الأربعاء، 2 يناير 2013

سامر سليمان.. وداعاً

حنا جريس

تعرفت على الدكتور سامر فى أواخر عام 2003، كان قد انتهى من رسالته للدكتوراة التى حصل عليها من معهد الدراسات السياسية فى باريس حول استخدام نظام الحكم فى مصر للدولة، والتى نشرها لاحقاً فى كتابه «النظام القوي والدولة الضعيفة»، كان سامر حينها يحاول الاقتراب كباحث فى العلوم السياسية والاجتماعية من ملف الاحتقان الطائفى، ومن ثم كانت المقابلة وبدأت الصداقة. على مدى السنوات التالية، اكتشفت فيه هذا المناضل الإنسانى الرائع الذى كرس علمه وفكره وجهده للدفاع عن حقوق المواطنين، خاصة الفئات المستضعفة والمقهورة، كان أكاديمياً من طراز رفيع يرفض السقوط فى غواية الانحياز أياً كانت مكاسبه، حريصاً على موضوعيته مهما كلفته من أعباء. وهكذا أصبح الأكاديمى والباحث الذى تربى فى بيئة يسارية علمانية نموذجاً للمثقف العضوى كما عبر عنه جرامشى، كان يمزج بين نشاطه السياسى والحقوقى وبحثه العلمى والفكرى ومن ثم كنت تراه مشاركاً ومناضلاً فى كافة الفعاليات السياسية والنشاطات، وكنت تجد فى كتاباته الصورة واضحة والسؤال دقيقاً والإجابة كاشفة. وخلال السنوات القليلة التالية، كنت ترى سامر فى كافة ساحات النضال السياسى والحقوقى، فقد كان أحد أهم مؤسسى مجموعة «مصريون ضد التمييز الدينى» والتى أخذت على عاتقها محاربة التمييز بين المواطنين على أساس الدين أو العقيدة حيث كان أيضاً أحد أهم مفكريها ومن أبرز ناشطيها، وما زلت أذكر حماسه الملهم وهو يحثنا على التمسك بشعار «الدين لله والوطن للجميع» باعتباره الشعار الجامع لكافة المواطنين، كما أنه الإطار الذى يجعلنا نستطيع الدفاع عن حقوق الفرق الدينية المختلفة حتى لو كانت صغيرة العدد وضعيفة مثل البهائيين. وعندما اندلعت ثورة 25 يناير، كان سامر فى أوج تألقه وحماسه، وما زلت أتذكر كيف جلسنا مع بعض الشباب؛ لنكتب بياناً للرد على خطبة المخلوع التى ألقاها عشية موقعة الجمل، كان يكتب بتركيز وحماس منشوراً ثورياً قوياً، كان يحاول أن يعبر عن روح الثورة فى الميدان بكافة تفاصيلها، كان ما كتبه هو الصيغة الأولى لأول بيانات ائتلاف شباب الثورة. فى الأسابيع التالية لتنحى الرئيس السابق، كان سامر من أوائل النشطاء والمفكرين الذين تنبهوا لأهمية ملء الفراغ الكبير فى الساحة السياسية بقوى سياسية منظمة، ولأنه كان مؤمناً بأن مصر بحاجة إلى يسار ديمقراطى قوى، فقد كان يدفع بكل قوة لبناء كيان حزبى يقوم على الديمقراطية والعدالة الاجتماعية كركيزتين أساسيتين باعتبارهما من المطالب الأساسية للثورة، طاف سامر على جميع أصحاب المبادرات للقيام بأحزاب، وساعد الجميع وبذل جهداً مع الجميع، كان له هدف واحد أن يجمع بين الخبرات السياسية والتنظيمية التى يملكها الكبار، والروح الثورية والطاقة الهائلة التى لقطاعات الشباب، فهذا هو المستقبل الذى يراه. رحم الله سامر، فعلى أكتاف مثله من مناضلى الظل الذين يقدمون كل ما لديهم من جهد وصحة ووقت، يبنى شبابنا بلداً جديداً تسرى فيه روح الثورة، الحرية والعدالة الاجتماعية وهما ما عاش ومات من أجلهما المفكر اليسارى والثورى والمناضل والإنسان سامر سليمان.