمعيات أهلية ويجري تدريبهم لإيصال فكرة العدالة الانتقالية لكل المواطنين ومساعدتهم للتفاعل مع هيئاتها والثقة بها وتقديم طلباتهم اليها ومتابعتها .
خامساً، مكتب تخليد الذكرى ومهمته توثيق الأحداث التي مرت وتوضيحها وتأريخها بما في ذلك تخليد أسماء الضحايا الذين قضوا عبر النصب التذكارية أو إطلاق أسمائهم على المدارس والأماكن والساحات في المواقع الجغرافية التي سقطوا فيها, وإدخال هذه المعلومات في كتب التاريخ للمدارس حتى يكون ما مرّ على البلاد درسا يستفاد الجميع منه ويشكل عبرة ومأثرة للأجيال القادمة، ولا تضيع التضحيات الكبرى التي قدمت بل تكون صورتها ماثلة دائماً في ذاكرة المجتمع وخالدة في ذاكرة الوطن .
ويمكن الحديث هنا عن مسألة العفو ودوره في إرساء المصالحة وليس لتغييب العدالة فاستخدام هذا الطريق ضروري ولكن لا يمكن أن يكون عاما بحيث تغلق الجروح وهي ما زالت تنزف أو دون أن تكون مطهرة وتشكل نار تحت الرماد يمكن تأجيجها بأي وقت بل يجب أن يكون محدودا وخاصا ويستعمل بشكل دقيق لإغلاق ملفات تم إنهائها أهليا وتمت المصالحات بشأنها وليس كأسلوب تبويس اللحى وعفى الله عما مضى .
إن العدالة الانتقالية وتهيئة مؤسساتها وهيئاتها هي أولى المهمات في المرحلة القادمة وعلينا أن نكون على أهبة الاستعداد والجاهزية بل الشروع منذ الآن بتقديم المبادرات والاجتهادات لتهيئة الأسس والمقومات لها وخاصة البدء الفوري بحملة شعبية لنشر مفهومها وتعريف المواطنين بها لنضع اللبنة الأولى لإعادة بناء سوريا الجديدة .
سوريا.. ما بعد النظام
عادل عبد المهدي
منذ حوالي العامين وسوريا الحبيبة تنزف دماً.. فالنظام يتعامل مع المعارضة ككل باعتبارها ارهاباً دون تمييز الارهابيين والتكفيرين عن المعارضة الحقيقية والتي لها تمثيل واسع وكبير.. بالمقابل ترفض المعارضة اي حل للاوضاع الراهنة قبل رحيل الرئيس الاسد.
هذا الوضع سيستمر لفترة طويلة حتى مع تغير المواقع، مما يعني الاقتتال وتدهور الموقف لغير مصلحة النظام وحلفائه.. والمعارضة
وحلفائها. وسيكون المستفيد الاكبر الارهاب والتكفير واسرائيل واعداء سوريا.. فالاخطار والاضرار ليست مؤقتة وانية فقط.. بل ستكون مزمنة ومستقبلية ايضاً. فعندما رفضت الاطراف الداخلية والخارجية التغيير الذي بات ضرورة لازمة في العراق قبل الانتفاضة في 1991 وبعدها لحسابات قصيرة النظر.. وتذرعت بامور لا تختلف عما يستخدم اليوم لابقاء المعادلة القائمة انذاك.. فان الضرر لم يصب الشعب العراقي وقواه السياسية فقط.. بل اصاب المجتمع ايضاً بتقسيمه وتهجير الملايين من ابنائه.. وهدم كيان الدولة ودمر البنى التحتية واغرق البلاد بالبطالة والديون وانوع المشاكل.. وهو ما نعاني منه وسنعاني منه لفترة طويلة قادمة.. فخسر النظام السابق وانصاره كل شيء.. وحدثت تداعيات اقليمية ودولية خطيرة ما زالت تفعل اثارها السلبية في الواقعين العربي والاسلامي والدولي.
يقول النظام السوري انه يريد الاصلاح والتغيير.. وتقول المعارضة باسقاط النظام لاحداث التغيير.. والاطراف الاقليمية والدولية لا تعارض التغيير بل تشدد عليه.. فلنضع تصوراً لنظام ما بعد التغيير.. ونفترض –بسذاجة- تعاون الاطراف بشكل ما ليزيحوا من الصورة كل ما يجب بقاؤه خارجها.. ويؤطروا ما له موقعاً طبيعياً فيها.
