الأربعاء، 2 يناير 2013
النظام السوري في أيامه الأخيرة.. وهنا خطورة الموقف
افتتاحية مجلة الأمان الناطقة بلسان الجماعة الاسلامية في لبنان
العدد 1037، السنة العشرون، الجمعة 23 المحرّم 1434 هـ ،- 7 كانون الأول 2012 م
بات من مسلّمات السياسة اللبنانية لدى المراقبين، أنه إذا أردت أن تعرف ماذا يجري في لبنان فإن عليك أن تعرف ماذا يدور في سوريا. ولذلك فإن الحديث عن الأزمة السياسية اللبنانية المستحكمة، أو تشكيل الحكومة القادمة، أو اعادة توزع القوى السياسية اللبنانية.. هي مجرّد عبث في الوقت الضائع.. ليس لأن هذا الفريق أو ذاك تربطه صداقة أو عداوة بالنظام القائم في دمشق، ولكن لأن هذا هو قدَر لبنان واللبنانيين منذ استقلال كلّ من لبنان وسوريا، مروراً بالفترة الديمقراطية في سوريا مطلع الخمسينات، وحقبة الوصاية منذ أواسط السبعينات، وصولاً الى الخروج السوري من لبنان عام 2005، وادارة الأمور بالوكالة على الساحة اللبنانية كما هي الحال حتى الآن.
لذلك يهمنا - كلبنانيين - ما يجري في سوريا، ليس فقط لأن تداعياته تنعكس على ساحتنا اللبنانية، أو لأن أحداثاً أليمة تنقلها وسائل الاعلام يومياً، من قتل وذبح ونسف وتدمير، مما أدى الى حاجة سوريا لعشرات السنين من أجل ترميم بنيتها التحتية وأحيائها وقراها، فضلاً عن البنية السياسية التي لا يعرف أحد في أي اتجاه تكون.
لم تعرف البشرية في تاريخها القديم أو الحديث، نظاماً ملكياً أو امبراطورياً أو فرعونياً، فضلاً عن أن يكون جمهورياً، يقوم على مثلث: «وحدة، حرية، اشتراكية»، يوغل في قتل شعبه وإبادة بناه العمرانية والتحتية قصفاً بمدفعية الدبابات والطائرات، فضلاً عن تدمير الأبنية والمنازل فوق رؤوس ساكنيها، وجلّهم من الأطفال والنساء، لمدة تزيد على عشرين شهراً، ويبقى إعلامه يردد أنه نظام مقاومة وممانعة، وأنه يتعرض لمؤامرة خارجية، وأن شعبه ما زال متمسكاً به ومؤيداً له. لذلك يهمنا ما يجري في سوريا ليس فقط لنتقوى بها قومياً وإسلامياً، ولكن أيضاً لأن ما يزيد على مائة ألف من الأخوة السوريين يعيشون بيننا مشرّدين في القرى وشوارع المدن، لا يجدون مأوى ولا لقمة عيش..
لقد صبر الشعب السوري طويلاً، لأن نظامه الحاكم مارس ضده كل أشكال القمع ومصادرة الحريات والإبادة الفكرية والسياسية. لذلك يستدعي اعادة البنية الحزبية والسياسية مراحل طويلة ريثما يتشكل «المجلس الوطني السوري» أو «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة»، وهذا ما جرى انجازه خلال الشهور العشرين الماضية.. وبالتالي فإنه يمكن القول بأن القضية السورية نضجت بما يكفي لتسجيل الضربة القاضية باتجاه النظام، بعدما يئست القوى الداعمة له من امكانية خروجه من الأزمة، وتبيّن للقوى الإقليمية والدولية أن هذه المأساة لم يعد يحتملها الضمير العالمي ولا أي ميزان لحقوق الانسان. ومن هنا فإن مجموعة عوامل ومؤشرات باتت تؤكد أن الأزمة بلغت أيامها (أو شهورها) الأخيرة، وهذه أبرز مؤشرات ذلك:
- لقد فقد النظام معظم رصيده في مختلف المدن والأرياف السورية، وباتت مراكزه الأمنية وحواجزه العسكرية وحدها التي يسيطر عليها. اضافة الى ملايين النازحين داخل الأراضي السورية ومئات ألوف المشردين في الأقطار المجاورة.. كل هؤلاء ضد النظام.
