الأربعاء، 2 يناير 2013
الشرق الاوسط.. أهي الفوضى، ام مرحلة الشعوب؟
عادل عبد المهدي
اعتمد التوازن منذ مطلع القرن العشرين على عنصرين اساسيين. المظلة الراعية التي وفرها الاستعمارين البريطاني والفرنسي.. ثم بعد الحرب الثانية الدولتين العظميين المتصاعدتين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي. والثاني قيام الدول الوطنية الحاكمة للشعوب وليس المحكومة به، بعد تقاسم مناطق الخلافة حسب خرائط سايكس بيكو ووعد بلفور وقيام اسرائيل.
هذا التوازن بدأ بالتفكك التدريجي بسبب تفاعلات متبادلة لـ 1- العوامل المحلية كالثورات ودور الحركات الوطنية والقومية وعودة الاسلام السياسي.. والذي اخذ ابعاده المختلفة.. كما في ايران وتركيا ومصر والسودان وافغانستان.. والتغيير في العراق..والانتفاضات الشعبية في الدول العربية واسقاطها الكثير من الانظمة.. وكذلك حركات المقاومة لاسرائيل كما في لبنان، وفلسطين الذي تعزز مؤخراً بصواريخ غزة والاعتراف الاممي بالدولة الفلسطينية.. و2- العوامل العالمية كتفكك الاتحاد السوفياتي، وتراجع الولايات المتحدة من دولة عظمى الى دولة كبرى. لهذا تشهد دول منطقتنا تفككاً متزايداً لدولها، وسلطاتها الضابطة لامنها وتوازناتها الاجتماعية والاقليمية والدولية التي اقيمت على اساسها.
فمستقبل المنطقة يتارجح اليوم بين مساع جدية –والتي ستكون بطبيعتها منفعلة وعصبية- من شعوبها للوصول الى عقود تأسيسية او دساتير يمكن من خلالها بناء توازنات جديدة تعتمد على قوة الشعوب، وواقع نسيجها الحقيقي، بكل مطاليبه وتلاوينه.. لتاتي الدولة وحكوماتها حقيقية، متماهية مع الشعب، وليس منصّبة او مفروضة ومستقوية عليه.. او ستسود حالة من الانقسامات والفوضى التي ستأزم،
بل قد تفجر كيانات الدول لمصلحة سلطات الامر الواقع للجماعات والمناطق.. والتي ستكون مصادر قوتها الاساسية المركبات الاثنية او الدينية او المذهبية وامتداداتها الاقليمية وحظواتها الدولية.. يقابل ذلك عالم خارجي ودول كبرى وتكتلات عالمية، تراجعت فيها انماط التدخل، لاسيما جيوش المشاة.. دون ان يعني ذلك تراجع اشكال التدخل الاخرى او انخفاض مستوى اهتمامها بما يجري في الشرق الاوسط خصوصاً، او بقية ارجاء العالم عموماً.
فالشرق الاوسط في مرحلة تاريخية لم يشهدها سابقا.. يعيشها مكشوفاً دون رعاية دولية خاصة، وبتفكك واضح لسلطات الدولة، وبشفافية انفلتت فيه مكبوتات اجتماعاته الحقوقية والمفاهيمية والانتمائية.. مما يهدد بمرحلة غير قصيرة لتغليب الخلافات والتصادمات.. او بانتصار الشعوب ومطالبها المختلفة.. وهذا يتطلب مفاهيم جامعة وقيادات واعية، تحول الخلافات والتباينات الى تعددية وغنى وتكامل وتنوع لمصادر قوتها.. وتفهم اهمية وحدة مصير المنطقة وشعوبها ودولها.