لا مكان للارهاب والتخريب والعنف والتكفير والحرب الطائفية.. او لحكم الحزب الواحد والرئيس الدائم والسجون والقتل والتعذيب.. ولا مكان لاضعاف النظام العام والقانون والدولة.. ولتخريب علاقات سوريا الاقليمية والدولية سواء المؤيدة للنظام والمؤيدة للمعارضة.. ولا مكان لان تغير سوريا موقفها من اسرائيل ومن القضايا الوطنية والقومية.. او ان لا تلتزم بسياسات الصداقة والحلول السلمية والالتزامات الدولية. اذا كانت هذه الصورة مقبولة، فان عناصر الحل ممكنة لا تمنعها سوى المخاوف والعوامل الشخصية. فمصلحة النظام والمعارضة وحلفائهم المسارعة بوضع تصورات ما بعد النظام والعمل بموجبها.. فالتغيير قادم لا محالة بشكل او باخر.. عاجلاً ام اجلا.. وكلما اسرعنا في الحل كلما منعنا عن سوريا العزيزة ان تمر بمآسي التجربة العراقية وتداعياتها.
الأحد، 26 أغسطس 2012
بيان السيدين وخزعبلات التفوق
سناء الجاك – ملحق النهار- الأحد 26 آب 2012
بين مواقف "حزب الله" التي تصدر بشكل رسمي في خطب أمينه العام السيد حسن نصر الله، وبيان السيدين محمد حسن الامين وهاني فحص مسافات ومساحات. واذ يطيب لبعض المحللين المجتهدين ان يُنذروا من لم يفهم بعد، ان هناك من بدأ جدياً بالعمل لتكريس انفلات كامل وشامل للوضع في لبنان، نجد ان السيدين يدعوان أبناء الطائفة الشيعية إلى "الانسجام مع أنفسهم في تأييد الانتفاضات العربية والاطمئنان إليها والخوف العقلاني الأخوي عليها، وخاصة الانتفاضة السورية المحقة".
هناك من يقول للبنانيين ان ما شهدناه حتى ساعتنا من آل المقداد و"كتيبة المختار الثقفي" سيصبح نسمة ربيعية امام ما يمكن ان نشهده ويشهده مناصرو المعارضة السورية سواء على صعيد الانظمة او الناس العاديين، سواء في لبنان او حيث تصل أيديهم ليعيثوا فتنة وفساداً، والسبب الوحيد هو تأييد النظام الأسدي المجرم لأن لمرجعية الحزب الايرانية مصلحة في ذلك.
هذه المصلحة جعلت للعشائر أجنحة ومجالس، خارج النطاق العشائري المعهود، وجعلت البشر طرائد، ووظفت فائض القوة والقدرة على التحرك وتكريس الفلتان الأمني فشة خلق محقة لعشيرة لها أجنحتها التي تحط وتطير بمعزل عن السلوكيات العشائرية الموروثة من بطون العادات العربية.
لذا لا أحد في مأمن من التداعيات، ولا حظوة لـ"الرعايا"، سواء أكانوا لبنانيين أم خليجيين أم اتراكاً أم أجانب من دول العملة الصعبة. لا تسألوا الحزب الإلهي عن الموضوع، فهو مشغول من خلال مواسم التهديد والوعيد وعرض العضلات، ببث الرعب في قلوب الصهاينة على أمل ان ينقرضوا نتيجة اصاباتهم بالجلطة او السكتة القلبية او يحفروا الارض ويكملوا ما بقي من حياتهم في سراديب مظلمة حتى لا تصيبهم الصواريخ المكدسة.
ولا يهم اذا بقي من لبنان جهاز رسمي او جيش او درك او إدارة ترضى بالعمل من تحت الدلف الى تحت المزراب.