- بلغت الانشقاقات المدنية والعسكرية والدبلوماسية ذروتها بخروج عدد كبير من ذوي الرتب العالية الى الأراضي التركية والأردنية، فضلاً عن انشقاق رئيس وزراء النظام (رياض حجاب)، والناطق باسمه (جهاد المقدسي).
- استعمال سلاح المدرّعات وسلاح الجو، واسقاط عدد كبير من الطائرات يدل على عدم قدرة قوات الأمن والشبيحة وسلاح المشاة على مواجهة الثائرين.
- يأس القوى الاقليمية والدولية من امكانية تماسك النظام، سواء في ذلك الموقف الروسي أو الإيراني. وعلى الرغم من أن ايران سوف تتابع دعمها للنظام حتى النفس الأخير، ولكنها باتت تلهث من أجل عقد أي لقاء مع قوى المعارضة. وقد عقدت منذ اسبوعين لقاء في طهران للقوى السياسية السورية، لكنها لم تجد من بين المشاركين اسماً واحداً تعلنه وتفاخر به. أما الموقف الروسي فيعبّر عن حرص الرئيس بوتين على التواصل مع القيادة التركية القريبة من أجواء المعارضة، والجلسات الحميمة التي ضمت الرئيس التركي الى الرئيس أردوغان، في محاولة للوصول الى مخرج يحفظ ماء الوجه للقيادة الروسية. وقد عبّر وزير خارجية روسيا عن ذلك بتأكيده على ضرورة الوصول الى مخرج «مشرّف» من الأزمة.
- اللقاء الذي عقده وزير الخارجية السعودي (سعود الفيصل) مع رئيس الائتلاف الوطني الشيخ أحمد معاذ الخطيب في الرياض، وحديث الأمير سعود عن «عملية الانتقال السياسي للسلطة للحفاظ على سوريا موحدة أرضاً وشعباً..»، مما يشكل أول اعتراف سعودي رسمي بالثورة..
- الحديث الأميركي المتكرر عن استخدام النظام أسلحة كيماوية في المواجهة القائمة، رغم أن النظام أعلن أكثر من مرة أن هذا النوع من الأسلحة هو في حماية الجيش النظامي، وأنه لن يستعمله الا في مواجهة عدوان خارجي. وهذا يؤشر الى ان الادارة الأميركية تفتش عن ذريعة تبرّر بها تدخلها العسكري. فبالاضافة الى الموافقة على نشر بطاريات صواريخ باتريوت على الحدود التركية مع سوريا، فإن هذا يعيد الى الذاكرة استخدام امتلاك نظام صدام حسين عام 2003 أسلحة الدمار الشامل كمبرر لغزو العراق.. مع أن هذا السلاح لم يكن موجوداً.
رغم كل ما سبق من مؤشرات، توحي بأن الدوائر الغربية باتت على وشك توجيه ضربة قاضية الى النظام، فإن هذا يلقي على كاهل القوى السورية (الإسلامية والوطنية) مسؤولية تاريخية، في أن لا تكون أداة في أي مشروع أميركي، حتى لو كان المشروع يرمي الى اسقاط النظام في سوريا. وقد سبق لقوى وطنية عراقية أن مارست هذا الدور، وعادت الى العراق خلف الدبابات الأمريكية، لكن هذا الدور لم يكن مشرفاً، والتاريخ لم يغفر لها ذلك.. فهل تعي قوى الثورة السورية خطورة الموقف؟