بالطبع يستطيع حلفاء النظام السوري هذه الأيام نسف البلد ومن فيه، ما دام هناك من تجرأ وكشف مستور النظام الأسدي المجرم ومتفجراته، وحدد بالاسم المسؤولين المباشرين ومَن خلفهم، وادعى عليهم. بعد ذلك، لا بد من تكبير الخطر الاسرائيلي واستثماره واستهلاكه لتغطية الجرائم الفعلية في انتظار الخطط "أ" و"ب" و"ت". لا يهم اذا اقتصر التضخيم والكلام المكرر على المنابر للتداول الاعلامي وتحسين الصورة، في حين تتواصل العمليات الانتحارية على الأرض لتخريب البلد بغية خلط الأوراق، ويتواصل العمل حثيثاً حيث أمكن لإقحام كل العوامل لفتح كوة للنظام السوري الذي ينازع، حتى لا يخرّ صريعاً بضربة شعبه القاضية.
بعيداً من طق الحنك في شأن الأجنحة العسكرية العشائرية والخطف الذي لا يجد من يقول لمن يرتكبه: "ما أحلى الكحل في عينك"، ليس صعباً الاستنتاج ان كل ما يتحرك له مرجعيته. وليس صحيحاً ما قيل ان عمليات الخطف التي يقوم بها مجلس العشيرة خارجة على سيطرة الحزب الإلهي. فلا عفوية او ردود فعل في كل ما نشهده. يشي بذلك الشريط التي تم الترويج له وعرضه على اساس انه قنبلة الموسم لـ"معارض سوري" في "ضيافة" العشيرة المقدادية، ولم يكن الا نسخة سيئة الصنع والمضمون لما نشاهده على شاشتي "الاخبارية السورية" و"الدنيا". الصحيح ايضا ان الفتنة الطائفية تجاوزت الخطوط الحمر بين شيعة وسنّة، بفضل الاطماع الايرانية والنظام الأسدي الذي لم يوفر جريمة او مذبحة لإثارة الأحقاد والغرائز وايقاظ الشياطين واستدراجها الى ساحته، حتى يجعل مسيرة الثورة دموية قد تهدد الكيان السوري برمته، مع انه بغبائه لن ينجو منها.
في هذا الإطار ومن منطلق هذا الخوف، يأتي بيان السيدين محمد حسن الأمين وهاني فحص من باب الضرورة القصوى التي يحتاجها السنّة والشيعة معاً، حتى يصار الى سماع صوت عاقل وعادل، ربما يحسب البعض ان صوتهما قد يضيع في خضم القرف الذي يحاول فريق الاستقواء بالسلاح فرضه. لكن بين بيان السيدين وخزعبلات التفوق لشعب الله المختار، لن يصح الا الصحيح.
سوريا: كل يوم عاشوراء.. كل شبر كربلاء
هوشنك أوسي- المستقبل- نوافذ- 26 آب 2012
(الى أحفاد الإمام الحسين في لبنان: سماحة السيّدين هاني فحص ومحمد حسن الأمين)
"الشعب السوري مابينذل"، هذا أول الشعارات التي رددها المتظاهرون السوريون في مطلع ربيع ثورتهم على "طاغية الشام"، على حدّ تعبير الزعيم اللبناني وليد جنبلاط.
رفض الذلّ والمهانة وهدر الكرامة وهتك الاعراض، والسعي نحو التحرر والانعتاق من جبروت الاستبداد وأذرع اخطبوطه الأمنيّة في سورية، كان ولا يزال لسان حال السوريين، رغم كل ما عانوه من ظلم وطغمة واجرام وإبادة وخنق ونحر وإحراق وتدمير ونهب وسلب للبلاد والعباد. وهذا ما يجعل الثورة السوريّة أنبل ثورات شعوب المنطقة وأشجعها. ذلك ان النظام الذي يواجهه السوريون، هو حتى أبشع من النظام الذي يواجهه الفلسطينيون، وابشع من نظام صدّام حسين الذي استخدم السلاح الكيمياوي ضدّ شعبه، وابشع من النظام الذي واجهه الامام الحسين، عليه السلام. وحين ردد السوريون شعارهم السالف الذكر، فقد كان قدوتهم في ذلك الإمام الحسين، في كربلاء، وهو تحت الحصار والتهديد بالموت، مع صحبه وعياله القلائل، مواجهاً اعتى عتاة الشرّ والإجرام آنئذ، فقال في خطبة عاشوراء: "ألا وإنّ الدعي ابن الدعي قد تركني بين السلة والذلة، وهيهات له ذلك منّي، هيهات منا الذلة. أَبى الله ذلك لنا ولرسوله والمؤمنون، وحجور طهرت، وجدود طابت، وأُنوف حميّة، ونفوس أبيّة أن يؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام". وعليه، خيار الشعب السوري في ثورته على نظام الأسد هو خيار الامام الحسين ضد الظلم والعدوان، الرافض للاستسلام للمهانة والذلّ. ولكن ثمّة من في لبنان والعراق وايران، لا يكتفي بدعوة الشعب السوري للاستسلام والاذعان لـ"يزيد العصر"، وفي الوقت عينه، يعلن هؤلاء؛ انهم من شيعة الامام علي بن أبي طالب، وبل يدعمون ويساندون نظام يزيد - الأسد بالعدّة والعتيد، ويسفكون دماء السوريين! يكفي الردّ عليهم، بما ردّ الحسين على أفراد من جيش الكوفة، الذين طلبوا الانصياع لحكم يزيد لكي ينعم بالسلامة قائلاً: "لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا إقرار العبيد" (مقتل الحسين للمقرّم: 280، تاريخ الطبري 323:4).
لم يعد خافياً لكل ذي ضميرٍ حيّ؛ أن سورية، في كل لحظة عاشوراء، وكل شبر من ترابها تحوّل الى كربلاء، نتيجة الحصار والذبح والتعذيب والتجويع والتدمير والأرض المحروقة الممارس عليها، وإزهاق أرواح النساء والشيوخ والاطفال والشباب، والتمثيل بجثثهم، على أيدي نظام الأسد وجلاوزته من شبّيحة وأمن وجيش!. ان ما يحدث في سورية، ينقطع له قلب التاريخ، ويهزّ أركان الوجود وأقطاره، فما بالكم من إيلامه ذوي القلوب الرقيقة والعقول الراحجة من أقطاب الفكر الشيعي، ورجالاته الأصلاء في لبنان. وعلى خطى نصرة الحسين في كربلاء ومشايعته ومبايعته إماماً وليّاً، مظلوماً شهيداً، أصدر سماحة السيّدين هاني فحص ومحمد حسن الأمين بيانهما "التاريخي"، معلنين فيه تضامنهما مع الثورة السورية والشعب السوري. وقالا فيه: "تواصلاً مع موروثنا الشيعي في مقارعة الظالمين، أياً كانوا، ونصرة المظلوم أياً واينما كان، والتزاماً منا بموجبات موقعنا الديني المنتقص من دون ان ينقص، بالقوة والجمهرة والكلام التعبوي اليومي والزبائنية السياسية والعلاقة الريعية". وأشارا الى دورهما الفكري الشيعي الاسلامي العربي والتنويري "الذي لا ينكره الا مكابر او غوغائي ووقوفهما الى جانب المقاومين للاحتلال الصهيوني لفلسطين ولبنان، والاحتلالات الوطنية، التي استخدمت فلسطين والعروبة والممانعة ضد شعوبها فقط". ودعا الأمين وفحص الشيعة في البيان "إلى الانسجام مع أنفسهم في تأييد الانتفاضات العربية والاطمئنان إليها والخوف العقلاني الاخوي عليها.. وبخاصة الانتفاضة السورية المحقة والمنتصرة باذن الله والمطالبة بالاستمرار وعدم الالتفات الى الدعوات المشبوهة بالتنازل من أجل تسوية جائرة في حق الشعب السوري ومناضليه وشهدائه مع ما يجب ويلزم ويحسن ويليق بنا وبالشعب السوري الشاهد الشهيد من الغضب والحزن والوجع والدعم والرجاء والدعاء، أن يتوقف هذا الفتك الذريع بالوطن السوري والمواطن السوري". مؤكدين أن "من أهم ضمانات سلام مستقبلنا في لبنان ان تكون سوريا مستقرة وحرة تحكمها دولة ديموقراطية تعددية وجامعة وعصرية". وتابع فحص والامين: "إننا نفصح بلا غموض أو عدوانية عن موقفنا المناصر غير المتردد للانتفاضة السورية، كما ناصرنا الثورة الفلسطينية والإيرانية والمصرية والتونسية واليمنية والليبية وتعاطفنا مع التيار الاصلاحي والحركة الشعبية المعارضة في ايران وحركة المطالبة الاصلاحية في البحرين وموريتانيا والسودان". وأبدى الأمين وفحص "استعدادهما لمناصرة أي حركة شعبية ضد أي نظام لا يسارع إلى الاصلاح العميق تفادياً للثورة عليه واسقاطه"، معتبرين ان "الباطل الذي كان دائما زهوقاً قد زهق، اما احقاق الحق فطريقه طويل ومعقد ومتعرج، وفيه كمائن ومطبات كثيرة، ويحتاج إلى صبر وحكمة ويقظة وحراسة لدم الشهداء، حتى لا يسطو عليه خفافيش الليل وقطعان الكواسر.. ويحتاج الى شفافية وحوار وود ونقد. ولن نبخل بالود الخالص والنقد المخلص، آتين الى الحق والحقيقة والنضال والشهادة من ذاكرتنا الإسلامية النقية ومن رجائنا بالله ومن كربلاء الشهادة التي تجمع الموحدين وتبرأ الى الله من الظالمين".
الحقّ أنه لخطابٌ كربلائيٌّ أصيل، لا يصدر إلاّ من حفيدين حقيقيين لسيّد شباب الجنّة، أبا عبدالله الحسين. انه الخطاب الخالص المخلص للإرث الحسيني الكربلائي في المقاومة ومقارعة الظلم والظالم، أيّاً كان، وأين كان. وهو ليس بجديد عن هذين العالمين الإسلاميين الجليلين، بل أتى تتمّة لمواقف وتصريحات سابقة، مؤيّدة للثورة السوريّة، وناقدة لكلّ توجّه لبناني، مؤيّد وداعم للنظام السوري.
بيان السيّدين فحص والأمين، هو لسان حال قطاعات واسعة من النخب الثقافيّة والدينيّة الشيعيّة اللبنانيّة والعراقيّة، غير التابعة للسلطة الإيرانية. ولا يتسع هنا المقام لذكر عشرات الأدباء والشعراء والمثقفين والساسة اللبنانيين والعراقيين ممن يدعمون الثورة السوريّة، وينتقدون موقف ايران ودكاكينها السياسيّة في لبنان والعراق. ولعمري أنه لو كان سماحة السيّد محمد حسين فضل الله وسماحة الشيخ محمد مهدي شمس الدين على قيد الحياة، لكانا الى جانب الأمين وفحص في بيانهما التاريخي السالف الذكر. ذلك أنه أقلّ ما يقال في هذا البيان، انه اصطفاف مع المظلوم كائناً من كان، ضدّ الظالم الذي ربما يمتّ بآصرة بالمذهب او الطائفة، وعدم ترجيح العصبيّة المذهبيّة والطائفيّة على مناصرة المظلوم ضدّ الظالم. هذا البيان، كان له وقع البلسم والمرهم لجراح السوريين، وسط ما يقترفه حزب الله وباقي الزواريب السياسيّة (السوريّة - الايرانيّة) في لبنان والعراق من جور وظلم بحقّ الثورة السوريّة، ونصرتهم لنظام القتل والاجرام الاسدي. هذا البيان، هو بمثابة انشقاق عمّن يريد زجّ الطائفة الشيعيّة الكريمة في هذه الحرب القذرة والدنيئة ضد الشعب السوري وثورته على طغمة الآسد وشبّيحته. انه بيان العقل والروح الشيعي الأصيل، الذي لن ينساه الشعب السوري، بكل مكوّناته الدينيّة المذهبيّة والقوميّة والعرقيّة. وسيكون مادّة للدراسة والتحليل، كوثيقة دالّة عن عمق تنويري - ثقافي معرفي، وحساسيّة وطنيّة ديموقراطيّة، وبُعد تاريخي حضاري، لدى فحص والامين تأكيداً على المواقف الحازمة والحاسمة في مواجهة الدوغما العقيديّة التي تدفع بالمحازبين نحو التورّط في الحروب الظالمة. انه نداء العقل والروح لكل من تورّط في سفك دماء السوريين، بأن يعود الى صواب كربلاء الحسين، وألاّ يكون مع الظالم، لأن الأخير من قومه أو دينه أو مذهبه أو طائفته!. انه بيان العقلانيّة الدينيّة، في أرقى أشكال حساسيّتها وتنبّهها لمخاطر التحزّب الأعمى للدين او المذهب او الطائفة. لذا، لا غرابة في اعتبار الدوغمائيين والطائفيين لفحص والامين على انهما "خائنان" و"مارقان"، لكونهما شقّا عصا الطاعة لايران وحزب الله اللبناني، المنخرطين في قمع الثورة السوريّة الى جانب نظام الأسد.
نشرت صحيفة "الحياة" لكاتب هذه الأسطر، مقالاً بعنوان: "آن للسيّد السيستاني أن يخرج عن صمته" (الثلاثاء 20/03/2912). وكان المقال، نداء موجّهاً لسماحة السيّد علي السيستاني، كي يعلن عن موقف حيال المجازر الوحشيّة التي يرتكبها نظام الأسد بحق ابناء الشعب السوري، وان يبدي موقفه من التورّط الايراني وحزب الله اللبنانيّ وبعض الاحزاب العراقيّة الايرانيّة في هذه ارتكاب هذه المذابح الى جانب نظام الأسد. إلاّ ان السيستاني لا زال على صمته!. والى جانب استمرار هذا الصمت المريب، يظهر مدى نبل وعظمة وسموّ صرخة فحص الأمين في بيانهما.
قصارى الكلام: إذا كانت وثيقة فحص الأمين بيان دعم للثورة السوريّة، فيه في الوقت عينه، بيان تنديد وشجب وإدانة لكل من يدعم نظام الأسد. وعليه، هكذا يكون الاخلاص لنهج الحسين، عبر إدانة المعايير المزدوجة بأن يكون المرء مع ثورة المظلومين في مكان ما، وضدّ هذه الثورة في مكان آخر، لكون الظالم المستبدّ هنا، من نفس طينة الملّة او الطائفة او الحزب. بيان الأمين فحص، أكّد ان حزب الوطن، أكبر وأعظم وأسمى من حزب الدين والملّة والطائفة. وأن حزب الإنسان المظلوم، كائناً من كان، هو الأكثر قوّةً من حزب البنادق والسلاح والصواريخ. كما أكّد البيان؛ ألاّ مكان للشيعة إلاّ في محيطهم الوطني الديموقراطي، بعيداً من المحاور السياسيّة الطائفيّة، اللاوطنيّة.
() كاتب كردي سوري
الخميس، 23 أغسطس 2012
وحشية نظام الاسد طغت على وحشية هولاكو
النص الكامل لكلمة جنبلاط في إفطار مؤسسة العرفان التوحيدية:
”ها هي مؤسسة العرفان التوحيدية تجمع أهل الشوف والاقليم، تجمع أهل الجبل على مختلف مشاربهم الروحية والسياسية في هذا الشهر الكريم، وذلك للتأكيد على التلاقي والتآخي والمصارحة، وعلى العيش المشترك والتنوع والتعدد.
فشكراً لأهل العرفان على هذا التقليد الذي هو جزء من أصالتهم وأصالة القيمين على المؤسسة، وشكراً لأهل الشوف والأقليم والجبل وكافة الفاعليات الامنيّة والاهليّة والاجتماعيّة والبلديّة والسياسيّة والجميع على تلبيتهم الدعوة، وشكراً للحاج جميل بيرم على كل ما قدّم وما يقدم.
إنه اللقاء الثاني بعد الانعطافة السياسيّة التي قمت بها مع رفاقي في جبهة النضال الوطني عام 2011 والتي أملتها ظروف آنذاك بالغة التعقيد وكان الهم الاول فيها منع الفتنة، وقد نجحنا بقيادة الرئيس ميشال سليمان ومساعدة الرئيس نجيب ميقاتي، ولا أنسى ولن أنسى دور الرئيس نبيه بري في تذليل عقبات كبيرة مرّت في مسيرة هذه الحكومة. واذا كان من إنجاز اساسي لهذه الحكومة فهو التزامها تمويل المحكمة الدولية الخاصة بإغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه وللتأكيد على المعاهدة التي تربط لبنان بالامم المتحدة، وأياً كان حجم الاحداث المحيطة الذي كاد ان يطغى على مسار المحكمة إلا ان العدالة لا بد ان تأخذ مجراها ولو بعد حين في المحكمة او في مياه الأنهر، وللذين يدحضون او يشككون بالقرار او القرارات الظنية للمحكمة فخير طريقة لهؤلاء هي في دحض الحجة بالحجة والقرينة بالقرينة امام هذه الهيئة، أي المحكمة.
وفي سياق الثورات العربية، كان للحزب التقدمي الاشتراكي الموقف الطبيعي والموضوعي والمنسجم مع تراث مؤسسه بضرورة إسقاط “السجن العربي الكبير” وبحتميّة إنتصار الشعوب في مطلبها العادل بالعيش الكريم والحر، وفي رفضها لأنظمة القمع والاستبداد والظلم والقهر. وهكذا وقف الحزب الاشتراكي الى جانب الثورات، كل الثورات، من تونس الى اليمن الى ليبيا الى مصر الى البحرين، آخذا بعين الاعتبار الظرف او الظروف الخاصة لكل من تلك الثورات والاقطار.
وفي اذار 2011، في شهر الاستشهاد، إنطلقت الثورة السورية بفعل إنتفاضة أطفال درعا وعمّت كل سوريا تقريبا ولا تزال. وفي حزيران من ذاك العام، إنعتق الحزب وإنعتقت شخصياً من لحظة التخلي التي كانت بالاساس تخلٍ، وسار الحزب مرفوع الرأس مؤيداً الثورة السورية الشامخة الجبارة، وطالبتُ بهذا المجال مراراً وتكراراً في أوج المعارك المفصلية من درعا الى باب عمرو الى حمص الى حلب مروراً بغيرها من المحاور، طالبتُ كل الأندية العربية والدولية التي اعرفها بضرورة تسليح الجيش السوري الحر بالعتاد النوعي المضاد للدروع والطائرات ولا ازال.
إن وحشية هذا النظام تجاه البشر والحجر، نعم تجاه الانسان السوري، تجاه الحضارة السورية الفريدة من نوعها، إن وحشية هذا النظام فاقت كل تصور وطغت على وحشية هولاكو أيام المغول. وصمد الشعب السوري ولا يزال صامداً وسيبقى صامداً، صموداً اسطورياً، من ملحمة الى ملحمة، من مواجهة الى مواجهة، مع نظام الموت المدعوم من التنين الصيني والدب الروسي وقورش الفارسي.
صمد أعزلاً، وتسلح لاحقاً من اللحم الحي، وكل كلام آخر من هنا أو هناك حول سفن او غير سفن تسلّح الثورة كذب ونفاق، لتغطية المال والسلاح والعتاد والبوارج والخبراء والمقاتلين للحلف المشؤوم الذي سبق وذكرته والذي يريد سحق الثورة السورية، لكن أحرار سوريا سينتصرون. لذا، فإن الاسراع في إسقاطه سيوفر على سوريا مزيداً من الدمار والخراب ويوفر علينا الكثير الكثير.
التهى العالم العربي وما يسمى المجتمع الدولي بمبادرة تلوَ المبادرة، ولست لأعلق على كوفي أنان الفاشل أساساً من روندا الى البوسنة الى العراق واليوم سوريا، لكنني أنصح الاخضر الابراهيمي ان لا يقع في فخ مهمة محكومة اساساً بالفشل طالما أن الحلف المذكور المعهود يصر على التسوية مع النظام الحالي.
ويقفُ المرء مشدوهاً حائراً امام هذا التآمر الدولي على الشعب السوري والوطن السوري والكيان السوري والحضارة السورية والتراث السوري. فهل أن اصدقاء الشعب السوري الذين نظّموا المؤتمرات تلوَ المؤتمرات وكلها مؤتمرات فارغة وتافهة، هل أن هؤلاء وفي مقدمهم الولايات المتحدة الاميركية تفاوض مع الحلف الآخر مع اصدقاء النظام السوري مع الكل او مع البعض منه، الله اعلم، لترى كيفية توفيق بين أمن اسرائيل – تذكروا ما قاله رامي مخلوف اما نحن نحمي الحدود الشمالية لأسرائيل او الفوضى!! اذا هل هناك من مفاوضات للحفاظ على أمن إسرائيل ورسم خرائط جديدة للمنطقة ؟! سؤال مشروع ان يُطرح. سبق وذكرت التنين الصيني والدب الروسي، اما الاميركيون فلهم النسر- النسر الاميركي لكنه يبدو كالوطواط اليوم.
ختاماً، وفي السياق السوري، أعلمُ ان المنطقة التي انطلقت منها الثورة السورية في العشرينات قصّرت تقصيراً كبيراً في مواكبة ركب الاحرار في الثورة السورية. عملتُ جاهداً، ولا ازال، مع الذين كلفتهم من الرفاق في الحزب وغير الحزب بالتنسيق مع الجيش السوري الحر والمجلس الوطني والفاعليات المستقلة لمنع الفتنة التي نصبها النظام مرات ومرات. وإذ أحيي الناشطين والناشطات من أهل الجبل وغير الجبل والضباط والافراد الذين التحقوا بركب أحرار سوريا في الجيش السوري الحر والمجلس الوطني وغيرهما من الاندية، اقول لأحرار سوريا، ان الشبيحة مصيرهم الى الجحيم، واستروا يا احرار سوريا ما شاهدتم منّا من تقصير.
لبنانياً، اثمّن عالياً دور الرئيس ميشال سليمان في تصديه مراراً وتكراراً لجهات سياسية أو أجهزة امنية أصرّت على تسليم ناشطين ونشطاء الى الاجهزة السورية – الى الاعدام.
لبنانياً، لا مكان إلا لدولة واحدة هي وحدها تتخذ قرار الحرب والسلم، دفاعاً عن لبنان وفقط لبنان.
لبنانياً، نعم لتحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا بعد تحديد وترسيم الحدود لتلك المناطق وغيرها لا لمنطق التحرير من أجل التحرير خدمة لغير لبنان أو مساومة على لبنان. أما منطق التوازن، توازن الرعب خارج إطار الدولة فلا أنصحُ به، لأنه قد يجر البلاد الى الويلات والدمار.
لبنانياً، لا ينقص الجيش اللبناني، أفراداً وضباطاً ورتباء، لا ينقصهم الكفاءة والحرفية بإستيعاب سلاح المقاومة الموجود تدريجياً وفق خطة تأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الامنية للمقاومة.
لبنانياً، لا يمكن تحت شعار الجيش والشعب والمقاومة الاستمرار في هذه الشراكة الغامضة على حساب الدولة والجيش والامن والاقتصاد والمصير.
واخيراً، في قانون الانتخاب- والكلام ليس موجهاً للرئيس سليمان الذي نحترم وجهة نظره ونقدرها- أقول، وقد اكون مخطئاً، اذا انتصر الفريق الاخر بعضه أو كله، أي الثامن من آذار بكل مقوماته وحلفائه القدامى والجدد، ولست ادري من سيفرّخ على الطريق، لا أعتقد ان هناك مكان لوسطية أو تعدد أو تنوع، أو مكان لقرار مركزي للحرب والسلم للبنان خارج المحور الايراني وما تبقى من السوري، لا اعتقد ان هناك مكان لدولة القانون وحصرية الامن مع الجيش وقوى الامن، ومكان لقضاء مستقل ورئيس مستقل وجيش مستقل، مكان لدور لبنان غير منحاز وغير ملحق يلتزم فقط مواثيق الجامعة العربية والامم المتحدة واتفاق الهدنة ونصرة القضية الفلسطينية.
إذا إنتصر الفريق الاخر، بعضه او كله، لا مكان للأمل للفرح للاستفادة من طاقات الاغتراب الهائلة، لا مكان لشيء من الطمأنينة. سنبقى في هذه الحالة من التشنج والحرب الدائمة السياسية في الداخل، وعندما يقررون ربما الحرب في الخارج. أقول هذا الكلام لبعض من 8 اذار وليس للكل. بالامس شاهدنا ما جرى مع احدهم، صواريخ “بتطلع” وقنابل تأتي، هذا هو الواقع، هذا هو واقعهم، لكن اقول لرفيقي الشهيد جمال صعب بعد 30 عاماً: مرّت جثة الخصم وانتهت.
واذا انتصر الحزب التقدمي الاشتراكي مع مكونات 14 اذار ومستقلين يبقى أمل في التنوع والتعددية، في الحوار ورفض الالغاء في دولة واحدة، ورئيس مستقل وجيش مستقل، وقضاء مستقل، في شيء من الأمل والاطمئنان على الاقل في دولة قوية بعد الاستيعاب وحكومة وحدة وطنية.
كل عام وانتم بخير والسلام عليكم.
السبت، 21 يوليو 2012
الإخوان المسلمون السوريون يعقدون مؤتمرهم العام الأول في اسطنبول
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)